الاستفادة من العطلة الصيفية

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، والصلاة والسلام على عبده ورسوله وخليله وأمينه على وحيه نبينا وإمامنا وسيدنا محمد بن عبدالله، وعلى آله وأصحابه ومن سلك سبيله واهتدى بهداه إلى يوم الدين.

أما بعد:

أيها الإخوة المسلمون قال الله جل وعلا في كتابه العظيم وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ [النساء:131]، وقال : يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا [النساء:1]، وقال : يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ [الحج:1]، وقال تعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لَا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئًا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ [لقمان:33].

فالواجب على كل مسلم وعلى كل مسلمة أن يتقي الله وأن يستقيم على دينه، فجميع الثقلين خلقوا ليعبدوا الله كما قال سبحانه: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [الذاريات:56]، وقد أمروا بهذه العبادة كما قال تعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ [البقرة:21]، وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ [البينة:5]، وهذه العبادة يجب أن نعلمها وأن نتفقه فيها حتى نؤديها كما أمر الله، ولا طريق إلى ذلك إلا بالعناية بكتاب الله –القرآن- وتدبره والاستفادة منه. 

وهكذا السنة -سنة الرسول ﷺ- العناية بها وحفظ ما تيسر منها وسماعها من العلماء والاستفادة مما بينه الرسول عليه الصلاة والسلام في تفاصيل التقوى والعبادة التي خلقنا لها، فكل مكلف يلزمه أن يتفقه في الدين وأن يعرف العبادة التي خلق لأجلها، وهي توحيد الله والإخلاص له وتخصيصه بالعبادة، والإيمان به وبرسوله عليه الصلاة والسلام، والإيمان بكل ما أخبر الله به ورسوله مما كان وما يكون مما كان من أمر الدنيا وخلق السماوات وخلق الأرض وخلق آدم، وأمر الرسل وما جرى عليهم وعلى أممهم إلى غير ذلك، وما يكون في آخر الزمان من التغيرات، ومن أشراط الساعة وما يكون بعد هذا من قيام الساعة وحشر الناس وجمعهم بين يدي الله ثم القضاء بينهم ثم تفرقهم فريقين فريق في الجنة وفريق في السعير.

فالواجب التأمل لهذا الأمر والإعداد له ما دام الإنسان في هذه الحياة، وفي مهلة العمل، ولا طريق إلى هذا إلا بالعناية بكتاب الله وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام، فمنهما تعرف أحكام الله وتعرف سنة رسوله عليه الصلاة والسلام ويعرف الحق والباطل.

فالواجب على كل مسلم أن يتفقه في دينه، وأن يتبصر فيما يجب عليه، يقول النبي ﷺ: من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين، ومن ذلك تدبر القرآن عند القراءة، والإكثار من تلاوته مع التدبر والتعقل، العناية بسنة الرسول ﷺ وحفظ ما تيسر منها، وحضور حلقات العلم، كل هذا مما يفيد المؤمن والمؤمنة، وهكذا نرشد إلى سماع البرنامج المشهور نور على الدرب فإن فيه فائدة عظيمة، فأنصح بسماعه والاستفادة منه، ومن إذاعة القرآن وما فيها من الفوائد العظيمة والمحاضرات القيمة، فأنصح بسماع هذا وهذا، وأنصح كل مكلف أن يستمر في التفقه في الدين وأن يصبر وأن يجاهد نفسه في ذلك، وأن يسأل أهل العلم عما أشكل عليه من طريق الكتابة، من طريق الهاتف، من طريق المباشرة، كل هذا من التعلم والتفقه في الدين، والله يقول: فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ [النحل:43].

وبهذه المناسبة فإني أنصح جميع إخواني وأبنائي من طلبة العلم ومن سائر إخواني المسلمين أن يحذروا السفر إلى بلاد الكفار في هذه الإجازة -الإجازة الصيفية- لما في السفر إلى بلاد الكفرة من الأخطار العظيمة على الأخلاق والعقيدة، فأنصح الجميع بأن يحذروا السفر إلى الخارج، وأن يشتغلوا في بلادهم بالتفقه في الدين والعناية بالقرآن والاستكثار من تلاوته وتدبر معانيه، والعناية بمتونهم التي لديهم يحفظونها ويدرسونها، والعناية بالمكتبات التي عندهم يطالعون ويتفقهون ويتعلمون، كما أوصيهم بحضور حلقات العلم عند أهل العلم والاستفادة منها، والسؤال عما أشكل عليهم والمذاكرة بينهم فيما قد يخفى عليهم حتى يتضح الأمر ويعرف المطلوب.

هكذا ينبغي لطلبة العلم ولجميع المسلمين العناية بما ينفعهم والحذر مما يضرهم ولا شك أن التفقه في الدين هو من أعظم الأسباب لحصول العلم والفائدة، وللنجاة في الدنيا والآخرة لقوله عليه الصلاة والسلام: من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين، ولأن كل مكلف مخلوق للعبادة كما قال سبحانه: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [الذاريات:56]، وهذه العبادة لا تعرف إلا بعد التفقه في الدين، لا طريق إلى معرفتها إلا بالتفقه والتعلم والتبصر في كتاب الله وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام وسؤال أهل العلم عما أشكل حتى الموت، على كل مكلف أن يستمر في التعلم والتفقه في الدين والعمل حتى يموت كما قال الله سبحانه: إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ ۝ نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ ۝ نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ [فصلت:30-32].

فأثنى سبحانه على المؤمنين باستقامتهم على الحق وثباتهم عليه كما قال سبحانه: إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ [فصلت:30] يعني من المؤمنين، يعني قالوا ربنا الله، يعني إلهنا ومعبودنا وخالقنا ورازقنا هو الله وحده، هو المعبود بالحق، قالوه باللسان وأثبتوه في القلوب عن إيمان وإخلاص وصدق، ثم استقاموا على طاعة الله ورسوله فقالوا وعملوا كما قال الله لنبيه: فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ [هود:112]، فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ [الشورى:15] فلا بد من الاستقامة.

وفي الآية الأخرى يقول جل وعلا: إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ۝ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [الأحقاف:13-14] فأوصيكم أيها الإخوة وأيها الأبناء ونفسي بتقوى الله والاستقامة على الحق، فالمؤمن والمؤمنة يعترفان بالحق وينطقان به ويؤمنان به ويصدقانه بالعمل، كل مؤمن عليه أن يتفقه في الدين وأن يتعلم وأن يعرف الحق، وأن يعلم أن الله ربه وإلهه الحق، وهو معبوده الحق، وهو الخلاق الرزاق لجميع الخلق، وهو الكامل في أسمائه وصفاته وأفعاله لا شريك له ولا شبيه له سبحانه وتعالى.

فعليك يا عبدالله وعليك يا أمة الله الإيمان الصادق، عليكما جميعا أن تؤمنا بالله إيمانا صادقا بكل ما أخبر الله به ورسوله في كتابه الكريم وفي سنة رسوله الأمين عليه الصلاة والسلام، وأن تؤمن بالله وحده، وأنه هو الرب المستحق للعبادة، هو ربنا وخالقنا، وهو معبودنا الحق يجب أن نخصه بالعبادة من دعاء وخوف ورجاء وتوكل وذبح ونذر وصلاة وصوم وغير ذلك، العبادة حقه فمن صرف شيئا من العبادة لأصحاب القبور واستغاث بهم أو نذر لهم أو للأصنام أو للكواكب أو للأشجار والأحجار كفر بالله ودخل في دين المشركين الأولين، فالواجب الحذر وأن نخص الله العبادة دون كل ما سواه، وأن نتعاون في ذلك ونتواصى بذلك كما قال سبحانه: وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى [المائدة:2]، وقال سبحانه: وَالْعَصْرِ ۝  إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ ۝ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ [العصر:1-3].

ولا شك أن السفر إلى بلاد المشركين يسبب وقوع الشر الكثير إلا من عصم الله ورحم، ولا شك أيضا أن الاختلاط بأهل الشرك في أي مكان وأهل الغفلة والإعراض عن الله من أعظم الأسباب في قسوة القلوب وانحرافها عن الهدى، فالوصية الوصية الاستقامة على أمر الله والثبات على الحق وصحبة الأخيار والاستفادة منهم والحذر من صحبة الأشرار والحذر من السفر إلى بلاد الأشرار، وأن تستقيم على الحق في بلادك وفي الأماكن التي فيها الخير لك والمصلحة والعافية والعاقبة الحميدة. 

وأن تحذر دائما دائما أسباب الشر وأسباب الفتن وأسباب الانحراف لأنك مأمور بذلك، مأمور بأن تتقي الله وتحذر أسباب الفتن، قال جل وعلا: وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً [الأنفال:25]، والله يقول جل وعلا في كتابه الكريم في مواضع كثيرة: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ [البقرة:278] وهم مؤمنون يأمرهم بالتقوى، يعني الزموا التقوى واستقيموا عليها وحافظوا عليها حتى الموت، ومن هذا قوله سبحانه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102]، ويقول للنبي ﷺ: وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ [الحجر:99]. 

هذا هو رسول الله عليه الصلاة والسلام أفضل الخلق يأمره الله أن يستقيم على العبادة حتى الموت، فكل واحد منا عليه أن يستقيم، عليه أن يجاهد نفسه، عليه أن يثبت على الحق، وعليه أن يتفقه في الدين حتى يعرف الحق ويلزمه وحتى يعرف الباطل ويجتنبه.

والله المسؤول بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يوفقنا وإياكم جميعا لما يرضيه، وأن يصلح قلوبنا وأعمالنا جميعا، وأن يمنحنا الفقه في الدين، وأن يصلح ولاة أمرنا، وأن يوفقهم لكل خير، كما أسأله سبحانه أن يصلح جميع المسلمين في كل مكان، وأن يمنحهم الفقه في الدين، وأن يولي عليهم خيارهم ويصلح قادتهم، وأن يعيذنا وجميع المسلمين من مضلات الفتن وأسباب النقم، وأن ينصر دينه ويعلي كلمته، وأن ينصر من نصر الدين ويخذل من خذل الدين، وأن يعيذنا وإياكم وجميع المسلمين من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، إنه ولي ذلك والقادر عليه، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه وأتباعه بإحسان.