كيف تؤدي مناسك الحج

يُكبر مع كل حصاةٍ، يرمي الأولى التي تلي مسجد الخيف بسبع حصياتٍ، يُكبر مع كل حصاةٍ، ثم يرمي الوسطى بسبع حصياتٍ، يُكبر مع كل حصاةٍ، ثم يرمي الأخيرة بسبع حصياتٍ، كما فعل النبيُّ ﷺ.

ويُستحب له أن يقف بعد الأولى والثانية، إذا رمى الأولى يتقدم ويسهل ويجعل الجمرة عن يساره، ويرفع يديه ويدعو، كما فعله النبيُّ ﷺ، وبعد الوسطى كذلك يتقدم ويسهل عن زحمة الناس ويجعلها عن يمينه، ويرفع يديه ويدعو، ويستقبل القبلة، ويُلح في الدعاء، أما الأخيرة فيرميها ولا يقف عندها، الثالثة يرميها ولا يقف عندها.

وهكذا في اليوم الثاني عشر يرمي الجمرات الثلاث مثلما رماها في الحادي عشر بعد الزوال، الرمي كله بعد الزوال في الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر، كله بعد الزوال، الرجل والمرأة كلهم، ومَن لم يتيسر له الرمي بعد الزوال يرمي في الليل، ولا سيما النساء، فالليل أولى بهن؛ لأنه أقل زحمةٍ، فالرمي في الليل إلى طلوع الفجر، مَن لم يرمِ يوم الحادي عشر في النهار رمى ليلة اثنا عشر في الليل، ومَن لم يرمِ في الثاني عشر في النهار رمى ليلة ثلاث عشرة في الليل إلى طلوع الفجر، وإذا أدركه المبيت يوم الثاني عشر لزمه ألا يتعجل، يبقى حتى يرمي اليوم الثالث عشر بعد الزوال؛ لأنَّ الله - جلَّ وعلا - قال: وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ [البقرة:203]، والتعجل يكون قبل الغروب، فإذا غابت الشمس من يوم الثاني عشر ولم يتعجل وهو في منى يبقى حتى يرمي اليوم الثالث عشر.

وعلى الحجَّاج أن يبيتوا ليلة إحدى عشرة وليلة ثلاث عشرة في منى، هذا من واجبات الحج: المبيت في منى لمن كان في منى من الحجاج، إلا السّقاة والمرضى، مَن يشقّ عليهم المبيت في منى كالمريض الذي يحتاج إلى المستشفى والسّقاة فلا بأس، يسقط عنهم، وهكذا الرُّعاة كذلك لهم ترك المبيت لحاجة الرعي، والآن ما في إبل، ما في إلا الحج على السيارات، المقصود أنَّ الليل محلّ المبيت في منى لمن كان في منى ليلة إحدى عشرة وليلة ثنتي عشرة وليلة ثلاث عشرة لمن أدركه المبيت ولم ينفر من منى قبل الغروب.

والمشروع في هذه الأيام الإكثار من ذكر الله - جلَّ وعلا - والتكبير والتحميد: أيام أكل وشرب، وأيام ذكر، قال النبي ﷺ: أيام التشريق أيام أكلٍ وشربٍ وذكرٍ، فهي أيام الذبح، يوم العيد وثلاثة أيام بعده كلها أيام ذبح إلى غروب الشمس، إلى يوم الثالث عشر، أيام ذبح الهدايا والضَّحايا، ومَن فاتته هذه الأيام ولم يُهدِ واجبه ولم يذبح الواجب عليه قضاء ذبحه بعد ذلك، أما التطوع فإنه يذهب وقته بغروب الشمس في اليوم الثالث عشر، الضحايا والهدايا، والتطوع يذهب وقته بغروب الشمس في اليوم الثالث عشر، أما الهدي فهو واجب: هدي التمتع، الشيء المنذور يلزمه أن يفعله ولو خرج الوقتُ، يلزمه أن يذبح ولو بعد الوقت.

والسنة أن يأكل من الهدي، يأكل ويطعم ويتصدق من الهدي، ولا يُعطي الجازر أجرته من الهدي، الجزار يُعطى أجرته من خارج الهدي.

والواجب في الهدايا والضَّحايا أن تكون سليمةً من العيوب، يقول النبي ﷺ: أربع لا تجوز في الأضاحي: العوراء البين عورها، والعرجاء البين ضلعها، والمريضة البين مرضها، والهزيلة التي لا تُنقي لا تُجزئ هذه في الأضاحي، ولا في الهدايا، كذلك ما ذهب أكثر قرنها أو أذنها، وتُسمَّى: العضباء، وهكذا النقص: نقص في الأذن، أو في القرن، إذا تيسرت سليمةً من دون أي نقصٍ يكون أكمل وأفضل.

ومَن أخَّر الطواف حتى عزم على السفر أجزأه عن الوداع، ولكن الأفضل أن يُقدم الطواف في أيام منى: يوم العيد أو بعده، هذا هو الأفضل، يقدم طواف الإفاضة ويسعى إن كان عليه سعي بعده، ثم يبقى عليه طواف الوداع، إذا عزم على السفر يطوف للوداع سبعة أشواطٍ، ويُصلي ركعتين بعد الطواف، هذا هو الواجب على الحجاج، إلا الحائض والنُّفساء فليس عليهن وداع.

نسأل الله أن يُوفق الجميع لما يُرضيه، وأن يُعيذنا وإياكم من مُضلات الفتن، وأن يتقبَّل منا جميعًا، إنه سميع قريب، وصلى الله وسلم على نبينا محمدٍ، وعلى آله وأصحابه وأتباعه بإحسانٍ.

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومَن اهتدى بهداه.

أما بعد: فقد سبق الكلام فيما يتعلق برمي الجمار في هذا اليوم - يوم العيد - وفي أيام التَّشريق، ولكن نُكرر ذلك؛ لأنَّ بعض الحاضرين قد يكون لم يحضر الكلام بعد الظهر وبعد الصبح، فاليوم انتهى برمي جمرة العقبة فقط: سبع حصوات، جمرة العقبة لا يُرمى غيرها اليوم - يوم العيد - والذي ما رمى في النهار يرمي في الليل، هذه الليلة بعد المساء إلى طلوع الفجر يرمي عن يوم العيد إذا كان ما رمى يوم العيد، ولا شيء عليه، أما الأيام الثلاث فيُقال لها: أيام التَّشريق.

فالواجب على الحجاج أن يرموا الجمرات بعد الزوال في اليوم الحادي عشر والثاني عشر، أما الثالث عشر فهو مخير: مَن شاء رمى، ومَن شاء تعجل، أما اليوم الحادي عشر – غدًا - والثاني عشر فلا بدَّ من رميهما بعد الزوال، يرمي الثلاث بالجمار، كل واحدةٍ بسبع حصيات مثل حصى الخذف، مثل: بعر الغنم الذي ليس بالكبير، يُكبر مع كل حصاةٍ، يرمي الأولى، ثم الوسطى، ثم الأخيرة، ويُكبر مع كل حصاةٍ، ويقف بعد رمي الأولى، ويجعلها عن يساره، ويدعو ربَّه، ويرفع يديه، مستقبل القبلة، وهكذا بعد الثانية؛ يتقدم ويجعلها عن يمينه، ويرفع يديه ويدعو ربَّه، مستقبل القبلة، كما فعل النبيُّ ﷺ، أما الأخيرة فلا يقف، يرميها وينصرف، وهكذا في اليوم الثاني عشر يفعل كذلك.

والذي قد وكَّل يرمي عن نفسه، ثم عن مُوكله، عند كل جمرةٍ يرمي سبعًا عن نفسه، ثم سبعًا عن موكله، وإذا كان الموكلان اثنان أو ثلاثة رمى عن كل واحدٍ سبعًا، ثم الثانية كذلك، ثم الثالثة كذلك، عند كل جمرةٍ.

وإذا غابت الشمسُ يوم الثاني عشر وهو لم ينفر يلزمه البقاء حتى يرمي يوم الثالث عشر، وإن نفر إلى مكة قبل غروب الشمس في يوم الثاني عشر فلا بأس، وعليه أن يُودع البيت قبل أن يخرج بسبعة أشواطٍ، يطوف سبعة أشواطٍ لوداع البيت، ومَن تأخَّر إلى اليوم الثالث رمى بعد الزوال في اليوم الثالث إلى غروب الشمس، وبغروب شمس اليوم الثالث – يعني: الذي هو اليوم الرابع - اليوم الثالث من أيام التَّشريق بغروب الشمس ينتهي الرمي.

والواجب على الحجاج المبيت ليلة إحدى عشرة - هذه الليلة - وليلة اثنتي عشرة في منى، إلا مَن له عذر شرعي: كالمريض الذي يحتاج للمُستشفى، وكالسُّقاة، مَن له عذر شرعي فلا بأس أن يدع المبيت.

والذي يفوته الرمي في النهار يرمي في الليل غدًا بعد الزوال، وفي الليل أيضًا إلى طلوع الفجر، وبعد غدٍ كذلك بعد الزوال، وفي الليل إلى طلوع الفجر، أما اليوم الثالث فالرمي فيه إلى غروب الشمس، ينتهي الرمي بغروب الشمس في اليوم الثالث، وهو اليوم الرابع بالنسبة ليوم العيد، وهو الثالث من أيام التشريق.

والحائض والنفساء ليس عليهما وداع، إنما الوداع على غيرهما، ومَن أخَّر طواف الزيارة - طواف الإفاضة - وطاف عند الخروج أجزأ عن الوداع، ولو كان معه السعي أجزأ عن الوداع.

وفَّق الله الجميع، وبارك في الجميع، وتقبل من الجميع، وصلى الله وسلم على نبينا محمدٍ وعلى آله وأصحابه.

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومَن اهتدى بهداه.

أما بعد: فقد سبق فيما مضى من الأيام درس فيما يتعلق بحكمة خلق الجن والإنس، وبيان الغاية من خلق هؤلاء – العالم - وأن الله - جلَّ وعلا - خلقهم لحكمةٍ عظيمةٍ، وغايةٍ حميدةٍ، يجب أن يعلمها المكلَّفون، ويجب أن يدرسوها ويتفقَّهوا فيها ويُعلِّموها غيرهم، والحج جزء منها، جزء من العبادة التي خُلقوا لها، فالله خلقهم لحكمةٍ عظيمةٍ، وأمرٍ عظيمٍ، وهو أن يعبدوه ولا يُشركوا به شيئًا، لم يخلقهم عن حاجةٍ به إليهم، ولم يخلقهم عبثًا ولا سُدًى ولا باطلًا، بل خلقهم لأمرٍ عظيمٍ، وحكمةٍ عظيمةٍ، وهي أن يعبدوه ولا يُشركوا به شيئًا، وهو الغني عنهم، قال تعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ ۝ إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ [فاطر:15- 16]، فالعباد هم الفقراء إلى الله، وهو الغني عنهم - جلَّ وعلا -، ولم يخلقهم عبثًا ولا سُدًى كما زعم ذلك أهلُ الباطل، وأنكره عليهم سبحانه فقال: أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى [القيامة:36] يعني: مُعطلًا مُهملًا، كلا، أنكر هذا - جلَّ وعلا - بقوله: أَيَحْسَبُ استفهام وإنكار، أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى ۝ ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى ۝ فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى ۝ أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى [القيامة:37- 40].

هذا الذي سوَّاك وطوَّرك هذا التطوير يُهملك ويجعلك سُدًى؟! يتعالى ويتقدس عن ذلك، قال تعالى: أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ ۝ فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ [المؤمنون:115- 116]، تَنَزَّه عن هذا الحسبان الظالم، فلم يخلقهم عبثًا ولا باطلًا، قال تعالى: وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلًا ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ [ص:27].

أنت يا عبدالله من أفراد الإنس، وهكذا الجن كلهم لم يُخلقوا عبثًا: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [الذاريات:56]، يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [البقرة:21]، يجب التَّفقه في هذه العبادة، والتبصر فيها، ويقول - جلَّ وعلا - في إرسال الرسل عليهم الصلاة والسلام: وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ [النحل:36]، ويقول تعالى: وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ [الأنبياء:25].

فالواجب على أهل العلم أن يُبينوا هذه الحكمة كثيرًا، وأن يُفهموها الناس جميعًا، رجالًا ونساءً، الله خلقهم ليعبدوه، ثم ما هي هذه العبادة؟ لا بدَّ من بيانها، لا بدَّ من بيان هذه العبادة التي أنت مخلوقٌ لها، والقرآن بيَّنها، والسنة بيَّنتها، القرآن الكريم أُنزل لبيان هذه العبادة، والسنة الصحيحة عن رسول الله ﷺ جاءت ببيان ذلك، والقرآن أمر بهذا، قال: وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا [النساء:69]، وقال: مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ [النساء:80]، وقال: وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا [الحشر:7]، وقال النبي ﷺ: مَن يُرد الله به خيرًا يُفقهه في الدين.

فالقرآن الكريم يأمر بطاعته وطاعة رسوله عليه الصلاة والسلام؛ بطاعة الله وطاعة رسوله عليه الصلاة والسلام، وهو البيان لما خُلقت له من العبادة مع سنة الرسول ﷺ، فالأوامر التي في القرآن والنواهي في القرآن والسنة هي الحكمة التي خُلقنا من أجلها، وأعظمها وأساسها شهادة أن لا إله إلا الله وأنَّ محمدًا رسول الله، هذه أساس هذه العبادة وأصلها: أن تشهد عن علمٍ ويقينٍ وصدقٍ أنه لا إله إلا الله، أي: لا معبودَ حقّ إلا الله، كما قال : ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ [الحج:62]، وقال تعالى: وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ [البينة:5]، وقال تعالى: فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ ۝ أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ [الزمر:2- 3]، وقال تعالى: وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ [الإسراء:23]، وقال تعالى: وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا [النساء:36]، والآيات في هذا المعنى كثيرة.

والنبي ﷺ يقول: مَن يُرد الله به خيرًا يُفقهه في الدين، والتَّفقه في الدين تفقه في الحكمة التي أنت مخلوقٌ لها، ما هي الحكمة؟ هي أداء ما أوجب الله، وترك ما حرَّم الله، هذه هي الحكمة، وأصلها وأساسها وأعظمها: توحيد الله، والإخلاص له، والإيمان برسوله محمد ﷺ، وهذا هو معنى الشهادتين: شهادة أن لا إله إلا الله، وأنَّ محمدًا رسول الله، هاتان الشهادتان هما أصل الدين، هما أساس الملة، هما الركن الأول من أركان العبادة.

وأركان الإسلام أن تشهد أنه لا إله إلا الله عن علمٍ وصدقٍ، بالقلب واللسان وبالعمل، وأن تشهد عن علمٍ ويقينٍ وصدقٍ أنَّ محمدًا رسول الله إلى الناس عامَّة، إلى الجن والإنس، من العرب والعجم: قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا [الأعراف:158]، وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا [سبأ:28]، وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ [الأنبياء:107].

ثم بقية الأركان: الصلوات الخمس، الركن الثاني، وهي أعظم العبادات وأهمها بعد الشهادتين: الصلوات الخمس، الواجب العناية بها، والتَّفقه فيها، والعناية بها، وأداؤها في بيوت الله في المساجد، والمحافظة عليها في أوقاتها مع إخوانك في المساجد، هذا شأن الرجل، والمرأة تُصليها في البيت في أوقاتها، مع العناية والخشوع والطمأنينة، كما قال تعالى: حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى [البقرة:238]، وقال تعالى: قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ ۝ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ [المؤمنون:1- 2]، وقال تعالى: وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ [البقرة:43]، ووَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ [النور:56]، وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ [العنكبوت:45]، مَن أقامها نهته عن الفحشاء والمنكر؛ لما فيها من العلم والتَّوجيه إلى الله، وعمارة القلوب بخشيته ومحبَّته، فمَن أقامها كما أمر الله نهته عن الفحشاء والمنكر، وابتعد عن كل شرٍّ.

ثم الزكاة حقّ المال الركن الثالث، لا بدَّ منها، على كل مَن لديه مال تجب فيه الزكاة أن يُؤديها طاعةً لله وتعظيمًا له، فإن لم يفعل عُذِّب به يوم القيامة، مَن لم يُزَكِّ ماله عُذِّب به يوم القيامة، كما قال تعالى: يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ يُقال لهم: هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ [التوبة:35]، فالواجب الحذر من البخل بالزكاة، والتساهل في إخراجها إلى مُستحقيها.

والرابع: صوم رمضان، الركن الرابع، يجب على المكلَّفين جميعًا من الرجال والنساء أن يصوموا رمضان كما أوجب الله في قوله سبحانه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [البقرة:183]، ثم بيَّن أنَّ هذا عن الصيام فقال: شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ [البقرة:185].

ثم الحج: قال تعالى: وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا [آل عمران:97]، وهو الركن الخامس، يجب على كل مُكلَّفٍ ومُستطيع أن يحجَّ مرةً في العمر، يقول النبي ﷺ: الحج مرة، فمَن زاد فهو تطوع، فالواجب على جميع المكلَّفين الحج مرة في العمر مع الاستطاعة، والتَّكرار قربة وسنة، لكن الواجب مرة في العمر، حجة واحدة على الرجال والنساء حسب الطاقة: وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ.

والنبي عليه الصلاة والسلام قال: بُني الإسلام على خمسٍ، ثم فسَّرها فقال: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت، ولما سأله جبرائيل عن الإسلام قال عليه الصلاة والسلام: الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، وأن تُقيم الصلاة، وتُؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت إن استطعتَ إليه سبيلًا، هذا هو الإسلام، هذه أعماله الظاهرة، وكل عملٍ أمر الله به فهو من الإسلام، وكل أمرٍ نهى الله عنه فتركه من الإسلام.

ومن الإسلام أركان الإيمان الستة: أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، وبالقدر خيره وشره، كما بيَّن ذلك الرسول ﷺ لما سأله جبرائيل عن الإيمان، فالإيمان أصوله الباطنة الستة، أصول الإسلام الباطنة، والخمسة أصوله الظاهرة، ومتى أُطلق الإسلام دخل فيه الإيمان، ومتى أُطلق الإيمان دخل فيه الإسلام، فقوله تعالى: إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ [آل عمران:19] يعني: والإيمان داخلٌ فيه، الإيمان والإحسان، وقوله ﷺ: الإيمان بضع وسبعون شعبة داخل فيه الإسلام، فالإسلام داخل في الإيمان عند الإطلاق، والإيمان داخل في الإسلام عند الإطلاق: إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ، والواجب التَّفقه في ذلك، والعمل بذلك.

وهذا اليوم اليوم الأول من أيام التشريق الثلاثة التي قال فيها - جلَّ وعلا -: وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ [البقرة:203]، وقال فيها النبيُّ ﷺ: أيام التَّشريق أيام أكلٍ وشربٍ وذكرٍ لله ، هذه أيام التَّشريق، أولها هذا اليوم، ويُسمى: يوم القرّ؛ لأنَّ الحجاج يقرون في منى، ليس عندهم رحيل، واليوم الثاني هو يوم النَّفر الأول – غدًا - واليوم الثالث - وهو يوم الجمعة - يوم الثالث عشر، هو النفر الآخر.

والواجب على الحجاج اليوم أن يرموا الجمار الثلاثة، كل جمرةٍ بسبع حصيات مثل حصى الخذف صغيرة، تُشبه بعر الغنم الذي ليس بالكبير، كل واحدةٍ تُرمى بسبع حصيات، سواء عن نفسك، أو عن غيرك، عليك أن ترمي كل جمرةٍ بسبع حصيات، وإذا كان معك طفل أو مُوكل رميت عنه أيضًا، إذا كنت نويتَ عنه الحج ترمي، تبدأ بنفسك وترمي سبعًا، تُكبر مع كل حصاةٍ، في الحوض، ما لزوم الشاخص، الحوض، فإذا وقعت فيه فالحمد لله، ولو تدحرجت ما يضرّ، ثم ترمي عن موُكلك سبع حصيات، تُكبر مع كل حصاةٍ، ثم تنتقل إلى الثانية وترميها عن نفسك بسبع حصياتٍ، وعن مُوكلك كذلك، ثم تنتقل إلى الثالثة وترميها عن نفسك بسبع حصياتٍ، وعن مُوكلك إذا كنتَ وكيلًا، تُكبر مع كل حصاةٍ، هذا اليوم يوم القرّ.

والأفضل أن تقف بعد الأولى والثانية، إذا رميت الجمرة الأولى الأفضل أن تتقدم وتسهل وتجعل الجمرة عن يسارك، وتستقبل القبلة وتدعو، وترفع يديك، وتسأل ربَّك، وتُلح في الدعاء، كما فعل النبيُّ ﷺ، وهكذا بعد الثانية تُقدم وتسهل وتجعلها عن يمينك، وترفع يديك وتدعو، وتستقبل القبلة، هذا هو المشروع، أما الثالثة لا، لا تقف عندها، ترميها وتنصرف.

وهكذا غدًا - يوم الثاني عشر - ترمي الجمار الثلاث مثلما رميتها في اليوم الأول، كل واحدةٍ بسبع حصيات عنك وعن وكيلك: عن زوجتك العاجزة، أو أبيك العاجز، أو أمك العاجزة، أو طفلك، ثم ترمي الثانية كذلك بسبعٍ، ثم الثالثة بسبعٍ كما فعلتَ في اليوم الذي هو اليوم، وتقف عند الأولى بعد أن تسهل وتقدم عن زحمة الناس، تستقبل القبلة، وترفع يديك وتدعو، وتجعلها عن يسارك، والوسطى كذلك تقدم وتسهل وتجعلها عن يمينك، وترفع يديك وتدعو، تستقبل القبلة، كما فعلتَ في اليوم الحادي عشر.

وكل هذا بعد الزوال، جميع الرمي بعد الزوال، أما يوم العيد فكله رمي كما تقدم، أمس يوم العيد كله رمي، جمرة العقبة فقط جمرة واحدة، وتقدم أنَّ مَن لم يرمها في النهار رماها في الليل، قال بعضُ أهل العلم: إنه يرميها اليوم بعد الزوال قبل رمي اليوم، إذا فاته يوم العيد رماها اليوم بعد الزوال قبل رمي اليوم، ولكن الصحيح أنه يجوز رميها في الليل البارحة، جمرة العقبة فقط.

ويُذكر أن بعض الناس يرمي الجمر الثلاث البارحة، وهذا جهل وغلط، ما تُرمى الجمار الثلاث البارحة، جمرة العقبة فقط ترمى لمن لم يرمِ في نهار العيد، جمرة العقبة فقط تُرمى لمن لم يرمِ في النهار أمس على القول الصحيح، لكن الليلة الآتية تُرمى الثلاث، مَن لم يرمِ بعد الزوال اليوم يرميها الليلة الآتية إلى آخر الليل عن اليوم، عن يوم القر هذا، وهكذا القابلة ليلة اثنتي عشرة، وليلة ثلاث عشرة تُرمى عن يوم اثني عشر، وليلة اثنتي عشرة تُرمى عن ليلة إحدى عشرة لمن لم يرمِ بعد الزوال، وليلة الجمعة - وهي ثلاثة عشر - يُرمى فيها عن يوم اثني عشر لمن لم يرمِ في النهار بعد الزوال، يرمي في الليل، إلى آخر الليل، أما يوم الثالث عشر فليس فيه رمي في الليل، اليوم الثالث عشر نهايته غروب الشمس، تُرمى بعد الزوال إلى غروب الشمس، هذا يوم الثالث عشر لمن لم يتعجل.

والأفضل أن يُبادر بطواف الإفاضة والسعي في هذه الأيام، المتمتع عليه سعي ثانٍ لحجه، والقارن والمفرد إذا كانا ما سعيا مع طواف القدوم يُبادرا بالسعي مع طواف الإفاضة اليوم أو غدًا، إن كان ما سعى أمس يُبادر اليوم بطواف الإفاضة والسعي، هذا هو الأفضل، فإن لم يطف اليوم ويسعى يطوف باكرًا، ويسعى أيضًا إن كان عليه سعي؛ حتى لا يبقى عليه إلا طواف الوداع، فإن عزم على السفر طاف للوداع ولو في آخر الشهر، متى عزم على السفر في آخر الشهر أو في المحرم أو بعده متى عزم على السفر وجب عليه أن يطوف للوداع سبعة أشواطٍ، ويُصلي ركعتين، يُشرع له أن يُصلي ركعتين بعد الطواف، إلا الحائض والنفساء؛ فلا وداعَ عليهما بنص النبي عليه الصلاة والسلام.

فالواجب على أهل العلم تفقيه الناس، وعلى طلبة العلم تفقيه الناس وإرشادهم وتوجيههم إلى الخير.

وينبغي في هذه الأيام الإكثار من ذكر الله، هذه أيام أكلٍ وشربٍ، وأيام ذكر: تكبير، ضراعة إلى الله - جلَّ وعلا -، يقول ﷺ: أيام التَّشريق أيام أكلٍ وشربٍ، والله يقول - جلَّ وعلا -: وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى [البقرة:203]، فالمشروع الإكثار من ذكر الله في هذه الأيام ليلًا ونهارًا: بالتكبير والتسبيح والتهليل، يقول ﷺ: أيام التشريق أيام أكلٍ وشربٍ وذكر لله .

فالجدير بك أيها الحاج أن تُكثر من الذكر، وهكذا غير الحجاج في جميع الأمصار والقرى والبوادي يُشرع الإكثار من ذكر الله في هذه الأيام، وفي أيام العشر كما تقدم يُشرع الإكثار من ذكر الله والتكبير والتحميد والتهليل والتسبيح والاستغفار: ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ ۝ فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا [البقرة:199- 200]، هذه أيام ذكر، أيام رغبةٍ إلى ما عند الله، أيام ضراعةٍ إلى الله ودعاء، أيام تعظيم وتقديس وتكبير وتسبيح وتهليل.

فنُوصي الجميع بالإكثار من ذكر الله وتكبيره وتعظيمه، كما أرشد إليه ربنا في كتابه العظيم، وكما أرشد إليه نبيه الكريم عليه الصلاة والسلام، والله المسؤول أن يُوفق الجميع لما يُرضيه، وأن يتقبَّل منا ومنكم جميعًا، وأن يُعيذنا وإياكم من مُضلات الفتن، كما أسأله سبحانه أن يردَّ الجميع إلى بلادهم سالمين غانمين، إنه سميع قريب، وصلى الله وسلم على نبينا محمدٍ وعلى آله وأصحابه وأتباعهم بإحسانٍ.

وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومَن اهتدى بهداه.

أما بعد: فنظرًا إلى أنَّ الليلة هي ليلة الثاني عشر، وأن غدًا هو يوم التَّعجل الأول والنفير الأول؛ رأيت أنه لا مانع من كلمةٍ الآن مُختصرة، لعلها تُفيد مَن قد يجهل شيئًا من الأحكام: هذه الليلة يجب فيها المبيت على الحجيج كلهم؛ لأنها الليلة الثانية عشرة، يجب على مَن كان في منى من الحجاج أن يبيت في منى هذه الليلة، وعليه أن يرمي غدًا الجمار الثلاثة، كما رمى أمس - اليوم المنسلخ - هذا كما رمى اليوم المنسلخ الذي هو يوم الحادي عشر، ويرمي غدًا الثلاث كما رماها هذا اليوم الذي غابت شمسه - يوم الأربعاء - فيرمي الأولى بسبعٍ، والثانية بسبعٍ، والثالثة بسبعٍ، يُكبر مع كل حصاةٍ.

والحصى من حيث شاء يلتقطه: من منى أو غيرها، وهو مثل حصى الخذف، مثل: بعر الغنم الذي ليس بالكبير، يرمي الأولى بسبعٍ، وهي التي تلي مسجد الخيف، يُكبر مع كل حصاةٍ بعد الزوال: الله أكبر، عند كل رميةٍ، ويرمي في الحوض، يرمي الحصاة في الحوض، ثم بعدما يفرغ يتقدم في المكان الواسع الذي يتمكن فيه من الوقوف، ويرفع يديه ويدعو، مستقبل القبلة، عن زحمة الناس.

ثم يرمي الثانية - وهي الوسطى - بسبعٍ، يُكبر مع كل حصاةٍ، ثم يتقدم أيضًا ويجعلها عن يمينه، الأولى عن يساره، وهذه اليُسرى عن يمينه، ويدعو الله، ويجتهد في الدعاء، ويستقبل القبلة، رافعًا يديه، تأسيًا بالنبي ﷺ في ذلك.

ثم يرمي الأخيرة الثالثة ولا يقف عندها، وبهذا تم الرمي بالنسبة لمن يتعجل، مَن يرغب التَّعجل من منى، ولا يرمي اليوم الثالث؛ لأنَّ الله قال: وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ [البقرة:203] تُجمعون، كما جمعكم في المشاعر من سائر أقطار الدنيا، الله يجمعكم يوم القيامة من أقطار الدنيا ويُجازيكم بأعمالكم سبحانه وتعالى، فالمحشر إليه، والجزاء عنده على الخير والشرِّ سبحانه وتعالى، ومجمع الحجّ يُذكر يوم القيامة؛ لأنَّ هذا المجمع فيه أصناف الناس من كل مكانٍ، ويوم القيامة فيه أصناف الناس من كل مكانٍ، فإذا غابت الشمسُ على مَن في منى فليس لهم التَّعجل، إذا غابت عليه الشمس وهو في منى يوم الثاني عشر - يوم الخميس - الذي نُصبحه فإنه لا يتعجل، بل يرمي اليوم الثالث عشر، يبيت ويرمي اليوم الثالث عشر كما رمى في اليوم الحادي عشر والثاني عشر، يرمي الثلاث، وبذلك تمَّ الرمي، إذا غابت الشمسُ انتهى الرمي، انتهت أيام منى بغروب الشمس، وانتهى الرمي والتكبير بغروب الشمس، والذي لم يطف ولم يسع للإفاضة يطوف بعد ذلك، الذي ما طاف طواف الإفاضة ولا سعى يطوف بعد ذلك متى شاء من ليلٍ أو نهارٍ، ثم بعد هذا طواف الوداع عند السفر، إذا أراد السفر يطوف للوداع سبعة أشواطٍ، ليس فيها سعي، إلا الحائض والنفساء؛ فليس عليهما وداع.

ولا بأس أن يشتري حاجةً بعد الوداع، أو ينتظر بعض رفاقه، إذا ودع في الليل وسافر أول النهار، أو ودَّع الضُّحى وسافر بعد الظهر أو بعد العصر لقضاء بعض الحاجات، أو انتظار بعض الرفاق، كل هذا لا بأس به، تأخّر يسير يُعفى عنه.

والله المسؤول أن يُوفقنا وإياكم للعلم النافع والعمل الصالح، وأن يمنحنا وإياكم الفقه في دينه، والوصية التَّفقه في الدين، الوصية دائمًا دائمًا أينما كنتَ - في بلادك أو غيرها - العناية بالتَّفقه في الدين، والتعلم، والعناية بالقرآن، فالقرآن هو منبع كل خيرٍ، فالوصية العناية بالقرآن، والإكثار من تلاوته، وتدبر معانيه، فهو الأصل الأصيل لكل خيرٍ، وهو أشرف كتابٍ، وأعظم كتابٍ، وأصدق كتابٍ، قال تعالى: إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ [الإسراء:9]، قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ [فصلت:44].

فالوصية لكم أيها الإخوة ولمن وراءكم الوصية للجميع: العناية بالقرآن، والإكثار من تلاوته، وتدبر معانيه، والحفظ إذا تيسر حفظه، فهو كتاب الله، فيه الهدى والنور، فيه الدعوة إلى كل خيرٍ، والترهيب من كل شرٍّ: وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ [الأنعام:155]، كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ [ص:29]، ويقول سبحانه: هَذَا بَلَاغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنْذَرُوا بِهِ وَلِيَعْلَمُوا أَنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ [إبراهيم:52]، وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ [النحل:89]، نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ جبرائيل عَلَى قَلْبِكَ يعني: على قلب محمد لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ عليه الصلاة والسلام بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ [الشعراء:193- 195]، ليس بأعجميٍّ.