الطلاق البدعي والطلاق السني

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على عبده ورسوله محمد، وعلى آله وأصحابه، ومن اهتدى بهداه إلى يوم الدين.

أما بعد:

أيها المستمعون الكرام، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أتحدث إليكم اليوم عن سنة الطلاق وبدعة الطلاق، إن الله شرع لعباده النكاح، وشرع الطلاق، والمسلم في حاجة إلى هذا وإلى هذا ..

النكاح لم يجعل الزوجة غلا في عنق الرجل لا يستطيع التخلص منها، بل جعل له طريقا إلى الخلاص منها إذا لم تناسب حاله، ولم يكتب الله بينهما المودة والمحبة التي يعيشان بها على خير حال.

وفي النكاح مصالح كثيرة وفوائد عظيمة، لكنها لا تتم مع عدم الوئام والمودة التي يكتبها الله جل وعلا بين ما شاء من الزوجين، وقد أشار إلى هذا المعنى في قوله : وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ [الروم:21] فهذه المودة والرحمة يجعلهما الله لمن يشاء من عباده، فإذا لم يجد الزوج هذه المودة وهذه الرحمة، فلا بأس أن يطلق، ولكن بإحسان، وعلى الطريقة التي شرعها الله لعباده، ولا يجوز له أن يتعدى ذلك إلى الطرق الملتوية التي لا يحبها الله ولا يرضاها.

والواجب على الزوجين دائما العشرة بالمعروف كما قال الله سبحانه: وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ [النساء:19] فعليها أن تعاشر بالمعروف، وعليه أن يعاشر بالمعروف، وعلى كل منهما أن يحرص على أداء حق صاحبه، يرجو ما عند الله ويخاف عقاب الله، فإذا لم يتيسر منهما ذلك بسبب عدم المحبة وعدم الوئام، فعلى الزوج أن يطلق بالمعروف، ولا يجوز له أن يؤذيها ويظلمها لقصد أن تفتدي من ذلك بمال، أو حتى يفتديها وليها، بل الواجب أن يمسك بمعروف أو يفارق بمعروف كما قال الله : الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ [البقرة:229].

وليس للمؤمن أن يؤذي المرأة ويظلمها لا بأقواله ولا بأفعاله رجاء أن تتخلص منه بمال تبذله له، بل هذا حرام عليه لقول الله : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا [النساء:19] فالله جل وعلا يحذر من عضلها لقصد الافتداء وأخذ المال منها، وإنما الواجب .. بالمعروف.

فإذا كرهها ولم يرغب بقاءها عنده فليطلقها بإحسان، والطلاق الشرعي قد أوضحه الله في كتابه، وجاءت به سنة الرسول عليه الصلاة والسلام، فعلى المؤمن إذا أراد الطلاق أن يتحرى الطلاق الشرعي، ولا يسوغ له أن يطلق طلاقا بدعيا، وبين سبحانه وتعالى أن الواجب الطلاق في العدة يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا [الطلاق:1]، ومعنى قوله عز وجل فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ [الطلاق:1] المعنى فطلقوهن مستقبلات عدتهن، يعني أمام العدة وقبلها، فإن العدة تكون بالحيض.

فعلى الزوج إذا أراد الطلاق أن يطلقها في حال الطهر؛ إما طاهرا قبل أن يمسها، وإما حاملا، وليس له أن يطلقها في حال الحيض أو النفاس، لأن هذه الحالة ليست حال جماع وليست حال رغبة في المرأة، وإنما يطلقها في حال الطهر الذي لم يمسها فيه، أو في حال كونها حاملا حملا بينا، ولا يجوز له أن يطلقها في طهر قد جامعها فيه، بل عليه أن يصبر ويمسك حتى تحيض بعد ذلك، ثم تطهر، فإذا طهرت طلقها قبل أن يمسها، والدليل على هذا ما ثبت في الحديث الصحيح عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أنه طلق امرأته وهي حائض طلقة واحدة، فذكر ذلك أبوه عمر للنبي عليه الصلاة والسلام، فتغيظ النبي عند ذلك عليه الصلاة والسلام وقال: مره فليراجعها ثم ليمسكها حتى تطهر، ثم تحيض ثم تطهر، ثم إن شاء طلق قبل أن يمس، وإن شاء أمسك، وفي لفظ: ثم ليطلقها قبل أن يمسها، فتلك العدة التي أمر الله أن تطلق لها النساء، وفي لفظ آخر قال عليه الصلاة والسلام: ثم ليطلقها طاهرا أو حاملا.

هذا الحديث الصحيح بجميع رواياته وألفاظه يدل دلالة ظاهرة صريحة على صفة الطلاق الشرعي، وأن الواجب على الزوج إذا أراد الطلاق أن ينظر في الوقت، وألا يطلق إلا في وقت يشرع فيه الطلاق، وذلك في إحدى حالتين: إما أن تكون طاهرا طهرا لم يمسها فيه، وإما أن تكون حاملا حملا بينا، ولهذا قال المصطفى عليه الصلاة والسلام: ثم ليطلقها طاهرا أو حاملا، وفي اللفظ الآخر: ثم ليطلقها قبل أن يمسها، فتلك العدة التي أمر الله أن تطلق لها النساء يعني في قوله : فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ [الطلاق:1] فهذا هو الطلاق المشروع من جهة الزمن.

فعلى المؤمن عند الطلاق أن يحاسب نفسه، فإذا عزم على الطلاق ونظر في الأمر وتأمل العواقب وترجحت له مصلحة الطلاق فعند ذلك ينظر في الزمن، فإذا كانت طاهرا لم يجامعها في ذلك الطهر أو حاملا، فإن السنة أن يطلقها بهذا الوقت في حال الطهر، والذي لم يجامعها فيه أو في حال الحمل البين هذا هو محل الطلاق الشرعي من جهة الزمن، وأما من جهة العدد فالسنة أن يطلقها طلقة واحدة ولا يزيد على ذلك، لا يطلق بالثلاث لا بكلمة واحدة ولا بكلمات، ولكن السنة أن يطلق طلقة واحدة فقط، هذا هو المشهور فيما جاءت به الأحاديث عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهذا هو المعلوم من الدين عند من نظر في مصالحه وقواعده وأحكامه.

فالواجب عليك أيها المؤمن أن تبصر في هذا، وأن تنظر في هذا، وأن تطلق على بصيرة، وأن تحذر الطلاق البدعي الذي لا يرضاه الله ورسوله، لا من جهة الزمن، ولا من جهة العدد، وإلى اللقاء في حديث آخر يكمل هذا الحديث إن شاء الله.

وأسأل الله أن يوفقنا جميعا لاتباع السنة في كل شيء، وأن يعيذنا من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، إنه خير مسؤول، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد، وعلى آله وصحبه.