06 من قوله: (ومن المهم في هذا الفن: معرفة كنى المسمين ممن اشتهر باسمه)

فصلٌ

ومِنَ المُهِمَّ في هذا الفنِّ معْرِفةُ: كُنَى المُسَمَّيْنَ ممَّن اشْتُهِرَ باسمِهِ، ولهُ كُنيةٌ لا يُؤمَنُ أَنْ يأْتِيَ في بعضِ الرِّاوياتِ مُكَنيًّا؛ لئلاَّ يُظَنَّ أَنّه آخرُ.

الشيخ: يقول المؤلف - رحمه الله -: من المهم أن تعرف كنية المسمى؛ لأنه قد يأتي في بعض الروايات بالكنية؛ فينبغي لمن يعتني بالحديث أن يعتني بكنى الرواة مع الأسماء حتى لا تشتبه عليه الأمور، فإذا جاء مكنًا عرفه، وإذا جاء باسمه عرفه.

وَمعرفةُ أَسْمَاءِ المُكَنَّيْنَ، وهو عكسُ الَّذي قبلَهُ.

 

الشيخ: كذلك إذا كان مشهورًا بكنيته يعتني باسمه حتى يعرف اسمه؛ لأنه قد يأتي في بعض الأحيان باسمه، وهو مشهور بكنيته.

وَمعرِفةُ مَنْ اسمُهُ كُنْيَتُهُ، وهُم قليلٌ.

وَمعرِفةُ مَنْ اخْتُلِفَ في كُنْيَتِهِ، وهُم كثيرٌ.

الشيخ: هذا كذلك يعتني به من اسمه كنيته، وهم قليل، كذلك من اشتهر بكنيته، وهم كثير، ينبغي لأئمة الحديث، والمعتني بمعرفة الحديث أن يعرف هذه الأشياء أصحاب الكنى، ويكون بصيرًا بأسماء الذين اشتهروا بأسمائهم دون كناهم، والعكس، ومن اسمه كنيته كذلك.

وَمعرِفةُ مَنْ كَثُرتْ كُناهُ؛ كابنِ جُريجٍ؛ لهُ كُنيتانِ: أَبو الوليدِ، وأبو خالدٍ.

 

الشيخ: كذلك من كان له كنيتان فأكثر يكون عنده عناية بذلك حتى لا يشتبه عليه كابن جريج عن الوليد، وأبي خالد قد يكون له أكثر فيعتني المحدث بذلك حتى لا تشتبه عليه الأمور.

أَوْ كَثُرتْ نُعُوتُهُ وأَلقابُه.

 

الشيخ: كذلك إذا كانت نعوته، يلقب بألقاب، يعتني حتى بألقابه إذا مر بالسند.

وَمعرِفةُ مَنْ وافَقَتْ كُنْيَتُهُ اسمَ أَبيهِ؛ كأَبي إِسحاقَ إبراهيمَ بنِ إِسحاقَ المَدنيِّ أَحدِ أَتباعِ التَّابِعينَ.

 

الشيخ: وكذلك من كنيته توافق اسم أبيه يكون على بصيرة فيه كإبرهيم بن إسحاق إبي إسحاق، وهذا كثير، كثير من يكنى بأبيه أبي عبدالله، وأبي محمد، وأبي زيد، وأبي سعيد يكنى بأبيه.

وفائدةُ معرِفَتِه:

نفيُ الغَلَطِ عمَّنْ نَسَبَهُ إِلى أَبيهِ، فقالَ: أَخْبَرنا ابنُ إِسحاقَ، فَنُسِبَ إِلى التَّصحيفِ، وأَنَّ الصَّوابَ: أَخْبَرنا أَبو إِسحاقَ.

أَو بالعَكْسِ.

الشيخ: كل هذا يعرف من الفائدة؛ لأنه قد يكنى، وقد يدعى باسمه، قد ينسب إلى أبيه من غير كنيه، وقد يكنى بأبيه فيكون الراوي على بصيرة في الراوي إذا كني، أو نسب إلى أبيه من دون كنية.

أَو بالعَكْسِ؛ كإِسحاقَ بنِ أَبي إِسحاقَ السَّبيعيِّ.

أَوْ وافقتْ كُنْيَتُهُ كُنْيَةَ زَوْجَتِهِ؛ كأَبي أَيُّوبَ الأنصاريِّ، وأُمِّ أَيُّوبَ؛ صحابيَّانِ مشهورانِ - رضي الله عنهما.

الشيخ: كذلك هذا لا يخفى، هذا أبو أيوب، وهذه أم أيوب لا يخفى.

أَو وافقَ اسمُ شيخِه اسمَ أَبيِه؛ كالرَّبيعِ بنِ أَنسٍ عن أَنسٍ؛ هكذا يأْتي في الرِّوايات، فيُظنُّ أَنّه يَروي عن أَبيهِ؛ كما وقعَ في «الصَّحيحِ»: عن عامِرِ بنِ سعدٍ عن سعدٍ، وهو أبوهُ، وليسَ أَنسٌ شيخُ الرَّبيعِ، والِدَهُ، بل أَبوهُ بكرِيٌّ، وشيخُهُ أَنصاريٌّ، وهُو أَنسُ بنُ مالكٍ الصَّحابيُّ المشهورُ .

الشيخ: وهذا مهم إذا كان الراوي يوافق اسم أبيه اسم شيخه قد يشتبه، فينبغي أن يعلم ذلك مثل: الربيع بن أنس عن أنس، الربيع بن أنس غير أولاد أنس شيخه غير أبيه، فينبغي للراوي أن يتنبه لهذا.

وليسَ الرَّبيعُ المذكورُ مِن أَولادِه.

وَمعرِفةُ مَنْ نُسِبَ إِلى غَيْرِ أَبيهِ؛ كالمِقدادِ بنِ الأسودِ، نُسِبَ إلى الأسودِ الزُّهْرِيِّ لكونِه تبنَّاه، وإِنَّما هُو مِقدادُ بنُ عَمْرٍو.

الشيخ: كذلك من نسب إلى غير أبيه كالمقداد بن الأسود، وإنما هو المقداد بن عمرو نسب إلى الأسود؛ لأنه تبناه، وهذا يقع كثيرا أيضًا فينبغي للراوي التنبه لهذا.

أَوْ نُسِبَ إِلى أُمِّهِ؛ كابنِ عُلَيَّةَ، هُو إِسماعيلُ بنُ إبراهيمَ بنِ مِقْسَمٍ، أَحدُ الثِّقاتِ، وعُلَيَّةُ اسمُ أُمِّهِ، اشتُهِرَ بها.

الشيخ: وهذا كذلك يقع أيضًا إسماعيل بن علية، ومثل عبدالله بن أم مكتوم وعبدالله بن عمرو، فهذا يقع أيضًا.

وكانَ لا يحبُّ أَنْ يُقالَ لهُ: ابنُ عُلَيَّة.

ولهذا كانَ يَقولُ الشَّافِعيُّ - رحمه الله -: أَخْبَرَنا إِسْماعِيلُ الَّذي يُقالُ لَهُ: ابنُ عُلَيَّةُ.

أَوْ نُسِبَ إِلى غَيْرِ مَا يَسْبِقُ إِلى الفَهْمِ؛ كالحَذَّاءِ، ظاهِرُه أَنّه منسوبٌ إِلى صناعتِها، أو بيعِها، وليس كذلك، وإِنما كانَ يجالِسُهم، فنُسِبَ إليهِم.

الشيخ: وهذا قد يقع، قد ينسب الإنسان إلى شيء خلاف ما يظهر مثل: خالد الحذاء قد يظن أنه حذاء يصنع النعال، والمراد، وهو أنه كان يجالسهم فقيل له الحذاء، فينبغي التفطن لهذا في ألقاب الرواة حتى يعرفوا.

وكسُليمانَ التَّيميِّ؛ لم يكنْ مِن بَني التَّيْم، ولكنْ نزلَ فيهِم.

 

الشيخ: وهكذا سليمان التيمي ليس من بطنهم، ولكن نزل فيهم فنسب إليهم.

وكَذا مَن نُسِبَ إِلى جدِّهِ، فلا يؤمَنُ التِباسُه بمَن وافقَ اسمُه اسمَه، واسمُ أَبيهِ اسمَ الجدِّ المذكورِ.

الشيخ: وهذا كثير، ينسب إلى جده، ينسب عن أبيه عن جده، شعيب عن جده، وهو عبدالله بن عمرو بن العاص، وليس جده محمد ... فينبغي التفطن حتى يعرف هذا من هذا جده القريب، أو جده البعيد.

وَمعرِفةُ مَنِ اتَّفَقَ اسمُهُ، واسمُ أَبيهِ، وجَدِّهِ؛ كالحسنِ بنِ الحسنِ بنِ الحسنِ بنِ عليِّ بنِ أَبي طالبٍ .

الشيخ: ... فيشتبه، فينبغي للراوي أن يفطن لهذا، ويعرفه.

وقد يقعُ أَكثرُ مِن ذلك، وهُو مِن فُروعِ المُسَلْسَلِ.

وقد يتَّفِقُ الاسمُ، واسمُ الأبِ مع اسمِ الجَدِّ، واسمِ أَبيهِ فصاعِدًا؛ كأَبي اليُمْنِ الكِنْديِّ، هُو زيدُ بنُ الحسنِ بنِ زيدِ بنِ الحسنِ بنِ زيدِ بنِ الحسنِ.

الشيخ: وهذا يقع كثيرًا، كل واحد يسمي على أبيه.

أو اتَّفَقَ اسمُ الرَّاوي، واسمُ شيخِهِ، وشَيْخِ شَيْخِهِ فصاعِدًا؛ كعِمْرانَ عن عِمْرانَ عَن عِمْرانَ؛ الأوَّل: يُعْرَف بالقَصِيرِ، والثَّاني: أبو رَجاءٍ العُطارِديُّ، والثَّالثُ: ابنُ حُصينٍ الصَّحابيُّ .

الشيخ: وهكذا يتفق اسمه، واسم أبيه، وشيخه ينبغي التفطن للراوي حتى يفرق بينهما.

وكسُليمانَ عن سُليمانَ عن سُليمانَ: الأوَّلُ: ابنُ أحمدَ بنِ أيوبَ الطَّبرانيُّ، والثَّاني: ابنُ أَحمدَ الواسطيُّ، والثَّالثُ: ابنُ عبدالرحمنِ الدِّمشقيُّ المعروفُ بابنِ بنتِ شُرَحْبيلَ.

وقد يقعُ ذلك للرَّاوي، ولشيخِهِ معًا؛ كأَبي العلاءِ الهَمْدانيَّ العطَّارِ المَشْهورِ بالرِّوايةِ عن أَبي عليٍّ الأصبهانيِّ الحدَّادِ، وكلٌّ منهُما اسمُه الحسنُ بنُ أَحمدَ بنِ الحَسنِ بنِ أَحمدَ، فاتَّفقا في ذلك، وافْتَرقا في الكُنيةِ، والنِّسبةِ إِلى البلدِ، والصِّناعةِ.

وصنَّفَ فيهِ أَبو موسى المَدينيُّ جُزءًا حافِلًا.

وَمعرفةُ مَنِ اتَّفَقَ اسْمُ شَيْخِهِ، والرَّاوِي عَنْهُ، وهو نوعٌ لطيفٌ، لم يتعرَّضْ لهُ ابنُ الصَّلاحِ.

الشيخ: هذا مما ينبغي للمحدث أن يعتني به حتى لا يشتبه الأمر اسمه، واسم أبيه، واسم شيخه، أو اسم أبيه، واسم جده، أو ما أشبه ذلك، ينبغي للمحدث أن يعتني بهذه الأشياء حتى لا تشتبه عليه.

وفائدتُه: رفعُ اللَّبْسِ عمَّن يُظنُّ أَنَّ فيهِ تَكرارًا، أو انقلابًا.

فمِن أَمثلتِه: البُخاريُّ؛ روى عَن مُسْلمٍ، وروى عنهُ مُسلمٌ، فشيخُهُ مسلمُ بنُ إبراهيمَ الفَراهيديُّ البَصريُّ، والرَّاوي عنهُ مُسلمُ بنُ الحجَّاجِ القُشيريُّ صاحِبُ الصَّحيحِ.

الشيخ: إذا قال البخاري حدثني مسلم، وقال مسلم حدثني محمد بن إسماعيل لا يشتبهان فهذا تلميذه، وهو مسلم بن الحجاج، وهذا شيخه مسلم بن إبراهيم الفراهيدي، فلا يشتبهان لكن الذي ما عنده بصيرة قد يشتبه عليه الأمر.

 وكذا وقعَ ذلك لعبدِ بنِ حُميدٍ أيضًا: روى عن مُسلمِ بنِ إبراهيمَ، وروى عنهُ مُسلمُ بنُ الحجَّاجِ في صحيحِه حديثًا بهذه التَّرجمةِ بعينها.

ومنها: يحيى بنُ أَبي كَثيرٍ، روى عن هِشامٍ، وروى عنهُ هِشامٌ، فشيخُه هشامُ بنُ عُروةَ، وهو مِن أَقرانِه، والرَّاوي عنهُ هِشامٌ بنُ أبي عبداللهِ الدَّسْتُوائِيُّ.

ومنها: ابنُ جُريْجٍ، روى عن هشامٍ، وروى عنهُ هِشامٌ، فالأعْلى ابنُ عُروةَ، والأدْنى ابنُ يوسُفَ الصَّنعانيُّ.

الشيخ: وهذا واقع كثيرًا، ابن جريج يعني عبدالملك بن عبدالعزيز المعروف، روى عن هشام بن عروة بن الزبير، وروى عنه تلميذه هشام بن يوسف الصنعاني، فقد بشتبه على بعض الناس قال: حدثني هشام، عن ابن جريج عن هشام قد يظن أن هذا غلط، وهو صحيح فالأول تلميذه، والثاني شيخه.

ومنها: الحكمُ بنُ عُتَيْبَةَ، روى عن ابنِ أَبي ليلى، وروى عنهُ ابنُ أبي لَيْلى، فالأعْلى عبدالرَّحمنِ، والأدْنى ابنُ عبدالرَّحمنِ المذكورِ. وأَمثلَتُه كثيرةٌ.

الشيخ: وهذا كذلك الحكم بن عتيبة من التابعين الثقات روى عن ابن أبي ليلى، وروى عنه ابن أبي ليلى؛ فالأول عبدالرحمن بن أبي ليلى التابعي الجليل، والثاني: محمد ولده، ولد عبدالرحمن روى عن الحكم فلا يشتبه. ورى عن الحكم ابن عتيبة، وروى عن ابن أبي ليلى عبدالرحمن، وروى عنه محمد بن عبدالرحمن ابن أبي ليلى، وعبدالرحمن ثقة، ومحمد بن عبدالرحمن ولده فيه ضعف.

وَمِن المهمِّ في هذا الفنِّ مَعْرِفَةِ الأَسْماءِ المُجَرَّدَةِ، وقد جَمَعَها جماعةٌ مِن الأئمَّةِ: فمنهُم مَن جَمَعَها بغيرِ قَيدٍ، كابنِ سعدٍ في «الطَّبقاتِ»، وابنِ أَبي خَيْثَمَة، والبُخاريِّ في «تاريخَيْهِما»، وابنِ أَبي حاتمٍ في «الجَرْحِ والتَّعديلِ».

ومنهُم مَن أَفردَ الثِّقاتِ بالذِّكرِ؛ كالعِجْلِيِّ، وابنِ حِبَّانَ، وابنِ شاهينَ.

ومنهُم مَن أَفْرَدَ المَجْروحينَ؛ كابنِ عديٍّ، وابنِ حبّانَ أَيضًا.

ومنهُم مَنْ تَقيَّدَ بكتابٍ مَخصوصٍ: كـ «رجال البُخاري» لأبي نصرٍ الكَلاَباذيِّ، و«رجالِ مسلمٍ» لأبي بكرِ بنِ مَنْجَوَيْهِ، ورجالِهما معًا لأَبي الفضلِ بنِ طاهرٍ.

الشيخ: وهذا أيضًا واقع أئمة أنه في الأسماء المفردة كثيرًا. فمنهم من جمع المفردة سواء الضعيف، أو الثقة كما في التقريب، والتهذيب، وغير هذا، ومنهم من أفرد الثقات في مؤلف، ومنهم من أفرد الضعفاء في مؤلف، ومنهم من أفرد رجال البخاري في مؤلف، أو رجال مسلم في مؤلف، هذا واقع لهم جزاهم الله خيرًا، ورحمهم الله.

و«رجالِ أبي داودَ» لأبي عليٍّ الجيَّانِي، وكذا «رِجال التِّرمذيِّ»، و«رجال النَّسائيِّ» لجماعةٍ مِن المَغاربةِ، ورجالِ السِّتَّةِ: الصَّحيحينِ، وأَبي داودَ، والتِّرمذيِّ، والنَّسائيِّ، وابنِ ماجه؛ لعبدالغنيِّ المقدِسيِّ في كتابِه «الكمالِ»، ثم هذَّبَهُ المِزِّيُّ في «تهذيبِ الكَمالِ».

وقد لخَّصْتُهُ، وزدتُ عليهِ أَشياءَ كثيرةً، وسمَّيْتُه «تهذيب التَّهذيب»، وجاءَ معَ ما اشتَمَلَ عليهِ من الزِّياداتِ قدْرَ ثُلُثِ الأصلِ.

الشيخ: جزاه الله خيرًا، تهذيب الكمال للحافظ عبدالغني، ثم زاد عليه الحافظ المزي - رحمه الله - في مجلدات كثيرة، وقد طبع أخيرًا، وبلغ مجلدات كثيرة، ثم هذبه الحافظ - رحمه الله -، وزاد عليه حذف بعض الأسماء، وزاد بعض الأسماء، ... نقول في الجرح والتعديل المؤلف - رحمه الله - سماه تهذيب التهذيب، وهي كلها مطبوعة، وقد طبع تهذيب التهذيب بشار العراقي، واعتنى به، وجاء في خمس وثلاثين مجلدًا.

وَمِن المُهمِّ أَيضًا معرِفةُ الأسماءِ المُفْرَدَةِ، وقد صنَّفَ فيها الحافظُ أَبو بكرٍ أَحمدُ بنُ هارونَ البَرديجيُّ، فذكرَ أَشياءَ تَعَقَّبوا عليهِ بعضَها، مِن ذلك قولُه: «صُغْديُّ بنُ سِنانٍ»، أَحدُ الضُّعفاءِ، وهو بضمِّ الصَّادِ المُهملةِ، وقد تُبْدلُ سينًا مُهملة، وسكونِ الغينِ المُعجمةِ، بعدها دالٌ مُهملةٌ، ثم ياءٌ كياءِ النَّسبِ، وهو اسمُ علمٍ بلفظِ النَّسبِ، وليسَ هُو فردًا.

الشيخ: من المهم أيضًا معرفة أسماء المفردات، أسماء الرواة غير المرتبة، وهذا قد صنف فيه البرديجي، وغيره، فينبغي للمؤمن الذي يتعاطى علم الحديث، ويعتني بالحديث أن يعرف الأسماء حتى لا تشتبه عليه من كتب الرجال التهذيب، وتهذيب التهذيب، والتقريب، والميزان، وغيرها، طالب العلم المشتغل بالحديث يعتني بالأسماء، وغيرها مما ذكره أهل المصطلح.

ففي «الجَرحِ والتَّعديلِ» لابنِ أَبي حاتمٍ: صُغْديٌّ الكوفيُّ، وثَّقَهُ ابنُ مَعينٍ، وفرَّقَ بينَه، وبينَ الَّذي قبلَه فضعَّفَهُ.

وفي «تاريخِ العُقيليِّ»: صُغْديُّ بنُ عبداللهِ يروي عن قَتادةَ، قال العُقيليُّ: حَديثُهُ غيرُ محفوظٍ.

وأَظنُّهُ هُو الَّذي ذكرَهُ ابنُ أَبي حاتمٍ، وأَمَّا كونُ العُقَيْليِّ ذكرَه في «الضُّعفاءِ»؛ فإِنَّما هُو للحديثِ الذي ذكَرَهُ، وليستِ الآفةُ منهُ، بل هِيَ مِن الرَّاوي عنهُ عَنْبَسَةُ بنُ عبدالرحمنِ، واللهُ أعلمُ.

ومِن ذلك: «سَنْدَر» بـ المُهْمَلةِ، والنُّون، بوزنِ جَعْفرٍ، وهو مولى زِنْبَاعٍ الجُذاميِّ له صُحبةٌ وروايةٌ، والمشهورُ أَنَّه يُكْنَى أَبا عبداللهِ، وهُو اسمٌ فردٌ لم يتسمَّ بهِ غيرُه فيما نعلمُ، لكنْ ذكرَ أَبو موسى في «الذَّيلِ» على «معرفةِ الصَّحابةِ» لابنِ منده: سَنْدَرٌ أَبو الأسودِ، وروى لهُ حديثًا، وتُعُقِّبَ عليهِ ذلك؛ فإِنَّه هُو الذي ذكَرَهُ ابنُ منده.

الشيخ: نعم، سندر اسم فرد هذا لا يعرف له نظير، المقصود أنه ينبغي لطالب العلم، ومن عني بالحديث أن يعتني بالأسماء المفردة التي ما شورك فيها صاحبها؛ حتى لا تشتبه عليه.

وقد ذكرَ الحديثَ المذكورَ محمَّدُ بنُ الرَّبيعِ الجِيزيُّ في «تاريخِ الصَّحابةِ الَّذين نَزلوا مِصرَ» في ترجمةِ سَنْدَرٍ مولى زِنْباع.

وقد حرَّرتُ ذلك في كتابي الصَّحابة.

وَكذا معرِفةُ الكُنَى المُجرَّدَةِ والمُفْرَدَةِ، وكذا مَعرِفَةُ الألْقابِ.

الشيخ: قد تكون له عاهة كالأعمش، قد تكون له حرفة كالنجار، والحداد، فطالب العلم المعتني بالحديث يعتني بهؤلاء حتى لا تشتبه عليه أسماؤهم.

وَكذا مَعْرِفَةُ الأنْسابِ.

وَهي تارةً تَقَعُ إِلى القَبائِلِ، وهي في المتقدِّمينَ أَكثرُ بالنِّسبةِ إلى المتأَخِّرينَ.

الشيخ: كذلك الأنساب، قد تكون للقبائل، وقد تكون للبلدان، فالقبائل كالقرشي، والهاشمي، وأشباه ذلك، وقد تكون للبلدان كالبخاري، والبصري، والبغدادي، وأشباه ذلك.

وَتارةً إِلى الأوْطانِ، وهذا في المتأَخِّرينَ أَكثرُ بالنِّسبةِ إِلى المتقدِّمين.

والنِّسبةُ إِلى الوطنِ أَعمُّ مِن أَنْ يكونَ بلادًا، أو ضياعًا، أو سِكَكًا، أو مُجاوَرَةً، وتقع إِلى الصَّنائعِ كالخَيَّاطِ، والحِرَفِ كالبَزَّازِ.

ويقعُ فيها الاتِّفاقُ والاشتباهُ؛ كالأسماءِ.

الشيخ: نعم كالحرف بزاز، وخياط، والحداد قد تشتبه، قد يشتبه بعضها، فينبغي أن يحرر ما قد يقع في الاشتباه حتى تبقى عنده الأسماء معلومة، ... بزار، ومنها بزاز، بزار، وبزاز قد تشتبه، والخياط، والحناط كذلك، وهكذا فإذا اعتنى بها المحدث ميز هذا من هذا.

وَكذا معرِفةُ الكُنَى المُجرَّدَةِ والمُفْرَدَةِ، وكذا مَعرِفَةُ الألْقابِ، وهي تارةً تكونُ بلفظِ الاسمِ، وتارةً بلفظِ الكُنيةِ، وتقعُ نِسبةً إلى عاهَةٍ، أو حِرفةٍ.

الشيخ: أيضًا مما ينبغي للمحدث أن يعتني بالألقاب، والكنى حتى يميز الأسماء المفردة لأشخاص معينين، أو كنى مشتركة، وهكذا الألقاب قد تكون للحرفة كالحداد، والخراز قد تكون لعلة كالأعمش، والأعرج، ونحو ذلك حتى يميز بين الرواة، فيعرف ألقابهم، وكناهم؛ لأن فيهم الثقة، وفيهم غير الثقة.

وَكذا مَعْرِفَةُ الأنْسابِ.

وَهي تارةً تَقَعُ إِلى القَبائِلِ، وهي في المتقدِّمينَ أَكثرُ بالنِّسبةِ إلى المتأَخِّرينَ.

وَتارةً إِلى الأوْطانِ، وهي في المتأَخِّرينَ أَكثرُ بالنِّسبةِ إِلى المتقدِّمين.

والنِّسبةُ إِلى الوطنِ أَعمُّ مِن أَنْ يكونَ بلادًا، أو ضياعًا، أو سِكَكًا، أو مُجاوَرَةً، وتقع إِلى الصَّنائعِ كالخَيَّاطِ، والحِرَفِ كالبَزَّازِ .

الشيخ: كل هذا يقع فينبغي للمحدث أن يعتني بها، بالنسبة للقبائل كالتميمي، والتيمي، والقرشي، والهاشمي، والقحطاني، وأشباه ذلك حتى يميز، وقد تقع للبلدان، وهي في المتأخرين أكثر في البلدان: المكي، المدني، الدمشقي، وهكذا.

وقد تكون للحرف كالخياط، والبزاز.

ويقعُ فيها الاتِّفاقُ والاشتباهُ؛ كالأسماءِ.

 

الشيخ: يقع فيها الاتفاق والاشتباه كالأسماء نعم هذا واقع.

وقد تَقعُ الأنْسابُ أَلقابًا؛ كخالِدِ بنِ مَخلَدٍ القَطوانيِّ، كانَ كوفيًّا، ويلقَّبُ بالقَطَوانيِّ، وكان يغضَبُ منها.

الشيخ: قد يكون النسب لقبًا مثل ما ذكر عن خالد بن مخلد.

وَمِن المُهمِّ أَيضًا مَعْرِفةُ أَسبابِ ذلك؛ أي: الألقابِ والنِّسبِ الَّتي باطِنُها على خِلافِ ظاهِرِها.

الشيخ: يعني من باب الفائدة من باب التأكد، ولتعرف أسباب تلقيبه بكذا، وكذا حتى تكون المعرفة الكاملة لماذا لقب كذا؟ لماذا لقب الخياط؟ لماذا لقب الحداد؟ لماذا لقب القطواني؟ لماذا لقب البزار؟ يعرف الأسباب حتى تكون المعرفة كاملة، والتمييز كاملًا.

وَ كَذا مَعْرِفَةُ المَوالي مِنْ أَعْلى، ومِنْ أَسْفَلَ؛ بالرِّقِّ، أو بالحِلْفِ أو بالإِسلامِ؛ لأنَّ كلَّ ذلك يُطْلَقُ عليهِ مولى، ولا يُعْرَفُ تمييزُ ذلك إِلاَّ بالتَّنْصيصِ عليهِ.

الشيخ: يعني هذا، من كمال المعرفة أن يعرف الموالي هو مولى بالعتق، أو مولى بالمولاة، أو مولى بالإسلام؛ كونه أسلم على يديه يقول مولى بني فلان، فهو مولاهم لأنهم أعتقوه، أو مولاهم لأنه قريبهم، أو لأنه أسلم على يديهم، وما أشبه ذلك.

وَمَعْرِفَةُ الإِخْوَةِ والأخَواتِ، وقد صنَّفَ فيهِ القُدماءُ؛ كعليِّ بنِ المَدينيِّ.

 

الشيخ: وهذا أيضًا يحتاج إليه الإخوة والأخوات، فلان أخو فلان، أخو فلانة، فلانة أخت فلان، من باب مزيد العلم في الرجال والرواة؛ لأن هذا يزيد في مسألة معرفة الثقة، والعدالة، وعدمها.

وَمِن المهمِّ أَيضًا مَعْرِفَةُ آدابِ الشَّيْخِ، والطَّالِبِ: ويشتَرِكانِ في:

تصحيحِ النِّيَّةِ، والتَّطهيرِ مِن أَعراضِ الدُّنْيا، وتَحسينِ الخُلُق.

الشيخ: ومن المهم معرفة أخلاق الأستاذ، والطالب، والعناية بالاستقامة على دين الله ... الآخرة، والحرص على حفظ الحديث، والعناية به، والله المستعان.

وينفَرِدُ الشَّيخُ بأَنْ: يُسمعَ إِذا احْتيجَ إِليهِ.

 

الشيخ: يُسمع الحديث يعني يحدث الناس إذا احتيج إليه.

ولا يُحدِّثُ ببلدٍ فيهِ مَن هُو أَولى منهُ، بل يُرْشدُ إِليهِ.

 

الشيخ: يعني إذا كان في بلد غيره أولى منه، وأفضل منه يرشد إليه يقول: اذهبوا إلى فلان، واسمعوا من فلان؛ لأن هذا من باب النصح.

ولا يَتْرُكُ إِسماعَ أَحدٍ لنيَّةٍ فاسدةٍ.

 

الشيخ: لا يجوز له ترك إسماع أحد لنية فاسدة، حسد، أو بغض له، لا يسمع الحديث، ويروي الحديث لمن طلبه، ولو كان بينه وبينه شيء يتقي الله، ويكون مخلصًا لله، ويسمع الحديث، ويسمع العلم، ولو لأناس بينه، وبينهم شيء.

وأَنْ يتطهَّرَ، ويجْلِسَ بوَقارٍ.

 

الشيخ: وكذلك يعني يعتني بالأوقات المناسبة حتى لا يشغل باله شيء، يكون في أوقات مناسبة قد فرغ نفسه فيها لإلقاء العلم، والتوجيه إلى الخير، وبيان الحديث حتى يكون ذلك أكمل في تبصير الناس، وإعلام الناس، وتوجيههم، وبيان علة الحديث، ورجاله.

وأَنْ يتطهَّرَ، ويجْلِسَ بوَقارٍ.

 

الشيخ: كذلك كونه يجلس بوقار، وعلى طهارة يكون أفضل، وكونه أيضًا يفرغ القلب من الشواغل، يكون في الأوقات التي يكون قلبه فيها فارغ ما يجلس وهو مشغول القلب يتحرى الأوقات المناسبة مع الطهارة؛ لأنه يسمع عن الرسول ﷺ، ويتلو آيات فكونه عن طهارة أكمل، وأفضل.

ولا يُحَدِّثُ قائمًا، ولا عَجِلًا، ولا في الطَّريقِ إِلاَّ إِنِ اضطُرَّ إِلى ذلك.

 

الشيخ: كذلك لا يحدث قائمًا، ولا في الطريق، ولا بعجلة إلا إذا احتاج إلى ذلك، يكون بهدوء حتى لا يغلط لكن إذا دعت الحاجة فحدث، وهو قائم، أو ماشٍ، وهو مضبوط فلا بأس، ثم الهدوء كونه يجلس فهذا أضبط، وأسلم من الخطأ، يجلس، وهو مرتاح، ثم يحدث، لكن إذا دعت الحاجة أن يحدث وهو قائم، أو ماشٍ فلا حرج في ذلك، النبي ﷺ حدث وهو ماشٍ عليه الصلاة والسلام.

وأَنْ يُمْسِكَ عنِ التَّحديثِ إِذا خَشِيَ التَّغَيُّرَ، أو النِّسيانَ لمَرَضٍ، أو هَرَمٍ.

 

الشيخ: ينبغي أن يمسك إذا خشي ألا يحدث بالحديث على وجهه لمرض، أو تغير فكر بسبب كبر السن، أو أشباه ذلك يمسك حتى لا يقول على الله، وعلى رسوله بغير علم، يمسك عن الحديث إذا تغيرت أحواله.

وإِذا اتَّخَذَ مَجْلِسَ الإِملاءِ؛ أَنْ يكونَ لهُ مُسْتَملٍ يقِظٌ.

 

الشيخ: إذا اتخذ مجلسًا للإملاء يعني ناس واجد يحتاجون إلى من يبلغهم يكون الذي يبلغ عنه يقظ ثقة، أما إذا كان الذي يبلغهم ليسوا بكثيرين يبلغهم صوته، فالحمد لله، لكن إذا احتاج إلى مبلغ كما احتاج ابن عباس، وغيره يكون يقظًا فاهمًا ثقة حتى يبلغ عنه.

وينفَرِدُ الطَّالِبُ بأَنْ:

يوقِّرَ الشَّيخَ، ولا يُضْجِرَهُ.

الشيخ: هذا الواجب أن يوقره بالكلمات الطيبة، وعدم الإيذاء، ولا يضجره بالأسئلة الكثيرة، أو بغيرها، يتحرى الأسئلة المناسبة، والكلام الطيب مع أستاذه حتى يكون ذلك أقرب إلى أن ينشرح صدر الأستاذ لتعليمه، وتوجيهه.

ويُرشِدَ غيرَهُ لِما سَمِعَهُ.

 

الشيخ: الطالب يرشد غيره هذا من النصح، ومن التواضع أن يرشد غيره يقول: سمعت كذا، وقال الشيخ كذا، وحدثنا كذا تعميمًا للفائدة.

ولا يَدَعُ الاستفادَةَ لحَياءٍ، أو تكبُّرٍ.

 

الشيخ: لا ينبغي للطالب أن يمنعه الحياء، أو التكبر من طلب العلم، في الحديث: لا ينال العلم مستحيٍ، ولا مستكبر بل ينبغي له أن يجتهد في طلب العلم، ويحرص، ولا يمنعه الحياء من حضور حلقات العلم، ولا التكبر من كون الشيخ مثلًا ثقيل، أو كذا، أو لأن المجلس ما يناسبه.

ويكتُبَ ما سمِعَهُ تامًّا.

 

الشيخ: يكتب ما سمعه تامًا يحرص على أن يتحفظ، وأن يكتب ما سمع كاملًا تامًا لا يخل بشيء، لأنه قد يخل بشيء فيخل بالحديث فيحرص على أن يكتب ما سمعه كاملًا لا يخل بشيء منه.

ويعتَنِيَ بالتَّقييدِ، والضَّبطِ.

 

الشيخ: كذلك يعتني بالتقييد حتى لا يقع غلط، والضبط يحتاج الضبط بالشكل حتى لا يقع غلط، لا يتساهل في تقييد ما يروي، ولا ضبطه، ويكون ذلك أداء للأمانة.

ويُذاكِرَ بمحفوظِهِ ليَرْسَخَ في ذهْنِه.

 

الشيخ: وهكذا المذاكرة بالمحفوظ مع زملائه، أو بينه وبين نفسه، يكرره حتى يرسخ في الذهن، حتى يستقر.

وَمِن المهمِّ أَيضًا معرِفةُ سِنِّ التَّحَمُّلِ، والأداءِ، والأصحُّ اعتبارُ سنِّ التَّحمُّلِ بالتَّمييزِ، هذا في السَّماعِ.

وقد جَرَتْ عادةُ المحدِّثينَ بإِحضارِهِمُ الأطفالَ مجالِسَ الحَديثِ، ويكتُبونَ لهُم أَنَّهم حَضَروا.

الشيخ: من المهم معرفة سن التحمل والأداء، يعني في المحدث يعرفون سنه حين تحمل، وحين أدى، وأرجح ما قيل في هذا أنه يصح سماع الصبي، إذا كان مميزًا، وهو ضبط، قال بعضهم: ولو ابن أربع سنين، أو خمس سنين، المهم أن يكون ضابطًا قد ضبط ما سمع، وحدث به بعد ذلك بعد كبره كما حدث ابن الزبير، وابن عباس، وجماعة من صغار الصحابة، واحتج العلماء بحديثهم؛ لأنهم سمعوه، وهم صغار، وأدوه ضابطين له كابن عباس، وكان قبل أن يبلغ الحلم، وابن الزبير توفي النبي ﷺ وهو ابن تسع سنين، أو في العاشرة، والحسن والحسين، كان الحسن ابن سبع سنين، والحسين في أقل من السبع ست وزيادة، المقصود إذا ضبط الصبي يحتج به كما احتج الأئمة بأحاديث الحسين، والحسن، وابن الزبير، وابن عباس.

ولابدَّ في مثلِ ذلك مِن إِجازةِ المُسْمِعِ.

 

الشيخ: نعم لا بدّ من إجازة المسمع، يعني يأذن له أن يحدث عنه، يقول: ائذن لي أن أحدث عنك هذا الحديث.

والأصحُّ في سنِّ الطَّالبِ بنفسِه أَنْ يتأَهَّلَ لذلك.

 

الشيخ: نعم كونه يتأهل لضبط الحديث وكتابته، أما إذا كان يسمعه غيره فالعمدة على غيره؛ كأن يسمعه أبوه يكون معه أبوه يكتب له، أو أخوه الكبير، أو ما أشبه ذلك إذا كان مثله يحسن السماع كابن خمس، وابن ست، وابن سبع، ولكن كلما كان أكبر فهو أولى وأحوط، وإذا أجله أبوه حتى يكون ابن سبع سنين، أو ثمان حتى يكون ضبطه أضبط، وأكمل فأولى.

س: الإجازة للتحديث، وكذلك تلحق بها الفتوى، أو هي خاصة بالتحديث؟

الشيخ: لا، للتحديث.

ويَصِحُّ تحمُّلُ الكافِرِ أَيضًا إِذا أَدَّاهُ بعدَ إِسلامِه.

وكذا الفاسِقِ مِن بابِ أَوْلى إِذا أَدَّاهُ بعدَ توبتِه، وثُبوتِ عدالَتِه.

الشيخ: يجوز التحمل من الكافر، والفاسق إذا أداها بعد إسلامه، وبعد عدالته، مثل جبير بن مطعم وغيره سمعوا من النبي ﷺ أحاديث، وحدثوا بعد إسلامهم، يقول جبير رضي الله عنه أنه أتى المدينة في أسارى بدر فسمع النبي ﷺ يقرأ في المغرب بالطور، حدث بهذا بعدما أسلم، وهكذا الفاسق إذا سمع في حال فسقه من الشيخ، ثم حدث بعد العدالة يقبل منه.

وأَمَّا الأداءُ؛ فقد تقدَّمَ أَنَّه لا اختصاصَ له بزَمنٍ مُعيَّنٍ، بل يُقيَّدُ بالاحتياجِ، والتأَهُّلِ لذلك.

وهُو مُخْتَلِفٌ باخْتِلافِ الأشخاصِ.

الشيخ: الأداء ليس له زمن معين، بل حسب الحاجة إذا رأى الحاجة أدى، وإذا ما رأى الحاجة وهناك من يكفي عنه فالحمد لله، من تحمل الحديث تحمل العلم يؤدي عند الحاجة إليه، فإذا كان في مكان قد أدى عنه غيره، فلا يجب عليه، لكن إذا أدى زيادة يكون من باب الفضل من باب مزيد الخير، من باب التعاون على الخير، فإذا كان هناك من يؤدي عنه حصل المطلوب، المقصود أنه يؤدي حسب الحاجة، فإذا أدى اثنان، أو ثلاثة، أو أربعة كان أكثر العلم.

وقالَ ابنُ خُلاَّدٍ:

 

الشيخ: عندك حاشية عليه؟

الطالب: نعم قال: هو الحسن بن عبدالرحمن الرامهرمزي المتوفى سنة 360 للهجرة، ترجمته في السير.

وقالَ ابنُ خُلاَّدٍ: إِذا بلَغَ الخَمسينَ، ولا يُنْكَرُ عندَ الأربعينَ.

الشيخ: وهذا ما عليه دليل، معلوم إذا بلغ الخمسين، أو بلغ الأربعين فقد استحكم سنه، استحكم رشده، ولكن يؤدي على حسب الحاجة، ولو ابن عشرين، ولو ابن ثلاثين، ولو أقل من ذلك عند الحاجة، عند الحاجة للعلم يؤدي الصحابة أدوا وهم في غاية من صغر السن، ابن عباس أدى، وابن الزبير أدى، وغيرهم وهم شباب.

وتُعُقِّبَ بمَن حدَّثَ قبلَها؛ كمالكٍ.

 

الشيخ: مالك - رحمه الله -، وغير مالك، المهم ضبط الرواية، وضبط الأحاديث، وثقة الراوي، فإذا حدث وهو ثقة، ولو أنه شاب ما هو بلازم أن يكون ابن أربعين، ولا ابن خمسين.

وَمِن المهمِّ معرفَةُ صِفَةِ كِتابَةِ الحَديثِ، وهو أَنْ يكتُبَهُ مُبيَّنًا مفسّرًا، ويَشْكُلَ المُشْكِلَ منهُ، ويَنْقُطَهُ، ويكتُبَ السَّاقِطَ في الحاشيةِ اليُمنى، ما دامَ في السَّطرِ بقيَّةٌ، وإِلاَّ ففي اليُسرى.

الشيخ: وهذا من المهم في مصطلح الحديث أن يأتي بالكتابة، كتابة الحديث واضحة، ويشكل ما قد يخفى منه يعتني بطريقة أهل الحديث في هذا؛ حتى لا تخفى الرواية على الراوي، بل يضبط الروايات، ويضبط الأسماء، ويضبط المتن، ويشكل ما قد يخفى على حسب ما حدثه به شيخه.

س: .....؟

وَصفةِ عَرْضِهِ، وهُو مُقابَلتُهُ معَ الشَّيخِ المُسمِع، أو معَ ثقةٍ غيرِه، أو معَ نفسِه شيئًا فشيئًا.

الشيخ: وهذا مهم، المقابلة مهمة، مع شيخه أضبط، ومع غيره لا بأس، لكن مع شيخه أضبط حتى لا ينسى شيئًا يضبطه، ويقابل على الأصل.

وَصفةِ إِسْمَاعِهِ كذلك.

 

الشيخ: كذلك صفة إسماعه فقال: حدثنا، فقال: كتب إلي فلان، حتى يكون أكمل في الرواية.

وأَنْ يكونَ ذلك مِن أَصلِهِ الَّذي سمِعَ فيهِ كِتابَهُ، أو مِن فرْعٍ قُوبِلَ على أَصلِه، فإِنْ تعذَّرَ فليَجْبُرْهُ بالإِجازةِ لما خالَفَ إِنْ خالَفَ.

الشيخ: وليعتني بأن يكون من أصله، أو من كتاب لقن من الأصل حتى يكون ذلك أضبط في الرواية، فإذا لم يتيسر ذلك طلب منه الإجازة، أن يجيزه بالرواية عنه من سماع فقط من غير وجود الأصل.

وَصفةِ الرِّحْلةِ فيهِ، حيثُ يَبْتَدِئُ بحديثِ أَهلِ بلدهِ فيستوْعِبُهُ، ثم يرحلُ فيُحَصِّلُ في الرِّحلةِ ما ليسَ عندَه، ويكونُ اعتناؤهُ في أَسفارِهِ بتكثيرِ المَسموعِ أَولى مِن اعتنائِهِ بتكثيرِ الشُّيوخِ.

الشيخ: المقصود من هذا أنه يعتني بأحاديث بلده، والله المستعان هذه أمور مضت، لكن يعتني بحديث بلده مشايخ بلده، فإذا فرغ منه ارتحل إلى غيرهم من الشيوخ الثقات، ويكون اهتمامه بالحديث، وكثرة طرقه، وصحة سنده أولى من اعتنائه بكثرة الشيوخ، يعتني بالسند، والثقات من الرواة كما فعل البخاري، ومسلم - رحمة الله عليهما.

وَصفة تَصْنِيفِهِ، وذلك إِمَّا على المسانيدِ، بأَنْ يجْمَعَ مسنَدَ كلِّ صحابيٍّ على حِدَةٍ، فإِنْ شاءَ رتَّبَهُ على سوابِقِهِم، وإِنْ شاءَ رتَّبَهُ على حُروفِ المُعْجَمِ، وهو أَسهَلُ تناوُلًا.

الشيخ: وهذا على حسب التيسير مثل ما فعل أحمد - رحمه الله - جمع أحاديثهم على أسمائهم، ولم يرتبها على أبواب، كل راو جمع أحاديثه، وهكذا أبو داود الطيالسي، وهكذا جماعة، وهم مخير إن شاء رتبهم على سبقهم في الإسلام، يعني من باب الأفضل مثل ما بدأ أحمد - رحمه الله - بالخلفاء الراشدين، وإن شاء رتبهم على حروف المعجم أ، ب، ت، ث... في أسمائهم.

أَوْ تصنيفِه على الأَبْوابِ الفِقهيَّةِ، أو غيرِها، بأَنْ يَجمَعَ في كلِّ بابٍ ما ورَدَ فيهِ ممَّا يدلُّ على حُكمِه إِثْباتًا، أو نفيًا.

الشيخ: وهذا على حسب اجتهاده إذا رأى جمعه على الأبواب فلا بأس، كتاب الصلاة، كتاب الطهارة، كتاب الزكاة، كما فعل الأكثرون، أو يجمع على طريقة أخرى العبادات وحدها يجمع فيها، والمعاملات وحدها يجمع فيها، النكاح وما فيه، وهكذا، فهذه اصطلاحيات يجتهد فيها المحدث.

والأوْلى أَنْ يقتَصِرَ على ما صحَّ، أو حَسُنَ، فإِنْ جَمَعَ الجَميعَ فَلْيُبَيِّنْ علَّةَ الضَّعْفِ.

 

الشيخ: وهذا هو الذي ينبغي، يجتهد في رواية الحديث الصحيح، والحسن، ولا يحرص على الضعيف؛ لما في رواية الصحيح والحسن كفاية، فإذا أراد الجمع وروى من باب الاحتياط حتى يتأمل فليميز الصحيح، والحسن، والضعيف إذا جمعها، وإلا فليقتصر على الصحيح، والحسن كما اقتصر البخاري ومسلم - رحمة الله عليهما  -على الصحيح، وهكذا أهل السنن الأربعة كما اجتهدوا في الصحيح والحسن حسب اجتهادهم.

فالمقصود أن المحدث يجتهد في جمع الصحيح، والحسن، ولا يشتغل بالضعيف؛ لئلا يشغله عن غيره، لكن إذا جمع الضعيف مع الحسن فليميز، يميز هذا من هذا حتى لا يغش الناس.

أو تصنيفِه على العِلَلِ، فيذكُرُ المتنَ، وطُرُقَهُ، وبيانَ اختلافِ نَقَلَتِه، والأحْسَنُ أَنْ يرتِّبَها على الأبوابِ ليسهُلَ تناوُلُها.

الشيخ: وهذا فعله جماعة، وهو بيان ضعف الأحاديث، ويرتبها على العلل إن كان ضعيفًا لكذبه، أو لضعف حفظه، أو لكذا، أو كذا، أو وهم منه، أو كذا حتى يعرف الناس ذلك؛ لأن هذا من باب النصيحة لله ولعباده، ولهذا صنف جماعة في بيان الضعفاء والمتروكين في بيان الأحاديث الضعيفة.

أَوْ يجمَعُهُ على الأطْرافِ، فيذكُرُ طرَفَ الحديثِ الدَّالَّ على بقيَّتِه.

ويجْمَعُ أَسانيدَه: إِمَّا مستوعِبًا، أو متقيِّدًا بكُتُبٍ مخصوصةٍ.

الشيخ: وهكذا على الأطراف كما فعل ذلك جماعة كابن كثير، وغيره، راوي الحديث يذكر طرفه إشارة إلى من خرجه، ويعزوه إلى الكتب التي روته من باب الفائدة لأهل العلم.

وَمِن المُهِمِ مَعْرِفَةُ سَبَبِ الحَديثِ:

وقَدْ صَنَّفَ فيهِ بَعْضُ شُيوخِ القَاضي أَبي يَعْلى بنِ الفَرَّاءِ الحنبليِّ، وهو أبو حفصٍ العُكْبريُّ.

وقد ذكَرَ الشيخُ تقيُّ الدِّينِ ابنُ دَقيقِ العيدِ أَنَّ بعضَ أَهلِ عصرِه شرعَ في جَمْعِ ذلك، فكأَنَّهُ ما رأى تصنيفَ العُكْبريِّ المذكور.

الشيخ: كذلك بيان أسباب الحديث فيه فائدة كبيرة؛ كون الرسول ﷺ قال كذا، وكذا بسبب كذا وكذا، قال الرسول كذا بسبب كذا، يعني السبب يوضح المعنى، وإن كان العبرة بعموم الحديث لا بخصوص السبب عند أهل العلم، العبرة بعموم النص لا بخصوص السبب؛ لكن السبب يفيد إذا ذكر الحديث بسببه يفيد معرفة المعنى.

وصنَّفوا في غالبِ هذهِ الأنْواعِ على ما أَشَرْنا إِليهِ غَالِبًا.

وهِيَ؛ أي: هذهِ الأنواعُ المَذكورةُ في هذهِ الخاتمةِ نَقْلٌ مَحْضٌ، ظاهِرَةُ التَّعْريفِ، مُسْتَغْنِيَةٌ عنِ التَّمْثيلِ.

وحَصْرُها مُتَعَسِّرٌ؛ فلْتُراجَعْ لَها مَبْسوطاتُها؛ لِيَحْصُلَ الوُقوفُ على حقائقِها.

واللهُ المُوَفِّقُ، والهَادي لا إِلَهَ إِلاَّ هُو، عليهِ توكَّلْتُ، وإِليهِ أُنيبُ، وحسبُنا اللهُ، ونِعمَ الوَكيلُ.

الشيخ: وهذا إنما أراد الإشارة لما ذكره أهل العلم من هذه الأشياء، ومن أراد البسط فليراجعها في مظانها، يراجع هذه الأسباب التي ذكرها، وما يتعلق بسبب الحديث، أو بجرح الرواة، أو المرسل، والمنقطع، أو الموقوف، أو غير ذلك كلها يراجع لها أصولها، لكن المقصود بيان القاعدة في هذا، أراد بهذا بيان القواعد - رحمه الله.

وصلى الله على سيدنا محمد، وآله، وصحبه، وسلم.

 

الشيخ: رحمه الله، وغفر الله لنا وله، النخبة كتاب جيد مفيد على اختصارها مفيدة.