14 من حديث: (أَنَّهُ كَانَ إذَا قَامَ إلَى الصَّلَاةِ اسْتَفْتَحَ ثُمَّ يَقُولُ: أَعُوذُ بِاَللَّهِ السَّمِيعِ الْعَلِيمِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ مِنْ هَمْزِهِ وَنَفْخِهِ وَنَفْثِهِ)

بَابُ التَّعَوُّذِ بِالْقِرَاءَةِ

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ [النحل:98].

684- وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ ، عَن النَّبِيِّ ﷺ: أَنَّهُ كَانَ إذَا قَامَ إلَى الصَّلَاةِ اسْتَفْتَحَ، ثُمَّ يَقُولُ: أَعُوذُ بِاللَّهِ السَّمِيعِ الْعَلِيمِ مِن الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ، مِنْ هَمْزِهِ وَنَفْخِهِ وَنَفْثِهِ رواه أحمد، والترمذي.

وقال ابنُ المنذر: جاء عن النبي ﷺ أنه كان يقول قبل القراءة: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، وقال الأسود: رأيتُ عمر حين يفتتح الصلاة يقول: سبحانك اللهم وبحمدك، وتبارك اسمك، وتعالى جدك، ولا إله غيرك ثم يتعوَّذ. رواه الدارقطني.

بَابُ مَا جَاءَ فِي بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

685- عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: "صَلَّيْتُ مَعَ النَّبِيِّ ﷺ وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ فَلَمْ أَسْمَعْ أَحَدًا مِنْهُمْ يَقْرَأُ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ". رَوَاهُ أَحْمَدُ، والنَّسائي بإسنادٍ على شرط الصحيح.

وَفِي لَفْظٍ: "صَلَّيْتُ خَلْفَ رسول الله ﷺ، وَخَلْفَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ، فَكَانُوا لَا يَجْهَرُونَ بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ". رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَالنَّسَائِيُّ بِإِسْنَادٍ عَلَى شَرْطِ الصَّحِيحِ.

وَلِأَحْمَدَ وَمُسْلِمٍ: "صَلَّيْتُ خَلْفَ النَّبِيِّ ﷺ وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ، فكَانُوا يَسْتَفْتِحُونَ بِالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، لَا يَذْكُرُونَ "بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ" فِي أَوَّلِ قِرَاءَةٍ وَلَا آخِرِهَا".

وَلِعَبْدِاللَّهِ بْنِ أَحْمَدَ فِي "مُسْنَدِ" أَبِيهِ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: "صَلَّيْتُ خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، وَخَلْفَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ، فَلَمْ يَكُونُوا يَسْتَفْتِحُونَ الْقِرَاءَةَ بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ"، قَالَ شُعْبَةُ: فَقُلْتُ لِقَتَادَةَ: أَنْتَ سَمِعْتَه مِنْ أَنَسٍ؟ قَالَ: نَعَمْ، نَحْنُ سَأَلْنَاهُ عَنْهُ.

وَلِلنَّسَائِيِّ عَنْ مَنْصُورِ بْنِ زَاذَانَ، عَنْ أَنَس بن مالك قَالَ: "صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فَلَمْ يُسْمِعْنَا قِرَاءَةَ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، وَصَلَّى بِنَا أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما فَلَمْ نَسْمَعْهَا مِنْهُمَا".

686- وَعَن ابن عَبْدِاللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ قَالَ: سَمِعَنِي أَبِي وَأَنَا أَقُولُ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، فَقَالَ: "يَا بُنَيَّ، إيَّاكَ وَالْحَدَثَ -قَالَ: وَلَمْ أَرَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ رَجُلًا كَانَ أَبْغَضَ إلَيْهِ حَدَثًا فِي الْإِسْلَامِ مِنْهُ- فَإِنِّي صَلَّيْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، وَمَعَ أَبِي بَكْرٍ، وَمَعَ عُمَرَ، وَمَعَ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُم، فَلَمْ أَسْمَعْ أَحَدًا مِنْهُمْ يَقُولُهَا، فَلَا تَقُلْهَا، إذَا أَنْتَ قَرَأْتَ فَقُل: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ". رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إلَّا أَبَا دَاوُد.

ومعنى قوله "لا تقلها" وقوله "لا يقرؤونها" أو "لا يذكرونها" أو "لا يستفتحون بها" أي جهرًا، بدليل قوله في روايةٍ تقدَّمت: "لا يجهرون بها"، وذلك يدل على قراءتهم لها سرًّا.

687- وَعَنْ قَتَادَةَ قَالَ: سُئِلَ أَنَسٌ : كَيْفَ كَانَت قِرَاءَةُ النَّبِيِّ ﷺ؟ فَقَالَ: "كَانَتْ مَدًّا"، ثُمَّ قَرَأَ "بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ" يَمُدُّ بِبِسْمِ اللَّهِ، وَيَمُدُّ بِالرَّحْمَنِ، وَيَمُدُّ بِالرَّحِيمِ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

688- وَرَوَى ابْنُ جُرَيْجٍ، عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْها: أَنَّهَا سُئِلَتْ عَنْ قِرَاءَةِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَقَالَتْ: "كَانَ يُقَطِّعُ قِرَاءَتَهُ آيَةً آيَةً: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ۝ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ۝ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ۝ مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ [الفاتحة:1- 4]". رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُد.

الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم، اللهم صلِّ وسلم على رسول الله.

ذكر المؤلفُ رحمه الله هنا ما يتعلق بالاستعاذة والبسملة، الاستعاذة سنة قبل القراءة، وفيها حديث أبي سعيد وما جاء في معناه: منها حديث عمر، وفيها نصّ القرآن: فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ [النحل:98].

فالسنة للإمام والمأموم والمنفرد بعد الاستفتاح أن يستعيذ ويقول: "أعوذ بالله من الشيطان الرجيم"، ثم يُسمِّي: "بسم الله الرحمن الرحيم"، أو يقول كما في حديث أبي سعيدٍ: "أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم، من همزه ونفخه ونفثه"، ثم يُسمِّي، ثم يقرأ، هكذا السنة.

قوله: فَإِذَا قَرَأْتَ أي: أردتَ، كما في الحديث: إذا دخل الغائط قال: كذا وكذا، أي: إذا أراد دخول الغائط، فالفعل إذا أتى بعد "إذا" قد يكون إنما يتعلق بالإرادة، يعني: إذا أردتَ قراءة وأردتَ الدخول، وليس المراد إذا فرغ من القراءة كما ظنَّه بعضُ الناس؛ ولهذا كان يستعيذ أولًا ثم يُصلي ثم يقرأ عليه الصلاة والسلام، هذا هو السنة.

والسنة الإسرار بها، يُسِرُّ بها ولا يجهر، كما جاء في حديث أنسٍ وحديث عبدالله بن مغفل وغيرها، وفي حديث عائشة في "الصحيح" أيضًا: "كان لا يبدأ بالبسملة"، يبدأ القراءة بالحمد لله، وهكذا الخلفاء، وذلك دليل على أنهم كانوا يُسِرُّون بالتسمية ولا يجهرون بها، وإنما جهر بها أبو هريرة للتعليم، وقال: إنه أشبه الناس بصلاة النبي ﷺ، والظاهر أنه أراد بذلك عموم الصلاة ..... كافة أعمالها، وليس مراده نفس الجهر بالتسمية، أو جهر بها في التعليم والتفهيم وأنها تُقال، فالسنة أن يبدأ بالحمد، وهكذا بقية السور، وتكون التسمية سرًّا، وإن جهر بها بعض الأحيان للتعليم ليُعلم مَن حوله أنه يقرأها فلا بأس من باب التعليم.

وكذلك دلَّ حديث عبدالله بن مغفل أنه ينبغي للمؤمن أن يتحرى اجتناب البدع والحدث في الإسلام، وألا يجترئ على شيءٍ لم تأتِ به السنة، أو في الكتاب ما يدل عليه بما يتعبد به الناس، ولهذا أنكر عبدالله بن مغفل الجهر بالبسملة وقال: "إياك والحدثَ"، وأخبر أنه لم يسمع النبيّ ﷺ يجهر بها، ولا الصديق، ولا عمر، ولا عثمان.

وفي حديث أنسٍ دلالة على المدِّ في القراءة وعدم العجلة، وفي حديث أم سلمة الدلالة على تقطيع القراءة، فيقف على رؤوس الآي، وهذا هو الأفضل؛ لفعله عليه الصلاة والسلام، فإذا قرأ مدّ "بسم الله الرحمن الرحيم"، مدّ "بسم الله"، ومدّ "الرحمن"، ومدّ "الرحيم"، وما عجلها، بل مدَّها، والظاهر من هذا أنه أعطاها المدَّ المعروف الطبيعي: "بسم الله الرحمن الرحيم"، هذا مدّ للوقف، يُزاد في مدّ "الرحيم" لأجل الوقف.

وكذلك الوقوف على رؤوس الآي: فيكون هذا أفضل للترتيل: وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا [المزمل:4]، يكون أفضل لما فيه من عدم العجلة، ولما فيه من التَّفهيم لمن وراءه ...... الفهم والتَّدبر والتَّرتيل فيه مصالح:

أولًا: البُعد عن الخطأ والغلط.

ثانيًا: أنه أقرب إلى أن يفهمه هو ويتدبره ويتعقَّله.

ثالثًا: أنه أنفع للناس؛ حتى يتفهَّموا ويتدبَّروا ويتعقَّلوا ما يسمعون.

ذكر علماء القراءة: أن القراءة على ثلاثة أوجه: منها الترتيل: وهو إعطاء الآيات حقّها بالمدود والوقوف، ومنها التجويد: وهو كونه يتوسط في القراءة، ومنها الحدر: وهو كونه يقرأ قراءةً سريعةً ليس فيها إخلال بالحروف، ولا إدغام لها، بل قراءة واضحة جلية، لكن ليس فيها ترتيل، وإنما قد يوصل الآية بالآية، والآيتين بالثلاث، لكن مع الإيضاح، ويُسمَّى هذا: حدرًا، وهو قد يحتاج إلى ذلك؛ لمحبَّة إنهاء الختمة في أيام قليلةٍ، أو لأسبابٍ أخرى تدعوه إلى الحدر وعدم الترتيل، والترتيل أفضل، والذي بعده -وهو التوسط- أفضل من الحدر، والحدر جائز لمن لم يخلّ بشيءٍ من الحروف، ولم يدغم بعضها في بعضٍ فيلتبس على السامع معنى الكلمات، قراءة واضحة ليس فيها إسقاط بعض الحروف، وليس فيها إخلال بالقراءة حتى ينبهم الأمر ويخفى على المستمع، بل تكون قراءة واضحة، لكن ليس فيها وقوف على رؤوس الآي، وليس فيها إتمام المدود التي ليست لازمةً.

س: ..............؟

ج: يُسمونها: تنوينًا نعم.

س: بالنون؟

ج: بالراء.

س: ..............؟

ج: ...... عن أنسٍ نعم، وهذا حديث أنس ..... بالفاتحة: الحمد لله، في السر والتَّسبيح.

س: ............؟

ج: هذا له ..... يتعلق ببعض الروايات الموقوفة على .....، لكن ليس بصريحٍ، حديث أبي هريرة ليس بصريحٍ .....، الأمر واسع في هذا، لكن السر أفضل.

س: التسمية .....؟

ج: لا، التسمية أية مستقلة، ما هي من الفاتحة، ولا من غيرها، مستقلة، يأتي الكلام فيها.

س: الاستعاذة في كل ركعةٍ من الصلاة؟

ج: في خلاف بين أهل العلم، السنة في الأولى فقط، أما الركعات الأخرى فيكفي، تكفي التسمية إن شاء الله، هذا هو الأرجح، وإن استعاذ فلا بأس، إن استعاذ في الركعات الأخرى فلا بأس، ليس هناك مانع، لكن بعض الصلاة تشبه ..... واحدة، فإذا استعاذ في أولها هذا هو النظر إلى أهل العلم تكفيه في الثالثة والركعة الأولى، وإن استعاذ في الثانية والثالثة لا بأس، الأمر واسع إن شاء؛ لعموم الآية: فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ [النحل:98].

س: البسملة كذلك؟

ج: لا، التسمية يُكررها التي في أول سورة، إذا كان يبدأ سورةً يُكرر التَّسمية، إلا عند براءة.

س: ...........؟

ج: ...... من بعض الصحابة موقوفًا.

س: ..........؟

بَابٌ فِي الْبَسْمَلَةِ هَلْ هِيَ مِن الْفَاتِحَةِ وَأَوَائِلِ السُّوَرِ أَمْ لَا؟

689- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: مَنْ صَلَّى صَلَاةً لَمْ يَقْرَأْ فِيهَا بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ فَهِيَ خِدَاجٌ يَقُولُهَا ثَلَاثًا، فَقِيلَ لِأَبِي هُرَيْرَةَ : إنَّا نَكُونُ وَرَاءَ الْإِمَامِ! فَقَالَ: اقْرَأْ بِهَا فِي نَفْسِك؛ فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: قَالَ اللَّهُ : قَسَمْتُ الصَّلَاةَ بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي نِصْفَيْنِ، وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ، فَإِذَا قَالَ الْعَبْدُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، قَالَ اللَّهُ: حَمِدَنِي عَبْدِي، فَإِذَا قَالَ: الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، قَالَ الله: أَثْنَى عَلَيَّ عَبْدِي، فَإِذَا قَالَ: مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ، قَالَ: مَجَّدَنِي عَبْدِي، وَقَالَ مَرَّةً: فَوَّضَ إلَيَّ عَبْدِي، وَإِذَا قَالَ: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ، قَالَ: هَذَا بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي، وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ، فَإِذَا قَالَ: اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ ۝ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ، قَالَ: هَذَا لِعَبْدِي، وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا الْبُخَارِيَّ وَابْنَ مَاجَهْ.

690- وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَن النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ قَالَ: إنَّ سُورَةً مِن الْقُرْآنِ ثَلَاثُونَ آيَةً شَفَعَتْ لِرَجُلٍ حَتَّى غُفِرَ لَهُ، وَهِيَ: تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ [الملك] رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُد، وَالتِّرْمِذِيُّ.

ولا يختلف العادُّون أنها ثلاثون آيةً بدون التَّسمية.

691- وَعَنْ أَنَسٍ قَالَ: بَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ ذَاتَ يَوْمٍ بَيْنَ أَظْهُرِنَا فِي الْمَسْجِدِ إذْ أَغْفَى، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ مُتَبَسِّمًا، فقلتُ: مَا أَضْحَكَك يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: نَزَلَتْ عَلَيَّ آنِفًا سُورَةٌ، فَقَرَأَ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ ۝ فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ ۝ إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ [الكوثر:1- 3]، ثُمَّ قَالَ: أَتَدْرُونَ مَا الْكَوْثَر؟ قَالَ: وَذَكَرَ الْحَدِيثَ. رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَمُسْلِمٌ، وَالنَّسَائِيُّ.

692- وَعَن ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما قَالَ: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ لَا يَعْرِفُ فَصْلَ السُّورَةِ حَتَّى تنزل عَلَيْهِ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ". رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.

بَابُ وُجُوبِ قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ

693- عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ : أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ.

وَفِي لَفْظٍ: لَا تُجزئ صَلَاة لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَقَالَ: إسْنَادُهُ صَحِيحٌ.

694- وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْها قَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: مَنْ صَلَّى صَلَاةً لَمْ يَقْرَأْ فِيهَا بِأُمِّ الْقُرْآنِ فَهِيَ خِدَاجٌ رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَابْنُ مَاجَهْ، وَقَدْ سَبَقَ مِثْلُهُ مِنْ رواية أَبِي هُرَيْرَةَ .

695- وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ : أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ أَمَرَهُ أَنْ يَخْرُجَ فَيُنَادِي: لَا صَلَاةَ إلَّا بِقِرَاءَةِ فَاتِحَةِ الْكِتَابِ فَمَا زَادَ رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُد.

الشيخ: اللهم صلِّ وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه.

أما بعد: فهذه الأحاديث تتعلق ببيان أنَّ التسمية ليست من الفاتحة، وليست من السور، ولكنها فاصلة بين السور، وبيان وجوب قراءة الفاتحة على المأموم والإمام والمنفرد.

وهذه الأحاديث التي ذكرها المؤلفُ واضحة في الدلالة على أن التسمية "بسم الله الرحمن الرحيم" ليست من الفاتحة؛ لأنَّ الرسول عليه الصلاة والسلام قال: يقول الله : قسمتُ الصلاة يعني الفاتحة، سُميت الصلاة لأنها ركن، الصلاة بيني وبين عبدي نصفين، فإذا قال العبدُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، قال الله: حمدني عبدي، وإذا قال: الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، قال الله: أثنى عليَّ عبدي، وإذا قال: مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ، قال: مجَّدني عبدي، أو قال: فوَّض إليَّ عبدي .. إلى آخر السورة، ولم يذكر التَّسمية، قال: فإذا قال: "الحمد لله" دلَّ على أنَّ أول الفاتحة: الحمد لله.

وفي هذا أنَّ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ۝ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ۝ مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ كله ثناء على الله، و الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ سُمّي ثناء لأن فيه تكرار تثنية الثناء، مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ تمجيد مجَّدني؛ لأنَّ كثرة الثناء تمجيد، يعني: يُثنى عليه، وهو الأحق بهذا .

أما إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ [الفاتحة:5]، فهي بين العبد وبين ربِّه، إِيَّاكَ نَعْبُدُ حق الرب، وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ حاجة العبد، يحتاج إلى الاستعانة بربِّه، وهو المؤيد سبحانه، ولولا أنَّ العبد فقيرٌ، وأن الله غني قادرٌ لما صار للاستعانة محلٌّ، فلما شرع الاستعانة عرف أنَّ العبد في حاجةٍ إليها، وأنه سبحانه قادر على كل شيءٍ، ويُعطي عبده ما يشاء، وهو القادر على كل شيء .

وهو وعد الله لعبده؛ لأنه يُعطيه ما سأل، وهو الصادق في وعده وإن تأخَّرت الإجابةُ لحكمٍ وأسرارٍ، فهو القادر على أن يستجيب لكم: وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ [البقرة:186]، ومعلوم أن الإنسان يدعو كثيرًا في بعض المسائل فلا يحصل له المطلوب، لا لإخلافٍ من الله، ولكن لحكمٍ وأسرارٍ، قد يُؤجل الجواب لحكمةٍ، وقد يُعطى العبدُ خلاف ما سأل، وقد تُؤجل الطلبة إلى الآخرة، وربك حكيم عليم، ولو أنَّ كل أحدٍ يُعطى ما سأل في الدنيا لاختلَّ هذا العالم، فإن الإنسان يسأل أشياء قد يضرّه نفوذها.

فالمقصود أنَّ الرب جلَّ وعلا حكيم عليم، يُجيب السائل إذا شاء، ويُؤجل مسألةً إذا شاء ويحجب الجواب إذا شاء؛ لحكمةٍ وأسرارٍ، أو لذنوبٍ فعلها، أو لأسبابٍ أخرى؛ ولهذا في الحديث الصحيح يقول عليه الصلاة والسلام: ما من عبدٍ يدعو الله بدعوةٍ ليس فيها إثم ولا قطيعة رحم إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاث: إما أن تُعجل له دعوته في الدنيا، وإما أن تُدخر له في الآخرة، وإما أن يُصرف عنه من الشرِّ مثل ذلك، قالوا: يا رسول الله، إذًا نُكثر؟ قال: الله أكثر.

فهذا يدل على أنَّ الدعاء لا يضيع، مطلوب، بل نافع، وليس بضائعٍ إذا كان دعاءً صالحًا ليس فيه إثم ولا قطيعة رحم فلا يضيع، لكن قد تُؤجل الإجابة، وقد يُعطى غير ما طلب رحمةً من ربه؛ لأنه أحكم وأعلم ، وقد تُؤجل الطلبة إلى الآخرة، وقد يُحرم لأسباب ذنوبه، كما قال : وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ [الشورى:30]، فعدم الإجابة من المصائب التي تحلّ بالعبد بأسباب ذنوبه، وفي الحديث الصحيح -حديث ثوبان: إنَّ العبد ليُحرم الرزق من الذنب يُصيبه، والله صادق في وعده، وله الحكمة البالغة في تعجيل الإجابة، وتأخيرها، وصرفها إلى غيرها، وعدم الإجابة لمانعٍ اقتضى ذلك.

ثم قال: اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ ۝ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ [الفاتحة:6- 7]، قال: هذا لعبدي، ولعبدي ما سأل، كل هذا بالدعوة من العبد، حاجة العبد، هو مضطر إلى الهداية، ومَن سأل الله صادقًا هداه ويسَّر أمره، والشاهد أنه دليل على أنَّ البسملة ليست من الفاتحة، ولكنها آية مستقلة.

وهكذا جملة الأحاديث الدالة في هذا الباب؛ كحديث عائشة: كان يفتتح الصلاة بالتكبير والقراءة بالحمد لله، يدل على أنَّ التسمية ليست من ذلك.

كذلك عدم الجهر بها، يقطع جهرًا السور والفاتحة ولا يجهر بها، لو كانت منها لجهر بها.

وأما نزولها مع إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ فهذا مثل نزولها مع بقية السور، فاصلة بين السور، وكانوا لا يعرفون فصل هذه السورة من هذه السورة إلا بالتَّسمية.

وهي جزء من آيةٍ من سورة النمل، بعض آيةٍ، كما قال تعالى: إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ [النمل:30].

والأحاديث الأخيرة دالة على وجوب الفاتحة، وأن الواجب على المصلين أن يقرؤوها، سواء كان المصلي إمامًا أو مأمومًا أو منفردًا، هذا هو الذي عليه جمهور أهل العلم في حقِّ الإمام والمنفرد؛ أنَّ عليه أن يقرأها، خلافًا للأحناف أنه يقرأ ما تيسر، بل الواجب أن يقرأ الفاتحة كما قاله جمهورُ أهل العلم، ودلَّت عليه الأحاديث الصحيحة: حديث عبادة، وحديث أبي هريرة: فهي خداج، فهي خداج غير تمام. رواه مسلم، وأبو داود، والترمذي، والنسائي، حديث عائشة شاهد أيضًا مع الأحاديث الأخرى الدالة على ذلك.

أما المأموم فاختلف فيه العلماءُ: هل تجب عليه أم لا؟

ذهب الأكثرون أنها لا تجب عليه، وأن الإمام يتحمَّلها عنه.

وذهب آخرون -كالشافعي رحمه الله والبخاري وجماعة- إلى أنه لا بدَّ من قراءته لها، والأدلة تعمّهم، يعني: تعمّ المأمومين كما تعمّ الإمام والمنفرد، وقد جاء صريحًا في ذلك حديث عبادة: لعلكم تقرؤون خلف إمامكم؟ قالوا: نعم، قال: لا تفعلوا إلا بفاتحة الكتاب؛ فإنه لا صلاةَ لمن لم يقرأ بها، وحديث أبي هريرة: مَن صلَّى صلاةً لم يقرأ فيها بفاتحة الكتاب فهي خداج، فهي خداج عام؛ ولهذا لما سُئل أبو هريرة عن ذلك قال: "اقرأ بها في نفسك"، وهذا هو الصواب، الصواب أنها تلزمه، لكن تسقط عنه إذا نسي أو جهل أو لم يُدرك الإمام إلا في الركوع، ليس يجب عليه ما يجب على الإمام دون ذلك مثل: وجوب التشهد الأول ونحوه، فهي في حكم الواجبات الحق، ولهذا إذا نسيها أو فاتته مع الإمام ولم يحضر إلا في الركوع سقطت عنه، أو تركها تقليدًا أو اجتهادًا أنها لا تجب سقطت عنه.

س: قوله في الحديث: إنَّ سورة ثلاثون آية ... صحيح؟

ج: لا أعلم الآن فيه قادحًا، راجعتُه قديمًا ولا أتذكر فيه قادحًا، لا باس به. أيش قال عليه المحشي؟ تكلَّم عليه المحشي؟

الطالب: حسَّنه الترمذيُّ، وهو من رواية عباس الجشمي، عن أبي هريرة ، قال المنذري: وأخرجه النَّسائي وابن ماجه. انتهى، وأخرجه الحاكم وابن حبان وصحَّحاه. وأعلَّه البخاري في "التاريخ الكبير" بعدم معرفة سماع الجشمي من أبي هريرة ، ولكن ذكره ابنُ حبان في "الثقات"، وله شاهد عن أنسٍ عند الطبراني في "الكبير" بإسنادٍ صحيحٍ.

الشيخ: ..... حيث يدل الأصل مع المعاصرة ..... الأصل مع المعاصرة هو اللقاء والسماع، هذا هو الأصل، ولهذا جرى على هذا مسلم رحمه الله وجماعة آخرون، وأنَّ التابعي إذا عاصر الصحابي وروى عنه ولم يُعرف بالتدليس فهو محمولٌ على السماع، إلا إذا عُرف عنه التَّدليس.

س: وجوب الفاتحة على المأموم في الصلاة السرية والجهرية على حدٍّ سواء؟

ج: نعم، هذا الصَّواب.

س: قصده الوجوب، هل وجوب مُخفف بالصلاة السرية؟ هل وجوب مُخفف؟

ج: يُجزئه .....، يقرأ إذا سكت، فإذا لم يسكت قرأ ثم أنصت.

س: ما يكون وجوبها أقوى في السرية -أقوى من الجهرية؟

ج: .....، ولكن كونها أقوى السرية لا يمنع وجوبها في الجهرية.

س: إذا بأنَّ البسملة من السورة في حديث سورة الكوثر قال؟

ج: ...... مثل بقية السور: مع البقرة، ومع النساء، ومع بقية السور، كل السور بدأت بالتسمية ما عدا البراءة.

س: ............؟

ج: ...... ولو مع الإمام .....

س: قوله: فما زاد؟

ج: يعني مستحبّ زيادة ..... مستحب، لكن ليس بواجبٍ.

س: ..... جاء بأداة النفي: لا صلاةَ إلا بقراءة فاتحة الكتاب فما زاد؟

ج: ..... وأن الواجب قراءة الفاتحة فقط، والباقي سنة: لا صلاةَ إلا بفاتحة الكتاب، وسكت عليه الصلاة والسلام، وحديث: لَمْ يَقْرَأْ فِيهَا بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ فَهِيَ خِدَاجٌ إلى آخره .. فيجمع بينهما بهذا، الزيادة مُستحبَّة .....

س: ............؟

ج: ...... إلا أن يشاء الله.

س: وفي رواية .....؟

ج: هذا وهذا ..... الفاتحة، وفي الحديث: "يستر بعضها بعضًا"، وذلك من حجة الأحناف، ومن ذلك الأحاديث: "يستر بعضها بعضًا"، أهل السنة والجماعة وأهل الحق ..... المبين، هذه طريقة أهل البدع وأهل التقليد الأعمى مع أهل الحق، فيُفسر ..... يُقيد العام الخاص.

س: يعني يدل على صحَّة .....؟

ج: حديث أبي بكرة أنه جاء والنبي راكع، وأمره .....: زادك الله حرصًا ولا تعد، ولم يأمره بقضاء الركعة ..... حتى الشافعي قال: ..... رأى أنه إذا ..... فاته القيام أجزأه.

س: ............؟

ج: ..... لا تكن أنت ..... أقرأها ولو معك الفاتحة، ولو معك بعد الفاتحة، ولو ..... ركعة بعد الاستفتاح تقرأها، تحتاط لدينك.

س: ...........؟

ج: ولو، ولو، ولو، يعني ..... حتى تقرأها، حتى ..... الواجب ..... ينصح، تنصحونه، تسير أنت ومعك واحد وتنصحونه .....

الدين النصيحة، طالب العلم إذا رأى من بعض الأئمة نقصًا ينصحه، ولكن إذا تيسر أن يكون بينه وبينه خاصةً سرًّا يكون طيبًا، أو يكون معه أحد آخر تكون النَّصيحة أكمل، فإذا رأى من تقصير القراءة أو لو أحد نصحه ..... إن رأى منه غير ذلك نصحه: الدين النصيحة ..... فينبغي الغفلة أو التَّساهل أو سوء الظن أنه لا يقبل، لا، الإنسان ينصح ولو والله الموفق.

بَابُ مَا جَاءَ فِي قِرَاءَةِ الْمَأْمُومِ وَإِنْصَاتِهِ إذَا سَمِعَ إمَامَهُ

696- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: إنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ، فَإِذَا كَبَّرَ فَكَبِّرُوا، وَإِذَا قَرَأَ فَأَنْصِتُوا رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إلَّا التِّرْمِذِيَّ، وَقَالَ مُسْلِمٌ: هُوَ صَحِيحٌ.

697- وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ انْصَرَفَ مِنْ صَلَاةٍ جَهَرَ فِيهَا بِالْقِرَاءَةِ، فَقَالَ: هَلْ قَرَأَ مَعِي أَحَدٌ مِنْكُمْ آنِفًا؟ فَقَالَ رَجُلٌ: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: فَإِنِّي أَقُولُ: مَا لِي أُنَازَعُ الْقُرْآنَ؟ قَالَ: فَانْتَهَى النَّاسُ عَن الْقِرَاءَةِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فِيمَا يَجْهَرُ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ مِن الصَّلَوَاتِ بِالْقِرَاءَةِ حِينَ سَمِعُوا ذَلِكَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَالنَّسَائِيُّ، وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ.

698- وَعَنْ عُبَادَةَ قَالَ: صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ الصُّبْحَ فَثَقُلَتْ عَلَيْهِ الْقِرَاءَةُ، فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ: إنِّي أراكم تَقْرَؤونَ وَرَاءَ إمَامِكُمْ، قَالَ: قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيْ وَاللَّهِ، قَالَ: لَا تَفْعَلُوا إلَّا بِأُمِّ الْقُرْآنِ؛ فَإِنَّهُ لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِهَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَالتِّرْمِذِيُّ، والبخاري في "جزء القراءة" وصححه، وله شواهد عند أحمد، وابن حبان.

وَفِي لَفْظٍ: فَلَا تَقْرَؤوا بشيءٍ مِن الْقُرْآنِ إذَا جَهَرْتَ بِهِ إلَّا بِأُمِّ الْقُرْآنِ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَالنَّسَائِيُّ، وَالدَّارَقُطْنِيُّ وَقَالَ: كُلُّهُمْ ثِقَاتٌ.

699- وَعَنْ عُبَادَةَ : أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: لَا يَقْرَأَنَّ أَحَدٌ مِنْكُمْ شَيْئًا مِن الْقُرْآنِ إذَا جَهَرْتَ بِالْقِرَاءَةِ إلَّا بِأُمِّ الْقُرْآنِ رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَقَالَ: رِجَالُهُ كُلُّهُمْ ثِقَاتٌ.

700- وَرَوَى عَبْدُاللَّهِ بْنُ شَدَّادٍ : أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: مَنْ كَانَ لَهُ إمَامٌ فَقِرَاءَةُ الْإِمَامِ لَهُ قِرَاءَةٌ رواه الدارقطني، وَقَدْ رُوِيَ مُسْنَدًا مِنْ طُرُقٍ كُلِّهَا ضِعَافٌ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ مُرْسَلٌ.

701- وَعَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ : أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ صَلَّى الظُّهْرَ، فَجَعَلَ رَجُلٌ خَلْفَهُ يَقْرَأُ: سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى [الأعلى]، فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ: أَيُّكُمْ قَرَأَ؟ أَوْ أَيُّكُم الْقَارِئُ؟ قَالَ رَجُلٌ: أَنَا، فَقَالَ: لَقَدْ ظَنَنْتُ أَنَّ بَعْضَكُمْ خَالَجَنِيهَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

بَابُ التَّأْمِينِ وَالْجَهْرِ بِهِ مَعَ الْقِرَاءَةِ

702- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: إذَا أَمَّنَ الْإِمَامُ فَأَمِّنُوا، فَإِنَّ مَنْ وَافَقَ تَأْمِينُهُ تَأْمِينَ الْمَلَائِكَةِ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ.

وَقَالَ ابْنُ شِهَابٍ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: آمِينَ رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ، إلَّا أَنَّ التِّرْمِذِيَّ لَمْ يَذْكُرْ قَوْلَ ابْنِ شِهَابٍ.

وَفِي رِوَايَةٍ: إذَا قَالَ الْإِمَامُ: غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ [الفاتحة:7] فَقُولُوا: آمِينَ، فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ تَقُولُ: آمِينَ، وَإِنَّ الْإِمَامَ يَقُولُ: آمِينَ، فَمَنْ وَافَقَ تَأْمِينُهُ تَأْمِينَ الْمَلَائِكَةِ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَالنَّسَائِيُّ.

703- وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إذَا تَلَا غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ قَالَ: آمِينَ حَتَّى يُسْمِعَ مَنْ يَلِيه مِن الصَّفِّ الْأَوَّلِ". رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَابْنُ مَاجَهْ وَقَالَ: "حَتَّى يَسْمَعَهَا أَهْلُ الصَّفِّ الْأَوَّلِ، فَيَرْتَجَّ بِهَا الْمَسْجِدُ".

704- وَعَنْ وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ قَالَ: "سَمِعْتُ النَّبِيَّ ﷺ قَرَأَ: غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ [الفاتحة:7] فَقَالَ: آمِينَ يَمُدُّ بِهَا صَوْتَهُ". رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُد، وَالتِّرْمِذِيُّ.

الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم، اللهم صلِّ وسلم على رسول الله.

ذكر المؤلفُ رحمه الله ما يتعلق بالقراءة خلف الإمام، وما يتعلق بآمين.

أما ما يتعلق بالقراءة خلف الإمام: فقد دلَّت الأحاديث المذكورة وغيرها على أنَّ الإمام يجب الإنصات له، وأنه إذا قرأ وجهر في القراءة يجب الإنصات، وأما في السرية فإن الإمام يقرأ والمأموم يقرأ، كلهم يقرأ الفاتحة وغيرها، أما في الجهر فمثلما قال ﷺ: فإذا قرأ فأنصتوا، وهو حديث صحيح رواه الخمسة، وسئل عنه مسلم رحمه الله فقال: "هو صحيح"، فقالوا له: لم لم تُخرجه في "الصحيح"؟ قال: "ليس كل صحيح خرَّجته في الصحيح، وإنما خرَّجتُ ما أجمعوا عليه".

فالمقصود أنها أحاديث صحيحة دالة على وجوب الإنصات خلف الإمام، ودلَّ على هذا قوله تعالى: وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا [الأعراف:204]، والمقصود من قراءة الإمام جهرًا أن يُسمعهم، وأن يُنصتوا، وأن يستفيدوا، فلا يليق بهم أن يُخالفوه وأن يقرؤوا وهو يقرأ إلا الفاتحة، فإنهم يقرؤونها كما دلَّ عليه حديث عبادة برواياته، وحديث أبي هريرة: مَن صلَّى صلاةً لم يقرأ بها بفاتحة الكتاب فهي خداج، فهي خداج غير تمام، يعمُّ الإمام والمأموم والمنفرد، ولما قال ........ لأبي هريرة: أنا أكون خلف الإمام؟ قال: "اقرأ بها في نفسك".

وهكذا قوله ﷺ: لعلكم تقرؤون خلف إمامكم؟ قالوا: نعم، قال: لا تفعلوا إلا بفاتحة الكتاب؛ فإنه لا صلاةَ لمن لم يقرأ بها.

والخلاصة أنَّ المأموم يقرأ خلف الإمام فيما جهر به الفاتحة فقط ......، ويكون هذا مُستثنى من قوله ﷺ: وإذا قرأ فأنصتوا، ومستثنى من قوله جلَّ وعلا: وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا [الأعراف:204]، والآية عامَّة، والحديث عام يُستثنى منها الفاتحة، والقاعدة المعروفة: أن العام يقضي عليه الخاص، ويحكم عليه الخاص من نصوص الكتاب والسنة.

وما زاد على الفاتحة فإنه لا يقرأه في الجهرية، بل يُنصت، وأما في السرية فإنه يقرأ الفاتحة وما تيسر معها في الأولى والثانية من الرباعية والثلاثية، ويقرأ في الأخيرة بالفاتحة.

ولا مانع أن يقرأ زيادةً في الثالثة أو الرابعة من الظهر، كما جاء في حديث أبي سعيدٍ في بعض الأحيان، نعم بينه وبين حديث أبي قتادة بأنه ﷺ كان يقرأ في الثالثة والرابعة بالفاتحة، وفي حديث أبي سعيدٍ إنما قرأ بزيادة على الفاتحة في الثالثة والرابعة في الظهر.

وفيه من الفوائد: أن القراءة مع الإمام مُنازعة له، فلا يليق بالمؤمن أن يُنازع إمامه، بل يُنصت، إلا الفاتحة فقط، يقرأها سرًّا ثم يُنصت؛ جمعًا بين الأخبار.

ودلَّت السنة أيضًا على أن المأموم إذا فاتته الفاتحةُ لكونه لم يأتِ إلا وقد ركع الإمامُ فإنها تُجزئه الركعة؛ لأنَّ أبا بكرة لما أدرك النبيَّ ﷺ وهو راكع ركع دون الصفِّ ثم دخل في الصف، فقال له النبيُّ ﷺ: زادك الله حرصًا ولا تعد، ولم يأمره بقضاء الركعة، ولهذا قال الأئمةُ الأربعة والجمهور: يُعذر بجهله.

ويشمل هذا مَن نسي، أو قلَّد مَن رأى عدم وجوبها على المأموم، أو اجتهد في ذلك، كما قاله الأئمة الثلاثة: أنها لا تجب على المأموم، فهذا صلاته صحيحة، ومَن اعتقد أنها تجب فالواجب عليه أن يقرأها، كما قاله الشافعي والبخاري وجماعة: أنها تجب على المأموم؛ لعموم الأدلة، ولقوله: لعلكم تقرؤون خلف إمامكم؟ قالوا: نعم، قال: لا تفعلوا إلا بفاتحة الكتاب، وهو نصٌّ على المأموم، فالواجب على المأموم أن يقرأ، هذا هو القول الصحيح، وهو مذهب الشافعي رحمه الله والبخاري وجماعة من أهل العلم وأئمة الحديث، وذهب الأكثرون إلى أنها لا تجب على المأموم، وإنما يُستحب له أن يقرأها في الجهرية إذا سكت الإمامُ؛ خروجًا من الخلاف واحتياطًا، ولكن الأصح والأرجح أنها تجب عليه؛ لظاهر الأدلة، لكن يُعذر إذا تركها نسيانًا، أو جهلًا بالحكم الشرعي، أو تقليدًا، أو اجتهادًا، أو لم يُدرك الإمام إلا في الركوع، فلم يتمكن من قراءتها، فهو معذور في هذه الأحوال ..... يسقط بالجهل والنسيان والاجتهاد الذي يرى معه أنها لا تجب عليه، كما قاله جمعٌ من أهل العلم.

والأحاديث الأخيرة فيما يتعلق بالتأمين تدل على شرعية التأمين، وأنه يُشرع للإمام والمأموم والمنفرد أن يؤمنوا إذا قرأ: وَلَا الضَّالِّينَ [الفاتحة:7]، يقولوا: آمين، ولهذا كان ﷺ يقول: آمين، ويمدّ بها صوته، ويرفع بها صوته، وجاء في بعض الروايات أنه يرتجّ بها المسجد.

وفي رواية شعبة: "وخفض بها صوته"، وصوَّب العلماء ....... في هذا عن رواية شعبة، وأن الصواب "رفع بها صوته"؛ لأنَّ هذا هو المؤيد من الروايات الأخرى، ولأنَّ الصحابة لو لم يسمعوا ذلك لما أمَّنوا، فالرسول ﷺ قال: إذا أمَّن الإمامُ فأمِّنوا، ولو أنه لم يرفع بها صوته لما سمعوه؛ لأنه خلاف إذا قال: وَلَا الضَّالِّينَ فقولوا: آمين؛ فإنه مَن وافق تأمينه تأمين الملائكة غُفر له ما تقدَّم من ذنبه، وهذا فضلٌ عظيمٌ.

فيُشرع للمأموم والإمام والمنفرد التأمين بعد قوله: وَلَا الضَّالِّينَ، ولو لم يُؤمن الإمام فالمأموم يُؤمن؛ لقوله: إذا قال: وَلَا الضَّالِّينَ فقولوا: آمين، لكن السنة أن يؤمن الجميعُ: الإمام والمأموم والمنفرد، كلهم يؤمنون في الصلاة وخارجها، إذا قرأ الفاتحة قال: "آمين" في الصلاة وخارجها، وهي سنة، بمعنى: استجب يا ربنا، معنى "آمين" استجب، فهي دعاء.

س: ..... رجلًا خلفه يقرأ: سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى [الأعلى] يعني جهر بها؟

ج: نعم، جهر بها، وهذا ظاهر.

س: إذا نسي الفاتحة في إحدى الركعات السرية، ثم جاء بركعةٍ خامسةٍ؟

ج: لا ..... تسقط، لكن إذا كان جاء بها عن اجتهادٍ وعن خروجٍ من الخلاف تصحّ إن شاء الله؛ لأنَّ بعض أهل العلم يرى أنَّ عليه أن يأتي بركعةٍ، لكن الصواب أنه لا يلزمه، يُسلم مع الإمام وتسقط عنه.

س: الجمهور ما يُوجبونها حتى في السرية؟

ج: حتى في السرية نعم.

س: يرونها مُستحبَّة؟

ج: يرونها مُستحبَّة.

س: ما تشملها الآية؟

ج: أما حديث: مَن كان له إمامٌ فقراءته له قراءة فهو حديثٌ ضعيفٌ كما قال المؤلف ..... هذا الحديث ضعيف: مَن كان له إمام فقراءته له قراءة احتجَّ به الجمهور، لكنه ضعيف.

س: إذا واصل الإمامُ ما ..... الفجر؟

ج: يُنبه الإمام.

س: ..... وركع؟

ج: يأتي بركعةٍ بدلها.

س: تفرَّقوا؟

ج: يأتي بركعةٍ، ويُنبهون في وقتٍ مُستقبل يقضونها.

س: مَن دخل المسجدَ وهم يُؤَمِّنون؟

ج: لا يؤمنون مع الإمام ..... ما بعد دخل في الصلاة.

س: بعض الناس يتفاوتون في التأمين .....؟

ج: لا، السنة المدّ: آمين، وأما مَن قال: "أمين" لا، "أمين" ليس معناها: آمين، السنة أن تمدَّها؛ لأن معناها استجب يا ربنا، كذلك "آمّين" ليس معناها هنا الآمّين القاصدين: آمّين المسجد الحرام، فاللغات ثلاث: "آمّين" أي قاصدين، و"أمين" بمعنى الأمانة، وأما "آمين" بالتَّخفيف فهذا معناه: استجب، وهي المرادة هنا.

س: في الركعتين الأخيرتين إذا انتهيت من الفاتحة مع الإمام ولم يركع؟

ج: تقرأ ما تيسر، تقرأ حتى يركع.

س: قراءة المأموم قبل الإمام؟

ج: لا حرج، لا حرج سرًّا.

س: ............؟

ج: سرًّا يقرأ .....

س: وإذا بدأ ......؟

ج: ........

بَابُ حُكْمِ مَنْ لَمْ يُحْسِنْ فَرْضَ الْقِرَاءَةِ

705- عَنْ رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعٍ : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ عَلَّمَ رَجُلًا الصَّلَاةَ فَقَالَ: إنْ كَانَ مَعَكَ قُرْآنٌ فَاقْرَأْ، وَإِلَّا فَاحْمَدِ اللَّهَ وَكَبِّرْهُ وَهَلِّلْهُ ثُمَّ ارْكَعْ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَالتِّرْمِذِيُّ.

706- وَعَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إلَى النَّبِيِّ ﷺ فَقَالَ: إنِّي لَا أَسْتَطِيعُ أَنْ آخُذَ مِنَ الْقُرْآنِ شَيْئًا، فَعَلِّمْنِي مَا يُجْزِئُنِي، قَالَ: قُلْ: سُبْحَانَ اللَّهِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، وَلَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاللَّهِ رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُد، وَالنَّسَائِيُّ، وَالدَّارَقُطْنِيُّ، وَلَفْظُهُ: فَقَالَ: إنِّي لَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَتَعَلَّمَ الْقُرْآنَ، فَعَلِّمْنِي مَا يُجْزِئُنِي فِي صَلَاتِي. فَذَكَرَهُ.

بَابُ قِرَاءَةِ السُّورَةِ بَعْدَ الْفَاتِحَةِ فِي الْأُولَيَيْنِ وَهَلْ تُسَنُّ قِرَاءَتُهَا فِي الْأُخْرَيَيْنِ أَمْ لَا؟

707- عَنْ أَبِي قَتَادَةَ : أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ كَانَ يَقْرَأُ فِي الظُّهْرِ فِي الْأُولَيَيْنِ بِأُمِّ الْكِتَابِ وَسُورَتَيْنِ، وَفِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُخْرَيَيْنِ بأمِّ الْكِتَابِ، وَيُسْمِعُنَا الْآيَةَ أَحْيَانًا، وَيُطَوِّلُ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى مَا لَا يُطِيلُ فِي الثَّانِيَةِ، وَهَكَذَا فِي الْعَصْرِ، وَهَكَذَا فِي الصُّبْحِ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَزَادَ قَالَ: فَظَنَنَّا أَنَّهُ يُرِيدُ بِذَلِكَ أَنْ يُدْرِكَ النَّاسُ الرَّكْعَةَ الْأُولَى.

708- وَعَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ: قَالَ عُمَرُ لِسَعْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما: "لَقَدْ شَكَوْكَ فِي كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى الصَّلَاة!" قَالَ: "أَمَّا أَنَا فَأَمُدُّ فِي الْأُولَيَيْنِ، وَأَحْذِفُ مِنَ الْأُخْرَيَيْنِ، وَلَا آلُو مَا اقْتَدَيْتُ بِهِ مِنْ صَلَاةِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ"، قَالَ: "صَدَقْتَ، ذَلِكَ الظَّنُّ بِكَ –أَوْ: ظَنِّي بِكَ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

709- وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ : أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ كَانَ يَقْرَأُ فِي صَلَاةِ الظُّهْرِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ قَدْرَ ثَلَاثِينَ آيَةً، وَفِي الْأُخْرَيَيْنِ قَدْرَ قِرَاءَةِ خَمْسَ عَشْرَةَ آيَةً -أَوْ قَالَ: نِصْفَ ذَلِكَ- وَفِي الْعَصْرِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ قَدْرَ قِرَاءَةِ خَمْسَ عَشْرَةَ آيَةً، وَفِي الْأُخْرَيَيْنِ قَدْرَ نِصْفِ ذَلِكَ. رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَمُسْلِمٌ.

الشيخ: هذه الأحاديث: الحديث الأول والثاني فيما يتعلق بمن عجز عن القراءة، وهو حديث رفاعة بن رافع، وحديث عبدالله بن أبي أوفى رضي الله عنهما، وهما دالَّان على أنَّ مَن عجز عن القرآن قرأ ما تيسر من الذكر، ولهذا في حديث رفاعة: إنْ كَانَ مَعَكَ قُرْآنٌ فَاقْرَأْ، وَإِلَّا فَاحْمَدِ اللَّهَ وَكَبِّرْهُ وَهَلِّلْهُ، وهي قطعة من حديث المسيء لصلاته من رواية رفاعة، وقد رواه رفاعة، ورواه أبو هريرة رضي الله تعالى عنه.

وهكذا حديث عبدالله بن أبي أوفى أن رجلًا قال: يا رسول الله، إني لا أستطيع أن آخذ من القرآن شيئًا، فعلَّمه أن يقول: "سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله".

وحديث عبدالله هذا فيه بعض اللين، ولكنه ينجبر من رواية رفاعة بن رافع، وبحديث المسيء عمومًا، وهذا هو الواجب، مَن استطاع أن يقرأها وجب عليه أن يقرأ الفاتحة كما أخبر النبيُّ ﷺ: لا صلاةَ لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب، وعليه أن يتعلَّمها ويلزمه ذلك، فإذا صادف الوقت وحضره الوقت ولم يُحسن ذلك قرأ ما قاله النبيُّ ﷺ، ما تيسر بـ"سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر".

ومعلوم أنَّ مَن استطاع هذه الألفاظ يستطيع قراءة الفاتحة وغيرها من الآيات بسهولةٍ إذا تعلَّم واعتنى .....، فالحاصل أنه إذا حضر الوقتُ وليس عنده قدرة على قراءة الفاتحة، ولا ما يقوم مقامها من القرآن، قرأ ما تيسر، قرأ بهذا الذكر الذي بيَّنه النبيُّ ﷺ؛ لقول الله تعالى: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ [التغابن:16]، لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا [البقرة:286]، وكله ذكر، لكن أفضل الذكر كلام الله ، ثم بعد ذلك الأذكار التي بيَّنها النبيُّ ﷺ: "سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر"، وقال عليه الصلاة والسلام: أحبُّ الكلام إلى الله أربع يعني: بعد كلام الله، بعد القرآن، أحبُّ الكلام إلى الله: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، وحديث الشُّعَب: أفضلها قول: لا إله إلا الله، وليس معنى ذلك أنه يُهمل ويترك، بل يجب عليه أن يتعلم ويعتني؛ عملًا بالأدلة الأخرى التي فيها الدلالة على وجوب قراءة الفاتحة.

فالمؤمن هكذا: يتعلم، يتفقَّه في دينه كما علم من الأدلة الأخرى، وإذا صادف وقت الصلاة أنه عاجز أتى بهذه الأذكار التي بيَّنها النبيُّ عليه الصلاة والسلام.

وفي الأحاديث الأخرى الدلالة على أن المشروع للإمام والمأموم والمنفرد أن يقرأ بالأولى والثانية بالفاتحة وما تيسر معها، وأنه ﷺ كان يقرأ الفاتحة وسورتين في الأولى والثانية، وكان يُطوِّل في الأولى أكثر في الظهر والعصر والفجر، فدلَّ ذلك على أنه من السنة أن يمدَّ في الأولى والثانية، ويحذف في الأخريين، كما قال سعدٌ -سعد بن أبي وقاص- فإن أهل الكوفة اشتكوه في أشياء كثيرة، ومن جملة ذلك قالوا: "لا يُحسن الصلاة!" كاذبون، مُفترون، فقال له عمر في ذلك، فقال: "إني أمدّ في الأوليين، وأحذف في الأخريين، ولا آلو أن أقتدي برسول الله ﷺ في ذلك"، قال: "ذاك هو الظن بك يا أبا إسحاق"، ولا شكَّ أنَّ هذا هو عمله .

فالسنة للإمام وهكذا المنفرد أن يُصلي كما صلَّى النبيُّ ﷺ، ويُطوِّل في الأولى بعض الشيء، ويحذف في الثانية بعض الشيء في الظهر والعصر والفجر، وهكذا في المغرب والعشاء، كما فعل النبي ﷺ في هذه الفروض، والسنة أيضًا أن يحذف في الأُخريين –يعني: الثالثة والرابعة- ويقرأ بهما بفاتحة الكتاب كما في حديث أبي قتادة، ولا مانع من أن يقرأ فيهما بالأولى والثانية بقراءة متقاربة كما وقع للنبي ﷺ في صلاة الجمعة: أنه قرأ بسبح والغاشية، أو الجمعة والمنافقين، وهما متقاربتان، وفي الجمعة بالغاشية، الغاشية أطول قليلًا، فدلَّ على التسامح ..... وأنه لا بأس أن يقرأ بسورتين متقاربتين بعد الفاتحة الركعتين، أو تكون الأولى أطول قليلًا في بعض الأحيان لا يضرّ، لكن الأفضل والقاعدة المستمرة –القاعدة- أن تكون الأولى أطول من الثانية، ولعلَّ من الحكمة -كما قال بعض الرواة- أن يُدرك من قصد الصلاة؛ لأنه إذا طوَّل في الأولى كان أقرب إلى إدراك الذي جاء إلى الصلاة لجميع الصلاة.

وهذا أمرٌ معروفٌ: أنه كان يُطوِّل في الأولى، هذا معروف عنه عليه الصلاة والسلام.

وفيه أنه يُسمعهم الآية بعض الأحيان حتى يعلموا قراءته، وأنه يقرأ بكذا وقرأ بكذا، فيُستحبّ للإمام أن يُسمع الناس الآية أحيانًا حتى يعلموا أنه قرأ بهذا الشيء من القرآن.

وفي حديث أبي سعيدٍ الدلالة على أنَّ الثالثة والرابعة من الظهر قد يقرأ فيهما زيادةً؛ لأنه كان يقرأ في الأولى والثانية قدر ثلاثين آية، وفي الأخريين قدر النصف من ذلك، فالنصف من ذلك خمس عشرة آية، وهذا أكثر من الفاتحة؛ لأنَّ الفاتحة مرتان، فدلَّ على أنه يقرأ في الثالثة والرابعة بعض الأحيان زيادةً، فلا منافاة بينه وبين حديث أبي قتادة، وحديث أبي قتادة أصحّ ولا منافاة، فالغالب أنه يقرأ الفاتحة فقط في الثالثة والرابعة، وقد يقرأ زيادةً في الثالثة والرابعة من الظهر، مثل: الشمس وضحاها، مثل: والضحى، ومثل: إذا زلزلت، وأشباهها زيادة على الفاتحة في الثالثة والرابعة.

أما العصر فكان لا يقرأ زيادةً، وإنما يقرأ الفاتحة فقط في الثالثة والرابعة، وهكذا في المغرب والعشاء لم يرد ما يدل على أنه يقرأ بزيادةٍ، وذكر مالكٌ رحمه الله في "الموطأ" أن الصديق ربما قرأ في المغرب في الثالثة بعد الفاتحة: رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ [آل عمران:8]، ذكره مالك عن الصديق بإسنادٍ جيدٍ، فهذا يدل على أن الصديق أنه لا بأس لو قرأ شيئًا يسيرًا في الثالثة كما قرأ النبيُّ ﷺ في الثالثة والرابعة في الظهر.

ثم ينبغي للإمام والمأموم والمنفرد العناية بالتدبر والتَّعقل؛ لأنَّ المقصود بالقراءة بفهم المعنى والاستفادة من كلام الله ، وينبغي حال القراءة أن يكون مُتدبرًا مُتعقلًا مُتفهمًا، سواء في الجهرية أو في السرية؛ لأنَّ هذا هو الأهم من القراءة والمقصود منها، فلا ينبغي أن يكون همه الحروف فقط، بل يحرص على القراءة الحسنة المستقيمة، ولكن مع ذلك يكون اهتمامه بالمعنى أكثر.

وأما المأموم: تقدَّم ما يتعلق بالمأموم؛ أنه يقرأ فيما جهر فيه، يقرأ الفاتحة فقط على الصحيح، واختلفوا في وجوبها عليه، وتقدم أن الأرجح وجوبها إلا من عذرٍ: كمَن لم يُدرك إلا الركوع، وكمَن نسي ذلك، أو اجتهد في عدم قراءتها على القول بعدم وجوبها؛ فإنَّ صلاته تصحّ بناءً على اعتقاده، وعلى ما حصل له، وإلا فالأصل وجوبها على المأموم مطلقًا، الجهرية والسرية؛ للأحاديث السابقة، ثم يُنصت ولا يقرأ زيادةً على الفاتحة في الجهرية، أما في السرية فيقرأ الفاتحة وما تيسر معها كالإمام، والله أعلم.

س: إذا اقتصر على الفاتحة الإمام عمدًا؟

ج: لا بأس، الواجب عند العلماء الفاتحة فقط، فإذا اقتصر عليها أجزأت، لكن ترك السنة.

س: السكتة بين الفاتحة .....؟

ج: لا، لا، فيها خلاف، ولم يثبت فيها شيء؛ لأنَّ الفاتحة وسورة لم يثبت فيها شيء من جهة السكتة، وإنما ثبت عنه سكتتان عليه الصلاة والسلام: الأولى بعد الإحرام، وهذه ثابتة بالنص من حديث أبي هريرة وغيره، يقرأ فيها الاستفتاح، والسكتة الثانية على الأرجح بعد نهاية القراءة قبل الركوع يسكت قليلًا سكتةً لطيفةً، ثم يُكبِّر، لا يتصل التكبير بالقراءة، بل يفصل بين القراءة والتكبير، إذا أنهى القراءة سكت قليلًا ثم كبَّر.

أما ما بعد الفاتحة فهذا فيه خلاف: جاء في بعض الروايات من رواية قتادة أن هناك سكتةً بعد الفاتحة، ولكن ليست ثابتةً، واختلف العلماء فيها: منهم مَن رأى أن يسكت بعد الفاتحة حتى يقرأ المأمومُ الفاتحة، ومنهم مَن لم ير ذلك، والأصل عدم شرعية السكتة بعد الفاتحة، هذا هو الأصل، ومَن سكت عملًا بمن قال بذلك من أهل العلم فلا بأس، الأمر في هذا واسع إن شاء الله.

س: الجمهور يُوجبون الفاتحة في السرية؟

ج: لا، الجمهور لا ..... مطلقًا، لا في السرية، ولا في الجهرية، ويحتجُّون بحديث: مَن كان له إمامٌ فقراءته له قراءة، لكنه ضعيف.

س: يُوافقون الأحناف في هذا؟

ج: هو قول مالك وأبي حنيفة وأحمد، وانفرد الشافعي رحمه الله وجماعة منهم البخاري بأنها واجبة على المأموم مطلقًا، وهذا أصح، الشافعي والبخاري أصح، وجوبها مطلقًا، وقال قومٌ: تجب في السرية دون الجهرية، فالأقوال ثلاثة:

  • وجوبها مطلقًا، وهو الأرجح.
  • وجوبها في السرية دون الجهرية، وهو قول جماعة.
  • وعدم وجوبها مطلقًا، وهو قول الأكثر؛ لحديث: مَن كان له إمامٌ فقراءته قراءة له، لكنه مثلما تقدَّم مُرسل ضعيف.

س: أدلة الجمهور ما تتناول السرية: وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا [الأعراف:204]؟

ج: لا، أدلتهم ضعيفة في هذا، استدلال ضعيف؛ ولهذا القول الصحيح والصواب أنها واجبة مطلقًا، ويليه القول بأنها واجبة في السرية دون الجهرية، أما القول بأنها لا تجب مطلقًا حتى في السرية فهذا ضعيفٌ مخالفٌ للأدلة.

س: القراءة في الثالثة والرابعة في العشاء بعد الفاتحة؟

ج: مثل الظهر والعصر، ما نعلم فيه يدل على خلاف ذلك، مثل: قراءة الظهر والعصر –الفاتحة.

س: ما يقرأ في العصر في الثالثة والرابعة؟

ج: ظاهر السنة أنه ما يقرأ إلا الفاتحة.

س: مُقتضى حديث أبي سعيدٍ أنه يقرأ خمس عشرة آية: سبعًا في كل ركعةٍ، أو ثمانية في الأخيرة؟

ج: في الأخيرة سبعًا، هذا ..... الفاتحة.

س: الكلام على ما بعد الفاتحة؟

ج: يقرأ سبع آيات ..... الفاتحة.

س: الكلام على ما بعد الفاتحة؟

ج: ..... هذه خمس عشرة في الأولى والثانية؛ يقرأ في الأولى ..... العصر على قدر الأخرى من الظهر خمس عشرة آية.

س: يعني في الثالثة والرابعة؟

ج: ..... ليس بآيات.

س: ..... الفاتحة؟

ج: لا، لا، القراءة كلها.

س: في تفسير في رواية أبي سعيدٍ في حديثٍ آخر أنه قال: "قدر سورة السجدة"، فالمفهوم أن هذا بعد الفاتحة؟

ج: قدر سورة السجدة، هذا في الأولى ..... في الثالثة والرابعة في العصر يعني.

س: لكن مفهوم ذلك ما بعد الفاتحة؛ لأنه قال: "قدر سورة السجدة"؟

ج: يقين ما في العصر إلا سبع آيات فقط، أنت متوهم.

بَابُ قِرَاءَةِ سُورَتَيْنِ فِي رَكْعَةٍ وَقِرَاءَةِ بَعْضِ سُورَةٍ وَتَنْكِيسِ السُّوَرِ فِي تَرْتِيبِهَا وَجَوَازِ تَكْرِيرِهَا

710- عَنْ أَنَسٍ قَالَ: كَانَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ يَؤُمُّهُمْ فِي مَسْجِدِ قُبَاءَ، فَكَانَ كُلَّمَا افْتَتَحَ سُورَةً يَقْرَأُ بِهَا لَهُمْ فِي الصَّلَاةِ مِمَّا يَقْرَأُ بِهِ افْتَتَحَ بِـ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ حَتَّى يَفْرُغَ مِنْهَا، ثُمَّ يَقْرَأُ سُورَةً أُخْرَى مَعَهَا، فَكَانَ يَصْنَعُ ذَلِكَ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ، فَلَمَّا أَتَاهُم النَّبِيُّ ﷺ أَخْبَرُوهُ الْخَبَرَ، فَقَالَ: وَمَا يَحْمِلُكَ عَلَى لُزُومِ هَذِهِ السُّورَةِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ؟ قَالَ: إنِّي أُحِبُّهَا، قَالَ: حُبُّكَ إيَّاهَا أَدْخَلَكَ الْجَنَّةَ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ تَعْلِيقًا.

711- وَعَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ: صَلَّيْتُ مَعَ النَّبِيِّ ﷺ ذَاتَ لَيْلَةٍ، فَافْتَتَحَ الْبَقَرَةَ، فَقُلْتُ: يَرْكَعُ عِنْدَ الْمِئَةِ، ثُمَّ مَضَى، فَقُلْتُ: يُصَلِّي بِهَا فِي رَكْعَةٍ، فَمَضَى، فَقُلْتُ: يَرْكَعُ بِهَا، فَمَضَى، ثُمَّ افْتَتَحَ النِّسَاءَ فَقَرَأَهَا، ثُمَّ افْتَتَحَ آلَ عِمْرَانَ فَقَرَأَهَا مُتَرَسِّلًا، إذَا مَرَّ بِآيَةٍ فِيهَا تَسْبِيحٌ سَبَّحَ، وَإِذَا مَرَّ بِسُؤَالٍ سَأَلَ، وَإِذَا مَرَّ بِتَعَوُّذٍ تَعَوَّذَ، ثُمَّ رَكَعَ فَجَعَلَ يَقُولُ: سُبْحَانَ رَبِّي الْعَظِيمِ، فَكَانَ رُكُوعُهُ نَحْوًا مِنْ قِيَامِهِ، ثُمَّ قَالَ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ، ثُمَّ قَامَ قِيَامًا طَوِيلًا قَرِيبًا مِمَّا رَكَعَ، ثُمَّ سَجَدَ فَقَالَ: سُبْحَانَ رَبِّي الْأَعْلَى، فَكَانَ سُجُودُهُ قَرِيبًا مِنْ قِيَامِهِ. رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَمُسْلِمٌ، وَالنَّسَائِيُّ.

712- وَعَنْ رَجُلٍ مِنْ جُهَيْنَةَ : أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ ﷺ يَقْرَأُ فِي الصُّبْحِ: إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ كِلْتَيْهِمَا، قَالَ: فَلَا أَدْرِي أَنَسِيَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أَمْ قَرَأَ ذَلِكَ عَمْدًا. رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.

713- وَعَن ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ كَانَ يَقْرَأُ فِي رَكْعَتَي الْفَجْرِ فِي الْأُولَى مِنْهُمَا: قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا الْآيَة الَّتِي فِي الْبَقَرَةِ [136]، وَفِي الْآخِرَةِ: آمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ [آل عمران:52]، وَفِي رِوَايَةٍ: كَانَ يَقْرَأُ فِي رَكْعَتَي الْفَجْرِ: قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا، وَالَّتِي فِي آلِ عِمْرَانَ: تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ [آل عمران:64]. رَوَاهُمَا أَحْمَدُ، وَمُسْلِمٌ.

بَابُ جَامِعِ الْقِرَاءَةِ فِي الصَّلَوَاتِ

714- عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ : أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ كَانَ يَقْرَأُ فِي الْفَجْرِ بِـ قَ وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ [ق] وَنَحْوِهَا، وَكَانَت صَلَاتُهُ بَعْدُ إلَى تَخْفِيفٍ.

وَفِي رِوَايَةٍ: كَانَ يَقْرَأُ فِي الظُّهْرِ بِاللَّيْلِ إذَا يَغْشَى، وَفِي الْعَصْرِ نَحْوَ ذَلِكَ، وَفِي الصُّبْحِ أَطْوَلَ مِنْ ذَلِكَ. رَوَاهُمَا أَحْمَدُ، وَمُسْلِمٌ.

وَفِي رِوَايَةٍ: كَانَ إذَا دَحَضَتِ الشَّمْسُ صَلَّى الظُّهْرَ وَقَرَأَ بِنَحْوٍ مِنْ: وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى [الليل]، وَالْعَصْر كَذَلِكَ، وَالصَّلَوَاتِ كُلّهَا كَذَلِكَ، إلَّا الصُّبْحَ فَإِنَّهُ كَانَ يُطِيلُهَا. رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.

715- وَعَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعَمٍ قَالَ: "سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقْرَأُ فِي الْمَغْرِبِ بِالطُّورِ". رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا التِّرْمِذِيَّ.

716- وَعَن ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما: أَنَّ أُمَّ الْفَضْلِ بِنْتَ الْحَارِثِ سَمِعَتْهُ وَهُوَ يَقْرَأُ: وَالْمُرْسَلَاتِ عُرْفًا [المرسلات] فَقَالَتْ: يَا بُنَيَّ، لَقَدْ ذَكَّرْتَنِي بِقِرَاءَتِكَ هَذِهِ السُّورَةَ، إنَّهَا لَآخِرُ مَا سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ يَقْرَأ بِهَا فِي الْمَغْرِبِ. رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا ابْنَ مَاجَهْ.

717- وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْها: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَرَأَ فِي الْمَغْرِبِ بِسُورَةِ الْأَعْرَافِ، فَرَّقَهَا فِي الرَّكْعَتَيْنِ. رَوَاهُ النَّسَائِيُّ.

718- وَعَن ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما قَالَ: "كَانَ النَّبِيُّ ﷺ يَقْرَأُ فِي الْمَغْرِبِ قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ [الكافرون]، وَ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ [الإخلاص]". رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ.

719- وَفِي حَدِيثِ جَابِرٍ : أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: يَا مُعَاذُ، أَفَتَّانٌ أَنْتَ؟! أَوْ قَالَ: أَفَاتِنٌ أَنْتَ؟! فَلَوْلَا صَلَّيْتَ بِسَبِّح اسْمَ رَبِّك الْأَعْلَى، وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا، وَاللَّيْلِ إذَا يَغْشَى مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

720- وَعَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: "مَا رَأَيْتُ رَجُلًا أَشْبَهَ صَلَاةً بِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ مِنْ فُلَانٍ" لِإِمَامٍ كَانَ بِالْمَدِينَةِ، قَالَ سُلَيْمَانُ: فَصَلَّيْتُ خَلْفَهُ، فَكَانَ يُطِيلُ الْأُولَيَيْنِ مِنَ الظُّهْرِ، وَيُخَفِّفُ الْأُخْرَيَيْنِ، وَيُخَفِّفُ الْعَصْرَ، وَيَقْرَأُ فِي الْأُولَيَيْنِ مِنَ الْمَغْرِبِ بِقِصَارِ الْمُفَصَّلِ، وَيَقْرَأُ فِي الْأُولَيَيْنِ مِنَ الْعِشَاءِ مِنْ وَسَطِ الْمُفَصَّلِ، وَيَقْرَأُ فِي الْغَدَاةِ بِطِوَالِ الْمُفَصَّلِ. رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَالنَّسَائِيُّ.

الشيخ: هذان البابان وهذه الأحاديث كلها تتعلق بالقراءة في الصلاة، وهو يدل على سنته ﷺ في ذلك.

في الحديث الأول -حديث أنس- في قصة الرجل الذي يؤم قومَه: فيه الدلالة على أنه لا مانع أن يقرأ الإنسانُ بسورتين في ركعةٍ بعد الفاتحة، ولا مانع أن يقرأ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ [الإخلاص] في ركعةٍ مع الفاتحة، فإن هذا الإمام كان يقرأ بهم الفاتحة، ثم يقرأ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ، ثم يقرأ ما تيسر معها، وفي روايةٍ: كان يقرأ ما تيسر، ثم يقرأ ويختم بـقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ، تارةً يُقدِّمها، وتارةُ يُؤخِّرها كما في الصحيح، فقال له جماعته: لماذا تقرأ بها ثم لا تكتفي بها، تقرأ معها شيئًا آخر؟! فإما أن تقرأ بها وحدها، وإما أن تدعها وتقرأ غيرها؟ قال: لا، لا أدعها، فإن شئتُم صليتُ بكم، وإن شئتُم تركتم، وكانوا يرون أنه أفضل منهم، وكرهوا أن يؤمَّهم غيره، فسألوا النبيَّ ﷺ عن ذلك، فسأله: لماذا لم تُطاوع قومك؟ قال: لأنها صفة الرحمن، وأنا أحبُّ أن أقرأها، قال: حبُّك إياها أدخلك الجنة، وفي روايةٍ قال: أخبروه أن الله يُحبُّه يعني كما أحبَّ هذه السورة العظيمة لأنها صفة الرحمن؛ لأنها ممحضة مخلصة من صفة الله جلَّ وعلا: هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ۝ اللَّهُ الصَّمَدُ ۝ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ ۝ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ [الإخلاص]، كل هذه صفات الله جلَّ وعلا، وجاء فيها من الفضل ما لم يأتِ في غيرها، وثبت عنه ﷺ أنه قال: إنها تعدل ثلث القرآن، وقرأ بها في ركعتي الطواف وسنة الفجر وسنة المغرب، فدلَّ ذلك على فضلها الخاص، وأنه لا بأس أن يقرأ بها الإنسانُ بعد الفاتحة، سواء كان إمامًا أو مأمومًا أو منفردًا؛ لهذا الحديث الصحيح وما جاء في معناه من الأحاديث الأخرى في الصحيح في قصة هذا الرجل الذي أمَّ قومه.

ومنها حديث حذيفة أنه قرأ بثلاث سور عليه الصلاة والسلام، دلَّ على جواز قراءة سورتين أو أكثر، فإنه قرأ بالبقرة وبآل عمران وبالنساء، وقدَّم النساء على آل عمران، دلَّ على جواز تقديم بعض السور على بعض، خلافًا لما رتّب في المصحف، الصحابة رتَّبوه بالاجتهاد، هذا هو الصواب الذي عليه الجمهور من أهل العلم؛ أنه رتّب بالاجتهاد، رتَّبه الصحابةُ بالاجتهاد، فلو قدَّم بعضَ السور على بعضها فلا حرج، لكن الأفضل أن يقرأ كما رتّب، وثبت عن عمر أنه ربما قرأ سورة النحل قبل سورة يوسف، قرأ النحل في الركعة الأولى، ثم يوسف في الركعة الثانية.

المقصود أنه لا بأس بعدم الترتيب في السور؛ لأنه من اجتهاد، أما الآيات فبالنص، تُوضع هذه الآية في مكانها ومكان كذا.

وفيه أيضًا من الفوائد: الترتل في القراءة والترسل، وأنه كان يقرأ عليه الصلاة والسلام مُترسِّلًا مع هذا الطول، قرأ بالبقرة وبالنساء وبآل عمران في ركعةٍ واحدةٍ في تهجده بالليل، وهذا ليس بدائمٍ، وإنما وقع في بعض الليالي كما قال حذيفة، وكان يقرأ مُترسلًا مُرتِّلًا عليه الصلاة والسلام، يمرُّ بآية تسبيح فيُسبح، وبآية رحمة فيسأل، وبآية تعوُّذ فيتعوَّذ، وهذه قراءة عظيمة، ثم ركع ركوعًا قريبًا من قيامه، ثم رفع قريبًا من ركوعه وأثنى على الله، ثم سجد وكان يقول في ركوعه: سبحان ربي العظيم، وفي السجود: سبحان ربي الأعلى، وكان يدعو في السجود عليه الصلاة والسلام، وكان يقول في الركوع وفي السجود أيضًا: سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، اللهم اغفر لي، وكان يقول: سبحان ذي الجبروت والملكوت والكبرياء والعظمة فيهما جميعًا -في الركوع والسجود- ويقول: سبُّوح قدُّوس ربّ الملائكة والروح، كل هذا جاء في الروايات الأخرى الصحيحة، هذا يدل على أن صلاة الليل ...... مثلما قال في حديث معاذ: إذا صلَّى وحده فليُطوِّل ما شاء، إذا كان يُصلي وحده فلا بأس، وكون حذيفة صلَّى معه -وفي رواية ابن مسعود- لا يمنع؛ لأنها نافلة، ومَن شاء ترك.

وفيه الدعاء عند آية الرحمة، والتَّعوذ عند آية الوعيد، والتَّسبيح عند آية الصِّفات، إذا مرَّ بآيات الصِّفات: اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ [البقرة:255] ..... وسبحانه وبحمده، وسبحان الله العظيم: اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ وما أشبهها من صفات الله ، ..... الرحمة مرَّ بذكر الجنة، ذكر ما وعد الله به المتقين والأبرار فيسأل، أو مرَّ بأهل النار أو بما وعد الله به أهلها فيتعوَّذ.

وفي حديث الجهني أنه قرأ بالزلزلة في الركعتين جميعًا، كررها، هو حديث صحيح، رواه أبو داود بإسنادٍ جيدٍ، وليس فيه مطعن، وهو يدل على جواز تكرار السورة، والأصل أنه ليس ......، وأنه فعل هذا ليعلم الناس الجواز، فإذا قرأ بالركعة الأولى مثلًا بالزلزلة، ثم أعادها في الثانية، أو قرأ في الأولى بالشمس وضحاها، وأعادها في الثانية، أو بغيرهما فلا بأس، ولكن الغالب على فعله ﷺ أنه يُنوِّع: يقرأ في الأولى شيئًا، وفي الثانية شيئًا؛ لأنه أكمل فائدة للجميع، لكن لو فعل إنسانٌ ذلك -لو كرر السورةَ في الركعتين جميعًا- فلا بأس، كما فعله المصطفى عليه الصلاة والسلام.

وفي حديث ابن عباس في قراءة آيتين في سنة الفجر دلالة على جواز -أنه لا بأس- أن يقرأ ببعض الآيات، فإنه قرأ في الأولى بـقُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا [البقرة:136]، وفي الثانية: قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا [آل عمران:64]، وربما قرأ فيهما بـقُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ [الكافرون] وقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ [الإخلاص]، كله ثابت عن النبي ﷺ، فهذا يدل على أنه لا بأس أن يقرأ بالسور أو يقرأ بالآيات، وإذا زاد في الركعتين جاز في غير الركعتين، في الفريضة وفي غير الفريضة، فالأصل الجواز، ما فعله ﷺ في هذا يجوز في هذا، ويدل على هذا قوله سبحانه: فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ [المزمل:20] يعمُّ قراءة الآيات وقراءة السور وقراءة بعض السور، ويعمُّ قراءة السورة أولها، وقراءة آخرها، وقراءة وسطها، كله عام: فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ، وهكذا قوله ﷺ في حديث المسيء: ثم اقرأ بما تيسر معك من القرآن، وفي لفظٍ آخر: ثم اقرأ بأمِّ القرآن وبما شاء الله، كله واضح في هذا.

كذلك حديث جابر بن سمرة في قراءة (ق) في الفجر، وكانت صلاته ..... التَّخفيف، كان يقرأ في الفجر بالطوال والمفصل، وتقدَّم أنه يقرأ بها بالستين إلى المئة، كما في حديث أبي برزة وحديث جابر، وهذا في الصبح، وهذا جاءت فيه عدة أحاديث.

أما في الظهر فكان يقرأ بـوَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى [الليل] وما في معناها، يعني من أوساط المفصل، وربما قرأ بأطول من ذلك كما في حديث سليمان بن يسار، عن أبي هريرة: كان يُطوِّل في الظهر، ويُخفف في العصر، وحديث أبي سعيدٍ: ربما افتتح الصلاة في الظهر ويذهب أحدنا إلى البقيع ليتوضأ فيرجع وهم في الأولى، كان بعض الأحيان يُطوِّل في الظهر عليه الصلاة والسلام، وفي الأولى خاصة حتى يتلاحق الناسُ، وفي بعض الأحيان أو كثير من الأحيان يقرأ بالأوساط، مثل: هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ [الغاشية]، سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى [الأعلى]، وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى [الليل]، والتكوير، وإِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ، وما أشبهها، والعصر حول ذلك، أخفّ من ذلك، كانت صلاةُ العصر أخفَّ من الظهر، وصلاة المغرب، ثم طوَّل كما في حديث جبير أنه قرأ بالطور، وحديث أم الفضل: قرأ بالمرسلات في المغرب، وحديث عائشة: قرأ بالأعراف، قسمها في الركعتين، وهكذا رواه البخاري في حديث زيد بن ثابت: أنه قرأ بطولى الطولين وهي الأعراف، كل هذا يدل على أنه ﷺ لا يلزم حالةً واحدةً، فالإمام لا يلزم حالةً واحدةً، تارة وتارة؛ تارة يُطوِّل في بعض الأحيان إذا صارت المناسبةُ مواتيةً، وتارةً يختصر مثلما قرأ بالزلزلة في الفجر، والفجر يُطوِّل فيها، لكن في بعض الأحيان يُخفف فيها عليه الصلاة والسلام.

كذلك في العصر والظهر بأوساط المفصل، والعشاء بأوساط المفصل، كما في حديث سليمان بن يسار، وفي حديث ابن عمر قرأ في المغرب بـقُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ [الكافرون] وقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ [الإخلاص]، وإسناده لا بأس به، حديث جيد، رواه ابنُ ماجه، إلا أن شيخ ابن ماجه اختُلف فيه، فوثَّقه بعضٌ، وليَّنه آخرون، أما بقية رجاله فكلهم أئمة: حفص بن غياث، عن عبيدالله بن عمر بن عمير، عن نافع، عن ابن عمر، أو عن سالم، عن ابن عمر، لكن شيخ ابن ماجه يُقال له: أحمد بن هديل ..... وثَّقه جماعةٌ؛ وثَّقه النَّسائيُّ، وابن أبي حاتم، وابن حبان، وليَّنه الدارقطنيُّ، لكن إسناده حسن؛ لأنه يتقوَّى ويتأيَّد برواية سليمان بن يسار -وهي رواية صحيحة- عن أبي هريرة: أنه كان يقرأ في المغرب بقصار المفصل، وهذا في بعض الأحيان، في كثير من الأحيان ليس بلازمٍ؛ ولهذا قرأ في حديث أم الفضل بالمرسلات، وفي حديث جبير بالطور، وفي حديث عائشة وزيد بن ثابت بالأعراف، فدلَّ على أنه لا يلزم المفصل في المغرب، تارةً وتارةً ..... المفصل، بل تارةً يقرأ بالمرسلات، بالطور، بالتكوير، بالانفطار، وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى [الليل]، وتارة بأقصر من ذلك ..... يقرأ بالقصار؛ لأنه وقت قصير، ووقت العشاء قريب.

وكان النبيُّ ﷺ يُبَكِّر بالمغرب، فيدخل في حين من الأحيان فيتحرى .....، ولكن لا يلزمها ..... بعض السلف على مروان ..... أنكروا عليه لزوم قصار المفصل، وهذا خلاف سنته عليه الصلاة والسلام.

فهذه الأحاديث كلها واضحة في بيان سنته في الصلاة عليه الصلاة والسلام، وقراءته عليه الصلاة والسلام، وهو أسوة عليه الصلاة والسلام في ذلك، فينبغي للمؤمن ولا سيما الأئمة أن يتحرَّوا صلاته ﷺ حتى يتأسّوا به في ذلك، كانوا يتحرّون صلاته ﷺ، والناس يقتدون بهم في ذلك، ويتعلَّمون من أئمَّتهم. وفَّق الله الجميع.

س: ..... السفر ..... أو في الحضر؟

ج: نعم، ما في بيان، ما أذكر فيه شيئًا، والأمر جائز في السفر والحضر، الأمر واسع.

س: ..... كثير من الأئمة ..؟

ج: تركه أفضل، لا مانع من ذلك لكن تركه أفضل، كونه يقرأ بعض الأحيان بأطول من ذلك أولى.

س: ....... برفع هذه المظلمة ..؟

ج: نعم، جاء في بعض الأحاديث، وأنه لا بأس به.

س: ..... الركعة الثانية ..؟

ج: يعني طوَّل ..... في بعض الروايات: ما صلَّى إلا أربعًا حتى طلع الفجر .....

س: قراءة سورة الأعراف ..؟

ج: ...... إذا قام بعدما أذَّن بقليلٍ يمكنه [أن] يقرأها ..... يكفيه نصف ساعةٍ تقريبًا.

س: ..........؟

ج: ....... في التَّهجد بعض أهل العلم قالوا، قاسوا عليه الفرض ..... لو فعله في الفرض لم ..... لو فعل في الفرض، وأنه كان يقف عند كل آيةٍ في الفرض لنقلوه، ما تركوه؛ لأنهم نقلوا كل شيءٍ، ما تركوا شيئًا، فدلَّ ذلك على أنه لم يفعله في الفرض، وسِرُّ ذلك والله أعلم أنه قد ..... والمشقة على الناس، ولهذا تركه في الفرض، بخلاف أن يُصلي وحده في الليل أو في النهار، الأمر واسع.

س: سبب موجود في الفرض: كونه يتعثر في آية رحمة أو عذاب فلا يملك عند ذلك من أن يتعوَّذ أو يسأل الله؟

ج: قد يُقال: النادر لا حكمَ له، أو شيء يغلب على الإنسان لا حكمَ، فالأصل عدم شرعية هذا في الفرائض؛ لأنه ما من مشروع إلا نُقِلَ، ومَن قال بشرعيته قال: الأصل ما جاز في النافلة جاز في الفرض، وأنه الأصل؛ لأنَّ الأصل أنهما سواء، إلا ما خصَّه الدليل ..... لأنَّ نقل الصحابة حُجَّة .....