62 من حديث: (إن مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم كمثل غيث ..)

 
7/162- [السَّابِعُ:] عَنْ أبي موسى قَالَ: قَالَ رَسُول اللَّه ﷺ: إِنَّ مَثَل مَا بعَثني اللَّه بِهِ منَ الْهُدَى والْعلْمِ كَمَثَلَ غَيْثٍ أَصَاب أَرْضاً فكَانَتْ طَائِفَةٌ طَيبَةٌ، قبِلَتِ الْمَاءَ فأَنْبَتتِ الْكلأَ والْعُشْبَ الْكَثِيرَ، وَكَانَ مِنْهَا أَجَادِبُ أَمسكَتِ الماءَ، فَنَفَعَ اللَّه بِهَا النَّاس فَشَربُوا مِنْهَا وسَقَوْا وَزَرَعَوا. وأَصَابَ طَائِفَةٌ مِنْهَا أُخْرَى، إِنَّمَا هِيَ قِيعانٌ لا تُمْسِكُ مَاءً وَلا تُنْبِتُ كَلأ فَذَلِكَ مَثَلُ مَنْ فَقُهَ فِي دِينَ اللَّه، وَنَفَعَه بمَا بعَثَنِي اللَّه بِهِ، فَعَلِمَ وعَلَّمَ، وَمثلُ مَنْ لَمْ يَرْفَعْ بِذلِكَ رَأْساً وِلَمْ يَقْبَلْ هُدَى اللَّهِ الَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ متفقٌ عَلَيهِ.
 8/163-[الثَّامِنُ:] عن جابرٍ قَالَ: قالَ رسول اللَّه ﷺ: مثَلِي ومثَلُكُمْ كَمَثَل رجُلٍ أَوْقَدَ نَاراً فَجَعَلَ الْجَنَادِبُ وَالْفَراشُ يَقَعْنَ فيهَا وهُوَ يذُبُّهُنَّ عَنهَا وأَنَا آخذٌ بحُجَزِكُمْ عَنِ النارِ، وأَنْتُمْ تَفَلَّتُونَ منْ يَدِي رواه مسلمٌ.
9/164- [التَّاسعُ:] عَنْهُ أَنْ رسولَ اللَّه ﷺ أَمَر بِلَعْقِ الأَصابِعِ وَالصحْفةِ وَقَالَ: إِنَّكُم لا تَدْرُونَ في أَيِّهَا الْبَرَكَةَ رواه مسلم.
وفي رواية لَهُ: إِذَا وَقَعتْ لُقْمةُ أَحدِكُمْ. فَلْيَأْخُذْهَا فَلْيُمِطْ مَا كَانَ بِهَا مِنْ أَذًى، وَلْيَأْكُلْهَا، وَلا يَدَعْهَا لَلشَّيْطانِ، وَلا يَمْسَحْ يَدَهُ بِالْمَندِيلِ حَتَّى يَلْعَقَ أَصَابِعهُ، فَإِنَّهُ لاَ يدْرِي في أَيِّ طَعَامِهِ الْبَركَةَ.
وفي رواية لَهُ: إِنَّ الشَّيْطَانَ يَحْضُرُ أَحَدكُمْ عِنْدَ كُلِّ شَيءٍ مِنْ شَأْنِهِ حَتَّى يَحْضُرَهُ عِنْدَ طَعَامِهِ، فَإِذَا سَقَطَتْ مِنْ أَحَدِكُمْ اللُّقْمَةُ فَلْيُمِطْ مَا كَان بِهَا منْ أَذًى، فَلْيأْكُلْها، وَلا يَدَعْهَا لِلشَّيْطَانِ.

الشيخ:
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه.
أما بعد:
فهذه الأحاديث الثلاثة كالتي قبلها في الحث على اتباع السنة وتعظيمها والأخذ بها والدعوة إليها والحذر من اتباع الهوى والشيطان، يقول النبي عليه الصلاة والسلام: مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم كمثل غيث أصاب أرضًا فكانت منها طائفة طيبة قبلت الماء فأنبتت الكلأ والعشب الكثير، وكانت منها أجادب أمسكت الماء، فنفع الله به الناس فشربوا وسقوا وزرعوا، وأصاب طائفة أخرى إنما هي قيعان لا تمسك ماء ولا تنبت كلأ فذلك مثل من فقه في دين الله ونفعه ما بعثني الله به فعلم وعلم، ومثل من لم يرفع بذلك رأسًا ولم يقبل هدى الله الذي أرسلت به الذي قبل الحق وعلم الناس وانتفع بعلمه وأرشد الناس إلى الخير مثل الأرض الطيبة التي قبلت الماء فأنبتت الكلأ والعشب الكثير، هكذا العالم الذي نفع الله به الناس وعلم الناس ونشر العلم.
وهناك من العلماء من غلب على علمهم الحفظ والإتقان، ولكن ليس من شأنهم التفقه والتبصر واستنباط الأحكام، وهم الحفاظ؛ فهؤلاء مثلهم مثل الأرض التي أمسكت الماء حتى شرب منه الناس فسقوا وزرعوا والحفاظ أخذ منهم الناس العلم ونقلوا منهم العلم وانتفع بهم الناس.
أما بقية الناس وهم الأكثرون فهم مثل القيعان التي ما تمسك ماء ولا تنبت كلأ يمر عليها الماء ولا يفيد فيها شيئًا لا تنبت ولا تمسك، هذه حال أكثر الخلق لا يتعلم ولا يستفيد ولا ينفع غيره، وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ [يوسف:103]، وقال تعالى: وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ [الأنعام:116] وقال سبحانه: وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ [سبأ:20].

ثم ضرب مثلاً ثانيًا عليه الصلاة والسلام، قال: مثلي ومثلكم كمثل إنسان أوقد نارًا فجعلت هذه الدواب والجنادب تقعن فيها وهو يذبهن ويغلبنه يذبهن يمنعهن ويغلبنه حتى يقعن فيها، فهكذا الرسل عليهم الصلاة والسلام وأفضلهم محمد ﷺ بعثهم الله بالهدى والخير يدعون الناس إلى الهدى ويأبى أكثر الخلق إلا أن يقعوا في النار، هم يدعون الناس إلى السلامة من النار، والعافية من النار، وأكثر الخلق يأبى إلا أن يقحم نفسه في النار بمعاصيه وسيئاته كالدواب الصغيرة هذه كالفراش الذي يقحم نفسه في النار، إذا شاف النور وقع على النور واحترق، هكذا أغلب الخلق يجره نفسه إلى النار ويقودها إلى النار بأعماله السيئة، والرسول ﷺ يدعوه إلى ترك ذلك والحذر من ذلك ويقوده إلى الجنة؛ فينبغي للمؤمن أن ينتبه وأن لا يأخذ بأي عمل أو بأي قول إلا إذا كان يدله إلى الجنة ويرشده إلى الجنة ويقوده إلى الجنة، أما الأعمال الأخرى والأقوال الأخرى التي تباعده من الجنة أو تقربه غضب الله وعقابه فليحذرها، ولا يكن بمنزلة الدواب التي ترمي نفسها في النار، لا يحذر مشابهة هذه الدواب والجنادب التي تلقي نفسها على النار.
ويقول ﷺ: إذا أكل أحدكم فليلعق أصابعه، وليعلق القصعة الإناء يعني؛ فإنه لا يدري في أي طعامه البركة إذا فرغ من الأكل فالسنة أن يلعق أصابعه ويأخذ ما في جنبه من آثار بقية الطعام قبل أن يمسح يده، وفي الحديث: ولا يمسح يده بالمنديل حتى يلعقها أو يُلعقها، وإذا سقطت لقمة إنسان فلا يدعها للشيطان يأخذها ويزيل ما بها من الأذى إن كان لحقها شيء أعواد أو شيء يزيله ثم يأكلها، ولا يدعها للشيطان.
فهذا يفيد أن السنة لعق الأصابع وكونه يمسح بطريقه بين الصفحة حتى يأخذ ما به، وإذا سقطت اللقمة أخذها وأزال ما بها من الأذى وأكلها كل هذا إرغامًا للشيطان. وفق الله الجميع.

الأسئلة:

س: هل يفهم منه عدم كراهية الشبع؟ لأنه أتى على الطعام الذي في القصعة كله؟
ج: يجوز الشبع، لكن يخلي بقية أحسن، وإلا يجوز الشبع، في الصحيح أن الرسول ﷺ دعا أهل الصفة يومًا فاجتمعوا عنده وكانوا نحو السبعين وكان قد أهدي له لبن؛ فأمر أبا هريرة أن يمشي باللبن على الناس القدح، وكان يمر عليهم ويشربون نحو سبعين كل واحد يشرب حاجته، ثم بقي في القدح كأنه ما شرب منه أحد فقدمه أبو هريرة للنبي ﷺ، فقال له النبي ﷺ: اشرب يا أبا هريرة فشرب، ثم قال له: اشرب فشرب، ثم قال له: اشرب فشرب، ثم قال له: اشرب، فقال: والذي بعثك بالحق لا أجد له مسلكًا، ثم أخذ النبي ﷺ الفضلة وشربها عليه الصلاة والسلام، هذا يدل على علم من أعلام النبوة سبعين في قدح واحد يشربون ويروون من هذا القدح، ثم يبقى بقية يروى منها أبو هريرة ويقول: لا أجد مسلكًا، ثم يبقى بقية ويشربها النبي ﷺ من قدح واحد، هذه من آيات الله العظيمة الذي يقول للشيء كن فيكون .
س: شباب وصلوا في العلم درجة طيبة ونصحوا بالحسنى أن يوجهوا الناس فقالوا: يكفي أن نرفع عن أنفسنا الجهل، هل لهم حجة في ذلك؟
ج: لا ما يجوز، اللي عنده علم يبين للناس، الله أخذ على من عنده علم أن يبين وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ [آل عمران:187] لكن بس لا يتكلمون إلا بعلم ورفق وحكمة لا بالجهل. .....
س: هذه حجتهم ولا يعلمون الناس؟
ج: هذا غلط، خيركم من تعلم القرآن وعلمه وفي الحديث يروى عنه ﷺ أنه قال: إن الله وملائكته يصلون على معلم الناس الخير وأعظم منه قوله تعالى: وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا [فصلت:33] وقال جل وعلا: قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ [يوسف:108] ويقول ﷺ: من دل على خير فله مثل أجر فاعله الأحاديث في هذا كثيرة.
س: إذا كان بعض الناس يخالفون السنة هل يجب علينا أن ننصحهم؟ وكيف تكون النصيحة؟
ج: النصيحة بالرفق، تنصحه بالرفق تعلمه، إذا رأيته يسبل إزاره تنصحه، رأيته ما يلعق أصابعه تعلمه، رأيت يأكل باليسار تعلمه، رأيته يفعل أشياء أخرى مما لا توافق الشرع تنصحه، لكن بالكلام الطيب والأسلوب الحسن، كما قال ربنا : ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ [النحل:125].
س: النصيحة هل تكون سرية أو جهرية؟
ج: على حسب الحال، إن كان عند الناس بينك وبينه، وإن كان بينك وبينه ترفع صوتك، وإن كنتم حول الناس تسر حتى لا تكون سببًا لرد النصيحة حتى يكون أقبل للنصيحة.
س: قوله في الحديث الأول: فذلك مثل من فقه في دين الله يعود للطائفة الأولى والثانية؟
ج: في الثنتين كلهم.
س: هل الأولى أنه ما يبقى في القصعة حتى ما يتم شبعه وإلا ؟
ج: على حسب، يأكل من الجوانب حتى تنتهي.
س: كثير من الناس يبقي نصف القصعة لا يأكلها؟
ج: يأكل منها حتى شبع، وإذا بقي يخلي شوية يشبع شوي أحسن، حديث: بحسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه ينبغي أن يخلي شيئًا للنفس وللشراب طيب.
س: ولو فسد الطعام؟
ج: البقية يتصدق على الفقراء وإلا يعطيه دواب.
س: العلوم الحديثة اكتشفوا أن آخر الأكل أن اللي يمسح بيده يساعد على هضم الطعام، إذا لحس يده يساعد على الدهون اللي تطلع من اليد تساعد عى الهضم؟
ج: الله أعلم، سنة وبس... هضمت أو ما هضمت، السنة أن يلعق يده هضمت أو ما هضمت الله أعلم.