96 من حديث: (إنه ليأتي الرجل السمين العظيم يوم القيامة لا يزن عند الله جناح بعوضة)

 
4/255- وعن أَبي هُريرةَ ، عن رَسُول اللَّه ﷺ قَالَ: إِنَّهُ لَيأتِي الرَّجُلُ السَّمِينُ العظِيمُ يَوْمَ الْقِيامةِ لا يزنُ عِنْد اللَّه جنَاحَ بعُوضَةٍ متفقٌ عَلَيه.
5/256- وعنه : أَنَّ امْرأَةً سَوْداءَ كَانَتَ تَقُمُّ المَسْجِد –أَوْ: شَابًّا- فَفقَدَهَا رسولُ اللَّه ﷺ، فَسَأَلَ عَنْهَا –أَوْ: عنْهُ- فقالوا: مَاتَ. قَالَ: أَفَلا كُنْتُمْ آذَنْتُمُونِي، فَكَأَنَّهُمْ صغَّرُوا أَمْرَهَا –أَوْ: أَمْرهُ- فَقَالَ: دُلُّونِي عَلَى قَبْرِهِ، فدلُّوهُ، فَصلَّى عَلَيه، ثُمَّ قَالَ: إِنَّ هَذِهِ الْقُبُور مملُوءَةٌ ظُلْمةً عَلَى أَهْلِهَا، وإِنَّ اللَّه تعالى يُنَوِّرهَا لَهُمْ بصَلاتِي عَلَيْهِمْ متفقٌ عَلَيهِ.
6/257- وعنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّه ﷺ: رُبَّ أَشْعثَ مدْفُوع بالأَبْوَابِ لَوْ أَقْسمَ عَلَى اللَّهِ لأَبرَّهُ رواه مسلم.

الشيخ:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، وصلَّى الله وسلَّم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومَن اهتدى بهداه.
أما بعد:
فهذه الأحاديث كالتي قبلها في بيان أنَّ الفقر والحاجة والمسكنة لا تنقص من شأن الإنسان إذا استقام على دين الله، فالفقراء لهم شأنٌ عظيمٌ إذا استقاموا وصبروا، ويدخلون الجنةَ قبل الأغنياء بنصف يومٍ كما جاء في الحديث.
وتقدَّم حديثُ الرجل الذي مرَّ على النبيِّ ﷺ: أحدهما من أشراف الناس، والثاني من فقرائهم، فقال في الذي من فقرائهم: إنه يزن ملء الأرض من مثل هذا، فدلَّ على أن الفقر والحاجة ليس بعيبٍ في الرجل إذا استقام على دين الله، وهكذا المرأة.
يقول ﷺ: يُؤتَى بالرجل يوم القيامة السمين العظيم فلا يزن عند الله جناح بعوضة، كما قال جل وعلا في الكفرة: فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا [الكهف:105]، فالمهم هو العمل الصالح والتقوى لله والاستقامة، أما سمن الإنسان وأمواله في الدنيا فلا تنفع إذا لم يستعن بها على طاعة الله، فأمواله وسمنه وسلطانه وقوته كلها لا قيمةَ لها إلا إذا صرفها في طاعة الله، واستقام، واستعان بماله وقوته وولايته على طاعة الله؛ فإنه ينفعه ذلك، وإلا صار وبالًا عليه، أما الفقير فقد ذهب عنه المالُ واستراح من تعبه، ومن حسابه، وما يتعلق به، فإذا جمع مع ذلك الصبر والاحتساب والرضا عن الله كان خيرًا عظيمًا، وفضلًا كبيرًا.
الحديث الثاني
كذلك حديث المرأة السوداء أو الشاب: كانت امرأةٌ سوداء تَقُمُّ المسجد، فقيرة، فلمَّا ماتت ماتت ليلًا، فدفنوها، فلمَّا سأل عنها قالوا: إنها ماتت ليلًا فكرهنا أن نُوقظك، فقال: ألا كنتم آذنتُموني بها؟ دلوني على قبرها، فدلوه على قبرها، فصلى عليها عليه الصلاة والسلام.
فالمقصود أنَّ الضعفة من الناس والفقراء من الناس إذا استقاموا على دين الله لهم شأنٌ عظيمٌ، وفضلٌ كبيرٌ.
فينبغي للمؤمن ألا يجزع من الفقر والحاجة، وأن يتصبر، ويتحمل، ويرضا عن الله، فله الخير العظيم، احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجز، وإن أصابك شيءٌ فلا تقل: لو أني فعلتُ كذا لكان كذا، ولكن قل: قدر الله وما شاء فعل، فإن لو تفتح عمل الشيطان.
فالمقصود أن الفقر والحاجة لا يضران العبد متى استقام على دين الله وصبر على طاعة الله، فإنه يفوق جمًّا غفيرًا من الأغنياء، ويدخل الجنة قبل الأغنياء، لكن الغني الشاكر المستقيم له فضلٌ عظيمٌ، فقد استعان بنعم الله على طاعة الله، واستعان بماله على طاعة الله، فله فضلٌ كبيرٌ، وله خيرٌ عظيمٌ، وذهب جمعٌ من أهل العلم إلى أنَّ الغني الشاكر أفضل من الفقير الصابر؛ لأنَّه مع كثرة ماله شكر الله، وصرف الأموال في طاعته؛ فكان نفعه للناس أكثر، وأجره أعظم.
الحديث الثالث
كذلك حديث: رُبَّ أشعث -وفي اللفظ الآخر: أغبر- مدفوع بالأبواب لو أقسم على الله لأبرَّه يعني: كم من إنسانٍ ضعيفٍ أشعث أغبر ما عنده ما يتنَزَّه به من الصابون وغيره، ولا عنده الأطياب، ومع هذا لو أقسم على الله لأبرَّه؛ لتقواه وإيمانه وصلاحه.
فالمقصود من هذا الحثّ على التواضع من أهل المال، والصبر من أهل الفقر، فلا ينبغي لصاحب المال أن يفخر، فقد يضره ماله، ولا ينبغي للفقير أن يجزع، فقد يُبتلى، وقد ابتلي الأنبياء وغير الأنبياء، فليصبر الفقير ويحتسب، وعلى الغني أن يحذر من الاغترار بماله، أو التَّكبر، أو يستعين بماله على معاصي الله، فإنه يضره كثيرًا، فمَن رزقه الله المال واستعان به على طاعة الله وصرفه في وجوه الخير صار له الأجر العظيم، والفضل الكبير، فالغني الشاكر والفقير الصابر لهما منزلةٌ عند الله عظيمة.
وفَّق الله الجميع.

الأسئلة:

س: معلم يسأل عن حديث: رضا الله في رضا الوالدين، وسخط الله في سخط الوالدين؟
ج: لا بأس به، رواه ابن حبان وجماعة، وصححه.
س: مَن عرَّف الشرك الأكبر بأنه: تسوية غير الله بالله فيما هو من خصائص الله؟
ج: المعنى مستقيم، تسويته بشيءٍ من خصائص الله: كالدعاء، والخوف، والرجاء، والتوكل، ونحو ذلك، لكن قد يُشكل عليهم التسوية، فإذا قيل: صرف بعض العبادة لغير الله فهذا أجمع، صرف بعض العبادة لغير الله ولو ما سوَّاه بالله، ولو قال: إنَّ الله أفضل، ما دام أشرك بالله، كما قال بعضُ الكفار لما سأله النبيُّ ﷺ: كم تعبد؟ قال: سبعة، قال: مَن تعد لرغبتك ورهبتك؟ قال: الذي في السماء، يعني: الإله الحق سبحانه وتعالى، ما ينفعه ذلك ما دام جعل شريكًا مع الله.
س: رجل ترك الصلاة عشر سنين، وترك الصوم والزكاة، وسرق، وتسلف ولم يرجع الأموال وتاب؟
ج: إذا تاب يمحو الله ما سلف، إذا أسلم محا الله عنه ما مضى، يقول الله جل وعلا: قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ [الأنفال:38]، ويقول النبيُّ ﷺ للمسلم: أسلمتَ على ما أسلفتَ من خيرٍ، والمال الذي سرقه يرده إلى أصحابه والحمد لله، وإذا عجز فالله يرده عنه يوم القيامة، لكن إذا استطاع يرد المال على أهله، ولا يقضي الصوم ولا الصلاة ما دام تاب وأسلم، الحمد لله.
س: هل يُؤخذ من الحديث الثاني –حديث المرأة السوداء- أنه تجوز الصلاة في المقبرة؟
ج: الصلاة على الميت في القبور نعم، لا بأس، أما الذي لا يجوز فهي الصلاة ذات الركوع والسجود، أما الصلاة على الميت في المقبرة فلا بأس، فعلها النبيُّ ﷺ.
س: ........؟
ج: تُسمَّى صلاة الجنازة، وهي دعاء، فمقصودها الدعاء، فإذا صلَّى على القبر فلا بأس، فعله النبيُّ ﷺ.
س: وإن مضى وقتٌ طويلٌ؟
ج: لشهرٍ فأقل، إذا كان ما مضى عليه إلا شهرٌ أو حوله يُصلَّى على قبره.
س: الأحاديث التي فيها تخمير الأواني: هل يشمل هذا الأواني الفارغة أم المراد الملآنة؟
ج: ظاهر الحديث العموم، فإما أن يضع عليها عودًا أو يكفأها مثلما قال النبي: ينزل في السنة وباء فيُخشى على صاحبها.
س: هل يشمل هذا البيالات والفناجين؟
ج: الظاهر كل إناء ........... والحمد لله، والغضارة والصحالة، يحط عليها شيئًا، ولو أن يعرض عليها عودًا، أو يكفأها، أو يُطبقها بطباقة، هذا أحوط عملًا بالحديث.
س: يقول السائل: فضيلة الشيخ، يقول النبي ﷺ: وإذا استُغْسِلْتُم فاغسلوا رواه مسلم، فمتى يُشرع طلب الاستغسال؟ هل يكفي الشك أم لا بد من غلبة ظن؟
ج: إذا ظنَّ أنه العائن يقول له: جزاك الله خيرًا اغسل لي، فإذا غسل وجهه ويديه كفى، وإن توضأ وغسل وجهه ويديه وداخلة إزاره وركبتيه وأطراف قدميه كان أكمل، ثم يرشه المعينُ على نفسه -الذي ظن أنه عائنه- ويبرأ بإذن الله، إذا كانت العين موجودةً، ولا بأس، والذي يُقال له لا ينبغي له أن يتكبَّر، بل يغسل لهم، فالرسول ﷺ قال: وإذا استُغْسِلْتُم فاغسلوا، فإذا اتَّهموه بالعين يغسل وجهه ويديه ويتمضمض لهم، وينفع بإذن الله.
س: يرقي الإنسانُ نفسه أم يطلب من غيره أن يرقيه؟
ج: إن رقى نفسه فطيب، وإن طلبه من غيره فلا بأس، فالنبي ﷺ أمر عائشةَ أن تسترقي، وأمر أم أولاد جعفر أن تسترقي لأولاد جعفر، لا بأس، وإذا رقى نفسَه فالنبي كان يرقي نفسَه عليه الصلاة والسلام.
س: الحناء السوداء، إذا حنيتُ لحيتي فطلعت سوداء؟
ج: إذا كان فيها شيبٌ فلا، أما إذا كان الشعر أسود وما فيه شيب فما يُخالف، لكن إذا كان شيبٌ فلا يُغير الشَّيبَ بالسواد، يُغيره بالحمرة أو الصُّفرة، أو بالسواد بين الحمرة والسواد –يعني المخلوط- فالنبي ﷺ قال: غيِّروا هذا الشيب، واجتنبوا السواد، والغالب التدليس؛ لأنه إذا صبغه بالسواد دلَّس على الناس حيث يظنونه شابًّا.
س: بعض الناس يقول: إنه إذا كان شابًّا يُسمح له؟
ج: غيِّروا هذا الشيب، واجتنبوا السواد هكذا أمر ﷺ، وقال: يأتي في آخر الزمان قومٌ يخضبون بالسَّواد كحواصل الحمام، لا يريحون رائحة الجنة -نسأل الله العافية.
س: لعله يريد أن يتزوج مثلًا، يقول: أنا عمري كذا، فيغش؟
ج: بعض الشباب يأتيه الشيبُ مُبكرًا، فعليه ألا يصبغ بالسواد، فالحديث عام، الرسول ﷺ قال: غيِّروا هذا الشيب، وجنِّبوه السواد مطلقًا، للمرأة والرجل.
س: إنسانٌ عنده عمارة، ويؤجر بعض المحلات للذين يبيعون الدش وأجهزة التليفونات والتلفاز، فما حكم هذا؟
ج: يُؤجِّر على غيرهم أحوط، وإلا فهذه مخلوطة لا بأس، أقول: مخلوطة فيها الخير والشر.
س: فيها دشّ؟
ج: لا يجوز بيع الدش.
س: هو أجَّرها عليهم؟
ج: لا يؤجر على الذين يبيعون الدُّشوش.