302 من: (باب استحباب وصية أهل المريض ومَن يخدمه بالإحسان إليه واحتماله بالصبر ..)

 
148- باب استحباب وصية أهل المريض ومَن يخدمه بالإحسان إليه واحتماله بالصبر عَلَى مَا يشقّ من مره وكذا الوصية بمَن قرب سبب موته بحدٍّ أَوْ قصاصٍ ونحوهما
1/913- عن عِمران بن الحُصَين رضي اللَّه عنهما: أَنَّ امرأَةً مِنْ جُهَيْنَةَ أَتَتِ النبيَّ ﷺ وهِيَ حُبْلَى مِنَ الزِّنَا، فَقَالَتْ: يَا رسول اللَّهِ، أَصبتُ حَدًّا فَأَقِمْهُ علَيَّ، فَدعا رسولُ اللَّهِ ﷺ ولِيَّهَا، فقالَ: أَحْسِنْ إِلَيْهَا، فَإِذا وَضَعَتْ فَأْتِني بِهَا، فَفعلَ، فَأَمر بِها النبيُّ ﷺ فشُدَّتْ علَيها ثِيابُها، ثُمَّ أَمر بِها فَرُجِمَتْ، ثُمَّ صَلَّى عَلَيْهَا. رواه مسلمٌ.

149- باب جواز قول المريض: "أنَا وجع"، أَوْ "شديد الوجع"، أَوْ "مَوْعُوكٌ"، أَوْ "وارأساه"
ونحو ذلك، وبيان أنَّه لا كراهةَ في ذلك إِذَا لَمْ يكن عَلَى سبيل التَّسخُّط وإظهار الجزع

1/914- عن ابنِ مسعودٍ قَالَ: دَخَلْتُ عَلى النَّبِيِّ ﷺ وهُو يُوعَكُ، فَمَسِسْتُه، فقلْتُ: إِنَّكَ لَتُوعَكُ وعْكًا شَديدًا؟! فَقَالَ: أَجَلْ، إِنِّي أُوعَكُ كَمَا يُوعَكُ رَجُلانِ مِنْكُمْ مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.
2/915- وعن سعدِ بن أَبي وَقَّاصٍ قَالَ: جَاءَني رسولُ اللَّه ﷺ يعُودُني مِن وجعٍ اشَتدَّ بِي، فَقُلْتُ: بلَغَ بِي مَا تَرَى، وأَنَا ذُو مَالٍ، وَلا يرِثُني إِلَّا ابْنَتِي .. وذَكر الحديثَ. متفقٌ عَلَيْهِ.
3/916- وعن القاسم بن محمدٍ قَالَ: قالَتْ عائشَةُ رضي اللَّهُ عنها: وارأْسَاهُ، فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: بَلْ أَنَا وارأْسَاهُ .. وذكر الحديث. رواه البخاري.

الشيخ:
الحمد لله، وصلَّى الله وسلَّم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومَن اهتدى بهداه.
أما بعد:
فهذه الأحاديث الأربعة: في الأول منها الدلالة على شرعية وصية أهل المريض بالإحسان إليه، والرّفق به، وتحمّل ما قد يقع من مشقةٍ من تمريضه، وهكذا مَن قَرُب أجلُه لإقامة حدٍّ عليه أو قصاصٍ يُوصَى بالتوبة، والاستقامة، وكثرة الاستغفار، والعمل الصالح، حتى يُختم له بالخير، وفي هذا لما جاءت المرأةُ الغامدية التي زنت وقالت: يا رسول الله، إني زنيتُ فأقم الحدَّ عليَّ، دعا وليَّها فأمره بالإحسان إليها حتى تضع، قال: فإذا وضعتْ فَأْتِني بها، وكانت محصنةً، يعني: ثيِّبًا، فلما جيء بها أمر أن تُلَفَّ عليها ثيابُها، يعني: تُشدّ عليها ثيابُها؛ لئلا تتعرى، ثم رُجِمَتْ، وكان ذلك بعدما ولدت وفطمت الصبي، كما في الرواية الأخرى.
ففي هذا دلالة على شرعية الإحسان إلى المريض، ووصية أهله بذلك، ومَن قَرُب أجلُه بإقامة حدٍّ ونحوه، كما حصل لهذه المرأة.
وفيه أنَّ حدَّ الزاني المحصن الرجم، سواء كان رجلًا أو امرأةً، ولهذا رجم النبيُّ ﷺ ماعزًا -وكان محصنًا- لما اعترف بالزنا، وهكذا رجم اليهودي واليهودية لما اعترفا، وكانا محصنين، وهكذا الغامدية والجهنية رُجِمَتا؛ لأنهما كانتا محصنتين، يعني: ثيبتين.

وفي الحديث الثاني والثالث والرابع الدلالة على أنه لا بأس أن يقول الإنسان: "أنا موعوك"، "أنا مريض"، "اشتد بي المرض"، "وارأساه"، "واظهراه"، "وابطناه"، لا بأس بهذا إن كان على سبيل الإخبار، وليس على سبيل التَّسخُّط من قدر الله، ولكن على سبيل الإخبار والتَّوجع، ولهذا دخل ابنُ مسعودٍ على النبي ﷺ وهو مَوعُوكٌ، يعني: قد أصابته الحُمَّى، فقال ابنُ مسعودٍ: فمسستُه فإذا هو يُوعَك وعكًا شديدًا، فقال له ابنُ مسعود: يا رسول الله، إنَّك تُوعَك وعكًا شديدًا؟! قال: أجل يعني: نعم، إني أُوعك كما يُوعَك الرَّجلان منكم يعني: أنه ضُوعِفَ عليَّ المرض، وهذا معنى حديث: أشدّ الناس بلاءً الأنبياء، ثم الأمثل فالأمثل؛ ليعظم أجرهم، وتُرفع درجاتهم، ويكونوا أسوةً لمن بعدهم من أتباعهم وغيرهم من ............
فالأنبياء تحمَّلوا، فيشتد بهم البلاء، ويتأسَّى بهم أصحابهم وأتباعهم ومَن يأتي بعدهم؛ ليُعظم الله بهذا أجورهم، ويرفع درجاتهم، ولهذا جاء في الحديث: أشدّ الناس بلاءً الأنبياء، ثم الصَّالحون، ثم الأمثل فالأمثل، يُبتلى المرءُ على قدر دينه، فأُصيب أيوب بالبلاء مدةً طويلةً عليه الصلاة والسلام، وأصاب نبينا من ........... المرض نحو اثني عشر يومًا عليه الصلاة والسلام، وكان في آخر حياته يغمس يده في القدح الذي عنده -كما تقدَّم في حديث عائشة- ويقول: إنَّ للموت لسكرات، اللهم أعني على غمرات الموت أو سكرات الموت، ويقول: اللهم في الرّفيق الأعلى.
واشتكت عائشةُ رأسها ذات يومٍ وقالت: وارأساه، قال: بل أنا وارأساه، فدلَّ على ............ يا رسول الله، قد اشتدَّ بي الوجع.
هذا يدل على جواز ذلك، وأنه لا بأس أن يقول المريض: "أنا موعوك"، "أنا مريض"، "أصابتني الحمى"، "أنا .......... رأسي أو ظهري أو بطني"، لا بأس، من باب الخبر فقط، لا من باب التَّشكي على الله وعدم الصبر، ولا من باب التَّسخط وعدم الرضا، ولكن من باب الخبر، فالمؤمن يصبر ويحتسب، وإذا رضي كان أعظم، يقول النبيُّ ﷺ: عجبًا لأمر المؤمن، إن أمره كله له خير، إن أصابته ضرَّاء صبر فكان خيرًا له، وإن أصابته سرَّاء شكر فكان خيرًا له، وليس هذا لأحدٍ إلا للمؤمن، ويقول ﷺ: إنَّ عِظم الجزاء مع عظم البلاء، وإنَّ الله إذا أحبَّ قومًا ابتلاهم، فمَن رضي فله الرضا، ومَن سخط فله السخط.
فينبغي للمؤمن التَّحمل والصبر على ما قد يُصيبه؛ لما له عند الله من الأجر العظيم، وإذا رضي بذلك وشكر على ذلك صار الأجر أعظم، فإنَّ الدّرجات ثلاث: الصبر، والرضا، والشكر.
فالصبر أن يصبر على البلاء، فلا يجزع، ولا يشق ثوبًا، ولا يلطم خدًّا ولا غير ذلك، بل يصبر ويحتسب، ولا يفعل ما لا ينبغي.
الدرجة الثانية أعلى، وهي كونه يرضى بذلك ويرتاح لهذا المرض؛ لما فيه من الخير، وتكفير السيئات، وحطّ الخطايا، فهو مرتاح وراضٍ، لا مُتسخط.
وليس معنى الرضا ألَّا يتداوى، لا بأس بالدواء والعلاج وطلب الشفاء من الله، لكن يكون راضيًا بما قسم الله له، منشرح الصدر، يعلم أنَّ ما أصابه خير له.
الدرجة الثالثة أعلى، وهي الشكر، وهو أن يَعُدّ المرضَ نعمةً، فيشكر الله عليه؛ لأنه يترتب عليه أجور، وحطّ خطايا، وتكفير سيئات، ورفع درجات، فهو من النّعم، فيشكر الله عليه، ولا يمنعه ذلك من أن يُعالج ويتعاطى الدواء ويسأل ربَّه العافية، فلا منافاة بين الرضا والصبر والشكر، فيجتمع الصبر والشكر والرضا مع العلاج والدواء وسؤال الله العافية.
وفَّق الله الجميع.