124 من: ( باب فضل بر أصدقاء الأب والأم والأقارب والزوجة وسائر من يندب إكرامه )

 
42- باب فضل برِّ أصدقاء الأب والأم والأقارب والزوجة وسائر مَن يُندب إكرامه
1/241- عن ابن عمر رضي اللَّه عنهما: أَن النَّبيَّ ﷺ قَالَ: إِنَّ أَبرَّ البرِّ أَنْ يَصِلَ الرَّجُلُ وُدَّ أَبِيهِ.
2/342- وعن عبدِاللَّهِ بن دينارٍ، عن عبداللَّه بن عمر رضي اللَّه عنهما: أَنَّ رجُلًا مِنَ الأَعْرابِ لَقِيَهُ بِطَرِيق مكَّة، فَسَلَّم عَلَيْهِ عَبْدُاللَّه بْنُ عُمرَ، وحملهُ عَلَى حمارٍ كَانَ يَرْكَبُهُ، وأَعْطَاهُ عِمامةً كانَتْ عَلَى رأْسِهِ، قَالَ ابنُ دِينَارٍ: فقُلنا لهُ: أَصْلَحَكَ اللَّه! إِنَّهُم الأَعْرابُ، وهُمْ يَرْضَوْنَ بِاليَسِيرِ، فَقَالَ عبدُاللَّه بنُ عمر: إِنَّ أَبَا هَذَا كَان وُدًّا لِعُمَرَ بنِ الخطاب ، وإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّه ﷺ: إِنَّ أَبرَّ البِرِّ صِلةُ الرَّجُلِ أَهْلَ وُدِّ أَبِيهِ.
وفي روايةٍ: عن ابن دينار، عن ابن عُمَر: أَنَّهُ كَانَ إِذا خَرَجَ إِلَى مَكَّةَ كَانَ لَهُ حِمارٌ يَتَروَّحُ عَليْهِ إِذَا مَلَّ رُكُوبَ الرَّاحِلَةِ، وعِمَامةٌ يشُدُّ بِها رأْسَهُ، فَبَيْنَا هُو يوْمًا عَلَى ذلِكَ الحِمَارِ إذْ مَرَّ بِهِ أَعْرَابيٌّ، فَقَالَ: أَلَسْتَ ابنَ فُلان بْن فُلانٍ؟ قَالَ: بلَى، فَأَعْطَاهُ الحِمَارَ، فَقَالَ: ارْكَبْ هَذَا، وأَعْطاهُ العِمامةَ وَقالَ: اشْدُدْ بِهَا رأْسَكَ، فَقَالَ لَهُ بَعْضُ أَصْحابِهِ: غَفَر اللَّه لَكَ! أَعْطَيْتَ هذَا الأَعْرابيَّ حِمارًا كنْتَ تَرَوَّحُ عليْهِ، وعِمامَةً كُنْتَ تشُدُّ بِهَا رأْسَكَ! فَقَالَ: إِنِّي سَمِعْتُ رسولَ اللَّه ﷺ يقولُ: إِنَّ مِنْ أَبَرِّ البِرِّ أَنْ يَصِلَ الرَّجُلُ أَهْلَ وُدِّ أَبِيهِ بَعْد أَنْ يُوَلِّي، وإِنَّ أَبَاهُ كَانَ صَدِيقًا لِعُمر   روى هذِهِ الرِّواياتِ كُلَّهَا مسلم.
3/343- وعن أَبي أُسَيْدٍ مالكِ بنِ ربِيعَةَ السَّاعِدِيِّ قَالَ: بَيْنا نَحْنُ جُلُوسٌ عِنْدَ رَسُول اللَّهِ ﷺ إذ جاءَهُ رجُلٌ مِنْ بني سَلمة، فقالَ: يا رسولَ اللَّه، هَلْ بَقِيَ مِن بِرِّ أَبَويَّ شيءٌ أَبرُّهُمَا بِهِ بَعدَ مَوْتِهِمَا؟ فَقَالَ: نَعَمْ، الصَّلاةُ علَيْهِمَا، والاسْتِغْفَارُ لَهُما، وإِنْفَاذُ عَهْدِهِما مِنْ بَعْدِهِما، وصِلةُ الرَّحِمِ الَّتي لا تُوصَلُ إِلَّا بِهِمَا، وإِكْرَامُ صَدِيقِهما رواه أَبُو داود.

الشيخ:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، وصلَّى الله وسلَّم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه.
أما بعد:
فهذه الأحاديث تتعلق بإكرام أقارب الأب، وأصدقائه، والجد، والأمهات، وبقية الأقارب، وتدل هذه الأحاديث على أنَّ من صلة الآباء والأمهات وبرّهم: صلة أصدقائهم ومُحبيهم، ولهذا في حديث ابن عمر يقول النبيُّ ﷺ: إنَّ من أبرِّ البرّ أن يصل الرجلُ أهلَ وُدِّ أبيه يعني: أحباء أبيه، وهكذا أمه، وهكذا جده، من أبرِّ البر ومن أحسن الإحسان أن يصل أقاربَ أبيه وأصدقاءه، وأقارب أمه وأصدقاءها، فكلُّ هذا من البرِّ والإحسان وكرم الأخلاق.
ومن هذا ما فعله ابنُ عمر رضي الله عنهما، كان في بعض أسفاره على مطيَّةٍ ومعه حمار يرتاح عليه بعض الأحيان إذا مَلَّ المطيةَ، فجاءه في ذلك الطريق أعرابيٌّ كان أبوه صديقًا لعمر ، فلمَّا عرفه أعطاه الحمارَ يركبه، كأنَّ الأعرابيُّ كان يمشي على قدميه، وأعطاه العمامة، فقيل له في هذا، فقال: "إنَّ أباه كان صديقًا لأبي" يعني: لعمر، فصار من صلة أبيه أن يصل أحبابَ أبيه، وأن يصل أقاربَ أحباب أبيه، هذا من كرم الأخلاق.
فمن كرم الأخلاق وطيب السَّجايا أن يصل الإنسانُ أقاربَ أبيه، وأصدقاءه، وأحبَّاءه، وقراباته، وكذلك أمه، يرجو ما عند الله من المثوبة، وفي الحديث: رضا الله في رضا الوالدين، وسخط الله في سخط الوالدين، فإكرام أقاربهم وأصدقائهم مما يُرضيهم.
وفي حديث أبي أسيدٍ السَّاعدي الأنصاري : أنَّ سائلًا قال: يا رسول الله، هل بقي من برِّ أبويَّ شيءٌ أبرّهما به؟ يعني: بعد وفاتهما، فقال النبيُّ ﷺ: نعم، الدعاء لهما، والاستغفار لهما، وإنفاذ عهدهما من بعدهما، وإكرام صديقهما، وصلة الرحم التي لا تُوصَل إلا بهما.
فذكر له خمسة أشياء: الدعاء والاستغفار لوالديه، هذا من برِّهما: الإكثار من الدعاء لهما، والاستغفار لهما، في ليله ونهاره، وفي صلاته، وفي غير ذلك.
ثالثًا: إنفاذ عهدهما: يعني الوصية التي يُوصي بها أبوك أو أمك، وهي وصية شرعية، فمن برِّهما إنفاذها، كالثلث والربع، أو وصية بعتق بعض المماليك، أو وصية بصدقة، أو ما أشبه ذلك، فمن برِّهما إنفاذ الوصايا الشَّرعية التي يُوصي بها الآباءُ والأمّهات.
رابعًا: إكرام صديقهما: فإذا كان لهما أصدقاء وأحباء فإكرام أصدقائهما من برِّهما، ومن الإحسان إليهما.
خامسًا: صلة الرحم التي لا تُوصَل إلا بهما: كالعم، والعمَّات، والأخوال، والخالات، فإن صلتَهم صلةٌ للأب والأم، كالأعمام، والعمات، وبَنِيهم، والأخوال، والخالات، وبَنِيهم، والأجداد، والجدات، ونحو ذلك.
والمقصود من هذا كله أنَّ السنة للمؤمن والمؤمنة الحرص على صلة الرحم، وإكرام الوالدين وبرّهما، وبرّ أقارب الوالدين، وأصدقاء الوالدين، فكلّ هذا داخلٌ في برِّهما، ومعلومٌ أنَّ برَّهما من أهم الواجبات، وأنَّ عُقوقَهما من أقبح السيئات، فبِرّ أقاربهما وأصدقائهما وأحبَّائهما داخلٌ في برِّهما.
وفَّق الله الجميع.

الأسئلة:

س: حديث أبي أُسيد ذكر بعضُ المُحَشِّين أنه يدور على علي بن عبيد الساعدي، ولم يُوثِّقْه ابنُ حبان؟
ج: الذي أعرفه أنه صحيح.
س: قولهم: "إنَّ الأعراب يرضون باليسير"، هل تكاثر هذا الشيء؟
ج: نعم، تكاثر أن يُعطيه الحمار والعمامة، فقال: لو أعطيتَه بعض الشيء كفى.
س: هل أفضل الصَّدقة في حقِّ الميت هي الماء أم أن هناك أفضل منها؟
ج: جاء في بعض الروايات ما يقتضي أنَّ صدقة الماء من أفضل الصَّدقات، لكن على كل حال يتحرَّى حاجة المسكين: بالنقود، بالطعام، بالملابس، بالماء، تختلف الأحوال، فالصدقة كلها خير.
س: إذا لم يبَرّ والديه وهما أحياء فهل ينفعه برُّهما وهما أموات؟
ج: نعم، عليه التوبة من عقوقهما، وعليه برهما بعد موتهما، والتوبة إذا كان قد أساء إليهما في حياتهما.
طالب: معي سند الحديث.
ج: حديث أبي أسيد؟
الطالب: نعم، يقول: حدثنا إبراهيم بن مهدي، وعثمان ابن أبي شيبة، ومحمد بن العلاء، المعنى، قالوا: حدثنا عبدالله بن إدريس، عن عبدالرحمن بن سليمان، عن أسيد بن علي بن عبيد مولى بني ساعدة، عن أبيه، عن أبي أسيد مالك بن ربيعة الساعدي قَالَ: بَيْنا نَحْنُ عِنْدَ رَسُول اللَّهِ ﷺ.
ج: السند يحتاج إلى تأمُّلٍ، لكن المعروف أنه لا بأس به.
س: مَن هم الأقارب الذين تجب صلتُهم؟
ج: أقارب الأم والأب.
س: فقط؟
ج: الأدنى فالأدنى، مثلما قال ﷺ لما سُئل: مَن أبرّ؟ قال: أمك، قال: ثم مَن؟ قال: أمك، قال: ثم مَن؟ قال: أمك، قال: ثم مَن؟ قال: أباك، قال: ثم مَن؟ قال: الأقرب فالأقرب، فالإخوة مُقدَّمون على عيالهم، وعيالهم مقدَّمون على الأعمام، والأعمام مقدَّمون على عيالهم، والأخوال مقدَّمون على عيالهم، وهكذا الأقرب فالأقرب، حسب التيسير: بالمال، أو بالكلام الطيب، أو بالزيارة، فكله طيب.
س: الصَّالح والطالح منهم؟
ج: لا، الحق للصالح، والطالح من برِّه نصيحته وتوجيهه إلى الخير وتأليفه، هذا من صلته.
س: إذا كان فاسقًا؟
ج: من صلته أن: تدعوه إلى الله، وتُوجهه إلى الخير، وتأمره بالمعروف، وتنهاه عن المنكر، فهذا كله من صِلَتِه.