18 من حديث (المؤمن يموت بعرق الجبين..)

534- وَعَنْ بُرَيْدَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: الْمُؤْمِنُ يَمُوتُ بِعَرَقِ الْجَبِينِ رَوَاهُ الثَّلَاثَةُ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ.

535 و536- وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَا: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: لَقِّنُوا مَوْتَاكُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالْأَرْبَعَةُ.

الشيخ: ويذكر فيه أيضًا ما يتعلق بالمرض وعيادة المريض وما يلتحق بهذا من التَّعزية وصنع الطعام لأهل الميت وما يتعلق بذلك من أحكام الموتى.

وفي هذا الكتاب مسائل وأحكام تمر إن شاء الله عند الكلام على الأحاديث المذكورة في الباب، من ذلك الحثُّ على ذكر الموت، وأنه لا ينبغي للمؤمن أن يغفل عنه، فالموت حقٌّ، ولا بدَّ منه، ولا بدَّ من لقائه، فينبغي أن يكون على البال حتى يستعدَّ المؤمنُ لهذا الحدث العظيم، وحتى يكون دائمًا على أهبةٍ؛ لأنه قد يهجم عليه وهو على غفلةٍ وتفريط فيندم.

وقد أكثر الله جلَّ وعلا من ذكر الموت في كتابه العظيم، والتحذير من الغفلة عنه، قال : كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ [آل عمران:185]، وقال : كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ [الأنبياء:35] في آيات.

فالموت لا بدَّ منه، فعليك يا عبدالله أن تعدّ له العدّة، وكما في الحديث: أكثروا من ذكر هادم اللَّذات الموت، والهادم: القاطع، والمعنى: اذكروا هذا الذي يقطع اللَّذات وينقلكم من هذه الدار إلى دارٍ أخرى، لا تغفلوا عنه.

وفي بعض الروايات زيادة: فإنه ما ذُكر عند قليلٍ إلا كثَّره، ولا عند كثيرٍ إلا قلَّله.

فهذا هادم اللَّذات له شأن، فإذا استحضره الإنسانُ وكان على باله زهَّده في الدنيا، ورغَّبه في الآخرة، واستكثر القليل، واستقلَّ الكثير، وصار ذلك من أسباب تخفيف التَّعلق بالدنيا وشهواتها وحظوظها العاجلة، والإسراف في طلبها، بخلاف ما إذا غفل؛ لأنه قد يغفل عنه فتشتد نهمته بطلب الدنيا، ورغبته في جمعها، والكد في تحصيلها، والولاء والبراء عليها؛ فيضرّه ذلك ضررًا كثيرًا.

ولكن ينبغي ألا يمنعه ذلك من أخذ نصيبه من الدنيا وكسب الحلال، والمشاركة في الأسباب النافعة والمكاسب الطيبة، فلا هذا، ولا هذا: لا غفلة وإعراض، ولا غلو في استحضار الموت حتى يُعطل معيشته، وحتى يُعطل أعماله، وحتى ينكل عمَّا ينبغي له من العمل، ولكن لا هذا ولا هذا، بل استحضار وذكر الموت يحمله على الخير، ولكن لا يُعطله عن الحقِّ، ولا يجعله كلًّا على الناس، بل يعمل لدنياه ويعمل لآخرته، وهذا هو الطريق السَّوي الذي سلكه الأنبياءُ وسلكه الأخيار، بخلاف عمل بعض الزهاد ومَن أسرفوا، والصوفية الذين أعرضوا عن أدلة الشرع، فلزموا البيوت، ولزموا المساجد والزوايا، وظنوا أنَّ هذا هو الزهد، وأن هذا هو المطلوب منهم؛ حتى وقعوا في بدعٍ كثيرةٍ، وشرٍّ كثيرٍ، وفسادٍ عظيمٍ.

الحديث الثاني حديث أنسٍ : أنَّ النبي نهى عن تمني الموت، وقال: لا يتمنَّينَّ أحدُكم الموتَ لضرٍّ نزل به، لضرٍّ نزل به من مرضٍ أو جراحات، أو ضيقٍ في الدنيا وفقرٍ، أو فتنٍ تلاحقت على الناس، أو ما أشبه ذلك، فإن المحن كثيرة، لكن لا ينبغي للمؤمن أن يتمنى الموت ويقول: ليتني أموت، أو اللهم أمتني، ويدعو، لا، فإنه لا يدري ما العاقبة؟ فقد تكون العاقبةُ خيرًا له .....

ولهذا عند مسلمٍ رحمه الله من حديث أبي هريرة : أنَّ النبي ﷺ قال: لا يتمنَّ أحدُكم الموتَ، ولا يدعُ به من قبل أن يأتيه؛ فإنَّ عمر المؤمن لا يزيده إلا خيرًا، فنهى عن تمنيه، عن الدعاء به، وعلل هذا بقوله: فإنَّ عمر المؤمن لا يزيده إلا خيرًا.

فينبغي لك أن تجتهد في الخير، ولكن لا تدع بالموت، ولا تتمنَّ الموت، فإن كان لا بدَّ من شيءٍ فقل: اللهم أحيني ما كانت الحياةُ خيرًا لي، وتوفَّني إذا كانت الوفاةُ خيرًا لي.

وجاء في "مسند أحمد" و"سنن النسائي" بسندٍ جيدٍ عن عمار بن ياسر : أن النبي كان يدعو بهذا الدعاء: اللهم بعلمك الغيب، وقُدرتك على الخلق، أحيني ما كانت الحياةُ خيرًا لي، وتوفَّني إذا كانت الوفاةُ خيرًا لي.

فهذا الدعاء طيب؛ لأنه معلَّق بما يعلمه الله، وهو العالم بكل شيءٍ ، فإذا كان هناك دعوة بهذا المعنى فليدع بهذا، ولا يقل: اللهم أمتني، وليتني أموت، لا، بل يتأدَّب بالآداب الشَّرعية.

والحديث الثالث حديث معقل: المؤمن يموت بعرق الجبين، والمعنى الصحيح في هذا أنه يموت وهو جاهد مجاهد يعمل لآخرته ويعمل لدنياه، ليس كالبطَّالين، بل يعمل.

فالمؤمن من شأنه أنه يعمل ويكدح إلى أن يموت، ولا يرضى بالدون، ولا يرضى بالكسل، ولا يرضى بالحاجة إلى الناس والذل، ولكنه يكدح ويعمل، فيموت ولا يزال عريق الجبين من آثار العمل والكدّ، فإنَّ من عادة العامل الكادح العرق؛ لما يقوم به من جهودٍ، وفي هذا حضٌّ وتحريضٌ على الكسب والطلب للرزق، وأنه لا ينبغي أن يخلد إلى أرض الكسل، وإلى سؤال الناس والحاجة إلى ما عندهم، بل ينبغي له أن يعمل ويكدح حتى يموت في طلب الحلال .....

والحديث الرابع حديث أبي سعيدٍ وأبي هريرة: لقِّنوا موتاكم: لا إله إلا الله.

هذا يدل على شرعية التَّلقين، وهذا التَّلقين غير التَّلقين الذي يفعله بعضُ الناس، التلقين تلقينان:

تلقين بعد الموت، وهذا بدعة على الصحيح.

وتلقين قبل الموت، وهذا سنة، فيُذكر بـ"لا إله إلا الله" عند الموت؛ حتى يُختم له بهذه الكلمة، هذا مشروع.

وفي الحديث: مَن كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة، والنبي ﷺ لما اشتدَّ مرضُ أبي طالب دخل عليه وقال: يا عمّ، قل لا إله إلا الله، كلمة أُحاج لك بها عند الله، فهذا معنى التَّلقين: أن يُذَكَّر بـ"لا إله إلا الله" عند الموت؛ حتى يموت عليها.

ولا مانع من أن يُقال له: قل لا إله إلا الله، أو اذكر الله يا فلان، أو تُذكر عنده، يقول: لا إله إلا الله؛ حتى يُذكره بذلك، فإذا خشي أن يثقل عليه بقوله: "قل" يقولها عنده؛ لعله يتأسَّى به فيقولها.

الحاصل أنه يُذكر بـ"لا إله إلا الله" سواء بالأمر اللَّطيف: يا فلان، اذكر ربك، قل: لا إله إلا الله، أو بذكرها عنده لعله يقولها من غير أمرٍ؛ فيحصل له بذلك أن يُختم له بها، فإذا قالها فالأولى ألا يُطلب منه كلام آخر، بل يُسكت عنه، إلا عند الحاجة التي تدعو إلى مكالمته؛ لعله يُختم له بها.

وأما ما يُروى أنَّ بعض الشاميين كانوا يُلقنون موتاهم، ويحصل بهذا أشياء، الصحيح أنه من عمل الشَّاميين، وليس من المرفوعات إلى النبي ﷺ.

فإنَّ ..... جماعة من الشَّاميين كانوا يُلقنون فيقولون عند قبر الميت: "يا فلان، اذكر ما خرجت من الدنيا: شهادة أن لا إله إلا الله، وأنَّ محمدًا رسول الله، وأنك تُؤمن بالله ربًّا، وبالإسلام دينًا، وبمحمدٍ رسولًا، وبالقرآن إمامًا"، هذا ليس له أصل، والحديث ..... موضوعة.

وقد ذكر أبو العباس ابن تيمية رحمه الله الأقوال الثلاثة: شرعية التلقين، وإباحته، وكراهته. والأقرب في هذه المسألة هو كراهته، بل منعه؛ لأنَّ هذه الأمور عبادات، لا تكون بالأحاديث الضَّعيفة ولا بالموضوعة، ولا بعمل زيدٍ وعمرو، القربات والأعمال الشَّرعية لا تثبت إلا بالدليل والنص، فالأولى والأقرب والأظهر القول بالمنع فوق الكراهة، نعم.

س: ..............؟

ج: المقام مقام مدحٍ، ولا يلزم منه أن يكون يعرق عند الموت، المقام مقام مدح، يعني: أنه لا يزال يكدح ويتسبب في طلب الرزق، فلا تزال آثار الكدِّ تُوجد معه من عرق الجبين.

537- وَعَنْ مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ : أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: اقْرَؤُوا عَلَى مَوْتَاكُمْ يس رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ.

538- وَعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَلَى أَبِي سَلَمَةَ وَقَدْ شُقَّ بَصَرُهُ، فَأَغْمَضَهُ، ثُمَّ قَالَ: إِنَّ الرُّوحَ إِذَا قُبِضَ اتَّبَعَهُ الْبَصَرُ، فَضَجَّ نَاسٌ مِنْ أَهْلِهِ، فَقَالَ: لَا تَدْعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ إِلَّا بِخَيْرٍ؛ فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ تُؤَمِّنُ عَلَى مَا تَقُولُونَ.

ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِأَبِي سَلَمَة، وَارْفَعْ دَرَجَتَهُ فِي الْمَهْدِيِّينَ، وَافْسِحْ لَهُ فِي قَبْرِهِ وَنَوِّرْ لَهُ فِيهِ، وَاخْلُفْهُ فِي عَقِبِهِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

539- وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ حِينَ تُوُفِّيَ سُجِّيَ بِبُرْدٍ حبرَةٍ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

540- وَعَنْهَا: أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ قَبَّلَ النَّبِيَّ ﷺ بَعْدَ مَوْتِهِ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

541- وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: نَفْسُ الْمُؤْمِنِ مُعَلَّقَةٌ بِدَيْنِهِ حَتَّى يُقْضَى عَنْهُ رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ.

الشيخ: أما بعد: فهذه الأحاديث الخمسة كلها لها تعلق بالموتى؛ ولهذا أدخلها في كتاب "الجنائز".

فالأول يتعلق بالقراءة عند الموت، تقدم أنه يُلقَّن، يُستحب تلقينه عند الموت: لقِّنوا موتاكم: لا إله إلا الله؛ حتى تكون الخاتمةُ كلامًا طيبًا.

أما قراءة يس عند المحتضر فالسرُّ في ذلك والله أعلم: ليتذكر أمر الآخرة، وليُجدد توبةً صادقةً، ويستفيد من كلام الله ؛ لأنَّ استماع القرآن كالقارئ، المستمع كالقارئ يستفيد من قراءة القرآن، ويُعطى من الأجر ما يُعطى القارئ، فهو يستفيد من ذلك فوائد؛ فلهذا جاء هذا الحديث في شرعية قراءة يس عند الميت، يعني: عند المحتضر، "موتاكم" يعني: المحتضرين؛ لأنَّ الميت لا يستفيد، إنما المراد المحتضر، هكذا لقِّنوا موتاكم.

فالميت يُطلق على المحتضر الذي قد دنا أجله، ويُطلق على الذي فارقت روحه جسده.

والمراد هنا: المحتضر عند أهل العلم، الذين ظهرت أمارات قرب آجالهم، فتُقرأ عليهم هذه السورة؛ لما فيها من ذكر الآخرة والجنة والنار وقصة بعض الرسل والأمم، فهذا مما يُسبب انتباهًا ويقظةً وتوبةً صادقةً وحُسن ظنٍّ بالله ، إلى غير ذلك مما يُسبب الخير.

وهذا على تقدير صحَّته، فإن ابن حبان صحَّحه، وجماعة ظنوا أنه من رواية أبي عثمان النَّهدي، وهو ثقة، معروف، إمام، وضعَّفه آخرون؛ لأنه من رواية أبي عثمان، شخص مجهول، وليس هو أبا عثمان النَّهدي.

فعلى هذا يكون الحديثُ ضعيفًا، وليس كما قال ابن حبان؛ لأنَّ المحفوظ في الرواية أنه ليس من رواية أبي عثمان النهدي، بل من رواية آخر مجهول الحال، فالأقرب في هذا هو كما قال جماعةٌ أنه ضعيف، فلا تُشرع قراءتها حينئذٍ لعدم صحة الحديث.

وأما تصحيح ابن حبان فهو بناء على ما تقدم: أنه من رواية أبي عثمان النهدي المعروف ..... التابعي الجليل .....، وفي هذا يُعلم أنه لا وجهَ لاستحباب قراءتها؛ لضعف الحديث، ولكن يُلقن فقط: لقِّنوا موتاكم لا إله إلا الله، أما إذا قُرئ القرآن من باب إيناسه، بأي قرآنٍ قُرئ لا بأس به: أن يقرأ عند المريض، عند المحتضر، من باب إيناسه، من باب تذكيره، من باب إيصال الخير إليه، لا اعتقاد هذه السورة المعينة مستحبة بوجهٍ خاصٍّ، هذا لا بأس به؛ فإنَّ قراءة القرآن في المجالس وعند اجتماع الناس أمر مشروع، كان النبيُّ يفعله دائمًا عليه الصلاة والسلام مع أصحابه، إذا اجتمعوا يقرأ القرآن، أو يأمر مَن يقرأ القرآن؛ لما في قراءة القرآن من الخير العظيم والفوائد الجمَّة.

وأما الحديث الثاني: فهو حديث أم سلمة في قصة أبي سلمة، وهو عبدالله بن عبد الأسد المخزومي، الصحابي الجليل، المهاجر، أحد المهاجرين السَّابقين، أصابه سهمٌ في أحد، وانتقض عليه في السنة الرابعة، ومات بذلك رضي الله عنه وأرضاه.

في هذا الحديث أنه لما دخل عليه ورآه قد مات أغمض عينيه، فهذا يدل على شرعية إغماض العينين بعد وفاة الميت؛ لأنها تنفتح العينان وتتبع الروحُ البصرَ، إذا مات الإنسانُ فيُسن تغميض عينيه؛ حتى يكون منظره حسنًا لا مُشوَّهًا.

وقوله: إنَّ الروح إذا قُبِضَ تبعه البصرُ يدل على تذكير الروح، وأنها مُذكر، فالروح مذكر، وقد يُؤنث قليلًا، لكن الأغلب عليه التَّذكير، وتأنيثه بتأويل أنه معنى النفس، النفس مؤنثة: وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ [ق:21]، فإذا أُريد به النفس أنَّث، وإذا لم يُرد ذلك ذكَّر الروح: الروح قوية، خرجت الروح، وفارقت الروح، دخلت الروح، دخل الروح، وخرج الروح.

المقصود أنَّ الأغلب التَّذكير؛ ولهذا قال: إنَّ الروح إذا قُبِضَ، ما قال: قُبِضَتْ، تبعه البصر.

فضجَّ ناسٌ من أهله وصاحوا، يعني: عرفوا أنه مات، لما قال النبيُّ هذا الكلام عرفوا أنه مات؛ فلهذا ذكَّرهم عليه الصلاة والسلام قال: لا تدعوا على أنفسكم إلا بخيرٍ، أي: لا تقولوا إلا خيرًا فإنَّ الملائكة تُؤَمِّن على ما تقولون، هذا ينبغي لمن حضر الميت ألا يقول إلا خيرًا: كالدعاء بالمغفرة والرحمة، وللذرية بالصلاح والهداية ونحو ذلك؛ لأنَّ الملائكة تُؤمن على ما يقول الحاضرون، فينبغي أن تحذر ألا تقول إلا خيرًا.

ثم دعا النبيُّ ﷺ لأبي سلمة بهذا الدعاء العظيم، فهذا يدل على شرعية الدعاء لأموات المسلمين، ولا سيما عند أهليهم، وعند نزول المصيبة، فإنَّ هذا مما يُخفف المصيبة، ويُسبب جبر المصابين، إذا زارهم قريبُهم ومحبوبهم فدعا لميتهم وعزَّاهم وشاركهم في المصيبة فإنَّ هذا لا شكَّ أنه يُخفف عنهم ألم المصيبة.

والحديث الثالث: حديث عائشة في تسجية النبي بالبُرد، هذا يدل على أنه يُسجى الميت؛ لأنه إذا مات قد يتغير لونه ومظهره، فالسنة والأفضل أن يُسجى بشيءٍ يستره إلى أن يُفرغ من غسله وتكفينه والذَّهاب به إلى الصلاة والدَّفن، فالنبي سُجي ببرد حبرة.

والبرد يأتي من اليمن، مخططة، هذا البرد الحبرة، فيه خطوط خاصَّة ..... تُلبس، تُجعل أرديةً، وتُجعل أزرًا، فسُجي بواحدٍ منها عليه الصلاة والسلام، طُرح عليه إلى أن يُفرغ من ..... عليه الصلاة والسلام.

فهذا يدل على أنَّ الميت لا مانع من تركه إلى أن يأتي وقتُ تغسيله لأي سببٍ من الأسباب: بأن تركوه وقتًا حتى تمت البيعة، ولا بأس بأن يُسجَّى بشيءٍ من الثياب ويُغطَّى، كل هذا أمر واضح لا بأس به، والسبب في هذا أنَّ الصحابة خافوا حين بدأوا تغسيله أن يقع نزاعٌ وخلافٌ: مَن يتولى هذا؟ مَن يُصلي عليه؟ من ..؟ من ..؟ فربما وقعت إشكالات؛ فلهذا رضي الله عنهم بدأوا بالبيعة، وسعوا في البيعة ومشوا فيها.

وكان الناس قد توقَّفوا في هذا الأمر: هل مات النبيُّ أو ما مات النبيُّ؟ واشتبه الأمرُ على بعض الناس حتى على عمر؛ كان يخطب الناس ويقول لهم: ما مات! وسوف يقتل أقوامًا! ويفعل كذا! ويفعل كذا!

فجاء الصديقُ ، وكان في مكانٍ -في السنح- خارج المدينة، فلما بلغه الخبرُ جاء وعمر يتكلم في الناس في المسجد، فدخل على عائشة وكشف عن النبي ﷺ وقبَّله رضي الله عنه وأرضاه، ثم قال: "بأبي أنت وأمي، لقد طبتَ حيًّا وميتًا، والله لا يجمع الله عليك موتتين"، وبيَّن أنه قد مات عليه الصلاة والسلام، وأنَّ الله لا يُعيد عليه موتةً أخرى كما يظنّ عمر أو غيره.

فالحاصل أنَّ الصديق تيقن موته ﷺ وقبَّله تقبيل المحب لحبيبه، ثم خرج إلى الناس وقال لعمر، أشار إليه أن يسكت، فلم يفعل؛ لما في نفسه من الشدة وعظم المصيبة، فصعد المنبر الصِّديقُ وخطب الناس وقال في كلامه العظيم: "أما بعد، فمَن كان يعبد محمدًا فإنَّ محمدًا بشر قد مات، ومَن كان يعبد الله فإنَّ الله حيٌّ لا يموت"، ثم تلا قوله تعالى: وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ [آل عمران:144]، فأخذها الناسُ من فيه، وصاروا يتلونها في كل مكانٍ كأنهم ما سمعوها إلا ذلك الوقت.

وهذا يدل على أنَّ العظيم العلم يظهر عند مواضع الإشكال، اتَّضح من هذا فقه الصديق، وسعة علمه، وطمأنينته واتساع قلبه في هذه المصيبة العظيمة، وكان بهذا فوق عمر، وأفضل من عمر، وأعلم من عمر في هذا المقام العظيم رضي الله عن الجميع وأرضاهم.

وسعى الناس في البيعة، واجتمع الأنصارُ وصاروا يخوضون في الموضوع، ثم ذهب إليهم عمر وأبو بكر رضي الله عنهما، وخطب الصديقُ فيهم وقال: "إنَّ هذا الأمر لا يصلح إلا في قريشٍ"، وقال عمر: "ابسط يدك"، فبسط يده الصديق وبايعه عمر، ثم بايعه الناسُ وانتهى الإشكال، واجتمعت الكلمةُ والحمد لله، ثم سعوا في تجهيز النبي عليه الصلاة والسلام وتغسيله وغير ذلك.

ثم أشكل عليهم الأمر: هل يدفنوه مع الناس في البقيع أو في بيته؟ فتداولوا في هذا، واشتبه عليهم الأمر، وخاضوا في هذا، ثم هداهم الله فدفنوه في بيته؛ خوفًا عليه من الفتنة، خوفًا عليه من الغلو في البقيع من العامَّة الذين يجهلون أحكام الله.

ويُروى أن الصديقَ روى لهم حديثًا: أن كلَّ نبيٍّ يُدفن حيث مات. لكن هذا الحديث لا أعلم له طريقًا صحيحًا، ولم أُفتش عنه كثيرًا، والمقصود أنهم دفنوه في بيته، وقالت عائشةُ في هذا: أنهم دفنوه خشية أن يتّخذ قبره مسجدًا لو دُفن في البقيع.

فهذا يدل على أنَّ الحديث عند عائشة لم يثبت: أنَّ كل نبي يُدفن حيث مات؛ ولهذا عللت بأمرٍ آخر، قالت: ولولا ذلك لأُبرز قبره، غير أنه خُشي أن يتّخذ مسجدًا. لما روت حديث: لعن الله اليهود والنصارى؛ اتَّخذوا قبور أنبيائهم مساجد، فهذا يدل على أنَّ العلة الخوف عليه من الغلو ممن ليس عنده علم.

والحديث الخامس: حديث أبي هريرة في عظم شأن الدَّين، وأن الدَّين شأنه خطير، وأنه ينبغي المبادرة بقضاء الدَّين، وأنَّ نفس المؤمن معلَّقة بدَينه حتى يُقضى عنه، فينبغي لأهله البدار والمسارعة بقضاء الدَّين، وهذا أمر محل وفاقٍ، فينبغي المسارعة والمبادرة بقضاء الدَّين؛ حتى لا تبقى نفسه معلَّقة، وحتى لا يتأذَّى بذلك؛ لأنه قد يكون فرَّط في حياته، فينبغي لأهله البدار والمسارعة في قضاء دَينه؛ حتى لا يتألم بذلك.

س: .............؟

ج: إذا بلغت الروحُ الحلقوم انتهى، إذا انتهت الروحُ من البدن وصارت في الحلق يتغرغر بها فلا توبةَ. في الحديث: تُقبل توبة أحدكم ما لم يُغرغر .....؛ لأنه حينئذٍ ما يتمكن من النَّدم والإقلاع.

.............

س: الروح إذا قُبض تبعه البصر، هل البصر يُشاهد الروح؟

ج: ظاهر الحديث أنه نعم، أنه يراه: أنَّ البصر يرى الروح إذا خرجت، وهذا من خصائص بصر الميت عند خروج روحه .....

542- وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ فِي الَّذِي سَقَطَ عَنْ رَاحِلَتِهِ فَمَاتَ: اغْسِلُوهُ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ، وَكَفِّنُوهُ فِي ثَوْبَيْنِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

543- وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: لَمَّا أَرَادُوا غَسْلَ النَّبِيِّ ﷺ قَالُوا: وَاللَّه مَا نَدْرِي: نُجَرِّدُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ كَمَا نُجَرِّدُ مَوْتَانَا أَمْ لَا؟ .. الْحَدِيثَ. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ.

544- وَعَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: دَخَلَ عَلَيْنَا النَّبِيُّ ﷺ وَنَحْنُ نُغَسِّلُ ابْنَتَهُ، فَقَالَ: اغْسِلْنَهَا ثَلَاثًا أَوْ خَمْسًا أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ إِنْ رَأَيْتُنَّ ذَلِكَ، بِمَاءٍ وَسِدْرٍ، وَاجْعَلْنَ فِي الْآخِرَةِ كَافُورًا أَوْ شَيْئًا مِنْ كَافُورٍ، فَلَمَّا فَرَغْنَا آذَنَّاهُ، فَأَلْقَى إِلَيْنَا حِقْوَهُ، فَقَالَ: أَشْعِرْنَهَا إِيَّاهُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

وَفِي رِوَايَةٍ: ابْدَأْنَ بِمَيَامِنِهَا وَمَوَاضِعِ الْوُضُوءِ مِنْهَا.

وَفِي لَفْظٍ للْبُخَارِيِّ: فَضَفَّرْنَا شَعْرَهَا ثَلَاثَةَ قُرُونٍ، فَأَلْقَيْنَاهُ خَلْفَهَا.

545- وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: كُفِّنَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فِي ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ بِيضٍ سَحُولِيَّةٍ مِنْ كُرْسُفٍ، لَيْسَ فِيهَا قَمِيصٌ وَلَا عِمَامَةٌ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

546- وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: لَمَّا تُوُفِّيَ عَبْدُاللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ جَاءَ ابْنُهُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَقَالَ: أَعْطِنِي قَمِيصَكَ أُكَفِّنْهُ فِيهِ، فَأَعْطَاهُ [إِيَّاهُ]. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

الشيخ: اللهم صلِّ وسلم على رسول الله وعلى آله وأصحابه.

أما بعد: فهذه الأحاديث تتعلق بالتغسيل والكفن، أما التغسيل فقد ذهب جمهورُ أهل العلم إلى وجوب تغسيل الميت، وحكاه بعضُهم إجماعًا، والمعروف أنه قول الجماهير، قال بعضُهم أنه سنة، والأصل هو الوجوب؛ لأنَّ الرسول أمر بذلك، والأصل في الأوامر الوجوب، وهو قول الأكثرين: أنه يجب غسل الميت؛ امتثالًا للأمر في حديث الذي سقط عن راحلته، قال: اغسلوه بماءٍ وسدرٍ، وفي قصة ابنته: اغسلنها ثلاثًا أو خمسًا .. إلى آخره.

المقصود أنَّ غسل الميت واجبٌ ومُتعين، وأقله غسلة واحدة، ويُستحب تكرار ذلك، وإذا احتيج إلى الزيادة كخمسٍ أو سبعٍ فلا بأس، حسب المصلحة، كما في حديث أم عطية، والذي سقط عن راحلته يوم عرفة، وقصته فمات، جاء فيه سنن: منها أنَّ الرسول أمر بغسله بماءٍ وسدرٍ، فدلَّ ذلك على وجوب الغسل، وعلى استحباب أن يكون في الماء سدر؛ لما فيه من التَّنظيف والتَّليين وإزالة الأوساخ، وكيفية ذلك يعرفه الغاسلون، فإنَّ السِّدر له حال، والماء الصافي له حال.

والمقصود هو أنَّ مع السدر يحصل به النَّظافة، كما أُمرت به الحائض في غسلها بماءٍ وسدرٍ؛ لما فيه من التَّنظيف وإزالة الأوساخ ..... بالإمكان أن يجعل في الأولى، وتجعل رغوته في الأولى، وفي الرأس، وفي المغابن، ثم يكون الماء الصَّافي في الثانية أو في الثالثة.

فعلى كل حالٍ الغاسل ينظر ما هو أكمل في هذا، فيغسله بماءٍ وسدرٍ حتى يُزيل الأوساخ التي به، ثم يعقبه في الثالثة أو في الرابعة أو الخامسة بالماء الصَّافي النَّظيف؛ حتى يتم الغسل وتزول آثار السِّدر.

وفيه من الفوائد: أنه يُكفَّن في ثوبيه، هنا ثوبين، وفي الرواية الأخرى المشهورة ثوبيه، يعني: إزاره ورداءه الذي أحرم فيهما، وهما ثوبا عبادةٍ، فأمر أن يُكفَّن فيهما، كما أمر أن يُدفن الشُّهداء في ثيابهم التي جاهدوا فيها وقاتلوا فيها؛ حتى تكون كبينةٍ لهم، وأثرًا من آثار أعمالهم الصَّالحة معهم، وهذه من الأمور التَّوقيفية، يُوقف فيها على ما جاء به النص، فيُدفن في ثيابه، ولا يُغطَّى رأسه، كما في الرواية الأخرى، اختصره المؤلفُ، وتمامه في "الصحيحين": ولا تُخمِّروا رأسه ولا وجهه، كما عند مسلم: ولا تُحنِّطوه أي: تُطيبوه.

الحنوط: الطيب الذي يُفعل مع الميت.

فإنه يُبعث يوم القيامة مُلبِّيًا فدلَّ ذلك على أنَّ الإحرام لم ينقطع ولم يفسد بالموت، بل هو باقٍ.

فهو دلَّ على هذه الفوائد: غسله، وأن يكون بماء وسدر، وتكفينه في ثوبيه، وكونه لا يُحنط، أي: لا يُطيب، وكونه لا يُغطَّى رأسه، ولا يُغطَّى وجهه، وهو في رواية مسلم في الصحيح من عدة طرقٍ.

فهذا يدل على أنَّ المحرم لا يُغطَّى وجهه أيضًا، كما أنه لا يُغطَّى رأسه، وفيه الدلالة على أنَّ موته لا يقطع إحرامه، بل هو يُبعث يوم القيامة مُلبِّيًا، فعلمنا من هذا فوائد:

منها: تطييب الميت، وأنه يُطيب، وأنَّ المحرم لا يُطيب؛ لأنه ممنوع من الطيب حال إحرامه.

ومنها: أن الميت يُغطَّى رأسه، ويُغطَّى وجهه، وإنما يمنع ذلك في حقِّ المحرم فقط، أما غير المحرم فإنه يُغطَّى رأسه ووجهه.

وفيه أنه يُكفن في ثوبيه؛ لأنه مات فيهما في حال العبادة، أما غيره فيُكفَّن في ثوبٍ يستره كله، أو أثوابٍ، والواجب ثوب واحد يستره، والأثواب الثلاثة -كما يأتي- أفضل، كما في حديث عائشة الآتي.

وحديث عائشة الثاني يدل على أنَّ التغسيل أمر معروف عند المسلمين، وأن الموتى يغسلوا، هذا شيء معروف؛ ولهذا قالوا: لما مات ﷺ قالوا: "والله ما ندري: نُجرده كما نُجرد موتانا للغسل أم لا؟" فهذا دلَّ على أن الغسل معروف عندهم للموتى، وأن الميت يُجرد، وإنما حصل التَّردد في حقِّه ﷺ: هل يُعامل معاملة الموتى الآخرين أم لا؟

تمام الحديث: "فألقى الله عليهم النَّوم". المؤلف اختصره، تمامه كما في الشرح، وكما في "المنتقى" وغيره: "فألقى الله عليهم النوم" ..... كل إنسانٍ على صدره، "فسمعوا مناديًا ينادي من داخل البيت: أن غسِّلوا رسول الله في ثيابه"، فغسَّلوه في ثيابه عليه الصلاة والسلام ولم يُجردوه.

وقد راجعتُ "سنن أبي داود" للنظر في سنده، فلم أجده في "سنن أبي داود"، ولعلَّ الذي راجعه لي أخطأ بصره محله من الفهرس، فإنا راجعنا كتاب "الجنائز" فلم أجد فيه تغسيل النبي ﷺ، ولا خبر عائشة هذا، وتتبعتُه أيضًا في بقية الأجزاء: في السيرة، في السنة، لعله يذكره ..... النبي ﷺ، ولكن لم أجد ذلك، فلعل أحدكم يلتمسه في "السنن" في أي موضعٍ ذكره.

والجنائز في الجزء الثالث من المتن، أخَّره كثيرًا بعد الفرائض والمواريث، كأنه لاحظ في ذلك أمر المال والتركة، وكان الأولى أن يكون آخر الصلاة كما فعل الفقهاء؛ لأنَّ أهم ما يتعلق بالميت الصلاة.

فالحاصل أني بالمراجعة لم أقف عليه في المتن في "سنن أبي داود"، فأرجو أن يُراجع، ومَن راجعه منكم ..... ويُراجع أيضًا في "مسند أحمد" في مسند عائشة.

وحديث أم عطية يدل على ما تقدم من شرعية الغسل ووجوبه، وأن الأفضل أن يكون وترًا، هذا هو الأفضل: ثلاثًا أو خمسًا أو سبعًا، كما في الرواية الأخرى: أو أكثر من ذلك إن رأيتن ذلك يعني: إن رأت الغاسلات الحاجة إلى هذا، فالموتى يختلفون ..... وأوساخ بسبب المرض، أو بسبب أدويةٍ لحقت بجسده، ولصوقات تعلَّقت بجسده، فيحتاج إلى مزيدٍ من العناية، يحتاج إلى ماءٍ حارٍّ، وقد لا يحتاج إلى شيءٍ من ذلك ويُكتفى بالماء العادي وبثلاث غسلات فقط؛ لأنَّ جسده طيب ونظيف، فلا حاجةَ إلى الزيادة، فالمسألة تحتاج إلى نظر الغاسلات والغاسلين: من الرجال للرجل، والنساء للمرأة، فإذا رأى الغاسلون أو الغاسل أو الغاسلة أنه يحتاج إلى أكثر من ثلاثٍ زيد، وأن أكثر .....، وإن امتثل بواحدةٍ وترٍ أو ثنتين فلا بأس، المقصود تنظيفه وتغسيله.

وفي حديث أم عطية الدلالة على البداءة بالميامن ومواضع الوضوء، فالسنة أن يبدأن بميامنها، وأن الميت يُوضَّأ وضوء الصلاة، ويُبدأ بالميامن، هذا هو الأفضل: ميامنه.

وفيه من الفوائد -في حديث أم عطية- أنه إن كانت شعور تُضفر، قالت: "وضفرنا شعرها ثلاثة قرونٍ"، فيكون له قرنان وناصية، وكلها تُوضع خلفه كما فعل الغاسلات في ..... ﷺ، والظاهر أنهن فعلن ذلك بأمره عليه الصلاة والسلام وتوجيهه.

وبكل حالٍ، فما فعله الغاسلات لابنة النبي ﷺ فهو الأولى والأفضل: أن يكون رأس الميت ثلاثة قرون، ولو كان رجلًا إذا كان له رأس تُضفر وتُجعل وراءه، هذا هو الأفضل.

وفيه من الفوائد: أنه علَّمهن ﷺ كيف يغسلنها، فدلَّ ذلك على أنه ينبغي للعالم أن يُعلم الغاسل كيف يعمل، إذا كان يخشى أنه لا يعرف، فيُعلم الغاسل والغاسلة كيف التَّغسيل؛ حتى يكون على بصيرةٍ، فيكون الرجل على بصيرةٍ في ذلك.

وفيه من الفوائد: أنه أعطاهم حِقْوَه: إزاره، يُقال: حقوه، وحقوه، فقال: أشعرنها إياه، هذا والله أعلم لما رجا فيه عليه الصلاة والسلام من البركة لها والمنفعة لها، فإنَّ هذا الإزار قد باشر جسده عليه الصلاة والسلام، وجسده مبارك، فأراد أن تنال بركته هذه الابنة رضي الله عنها وأرضاها.

والمشهور أنها زينب ابنة النبي ﷺ، زينب زوجة أبي العاص ابن الربيع، التي بنتها أمامة، كان يُصلي بها بعض الأوقات عليه الصلاة والسلام: أمامة بنت زينب، وأما رقية وأم كلثوم فقد ماتتا قبل ذلك في أول الهجرة، وأما زينب فتأخَّر موتها بعد الفتح.

وفيه الكافور أيضًا: أنه يُشرع الكافور في الغسلة الأخيرة، قالوا: لما فيه من التَّطييب والتَّصليب، يصلب البدن ويُقويه ويُطيبه، فهذا هو الأفضل: أن يجعل في الغسلة الأخيرة كافورًا، كما أمر النبي ﷺ في قصة ابنته زينب.

وحديث عائشة فيه الدلالة على أن الكفن يكون ثلاثة أثوابٍ، كما فعله الصحابة، الله يختار لنبيه الأفضل، والصحابة هم خيار الناس وأفضل الناس بعد الأنبياء، وقد رأوا ذلك لنبيهم ﷺ، فيكون تكفين الميت بثلاثة أثوابٍ أفضل، وكونها بيضًا أفضل؛ لهذا الحديث، ولحديث سمرة وابن عباس: البسوا من ثيابكم البياض، وكفِّنوا فيها موتاكم، فالأفضل أن يكون الكفنُ أبيض، كما فعل الصحابةُ بالنبي ﷺ، وكما جاء في الحديث، فإنهن من خير وأطيب وأطهر، ولو كُفِّن في أسود أو أخضر جاز، لكن الأبيض أفضل وأولى وأطهر.

وإن كُفِّن في قميصٍ وفي إزارٍ ولفافةٍ فلا بأس، كيفما كُفِّن جاز، ولكن كونه كُفِّن بلفائف ثلاث هذا هو الأفضل، وإن كُفن بواحدةٍ تستره جميعه كفى ذلك.

وفي حديث عبدالله بن عمر الدلالة على التَّكفين في القميص، ولما طلب عبدالله بن عبدالله بن أُبي بن سلول من النبي ﷺ قميصه لتكفينه أباه دلَّ على أنه لا بأس بالتَّكفين بالقميص، قالوا: لعلَّ هذا مكافأة؛ لأنه قد كسا العباس سابقًا قميصًا، وكان طوالًا فلم يجدوا له قميصًا إلا قميص عبدالله بن أُبي، فكساه إياه.

والأقرب والله أعلم أنَّ ذلك لتطييب نفس عبدالله بن عبدالله؛ لأنَّ عبدالله بن عبدالله كان حريصًا: لعلَّ الله ينفعه بشيءٍ من النبي ﷺ، وكان النبي ﷺ [يحرص] على أن ينفعه أيضًا؛ ولهذا صلَّى عليه وقال: لو أعلم أن تنفعه الزيادة على السبعين لزدتُ على السبعين، فكان حريصًا ﷺ على أن ينفعه بشيءٍ في كونه رأسًا في الأنصار، ولفضل ابنه عبدالله بن عبدالله.

ولعله من أسبابٍ أخرى: فإنَّ هذا من باب التَّأليف لغيره من الأوس والخزرج، والتأليف لغيره من غير المسلمين، وتقوية الإيمان في قلوب المسلمين، فكان عليه الصلاة والسلام في غايةٍ من العناية بالسياسة الشرعية، والحرص على تأليف القلوب، ومن تأليفها كونه ﷺ أعطاه قميصًا، أعطى ابنه القميص، وكونه أخرجه من القبر ونفث عليه عليه الصلاة والسلام، ودعا له، وصلَّى عليه، كل هذا فيه التَّأليف الذي فعله النبيُّ ﷺ لعبدالله بن أُبي، مع كونه معروفًا بالنِّفاق، لكنه ﷺ رجا أن ينفعه ذلك؛ لأنه يتظاهر بالإسلام، ويدَّعي الإسلام، ويتظاهر بأنه مع المسلمين، ولكن في قلبه من النِّفاق ما فيه، فمات على ذلك، نعوذ بالله من ذلك؛ ولهذا أنزل الله فيه: وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ [التوبة:84]، فاتَّضح أمره بعد ذلك للمسلمين، وعرفوا نفاقه، وأنه مات على النفاق، نسأل الله العافية.

وصلى الله وسلم على نبينا محمدٍ وعلى آله وأصحابه.

س: استعمال الصَّابون بدل السِّدر؟

ج: السِّدر أولى؛ لأنه جاء به النص، والسدر فيه تليين وإزالة أكثر، والصابون فيه تيبيس وتنشيف، وقد يجمد الوسخ في الشعر بالصابون، لكن السدر يُزيله.

س: إذا عُدم السِّدر؟

ج: الظاهر حسن؛ لأنَّ فيه تنظيف الأشنان والصابون وأشباهه.

س: ..............؟

ج: تبسط هكذا على الأرض واحدة فوق واحدة، ثم تُلفّ الأولى ثم الثانية .....

س: ..............؟

ج: لا، كلها لفائف.

س: اللون الأبيض في الكفن؟

ج: أفضل؛ للحديث: فإنه أطيب وأطهر.

س: للرجال والنساء؟

ج: للرجال والنساء جميعًا، قال: وكفِّنوا فيه موتاكم.

س: الضَّفائر تُجعل اثنتين مع الناصية؟

ج: ثنتين مع الناصية، الناصية هكذا، وهذه الثنتان، كلها تُجعل وراء.

س: النَّاصية ما ضُفرت؟

ج: الناصية هكذا، يجعلها واحدةً، يُضفرها واحدة، هي الثالثة.

س: هل يُستفاد من هذا استحباب تضفير النِّساء الأحياء ثلاث ضفائر؟

ج: الظاهر أنَّ هذا شيء معروف، ما يحتاج، هن يفعلن هذا النساء، يجعلنه ضفائر، يفتلنه، وقد ينقضه للحاجة من تغسيلٍ إذا كان لحاجةٍ.

س: ............؟

ج: الله أعلم.

س: ............؟

ج: ظاهره العموم، كل ميت إذا ما تيسر السِّدر الصَّابون أو الأشنان أو غيره مما يحصل به التَّنظيف.

س: .............؟

ج: كله، كله، يُكرر الغسل على البدن كله، بعدما يُوضئه ويُنجيه، ثم يُوضئه الوضوء الشَّرعي، ثم يغسل ميامنه ويعمّه الماء، ثم يُعيد مرةً ثانيةً وثالثةً، يُعيد العضو.

س: ..............؟

ج: يأتي إن شاء الله، الأحاديث تأتي.

س: ..............؟

ج: ما هو بظاهرٍ؛ لأنَّ الرسول ﷺ كفَّنوه بثلاث لفائف، وما أخذوا الثيابَ التي عنده، كفَّنوه في جديدٍ.

س: يُوضع قطن في دُبره؟

ج: ..... إلا إذا كان يخرج منه شيء: مُصاب يسيل منه شيء، يُوضع قطن، أما إذا كان ما له شيء فلا حاجة.

547- وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: الْبَسُوا مِنْ ثِيَابِكُمُ الْبَيَاضَ؛ فَإِنَّهَا مِنْ خَيْرِ ثِيَابِكُمْ، وَكَفِّنُوا فِيهَا مَوْتَاكُمْ. رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إِلَّا النَّسَائِيَّ، وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ.

548- وَعَنْ جَابِرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: إِذَا كَفَّنَ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ فَلْيُحْسِنْ كَفَنَهُ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

549- وَعَنْهُ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ ﷺ يَجْمَعُ بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ مِنْ قَتْلَى أُحُدٍ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ، ثُمَّ يَقُولُ: أَيُّهُمْ أَكْثَرُ أَخْذًا لِلْقُرْآنِ؟، فَيُقَدِّمُهُ فِي اللَّحْدِ، وَلَمْ يُغَسَّلُوا، وَلَمْ يُصَلِّ عَلَيْهِمْ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

550- وَعَنْ عَلِيٍّ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ ﷺ يَقُولُ: لَا تُغَالُوا فِي الْكَفَنِ؛ فَإِنَّهُ يُسْلَبُ سَرِيعًا. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ.

551- وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ لَهَا: لَوْ مُتِّ قَبْلِي فَغَسَّلْتُكِ الْحَدِيثَ. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ.

552- وَعَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: أَنَّ فَاطِمَةَ عَلَيْهَا السَّلَامُ أَوْصَتْ أَنْ يُغَسِّلَهَا عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ. رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ.

الشيخ: الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وأصحابه.

أما بعد: فالحديث الأول -حديث ابن عباسٍ- في التَّكفين في الثياب البيض، وأنها من خير ثيابنا، وجاء معناه من حديث سمرة أيضًا: أنهن خير وأطهر.

وتقدم في حديث عائشة أنَّ النبي ﷺ كُفِّن في ثلاثة أثواب بيض سحولية.

كل هذا يدل على أنَّ الكفن بالبيض أولى وأفضل؛ لقول النبي ﷺ: فإنها من خير ثيابكم، وفي اللفظ الآخر: فإنها أطيب وأطهر؛ ولأنه اختاره الله لنبيه ﷺ على يد الصحابة، فيكون هذا هو الأفضل والأولى، ولو كُفِّن في غيره لا حرجَ؛ لأنَّ الرسول ﷺ لم يُلزم بذلك، وإنما ..... قال: فإنها من خير ثيابكم، وفي لفظٍ: أطيب وأطهر، فدلَّ ذلك على شرعية التَّكفين فيها، وأنها أولى من غيرها؛ ولهذا جاز لبس الأبيض وغيره في الحياة: من أخضر وأسود وغيرهما، فهكذا بعد الوفاة، إلا أنَّ الميت يختار له الأفضل الذي هو البياض كما فعله الصحابةُ في النبي ﷺ، وكما أمر به في حديث ابن عباسٍ في هذا وسمرة.

والحديث الثاني: حديث جابر في تحسين الكفن، وأنه ينبغي للمؤمن أن يُحسن كفن أخيه إذا تولاه، لا يكون ناقصًا، بل يكون كاملًا وافرًا يستر به الميت، وأنَّ هذا واجب عند أهل العلم: أن يكون الكفنُ ساترًا للميت كله: رأسه وقدمه ورجليه، يكون مستورًا بالكفن.

والواجب ثوب واحد يستره، ولفافة واحدة، لكن إذا كان في ثلاثٍ كما فُعل بالنبي ﷺ كان أكمل، ويجوز في لفافتين كما فيمَن سقط عن راحلته: في ثوبيه، ولكن الثلاث هو الذي اختاره الصحابةُ للنبي ﷺ، يكون أفضل تأسيًا بما فعله الصحابةُ مع نبيهم عليه الصلاة والسلام.

وإحسان الكفن يكون فيه وجوه: منها كونه وافرًا كاملًا، ويكون صفيقًا يستر العورة، ويكون نظيفًا جديدًا، أو نظيفًا غسيلًا، ولا يكون وسخًا.

س: تحسين الكفن بالطِّيب؟

ج: ما هو بظاهرٍ، ما يدخل في هذا؛ لأنَّ الطيب يكون في البدن -بدن الميت- وإذا طيبت اللَّفائف لا بأس، لكن ليس هذا من باب إحسان الكفن، بل هذا من باب تطييب الميت، كما طيّب في غسله بالكافور يُطيب أيضًا ببدنه، وإنما يُمنع إذا كان مُحْرِمًا، أما إذا كان غير مُحْرِمٍ فإنه يُطيب، وهو الحنوط، يُطيب في رأسه، في صدغه، في آباطه، في مغابنه، في بدنه كله.

الحديث الثالث: حديث جابر في شهداء أُحدٍ: أن الرسول ﷺ لم يُغسلهم، ولم يُصلِّ عليهم، هذا يدل على أنَّ السنة في قتلى الشُّهداء إذا ماتوا في المعركة ألا يُغسلوا، وألا يُصلَّى عليهم، فيُدفنون في ملابسهم التي عليهم، وفي دمائهم؛ لأنهم يُبعثون يوم القيامة .....؛ ولأنهم أحياء عند ربهم يُرزقون.

وفي الحديث الصحيح: ما من مكلومٍ منكم في سبيل الله إلا جاء يوم القيامة وكلمه يدمي، اللون لون الدم، والريح ريح المسك، وكأنهم يأتون بذلك كالشاهد والبينة على ما ماتوا عليه.

فالحاصل أنَّ السنة: أنهم إذا ماتوا في المعركة لا يُغسَّلون، ولا يُصلَّى عليهم، أما إذا خرجوا من المعركة بجراحهم فإنهم إذا ماتوا بعد ذلك يُغسَّلون ويُصلَّى عليهم، كما غُسِّل عمر وصُلِّي عليه، وكذا عثمان صُلِّي عليه، وهم شُهداء رضي الله عنهم وأرضاهم. وهكذا مَن جُرح وعاش بعض الوقت ثم مات من جرحه: يُغسَّل ويُصلَّى عليه: كسعد بن معاذٍ وأشباهه.

وفي قوله: "ثم يسأل: أيّهما أكثر قرآنًا؟ فيُقدِّمه في اللَّحد" يدل على أنه يُقدم في اللَّحد الأفضل فالأفضل، ولا بأس بجمع الاثنين والثلاثة في اللَّحد إذا دعت الحاجةُ إلى ذلك؛ لكثرة الموتى، أو الخوف على الدَّافنين، يخشون أن يهجم عليهم العدو، أو لضعف الدافنين لأجل المرض أو جراحات، فلا بأس أن يدفنوا الاثنين والثلاثة في قبرٍ واحدٍ، أو أكثر من ذلك على حسب الحاجة.

أما إذا كانت هناك سلامة وأمن وقُدرة فإنَّ السنة واحد، واحد، كما فعلوا في البقيع وفي غير البقيع، يُدفن كل واحدٍ في قبرٍ، هذه السنة، وإنما يُصار إلى الاثنين والثلاثة وأكثر عند الحاجة: من خوفٍ، أو مرضٍ عام، أو ما أشبه ذلك من الحاجة التي تُلجئ إلى هذا وتدعو إليه.

الحديث الآخر فيه النَّهي عن المغالاة في الكفن: فإنه يُسلب سريعًا؛ لأن التَّعنت في أعلى جنسٍ وأحسن جنس ..... يكفي الوسط، الخام الوسط المناسب من الخام الأبيض يكفي، ولا يتحرى أحسن شيءٍ وأرفعه في الثمن، لا، لا حاجة إلى هذا، وإنما مصيره إلى الدود، وإلى الزوال في القبر، فلا حاجةَ إلى التَّكلف والمغالاة.

الحديث الآخر حديث عائشة وأسماء في تغسيل الزوجة زوجها والزوج زوجته: هذا يدل على تغسيل الزوج لزوجته: لو متِّ قبلي لغسَّلتُكِ، وتغسيل عليٍّ لزوجته فاطمة، وتغسيل أسماء بنت عميس لزوجها الصديق، كما جاء في الحديث المعروف الثابت، كذلك قول عائشة: "لو استقبلتُ من أمري ما استدبرتُ ما غسَّل النبيَّ إلا أزواجه".

كل هذا واضح في جواز تغسيل أحد الزوجين صاحبه، وهو يُفهم من ..... ما لا يعرفه غيره، فكونه قُطعت العلاقة بالموت لا ينفي التَّغسيل؛ لأنه قد بقيت علاقة عظيمة وهي العدة، وهي تعرف منه ما لا يعرفه غيرها، ويعرف منها ما لا يعرف غيره، فاطِّلاعه على عورتها أولى من اطلاع غيره، واطلاعها على عورته أولى من اطلاع غيرها من الغاسلات والغاسلين؛ ولهذا جاء الشرعُ في جواز ذلك، ومَن أنكر ذلك فقد غلط وصادم النصوص، والله أعلم.

س: شُهداء غير المعركة؟

ج: بالنص يُصلَّى عليهم، فلا يجب تركه إلا في شُهداء المعركة فقط، أما الحريق والغريق وصاحب الهدم والمطعون -صاحب الطاعون- كلهم يُصلَّى عليهم.

س: ...............؟

ج: ليس بجيدٍ؛ لأنَّ عمر ممن قُتلوا وغُسِّلوا، غسَّلهم الصَّحابة.

س: شهداء غير المعركة يُغسَّلون ويُصلَّى عليهم ويُدفنون جميعًا، وإلا كل واحدٍ لحاله؟

ج: نعم، كل واحدٍ لحاله إذا تيسر.

س: ............؟

ج: نعم إذا تيسر، السنة كل واحدٍ لحاله.

مداخلة: حديث عائشة في أبي داود معي في ..... عليه الصلاة والسلام، يقول في "عون المعبود" في الجزء الثامن: (بَابٌ فِي سَتْرِ الْمَيِّتِ عِنْدَ غَسْلِهِ).

الشيخ: الترجمة هكذا؟

الطالب: نعم.

الشيخ: في الجنائز؟

الطالب: نعم.

الشيخ: سبحان الله! كيف خفي على عبد الفتاح، أقول: بعض الناس إذا قرأ ما يكون عنده دقَّة.

الطالب: يقول: حَدَّثَنَا النُّفَيْلِيُّ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ: حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ عَبَّادٍ، عَنْ أَبِيهِ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِاللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ: سَمِعْتُ عَائِشَةَ تَقُولُ: لَمَّا أَرَادُوا غَسْلَ النَّبِيِّ ﷺ قَالُوا: وَاللَّهِ مَا نَدْرِي: أَنُجَرِّدُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ مِنْ ثِيَابِهِ كَمَا نُجَرِّدُ مَوْتَانَا، أَمْ نَغْسِلُهُ وَعَلَيْهِ ثِيَابُهُ؟ فَلَمَّا اخْتَلَفُوا أَلْقَى اللَّهُ عَلَيْهِمُ النَّوْمَ، حَتَّى مَا مِنْهُمْ رَجُلٌ إِلَّا وَذَقْنُهُ فِي صَدْرِهِ، ثُمَّ كَلَّمَهُمْ مُكَلِّمٌ مِنْ نَاحِيَةِ الْبَيْتِ، لَا يَدْرُونَ مَنْ هُوَ: "أَنِ اغْسِلُوا النَّبِيَّ ﷺ وَعَلَيْهِ ثِيَابُهُ"، فَقَامُوا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَغَسَلُوهُ وَعَلَيْهِ قَمِيصُهُ، يَصُبُّونَ الْمَاءَ فَوْقَ الْقَمِيصِ وَيُدَلِّكُونَهُ بِالْقَمِيصِ دُونَ أَيْدِيهِمْ.

وَكَانَتْ عَائِشَةُ تَقُولُ: لَوِ اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ مَا غَسَلَهُ إِلَّا نِسَاؤُهُ.

الشيخ: هذا سند جيد لا بأس به، فيه ابن إسحاق، ولكنه صرح بالسماع، فزالت العلة، أيش قال الشَّارح؟

الطالب: قال الشارح: وَفِي الباب عن بُريدة عند ابن مَاجَهْ وَالْحَاكِمِ وَالْبَيْهَقِيِّ، قَالَ: لَمَّا أَخَذُوا فِي غُسْلِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ ناداهم منادٍ من الداخل: "لا تنزعوا عن النَّبِيِّ ﷺ قَمِيصَهُ".

ثم قال بعد ذلك: وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ فِي غَيْرِ "صَحِيحِهِ" مِنْ حَدِيثِ بُرَيْدَةَ بْنِ الْحصيبِ قَالَ: لَمَّا أَخَذُوا فِي غسْلِ النَّبِيِّ ﷺ نَادَاهُمْ مُنَادٍ مِنَ الدَّاخِلِ: "لَا تَنْزِعُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ قَمِيصَهُ".

قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: تَفَرَّدَ بِهِ عَمْرُو بْنُ يَزِيدَ عَنْ عَلْقَمَةَ. هَذَا آخِرُ كَلَامِهِ.

وَعَمْرُو بْنُ يَزِيدَ هَذَا هُوَ أَبُو بُرْدَةَ التَّمِيمِيُّ، لَا يُحْتَجُّ بِهِ، وَفِي إِسْنَادِهِ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ يَسَارٍ، وَقَد تقدم الكلام عليه.

الشيخ: هذا فيه ..... يعني: ما عنده في هذا دقَّة، يقول: فيه ابن إسحاق وفقط، وقد تقدم الكلامُ عليه. فالواجب أن يُفصل.

الطالب: ذكر هنا يقول: وقال السندي.

الشيخ: خلِّ السندي، أنا أقول: ..... دائمًا يقول هذا الكلام، وهو غلط، ينبغي أن يقول: وفيه ابن إسحاق، وقد صرَّح بالسماع فزالت العلةُ، أو عنعن فالعلة موجودة. أما أن يقول: وفيه ابن إسحاق، ويسكت، وقد تقدم الكلامُ عليه! هذا ما يشفي الطالب، ولا يشفي المراجع، بل ينبغي أن يُحرر المقام .....

الطالب: وقال السندي: حديث محمد بن إسحاق هذا إسناد صحيح، ورجاله ثقات، ومحمد بن إسحاق قد صرَّح بالتحديث.

س: ............؟

ج: يصير ضعيفًا، لا بدَّ من طريقٍ آخر يعضده.

................

ثم أمر بالصلاة عليهم، فدلَّ ذلك على أنَّ المحدود يُغسَّل ويُكفن ويُصلَّى عليه، كما أمر بذلك النبيُّ ﷺ، وأن تعاطيه الزنا لا يمنع من ذلك لأمرين:

أحدهما: أن الزنا معصية، وليس كفرًا، والكافر هو الذي لا يُصلَّى عليه، أما المسلم فيُصلى عليه وإن كان عاصيًا.

والأمر الثاني: أنهم جاءوا تائبين، والتوبة تمحو ما قبلها، والحدود تُكفر بها السيئات؛ فلهذا كانوا من أحقِّ الناس بالصلاة عليهم، وجاء في قصة الغامدية أنَّ الرسول لما قام عليها قام إليه عمرُ وقال: يا رسول الله، أتُصلي عليها وقد زنت؟! فقال: يا عمر، لقد تابت توبةً لو قُسمت بين سبعين من أهل المدينة لوسعتهم، وهل وجدت أفضل من أن جادت بنفسها لله ؟! فإنها تقدمت مُعترفة بأنها زنت، وطلبت من النبي أن يُقيم عليها الحد، كانت حُبلى فأجَّلها حتى تضع، ثم أجَّلها حتى تفطم صبيها، ثم أمر برجمها عليه الصلاة والسَّلام.

وفيه عنايته ﷺ بهؤلاء، وبيان ما لهم عند الله من الخير بسبب التوبة، وكونه باشر الصلاة على المرأة فدلَّ ذلك على أنَّ هؤلاء المبتلين بالحدود يُصلَّى عليهم، ولا سيما إذا جاءوا تائبين، فإنَّ التوبة تجبّ ما قبلها، والحد كفَّارة.

س: الحد كفَّارة وإن لم يُقلع؟

ج: الحد كفَّارة لما مضى، إذا ..... يكون كفَّارةً لما مضى، لكن لو رجع أُخذ بالجديد، نسأل الله السلامة.

وفيه من الفوائد: مراجعة المفضول للفاضل لما قد يظنّ أنه غفل عنه أو سها فيه، ولو كان الفاضلُ عظيمًا وعالمًا جليلًا، فإنَّ الرسول ﷺ هو أفضل الخلق وأعلمهم بشرع الله، ومع هذا راجعه عمر في هذه القصة، وراجعه في قصة عبدالله بن أُبي، وراجعه في مسألة الأسرى يوم بدر، وفي مواضع كثيرةٍ، فدلَّ ذلك على جواز مثل هذا؛ لأنه ﷺ لم يَنْهَ عن هذه المراجعة، ولم يقل له: لأيش تُراجع؟! لأيش تسأل؟! فدلَّ ذلك على أنَّ هذه الأمور لا بأس بها.

والنبي ﷺ وضَّح الأسباب، لما سأل وضَّح الأسباب، فقال في قصة ابن أُبي قال: لو أعلم أنه يُغفر له لو زدتُ على السبعين لزدتُ على السبعين، حتى نهى الله عن الصلاة على المنافقين. وفي الغامدية قال: لقد تابت توبةً بيَّن له الأسباب عليه الصلاة والسلام.

فالحاصل أنَّ مراجعة طالب العلم للعالم والمفضول للفاضل في المسائل الدينية وما يظنّ أنه يُخشى أن يكون وهم فيه أو غلط فيه، كل هذا لا بأس به، بل مما جاء به الشرع؛ لأنَّ الإنسان مهما كان عالمًا ومهما كان فاضلًا فقد يسهو، وقد يغفل، وقد يفوته بعض العلم.

وفي حديث جابر بن سمرة: أنه ﷺ ترك الصلاةَ على القاتل الذي قتل نفسه، أخذ منه أهل العلم أنَّ هذه الجريمة العظيمة جديرٌ بصاحبها أنه لا يُصلَّى عليه من الأعيان والكُبراء؛ زجرًا لأمثاله عن تعاطي هذه الجريمة، مثلما أنَّ النبي ﷺ في أول الأمر ترك الصلاة على أصحاب الدَّين، وأمر أهليهم أن يُصلوا عليهم، وقال: صلوا على صاحبكم، ثم لما وسَّع الله صار يقضي عنهم ويُصلي عليهم عليه الصلاة والسلام.

فهكذا هنا: مَن أظهر المعاصي الكبيرة إذا تركه أهلُ العلم، أو تركه الرئيس الإمام، أو أمير البلدة أو قاضيها زجرًا لأمثاله فهذا حسنٌ.

وفي روايةٍ أخرى قال: أما أنا فلا أُصلي عليه دلَّ على أنه يُصلَّى عليه، يُصلي عليه بعض المسلمين؛ لأنه مسلم، وقد جاءت أحاديث كثيرة تدل على أنَّ كل مسلمٍ يُصلَّى عليه وإن كان عاصيًا، وإن كان في أسانيدها مقال، لكن مجموعها وشواهدها يدلّ على ذلك.

ثم صلاته على مَن يُقدم من المسلمين إليه وعدم سُؤاله: هل هو عدل أو عاصٍ ..... عن ذلك يدل على هذا الأمر، وهذا الأصل: كونه يُصلي على مسلمٍ ولو كان عنده معاصٍ، بدليل أنه ﷺ لم يكن يُفتش عنهم ويقول: هل هو مستقيم أو غير مستقيم؟ بل يُصلي عليهم متى قُدِّموا، وللأدلة الأخرى الكثيرة، وإن كان فيها ضعف: صلوا على مَن قال: لا إله إلا الله.

والحديث الثالث: حديث أبي هريرة في قصة جارية خادمة سوداء كانت تقمّ المسجد. وفي رواية: أنه كان خادم ذكر يقمّ المسجد فمات. وفي روايةٍ: أنه مات في الليل، فكرهوا أن يُوقظوا النبيَّ ﷺ لذلك، وصغروا أمره، وصلوا عليه ودفنوه، فلم يشعر النبيُّ ﷺ بذلك، فلما أصبح وسألهم قال: أفلا كنتم آذنتُموني؟، ثم قال: دلوني على قبرها، فدلُّوه على قبرها، وصلَّى عليه.

هذا يدل على تواضعه ﷺ وعنايته بالمسلمين -صغيرهم وكبيرهم- واحترامه لهم، ورفعه من شأنهم، ولا سيما مَن كان يقوم بعملٍ صالحٍ، وإن كان ذلك العمل يزهد فيه الأكثرون، ويحتقره الأكثرون، لكنه عمل صالح، فإن صاحبه جدير بأن يُقدر ويُعتنى به ويُرفع من شأنه؛ حتى لا يزهد الناسُ في أعمال الخير التي يترفع عنها الكثير من الناس: ككنس المسجد، وتنظيف المسجد، وتنظيف الطرقات، وأشباه ذلك.

فخرج عليه الصلاة والسلام وصلَّى عليها، فدلَّ ذلك على تواضعه، ودلَّ ذلك على أن هؤلاء ينبغي ألا يُحتقروا، ينبغي أن يُلاحظوا، وأن يُعتنى بهم.

وفيه فضل كناسة المسجد وقمامته والعناية به، وأنَّ هذا من الأعمال الصَّالحة، وقد جاء في الحديث: عُرضت عليَّ أجور أمتي، حتى القذاة يُخرجها الرجلُ من المسجد، عموم شعب الإيمان: إزالة الأذى عن الطريق، إذا كان من شعب الإيمان: إزالة الأذى عن الطريق، فمن باب أولى إزالتها عن المسجد الذي هو محل العبادة واجتماع المصلين.

وفيه الصلاة على القبر، شرعية الصلاة على القبر، وقد جاء في هذا عدة أحاديث تدل على الصلاة على القبر، وأنها تُشرع الصلاة في القبر لمن لم يتيسر له الصلاة على الميت، وقد صلَّى على جنازة أم سعد وقد مضى عليها شهر، وهذا أكثر ما ورد، فالأصل أنه لا يُصلَّى على القبور، وإنما يُصلَّى على الجنائز، لكن إذا كان القبرُ حديثًا كالشهر ونحوه فلا بأس أن يُصلَّى عليه، أما ما زاد فالأصل عدم ذلك.

أما صلاته على قتلى أحدٍ في آخر حياته: فيحتمل أنه أراد بذلك الدُّعاء لهم، مثل: دعاء الجنازة، كما قاله جماعةٌ من أهل العلم، وأنه صلى عليهم، يعني: دعا لهم دعوات تُشبه دعوات النبي في الجنازة، ويحتمل أنَّ هذا خاصٌّ به ﷺ، يُودع الأحياء والأموات بالصلاة والدعاء؛ لأنه ﷺ لم يُحفظ عنه أنه صلَّى على ميتٍ بعد شهرٍ على قبره.

والحديث الرابع حديث حذيفة، والخامس حديث أبي هريرة في النَّجاشي:

حديث حذيفة يدل على كراهة النَّعي الذي تعتاده الجاهلية، وحديث النَّجاشي يدل على النَّعي الذي هو الإخبار بموت الإنسان ليحضره المصلون، ويحضره مُحبُّوه وقراباته، الثاني جائز، والأول ممنوع: ما اعتاده الجاهلية من إركاب مطيَّة تجوب القبائل وتقول: مات فلان، مات فلان، تنعاه له، ويُشبه ذلك ما يُشبهه من الوقوف على الملائذ وعلى المواضع العارية ويُقال: مات فلان، تشبه بالجاهلية، هذا هو الذي يُكره ويُنهى عنه، أما الإخبار عن موته في الصُّحف أو في الكتب المؤلفة: مات في كذا، وفي سنة كذا، فهذا لا بأس به، من باب الخبر، وليس من باب النَّعي المكروه؛ لأنه جعلوه ..... مثل جعله في الكتاب، وكذلك إخباره بالإذاعة، وإخباره في المسجد، أو في البيت، أو في الطريق، ليس من جنس أمر الجاهلية.

وحديث أبي هريرة في قصة النَّجاشي يدل على هذا؛ لأنَّ الرسول خرج على الناس وأخبرهم أنه مات النَّجاشي، وصلَّى بهم عليه عليه الصلاة والسلام، قال: إنَّ أخاكم قد مات، فصفَّ بهم وصلَّى عليه، كبَّر عليه أربعًا عليه الصلاة والسلام.

فدلَّ ذلك على الصلاة على الغائب، وأنه يُصلَّى عليه كما يُصلَّى على الحاضر، ويُكبر عليه أربع كما يُكبر على الحاضر، وهذا آخر ما استقرَّ عنه عليه الصلاة والسلام من التَّكبير على الجنائز، وأنه يُكبر عليها أربع.

وقد ورد أنه كبَّر خمسًا، كما في حديث زيد بن أرقم عند مسلم، وجاء عن عليٍّ أنه كبَّر على ..... ستًّا، وقال: إنه بدري، كما يأتي إن شاء الله بيان ذلك.

الحاصل أنَّ أقلَّ ما ورد في هذا أربع تكبيرات، وذهب أكثرُ أهل العلم إلى أنَّ هذا هو السنة، وهو الذي استقرت عليه السنة: أربع تكبيرات على الجنائز، وأنه يُصلَّى على الغائب لفعل النبي ﷺ في صلاته على النَّجاشي.

والنَّجاشي هو ملك الحبشة، أسلم قديمًا على يد جعفر بن أبي طالب وأصحابه لما هاجروا إليه، وناصرهم وحماهم وأيَّدهم وأكرمهم، ثم تُوفي رحمه الله والنبي في المدينة، فصلَّى عليه عليه الصلاة والسلام، وفيه دلالة على أنَّ مثله وأشباهه يُصلَّى عليه: كالعالم الكبير، والقائد الكبير المسلم، وأشباه ذلك ممن له شأن في الإٍسلام.

أما الصلاة على العموم لا، لا تُشرع الصلاة على العموم، صلاة الغائب على العموم لا؛ لعدم الدليل، وقد مات في عهد النبي ﷺ جمٌّ غفير في مكة، وفي غير مكة، وفي المغازي، ولم يُحفظ أنه صلَّى على أحدٍ غير النَّجاشي، فدلَّ ذلك على أنه لا يُصلَّى على كل حالٍ صلاة الغائب، وإنما يُصلَّى على خواصِّ الناس، هذا هو الأظهر، والله أعلم.

س: ..............؟

ج: يُعلَّم، ويُصلي على النبي في الثانية، ويدعو في الثالثة بما تيسر، الحمد لله، مَن عرف الفاتحة عرف ما دونها من باب أولى، إذا كبَّر الثانية يُصلي على النبي ﷺ مثلما يُصلي في الصلاة، وإذا كبَّر في الثالثة يدعو للميت بالمغفرة والرحمة، وإذا تيسر تحفيظه بعض ما ورد فحسن.

س: حديث بُريدة في قصة الغامدية: إذا كان الزاني لم يعترف، وإنما ثبت بالشهود، هل يُصلِّي عليه العالم؟

ج: نعم يُصلي عليه؛ لأنَّ الحدَّ كفَّارة.

س: الذين قالوا في قصة النَّجاشي أنه لم يُوجد مَن يُصلي عليه؟

ج: ما عليه دليل، بعيد، مثلما قال ابنُ القيم رحمه الله؛ لأنه ملك عظيم، يُسلم ولا يُسلم معه أحد من رعيته؟! هذا من أبعد الأشياء، أو يقال: مستحيل .....، ومعروف أنَّ العادة الغالبة والمقطوع بها أنَّ الملوك إذا أسلموا يتبعهم بعضُ خواصِّهم.

س: النَّجاشي تابعي أو صحابي؟

ج: لا، تابعي مخضرم؛ لأنه ما لقي النبيَّ ﷺ، تابعي من كبار التابعين والمخضرمين.

س: ما الفرق بين الخبر والنَّعي؟

ج: النَّعي هو الخبر، لكن إذا كان على رؤوس الأشهاد على طريقة الجاهلية صار نعيًا مكروهًا، وإذا كان الخبر العادي كان نعيًا مباحًا، النعي المنهي عنه هو النعي الذي يفعله الجاهلية، أما النعي المباح الذي فعله النبيُّ هو مجرد الخبر بموت فلان.

س: هل الذي يكتبوه في الجرائد يُعتبر من التَّعزية؟

ج: قد يكون من باب الخبر، وقد يكون فيه تعزية بعض الأحيان، قد يُعزون، وقد لا يُعزون، لكن الغالب أنه يكون خبرًا أو ترجمةً له وثناءً عليه.

س: عندنا بعض العادات: أنه إذا مات أحد كبار السن يُعلن ..... قد مات حتى يُصلوا عليه في هذا المسجد، أو في أي مسجدٍ آخر، يقولون: إنه قد مات؛ حتى يُصلَّى عليه؟

ج: ما في شيء، هذا مثلما فعل النبي، من جنس النَّجاشي، وأخبر النبي الصحابة حتى جاءوا وصلّوا عليه.

..............

س: .............؟

ج: الذي يظهر أنه من باب النَّعي المنهي عنه؛ لأنَّ الحاجة تدعو إلى هذا الإخبار عن الأشخاص الكبار والعلماء الكبار وأشباههم .....

س: ..............؟

ج: هذا غلط يُنبه عليه، كذلك: المرحوم والمغفور له، ما ينبغي هذا؛ لأنَّ أهل السنة والجماعة يقولون: لا يُقطع لأحدٍ بجنةٍ ولا نارٍ إلا مَن شهد له الرسول ﷺ.

س: هذا خبر بمعنى الدُّعاء: المرحوم؟

ج: ما هو بظاهرٍ، ليس بظاهر القطع: فلان المرحوم، وفلان المغفور له، خبر مجزوم به، يقال بدلًا منه: رحمه الله، غفر الله له.

س: بعض البنوك الربوية يكتبون على ..... يكتبون عليه: إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا [الفتح:1]، هل يدخل هذا في الاستهزاء بالقرآن؟

ج: لا، ما يظهر أنه استهزاء، لكن منكر؛ لأنَّ الفتح المبين في نصر الدين، وهذا ضد الدين، البنوك ضد الدين، لكن مساكين! لبَّس عليهم، أو يكتبه مَن لا يعقل ولا يفهم، المراد لأنَّ الفتح يعني للمسلمين، يعني: يُعينهم وينفعهم، وغفل عما فيه من الشر.

س: كذلك قولهم: الشهيد فلان؟

ج: إذا كان في سبيل الله يقال: شهيد، والله أعلم بما في القلوب، أما أن يقولوا: شهيد، وهم لا يدرون عنه: في سبيل الله، أو ما هو في سبيل الله، ما ينبغي هذا، أما إذا كان في قتال المسلمين أو مظلوم يُسمَّى: شهيدًا، والله أعلم بحاله، أو مات في طاعونٍ يُسمَّى: شهيدًا، أو مات في البطن يُسمَّى: شهيدًا، أو مات في الهدم يُسمَّى: شهيدًا، كما سمَّاه النبي ﷺ.

س: ...........؟

ج: ما أدري والله، يُراجع، يُراجع، أقول: ما أتذكر الآن.

558- وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: سَمِعْتُ النَّبِيَّ ﷺ يَقُولُ: مَا مِنْ رَجُلٍ مُسْلِمٍ يَمُوتُ، فَيَقُومُ عَلَى جَنَازَتِهِ أَرْبَعُونَ رَجُلًا لَا يُشْرِكُونَ بِاللَّهِ شَيْئًا؛ إِلَّا شَفَّعَهُم اللَّهُ فِيهِ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

559- وَعَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ قَالَ: صَلَّيْتُ وَرَاءَ النَّبِيِّ ﷺ عَلَى امْرَأَةٍ مَاتَتْ فِي نِفَاسِهَا، فَقَامَ وَسْطَهَا. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

الشيخ: .............

560- وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: وَاللَّهِ لَقَدْ صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَلَى ابْنَيْ بَيْضَاءَ فِي الْمَسْجِدِ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

561- وَعَنْ عَبْدِالرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى قَالَ: كَانَ زَيْدُ بْنُ أَرْقَمَ يُكَبِّرُ عَلَى جَنَائِزِنَا أَرْبَعًا، وَإِنَّهُ كَبَّرَ عَلَى جَنَازَةٍ خَمْسًا، فَسَأَلْتُهُ فَقَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يُكَبِّرُهَا. رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالْأَرْبَعَةُ.

562- وَعَنْ عَلِيٍّ : أَنَّهُ كَبَّرَ عَلَى سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ سِتًّا، وَقَالَ: إِنَّهُ بَدْرِيٌّ. رَوَاهُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ. وَأَصْلُهُ فِي الْبُخَارِيِّ.

الشيخ: الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله.

أما بعد: فهذه الأحاديث كلها تتعلق بالجنائز أيضًا:

الأول حديث ابن عباسٍ رضي الله تعالى عنهما: أنَّ النبيﷺ قال: ما من رجلٍ مسلمٍ يموت، فيقوم على جنازته أربعون رجلًا لا يُشركون بالله شيئًا؛ إلا شفَّعهم الله فيه.

وهذا فضل عظيم ورحمة من الله : أن الجنازة المسلمة إذا قام عليها أربعون رجلًا من المسلمين، لا يُشركون بالله شيئًا، يدعون الله له بالمغفرة والرحمة؛ شفَّعهم الله فيه، وهذا فضل عظيم، وخير كبير، ويُرجى فيه للمسلم العاقبة الحميدة في شفاعة هؤلاء؛ حتى يُجار من النار، وحتى يُغفر له.

وفي رواية مسلم عن عائشة: ما من ميتٍ يموت فيقوم على جنازته أمةٌ من الناس يبلغون مئةً، كلهم يشفعون فيه؛ إلا شفَّعهم الله فيه.

وفي هذا جاء من حديث ابن عباس: "أربعون".

قال أهلُ العلم: لعلَّ هذا كان أولًا، ثم تفضل الله وجعل الأربعين يقومون مقام المئة في أول الشَّفاعة، وأن هذا من فضله .

وبكل حالٍ، فالحديثان وما جاء في معناهما يدلان على استحباب كثرة الجمع على الجنائز، وأن الجمع متى زاد ومتى كثر كان أقرب إلى قبول شفاعتهم لأخيهم، ورحمة الله له بأسبابهم.

وفي حديث مالك بن هُبيرة عند أبي داود والترمذي وابن ماجه، بإسنادٍ فيه ابن إسحاق، وقد عنعن: أنَّ النبي عليه الصلاة والسلام قال: ما من مسلمٍ يقوم على جنازته ثلاثةُ صفوفٍ إلا أوجب يعني: وجبت له الجنة.

وكان مالك بن هبيرة رحمه الله ورضي الله عنه إذا استقلَّ الناسَ جعلهم ثلاثة صفوفٍ، وجزَّأهم ثلاثة صفوفٍ رجاء هذا الفضل وهذا الخير.

والحديث هذا سنده جيد، لولا عنعنة ابن إسحاق؛ فإنه رواه عن يزيد بن أبي حبيب بالعنعنة، ولم يُصرح بالسماع، وإذا صرَّح بالسماع في روايةٍ استقام إسناده، لكن لم أقف على أنه صرح بالسماع.

والحاصل أنَّ كثرة الناس على الجنازة من المسلمين من أسباب المغفرة لها، ومن أسباب سلامتها، وهذه الخصلة من الخصال التي تفضل الله بها على عباده، فجعل دعاء المؤمنين من أسباب المغفرة، وجعل الصلاة عليهم من أسباب المغفرة، وجعل كثرة العدد من أسباب المغفرة، وجعل القيام على قبره من أسباب المغفرة، إلى مسائل أخرى، فإنه شرع للعباد طرقًا كثيرةً ووسائل متعددةً في طلب المغفرة، وفي الإحسان إلى الناس، ولا سيما المسلم، فهذا من فضله وكرمه ، فلا يهلك على الله إلا هالكٌ، ولا حول ولا قوة إلا بالله، ولا يمنع أن يكون بعضُ المسلمين يُعاقب على ما مات عليه من الكبائر بالنار لأسبابٍ: إما أنه لم يُصلِّ عليه هذا العدد، أو صلوا عليه، ولكن لم تتوافر فيهم الشروط من كونهم مسلمين، أو لأسبابٍ أخرى منعت قبول دعائهم في هذا الرجل.

والحديث الثاني حديث سمرة: أن النبي ﷺ صلَّى على جنازةٍ فقام وسطها، امرأة في نفاسها فقام وسطها.

هذا يدل على أنَّ المرأة يُصلَّى عليها كما يُصلَّى على الرجل، وأنها يُصلَّى عليها وإن كانت في النِّفاس أو في الحيض كما لو ماتت طاهرةً: تُغسَّل وتُكفن ويُصلَّى عليها كغيرها من الطَّاهرات.

وفيه اختلاف الموقف بين الجنازة: فالمرأة يُوقف عند وسطها، والرجل عند رأسه، كما روى أبو داود والترمذي وابن ماجه وأحمد وغيرهم بإسنادٍ جيدٍ عن أنسٍ : أن النبي عليه السلام كان إذا وقف على جنازةٍ وقف عند رأس الرجل، وعند وسط المرأة.

وفي لفظ أبي داود: عند عجيزتها. وهذا مقارب؛ لأنَّ الواقف عند الوسط واقف عند العجيزة، والوقفة متقاربة.

فالحاصل أن السنة الوقوف عند رأس الرجل، لا عند الصدر كما يقول بعضُ الفقهاء، بعض الفقهاء قالوا: عند صدره. وهذا لا وجهَ له، ولا دليلَ عليه، وإنما الصواب أن الوقفة تكون عند الرأس -عند رأس الرجل- حذاءه، وعند وسط المرأة كما في حديث سمرة هذا، وكما في حديث أنسٍ، هذا هو الأفضل، وهذا هو السنة، وكيفما وقف في أي جزءٍ منه كفى، لكن هذا هو الأفضل.

والحديث الثالث حديث عائشة أيضًا رضي الله عنها: أنَّ النبي ﷺ صلَّى على ابني بيضاء في المسجد.

وهذا يدل على جواز صلاة الجنازة في المسجد، وأنه لا حرج في ذلك، وإن كان في الغالب يُصلي على الجنازة في المصلَّى، كما يُصلي العيد في المصلَّى.

والسر في ذلك والله أعلم أنَّ الجنائز قد يكثر معها الأتباع؛ فلهذا صلَّى عليها في المصلَّى، وربما صلَّى على بعضها في المسجد، كما صلَّى على ابني بيضاء في المسجد، وصُلِّي على النبي في المسجد، وعلى الصديق، وعلى عمر في المسجد، فلا بأس بالصلاة على الميت في المسجد، وإن جُعل مصلًّى حول المسجد أو في وسط البلد يُصلَّى فيه على الجنائز فهذا حسن، ..... مصليات على حسب اتساع البلد فهذا حسنٌ.

وقد أنكر بعضُ الناس على عائشةَ؛ فإنها لما بلغها وفاةُ سعد بن أبي وقاص في آخر حياتها، فإنه مات سنة ستٍّ وخمسين، وهي ماتت بعده سنة سبعٍ وخمسين أو ثمانٍ وخمسين، فلما بلغها وفاتُه طلبت إحضاره للمسجد حتى تُصلي عليه، فأحضروه، وصلَّى عليه الناس في المسجد، وصلَّت عليه عائشة في المسجد، فأنكر بعضُ الناس ذلك قالوا: لماذا لم يُصلَّ عليه في المصلَّى؟! فقالت: سبحان الله! ما أسرع ما نسي الناس! وهل صلَّى رسولُ الله على ابني بيضاء إلا في المسجد؟!

والحديث الرابع حديث زيد بن أرقم الأنصاري : أن النبي ﷺ كان يُكبر على الجنائز أربعًا، وكان زيد يُكبر على الجنائز أربعًا، وأنه كبَّر على جنازةٍ خمسًا، وسُئل عن ذلك فقال: كان النبيُّ يُكبرها.

فهذا يدل على أنه ﷺ ربما كبَّر خمسًا على الجنازة، ولكن الأغلب والأكثر أنه كان يُكبر أربعًا، وهكذا كبَّرها النَّجاشي كما تقدم أربعًا، وأتى على قبرٍ فصلَّى عليه وكبَّر أربعًا، هذا هو الأكثر والأصح والأثبت عن النبي ﷺ: التكبير أربع فقط، وهو الذي عليه جمهور أهل العلم وأكثرهم.

وقال بعضُ أهل العلم: إنه استقرت السنةُ على هذا، استقرَّ المسلمون على هذا، ويجوز أن يُكبَّر على الجنازة خمسًا وستًّا كما فعل عليّ ..... يجوز هذا، ولكن الأفضل الاقتصار على أربعٍ.

وقال بعضُهم: ولعلَّ هذا هو الآخر من فعله عليه الصلاة والسلام.

ويُروى أنَّ عمر لما رأى بعض الاختلاف جمع الناس واستشارهم في ذلك، واستقرَّ الرأي على الأربع وعدم الزيادة؛ حذرًا من الاختلاف، وهذا هو الأولى والأفضل: أن يقتصر على الأربع؛ لأنَّ هذا هو الأثبت عن النبي ﷺ، ورواه الشيخان في قصة النَّجاشي، ورواه الشيخان أيضًا في قصة صلاة النبي على القبر، من حديث ابن عباسٍ، فهو أثبت ما قيل في ذلك.

والله أعلم.

س: وضع الميت أمام الإمام .....؟

ج: ما أذكر فيه إلا حديث أبي هريرة: الكعبة قبلتكم أحياءً وأمواتًا، فهذا يعمّ وضعه في البيت بعد الموت، ووضعه في النَّعش عند الصلاة، ووضعه في الأرض قبل الدفن، ووضعه في القبر ..... إلى القبلة، على جنبه الأيمن إلى القبلة، هذا هو الأولى؛ أخذًا بالعموم، والأمر في هذا واسع إن شاء الله، أما في اللَّحد ..... على جنبه الأيمن إلى القبلة، وأما في حال نقله من مكانٍ إلى مكانٍ فهذا الأمر فيه واسع إن شاء الله، لا أعلم فيه شيئًا، لكن إذا رُوعي فيه .....: الكعبة قبلتكم أحياءً وأمواتًا فلا حرج؛ أخذًا بالعموم، ولكن قد لا يستقر في النَّعش إذا كان على جنبه إلا بضبطٍ وعنايةٍ، فإذا كان على ظهره أثبت له على النَّعش وأبعد عن سقوطه.

س: .............؟

ج: لا، ما هو ..... أولًا يحتاج إلى نظرٍ في صحة الأسانيد، فإن صحَّت فهذا يدل على أنهم رأوا هذا أخيرًا للمصلحة، ولا يكون في حكم .....

س: ............؟

ج: يُوضع على جنبه الأيمن إلى القبلة.

س: ............؟

ج: لا، ما له أصل، الوجه مستور....

......

س: ...... يجيبون لبنةً ويحطونها تحت .....

ج: لا، السنة أن يُوضع على جنبه الأيمن، ويُجعل من التراب ونحو ذلك ما يحفظه؛ حتى يستقيم إذا كان فيه سعة، وإلا الغالب أن يكون اللَّحدُ بقدر ما ينحرف .....، أقول: أنَّ الغالب أن اللَّحد يكون قدره فلا ينحرف، لكن لو قُدِّر اللحد فيه سعة فيُجعل شيء خلفه حتى لا ينحرف، ويكون على ظهره، ولا ينكب على وجهه أيضًا.

س: ............؟

ج: لا، ما ينبغي، ينبغي أن يكون بينه وبين المسجد مسافة؛ حتى يجتمع أهلُ الحارة، يكون مسجدًا واحدًا، ويحصل بلقائهم واجتماعهم خير كثير؛ حتى يتسنى للوعاظ والمذكرين أن يعمّوا الكثير من المساجد، فإذا كثرت المساجد قلَّ إيصال الوعظ إليها، إذا قلَّت صار أقرب إلى أن يصلهم الوعظ والتذكير، ويحصل لهم التَّلاقي الكثير والتَّعاون والتَّعارف، ولكن في الوقت الحاضر كثر كسل الناس وتثاقلهم عن الصلاة في الجماعة؛ فلهذا نشط الناسُ في كثرة المساجد في الحارات، زعموا أنَّ هذا أنشط للناس في حضور الجماعة، وأقرب إلى أن يتقدَّموا ولا يكسلوا، وفي كل حالٍ، ينبغي أن يكون بينهم مسافة مناسبة.

س: .............؟

ج: ما أحفظ فيها شيئًا، أقول: ما بلغني في هذا شيء.

س: قضاء صلاة الجنازة إذا أدرك التَّكبيرتين الأخيرتين؟

ج: على القاعدة: ما أدركتُم فصلوا، وما فاتكم فاقضوا، ما أدركه أول صلاته: يُكبر ويقرأ، فإذا أدرك الثانيةَ يقرأ الحمد، فإذا كبَّر التكبيرة التي بعدها صلَّى على النبي، فإذا كبَّر وسلم الإمامُ كبَّر وقال: اللهم اغفر له وارحمه، ثم كبَّر وسلَّم قبل أن ينصرفوا، من غير إطالةٍ.

س: رفع الجنازة في الموضع الذي يُصلَّى عليها فيه على كرسيٍّ كبيرٍ أو نعشٍ؟

ج: ما أعلم في هذا، ما بلغني في هذا شيء، الأمر في هذا واسع إن شاء الله.