27 من حديث (ابن عمر رضي الله عنهما أنه كان يرمي الجمرة الدنيا, بسبع حصيات..)

764- وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: أَنَّهُ كَانَ يَرْمِي الْجَمْرَةَ الدُّنْيَا بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ، يُكَبِّرُ عَلَى أَثَرِ كُلِّ حَصَاةٍ، ثُمَّ يَتَقَدَّمُ، ثُمَّ يُسْهِلُ، فَيَقُومُ فَيَسْتَقْبِلُ الْقِبْلَةَ، فَيَقُومُ طَوِيلًا، وَيَدْعُو وَيَرْفَعُ يَدَيْهِ، ثُمَّ يَرْمِي الْوُسْطَى، ثُمَّ يَأْخُذُ ذَاتَ الشِّمَالِ فَيُسْهِلُ، وَيَقُومُ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ، ثُمَّ يَدْعُو فَيَرْفَعُ يَدَيْهِ وَيَقُومُ طَوِيلًا، ثُمَّ يَرْمِي جَمْرَةَ ذَاتِ الْعَقَبَةِ مِنْ بَطْنِ الْوَادِي، وَلَا يَقِفُ عِنْدَهَا، ثُمَّ يَنْصَرِفُ، فَيَقُولُ: هَكَذَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَفْعَلُهُ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

765- وَعَنْـهُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: اللَّهُمَّ ارْحَمِ الْمُحَلِّقِينَ، قَالُوا: وَالْمُقَصِّرِينَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ فِي الثَّالِثَةِ: وَالْمُقَصِّرِينَ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

766- وَعَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ وَقَفَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ، فَجَعَلُوا يَسْأَلُونَهُ، فَقَالَ رَجُلٌ: لَمْ أَشْعُرْ فَحَلَقْتُ قَبْلَ أَنْ أَذْبَحَ، قَالَ: اذْبَحْ وَلَا حَرَجَ، فَجَاءَ آخَرُ فَقَالَ: لَمْ أَشْعُرْ فَنَحَرْتُ قَبْلَ أَنْ أَرْمِيَ، قَالَ: ارْمِ وَلَا حَرَجَ، فَمَا سُئِلَ يَوْمَئِذٍ عَنْ شَيْءٍ قُدِّمَ وَلَا أُخِّرَ إِلَّا قَالَ: افْعَلْ وَلَا حَرَجَ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

767- وَعَن الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ نَحَرَ قَبْلَ أَنْ يَحْلِقَ، وَأَمَرَ أَصْحَابَهُ بِذَلِكَ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

768- وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: إِذَا رَمَيْتُمْ وَحَلَقْتُمْ فَقَدْ حَلَّ لَكُمُ الطِّيبُ وَكُلُّ شَيْءٍ إِلَّا النِّسَاءَ. رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَفِي إِسْنَادِهِ ضَعْفٌ.

769- وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: لَيْسَ عَلَى النِّسَاءِ حَلْقٌ، وَإِنَّمَا يُقَصِّرْنَ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ.

الشيخ: .............

هذه الأحاديث الستة فيما يُفعل يوم النحر: من الرمي، والنحر، والحلق.

ينبغي أن يُعلم أنَّ يوم النحر تجتمع فيه أعمال الحجِّ، وهو يوم الحجِّ الأكبر، وهو يوم العاشر من ذي الحجة، به الرمي -رمي الجمرة- وبه الطواف، وبه السعي، وبه النحر، وبه الحلق والتَّقصير، فيه أعمال الحجِّ، والنبي ﷺ رمى يوم النَّحر ونحر كما تقدم في حديث جابرٍ، قال: أما بعد ذلك فإذا زالت الشمسُ.

وفي حديث ابن عمر رضي الله عنهما المذكور هنا: أنه رمى الجمرات الثلاث في أيام منى:

رمى الأولى التي تلي مسجد الخيف، رماها بسبع حصيات، ثم تقدم أمامه وأسهل، يعني: ذهب إلى الإسهال في بطن الوادي؛ حتى يُوسع للرماة، وحتى لا يُؤذوه ولا يُؤذيهم، ثم استقبل القبلةَ ورفع يديه، وقام طويلًا يدعو.

ثم أتى الجمرة الثانية: الوسطى، فرماها بسبع حصياتٍ، ثم أخذ ذات الشمال عن يساره فأسهل، أبعد عن الرماة قليلًا، ثم استقبل القبلة ورفع يديه ودعا طويلًا، وقام طويلًا عليه الصلاة والسلام.

ثم أتى جمرة العقبة فرماها بسبع حصياتٍ من بطن الوادي، كما تقدم في حديث ابن مسعودٍ: من بطن الوادي، جعل البيت عن يساره، ومنى عن يمينه، ورماها مستقبل الشمال، وهو في واجهة الجنوب، ورماها بسبع حصياتٍ، ولم يقف عندها، بل رمى وانصرف.

وقال بعضُهم: الحكمة في ذلك أنَّ المكان ضيق يزدحم فيه الناس.

وقال بعضهم: الحكمة والله أعلم أنها منتهى الجمار، فأشبهت السلام، ما فيه موقف، فأشبهت السلام والتَّحلل من الصلاة، فلا يكون هناك موقف للدعاء.

وهذا الحديث يُبين لنا شرعية هذه الصِّفة، وقد روى هذا المعنى غير ابن عمر أيضًا كعائشة، وما أقلّ مَن يفعل هذا الذي ذكره ابن عمر، ومنه الوقوف عند الأولى والثانية، واستقبال القبلة، والدعاء طويلًا؛ لأمورٍ كثيرةٍ: منها الجهل، ومنها الزحام، ومنها غير ذلك.

فالحاصل أنَّ هذا هو السنة: السنة في أيام منى الثلاثة أن يرمي الجمار الثلاثة بعد الزوال، وأن يبدأ بمسجد الخيف، وهي التي في داخل منى، يبدأ بها ويرميها بسبع حصياتٍ مثل حصى الخذف المعروف، مثل بعر الغنم غير الكبير، ثم إذا فرغ من الرمي، السنة أن يُكبر مع كل حصاةٍ، ثم يتقدم أمامه ويسهل ويبتعد عن الرماة، ويرفع يديه ويستقبل القبلة ويدعو طويلاً، يسأل ربه من خيري الدنيا والآخرة، ثم يأتي الجمرة الثانية كذلك يرميها بسبع حصياتٍ، ثم يأخذ عن شماله ذات الشمال فيسهل ويرفع يديه ويقوم طويلًا ويستقبل القبلة، هذه السنة، ثم ينتهي إلى جمرة العقبة، وهي الأخيرة، وهي على حدِّ منى من جهة مكة، فيرميها بسبع حصياتٍ من جميع الجهات.

وكان الناس يرمونها من العقبة من فوق، فإذا وقع الرمي في الحوض كفى، ولو طار منه بعد ذلك، إذا وقع في الحوض ثم طار ما يضرّ، المهم أن يقع في الحوض.

ولما أُزيلت العقبة صعب الرمي من ورائها، لكن لو تيسر الرمي وقصر الجدار ووقع في الحوض كفى وأجزأ، كما أجزأ لما كانت العقبةُ، فلا بدَّ من العناية بهذا الأمر: أن يقع الرمي في الحوض للجمار كلها، وأن يتأكد من ذلك.

وكثير من الناس لا يُبالون، يرمون من بعيدٍ ولا يُبالون بما يقع، لكن الأصح والأرجح أنه إذا غلب على الظن وقوع الحصاة في المرمى كفى، وأن غلبة الظن هنا تقوم مقام العلم لصعوبة العلم.

وينبغي أن نعلم أنَّ هذا بعد الزوال عند جمهور أهل العلم، وهو قول الأئمة والجمهور، وخالفه بعض التابعين، وهو قول شاذٌّ، والرسول ﷺ رمى بعد الزوال وقال: خذوا عني مناسككم، فالواجب أن يكون الرمي بعد الزوال ولو كانت هناك رخصة، لكن الرسول ﷺ أطلع الناس إليها؛ لأنه رفيق بأمته، حريص على ما ينفعهم، ولا يشقّ عليهم، فلو كانت هناك رخصة لما أخَّرها، ولما تساهل فيها.

ومعلوم أنَّ الرمي في أول النهار فيه سهولة، وفيه سعة، فلو كان جائزًا لبادر إليه ولم يتحرَّ وقت المشقة، ولكنه ابتلاء وامتحان واختبار من ربنا في هذا الوقت، وهو يبتلي عباده بالسراء والضَّراء، والشدة والرخاء، كما ابتلاهم بالصوم قد يكون في شدة الحرِّ، وابتلاهم بالجهاد وفيه إزهاق النفوس؛ ليظهر أهلُ الصبر والصدق والإيمان والرغبة في الخير من غيرهم.

فلا يجوز لأحدٍ أن يقول: إنه يجوز الرمي قبل الزوال، وأنه إذا جاز يوم العيد جاز في أيام منى. هذا غلطٌ لا يقوله مَن يعقل، فهذه عبادات لا مجالَ للرأي فيها، فيوم العيد جاز فيه الرمي قبل الزوال وبعده، وسَّع الله فيه، وأما الأيام الأخرى فلا يجوز إلا بعد الزوال بالنصِّ من فعل النبي ﷺ.

وقد تتبعتُ هذا كثيرًا -زمنًا طويلًا- فلم أجد عن صحابيٍّ واحدٍ ما يدل على الرمي قبل الزوال: لا من قوله، ولا من فعله، كلهم يرمون بعد الزوال كما رمى النبيُّ عليه الصلاة والسلام.

الحاصل أنَّ الرمي قبل الزوال أمر لا يُجزئ، ولو قال به بعض التابعين، ولو قال به أبو حنيفة في يوم النفر هو قول فاسد، فالصواب أنه لا يجوز أبدًا إلا بعد الزوال: لا في يوم النفر، ولا في غيره؛ اقتداءً بالنبي عليه الصلاة والسلام، ومَن ترك ذلك فعليه دم.

والحديث الثاني حديث ابن عمر: أن النبي ﷺ قال: اللهم ارحم المحلِّقين، قالوا: يا رسول الله، والمقصرين. قال في الثالثة: والمقصرين.

هذا يدل على فضل الحلق، وأنه أفضل من التَّقصير؛ لما فيه من إزالة الشعر كله، والتقرب إلى الله بإزالته، كانت العرب تُحب بقاء الرؤوس وتوفيرها وتربيتها، فإذا تقرب إلى الله بإزالة الشعر كان ذلك أفضل، وإن قصَّر أجزأ.

وجاء هذا المعنى أيضًا من حديث أبي هريرة في "الصحيحين" بلفظ: اللهم اغفر، بدل: اللهم ارحم، وهذا يدل على فضل التَّحليق، وأنه مُقدم على التقصير، والتقصير جائز.

والحديث الثالث: حديث عبدالله بن عمرو بن العاص السَّهمي رضي الله عنه وعن أبيه: أن النبي وقف في حجة الوداع يسأله الناس ويُفتيهم عليه الصلاة والسلام، وقف بين الجمار، فقال له رجل: يا رسول الله، حلقتُ قبل أن أذبح، قال: اذبح ولا حرج، والآخر قال: نحرتُ قبل أن أرمي، قال: لا حرج، وفي لفظٍ: لم أشعر، قال: فما سُئل يومئذٍ عن شيءٍ قُدِّم ولا أُخِّر إلا قال: افعل ولا حرج.

وقد جاء هذا المعنى في الصحيح من حديث ابن عباسٍ أيضًا، لكن ليس فيه "لم أشعر"، وجاءت فيه عدة روايات: منها أنه قال له رجلٌ: يا رسول الله، رميتُ وحلقتُ قبل أن أذبح، فقال: لا حرج، وبعضها: رميتُ يا رسول الله وأفضتُ قبل أن أنحر، قال: لا حرج، وفي بعضها: أفضتُ يا رسول الله قبل أن أرمي، قال: لا حرج.

هذا كله يدلنا على أنَّ هذه الأمور في يوم النَّحر ليس فيها ترتيب واجب، وإنما هو مستحب: فالأول أن يرمي الجمرة، هذا السنة، ثم ينحر، ثم يحلق، ثم يطوف، هذه السنة، وهكذا فعل النبي ﷺ: رمى ضحًى، ثم ذهب المنحر ونحر عليه الصلاة والسلام ثلاثًا وستين بدنةً، ونحر عليٌّ الباقي: سبعًا وثلاثين بدنة، الجميع مئة يوم النحر، ثم حلق رأسه، ووزع رأسه عليه الصلاة والسلام على الناس: على أبي طلحة، وعلى غيره، ثم طيَّبته عائشة، ثم ذهب إلى البيت فطاف.

فدلَّ ذلك على أنه رمى يوم العيد، ثم نحر، ثم حلق، ثم تحلل بالطيب، ثم ركب فطاف بالبيت، وصلَّى في مكة الظهر عليه الصلاة والسلام، ثم عاد إلى منى في يومه، ووجد الناس لم يُصلوا الظهر -ينتظرونه- وصلى بهم الظهر، فصارت الأولى فريضته، والثانية نافلة له، كما جرى له مثل ذلك في بعض صفات صلاة الخوف؛ فإنه في بعض صلاة الخوف أنه صلَّى بطائفةٍ ركعتين، ثم صلَّى بالآخرين ركعتين، فصارت الأولى له فرضًا، والثانية له نفلًا.

ففي هذه حجَّة ودليل على جواز إمامة المتنفل بالمفترضين؛ لهاتين القصتين، ولحديث معاذ: كان يُصلي مع النبي العشاء فرضه، ثم يخرج فيُصلي بأصحابه فرضهم.

وفي هذا دليل على أنَّ مَن قدم شيئًا على شيءٍ -ولو عدمًا- فلا شيء عليه، لكن خالف السنة، بعض الناس قد يحتاج إلى هذا، قد يضطر إلى تقديم بعض هذه الأمور، مثل: النساء قد يخشين الحيض فيحرصن على أن يُقدمن الطوافَ، أو تيسر لهن النحر في وقتٍ مبكر، وهكذا بعض الناس قد يحصل له حاجة في تقديم الطواف، أو في تقديم النحر على الرمي، أو ما أشبه ذلك.

فالحاصل أنه إذا قدَّم شيئًا على شيءٍ: نحر قبل أن يرمي، حلق قبل أن يذبح، طاف قبل أن يرمي، كل ذلك لا بأس به، هذا هو الصواب.

وذهب بعضُ الناس إلى أنه لا حرجَ، لكن فيه الدم، إذا قدّم عليه دم، كما هو معروف عند الأحناف، والصواب أنه لا حرجَ في هذا، وأنه لا دمَ في هذا، فالسنة أن يبدأ بالرمي، ثم النحر، ثم الحلق أو التقصير، ثم الطواف إذا تيسر ذلك، وإن لم يتيسر هذا جاز أن يُقدم بعضًا على بعضٍ، ولا دم عليه، ولا حرج عليه، هذا هو الصواب.

والحديث الرابع حديث المسور بن مخرمة: أن النبي نحر قبل أن يحلق، وأمر أصحابه بذلك. رواه البخاري.

هذا ليس في الحجِّ، هذا في الحديبية، كان ينبغي للمؤلف أن يُنبه على هذا، فإنَّ هذا في الحديبية، نحر قبل أن يحلق في الحديبية، وأمر أصحابه بذلك، ولكن معناه يصلح في يوم النحر؛ فإنه نحر قبل أن يحلق عليه الصلاة والسلام، ولكن قوله: "أمر أصحابه" يحتاج إلى تأملٍ؛ فإن المعروف من فعله ﷺ: نحر وحلق، أما الأمر فكان في الحديبية؛ فإنه أمرهم أن ينحروا ثم يحلقوا ثم يتحللوا لما صدُّوا يوم الحديبية عن مكة، كما في قوله سبحانه: فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ [البقرة:196]، فنحر ونحر أصحابه، ثم حلقوا رؤوسهم وتحللوا.

والحديث الخامس حديث عائشة رضي الله عنها: أن النبي ﷺ قال: إذا رميتم وحلقتم فقد حلَّ لكم الطيبُ وكل شيءٍ إلا النساء، في لفظٍ: الطيب والثياب وكل شيءٍ إلا النساء. رواه أحمد وأبو داود، وفي إسناده ضعف.

الحديث هذا رواه أحمد وأبو داود وجماعة آخرون، وفي سنده ضعف، زيادة: "حلقتم"، أما الرمي فجاء في عدة أخبار جيدةٍ تدل على أنه إذا رمى حلَّ له الطيب واللباس وكل شيء إلا النساء، وأما رواية "حلقتم" فقد جاء في رواية الحجاج بن أرطاة، عن الزهري، وهو مضعف، وهو لم يسمع من الزهري أيضًا، لكن يُعضدها فعل النبي ﷺ؛ فإنه رمى ونحر وحلق ثم تطيب.

فدلَّ ذلك على أنَّ الأولى والأحوط ألا يتحلل إلا بعد الرمي والحلق، ثم يتحلل، هذا هو الأولى والأحوط؛ خروجًا من الخلاف، ومَن تحلل بعد الرمي فلا حرج عليه، لو تطيب أو لبس بعد الرمي فالصواب لا شيء عليه، لكن ترك الاحتياط وترك الأولى؛ لحديث ابن عباس: إذا رميتُم فقد حلَّ لكم الطيب وكل شيءٍ إلا النساء؛ ولحديث أيضًا أنه قال: "إني رأيتُ النبي لما رمى تضمخ بالطيب"؛ ولحديث أم سلمة في هذا المعنى أيضًا يدل على أن الرمي شافٍ.

والصواب أنه إذا تحلل بعد الرمي أجزأه، ولا حرج عليه، ولكن الأولى والأحوط ألا يعجل، وأن يصبر ويضيف إلى الرمي الحلق أو الطواف؛ حتى يكون فعل اثنين من ثلاثة، فإذا رمى وحلق وطاف وسعى -إن كان عليه سعي- تم التَّحلل، إذا رمى الجمرة يوم العيد، وطاف طواف الإفاضة، وسعى إن كان عليه سعي، وحلق رأسه أو قصَّر؛ تمَّ تحلله، حلَّ له كل شيءٍ حتى النساء، فيُباح له أهله بعد ذلك، ويُباح له الصيد وكل شيءٍ.

والحديث السادس حديث ابن عباسٍ رضي الله تعالى عنهما: أن النبي ﷺ قال: ليس على النساء حلقٌ، وإنما يقصرن.

هذا يدل على أن النساء لا حلقَ عليهن، وأنَّ ما ورد في فضل الحلق خاصٌّ بالرجال، وأما النساء فلا حلقَ في حقِّهن؛ لأنَّ الرؤوس زينة لهن وجمال لهن، فلا يُشرع لهن حلقها، بل صرح جمعٌ من أهل العلم بتحريم ذلك، وجاء في بعض الأحاديث ما يدل على تحريم ذلك، فلا يحلقن رؤوسهن إلا من علةٍ، ولكن التقصير مشروع لهن؛ تأخذ من أطراف شعرها قليلًا بعد الرمي، هذا هو الأفضل، ولو قصرت قبل الرمي أو بعد الطواف أو بعد النحر أو قبله كله لا بأس كما تقدم، لكن السنة أن ترمي ثم تنحر ثم تقصر كالرجل ثم تطوف، هذا هو السنة في حقِّها كالرجل، وإنما تختص بأنه لا حلقَ عليها، ولا يجوز لها الحلق، بل تكتفي بالتقصير والله أعلم.

س: .............؟

ج: مطلقًا، كلام أهل العلم مطلقًا، هذا الظاهر.

س: .............؟

ج: بمغيب الشمس عند الجمهور في الأيام كلها، وذهب بعضُ أهل العلم إلى جوازه عند الحاجة بعد صلاة المغرب إلى آخر الليل، وهو قول قوي لا بأس به عند الحاجة ..... لا يكفي الناس، الناس كثير، قد يبلغوا الملايين، فالأظهر والأقرب أنه لا حرج لو رمى بعد الغروب في يوم العيد أو في الأيام الثلاثة، ما عدا اليوم الأخير، فإنه يُجزئ على الصحيح، أما اليوم الأخير فلا؛ لأنَّ ليلة أربعة عشر ليست من أيام منى، وإنما هذا في اليوم العاشر والحادي عشر والثاني عشر، لكن إذا تيسر له أن يجتهد وأن يكون رميه قبل الغروب فهذا أحسن وأحوط، وإذا كان في خطرٍ أو لم يتيسر له رمى بعد الغروب، وهذا هو الصواب إن شاء الله، والله جلَّ وعلا يقول: وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ [الحج:78]، يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ [البقرة:185]، ليس المقام مقام قتال ولا إهلاك نفوس، ولكنه أداء شعائر، إذا كان الزحام يُفضي إلى ما يضرّ الإنسان جاز له التأخير حتى يرمي بعد الغروب في اليوم العاشر والحادي عشر والثاني عشر، أما الثالث عشر فلا بدَّ أن يكون قبل الغروب، والغالب أنه لا يكون فيه زحام الثالث عشر، قد انصرف الناس وتعجلوا، فالغالب أنه لا يكون فيه زحمة، يرمي بعد الزوال بسهولةٍ، قبل الغروب بسهولةٍ يوم الثالث عشر؛ لأنَّ الزحام في الثاني عشر وما قبله.

س: .............؟

ج: ما في إلا فعل النبي ﷺ فيما أذكر.

س: ............؟

ج: لفعل النبي ﷺ؛ لأنه رمى ونحر وحلق ثم تطيَّب.

س: .............؟

ج: هذا الظاهر، الظاهر أنه يُجزئ، يعني قد يقال: أن فعل النبي يعضد الضَّعيف هذا ..... من باب الاحتياط.

س: ............؟

ج: ورد حديث لا أذكره الآن في النَّهي عن حلقهن رؤوسهن، لا أذكره الآن؛ ولأنه جمال لهن وزينة.

س: .............؟

ج: الله أعلم.

س: ..............؟

ج: عام.

س: حتى للقوي؟

ج: نعم، إذا شقَّ عليه وخاف.

س: ..............؟

ج: هذا محل اجتهادٍ، محل نظرٍ، قد يقال: هذا أولى، وقد يقال: هذا أولى؛ لأنه إذا قيل: يُؤخر، ويُؤخر كل واحدٍ يُؤخر؛ ازدحم الناسُ في اليوم الآتي، فيقال بالتنفيس برميه بعد الغروب أولى؛ حتى لا يقع الزحامُ الآخر.

س: ..............؟

ج: يعني صار إلى الأرض السَّهلة المستوية.

س: ..............؟

ج: لا أذكر شيئًا، لكن ما هو بعيد، لو تتبعت الكتب الأخرى والآثار تجد شيئًا، والدعاء مطلق، يدعو بما أحبَّ.

س: .............؟

ج: ما له أصل .....، ما نعلم له أصلًا في هذا، إنما السنة مثلما فعل النبي: يُكبِّر ويرمي.

770- وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: أَنَّ الْعَبَّاسَ بْنَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ اسْتَأْذَنَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ أَنْ يَبِيتَ بِمَكَّةَ لَيَالِيَ مِنًى مِنْ أَجْلِ سِقَايَتِهِ، فَأَذِنَ لَهُ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

771- وَعَنْ عَاصِمِ بْنِ عَدِيٍّ : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ أَرْخَصَ لِرُعَاة الْإِبِلِ فِي الْبَيْتُوتَةِ عَنْ مِنًى، يَرْمُونَ يَوْمَ النَّحْرِ، ثُمَّ يَرْمُونَ الْغَدِ لِيَوْمَيْنِ، ثُمَّ يَرْمُونَ يَوْمَ النَّفْرِ. رَوَاهُ الْخَمْسَةُ، وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ حِبَّانَ.

772- وَعَنْ أَبِي بَكْرَةَ قَالَ: خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَوْمَ النَّحْرِ ... الْحَدِيثَ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

773- وَعَنْ سَرَّاءَ بِنْتِ نَبْهَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَوْمَ الرُّؤُوسِ فَقَالَ: أَلَيْسَ هَذَا أَوْسَطَ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ؟ الْحَدِيثَ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ.

774- وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ لَهَا: طَوَافُكِ بِالْبَيْتِ وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ يَكْفِيكِ لِحَجِّكِ وَعُمْرَتِكِ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

الشيخ: يقول المؤلفُ رحمه الله: عن ابن عمر رضي الله عنهما: أنَّ العباس استأذن النبيَّ في البيتوتة في منى فأذن له.

هذا يدل على أنَّ البيتوتة في منى من الواجبات، وأن الصحابة فهموا هذا؛ ولهذا قال أهلُ العلم: إنه يجب على الحجيج المبيت في منى حسب الطاقة، لكن إذا عرض عارضٌ يمنع فلا حرج، فهو واجب ميسر ومسهل.

وكان العباسُ وجماعته من سُقاة الحجيج، يسقون الحجيج، فرخَّص لهم النبي ﷺ أن يستعملوا ميزتهم في سقي الحجيج، ورخَّص لهم في ترك البيتوتة في منى؛ لأنها قُربة وطاعة لله ، وهم أهلها بنو هاشم، فرخص لهم النبي ﷺ.

وهكذا الرعاة كما في حديث عاصم بن عدي: رعاة الإبل كان يشقّ عليهم البقاء، فرخَّص لهم أن يبقوا مع إبلهم في البرِّ للرعاية، ومعلوم أنَّ الإبل في حاجةٍ إلى الراعي، وقد يحتاجون إلى البُعد -بعد المسافة- عن منًى ليجدوا مكاًنا أحسن رعيًا من غيره، فرخص لهم ﷺ في ذلك.

قال المحققون من أهل العلم: يقاس على ذلك ما يُشبهه ويُقاربه، مثل: المريض الذي يشقّ عليه البقاء في منى، فينقل إلى أهله ليُمرضوه، أو إلى المستشفى، ومثل: مَن يخاف على أهله في مكة لو بات في منًى؛ لأنه ليس عندهم أحدهم، فيخشى عليهم، أو له مال هناك يخشى عليه، فإذا وجد حاجةً شديدةً فهو رخصة.

وهذا كله بالنسبة إلى مَن يجد مكانًا، أما مَن ضاقت عليه منى ولم يجد مكانًا وتسبب ولم يجد فهو معذور، وليس عليه مبيت: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ [التغابن:16].

قوله: "يرموا يوم النحر" يعني: الرعاة مع الناس، ثم يذهبون لرعي الإبل ..... يوم الحادي عشر، ثم يرمون يومين: يوم الحادي عشر، والثاني عشر، وهذا لا إشكالَ فيه؛ لأنَّ العبادة لا مانعَ من ضمِّها إلى ما بعدها: كالجمع بين الظهر والعصر، والمغرب والعشاء، فليس بمُستنكر، وليس بمستنكر تأخير هذه العبادة إلى آخر وقتها عند الحاجة، كما تُؤخر صلاة العشاء وهو أفضل، وكما تُؤخر صلاة الظهر، وقُصارى ما هنا أنه أخَّر رمي الحادي عشر إلى الثاني عشر.

أما ما يُروى عن مالك أنه قال: أظنه ..... فليس بجيدٍ؛ لأنَّ العبادة تُقدم على وقتها، والصواب في هذا أنه يُؤخر يوم الحادي عشر مع الثاني عشر، ثم يرمونهما جميعًا، يبدأ بيوم الحادي عشر والثاني عشر.

قال جماعةٌ من أهل العلم: ويُقاس على هذا مَن شقَّ عليه الزحام في الحادي عشر؛ فإنه يضمّه إلى الثاني عشر. وهذا جيد، وإن رماه بعد الغروب تقدم أنه لا حرجَ في ذلك إن شاء الله على الصواب، ثم يرمي يوم النفر، وهو اليوم الأخير لمن لم يتعجل، فإنه يرمي يوم الثاني عشر ثم يذهب بإبله للرعي، ثم ..... في اليوم الثاني عشر للرحيل، يرمون ويرحلون.

ومن هذا استنبط جماعةٌ من العلماء جواز تأخير الرمي إلى اليوم الأخير أو الثاني عشر للزحام والحاجات الشديدة، وهو له وجه بين، لكن مهما أمكن أن تُطبق العبادة على حالها، وأن تُؤدى العبادة على حالها فهو أولى وأفضل مهما كان، لكن إذا دعت الحاجةُ والضَّرورة إلى تأخير الرمي فلا بأس؛ لقصة الرعاة، والعذر معروف، والسبب واضح، إلا أن الأولى والأفضل والذي ينبغي ألا يُؤخر يوم النحر؛ لأنَّ الرسول ﷺ ما رخَّص لهم أن يُؤخروا، بل رموا، فالرمي يوم النحر، ولا ينبغي له التأخير، وأما يوم الحادي عشر فهو محل البحث، وهكذا الثاني عشر مع الثالث عشر.

وبكل حالٍ مهما أمكن أن يرمي في الوقت فهو المطلوب، كما رمى جمهور الصحابة، ما عدا الرعاة، والعصر الحاضر فيه مشقة كبيرة على الناس في الرمي، ولا أعلم في مناسك الحجِّ أشدّ على الحجاج من رمي الجمار، ولا أخطر لأمرين:

أحدهما: ضيق الوقت، وضيق المكان.

والأمر الثاني: تحديد وقته؛ لأنَّ الوقت محدد .....، بخلاف الطواف فإنه لو كان فيه زحام ومشقّة، لكن ليس بمحددٍ، لو أخَّره إلى بعد الحجِّ بأيامٍ لا حرج، ولو أخَّر الطواف إلى آخر ذي الحجة أو ما بعد ذلك لا حرج، أجزأه، لكن منى ما فيه حيلة، إن أخَّره وجب عليه دم، فهو مضطر إلى أن يُنهي الرمي في هذه الأيام الثلاثة.

فلا أعلم في مناسك الحج أشدّ من هذا النُّسك، ومن رحمة الله أن يسر وسهل، فجعل الإذن التوكيل، لا بأس أن يستنيب الإنسانُ مَن ينوب عنه؛ لأنَّ القوة تختلف، والبصيرة تختلف في هذا المقام، ولو خرج بالتأخير إلى بعد غروب الشمس على الصحيح؛ لشدة الحاجة إلى ذلك، فإنَّ ما بين زوال الشمس إلى غروب الشمس لا يتسع لهؤلاء الملايين أو مئات الألوف التي ترمي، فإنَّ الأمر عظيم وخطير، وقد يُفضي إلى موتٍ، قد يُفضي إلى أمراضٍ، فالأمر في هذا واسع، ولا ينبغي فيه التَّشديد أبدًا؛ لأنَّ الأمر أقلّ من هذا كله، فإن حُرمة المؤمنين ووجوب حفظ حياتهم فوق هذا كله، فلا يجوز أن يُخاطر الإنسانُ بنفسه في مقام الرمي، بل إن شاء وكَّل، وإن شاء أخَّر إلى بعد الغروب، وإن شاء ضمَّ يوم الحادي عشر إلى الثاني عشر، أو إلى الثالث عشر كما فعل الرعاةُ في عهد النبي ﷺ.

والأمر في هذا واسع، وليس له أن يُخاطر أبدًا، ولا سيما النساء؛ فإنهن أخطر وأخطر عورات، فينبغي في مثل هذا أن يُوكلن مَن يرمي عنهن، أو يُؤجلن الرمي إلى بعد الغروب، أو يُؤجلنه إلى آخر يومٍ إذا تيسر ذلك، لكن التأجيل إلى آخر يومٍ قد يُفضي إلى كثرة الناس؛ فإنَّ الناس اعتادوا التَّأخير، وانضمَّ بعضُهم إلى بعضٍ، فجاء الزحام المحذور، ولكن توكيلهن أو تأخيرهن إلى بعد الغروب كل هذا أسهل وأيسر.

ولا ينبغي في هذا التَّشديد أبدًا، بل ينبغي فيه التَّخفيف؛ لأن قصاراه واجب، قصاراه لو تركه بالكلية لم يجب عليه إلا دم في ذلك، وحجه صحيح، ولا حرج عليه، ولا إثم عليه إذا خاف الموت في هذا الخطر، فلا ينبغي لأحدٍ التَّشديد في هذا، وبعض الناس يُشدد في هذا، ولا ينبغي فيه التَّشديد؛ لأنه مقام خطر على الأرواح، وخطر على الأبدان بالأمراض، فينبغي فيه التَّخفيف والتيسير.

الحديث الثالث حديث أبي بكرة : أن النبي خطبهم يوم النحر، المقصود من هذا يُبين أنَّ يوم النحر محل خطبةٍ، وأنه يُشرع للإمام أو أمير الجيش -أمير الحج- أن يخطب يوم النحر، يُعلم الناس مناسكهم، ويُعلمهم دينهم، ويُحذرهم ما حرَّم الله عليهم، كما فعل النبيُّ ﷺ، فإنه خطبهم وعلَّمهم وحذَّرهم الكثير مما حرَّم الله عليهم، وعلَّمهم ما يتعلق برمي الجمار، وعلَّمهم أنَّ الله حرَّم عليهم دماءهم وأموالهم وأعراضهم.

وقال في خطبته: لا ترجعوا بعدي كفَّارًا يضرب بعضُكم رقابَ بعضٍ.

فالمقصود أنها خطبة عظيمة، ينبغي فيها لولي الأمر -سواء كان الإمامُ أو مَن ينوب عنه في الحجِّ- أن تكون الخطبةُ ذات أهميةٍ، وأن يعتني فيها بكلِّ ما يهمّ الحجاج من جهة تفهيمهم دينهم، وإبلاغهم دينهم، وإبلاغهم مناسكهم، وتحذيرهم مما حرَّم الله عليهم .

والحديث الرابع حديث سراء بنت نبهان: أن النبيَّ ﷺ خطبهم يوم الرؤوس وقال: أليس هذا أوسط أيام التَّشريق؟ الأظهر والأقرب أنَّ المراد بيوم الرؤوس هنا هو الثاني عشر، وهو أوسطها؛ لأنَّ قبله اليوم الأول، وبعده اليوم الثالث، فهو المتوسط، وهو من التَّوسط بين شيئين؛ ولأنَّ الرؤوس في الغالب تكون في اليوم الثاني عشر؛ لأن الناس في الأول -يوم العيد ويوم الحادي عشر- يأكلون اللحوم، واللحوم كثيرة، والناس توفرت عندهم اللحوم، وفي اليوم الثاني عشر تفرغوا للرؤوس: لطبخها أو شويها أو الاستفادة منها، فالأقرب أنه يوم الثاني عشر، وأن الوسط هنا من التوسط، لا بمعنى الوسط الذي هو العدل والخيار، هذا هو الأقرب.

وقال قومٌ: إن المراد بأوسطهن يعني: أفضلهن، وأنه من الوسط الذي هو العدل والخيار، وأنَّ المراد بهذا اليوم الأول. وفي هذا نظر؛ فإنَّ المتبادر عند السامعين بالأوسط معناه: أنه بين شيئين، هذا هو المتبادر للسامعين في لغة العرب، ولا سيما في الشيء الذي فيه توسط، وحمله على العدل والخيار له وجه، ولكن الأظهر الأول.

والحديث الخامس حديث عائشة رضي الله عنها: أن النبي ﷺ قال لها: يكفيكِ طواف بالبيت، وبين الصفا والمروة لحجك وعُمرتك رواه مسلم.

عائشة رضي الله عنها كانت أحرمت بالعمرة، فلما دنت من مكة إلى محلٍّ يقال له: سرف، حاضت، وأصابها شدة في هذا، وبكت، وعظم عليها الأمر، فأخبرها النبيُّ ﷺ أنَّ هذا شيء كتبه الله على بنات آدم -الحيض- وأنه لا حرجَ عليها في هذا الأمر، وأمرها أن تُحرم بالحجِّ مع العمرة، وأن تغتسل وتُلبي بالحجِّ مع العمرة، فصارت قارنةً، اغتسلت ولبَّت بالحجِّ وصارت قارنةً.

وهكذا أمر النبيُّ ﷺ مَن أهدى وقد أحرم بالعمرة أن يُلبي بالحجِّ مع العمرة، فيكون قارنًا.

فلما طافت يوم العيد وسعت قال لها عليه الصلاة والسلام: طوافك بالبيت وبين الصفا والمروة يكفيك لحجك وعمرتك، فدلَّ ذلك على أنَّ القارن يكفيه طواف واحد وسعي واحد.

وهذا قول الجمهور ومالك والشافعي وأحمد وجمهور المحدثين وأهل العلم: أنَّ القارن يكفيه سعي واحد وطواف واحد.

وخالف في هذا أصحاب الرأي وقالوا: لا بدَّ من طوافين وسعيين.

وقولهم ضعيف ومرجوح مهزوم بأدلةٍ كثيرةٍ.

المقصود أنَّ الصواب هو قول الجمهور؛ لأنَّ النبي ﷺ كان قارنًا ولم يطف إلا طوافًا واحدًا، وهو طوافه حين قدمه عليه الصلاة والسلام، وأما طوافه الأول فهو طواف القدوم، وليس طواف عمرةٍ ولا حجٍّ، وحديث عائشة صريح في هذا.

وقد روى مسلم في الصحيح عن جابرٍ : أن النبي قال لعائشة هذا الكلام: طوافك بالبيت وبين الصفا والمروة يكفيك لحجِّك وعمرتك، فرواية جابر مثل رواية عائشة عن نفسها.

وأما المفرد فهو مثل القارن أيضًا، إذا كان الحجُّ مفردًا حكمه حكم القارن؛ يكفيه سعي واحد وطواف واحد، ولا يلزمه سعي ثانٍ.

بقي المتمتع الذي أحرم بالعمرة وفرغ منها، ثم أحرم بالحجِّ في وقته، فهذا النُّسك الثالث محل خلافٍ:

فقول الجمهور -الأئمة الأربعة والجمهور- أنه لا بدَّ من سعيٍ ثانٍ، وأنَّ السعي الأول للعُمرة، والسعي الثاني للحجِّ، وهذا هو الأرجح والأقرب والأظهر، ويدل عليه حديث عائشة في "الصحيحين"؛ فإنها قالت: وأما الذين أهلوا بالعمرة فإنهم طافوا بالبيت، وسعوا بين الصفا والمروة، ثم طافوا طوافًا آخر للحجِّ بعدما رجعوا من منى، وهذا هو السعي.

ولحديث ابن عباس ..... رواه البخاري معلَّقًا كذلك، صرح فيه بأنَّ الذين أهلوا بالعمرة طافوا وسعوا أولًا، ثم طافوا بعد رجوعهم من منى وسعوا لحجِّهم، وهذا هو الأظهر من جهة الدليل، ومن جهة المعنى؛ لأنَّ العمرة انتهت وفُرغ منها.

وذهب بعضُ أهل العلم -وهو مروي عن ابن عباسٍ، وثابت عن ابن عباسٍ- إلى أنه يُجزئ سعي واحد، وهو رواية عن أحمد رحمه الله حين سُئل في روايةٍ عنه فقال: "إن طاف طوافين فهو أجود، وإن طاف طوافًا واحدًا أجزأه؛ لقول ابن عباسٍ".

واختار هذا القول أبو العباس ابن تيمية رحمه الله، وقال: إنَّ العمرة دخلت في الحجِّ إلى يوم القيامة.

والأظهر عندي والأقرب عندي قول الجمهور، وأنَّ الصواب قول الجمهور، وأنه لا يكفي، لا بدَّ من سعيٍ ثانٍ للحجِّ للحديثين السَّابقين، وللمعنى والله أعلم.

س: ..............؟

ج: خالف ما رواه نعم، والحجة فيما رواه، لا فيما رأى.

س: ..............؟

ج: الظاهر والله أعلم مثلما تقدم في غدٍ وبعد غدٍ، يعني: يرمون في اليوم الثاني عشر، هذا الظاهر، لكنه يوهم ..... يرمون غدًا وغدًا -يومين- يعني في الثاني عشر حتى يتمكَّنوا من التَّوسع.

س: في بعضها: ثم يرمون ليومين؟

ج: يومين، لكن في الثاني منهما، لا في الأول منهما.

س: قول مالك في هذا؟

ج: مالك يرى الرمي في الأول منهما.

س: ............؟

ج: يعني يُقدم الثاني عشر مع الحادي عشر.

س: ............؟

ج: يظن الرواية هكذا.

س: ............؟

ج: الأمر في هذا سهل: إن وكَّل خروجًا من الخلاف فلا بأس، وإن انتظر فلا بأس، الأمر في هذا واسع إن شاء الله، وقد يقال: إن التَّوكيل أولى؛ حتى يمضي في الوقت ..... يراه الجمهور، فيكون فيه احتياط، وقد يقال: يُباشر بنفسه ويحصل له فضل المباشرة أولى، ولو كان بعد الغروب، والرسول ﷺ حدد بفعله أول الرمي بعد الزوال، ولم يُحدد للناس، ما قال في هذا المجمع العظيم: لا ترموا بعد غروب الشمس، فلما سكت دلَّ على التَّوسعة.

س: .............؟

ج: يحتج بقصة الرعاة لما أخَّروا إلى اليوم الثاني عشر، ما أعلم إلا هذا .....

............

775- وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ لَمْ يَرْمُلْ فِي السّبْعِ الَّذِي أَفَاضَ فِيهِ. رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إِلَّا التِّرْمِذِيَّ، وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ.

776- وَعَنْ أَنَسٍ : أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ صَلَّى الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ، ثُمَّ رَقَدَ رَقْدَةً بِالْمُحَصَّبِ، ثُمَّ رَكِبَ إِلَى الْبَيْتِ فَطَافَ بِهِ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

777- وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: أَنَّهَا لَمْ تَكُنْ تَفْعَلُ ذَلِكَ -أَي: النُّزُولَ بِالْأَبْطَحِ- وَتَقُولُ: إِنَّمَا نَزَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ لِأَنَّهُ كَانَ مَنْزِلًا أَسْمَحَ لِخُرُوجِهِ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

778- وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: أُمِرَ النَّاسُ أَنْ يَكُونَ آخِرَ عَهْدِهِمْ بِالْبَيْتِ، إِلَّا أَنَّهُ خُفِّفَ عَنِ الْحَائِضِ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

779- وَعَنِ ابْنِ الزُّبَيْرِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: صَلَاةٌ فِي مَسْجِدِي هَذَا أَفْضَلُ مِنْ أَلْفِ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ إِلَّا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ، وَصَلَاةٌ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَفْضَلُ مِنْ صَلَاةٍ فِي مَسْجِدِي بِمِئَةِ صَلَاةٍ. رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ.

الشيخ: هذه الأحاديث الخمسة كلها تتعلق بالحجِّ والعمرة والانصراف بعد ذلك وفضل المسجدين.

الأول حديث ابن عباسٍ: وهو عبدالله بن عباس بن عبد المطلب الهاشمي ، تقدم غير مرةٍ أنَّ ابن عباسٍ إذا أُطلق فهو عبدالله؛ لأنه هو المشهور، والفضل مات قديمًا في أول خلافة الصديق، أو في أول خلافة عمر بعد النبي ﷺ، فإذا أُطلق ابن عباس فالمراد به عبدالله، وإذا أُطلق ابن الزبير فالمراد به عبدالله، وإذا أُطلق ابن عمر فهو عبدالله، وابن عمرو هو عبدالله؛ لأنهم كلهم مشهورون، وهم أفضل أولاد هؤلاء.

قال: أنَّ النبي ﷺ يرمل في السبع الذي أفاض فيه. يعني: أنه ﷺ مشى مشيًا ولم يرمل في طوافه طواف الإفاضة، لما رجع من عرفات عليه الصلاة والسلام طاف يوم العيد طواف الإفاضة: سبعة أشواط، ولم يرمل، فدلَّ ذلك على أنَّ الرمل يكون في طواف القدوم خاصةً كما تقدم، الرمل من خصائص طواف القدوم.

والرَّمَل بفتحتين، وهو الخبب والعجلة في طواف الشوط الأول والثاني والثالث، يقال له: رمل، ويقال له: خبب، ويقال له: الإسراع في الأشواط الثلاثة الأولى، مع تقارب الخُطى، فهو عجلة خاصة تُسمَّى: الخبب، وتُسمَّى: الرمل، غير المشي المعتاد، هذا فعله النبيُّ ﷺ في طواف القدوم في حجة الوداع، وفي عمرة القضاء، وفي عمرة الجعرانة رمل فيها عليه الصلاة والسلام، فدلَّ ذلك على أنها السنة.

أما طواف الإفاضة وطواف الوداع والأطوفة الأخرى العادية ليس فيها رمل، هكذا جاءت السنة.

والحديث الثاني حديث أنسٍ، والثالث حديث عائشة في النزول بالمحصب: ذكر أنسٌ أنَّ النبي نزل في المحصب في حجة الوداع، فصلى به الظهر والعصر والمغرب والعشاء، ثم رقد رقدةً في المحصب، ثم ركب إلى البيت وطاف به.

اختلف أهلُ العلم: هل هو سنة أم نزله منزلًا عاديًّا لم يكن لقصد إظهار السنة؟

فأنس والخلفاء الراشدون اعتبروه سنةً، وجاء في حديث أبي رافعٍ أنه سأل الرسولَ: أين تنزل غدًا؟ قال: بخيف بني كنانة حيث تقاسموا على الكفر، هذا يدل على أنه من باب إظهار الإسلام، من باب بيان عزِّ الإسلام وظهوره، وإبطال ما كان عليه أهل الكفر من شرٍّ، وما تعاقدوا عليه من الباطل.

هذا هو الأفضل: النزول فيه إذا تيسر، الأفضل هو النزول فيه، وهو قول الخلفاء، وهو الأظهر: أنه نزله قصدًا عليه الصلاة والسلام لإظهار الحقِّ وإغاظة الكافرين.

فإذا رمى الناسُ يوم الثالث عشر إن تأخَّروا، أو يوم الثاني عشر إن تعجَّلوا، فالأفضل النزول في الأبطح إن تيسر ذلك بدون مشقَّةٍ، يُصلي فيه الظهر والعصر والمغرب والعشاء، ثم يطوف طواف الوداع إن كان مُتعجِّلًا، وإن كان يريد الإقامة في مكة أخَّر طواف الوداع حتى يريد السفر، والنبي ﷺ تعجَّل: طاف ثم سافر عليه الصلاة والسلام، فإنه دخلها في آخر الليل، فطاف طواف الوداع في آخر الليل، وصلَّى بالناس الفجر، وقرأ فيها بالطور -سورة الطور- عليه الصلاة والسلام، وطافت أمُّ سلمة وراء الناس طواف الوداع وهم يُصلون، ثم مشى بعدما صلَّى، صلَّى الفجر ثم توجَّه إلى المدينة عليه الصلاة والسلام في اليوم الرابع عشر عليه الصلاة والسلام، هذا هو الأفضل.

وأما قول عائشة أنه نزله لأنه كان أسمح لخروجه. فهذا من باب اجتهادها وظنِّها، والأول أظهر.

والحديث الرابع والخامس حديث ابن عباسٍ أيضًا في أنَّ الناس أُمروا أن يكون آخر عهدهم بالبيت، إلا أنه خُفِّف عن الحائض. هذا يدل على أنَّ الحائض ليس عليها وداع.

رواه الشيخان من حديث ابن عباسٍ، وفي لفظٍ: "أُمر الناس"، وهذا في حكم الرفع عند أهل العلم، عند أهل الأصول والمصطلح إذا قال الراوي: "أُمر الناس"، أو "أُمرنا"، أو "نُهينا"، أو "من السنة" فهو في حكم الرفع للنبي عليه الصلاة والسلام.

وقد جاء هذا مُصرَّحًا به في رواية مسلم عن ابن عباسٍ، عن النبي أنه قال: لا ينفرنَّ أحدٌ منكم حتى يكون آخر عهده بالبيت، فصرح بالرفع.

وثبت من أحاديث أخرى ما يدل على أنَّ الحائض لا طوافَ عليها، وهذا في الصحيح من حديث عائشة: أن النبي ﷺ قال في الحديث -كما يأتي- في حقِّ صفية لما أخبروه أنها حائض، قالوا: يا رسول الله، إنها قد أفاضت، قال: انفروا، فدلَّ ذلك على أنَّ مَن أفاض لا تحبسه الحيضة؛ لأنَّ الحائض ليس عليها وداعٌ، ومثلها النُّفساء عند العلماء؛ قد جاء في حديث أسماء بنت عميس أنَّ النبي قال: ليس عليها وداعٌ لأنها نفساء.

فالمقصود أنَّ الحيض والنفاس يمنعان طواف الوداع، وتخرج المرأةُ بدون وداعٍ؛ لأنها معذورة لكونها ليست من أهل الطواف والصلاة.

وفي حديث ابن الزبير، وهو عبدالله بن الزبير بن العوام الأسدي، من أسد قريش، وهو ابن حواري النبي عليه الصلاة والسلام، وابن أسماء بنت أبي بكر، خالته عائشة، وهو ..... رضي الله عنه وأرضاه، وقد تولى الخلافة بعد موت معاوية بن يزيد نحو تسع سنين، واستقر في مكة رضي الله عنه وأرضاه، وقاتل المختار بن أبي عبيد الذي ادَّعى النبوة، وقتله على يد أخيه مصعب بن الزبير، وجرت له حروب مع عبدالملك بن مروان، ثم انتهى الأمر بقتله على يد الحجاج بن يوسف عام ثلاثٍ وسبعين رضي الله عنه ورحمه.

يقول : عن النبي ﷺ أنه قال: صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاةٍ مما سواه إلا المسجد الحرام.

وقد جاء هذا المعنى في "الصحيحين" من حديث أبي هريرة : أن النبي ﷺ قال: صلاة في مسجدي هذا خيرٌ من ألف صلاةٍ مما سواه إلا المسجد الحرام، وقال هنا: وصلاة في المسجد الحرام أفضل من صلاةٍ في مسجدي هذا بمئة صلاةٍ.

وجاء في هذا المعنى أحاديث كلها تدل على أنَّ الصلاة في المسجد الحرام بمئة ألف صلاةٍ؛ لأنه إذا كان في مسجد النبي بمئة صلاةٍ، فتكون في غيره بمئة ألف صلاةٍ أو أكثر.

فهذا يدل على فضل المسجدين وما جعل الله فيهما من الخير العظيم، وأنَّ الصلاة فيهما مضاعفة عظيمة، وأن المسجد الحرام أكثر وأعظم؛ لأنه بمئة ألف صلاةٍ، وفي مسجد المصطفى عليه الصلاة والسلام أفضل من ألف صلاةٍ فيما سواه من المساجد؛ ولهذا شدّ الرحال إلى هذه المساجد مع المسجد الأقصى.

وجاء في بعض الأحاديث الصَّحيحة أن الصلاة في المسجد الأقصى بخمسمئة صلاةٍ، على النصف من مسجد النبي عليه الصلاة والسلام.

وقد ثبت عنه أنه قال: لا تُشدّ الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجدي هذا، والمسجد الأقصى، وما ذاك إلا لفضلها وعظم شأنها، ومضاعفة الصلاة فيها، أما ما سواها فلا تُشدّ له الرحال، بل يُوافق إن صلَّى الإنسانُ فيه، وإلا فلا يشدّ له الرحل، وهكذا البقاع المعظمة التي يُعظمها الناس: كمقابر الصالحين، ومقابر الأنبياء لا تُشدّ لها الرحال على الصحيح، وإنما تُشدّ إلى المساجد الثلاثة فقط، وإذا كان في المساجد الثلاثة لا يشدّ لغيرها الرحال، مع فضل المساجد، وأنَّ المساجد أفضل بقاع الأرض كما قال النبيُّ ﷺ: خير بقاع الأرض مساجدها، وشرّها أسواقها.

فإذا كانت المساجد لا تُشدّ لها الرحال إلا هذه الثلاثة، فالمقابر وآثار الصالحين وأي مكان كان لا تشدّ لها الرحال، وهكذا الطور.

ولما شدَّ الرحل أبو هريرة للطور وعلم أبو بصرة بذلك أنكر عليه وقال: لو علمتُ ما شددتَ الرحل إليه. وذكر له حديث: لا ..... المطي إلا إلى ثلاثة مساجد.

فهذا يدلنا على أنَّ شدَّ الرحل لقصد قبرٍ معينٍ للسلام على صاحبه، أو الدعاء له عنده، أو بقعة معينة: كالطور، أو ما أشبه ذلك، لا تُشدّ لها الرحال؛ سدًّا لذرائع الشرك؛ لأنَّ شدَّ الرحل إلى القبر أو إلى محلٍّ معينٍ قد يُفضي إلى غلوه والغلو فيه ودعاء صاحبه من دون الله؛ فلهذا حسم الشرعُ المادة، ونهى عن شدِّ الرحال؛ لئلا يتّخذ هذا وسيلة إلى الغلو بأصحاب القبور، أو الأماكن المفضلة، فهذا من محاسن الشَّريعة، ومن سدّ الذرائع التي قد تُفضي إلى الشرك والمنكر والبدعة، والله أعلم.

س: ..............؟

ج: هذا غلط، لو صحَّ ما يُشدّ له الرحل.

س: ..............؟

ج: مسجد مكة وما يُزاد فيه.

س: ...............؟

ج: قصدك من جهة الفضل؟ يعمّ الحرم كله على الصحيح، هذا في قول ..... من العلماء رجح ابنُ القيم وجماعة أنه يحرم الحرم كله؛ لأن كله يُسمَّى: مسجدًا حرامًا: وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ [الفتح:25]، هذا هو الأظهر، الأظهر أنه يعمّ، لكن ما كان حول الكعبة أفضل؛ لمضاعفة الأجور، وكثرة الجمع، وخروجًا من الخلاف.

س: ..............؟

ج: تُضاعف من جهة الكيفية، لا من جهة العدد، السيئات لا تُضاعف من جهة العدد؛ لأنَّ الله قال: وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا [الأنعام:160]، فالسيئات لا تُضاعف من جهة العدد والكمية، ولكن تُضاعف من جهة الكيفية والصفة، والسيئات في الحرم أعظم وأكبر من السيئات في غيره، وسيئات في رمضان أعظم من سيئات في غير رمضان.

س: .............؟

ج: ما يثبت عن ابن عباسٍ.

س: .............؟

ج: لا، الأدلة الدالة على أنه يُسمى: مسجدًا حرامًا، هذه الأدلة دلَّت على أنَّ الحرم يُسمَّى: مسجدًا حرامًا، وأن الكفار صدُّوا المسلمين عن المسجد الحرام، فجعله حرمًا.

..............

س: ..............؟

ج: مراد الناس بالحجاج؛ لأنَّ العمرة يسر فيها وسهل؛ لأنها تعمل في جميع السنة؛ ولأنَّ الرسول لما اعتمر لم يُحفظ عنه أنه ودَّع عليه الصلاة والسلام: لا في الجعرانة، ولا في عمرة القضية، ولم يأمر عائشة بالوداع لما اعتمرت، وكفتها عمرتها عن الوداع للحجِّ، فالعمرة أمرها أوسع وأسهل؛ لأنها مشروعة دائمًا دائمًا، فمن تخفيف الله أن ليس لها وداعٌ واجبٌ، لكن إذا ودَّع فحسن.

وحكى ابن عبد البر الإجماع على أن ليس لها وداع العمرة، ذكره ..... عن ابن عبد البر، ولكن ليس بإجماعٍ، في قولٍ آخر في وجوب الوداع للعمرة، ليس بإجماعٍ، لكنه قول الأكثر.

س: ............؟

ج: جاءت فيها بعض الأحاديث، ما أذكر إسناد الحديث في النظر للكعبة .....، ما أذكر سنده الآن.

س: .............؟

ج: عليه دمٌ عند الجمهور، يلزمه دمٌ عند الأكثر، وبعض أهل العلم ما يرى عليه شيئًا، وأنه مستحبٌّ، ولكن الأظهر وجوبه للأمر به، فإذا تركه فعليه دمٌ.

س: .............؟

ج: ما أعلم فيه بأسًا، ما أذكر في سنده شيئًا.

س: ..............؟

ج: يرسل الدم إلى مكة، إما يرجع هو، أو يُوكل مع الثِّقات مَن يذبح عنه، وأعظم ما احتجوا في هذا ما ثبت عن ابن عباسٍ أنه قال: "مَن ترك نسكًا أو نسيه فليُهرق دمًا"، قالوا: هذا في حكم الرَّفع.

س: ..............؟

ج: الظاهر ليس بالأولى، الأولى أنه يُقبل على صلاته وعلى مواضع سجوده، هذا هو الأصل العام، وهو الأقرب للخشوع، أما كونه يُستحب النظر إليها في حال جلوسه أو حال قراءته، أو يعني نظر عبادة؛ يحمد الله أن جعله من أهلها و..... لها يمكن، قد جاء حديث أنه جعل لمن نظرها كذا، ولمن صلَّى كذا، ولكن ما أذكر سنده الآن، ويبعد عندي والله أعلم صحّته، لكن التتبع .....

س: ...............؟

ج: الأقرب عندي أنَّ المراد في غير الصلاة، أنَّ الصلاة ينبغي الإقبال عليها؛ للآية الكريمة: الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ [المؤمنون:2]، هو عامّ، كانوا يرفعون أبصارهم، فلما نزلت الآيةُ وضعوا أبصارهم إلى مواضع سجودهم.

س: .............؟

ج: المعروف في الصحيح بعد الفجر، ثبت في الصحيح ..... أنه صلى بهم وقرأ بهم الطور، ثم بعد الصلاة ارتحل عليه الصلاة والسلام.

..............

بَابُ الْفَوَاتِ وَالْإِحْصَارِ

780- عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَدْ أُحْصِرَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فَحَلَقَ وَجَامَعَ نِسَاءَهُ، وَنَحَرَ هَدْيَهُ، حَتَّى اعْتَمَرَ عَامًا قَابِلًا. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

781- وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: دَخَلَ النَّبِيُّ ﷺ عَلَى ضُبَاعَةَ بِنْتِ الزُّبَيْرِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي أُرِيدُ الْحَجَّ، وَأَنَا شَاكِيَةٌ، فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: حُجِّي وَاشْتَرِطِي: أَنَّ مَحَلِّي حَيْثُ حَبَسْتَنِي. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

782 و783- وَعَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ الْحَجَّاجِ بْنِ عَمْرٍو الْأَنْصَارِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: مَنْ كُسِرَ أَوْ عُرِجَ فَقَد حَلَّ، وَعَلَيْهِ الْحَجُّ مِنْ قَابِلٍ.

قَالَ عِكْرِمَةُ: فَسَأَلْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ وَأَبَا هُرَيْرَةَ عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَا: صَدَقَ. رَوَاهُ الْخَمْسَةُ، وَحَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ.

الشيخ: يقول المؤلف رحمه الله: باب الفوات والإحصار.

الفوات مصدر: فات يفوت فواتًا، إذا مضى ولم يُدرك، إذا مضى الشيء ولم يُدرك قيل: فات، فاتت الصلاةُ في الجماعة، أي: مضت ولم يُدركها، فات الطَّلب: لم يُدرك، فات العدو: لم يُدرك، فات الحجُّ من طلوع الفجر من يوم النحر، أي: ما أمكنه إدراكه، لمن لم يقف بعرفة قبل طلوع الفجر في ليلة النحر. والمراد هنا هو الأخير، يعني: حكم مَن فاته الحجُّ من طلوع الفجر من يوم عرفة.

وكان يحسن من المؤلف أن يذكر شيئًا من هذا الشيء، كان الأحسن أن يذكر له حديث عبدالرحمن، وحديث أبي أيوب وجماعة في قصة فوات الحجِّ، ولم يذكر في هذا الباب شيئًا من ذلك.

المقصود لعله ذكر ذلك لأمرٍ مقصودٍ ومعروفٍ، أو أراد أن يفعل ذلك لكن نسيه لعارضٍ عرض.

المقصود أنَّ الفوات به هنا فوات الحجِّ، وهو يفوت بطلوع الفجر من يوم عرفة، فمَن أحرم وفاته الحجُّ حلَّ بعمرةٍ، كما أفتى بهذا عمر ..... ولأبي أيوب الأنصاري، وهذا هو الصواب: مَن فاته الحجُّ تحلل بعمرةٍ، ويقضي إن لم يكن حجَّ حجة الإسلام، وإن كان حجَّ حجة الإسلام على خلافٍ بين أهل العلم في ذلك، وقيل: يقضي ويُهدي مطلقًا، كما أفتى عمر بذلك وأطلق؛ أفتاهما بأن يقضيان ويهديان العام القابل لمن فاته الحجُّ.

وهذا كله إن لم يشترط، فإن شرط أنَّ محله حيث حُبس فإنه لا يكون عليه شيءٌ كما جاء في حديث ضباعة.

وأما الإحصار فهو مصدر أحصر إحصارًا، ويقال: حصر حصرًا، ويقال: ثلاثي ورباعي، وجاء في القرآن الكريم بالرباعي: فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ [البقرة:196]، واختلف العلماءُ في ذلك: هل يُقصد به حصر العدو فقط، أو يعمّه ويعمّ غيره على إطلاق الآية؟ على قولين لأهل العلم، والأرجح أنه يعمّ باعتبار الحقيقة والمعنى، لا بمجرد السبب، وإن كان السببُ إحصار قريشٍ للنبي ﷺ ومنعه إياه من أداء عمرته في عام الحديبية، لكن الحكم يعمّ حصر العدو وحصر غير العدو، هذا هو الأرجح.

وقال جماعةٌ -وهو المعروف عن ابن عباس- إنه خاصّ بالعدو فقط، على حسب ما جاء في الآية فقط، يعني: على حسب سبب نزول الآية.

والنبي ﷺ أُحصر يوم الحديبية في عام ستٍّ من الهجرة، جاء مُعتمرًا ومعه ألف وأكثر من أربعمئة، فلما وصلوا إلى قرب الحرم منعتهم قريش، ونزلوا في الحديبية، وجرى بينهم وسائل الصلح حتى تم الصلح، وأوحى الله إلى نبيه ﷺ أن لا يسألوه خطةً يُعظِّمون فيها حُرمات الله إلا ويُجيبهم إليها، فلم يرغب في قتالهم، ولم يأمر بقتالهم.

وكان بعضُ الصحابة أحبَّ قتالهم، وألا يرجع العُمَّار إلا وقد أدوا عمرتهم، ولكن الله أمر بإمضاء الصلاح وعدم القتال ذلك الوقت؛ لحكمةٍ بالغةٍ، فلم يزل النبيُّ ﷺ بينه وبينهم الرسل يترددون حتى تم الصلح على وضع الحرب عشر سنين، وعلى أنه يرجع عنهم ذلك العام، ويأتي في العام القادم مُعتمرًا.

فلما تم الصلحُ على هذا بعد ترددٍ، وبعد تردد الرسل، أمر ﷺ أصحابه أن ينحروا الهدي، وأن يحلقوا ويتحللوا، فحصل بعض التوقف في ذلك؛ لعلهم يرجون أن يتيسر لهم الاعتمار، وتغيَّظ رسولُ الله ﷺ من ذلك واشتدَّ عليه الأمر، ودخل على أم سلمة وأخبرها بذلك، لما رأت ما في نفسه سألته فأخبرها، فقالت: يا رسول الله، إن كنت عازمًا على هذا الأمر فابدأ؛ فانحر هديك، واحلق رأسك، حتى يعلموا أنه ليس هناك حيلة في الاعتمار وأنَّ الأمر قد انتهى. وكانت مشورةً صالحةً، ورأيًا صائبًا، فخرج إلى الناس وأمر بنحر هديه، ولما رأى الناسُ ذلك بادروا إلى نحر هداياهم، وعرفوا أنَّ الأمر جدّ، وأنه ليس هناك حيلة في العمرة.

المقصود أنه ﷺ نحر هديه ذلك اليوم بعدما تم الصلح، وحلق رأسه، وبادر الصحابةُ إلى ذلك، ومَن ليس عنده هدي فعليه الصوم كالمتعة.

وفي هذا حديث ابن عباس: أنه ﷺ في يوم الحديبية حلق رأسه، وجامع نساءه، ونحر هديه، يعني: بعدما تم الصلح حلق رأسه بعد النحر، فإنه أمر بالنحر قبل، والله قال: وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ [البقرة:196].

فنحروا الهدي ثم حلقوا وتحللوا، وأُبيح لهم النِّساء وكل شيءٍ، ورجعوا إلى المدينة، فسمَّاه الله: فتحًا، وصار سبب خيرٍ عظيم، وتوافد الناس بعد ذلك -المسلم والكافر- وسمعوا القرآنَ، وتعلموا الإسلام، ودخل الناسُ في دين الله كثيرًا، ثم جاء الفتحُ الأكبر: فتح مكة، ودخل الناسُ في دين الله أفواجًا، وكان فتح الحديبية فتحًا مُقدَّمًا لفتح مكة بالقوة.

ودخل الناسُ في الفترة بين فتح مكة وبين الحديبية، دخل جمٌّ غفيرٌ من الناس منهم: خالد بن الوليد، وعمرو بن العاص، وعثمان بن طلحة، وأمم كثيرة دخلوا في دين الله بين الفتحين.

ولم يأمر ﷺ أصحابه أن يقضوا عمرةَ القضاء، وإنما سُميت: عمرة القضاء من أجل التَّقاضي والمصالحة، فدلَّ ذلك على أنَّ المحصر ليس عليه قضاء إلا أن تكون حجّة الإسلام فإنه يقضيها، هذا هو الصواب.

وظنَّ بعضُ الناس أنها سُميت: قضاءً لوجوب القضاء. وليس كذلك، وإنما يُقال لها: عمرة القضاء، وعمرة القضية، من باب المقاضاة والمصالحة فقط، كما قرر ذلك أهلُ التحقيق: كابن القيم، وشيخ الإسلام ابن تيمية، وغيرهم.

وهكذا مَن حصره ضياع النَّفقة، أو ضلَّ السَّبيل، أو مرض، فإنه على الصحيح ينحر هديًا، ويحلق رأسه ويتحلل، فإن كان اشترط فلا شيء عليه، ويدل على هذا حديث ضباعة بنت الزبير بن عبد المطلب، عمّ النبي ﷺ؛ لأنَّ الزبير هو أخو عبدالله بن عبد المطلب، وهي ابنة عمِّه، كانت تحت المقداد بن الأسود الكندي الشّجاع المعروف، الصحابي الجليل.

فقالت: يا رسول الله، إني أريد الحجَّ، وإني شاكية. تستأذنه في الحجِّ وتقول: إنها شاكية، مريضة، قال: حُجِّي واشترطي: أنَّ محلي حيث حبستني.

فهذا يدل على أنَّ المريض لا بأس أن يحجَّ، ولا بأس أن يشترط، فإذا قال: محلي حيث حبستني، أو لبيك حجًّا ولي التَّحلل إذا عجزت، أو إذا مرضت، أو أنا في حلٍّ إذا عجزت ..... أو ما أشبه ذلك من العبارات فلها ذلك، وللرجل ذلك؛ لهذا الحديث الصحيح.

فإذا أحرم بحجٍّ أو عمرةٍ واشترط، ثم نزل به مرضٌ أو عدو، أو ضاعت نفقته، أو ضلَّ السبيل؛ فإنه يتحلل ولا شيء عليه؛ لهذا الحديث الصحيح.

أما حديث الحجاج بن عمرو الأنصاري، وحديث ابن عباس، وأبي هريرة فظاهره يدل على أنه له التَّحلل وإن لم يشترط.

وعلى هذا يكون التَّحلل بأمورٍ ثلاثة:

الحصر والعدو ونحوه على الصحيح.

الثاني: الاشتراط.

الثالث: لزوم يشقّ عليه العمل معه: من الكسر والعرج والمرض، كما في الرواية الأخرى.

فإنه بهذا يتحلل وإن لم يشترط، ولعله ما جاء في حديث ضباعة كان قبل هذا، قبل ما في حديث حجاج بن عمرو، فجاز هذا وهذا: جاز التَّحلل بالاشتراط، وجاز التَّحلل بغير الاشتراط؛ لقوله: فقد حلَّ، المعنى: صار حلالًا، أو دخل في الحلِّ، وهذا أقرب، يعني: فقد حلَّ له الخروج من عُمرته أو حجِّه.

وقد راجعتُ هذا الحديث، يعني: في النفس من متنه شيء، مع مُراعاة ما تقدم في الحصر وحديث ضباعة، فرأيت إسناده لا بأس به على شرط الصحيح؛ لأنه من رواية يحيى بن أبي كثير، عن عكرمة، عن ابن عباسٍ، وقد صرح يحيى بالسماع من عكرمة، وفي روايةٍ من روايات عكرمة عن عبدالله بن رافع، وهو ثقة عن الحجاج، والحجاج صرح بالسماع من أبي هريرة، عن النبي ﷺ، ثم صرح بالسَّماع ..... أبي هريرة وابن عباسٍ، وهو حديث جيد لا بأس بإسناده، فيكون على أحد قولي العلماء دالًّا على إذنٍ ثالثٍ وتحللٍ ثالثٍ؛ وهو المرض من كسرٍ وعرجٍ ونحوهما مما يمنعه من كمال نُسكه، أو يشقّ عليه.

فيكون التَّحلل بالحصر، ويكون بالاشتراط، ويكون بالعلة المانعة من إكمال حجِّه أو عُمرته إلا بمشقَّةٍ: كالكسر والعرج، وهذا واضح ظاهر من السياق، وليس المراد أنه حلٌّ مطلقًا، وليس له البقاء، والأقرب ما دلَّ عليه الحصر، وما دلَّ عليه حديث ضباعة، المعنى: أنَّ له التَّحلل، وليس معناه أنه صار حلالًا، وليس له أن يبقى في إحرامه، والأقرب خلاف ذلك؛ الأقرب فقد حلَّ يعني: جاز له التَّحلل، وحلَّ له التَّحلل، فإذا شاء أن يتحلل فلا بأس، وإن شاء يمضي في عمرته وحجِّه فلا حرج، كما صبر النبيُّ ﷺ وأصحابه يرجون أن يمضوا، ويرجون أن يزول الحصر، وكما قال لضباعة: اشترطي أنَّ محلي حيث حبستني، فدلَّ على أنها لو مضت لا بأس، لو مضت وصبرت على المشقة والله أعلم.

س: ............؟

ج: إذا كان اشترط فهو أسلم وأحسن؛ جمعًا بين الروايات؛ لأنَّ حديث ضباعة صحَّ في "الصحيحين"، وله شاهد آخر من حديث جابرٍ، أما حديث عكرمة فقد لا يخفى ما قيل في عكرمة، وإن كان الصوابُ أنه ثقة، وأنه ليس به جرحٌ، هذا الصواب كما قال الحافظ، ولم يثبت عن ابن عمر أنه كذَّبه، فقد روى صاحبُ الصحيح في الأحاديث الصَّحيحة المعتمدة، وروى له مسلم في المتابعة، وروى له الأئمة، ومدار الحديث عليه، ولكن بكل حالٍ، إذا حُمل على المعنى فقد حلَّ، يعني: جاز له التَّحلل، وجاز له المضي، وهو أظهر؛ جمعًا بين الأخبار .....

س: ..............؟

ج: ما هو بظاهرٍ؛ لأنَّ "قد حلَّ" قالها النبيُّ للناس وأطلق، والاشتراط شيء آخر، لكن يكون التَّحلل بالاشتراط، ويكون التَّحلل بالعذر الشَّرعي وإن لم تشترط، يكون الاشتراطُ من باب تأكيد المقام، ومن باب العناية بهذا النُّسك العظيم، حتى يكون ذلك أسمح لنفسه، وأرضى لنفسه بالخروج؛ لكونه اشترط على ربِّه، هذا هو المتبادر الآن، وقد راجعتُ بعض كلام أهل العلم في هذا فلم يظهر لي خلاف .....

س: .............؟

ج: العذر الشَّرعي الذي يمنع كمال العمل، مثل: العرج، والكسر، والمرض الشديد مثل ذلك.

س: .............؟

ج: العذر يطرأ عليه، وضياع النَّفقة، وضلّ السبيل، وحصر العدو.

س: .............؟

ج: قد لا يتيسر له دخول مكة، ما معه نفقة، فرجوعه أسهل عليه.

س: .............؟

ج: الأقرب أنه ما يلزم، عليه حجٌّ قابل، يتحلل بعمرةٍ فقط، إلا إذا كان ما حجَّ حجة الإسلام، هذا هو الأقرب؛ لأنَّ الله جلَّ وعلا أوجب الحجَّ مرةً في العمر، وهذا الذي فاته الحجُّ قد يكون ليس باختياره، مثلما يرى ..... مع الصحابة في عمرة القضاء، قد يكون معذورًا.

س: .............؟

ج: وأوجبوا هذا على أنفسهم، والمحصورون أيضًا، لكن أمر بالإتمام مع القُدرة، وهذا ما استطاع أن يتمّ مع القُدرة، ما استطاع.

س: .............؟

ج: الظاهر أنه مثل قصة المحصورين: ينحر ويُهدي، فإن عجز صام عشرة أيام وتحلل، يحلق.

س: .............؟

ج: واجبة، يقضيها إن كان ما اعتمر، يقضيها مثل الحج سواء.

س: .............؟

ج: يعني إذا كان ما حجَّ حجة الإسلام، هذا الظَّاهر.

س: ما هو بعامٍّ؟

ج: لا، ليس بعامٍّ، وفي قولٍ لبعض أهل العلم أنه عليه كالمحصر أيضًا، ولكنه قول مرجوح، جماعة من أهل العلم يقولون: المحصر ومَن فاته الحجُّ ومَن كُسر أو عرج كلهم يقضون، ولو كانوا قد حجّوا؛ أخذًا بالعموم، ولكن إذا نظرنا إلى أصل الحجِّ، وأنَّ الله جلَّ وعلا جعله مرةً في العمر، ولم يُوجب على الناس إلا مرة في العمر، فالذي ابتُلي أولى بالمعذرة من الذي ليس بمبتلى، بل مُترفه ومُستريح، وليس عليه حجٌّ إلا مرة في العمر، هذا الذي ابتُلي أولى بالمسامحة، وأحقّ بالمسامحة من أن يُوجب عليه حجّة أخرى؛ ولهذا قالوا في عُمرة القضاء أنه ليس عليهم قضاء، وإنما هي المقاضاة والمصالحة.

س: ..............؟

ج: المسألة فيها اجتهاد ونظر، لكن هذا هو الأقرب.

س: ..............؟

ج: انتهى الأمرُ، ما جزموا بشيءٍ، مثل: لو نحر الهدي وحلق، ثم قال له العدو: سمحتُ لكم ..... انتهوا، تحللوا، وبعد ذلك بالخيار: إن شاء أخذ عمرةً، وإن شاء ما أخذ عمرةً، يكون مُخيَّرًا.

س: ..............؟

ج: المصالحة أنهم يأتون بعمرةٍ بدلها، يسمحون لهم، وإن لم تكن فريضةً عليهم، لكن من باب تطييب النفوس وتعويضهم عمَّا صدُّوا عنه.

س: ..............؟

ج: الرابع عُمرته مع حجة الوداع: الحديبية أول عمرة، والثانية عمرة القضاء، والثالثة عمرة الجعرانة في عام ثمانٍ، والرابعة التي مع حجته، المقرونة مع حجته، وعُمرة الحديبية هي أول عمرةٍ.