29 من حديث (لا يحل سلف وبيع ولا شرطان في بيع..)

 

808- وَعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِاللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ نَهَى عَنِ الْمُحَاقَلَةِ، وَالْمُزَابَنَةِ، وَالْمُخَابَرَةِ، وَعَنِ الثُّنْيَا، إِلَّا أَنْ تُعْلَمَ. رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إِلَّا ابْنَ مَاجَهْ، وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ.

809- وَعَنْ أَنَسٍ قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَنِ الْمُحَاقَلَةِ، وَالْمُخَاضَرَةِ، وَالْمُلَامَسَةِ، وَالْمُنَابَذَةِ، وَالْمُزَابَنَةِ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

810- وَعَنْ طَاوُسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: لَا تَلَقَّوا الرُّكْبَانَ، وَلَا يَبِيعُ حَاضِرٌ لِبَادٍ.

قُلْتُ لِابْنِ عَبَّاسٍ: مَا قَوْلُهُ: وَلَا يَبِيعُ حَاضِرٌ لِبَادٍ؟ قَالَ: لَا يَكُونُ لَهُ سِمْسَارًا. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَاللَّفْظُ لِلْبُخَارِيِّ.

811- وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: لَا تَلَقَّوا الْجَلَبَ، فَمَنْ تُلُقِّيَ فَاشْتُرِيَ مِنْهُ، فَإِذَا أَتَى سَيِّدُهُ السُّوقَ فَهُوَ بِالْخِيَارِ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

812- وَعَنْهُ قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أَنْ يَبِيعَ حَاضِرٌ لِبَادٍ، وَلَا تَنَاجَشُوا، وَلَا يَبِيعُ الرَّجُلُ عَلَى بَيْعِ أَخِيهِ، وَلَا يَخْطُبُ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ، وَلَا تُسْأَلُ الْمَرْأَةُ طَلَاقَ أُخْتِهَا لِتَكْفَأَ مَا فِي إِنَائِهَا. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

وَلِمُسْلِمٍ: لَا يَسُمِ الْمُسْلِمُ عَلَى سَوْمِ الْمُسْلِمِ.

الشيخ: هذه الأحاديث الخمسة مشتملة على عدة مسائل وأحكام:

الحديث الأول: حديث جابر بن عبدالله بن عمرو بن حرام الأنصاري رضي الله تعالى عنهما: أن النبي نهى عن المحاقلة، والمخابرة، والمزابنة، وعن الثنيا إلا أن تُعلم.

هذا الحديث دلَّ على أربع مسائل:

جاء النَّهي عن المحاقلة، قال العلماء: وهي بيع الحبِّ في الزرع إما بطعامٍ بغير مُراعاة المماثلة، يعني .....، فيكون ربًا، أو بيعه قبل أن يشتدّ حبُّه فيكون بيعه حينئذٍ أيضًا غير جائزٍ؛ لأنه عرضة للآفات، والأشهر الأول، وهو بيعه بالطعام المكيل، كما فسَّره جابر؛ وذلك لأنه ربا؛ لأنَّ .....، فالمكيل الذي ..... باع مجهولًا بمعلومٍ، فلا يجوز .....، وشرط الأموال الربوية -شرطها- أن تكون متماثلةً، يدًا بيدٍ، وهذا غير متماثلٍ فلا يصحّ.

لكن على هذا لو باعه بعدما اشتدَّ حبُّه، لو باعه بالنُّقود أو بغير جنسه، يدًا بيدٍ صحَّ .....، فإذا اشتدَّ الحبُّ صار مثل الثَّمرة إذا بدا صلاحها، جاز البيع، وإذا باعه بما يجوز به بيعه فلا حرج في ذلك.

أما في حالين فلا يُباع:

إحداهما: إذا كان لم يشتدّ؛ لأنه عرضة للآفات، فلا يجوز بيعه.

الحال الثانية: أن يبيعه من جنسه، فلا يجوز أيضًا .....، فلا يبيع حنطةً بحنطةٍ، هذا زرع، وهذا حبَّة؛ لأنه غير متماثلٍ؛ لأنَّ الحاصل في الزرع غير معلومٍ، فلا يجوز بيعه بمثله، لو كان الحنطةُ بآصعٍ من أرزٍ أو بتمرٍ، يدًا بيدٍ، وقد اشتدَّ حبُّه فلا حرج على القاعدة: إذا اختلفت الأصنافُ فبيعوا كيفما شئتُم إذا كان يدًا بيدٍ.

أما المزابنة فهي بيع الربوي بجنسه، هذا .....، وقال بعضهم أنَّ الزبن هو الدَّفع، فلعلَّ ذلك لأنَّ المتبايعين .....، هذا يحرص على أن يبيع، وهذا يحرص على أن يشتري؛ لما يتخيله، أو لما يقصده، أو لما يريده كل واحدٍ منهما من الربح والفائدة، ومنع هذا كما جاء في حديث ابن عمر للربا؛ لأنَّ بيع الزرع بالمكيل ربا، بسبب عدم التَّماثل، وبيع الرطب بالتمر ربًا؛ لأنه غير التَّماثل، ما يعلم التَّماثل، والعنب بالزبيب ربا؛ لأنه غير معلوم التَّماثل فمُنع، فلا يُباع التمر إلا .....، سواء بسواء، يدًا بيدٍ، وهكذا ما أشبه ذلك، فمنعت المزابنة لهذا؛ لوجود الربا، وهي بيع ..... بيع الزرع بالمكيل، بيع العنب بالزبيب، هذه هي المزابنة، وهي ممنوعة .....

أما المخابرة فقد اختلفوا فيها: فسَّرها بعضُهم بالمزارعة المعروفة الجائزة، وهي .....، وهذا التفسير خطأ وغلط؛ لأنَّ هذا شيء جائز، قد أجازه النبيُّ ﷺ، وعامل أهل خيبر بشطر ما يخرج منها .....، هذا جائز .....، والصواب في المخابرة أنها زراعة الأرض بجزءٍ مما يخرج منها من نفس الزرع، ما هو مشاع، من نفس الزرع، كأن يقول: ..... على أنَّ لي الجزء الشمالي، ولك الجزء الجنوبي، أو أُزارعك على أنَّ لي الغربية، ولك الشرقية. هذا مجهولٌ، قد يطيب هذا ويضعف هذا، وقد يُبتلى هذا بشيءٍ من الآفات مثلما جاء في حديث رافع بن خديج، فلا يجوز.

ويلتحق بذلك ما فيه جهالة، مثل أن يقول: أُزارعك هذه الأرض على النصف وزيادة آصع مع جزءٍ مشاعٍ. هذا فسر به أيضًا، وهو تفسير صحيح؛ لأنَّ فيه جهالةً فلا يجوز.

فالمخابرة هي مُزارعة فيها جهالة، فيها خطر فتُمنع، أما المزارعة التي ليس فيها جهالة: كأن يُزارع في الأرض بآصعٍ معلومةٍ، أو بدراهم معلومةٍ، هذه إجارة، ما هي مزارعة في الحقيقة، هذه لا بأس بها، أو يُزارعه الأرض بثلث ما خرج منها، بالربع، بالنصف، فلا بأس أيضًا؛ لأنها مُزارعة واضحة، قد اشتركا فيها في الربح والغُرم، فلا حرج في ذلك، كما فعله النبيُّ مع أهل خيبر.

المسألة الرابعة: الثنيا ..... ينهى عنها للجهالة، فلو قال: أبيعك هذه الغنم إلا خمسًا منها. ولم يُبينها، أو إلا واحدة منها، ولم يُبينها، لم يصحّ؛ لأنه قد يختار الطيب النَّفيس فيضرّ المشتري؛ ولهذا قال في الحديث: إلا أن تُعلم .....

المقصود أنَّ الثنيا إن كانت مجهولةً حرمت وأفسدت البيع، وإن كانت معلومةً فلا بأس، فإذا قال: بعتُك هذه الأرض إلا كذا وكذا ذراعًا من ..... الجنوبي أو الشمالي، إذا كانت مختلفةً، أو بعتُك هذه الإبل إلا الناقة الفلانية، أو البعير الفلاني، أو إلا خمس منها، وسمَّاها وعيَّنها، أو هذه الغنم إلا كذا وكذا، وسمَّاها فلا بأس؛ لأنه شيء معلوم، فلا حرج في ذلك، وحديث أنسٍ مثل حديث جابرٍ في المعنى في المحاقلة.

أما المخاضرة: فهي بيع الزرع الأخضر والثَّمر الأخضر؛ لأنه إذا باعه على شرط البقاء فهو عرضه للآفات، والنبي نهى عن بيع الحبِّ حتى يشتدَّ، وعن بيع الثمر حتى يبدو صلاحه، فبيع المخاضرة لا يجوز؛ لما فيه من الغرر والخطر، لكن قال العلماء: لو باعه على أنه يجزّه في الحال ويقطعه في الحال علفًا فلا بأس، إذا كان ينتفع به فلا بأس، مثل: بيع الزرع ليجزّه علفًا فلا بأس بذلك، وأما أن يبيعه ليبقى على حسابه، لا؛ لما فيه من الخطر.

أما الملامسة -وهي المسألة الثالثة- والمنابذة -وهي المسألة الرابعة- في الحديث: فهي عند أهل العلم ممنوعة؛ لما فيها من الجهالة، بيع الملامسة والمنابذة لما فيها من الجهالة، وفسَّروه بأن يقول: أي ثوبٍ لمسته أو لمسه فلان فهو عليك بكذا، أو أي ثوبٍ نبذته إليك أو نبذه إليك فلان فهو عليك بكذا. هذا فيه خطر؛ فقد ينبذ إليه ثوبًا رديئًا، فلا يجوز هذا البيع؛ لأنَّ الملامسة والمنابذة هو داخل في بيع الغرر فيُمنع؛ لأنَّ الشريعة جاءت بحفظ أموال العباد، وبرعاية مصالحهم، ومنعهم عمَّا يضرهم، وبيع الغرر يضرهم؛ فلهذا منعت الملامسة والمنابذة والمزابنة، تقدم الكلام فيها، المزابنة: هي بيع الربوي بالربوي من غير تحقق التَّماثل، فيُمنع.

والحديث السادس حديث طاوس عن ابن عباسٍ: نهى عن تلقي الركبان، وعن بيع حاضرٍ لبادٍ. وهكذا حديث أبي هريرة: تلقي الجلب، هذا يدل على تحريم بيع الحاضر للبادي.

في "صحيح مسلم" عن جابرٍ، عن النبي ﷺ أنه نهى أن يبيع حاضرٌ للبادِ، وقال: دعوا الناس يرزق الله بعضَهم ببعضٍ، فهذا يُبين الحكمة، وأنَّ بيع الحاضر للبادي قد يضرّ الناس؛ فإنَّ الحاضر عليم بالأسعار، بصير بها، فقد يتحكم بالسلع ولا يبيعها إلا بأسعار خاصةٍ يضرّ الناس، أما البادي فقد جلب من مزارعه، فهو يتسامح، يبيع على الناس بأقلّ من الأسعار الموجودة، فإذا تُرك يبيع صار أرخص للناس وأوفر للخيرات؛ فلهذا نُهي عن بيع الحاضر للبادي لهذا المعنى: دعوا الناس يرزق الله بعضَهم ببعضٍ.

والحاضر هو المقيم في البلد، والبادي هو الذي يقدم إليها من خارجٍ: من القرى الخارجية، والبلدان الخارجية، لا من أطراف البلاد، فأطراف البلد أهلها حاضرون، ولكن يقدم ليبيع، يجيء من الخرج، من الحوطة، من الأحساء، من غير ذلك يبيع، فلا يبيع له الحاضر.

وهكذا أشباه ذلك مما يُجلب من بعيدٍ، والعلة مثلما في الحديث: دعوا الناس يرزق الله بعضَهم ببعضٍ.

كذلك تلقي الجلب يُنهى عنه، والجلب: ما يُجلب على السوق، الرسول نهى عن تلقيه، ونهى عن بيع السلع حتى تضبط في الأسواق، تدخل الأسواق، وهذا في رعاية الجالب، والأول في رعاية الحاضر: نهى عن بيع الحاضر للباد لرعاية الحاضرين والمقيمين، وفي النَّهي عن تلقي الجلب رعاية لأحوال الجالبين؛ لئلا يُخدعوا.

فالشريعة راعت هؤلاء وهؤلاء، فالجالبون يُتركون يبيعون لأنفسهم بعد هبوط الأسواق، ويُمنع الحاضرون أن يبيعوا لهم؛ حتى لا يضروا أهل السوق، فالجالب يبيع ويتصرف ويكون حرًّا، ولا يُتلقى فيُخدع، ولا يبيع له الحاضر فيضرّ أهل الأسواق، ويضرّ أهل البلد، وهذا في رعاية الطائفتين ورعاية الجانبين وتحصيل المصلحتين.

قال: فمَن تُلقِّي فاشتُري منه، في روايةٍ: فمَن تلقَّاه بالهاء، كأنها سقطت على المؤلف أو على بعض النُّساخ الهاء من هنا: فمَن تلقاه فاشترى منه يعني: مَن تلقَّى الجلب فاشترى منه، فهو بالخيار يعني: إذا تُلقي واشتري من قبل هبوطه السوق فهو بالخيار: إن شاء الرجوع فله الرجوع؛ لأنه قد يُخدع في التَّلقي، فله الرجوع والخيار إذا رأى أنه مغبون وأنَّ المتلقي قد غبنه.

ولهذا قيد هذا بعضُ أهل العلم بالغبن، قال: إذا كان قد غُبن فله الخيار، أما إذا كان لم يُغبن فلا خيارَ له.

وهذا القيد له وجهه؛ إذ لا حاجةَ للخيار ما دام ما هناك غبن، وهو كذلك ليس له حاجة في الخيار ولا يختار إذا كان ما هناك غبن.

فالحاصل أنه إذا تُلقي فله الخيار، وظاهر النص الإطلاق، وأنه له أن يختار فسخ البيع مطلقًا ولو لم يُغبن؛ لأنه قد يرى أنَّ عدم العجلة في بيعه مصلحة له، وقد يرى أنه مغبون وإن لم يُغبن، فله الخيار، وهذا القول أظهر؛ لأنَّ الرسول ما قيد؛ ولأنَّ الناس يختلفون: هذا يقول: فيه غبن، وهذا يقول: ما فيه غبن، فإذا جُعل له الخيار كان هذا أقرب إلى طيب نفسه، وإراحة قلبه، وهو أقرب إلى النص -الأخذ بظاهر النص- فله الخيار مطلقًا: غبن أو لم يُغبن لأمرين:

أحدهما: أنَّ الغبن قد يختلف الناس فيه، هذا يقول: مغبون، وهذا يقول: ما هو بمغبونٍ.

والأمر الثاني: أنه أطيب لقلبه.

وهناك أمر ثالث: وهو تعزير المتلقي وتأديبه حتى لا يعود للتَّلقي.

ففيه مصالح ثلاث:

الأول: قطع النزاع في الاختلاف: هل غُبن أو ما غُبن؟ فنقول: له الخيار، وانتهينا.

ثانيًا: أنه أطيب لقلبه، قد يقول: غشُّوني، قالوا: ما عليه غبن، وهو عليه غبن، فهو أطيب لقلبه أن يُفسخ إذا رأى ذلك.

ثالثًا: نوع من التأديب للمُتلقي، والتَّعزير له على ما فعل من معصية الله.

فيكون هذا له الخيار؛ ليطيب قلبه، ولئلا يقع نزاعٌ في الغبن .....؛ ولأنَّ فيه نوعًا من التأديب لهذا المتلقي.

والحديث الخامس: حديث أبي هريرة في النهي عن بيع الحاضر للباد، وتقدم، قال: ولا تناجشوا، تقدم الكلام في النَّجش من حديث ابن عمر، والنَّجش هو: الزيادة في السلعة بثمنها من غير إرادة الشراء. كما تقدم، والتَّناجش تفاعل من الجانبين، فينهى الناس من التَّناجش، وينهى الرجل من ابتداء التَّناجش، ولو لم ينجش عليه، فلا ينجش ابتداءً ولا مقابلةً، وما ذاك إلا لأنَّ فيه إيذاءً وظلمًا للمُشترين، وإيذاء لهم؛ ولأنه من أسباب العداوة والشَّحناء، فلا يجوز التناجش، ولا النجش، بل إن كانت لك رغبة زد وإلا فدع.

والمسألة الثالثة: لا يبيع على بيع أخيه هذا أيضًا من باب جمع القلوب، والحرص على صفائها وسلامتها من الشَّحناء؛ لأنَّ بيعه على بيع أخيه قد يُسبب شحناء وبغضاء، مثل: بيع الحاضر للبادي، والتناجش، وتلقي الجلب، كلها من أسباب الشَّحناء، وعدمها من أسباب الصفاء والسلامة واجتماع القلوب وعدم التَّنافر.

فبيعك على بيع أخيك مما يُسبب الشَّحناء، وهكذا شراؤك على شرائه؛ ولهذا في الحديث الآخر: نهى أن يبتاع الرجلُ على بيع أخيه. يبتاع يعني: يشتري، فكلاهما ممنوع: لا تبع على بيعه، ولا تشترِ على شرائه؛ لأنَّ ذلك ربما أحزنه، وربما أوجد الشَّحناء؛ ولأنَّ فيه أيضًا نوعًا من الظلم؛ لأنَّك بعت على بيعه، أو اشتريت على شرائه، مع ما فيه من الشَّحناء والبغضاء والتَّسبب في تفريق القلوب.

وصورة البيع على بيع أخيك أن تقول لمن اشترى من زيدٍ بعشرة: أنا عندي أحسن منها بعشرة أو بتسعة؛ حتى تبيع على بيعه، حتى يهون في مدة الخيار: خيار الشرط، أو خيار المجلس، وظاهر النص ولو في غير مدة الخيار؛ لأنه إذا قلت له هذا الكلام قد يتحيل على فسخ البيع بأي طريقةٍ، فليس لك أن تقول هذا الكلام.

وهذا هو البيع على بيع أخيك، سواء بجنس الثمن، كأن تقول: عندي أحسن وأطيب، وكذا وكذا، أو بأقلّ من الثمن، كأن يكون اشتراها بعشرةٍ، فتقول: أنا أبيعها بتسعةٍ.

وأما الشراء على شرائه مثل: أن تقول في الصورة التي فيها اشترى إنسانٌ من زيدٍ تقول لزيد: أنت بعتَ فلانًا بعشرةٍ، أنا أرغب أن أشتريها منك بأحد عشر أو باثني عشر، بدل ما بعتها بتسعةٍ، أنا أشتريها منك بأكثر. فتشتري على شراء أخيك، زيد قد باعها على عمرو بعشرة، فتقول: بلغني أنك بعتَها بعشرةٍ، أنا آخذها منك بإحدى عشرة في مدة الخيار؛ حتى يهون، هذا من الشراء على شراء أخيك، فيُمنع أيضًا؛ لأنه يُكسب الشَّحناء ويُسبب الفتن.

س: .............؟

ج: نعم، ما يجوز، ولا يصح.

المسألة الرابعة: النَّهي عن الخطبة على خطبة أخيه، المسألة الرابعة من حديث أبي هريرة، وقد جاء النَّهي عنها في عدة أحاديث: حديث ابن عمر وغيره، والعلة فيها مثلما تقدم: لأنها تُكسب الشَّحناء والعداوة؛ ولأنها ظلم لأخيك السابق، تظلمه وقد سبق إلى مَا لم تسبق إليه، ففي هذا نوعٌ من الظلم، كما أنه من أسباب الشَّحناء، وهو نوع من الظلم أيضًا: كيف تتعدَّى على أخيك وقد سبقك؟!

فإذا سمعت أنَّ فلانًا خطب بنت فلانٍ، لا تخطبها حتى يدع، كما في الحديث الآخر: حتى يترك الخاطبُ قبله أو يأذن له. إما أن يأذن لك هو: ما في بأس أن تخطب، أو يترك هو: يهون، أو يردُّونه، فتخطب بعد ذلك، إذا علمت أنه خطب لا تخطب.

هو من باب نصر: خطب يخطب في خطبة النساء، وفي الموعظة: خطب يخطب، من باب نصر، ويختلفان في المصدر: في خُطبة بالضم، وخِطبة النساء بالكسر، كما في الآية الكريمة: وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ [البقرة:235]، يقال: خطب يخطب خُطبةً، يعني: وعظ. وخطب يخطب خِطبةً، يعني: خطب المرأة.

فالماضي والمضارع سواء في المعنيين، ويختلفان في المصدر، فهو في الموعظة بالضم، وفي خِطبة النساء بالكسر.

فليس لك أن تخطب على خطبة أخيك إلا إذا أذن لك أو ترك أو رُدَّ؛ ردَّه أهلُ المرأة، فلك أن تخطب، أما هم فهم بالخيار: إن شاءوا ردُّوه، وإن شاءوا قبلوه، وهو بالخيار ما لم يعقد العقد: إن شاء استمرَّ، وإن شاء رجع، لكن أنت ليس لك أن تخطب إلا إذا رجع هو أو أذن لك أو ردُّوه.

...... على هذا الشخص الذي شرط في بنته وأخته فارق زوجته الأولى، وقد تكون أم أولاده، فيشترط طلاقها، هذا من الظلم: إما أن تتزوج، وإما أن تدع، ما لك حاجة تقول: حتى تُطلق. أنت تعلم أنَّ له زوجةً، ولو أربعًا، فإن شئتَ زوَّجته، وإن شئتَ لا تُزوجه، أما أن تقول: لا حتى تُطلق. هذا لا يجوز؛ لأنَّ هذا فيه تشجيع له على الطلاق، وحثٌّ له على الطلاق، وربما لم يكن في خلده شيء من ذلك، وليس عنده نيةٌ من ذلك، ولكن رغبة في الجديدة قد تدعوه إلى هذا.

وأشدّ من هذا أنهم لا يرضون بالطلقة الواحدة ولا بالطلقتين، بل يُشدد حتى يُطلق بالثلاث، حتى لا يكون له رجعة، وهذا من ظلمهم وجهلهم، ولا يجوز هذا، بل الواجب الكفُّ عن هذا وعدم التَّعرض له بالكلية، فإن شاءوا زوَّجوه، وإن شاءوا تركوه من دون أن يتعرَّضوا للزوجة القديمة.

كذلك السَّوم على سوم أخيه يُمنع، السَّوم من جنس الشِّراء، يُقارب الشراء، فلا يجوز له أن يسوم إذا ظهر من صاحب السلعة الرضا، أما ما دام يطلب الزيادة فلا بأس، يطلب أن يزيد فهذا يكون بالزيادة، فلك أن تسوم، أما إذا رأيته وافق على بيع شخصٍ، قال مثلًا: ..... هذا نصيبك .....، أو شيء يدل على الرضا، فليس لك أن تزيد، أما ما دام يقول: مَن يزيد؟ مَن له رغبة؟ فلا بأس.

س: ..............؟

ج: سيده، صاحبه، مالكه، قد يُستعمل السيد مثل: ربّ الدار.

س: ..............؟

ج: نعم مالكها السيد المالك.

س: ..............؟

ج: الأصل في النَّهي يقتضي فساد المنهي عنه، ولكن في النَّجش لما كان ليس مباشرةً في البيع النبي نهى عن النَّجش فقط، وهو لا يدخل في البيع، فقط يكون لصاحبه الخيار.

س: .............؟

ج: يكون بالخيار فقط؛ لأنَّ الرسول نهى عن النَّجش، لا عن البيع المنجوش، فالنَّجش هو العمل المنهي عنه، فليس له ذلك، فإذا علم المشتري أنه منجوش عليه فله الخيار؛ لأنه مغرور.

س: ...............؟

ج: هذا معناه أنه ما فيه قصاص؛ لأنَّ هذا قصاص يضرّ الغير فلا يجوز.

س: ..............؟

ج: زيد عرف أنَّ عمرًا نجش عليه في السِّلعة الفلانية، فقال: سوف أعمل ضدّه. فصار يأتي السوق وينظر لعله يجده في سوقه فينجش عليه كما نجش عليه في السلعة الفلانية، من باب القصاص، وهو منهي عنه في هذا القصاص، هنا منهي عنه؛ لأنه قد يضرّ غير الآخرين، قد لا يشتري هذا المنجوش عليه، ويشتري غيره فيضرّه.

س: ...............؟

ج: ما يجوز هذا، هذا من بيع الثَّمر قبل بدو صلاحه.

س: المحاقلة والمزابنة؟

ج: الذي يظهر أنها نوعٌ منها: أن المزابنة أوسع وأعمّ، فتشمل المحاقلة، وتشمل بيع الثمر بالرطب، والرطب بالثمر، وتشمل بيع العنب بالزبيب، والمحاقلة تخصّ الزرع.

س: ..............؟

ج: تعمّ الثلاثة .....

س: ..............؟

ج: والله الذي يظهر لي أنه ما يجوز؛ لأنَّ هذا فيه ظلم لأصحاب السلع، ظلم لهم بدون حقٍّ، التَّواطؤ على هذا من المشترين ما هو بظاهرٍ.

س: ..............؟

ج: الظلم من قلة المبالاة.

س: ..............؟

ج: مثلًا بمثلٍ، صاعان بصاعين، ثلاثة بثلاثة، أربعة بأربعة، وهكذا سواء بسواءٍ .....

س: ...............؟

ج: قد يقع، قد يقع، فقط ربا، يُمنع لأجل الربا؛ لأنَّ التَّمر قد لا يتساوى كونه صاعًا بصاعٍ، قد يكون هذا أطيب من هذا .....؛ ولهذا يندر وقوعه؛ لأنه قلَّ أن يتماثلا؛ فلهذا يشترى الطيب بالنقود، والرديء بالنقود؛ لأنهما لا يتماثلان في الغالب، قد يكون هذا أطيب من هذا، أما إذا كانا متماثلين وأيش الفائدة من البيع؟ ما في فائدة.

س: ..............؟

ج: إذا كان يدًا بيدٍ، مثلًا بمثلٍ، صاع من الصقعي، وصاع من الخضري، ما فيه بأس، سواء بسواء.

س: .............؟

ج: ما يجوز، لا، هذا ربا، لكن بعض الناس قد يكون ودّه بالصقعي، وواحد وده بالخضري، فإذا كان صاعًا بصاعٍ، وعشرة بعشرةٍ، يدًا بيدٍ فلا بأس؛ لاختلاف النَّوع.

س: ..............؟

ج: ما ينبغي هذا، ينبغي للحاضر أن يقول: لا، بع أنت بنفسك، الرسول نهى عن بيع الحاضر للباد، بع دهنك بنفسك، بع غنمك بنفسك .....؛ حتى يكون أرخص للناس.

س: ..............؟

ج: يُسمونها: أنواعًا، وهي جنس واحد كلها.

س: ..............؟

ج: إذا تساويا مثلًا بمثلٍ، سواء بسواء، يدًا بيدٍ، أما إذا بالمفاضلة ما يجوز، مثلما قال النبيُّ: أوَّه! عين الربا.

س: ..............؟

ج: جنس واحد، لكنه أنواع، مثل الذهب أنواع، والفضة أنواع، جنس واحد، والحبُّ أنواع، لو بصاع .....، بصاع حنطة، بصاع برٍّ يُسمونه: حبًّا، يدًا بيدٍ لا بأس .....، والأرز كذلك أنواع، الأرز لو باع نوعًا بنوعٍ مُتماثلًا فلا بأس.

س: ...........؟

ج: ما له حد محدود، كل ما يُعدّ غبنًا.

س: .............؟

ج: الحاضر ما يبيع، ما يكون دلالة، يخله يبيع هو بنفسه.

س: .............؟

ج: هذا ظاهر الأحاديث الصَّحيحة: نهى أن يبيع حاضر لبادٍ، قال ابن عباس: لا يكون له سمسارًا. السمسار الدَّلال؛ لأنه وأيش تقول: يا فلان؟ وأيش تقول: يا فلان مَن يزيد؟ ..... حتى يُوصلها إلى النِّهاية.

س: ............؟

ج: الله يهدي الجميع.

س: .............؟

ج: ولو، ولو، خله يتولاه هو بنفسه؛ لأنه إذا تولاه بنفسه أرخص للناس، يملّ ويبيع، ولا يخليه يومين، ثلاثًا، وده [أن] ينتهي أرخص للناس.

س: ..............؟

ج: يُشاور الحاضر، ولا يتولى الحاضر البيع، يُشاوره ما في بأس، كان طلحة بن عبيدالله مع بعض الناس يقول: أنا ما أبيع لك، لكن إذا بغيت تُشاورني شاورني.

س: .............؟

ج: ما تجوز مطلقًا، الفاسق مسلم، ما هو بكافرٍ، وظاهر الحديث ولو كافر .....

س: ...............؟

ج: لا، ما يجوز ولو رضي، مسكين، جاهل، قد يرضى بما يضره، والشارع أحكم منه وأرحم، مثل: ما لو رضي بالربا ما يصلح.

س: ..............؟

ج: قد يكون شبهةً، مثلما قال الأخ: يعرفون الأسعار ويُريدون [أن] يستريحوا فقط، وإلا هم يعرفون الأسعار، ولكن يُريدون أن يستريحوا، لكن الأخذ بظاهر النصوص أولى مطلقًا.

813- وَعَنْ أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ وَالِدَةٍ وَوَلَدِهَا فَرَّقَ اللَّهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَحِبَّتِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَالْحَاكِمُ، وَلَكِنْ فِي إِسْنَادِهِ مَقَالٌ. وَلَهُ شَاهِدٌ.

814- وَعَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ: أَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أَنْ أَبِيعَ غُلَامَيْنِ أَخَوَيْنِ، فَبِعْتُهُمَا، فَفَرَّقْتُ بَيْنَهُمَا، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ ﷺ، فَقَالَ: أَدْرِكْهُمَا، فَارْتَجِعْهُمَا، وَلَا تَبِعْهُمَا إِلَّا جَمِيعًا. رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ، وَقَدْ صَحَّحَهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ، وَابْنُ الْجَارُودِ، وَابْنُ حِبَّانَ، وَالْحَاكِمُ، وَالطَّبَرَانِيُّ، وَابْنُ الْقَطَّانِ.

815- وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: غَلَا السِّعْرُ بِالْمَدِينَةِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَقَالَ النَّاسُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، غَلَا السِّعْرُ، فَسَعِّرْ لَنَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمُسَعِّرُ، الْقَابِضُ، الْبَاسِطُ، الرَّازِقُ، وَإِنِّي لَأَرْجُو أَنْ أَلْقَى اللَّهَ تَعَالَى وَلَيْسَ أَحَدٌ مِنْكُمْ يَطْلُبُنِي بِمَظْلَمَةٍ فِي دَمٍ وَلَا مَالٍ. رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إِلَّا النَّسَائِيَّ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ.

816- وَعَنْ مَعْمَرِ بْنِ عَبْدِاللَّهِ ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ قَالَ: لَا يَحْتَكِرُ إِلَّا خَاطِئٌ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

817- وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: لَا تَصُرُّوا الْإِبِلَ وَالْغَنَمَ، فَمَنِ ابْتَاعَهَا بَعْدُ فَإِنَّهُ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ بَعْدَ أَنْ يَحْلُبَهَا: إِنْ شَاءَ أَمْسَكَهَا، وَإِنْ شَاءَ رَدَّهَا وَصَاعًا مِنْ تَمْرٍ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

وَلِمُسْلِمٍ: فَهُوَ بِالْخِيَارِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ.

وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ، عَلَّقَهَا الْبُخَارِيُّ: رَدَّ مَعَهَا صَاعًا مِنْ طَعَامٍ، لَا سَمْرَاءَ. قَالَ الْبُخَارِيُّ: وَالتَّمْرُ أَكْثَرُ.

818- وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: مَنِ اشْتَرَى شَاةً محَفَّلَةً فَرَدَّهَا، فَلْيَرُدَّ مَعَهَا صَاعًا. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

وَزَادَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ: مِنْ تَمْرٍ.

الشيخ: هذه الأحاديث الستة اشتملت على عدة أحكام:

الحديث الأول: في الدلالة على منع التَّفريق بين الوالدة وولدها في البيع، وأن الأرقاء لا يُفرق بينهم، بل يُباعون جميعًا، أو يبقون جميعًا؛ حرصًا على بقاء الرحم بينهما، والتعاطف بينهما، ورحمةً لهما، والحديث المذكور فيه الوعيد الشديد، وهو يدل على تحريم ذلك.

وقوله: فرَّق الله بينه وبين أحبَّته يوم القيامة هذا وعيد شديد، يدل على المنع، عكس ما أشار إليه الشارحُ أنه يدل على الجواز؛ لأنه لو كان لا يمضي ما احتاج إلى هذا الوعيد، بل يُفرق بينهما وانتهى الموضوع، ولكن هذا ليس بجيدٍ، فإنَّ الوعيد في حقِّ مَن أمضى الأمر وتساهل، أما مَن لم يُفرق فلا وعيدَ عليه.

المقصود أنَّ ذكر الوعيد لا يلزم منه مضي البيع، ولكن هذا مضمونه الحذر من إمضاء البيع، والحذر من التَّساهل، ومثل البيع: الهبة وأشباه ذلك مما يُفرق بينهما ..... لا في الجهة، أما لو كان هذا يعمل في جهةٍ، وهذا في جهةٍ ما يضرّ عند أهل العلم، هذا يعمل في الحجاز، وهذا يعمل في الشام ..... لا يضرّ ذلك.

وقول المؤلف رحمه الله: "وفي إسناده مقال"، ذكر الشارحُ أنَّ المقال من جهة أنه من رواية حيي بن عبدالله المعافري، وحيي هذا لا بأس به، قال فيه الحافظ: "إنه صدوق يهمّ"، فإن كانت العلةُ هذه فالعلة ليست بذاك.

وله شاهد ذكر الشارحُ أنه رواه الدَّارقطني والحاكم من حديث عبادة، وفيه: حتى يبلغ الغلام، وتحيض الجارية. فظاهره أنَّ الحكم مُعلق بالبلوغ، إذا جاء البلوغُ جاز التَّفريق، وظاهر حديث أبي أيوب الإطلاق، وأنه لا فرقَ بين الجارية البالغة والغلام البالغ ومَن دون ذلك، فإن صحَّ حديث عبادة فهو مقيد لإطلاق هذا الحديث -حديث أبي أيوب- ولإطلاق حديث عليٍّ.

وفي الباب ذكر المؤلفُ أنَّ في إسناده عبدالله بن عمرو الواقفي، ولم يقف له على ترجمةٍ، ولكن في الباب حديث صحيح عند مسلم في الفداء: أنَّ ..... فدى بعض المسلمين بجاريةٍ من السَّبي، ولها أم، فدفع الفداءَ. فهذا يدل على أنَّ التَّفريق بين البالغين لا حرجَ فيه؛ لأنَّ البالغ يتحمل حينئذٍ الفرقة، ولا يضرّه من ذلك شيء، خلاف الصغير فإنه يحتاج إلى عطف أمه وعطف أخيه.

وهو حديث رواه مسلم، وهو يُغني عن حديث عبادة إن قُدر عدم صحته.

فالحاصل أنَّ التفريق إنما هذا في حال الصغر، أما إذا كانا بالغين زال المحذور، وهكذا حديث عليٍّ في الأخوين يدل على تحريم التَّفريق بين الأخوين، وهو مقيد كما تقدم بعدم البلوغ، فإذا جاز في الولد ووالده، فالأخوين من باب أولى.

وفي هذا عطف الإسلام على هؤلاء، ورحمة الله لهم، وأنَّ هذا من محاسن الإسلام في الرفق بالأرقاء، والرحمة بالأرقاء، والإحسان إليهم، وعدم التَّفريق بينهم حتى يتحمَّلوا التَّفريق.

وفي الحديث الثالث حديث أنس: الدلالة على تحريم التَّسعير، وأنه لا يجوز التَّسعير؛ لأنَّ ربنا هو المسعر؛ ولأنَّ التسعير يُفضي إلى ظلم الكثير من الناس، وقد يُفضي إلى نفس الغلاء وقلة السلع، وهي احتفاظ الناس بها وجحدهم لها، فيأتي بشر كثير فيُراد منه التيسير، فيأتي بالعكس؛ ولهذا قال ﷺ لما قيل له: سعِّر لنا، قال: إنَّ الله هو المسعر، القابض، الباسط، الرازق، وإني لأرجو أن ألقى الله تعالى وليس أحد يطلب مني مظلمةً في دينٍ ولا مالٍ.

فهذا يُشير إلى أن التَّسعير فيه نوع من الظلم؛ فلهذا تركه ﷺ ولم يُسعر للناس، وهذا هو الحق: أنه لا يُسعر للناس بالأسعار العامَّة، بل يترك الناس يرزق اللهُ بعضَهم ببعضٍ، كما قال ﷺ: دعوا الناس يرزق اللهُ بعضَهم ببعضٍ رواه مسلم من حديث جابرٍ .

لكن دلَّت السنةُ والمعنى على جواز التَّسعير في الأمور الخاصَّة والمقيدة، مثلما قال ﷺ فيمَن أعتق شركًا له في عبدٍ يُقوَّم عليه قيمة عبد، هذا نوع من التَّسعير للضَّرورة، فإن جعل العبد على هوى صاحبه يتحكم مما يضرّ المعتق، فمَن أعتق شركًا له في عبدٍ لا يترك صاحب الشرك الثاني يتحكم ويطلب ما أراد، لا، بل يُقوم عليه قيمة عبدٍ، فيسلم المعتق قسطه من الثمن.

فإذا أعتق عبدًا شركةً بينه وبين زيدٍ أنصافًا، فأعتق النصف، لزمه عتق النصف الثاني إذا كان مُوسرًا في ماله، فيُقوم، فيقال لأهل المعرفة: ما قيمته؟ فإذا قالوا: يُساوي عشرة آلاف، سلم المعتق لصاحب النصف الثاني خمسة آلاف إذا أراد أن يعتقه، وبرئ من العهدة بهذا التقويم.

وهذا نوع من التَّسعير وقت الحاجة والضَّرورة، إذ لو تُرك الشَّريك يتحكم لطالب بما لا يحدّ، ولطمع في ظلم أخيه وإيذائه، فالشارع حسم المادة، وأمر بالتقويم؛ حتى لا يقع ظلمٌ من الشريك، وهذا قد عمل عملًا طيبًا، وعملًا يُحبه الله، وهو العتق، فلا ينبغي أن يضيق عليه ويُؤذى.

ومن ذلك لو تمالأ أهلُ صنعةٍ خاصةٍ على إغلاء الأسعار بدون موجبٍ: كالجزارين أو الحلاقين، أو ما أشبه ذلك، تمالؤوا في أي قريةٍ وفي بلدٍ أنهم لا يبيعون الكيلو إلا بكذا، أو لا يحلقون إلا بكذا، بشيءٍ زائدٍ لا يتناسب مع رؤوس الأغنام، أو رؤوس الإبل، أو البقر، فلولي الأمر أن يمنعهم من ذلك، وهكذا أشباه ذلك من الأشياء التي يمكن ضبطها والمنع من الظلم فيها بصفةٍ خاصَّةٍ، إذا تمالأ طائفةٌ من الناس على ظلم الناس.

وقد نبَّه على هذا أبو العباس رحمة الله عليه ابن تيمية في "الحسبة" وفي غيرها، كتاب "الحسبة" المعروف، وذكره غيره من أهل العلم.

فالمقصود أنَّ الشيء الخاصَّ الذي هو جزئي عند الحاجة إليه يجوز للضَّرورة والحاجة، أما التَّسعير المطلق على الناس في أسواقهم فلا، وهو المراد؛ لحديث: إنَّ الله المسعر، القابض، الباسط، وهكذا أهل التَّاكسي، وهكذا أشباه ذلك إذا أصرُّوا على شيءٍ لا يُناسب المقام سعروا عليه؛ لأنهم إذا تُركوا ظلموا وتعدّوا الحدود، فأشبه قصة صاحب شركة العتق، ومنه قصة الذي أوصى بثلثه وله ستة غلمان، فإنها تُقوم وتُوزع على الورثة، أو تُباع ويُخرج الثلث.

فالحاصل إذا دعت الحاجةُ إلى التقويم للضَّرورة فهذا نوع من التَّسعير لمنع الظُّلم.

والحديث الرابع: حديث معمر بن عبدالله العدوي، عن عمر رضي الله عنهما: أن النبي ﷺ قال: لا يحتكر إلا خاطئ، الخاطئ بوزن: آثم، ومعناه، الخاطئ هو الآثم وزنًا ومعنًى.

وفي اللفظ الآخر: مَن احتكر فهو خاطئ يعني: آثم.

والاحتكار فسره أهلُ العلم -كما في الرواية وغيرها- بشراء الأطعمة على وجهٍ يضيق على الناس ويُؤذيهم؛ ليحبسها حتى يبيعها بأغلى، هذا هو الاحتكار، وهكذا ما أشبهه على الصحيح، لا يختص بالطعام، بل يدخل فيها قوت الأهالي وما تدعو الحاجةُ إليه في أمور الناس، فيُمنع؛ لأنَّ الرسول أطلق، قال: مَن احتكر فهو خاطئ.

وجاء في بعض الروايات ..... طعامهم، هذا من باب ذكر أفراد ما يقع فيه الاحتكار، وليس من التَّقييد بالمطلق، والجامع المضرة، فإذا كان الاحتكارُ يُفضي إلى مضرةٍ منع، وإلا فلا، إذا كان في وقت الأطعمة ونحوها كثيرة، وليست في الناس مُضايقة، فاشترى من ذلك ما يحبسه عنده حتى يبيعه في وقتٍ آخر فلا بأس، لا يكون هذا من باب الاحتكار، ولكن إذا كان في الوقت ضيقٌ ومشقَّة فهذا يمنع؛ لئلا يضرَّ على الناس.

وهكذا ما يدخره من مزرعته لا يُسمَّى بها: مُحْتَكِرًا، ما يدخره في مزرعته حتى يبيعه في وقتٍ حيث يشاء لا يُسمَّى: محتكرًا.

المحتكر: مَن يشتري من الأسواق ويحبسه ليغلو، هذا هو محل الاحتكار، لكن لو ضاق على الناس الطعام أو غيره من الأمور، وعند بعض الناس سعة؛ أُلزم بأن يبيع بالسعر المناسب، كما يُلزم المحتكر إذا دعت الضَّرورة إلى بيع الأطعمة التي عند المختزنين لها، وإن كانوا غير محتكرين أُلزموا بذلك؛ لأنَّ المسلمين شيء واحد، كل واحدٍ يرفد أخاه ويُعينه ويعطف عليه، وهم جسد واحد، وبناء واحد، لكن المحتكر ظالم فيُمنع.

أما مَن جمعها من مزارعه أو اشتراها في وقت الرخاء وعدم الضيق، فإذا دعت الضَّرورة يُلزم بالبيع، من باب دفع الضَّرر: لا ضرر، ولا ضِرار، ومن باب التَّعاون على البرِّ والتَّقوى، ومن باب أن المسلمين شيء واحد، وبناء واحد، فيعطف بعضُهم على بعضٍ، ويُحسن بعضُهم إلى بعضٍ.

والحديث الخامس والسادس: حديث المصراة، لا تجوز التَّصرية، والتصرية: جمع اللبن في الضَّرع.

في هذه الرواية: لا تصروا الإبلَ والغنم، ونهى النبيُّ عن التَّصرية، والنهي أصله التَّحريم، فمَن اشترى شاةً مُصراةً فهو بالخيار بعد أن يحلبها: إن شاء أمسكها ورضي بها وأمضى البيع، وإن شاء ردَّها وصاعًا من تمرٍ في مقابل ما حلبه منها، في مقابل الحليب الذي دخلت عليه به.

وهكذا ابن مسعودٍ وإن كان موقوفًا فهو في معنى المرفوع، وهو مطابق لحديث أبي هريرة: مَن اشترى شاةً محفلةً ردَّها، وردَّ معها صاعًا. وفي لفظ الإسماعيلي: من تمرٍ، يعني زاده الإسماعيلي في تخريج البخاري: من تمرٍ.

هذا يدل على أنَّ المصراة -وهي المحينة، يُسمونها الناس: المحينة- إذا ثبت ما يدل على أنها مصراة فإنه يردها، له الخيار ثلاثة أيام كما في رواية مسلم، فإذا اتَّضح له أنها محينة -مُصراة- ردَّها إذا شاء، وردَّ معها صاعًا من تمرٍ، جاء في الرواية الأخرى: من طعامٍ، لا سمراء، والطعام هنا يُفسر بالتمر؛ ولهذا قال البخاري: التمر أكثر، في رواية: التمر أكثر، من رواية الطعام.

فالمراد صاعًا من تمرٍ، بدلًا من اللبن الذي أخذه منها حين دخلت عليه، وإذا كانت في بلادٍ ما فيها تمر فما يقوم مقامه، ما يقوم مقام الصاع من التمر من طعامٍ أو نقودٍ على حسب حال البلاد.

وهذا الخيار ثلاثة أيام ليتروى المشتري وينظر ويتأمل، فإن استقام لبنها فهي علامة على أنها غير مصراةٍ، وإن ضعف لبنها ولم يأتِ منها ذاك اللبن عرف أنها مصراة، فله الرد، ويرد معها ما تقدم: صاعًا من تمرٍ.

وليس للبائع أن يصري، معنى التَّصرية: أنه يحبس اللبن، متى يريد أن يبيعها الضحى يحبس فيها لبن البارحة مع لبن الصبح، أما لبن الصبح ما يُمسي مصراة، لكن إذا حبس لبن البارحة أو ما قبلها صارت مصراةً، أما إذا باعها بلبن الصباح فقط فليست مصراةً؛ لأنَّ هذا لبنها العادي، لبن الصباح.

والمقصود من هذا التَّحذير من الغشِّ؛ لأن التصرية نوعٌ من الغشِّ والخيانة فيُمنع، ليس للمؤمن أن يغشَّ أخاه، فقد يشتري منه ويظن أنه لبن الصباح، وليس هو لبن الصباح، بل لبن الليل والنهار جميعًا، فيكون نوعًا من الغشِّ، ويقول: إنَّ هذا لبن الصباح، ما يبين أنه لبن الليل والصباح، أما إذا بيَّن زال المحذور، إذا قال: ترى هذا لبن الليل والنهار، الاثنين: البارحة والصباح، هذا قد أبان ما عليه، ولكن لا يجوز له ذلك؛ لأنه قد يضعف المشتري ولا يتبصَّر باجتماع هذا اللبن، فربما التبس عليه الأمر؛ ولهذا قال: لا تصروا، فدلَّ ذلك على أنه لا ينبغي التَّصرية، ولا تجوز التَّصرية، بل يأخذ لبنها، ويُبقي فيها لبن الصباح إذا كانت في الصباح، وإذا كان في الليل أبقى لبن الليل حتى يعرف حالها.

س: .............؟

ج: إذا أخبره زال المحذور، إذا أقدم عليها ..... قد رضي بالعيب.

س: ..............؟

ج: الذي يظهر لي أنه متى أخبره، مثل: ما لو قال: ترى فيها مرض كذا، أو مرض كذا، زال المحذور، يعني: برئ منها.

س: .............؟

ج: ثلاثة أيام، نعم.

س: ..............؟

ج: العتق ما فيه بأس، المقصود التَّفريق بالبيع والعطاء ونحوه، أما العتق فقد أحسن جزاه الله خيرًا؛ لأنَّ العتق ما يمنع من وجوده مع قريبه، قد .....، قد يتصل به لأنه حرٌّ.

س: ..............؟

ج: هذا تنظر فيه الدولة، إذا رأت المصلحة فيه الدولة لها ذلك؛ لأنَّ هذا من باب النظر للمسلمين؛ لأنه قد يتوقف الناس ولا يُوردون الشيء، وكل يخاف أنه يُورد ويخسر، يخاف أنه يُورد والآخر يُورد ويخسرون، فإذا رأت الدولةُ بجعله في محلٍّ معينٍ أو اثنين مُعينين؛ حتى لا يمتنع الناسُ من التوريد فلا بأس.

س: ..............؟

ج: ثلاثة أيام من حين اشتراها.

س: ..............؟

ج: إذا تراضوا ما في بأس، الواجب الصاع، لكن لو تراضوا على القيمة ما في بأس، أو تراضوا على شيءٍ آخر: صاع من أرز، أو صاع من حنطة، أو صاع من شعير، إذا تراضوا عليه الحقّ لهم .....، لكن الواجب صاع من تمرٍ، إذا طلبه البائعُ وجب، صاع من تمر مع القُدرة، وإلا فقيمته.

س: ..............؟

ج: أحسن ما يُقال في هذا حديث سلمة بن الأكوع في قصة أنه سبى امرأةً وأمها، فأخذ النبيُّ ﷺ البنت وفدى بها بعض الأسرى، وكانت امرأةً كاملةً، البنت كاملة، ما هي بصغيرة، فهذا يدل على جواز التَّفرقة مع الكبار.

س: ..............؟

ج: ما في شيء، نعم، قاعدة: إذا جاء النَّهي وجاء الفعلُ المخالف يدل على أن النهي ليس للتَّحريم.

819- وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ مَرَّ عَلَى صُبْرَةِ طَعَامٍ، فَأَدْخَلَ يَدَهُ فِيهَا، فَنَالَتْ أَصَابِعُهُ بَلَلًا، فَقَالَ: مَا هَذَا يَا صَاحِبَ الطَّعَامِ؟ قَالَ: أَصَابَتْهُ السَّمَاءُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَقَالَ: أَفَلَا جَعَلْتَهُ فَوْقَ الطَّعَامِ كَيْ يَرَاهُ النَّاسُ؟ مَنْ غَشَّ فَلَيْسَ مِنِّي. رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

820- وَعَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: مَنْ حَبَسَ الْعِنَبَ أَيَّامَ الْقِطَافِ حَتَّى يَبِيعَهُ مِمَّنْ يَتَّخِذُهُ خَمْرًا فَقَد تَقَحَّمَ النَّارَ عَلَى بَصِيرَةٍ. رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي "الْأَوْسَطِ" بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ.

821- وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: الخَرَاجُ بِالضَّمَانِ. رَوَاهُ الْخَمْسَةُ، وَضَعَّفَهُ الْبُخَارِيُّ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ خُزَيْمَةَ، وَابْنُ الْجَارُودِ، وَابْنُ حِبَّانَ، وَالْحَاكِمُ، وَابْنُ الْقَطَّانِ.

822- وَعَنْ عُرْوَةَ الْبَارِقِيِّ : أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ أَعْطَاهُ دِينَارًا يَشْتَرِي بِهِ أُضْحِيَّةً، أَوْ شَاةً، فَاشْتَرَى شَاتَيْنِ، فَبَاعَ إِحْدَاهُمَا بِدِينَارٍ، فَأَتَاهُ بِشَاةٍ وَدِينَارٍ، فَدَعَا لَهُ بِالْبَرَكَةِ فِي بَيْعِهِ، فَكَانَ لَوِ اشْتَرَى تُرَابًا لَرَبِحَ فِيهِ. رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إِلَّا النَّسَائِيَّ.

وَقَدْ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ ضِمْنَ حَدِيثٍ، وَلَمْ يَسُقْ لَفْظَهُ.

823- وَأَوْرَدَ التِّرْمِذِيُّ لَهُ شَاهِدًا مِنْ حَدِيثِ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ.

824- وَعَن أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ : أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ نَهَى عَنْ شِرَاءِ مَا فِي بُطُونِ الْأَنْعَامِ حَتَّى تَضَعَ، وَعَنْ بَيْعِ مَا فِي ضُرُوعِهَا، وَعَنْ شِرَاءِ الْعَبْدِ وَهُوَ آبِقٌ، وَعَنْ شِرَاءِ الْمَغَانِمِ حَتَّى تُقْسَمَ، وَعَنْ شِرَاءِ الصَّدَقَاتِ حَتَّى تُقْبَضَ، وَعَنْ ضَرْبَةِ الْغَائِصِ. رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ، وَالْبَزَّارُ، وَالدَّارَقُطْنِيُّ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ.

825- وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: لَا تَشْتَرُوا السَّمَكَ فِي الْمَاءِ فَإِنَّهُ غَرَرٌ. رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَشَارَ إِلَى أَنَّ الصَّوَابَ وَقْفُهُ.

الشيخ: قال المؤلفُ رحمه الله: وعن أبي هريرة ، عن النبي ﷺ أنه مرَّ على صبرةٍ من طعامٍ، فأدخل يده فيها، فنالت أصابعه بللًا، فقال: ما هذا يا صاحب الطعام؟ قال: أصابته السَّماء -يعني: المطر- يا رسول الله، فقال: أفلا جعلته فوق الطعام كي يراه الناس؟ مَن غشَّ فليس مني رواه مسلم في الصحيح.

والمؤلف ذكر في هذا الباب أنواعًا من الأحاديث، وصنوفًا من الأحاديث لأحكامٍ تقدم منها جملة كثيرة، وهذه الأحاديث الأخيرة كذلك فيها صنوف من الأحكام، وهذا الحديث يدل على تحريم الغشِّ، وأن الواجب على المتعاطي في البيع والشراء أن ينصح في المعاملة، وأن يحذر الخيانة والغشَّ، وهذا مثال من أمثلة الغشِّ: إذا كان الطعامُ فيه خلل، فيضع الطيب أعلى، ويضع المصاب أسفل؛ حتى يخفى على مَن يريد الشراء، فهذا من الغشِّ.

والواجب أن يكون المبيعُ واضحًا للمُشتري، ليس فيه ما يخفى عليه، ويضره خفاؤه عليه؛ ولهذا قال: أفلا جعلته فوق الطعام كي يراه الناس؟ مَن غشَّ فليس مني، وحديث ابن عمر: مَن غشَّنا فليس منا، هذا من باب الوعيد الشَّديد، وهو يدل على تحريم الغشِّ والخيانة، وأنَّ مَن غشَّ فليس من المسلمين.

قال سفيان وجماعة من أهل العلم: ينبغي أن تُجرى هذه الأمور على ظاهرها؛ لأنه أعظم في الزجر، يعني: أحاديث الوعيد ينبغي أن تُجرى على ظاهرها، وأحاديث الرجاء كذلك، فأحاديث الرجاء فيها الوعد وحُسن الظن بالله ، وأحاديث الوعيد فيها الزجر والتَّحذير من المعاصي، فإطلاق هذه وهذه أعظم وأولى، كما أطلقها النبي عليه الصلاة والسلام، لكن عند التَّمحيص، عند الردِّ على الخوارج والمعتزلة ونحو ذلك يُبين منهج أهل السنة في هذا الباب، وأنَّ أهل السنة يقولون: جميع المعاصي تحت المشيئة، ولا تُخرج صاحبها من الإيمان، ولا تُوجب له النار والخلود فيها، خلافًا للمُعتزلة والخوارج، ولكن إطلاقها لا مانع منه للزجر: ليس منا مَن فعل كذا، وهكذا مَن فعل الربا فقد توعده الله بالنار، ومَن فعل كذا وكذا فقد توعده الله بالخلود في النار، يُبين ما جاء في النصوص من باب الزجر والوعيد؛ ليكون ذلك أبعد للمسلم عن هذه القاذورات، وأولى في حقِّه من المحذر منها.

والغش أنواع كثيرة، الغش والخيانة أنواع في المعاملات كثيرة: فمن ذلك أن تكون السلعةُ فيها عيب باطل فيُخفيه ولا يُبينه ويسكت، ومن ذلك أن يكون المبيعُ أنواعًا: فيها الطيب، وفيها الرديء، فيجعل الرديء أسفل، والطيب فوق: من الرطب، أو من الحطب، أو من اللحم، أو من الفواكه الأخرى، فيجعل الرديء في أسفل الإناء، والطيب في أعلاه؛ لأنَّ المشتري قد لا ينظر في أسفل، قد يشتري ويمشي فيغشّه بهذا العمل.

وكل هذا منكر، وكله حرام، ولا يجوز للمؤمن؛ فإنَّ المؤمن أخو المؤمن: لا يغشّه، ولا يخونه.

ولا تُحصى أنواع الغشِّ، كثيرة، والضابط أنَّ الواجب أن يكون المبيعُ بارزًا ظاهرًا، ظاهره كباطنه، وباطنه كظاهره، وقد يكون معك أخوك على بينةٍ، ليس على غشٍّ وعلى خيانةٍ، بل تبيعه بيع المسلم لأخيه: لا يغشّه، ولا يخونه، ولا يكذبه.

والحديث الثاني: حديث عبدالله بن بُريدة بن حصيب الأسلمي، عن أبيه، عن النبي ﷺ أنه قال: مَن حبس العنب أيام القطاف حتى يبيعه ممن يتّخذه خمرًا فقد تقحم النار على بصيرةٍ.

هذا أيضًا من باب الغش، ومن باب التَّعاون على الإثم والعدوان، فإن بيعه على مَن يتّخذه خمرًا غشّ للمسلمين، وظلم لهم، وإعانة للظالم على الإثم والعدوان، فقد جمع بين الغشِّ والإعانة على الإثم والعدوان، فيحرم عليه ذلك، فليس له أن يبيع ما يُعين على الخمر، وليس له أن يحبس العنب أيام القِطاف.

القِطاف بالكسر على الأشهر، وذكر الأزهري عن الكسائي أنه يُفتح، كما في "النهاية"، والأشهر عند أهل اللغة الكسر: القِطاف، وهو ..... الشيء وصرمه، قطف العنب، قطف الفاكهة صرمها، قطعها.

فلا يجوز التَّعاون مع أي إنسانٍ على الإثم والعدوان: لا بأن يبيعه العنب ليتّخذه خمرًا، ولا بأن يبيعه ما يُعينه على القمار، ولا بأن يبيعه ما يُعينه على قتال المسلمين: كأن يبيع الكفَّار السلاح ليُقاتلوا المسلمين، هذا ردَّة، إذا باع السلاحَ على الكفار ليُقاتلوا به المسلمين فهذا معناه تولي الكفَّار: وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ [المائدة:51]، وإذا باعه على قُطَّاع الطريق أو على البُغاة صار معاونًا على المعاصي، فيكون مُحرَّمًا ومنكرًا.

فالواجب أن يحذر المسلم هذه الأشياء، ويتباعد عن كل شيءٍ يظن أو يغلب على الظنِّ أنه يُعين به على الباطل، فإن علم صار الإثمُ أكبر، وبهذا يعلم أنه من الكبائر؛ لأنَّ الوعيد بالنار [معناه] أنَّ المعصية كبيرة، والله يقول: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ [الأنفال:27]، ويقول سبحانه: وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ [المائدة:2]، فالغشّ والخيانة للمسلمين ظلم لهم، وعدوان عليهم، ومساعدة الغاشين والخائنين والظالمين أيضًا تعاون على الإثم والعدوان وغشّ للمسلمين.

والحديث الثالث حديث عائشة رضي الله عنها أم المؤمنين: أنَّ النبي ﷺ قال: الخراج بالضمان.

فالخراج: الغلّة والدخل: من أجرة البيت، وثمرة النخل، وغلة الأرض، وأشباه ذلك، فهو لمن عليه الضمان، مَن كان عليه الضَّمان فالغلة له، إذا كان الحيوانُ أو الغلامُ في ضمان إنسانٍ فغلته له، يستعمله ويُؤجره ويحمل عليه شيئًا؛ لأنه ضامنٌ له، فتكون له الغلة.

وقد ضعَّف البخاريُّ رحمه الله وأبو داود هذا الحديث؛ لأنه من رواية مسلم بن خالد الزنجي المعروف، أحد شيوخ الشافعي رحمه الله، وقد تكلم فيه بعضُ أهل العلم، وهو كما في "التقريب" له أوهام، وهو صدوق وله أوهام، وجاء أيضًا من رواية مخلد ..... المشهور، ومخلد هذا قيل فيه: مقبول، وجرحه بعضُهم؛ لأنه غير معروفٍ، ووثَّقه ابن حبان، ووثقه ابن وضاح رحمه الله، فالحديث لا بأس به؛ ولهذا صحَّحه الترمذي وابن خزيمة .....

وقد أخرجه الترمذي أيضًا بإسنادٍ جيدٍ، فالحديث صحيح، ورواية مخلد مع رواية مسلم بن خالد تشدّ إحداهما الأخرى، فالرواية الأخرى شاهدة أيضًا.

فالحاصل أنه جيد ولا بأس به، ومعناه صحيح، فهو صحيح من جهة المعنى، صحيح من جهة السند، وأصله أن رجلًا اشترى عبدًا واستعمله، ثم ظهر فيه عيب فردَّه، فطلب صاحبُ العبد مقابل استخدامه للعبد، فقال النبي ﷺ: الخراج بالضمان، كما أنَّ عليه ضمانةً لو مات فله خراجه، له غلته.

وهكذا لو اشترى إنسانٌ أرضًا واستعملها وزرعها سنين، ثم بان بها عيب، فله أن يرد الأرضَ وغلتها له، التي سبقت، اشترها مثلًا ثم بان بها .....، هذا عيب كبير، فله ردّها وغلتها الماضية، له الخراج بالضمان.

هكذا الحيوان: اشترى بعيرًا ثم استعمله وحمله إلى مكة، إلى الأحساء، إلى كذا، ثم بان به عيب قديم، فله ردّه وغلته له.

هكذا السيارات: اشترى سيارةً واستعملها، ثم بان بها عيب قد كتمه البائع، فله ردّها وغلتها له، السَّابقة.

الحديث الرابع: حديث عروة البارقي في أنَّ النبي ﷺ أمره أن يشتري شاةً بدينارٍ، فاشترى شاتين، ثم باع إحداهما بدينارٍ، ثم أتاه بالشاة والدِّينار، فدعا له النبي بالبركة في بيعه، فكان لو اشترى الترابَ لربح فيه.

الحديث رواه الخمسة بإسنادٍ جيدٍ، وله شاهد من حديث حكيم بن حزام، وأخرجه البخاري في قصةٍ، وهو حديث جيد الإسناد صحيح، وإخراج البخاري له في ضمن حديث فضل الخيل: "الخيل ثلاثة"، وذكره في عرض الحديث بإسنادٍ فيه مبهم.... في رواية البخاري، فيه ضعف، ولكنه من رواية غيره لا بأس به.

وهو دليل على جواز التَّصرف من الفضولي إذا رأى المصلحة -للوكيل- وأنه لا بأس أن يتصرف فيما يراه مصلحةً للمُوكِّل، وإن كان لم يُعين له ذلك؛ فإنَّ عروة أعطاه النبي دينارًا ليشتري شاةً، فاشترى به شاتين، رأى المصلحة فاشترى شاتين، ثم باع إحداهما بدينارٍ، ورجع بدينارٍ والشاة للنبي ﷺ، فدعا له بالبركة في بيعه.

فهذا يدل على جواز التَّصرف، وأنَّ المالك إذا أمضى التَّصرف وأجازه فهو ماضٍ، ومثل هذا يُشكر، إذا تصرف تصرفًا ينفع البائع فلا شكَّ أنَّ البائع يشكره ويمضيه، ولا يأبى ذلك إلا جاهل أو أحمق.

والحاصل أنَّ مثل هذا جائز من المسلم؛ لأنه مرآة أخيه، ينظر له، وينصح له، فلا يُستغرب أن يتصرف تصرفًا يرى فيه المصلحة، فإذا أجازه المالك لظهور المصلحة فلا بأس بذلك.

والعلماء لهم في هذا اختلاف، والصواب في هذا القول ما دلَّ عليه حديث عروة: أن تصرف الفضولي يجوز ويمضي إذا أجازه صاحبُ الحقِّ، سواء كان بيعًا أو شراءً أو تجارةً أو مساقاةً أو نحو ذلك مما يتحرى فيه الوكيلُ المصلحة لموكله، أو ليس بوكيلٍ ولكنه فعل شيئًا يراه مصلحةً وهو ليس بوكيلٍ، فأمضاه المفعول له: بأن باع داره على زيدٍ، يعلم أنك ترغب ببيع الدار فباعها بكذا وكذا على رأيك، على مشورتك، فأمضيت بيعه؛ لا بأس، أو اشترى لك شيئًا، وجد سلعةً مناسبةً اشتراها لك، وأمضيت شراءه؛ فلا بأس، بجامع المصلحة والنَّصيحة بين المسلم لأخيه، والله أعلم.

س: .............؟

ج: يردّه إذا ما أمضاه: إما يأخذه لنفسه، وإلا يُمضيه ..... اشتره، ولا بيَّن يلزمه هو، إذا كان بيَّن لصاحب السلعة أني اشتريته لفلانٍ فأجازه، فإن أجازه وإلا ردَّه على صاحبه، أما إن اشتراه وسكت يلزمه هو، إلا أن يسمح صاحبها بالردِّ.

س: .............؟

ج: ما في شك، قد يكون مثله، وقد يكون أعظم، وقد يكون أقلَّ، المقصود مثله بيع الأغاني والأشياء المحرمة والصور، كل هذه داخلة في غشِّ الناس، وظلم الناس، والتعدي عليهم، وإعانتهم على العدوان، فمَن باعهم عليهم ما يضرّهم فقد غشَّهم.

س: ..............؟

ج: المسجل آلة، لا بأس ببيعه، فيه الخير والشر، لكن إذا باعه شريط الأغاني، باع عليه الفيلم الخبيث.

س: ..............؟

ج: ما يبيع عليه، إذا كان يعرف منه هذا لا يبيعه.

س: ..............؟

ج: أولًا يبحث في نفس الكالونيا هذه: هل تُباع أم لا؟ لأنَّ ..... إذا كانت تُستعمل شرابًا وفيها ما يُسكر فالأظهر تحريم بيعها، وأنَّ الواجب منعها؛ سدًّا لباب الشرِّ، لكن لو قدر أن سمح فيها كما هو موجود الآن، وباعها الإنسانُ لا يدري عن مُشتريها: هل يفعل كذا أو يفعل كذا؟ ما عليه شيء، ما عليه حرج، أما إذا كان يعرف أنَّ هذا الشباب أو هذا الشَّخص يستعملها للسُّكْر ليس له بيعه عليه؛ لأنَّه حينئذٍ يعلم أنه يُعين على الإثم والعدوان، فلا يجوز له ذلك.

وإذا علم أنَّ الشخص يبيعها على هؤلاء الجنس فلولي الأمر أن يُعاقبه، يقول له: لا تبعها على مَن تعرف أنه يستعملها للشرِّ، وإنما يُسمح لك أن تبيعها لمن يستعملها للطيب. مع أنه لا ينبغي استعمالها أبدًا، الذي يظهر لنا أنه لا ينبغي استعمالها أبدًا ما دامت مما يُسكر، مما يكون فيها الإسبرت المعروف فلا يجوز استعمالها، ينبغي الحذر منها.

س: .............؟

ج: لا، ما ينبغي، المؤمن ..... فيما أباح الله الغُنية عنها.

س: ..............؟

ج: هذا صعب، لكن إذا عرف ذلك لا يُؤجر عليهم، أما إذا عرف؛ لأنَّ الدكاكين والبيوت قد يدخل فيها أشياء ما هي مقصودة بالأصالة، قلَّ بيت يسلم من الشرِّ، أما إذا كان يعدّ للباطل فهذا يحرم.

س: .............؟

ج: يعرف أنه يستأجره لبيع الدخان، لبيع الخمر، لبيع الملاهي، ما يجوز، سواء بيع دكان وإلا غير دكان .....

س: .............؟

ج: كذلك الجامع: وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ [المائدة:2]، الجامع أنه لا يُعينه على الإثم والعدوان إذا عرف ذلك أو غلب على ظنِّه ذلك.

س: .............؟

ج: يُردّ على صاحبه مثلما سمعت قريبًا، يُرد على صاحب السلعة، إلا إذا كان اشتراه وسكت ولا بيَّن أنه اشتراه للغير، فإنه يلزمه، القلوب ما يعلم ما فيها إلا الله، إذا اشترى السلعة وسكت، ثم هو في نيته أنه يشتريها لفلانٍ وقبلها فلان، وإلا لزمته هو؛ لأنه ما قال للبائع: سأُشاور فيها فلانًا. سكت، اشتراها وسكت.

س: ..............؟

ج: فيه خطر، فيه خطر، وعدم بيعها أولى، ينبغي أن يلتمس سلعةً أخرى؛ لأنَّ هذه يغلب على الناس الشرّ فيها.

س: .............؟

ج: الطيب، سلعة طيبة، لكن المقصود الطيب الذي فيه شيء يُسكر الناس، مثل: الكالونيا فهي مُسكرة.

س: .............؟

ج: لا بأس .....، لكن إذا كان يعلم لا بدَّ أن يُبين، أما إذا كان عيبًا لا يعلمه لا بأس.

س: .............؟

ج: ما نعلم فيه تحديدًا.