31 من حديث (لعن رسول الله ﷺ الراشي والمرتشي..)

844- وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهمَا قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: إِذَا تَبَايَعْتُمْ بِالْعِينَةِ، وَأَخَذْتُمْ أَذْنَابَ الْبَقَرِ، وَرَضِيتُمْ بِالزَّرْعِ، وَتَرَكْتُم الْجِهَادَ؛ سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ ذُلًّا لَا يَنْزِعُهُ حَتَّى تَرْجِعُوا إِلَى دِينِكُمْ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ رِوَايَةِ نَافِعٍ عَنْهُ، وَفِي إِسْنَادِهِ مَقَالٌ.

وَلِأَحْمَدَ نَحْوُهُ مِنْ رِوَايَةِ عَطَاءٍ، وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ الْقَطَّانِ.

845- وَعَنْ أَبِي أُمَامَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: مَنْ شَفَعَ لِأَخِيهِ شَفَاعَةً، فَأَهْدَى لَهُ هَدِيَّةً، فَقَبِلَهَا، فَقَدْ أَتَى بَابًا عَظِيمًا مِنْ أَبْوَابِ الرِّبَا. رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَفِي إِسْنَادِهِ مَقَالٌ.

846- وَعَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ الرَّاشِي وَالْمُرْتَشِي. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ.

843- وَعَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: أَنَّ رَسُولَ الله ﷺ أَمَرَهُ أَنْ يُجَهِّزَ جَيْشًا، فَنَفِدَتِ الْإِبِلُ، فَأَمَرَهُ أَنْ يَأْخُذَ عَلَى قَلَائِصِ الصَّدَقَةِ، قَالَ: فَكُنْتُ آخُذُ الْبَعِيرَ بِالْبَعِيرَيْنِ إِلَى إِبِلِ الصَّدَقَةِ. رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَالْبَيْهَقِيُّ، وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ.

847- وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَنِ الْمُزَابَنَةِ: أَنْ يَبِيعَ ثَمَرَ حَائِطِهِ إِنْ كَانَ نَخْلًا بِتَمْرٍ كَيْلًا، وَإِنْ كَانَ كَرْمًا أَنْ يَبِيعَهُ بِزَبِيبٍ كَيْلًا، وَإِنْ كَانَ زَرْعًا أَنْ يَبِيعَهُ بِكَيْلِ طَعَامٍ، نَهَى عَنْ ذَلِكَ كُلِّهُ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

848- وَعَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ سُئِلَ عَنِ اشْتِرَاءِ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ، فَقَالَ: أَيَنْقُصُ الرُّطَبُ إِذَا يَبِسَ؟ قَالُوا: نَعَمَ، فَنَهَى عَنْ ذَلِكَ. رَوَاهُ الْخَمْسَةُ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ الْمَدِينِيِّ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ حِبَّانَ، وَالْحَاكِمُ.

849- وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ نَهَى عَنْ بَيْعِ الْكَالِئِ بِالْكَالِئِ، يَعْنِي: الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ. رَوَاهُ إِسْحَاقُ، وَالْبَزَّارُ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ.

الشيخ: هذه الأحاديث كلها لها تعلق بهذا الباب: باب الربا والمعاملات في الربا.

الحديث الأول حديث ابن عمر رضي الله عنهما: إذا تبايعتُم بالعينة، وأخذتم أذناب البقر، ورضيتم بالزرع، وتركتم الجهاد؛ سلَّط الله عليكم ذلًّا لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم.

هذا الحديث جاء من طرقٍ متعددةٍ: من طريق عطاء، عن ابن عمر. ومن طريق عطاء، عن نافع، عن ابن عمر. وجاء من طرقٍ أخرى: من طريق شهر بن حوشب، عن ابن عمر أيضًا. فله طرق جيدة يشدّ بعضُها بعضًا، وأحسنها الطريق الذي ذكره أحمد رحمه الله؛ فإنه طريق جيد: من طريق الأعمش، عن عطاء بن أبي رباح، عن ابن عمر، وفي لفظٍ: فإذا ضنَّ الناس، وفي لفظٍ: فإذا تبايعتُم.

في لفظٍ: إذا ضنَّ الناس بالدينار والدرهم، زيادة: إذا ضنَّ الناسُ بالدينار والدرهم، وتبايعوا بالعينة .. إلى آخره، وهو بجميع طرقه يدل على أنَّ الناس متى تغيرت أحوالهم إلى هذه الحال سلَّط عليهم الذلَّ حتى يرجعوا إلى دينهم.

ولا شكَّ أن إقبالهم على البيع والشراء والزراعة، وإعراضهم عن الجهاد من أسباب الذل وطمع الأعداء، كما قد وقع من أزمانٍ طويلةٍ وقرونٍ متعددةٍ.

"ضنَّ الناس" يعني: بخلوا بالدِّينار والدرهم، وأحبوها، وعظمت في قلوبهم، وبخلوا بها ..... أهوائهم.

و"تبايعوا بالعينة" يعني: اشتغلوا بالمعاملات الربوية من حرصهم على المال، واجتهادهم في جمعه، لا يحجزهم عنه ما نهى الله عنه، بل لضعف الإيمان، وشدة الطمع والحرص؛ يُقدِمون على المعاملات المحرمة، وكذلك يُقبلون على الزراعة وعمارة الأرض والفلاحة، ويثقل عليهم الجهاد؛ لأنه يحول بينهم وبين هذه الشَّهوات.

وهذا جاء، الذي جاء في الحديث واقع من قرون كثيرةٍ، وهو يدل على أنه ينبغي لأهل الإيمان أن تعلو همَّتهم، وأن يُشمروا إلى الجهاد، وألا يشغلهم شاغلٌ: لا زراعة، ولا بيع، ولا شراء، ولا غير ذلك، وإن كانت هذه أمور مباحة ومطلوبة للمسلمين؛ ليستعينوا على طاعة الله، لكن لا ينبغي أن تشغلهم الأمور المباحة عمَّا أوجب الله عليهم من الجهاد، فالزراعة والتِّجارة أمور مباحة، وقد تُستحبّ، وقد تجب في بعض الأحيان، لكن لا يجوز أن تشغل أهلَ الإيمان عمَّا فيه عزهم ونجاتهم وظهور دينهم.

والعينة من العين، وهو النَّقد، وهي أن يبيع الإنسانُ السلعةَ إلى أجلٍ، ثم يشتريها بالعين -بالنقد- كما قال الشاعر:

..... فتى مثل نصل السيف ..... مضاربه

المقصود أنَّ الدَّين والعين متقابلان: أندان، ونعتان، يعني: نبيع بالنَّسيئة، ونبيع بالعينة، فالدَّين ما بيع فيه إلى أجلٍ، والعين ما يُباع بالنَّقد، وكثير من الناس قد يحتاج إلى العين، ولا سبيلَ له إليها إلا بطرقٍ محرَّمةٍ، إلا ما شاء الله من الطرق التي أباحها جلَّ وعلا على الصحيح من أقوال أهل العلم، فيلجأ إلى العينة أو إلى الربا الصَّريح.

فالربا الصريح أن يأخذ مالًا إلى أجلٍ بفوائد معينةٍ: كالعشرة خمسة عشر، والعشرة اثنا عشر، إلى أجلٍ، هذا الربا الصريح، والعينة حيلة على الربا، فيشتري سلعةً إلى أجلٍ معلومٍ، ثم يبيعها على مَن اشتراه منه بنقدٍ؛ لينتفع بالنقد، فيقول: بعني هذه السيارة بعشرين ألفًا، إلى كذا وكذا، واشترها مني بخمسة عشر نقدًا؛ لأني بحاجةٍ إلى النَّقد.

فالمعنى أنه أخذ خمسة عشر بعشرين، وجعل السيارة حيلةً في ذلك، وهي غير مقصودةٍ، فهذه هي العينة: بيع شيءٍ إلى أجلٍ، ثم أخذه بالنَّقد ممن اشتراه. هذا يُسمَّى: عينة، وهي محرَّمة عند جمهور أهل العلم؛ لأنها وسيلة إلى الربا، وذريعة إلى الربا الصريح؛ فلهذا حرمت.

فإذا باع شيئًا إلى أجلٍ فليس له شراؤه بالأقلّ نقدًا، أما شراؤه بمثله أو بأكثر لا بأس؛ لأنه بعيد عن الربا، أما أن يبيعه إلى أجلٍ ثم يأخذه بالنَّقد، فهذا هو العينة التي أُشير إليها، وجاءت صريحةً في رواية أبي إسحاق عن زوجته العالية، عن عائشة: أنها دخلت عليها أم ولد زيد بن أرقم فقالت: إنَّ زيدًا اشترى مني غلامًا بثمانمئة درهمٍ إلى أجلٍ، ثم باعه عليَّ بستمئة درهمٍ نقدًا. فقالت لها عائشة: أخبري زيدًا أنه قد أبطل جهاده مع رسول الله. بئسما اشتريت، وبئسما شريت، أخبري زيدًا بكذا وكذا.

فهذا يُؤيد رواية ابن عمر أيضًا، ويكون شاهدًا لها، وهي شاهدة له أيضًا، فرواية أبي إسحاق عن زوجته عن عائشة قد قوَّاها ابنُ القيم رحمه الله في كتابه "إعلام الموقعين"، وذكرها غيره أيضًا، فهي مع حديث ابن عمر حجة في هذا المقام: في تحريم معاملة العينة، وهي كما سمعت: أن تُباع السلعة إلى أجلٍ، ثم تُشترى بأقلّ، يشتريها البائعُ بأقلّ، فالمعنى أنه أعطى نقودًا معينةً معجلةً بنقودٍ مؤجلةٍ، كما في قصة زيدٍ: أعطى ستمئة درهم ..... بثمانمئة درهم إلى أجلٍ، فكأنه أخذ ستًّا بثمانٍ، ولكن الغلام صار وسيلةً، صار واسطةً، وهكذا السلع الأخرى.

وهذا الشيء فاشٍ بين كثير من الناس، لكن لو اشترى السلعةَ وباعها على غير مَن اشتراها منه؛ خرج عن مسألة العينة إلى مسألةٍ أخرى يُقال لها: التَّورق، ويُسميها الناس: الوعدة.

ووقع فيها الخلافُ بين العلماء أيضًا على قولين:

منهم مَن منعها، وهو مروي عن عمر بن عبد العزيز رضي لله عنه ورحمه، وعن جماعةٍ، واختار الشيخ تقي الدِّين ابن تيمية رحمه الله منعها، ويقول: إنها من جنس مسألة العينة.

وذهب الجمهورُ إلى جوازها؛ لأنها ليست من جنس مسألة العينة، بل من مسألة البيع إلى أجلٍ على شخصٍ، والبيع بالنقد على شخصٍ آخر، فليست حيلةً للربا، ولا وسيلةً للربا.

فإذا اشترى من زيدٍ سلعةً إلى أجلٍ: كسيارة مثلًا إلى أجلٍ، ثم قبضها وحازها، ثم باعها في السوق من يزيد أو على مَن شاء بعد ذلك بثمنٍ مُؤجَّلٍ؛ ليتزوج، أو ليقضي دينًا، أو ليعمر سكنًا له، أو ما أشبه ذلك، فالصواب أنه لا حرجَ في ذلك؛ لعموم الأدلة، عموم أدلة الاستدانة والبيع، وأحلَّ الله البيع، وقوله جلَّ وعلا: إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ [البقرة:282].

فالأصل حلُّ البيع، وحلُّ المداينة، هذا هو الأصل، وهذه من هذا، وليست داخلةً في العينة، فالعينة لها شأن، وهي وسيلة الربا؛ وهي أن يبيع الإنسانُ سلعةً إلى أجلٍ، ثم يشتريها بأقل نقدًا كما تقدم؛ ولقصة زيدٍ كما تقدم.

أما هذه فهو يشتري السلعة إلى أجلٍ معلومٍ، ثم يبيعها على غير مَن اشتراها منه بنقدٍ؛ لينتفع بذلك؛ لأنه ليس كل أحدٍ يجد مَن يُقرضه فينتفع، وليس كل أحدٍ يجد مَن يُعطيه حتى ينتفع، فما بقي له إلا أن يشتري ويبيع ويتسبب حتى يقضي حاجته، وهذا هو الصواب.

وقوله: شيء ..... لم أجد في أبي داود: شيء، ولا في "مسند أحمد"، فكأنها غلط من بعض النُّساخ؛ لأنَّ الروايات التي وقفتُ عليها: لا ينزعه يعني: الله جلَّ وعلا، حتى ترجعوا إلى دينكم، وفي لفظٍ: حتى تُراجعوا دينكم، أما لا ينزعه شيء لم أقف عليها، ولعلها وقعت في بعض الروايات التي لم أقف عليها.

وفي الحديث المذكور مثلما تقدم: الحثّ على الجهاد، والترغيب في الجهاد، والترهيب من الخلود إلى الدنيا وشهواتها والرضا بها، والاعتياض بها عن نصر الدين، وحماية بلاد المسلمين من شرِّ أعدائهم، ومكائد أعدائهم.

وفيه ذمّ البخل بالدرهم والدينار، وأنه ينبغي لأهل الإسلام ألا يضنُّوا بها، وألا يبخلوا بها، بل ينبغي أن يُنفقوها في وجوهها: في الجهاد، وفي مُواساة الفقراء والمساكين في المشاريع الخيرية، فإنها لا فائدةَ فيها إذا ادُّخرت، وإنما فائدتها ونفعها إذا أُنفقت.

الحديث الثاني حديث أبي أمامة: مَن شفع لأخيه شفاعةً، فأهدى له هديةً فقبلها، فقد أتى بابًا عظيمًا من أبواب الرِّبا رواه أحمد وأبو داود، وفي إسناده مقال.

هذا الحديث يدل على أنه لا يجوز الاعتياض عن الشَّفاعة، فالشفاعة تكون لله، من باب التَّعاون على البرِّ والتَّقوى، من باب الإحسان، فلا ينبغي للعبد أن يعتاض عنها شيئًا، فهي من أخلاق المسلمين، ومن صفاتهم الحميدة، ومن التَّعاون على البرِّ والتقوى، فلا يليق أن يُؤخذ في مقابلها شيء.

فإذا شفع لأخيه على أن يُواسى فقره، أو يُعان من ضريبةٍ، أو يُقضى دَينه، أو شفع له في أمورٍ أخرى مما أباح الله، ثم أهدى له هذا المشفوع له، فلا ينبغي له أن يقبل ذلك؛ لأنها تكون معاوضات، ويُفضي ذلك إلى الشَّفاعة الباطلة، وإلى الشَّفاعة بغير حقٍّ، فلا ينبغي ذلك، بل ينبغي أن يكون المؤمنُ حريصًا على نيل الأجر، وابتغاء مرضات الله، وبذل جاهه فيما ينفع المسلمين، من دون حاجةٍ إلى أخذ المال.

وقوله: "في إسناده مقال" لأنه من رواية القاسم بن عبدالرحمن الدمشقي، عن أبي أمامة. وفيه كلام؛ فبعض أهل العلم ضعَّفه، ويُروى عن أحمد رحمه الله أنه ضعَّفه وقال: إنه لا يرى إلا أنَّ ما وقع من أغلاطٍ في روايته أنه منه.

والصواب أنه ليست الآفةُ منه، وإنما الآفةُ ممن يروي عن علي بن يزيد الألهاني؛ فإنه ضعيف جدًّا لا يُعول عليه، ويأتي بأشياء غرائب عن القاسم هذا، والعلة منه، والآفة منه، لا من القاسم.

وهذا الحديث ليس من رواية علي بن يزيد، ولكنه من رواية خالد بن أبي عمران الفقيه الصدوق، فالحديث لا بأس به على الراجح، والمقال مرتفع بالنظر إلى أنَّ الراوي عن القاسم جيد، والقاسم على الأصح جيد، فتكون الرواية حينئذٍ مُستقيمةً؛ لسلامتها من الرواة الضُّعفاء عن القاسم، والقاسم الأرجح فيه أنه جيد إذا روى عنه الثقة، فالحديث يدل على تحريم قبول الهدايا بالشَّفاعة، وأنَّ المؤمن يشفع لله؛ لابتغاء مرضاة الله، ولا يشفع لأجل المال والطَّمع.

الحديث الثالث: حديث عبدالله بن عمرو في النَّهي عن الرشوة: "لعن رسولُ الله الراشي والمرتشي"،

فالرشوة شأنها خطير، وبلاؤها عظيم، والرشوة: ما يُدفع للإنسان ليحيف في الحكم، أو ليحيف في القضية التي يتولاها، فالراشي: الباذل، والمرتشي: القابض.

في بعض الروايات: "والرائش"، وهو الواسطة.

فهذه أشياء تضرّ المجتمع، وتضر المسلمين، وتقع التَّصرفات على غير هدى بسبب هذا المال، وهو من جنس بذل المال للشَّافع، بل أشدّ وأشرّ وأخطر.

وقد يقع هذا لقاضٍ، وقد يقع للأمير، وقد يقع لغيره من المسؤولين عن أمور المسلمين: كتوزيع الأراضي، وتوزيع الزكوات، وتوزيع الفيء، ولغير هؤلاء؛ حتى يحيفوا، وحتى يجوروا، وحتى لا يقسموا بالسوية؛ فلهذا حرَّم الله الرشوة، ولعن مَن فعلها؛ لخطرها العظيم، وشرّها الكبير، فلا يجوز دفع الرشوة ولا أخذها، لا يدفعها الشخصُ، ولا يأخذها المسؤول، بل يجب عليه الحذر من ذلك بكل حالٍ.

والواجب على مَن سئل أن يحكم بالعدل، وأن يُنصف أهل الحقوق، ويتحرى العدل بينهم، سواء كان قاضيًا أو غير قاضٍ، أو أميرًا، أو قاسمًا، أو وكيلًا، أو غير ذلك.