455 من: (باب فضل حلق الذكر والندب إلى ملازمتها والنهي عن مفارقتها لغير عذر)

 
247 - باب فضل حِلَقِ الذِّكْر والنَّدب إِلَى ملازمتها والنهَّي عن مفارقتها لغير عذر
قَالَ الله تَعَالَى: وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ [الكهف:28].
1/1447- وعنْ أَبي هُريرةَ قَالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: إِنَّ للَّهِ تَعالى ملائِكَةً يَطُوفُونَ في الطُّرُق يَلْتَمِسُونَ أَهْلَ الذِّكْرِ، فإِذا وَجدُوا قَوْمًا يذكُرُونَ اللَّه عَزَّ وَجلَّ، تَنَادَوْا: هَلُمُّوا إِلى حاجتِكُمْ، فَيَحُفُّونَهم بِأَجْنِحَتِهم إِلى السَّمَاء الدُّنْيَا، فَيَسأَلهُم رَبُّهُم - وَهُوَ أَعْلم-: مَا يقولُ عِبَادِي؟ قَالَ: يَقُولُونَ: يُسبِّحُونَكَ وَيُكَبِّرونَكَ، ويحْمَدُونَكَ، ويُمَجِّدُونَكَ، فيقولُ: هَلْ رأَوْني؟ فيقولونَ: لا واللَّهِ مَا رأَوْكَ، فَيَقُولُ: كَيْفَ لَوْ رَأَوْني؟، قَالَ: يقُولُون لَوْ رَأَوْكَ كانُوا أَشَدَّ لكَ عِبادَةً، وأَشَدَّ لكَ تمْجِيدًا، وأَكثرَ لكَ تَسْبِيحًا. فَيَقُولُ: فماذا يَسأَلُونَ؟ قَالَ: يَقُولونَ: يسأَلُونَكَ الجنَّةَ. قالَ: يقولُ: وَهل رَأَوْهَا؟ قالَ: يَقُولُونَ: لا وَاللَّه ياربِّ مَا رأَوْهَا. قَالَ: يَقُولُ: فَكَيْفَ لَوْ رَأَوْهَا؟، قَالَ: يَقُولُونَ: لَوْ أَنَّهُم رأَوْها كَانُوا أَشَدَّ علَيْهَا حِرْصًا، وَأَشَدَّ لهَا طَلَبًا، وَأَعْظَم فِيها رغْبة. قَالَ: فَمِمَّ يَتَعَوَّذُونَ؟ قَالَ: يَتعَوَّذُونَ مِنَ النَّارِ، قَالَ: فَيقُولُ: وهَل رَأَوْهَا؟ قالَ: يقولونَ: لا واللَّهِ مَا رأَوْهَا. فَيقُولُ: كَيْف لَوْ رَأوْها؟، قَالَ: يقُولُون: لَوْ رَأَوْهَا كانوا أَشَدَّ مِنْهَا فِرارًا، وأَشَدَّ لَهَا مَخَافَة. قَالَ: فيقُولُ: فَأُشْهدُكم أَنِّي قَد غَفَرْتُ لَهُم، قَالَ: يقُولُ مَلَكٌ مِنَ الملائِكَةِ: فِيهم فُلانٌ لَيْس مِنهم، إِنَّمَا جاءَ لِحاجَةٍ، قَالَ: هُمُ الجُلَسَاءُ لا يَشْقَى بِهم جلِيسهُم متفقٌ عَلَيْهِ.
وفي روايةٍ لمسلِمٍ عنْ أَبي هُريرةَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قال: إِنَّ للَّهِ مَلائِكَةً سَيَّارةً فُضًلاءَ يتَتَبَّعُونَ مجالِس الذِّكرِ، فَإِذا وجدُوا مَجلِسًا فِيهِ ذِكْرٌ، قَعدُوا معهُم، وحفَّ بعْضُهُم بعْضًا بِأَجْنِحَتِهِم حتَّى يَمْلؤوا مَا بيْنَهُمْ وَبَيْنَ السَّماءِ الدُّنْيَا، فَإِذا تَفَرَّقُوا عَرجُوا وصعِدوا إِلى السَّماءِ، فَيسْأَلهُمُ اللَّهُ عَزَّ وجلَّ- وهُوَ أَعْلَمُ -: مِنْ أَيْنَ جِئْتُمْ؟ فَيَقُولُون: جِئْنَا مِنْ عِندِ عِبادٍ لَكَ في الأَرْضِ: يُسبحُونَكَ، ويُكَبِّرُونَكَ، وَيُهَلِّلُونَكَ، وَيحْمَدُونَكَ، وَيَسْأَلُونَكَ. قَالَ: وَمَاذا يسْأَلُوني؟ قَالُوا: يَسْأَلُونَكَ جنَّتَكَ. قَالَ: وهَلْ رَأَوْا جنَّتي؟ قالُوا: لا، أَيْ ربِّ: قَالَ: فكَيْفَ لَوْ رأَوْا جنَّتي؟ قالُوا: ويسْتَجِيرُونَكَ قال: ومِمَّ يسْتَجِيرُوني؟ قالوا: منْ نَارِكَ ياربِّ. قَالَ: وَهَلْ رَأَوْا نَارِي؟ قالوا: لا، قَالَ: فَكَيْفَ لَوْ رَأَوْا نَارِي؟، قالُوا: ويسْتَغْفِرونَكَ، فيقولُ: قَدْ غفَرْتُ لهُمْ، وأَعطَيْتُهُمْ مَا سَأَلُوا، وأَجرْتُهم مِمَّا اسْتَجارُوا. قال: فَيقُولونَ: ربِّ فيهمْ فُلانٌ عبْدٌ خَطَّاءٌ إِنَّمَا مَرَّ، فَجلَس معهُمْ، فيقُولُ: ولهُ غفَرْتُ، هُمْ القَوْمُ لاَ يَشْقَى بِهِمْ جَلِيسُهُمْ.
2/1448- وعنهُ عنْ أَبي سعيدٍ رضِي اللَّه عنْهُمَا قالا: قَالَ رسُولُ اللَّهِ ﷺ: لا يَقْعُدُ قَوْمٌ يذْكُرُونَ اللَّهَ إِلاَّ حفَّتْهُمُ الملائِكة، وغشِيتهُمُ الرَّحْمةُ ونَزَلَتْ علَيْهِمْ السَّكِينَة، وذكَرَهُم اللَّه فِيمن عِنْدَهُ رواه مسلم.

الشيخ:
الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه.
أما بعد:
ففي هذه الأحاديث الثلاثة الحث على الذكر وعلى مجالس العلم وحلق الذكر في المساجد وغيرها، ينبغي للمؤمن أن يحرص على حلقات العلم وحلقات الذكر في المساجد وغيرها حتى يستفيد هذا الخير العظيم، منها: أن الله جل وعلا يعلي شأن هؤلاء ويباهي بهم ملائكته، فإن هذه الأحاديث الصحيحة تدل على عظم شأن الذاكرين، وأن حلقات العلم إن كان فيها العلم: قال الله، وقال رسوله، وفيها ذكر الله تحفهم الملائكة، فإن الملائكة السياحين في الأرض يلتمسون مجالس الذكر، فإذا وجدوها تنادوا هلموا إلى حاجتكم، فيحفون بأهل المجلس يكون حولهم يسمعون إلى عنان السماء، يسمعون ما يقال وما يؤتى به من الأذكار، فإذا انتهى صعدوا إلى الله فيسألهم -وهو أعلم-: كيف تركتم عبادي؟ يقولون: تركناهم كذا وكذا وكذا، ويسألهم سبحانه -وهو أعلم- يسألهم عن أحوالهم -وهو أعلم بهم جل وعلا- ماذا يسألون وماذا يرجون وماذا يخافون؟ يسألهم ويخبرونه أنهم يحمدونك ويذكرونك ويمجدونك، فيسألهم هل رأوني؟ -وهو يعلم أنهم ما رأوه- قالوا: لا يا ربنا ما رأوك، لو رأوك لكانوا أشد رغبة فيما عندك وأشد شوقا إليك، قال: وماذا يطلبون؟ قالوا: يسألونك جنتك، قال: هل رأوها؟ قالوا: يا ربنا ما رأوها، قال: كيف لو رأوها؟ فتقول الملائكة: لو رأوها لكانوا أشد لها طلبا وأعظم فيها رغبة، قال: ومما يستجيرون؟ قالوا: من النار، قال: وهل رأوها؟ قالوا: لا يا ربنا ما رأوها، وهو يعلم أنهم ما رأوها ولكن لإظهار هذا الأمر بين الملائكة وبين أهل الأرض، قال: كيف لو رأوها؟ قالوا: لو رأوها لكانوا أشد منها رهبة وأكثر فرارا منها، فيقول جل وعلا: أشهدكم أني قد غفرت لهم، وفي رواية أخرى: قد أعطيتهم ما طلبوا وأمنتهم مما حذروا، هذا فضل الله جل وعلا وفي اللفظ الآخر: إن لله ملائكة سياحين يلتمسون مجالس الذكر، وفي اللفظ الآخر: ما من قوم يذكرون الله إلا حفتهم الملائكة وغشيتهم الرحمة وذكرهم الله فيمن عنده وهذا من فضله جل وعلا أيضا، وهكذا إذا جلسوا يدرسون القرآن ويتلون القرآن تحفهم الملائكة وتنزل عليهم السكينة وتعمهم رحمة الله جل وعلا ويذكرهم الله فيمن عنده، هذا فيه فضل عظيم، حلق الذكر والجلوس لسماع القرآن ومذاكرة القرآن والجلوس في المساجد وغيرها يذكر الله العبد يهلله ويحمده، يتذاكرون نعم الله عليهم وما أعطاهم من النعم وما أزال عنهم من النقم فيشكرونه ويحمدونه، هذه فيها خير عظيم وفضل كبير، نسأل الله للجميع التوفيق.

الأسئلة:
س: بالنسبة للسكينة؟
الشيخ: مثل ما تقدم مخلوق عظيم ينزل يكون معه ملائكة يسمع الذكر، بعض أهل العلم قال: إنه نوع من الملائكة، وظاهر النصوص أنه نوع كالسحابة تكون فيها ملائكة تستمع الذكر وتستمع القراءة مثل ما رأى أسيد بن حضير رضي الله عنه أنه كان يصلي في الليل فنزلت تلك السكينة، فيها أمثال السرج فأخبر النبي ﷺ أنها تنزلت لقراءة القرآن.
س: علامات ...؟
الشيخ: ما في علامات على طلب العلم لكن فيه الحث على الإخلاص والعناية بذكر الله وقراءة القرآن عن رغبة وعن إخلاص لله جل وعلا هذا من أسباب تنزل الملائكة ومن أسباب انتفاع العبد بعمله ومضاعفته له إذا أخلص لله وصدق في العمل.
س: عرفها بعضهم بقوله: حالة يطمئن بها القلب فيسكن عن الميل إلى الشهوات؟
الشيخ: لا، ما هي هذه السكينة، السكينة تنزل من السماء في الجو بين السماء والأرض.
س: في لفظ الحديث يقول النبي ﷺ: تلك الملائكة؟
الشيخ: يعني في السكينة من السحابة تستمع القرآن.
س: قوله: فضلا يعني زيادة على الحفظة؟
الشيخ: فضلا يعني كأنهم مفرغين لهذا الشيء، وفي اللفظ الآخر: إن لله ملائكة سياحين يبلغوني عن أمتي السلام عليه الصلاة والسلام.
س: يحفونهم بأجنحتهم؟
الشيخ: يعني يقربون منهم، يعني قريبين منهم ما هو بعيدين.
س: حكم التصفيق؟
الشيخ: التصفيق من عمل الجاهلية ما ينبغي، إذا دعت الحاجة إلى شيء التكبير مثل ما في الصلاة أن النبي ﷺ قال: التصفيق للنساء، والتسبيح للرجال، والله يقول جل وعلا: وَمَا كَانَ صَلَاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكَاءً وَتَصْدِيَةً [الأنفال:35] قال العلماء: المكاء الصفير، والتصدية التصفيق من أعمال الجاهلية.
س: يكون محرما؟
الشيخ: أقل أحواله الكراهة والتحريم قريب وليس ببعيد، قوله: التصفيق للنساء يدل على أنه ليس من شأن الرجال بل هو من شأن النساء أو الكفار.
س: لكن التشبه يكون درجات فيه المكروه وفيه المحرم؟
الشيخ: نعم أنواع مثل حديث الذي صح أن اليهود لا يصبغون فخالفوهم الصبغ معروف أنه سنة وأن اليهود لا ينتعلون فخالفوهم فانتعلوا .. والمقصود أن جنس المخالفة فيها ما هو محرم مثل التشبه بأعيادهم بكفرهم في ضلالهم في تعظيم القبور هذا منكر، ويوجد تشبه أقل من ذلك.
س: وينالون الأجر بقوله: قوموا مغفورا لكم من مجالس الذكر؟
الشيخ: ما في شك تنزل عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة وحفتهم الملائكة وذكرهم الله فيمن عنده، هذا فضل عظيم، الرحمة تحفهم ويذكرهم الله فيمن عنده، الله يجعلنا وإياكم منهم، هذا فضله سبحانه وتعالى، لكن المهم الإخلاص لله في ذلك والصدق وعدم الرياء.