88 من حديث: (لا يجد أحد حلاوة الإيمان حتى يحب المرء لا يحبه إلا لله)

بَاب الحُبِّ فِي اللَّهِ

6041 - حَدَّثَنَا آدَمُ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: لاَ يَجِدُ أَحَدٌ حَلاَوَةَ الإِيمَانِ حَتَّى يُحِبَّ المَرْءَ لاَ يُحِبُّهُ إِلَّا لِلَّهِ، وَحَتَّى أَنْ يُقْذَفَ فِي النَّارِ أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنْ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى الكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْقَذَهُ اللَّهُ، وَحَتَّى يَكُونَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا

بَاب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ [الحجرات:11] إِلَى قَوْلِهِ: فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ [البقرة:229]

6042 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِاللَّهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ زَمْعَةَ، قَالَ: نَهَى النَّبِيُّ ﷺ أَنْ يَضْحَكَ الرَّجُلُ مِمَّا يَخْرُجُ مِنَ الأَنْفُسِ، وَقَالَ: بِمَ يَضْرِبُ أَحَدُكُمُ امْرَأَتَهُ ضَرْبَ الفَحْلِ، أَوِ العَبْدِ، ثُمَّ لَعَلَّهُ يُعَانِقُهَا وَقَالَ الثَّوْرِيُّ، وَوُهَيْبٌ، وَأَبُومُعَاوِيَةَ، عَنْ هِشَامٍ: جَلْدَ العَبْدِ.

6043 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، أَخْبَرَنَا عَاصِمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ ﷺ بِمِنًى: أَتَدْرُونَ أَيُّ يَوْمٍ هَذَا؟ قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: فَإِنَّ هَذَا يَوْمٌ حَرَامٌ، أَفَتَدْرُونَ أَيُّ بَلَدٍ هَذَا؟ قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: بَلَدٌ حَرَامٌ، أَتَدْرُونَ أَيُّ شَهْرٍ هَذَا؟ قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: شَهْرٌ حَرَامٌ قَالَ: فَإِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ عَلَيْكُمْ دِمَاءَكُمْ، وَأَمْوَالَكُمْ، وَأَعْرَاضَكُمْ، كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، فِي شَهْرِكُمْ هَذَا، فِي بَلَدِكُمْ هَذَا

الشيخ: وهذا يبيّن شدة تحريم دماء الناس وأموالهم وأعراضهم، وهذا من جنس حديث أبي بكرة الثقفي الذي رواه الشيخان أيضًا عن أبي بكرة أن النبي خطب الناس يوم النحر في مِنى وقال مثل هذا، يبيّن لهم شدة تحريم الدماء والأموال والأعراض وأنها محرّمة عليهم كما حرّم الله عليهم الحرم وذا الحجة ويوم النحر، المقصود من هذا كله التحذير من العدوان والظلم، وقوله في الحديث الأول حديث عبدالله بن زمعة: "لم يضحك أحدكم مما يخرج منه؟" لأن هذا نوع من السخرية، ولهذا ذكره في هذا الباب فإن الناس قد يخرج منهم شيء قد ينفلت منه مشيء ولم يريدوه فينبغي الغض، غض النظر عن هذا، وعدم الضحك من ذلك؛ لأن الضحك من ذلك إظهار لهذا الشيء ونوع من السخرية به وإبداء عورة قد لا يفهمها من حوله، لكن بالضحك يسأل: ما هذا؟ ما كذا؟ حتى يقال فلان فعل كذا! يعني ضرط أو خرج منه شيء، فينبغي في مثل هذا الإعراض والغفلة والستر وعدم الضحك من ذلك، كذلك المرأة... عشيرته وسكينه قد تكون أم أولاده أيضاً فينبغي الرفق فيها وعدم الضرب لها كما يؤدب العبد؛ فإن تأديب العبد قد تدعو الحاجة إلى الشدة فيه لكثرة أغلاطه وجرائمه، فلا ينبغي للإنسان أن يعامل زوجته نفس معاملة خادمه الذي يضربه ضربًا شديدًا، وهذا يفيدنا أمرين: جواز ضرب المرأة وجواز ضرب العبد، ولكن ينبغي أن يكون غير هذا، وإنما تؤدب عند الحاجة الشديدة تأديبها شيئًا خفيفًا، ومتى كفى الوعظ والهجر والتخفيف فهو مقدّم على الضرب كما قال سبحانه: واللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ  [النساء : 34] فنبدأ بما بدأ الله فيلاحظ الوعظ والنصيحة والتوجيه؛ فإن لم يجد ذلك فالهجر والتوبيخ فإن دعت الحاجة إلى التأديب أدبها شيئًا غير مبرح -كما في حديث أبي بكرة وغيره- ضربًا خفيفًا يحصل منه تأديبها وردعها عن أخطائها وأغلاطها، ولا يكن مثل ما يجلد عبده عند أخطائه وأغلاطه،  ولهذا قال: فلعله يضاجعها في آخر يومه يعني لا يليق به أن يضربها ضربًا شديدًا وهو قد يميل إليها في وقت قريب قد يضاجعها ويتصل بها، فلا يليق منه أن يعاملها هذه المعاملة، بل الرفق والعناية بأسباب إزالة ما يجري منها وما يقع منها من نقص بغير الضرب مهما أمكن.

وفي حديث ابن عمر هذا وما جاء في معناه التحذير الشديد من عدوان المسلم على أخيه أو على المعصوم أو على الدواب إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام هذا فيما يتعلق بهم والمعاهد والمعصوم كذلك، وجاء ما يدل على أيضاً على تحريم الظلم والعدوان على البهائم، وأن الواجب الرفق بها والعناية بها وعدم ظلمها.

س:...

الشيخ: المكوس محرّمة لا تجوز، لكن الدول يقع من الدول أشياء ممنوعة، وقد يكون لهم فيها بعض التأويلات أحيانًا، فالأصل في هذا كله تحريم مال المسلم على أخيه وإذا كان المال ممنوعًا يُمنع...[11:13].. وما حرم الله يُمنع كالخمور وما حرم الله يجب منعه.

بَاب مَا يُنْهَى مِنَ السِّبَابِ وَاللَّعْنِ

6044 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ مَنْصُورٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا وَائِلٍ، يُحَدِّثُ، عَنْ عَبْدِاللَّهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: سِبَابُ المُسْلِمِ فُسُوقٌ، وَقِتَالُهُ كُفْرٌ، تَابَعَهُ  محمد بن جعفر، عَنْ شُعْبَةَ.

الشيخ: وهذا بلا شك يفيد الحذر من هاتين المعصيتين، السباب والقتال، السباب مصدر ساب يساب سبابًا كقاتل قتالاً وأشباهه، المعنى أن الشتم واللعن لمن لا يستحق فسوق من فاعله يعني معصية وخروج عن طاعة الله عز وجل، أما القتال فهو أشد، ولهذا قال (كفر) وكفر منكر، معناه أنه من أعمال الجاهلية فقد يكون كفرًا أكبر إذا استحله، وقد يكون كفرًا دون ذلك إذا لم يستحله، والمقصود من هذا التحذير من وجود القتال بين المسلمين والمسابة والمشاتمة، والمسابة والمشاتمة من وسائل القتال، فكم من مسابة ومشاتمة جرت إلى فتنة وقتال، نسأل الله السلامة.

6045 - حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُالوَارِثِ، عَنِ الحُسَيْنِ، عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ، حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ يَعْمَرَ، أَنَّ أَبَا الأَسْوَدِ الدِّيلِيَّ، حَدَّثَهُ عَنْ أَبِي ذَرٍّ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ ﷺ يَقُولُ: لاَ يَرْمِي رَجُلٌ رَجُلًا بِالفُسُوقِ، وَلاَ يَرْمِيهِ بِالكُفْرِ، إِلَّا ارْتَدَّتْ عَلَيْهِ، إِنْ لَمْ يَكُنْ صَاحِبُهُ كَذَلِكَ.

6046 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سِنَانٍ، حَدَّثَنَا فُلَيْحُ بْنُ سُلَيْمَانَ، حَدَّثَنَا هِلاَلُ بْنُ عَلِيٍّ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: لَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فَاحِشًا، وَلاَ لَعَّانًا، وَلاَ سَبَّابًا، كَانَ يَقُولُ عِنْدَ المَعْتَبَةِ: مَا لَهُ تَرِبَ جَبِينُهُ.

6047 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ المُبَارَكِ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ: أَنَّ ثَابِتَ بْنَ الضَّحَّاكِ، وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ الشَّجَرَةِ حَدَّثَهُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: مَنْ حَلَفَ عَلَى مِلَّةٍ غَيْرِ الإِسْلاَمِ فَهُوَ كَمَا قَالَ، وَلَيْسَ عَلَى ابْنِ آدَمَ نَذْرٌ فِيمَا لاَ يَمْلِكُ، وَمَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِشَيْءٍ فِي الدُّنْيَا عُذِّبَ بِهِ يَوْمَ القِيَامَةِ، وَمَنْ لَعَنَ مُؤْمِنًا فَهُوَ كَقَتْلِهِ، وَمَنْ قَذَفَ مُؤْمِنًا بِكُفْرٍ فَهُوَ كَقَتْلِهِ.

الشيخ: وهذا الحديث حديث عظيم، ومن أحاديث الصحيحين، فيه التحذير من هذه الخصال الذميمة:

أولاً: كونه يحلف بغير ملة  الإسلام، كأن يقول هو يهودي أو نصراني أو مجوسي إن فعل كذا أو إن لم يفعل كذا، هذا فيه الوعيد إذا كان كاذبًا متعمدًا فهو كما قال، وهو وعيد عظيم، نسأل الله العافية، وفيه من الفوائد: أنه ليس له نذر فيما لا يملك، كأن يقول: لله علي أن أعتق عبد فلان أو أمة فلان، هذا ليس بصحيح؛ لأنه لا يملك ذلك.

وفيه من الفوائد: أنه إذا قتل نفسه بشيء كسُمّ أو حديدة أو غير ذلك؛ عُذّب به يوم القيامة في نار جهنم، نسأل الله العافية.

وفيه: أن لعن المؤمن وقذفه بالكفر كقتله، هذا وعيد عظيم، القتل له شأن عظيم؛ فدل ذلك على أن قذفه بالكفر أو لعنه كقتله، ثم هو وسيلة إلى ذلك فإن كثيرًا من السباب والشتام يجر إلى الفتن والقتال؛ فهذا تنفير عظيم من السب وتحذير منه.

س: من نذر نذرًا لا يملكه يكفُر؟

الشيخ: لا، ما جاء فيه تكفير، إنما جاء في نذر المعصية، أما هذا نذر باطل.

س: قول النبي ﷺ: لو أقسم على الله لأبره...؟

الشيخ: هذا حديث آخر، هذا لصلاحه وتقواه قد يقع هذا، مثل ما جرى للبراء بن مالك وغيره، ومثل ما جرى أيضًا في قصة الرُّبَيِّع.

6048 - حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَدِيُّ بْنُ ثَابِتٍ، قَالَ: سَمِعْتُ سُلَيْمَانَ بْنَ صُرَدٍ، رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ ﷺ  قَالَ: اسْتَبَّ رَجُلاَنِ عِنْدَ النَّبِيِّ ﷺ، فَغَضِبَ أَحَدُهُمَا، فَاشْتَدَّ غَضَبُهُ حَتَّى انْتَفَخَ وَجْهُهُ وَتَغَيَّرَ: فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: إِنِّي لَأَعْلَمُ كَلِمَةً، لَوْ قَالَهَا لَذَهَبَ عَنْهُ الَّذِي يَجِدُ، فَانْطَلَقَ إِلَيْهِ الرَّجُلُ فَأَخْبَرَهُ بِقَوْلِ النَّبِيِّ ﷺ وَقَالَ: تَعَوَّذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ، فَقَالَ: أَتُرَى بِي بَأْسٌ؟ أَمَجْنُونٌ أَنَا؟ اذْهَبْ.

الشيخ: وهذا يدل على أنه ما زال الغضب وقد اشتد به؛ ولهذا لم يرعو للنصيحة؛ فالغضب أمره خطير؛ ولهذا قد يقتل وقد يرتد عن دينه، نسأل الله السلامة!

المقصود أن السُّنة للغاضب أن يتعوّذ بالله من الشيطان فمتى تعوّذ صادقًا راغبًا أعاذه الله من شر ما وقع منه وهدَّأ غضبه؛ ولهذا قال ﷺ: إني لأعلم كلمة لو قالها لذهب عنه ما يجد يعني لو قالها بصدق وإخلاص أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، فالغضب  جمرة تغلي في قلب الإنسان، نار فينبغي له أن يطفئها بالوضوء كما جاء في الحديث الصحيح أيضًا، ويطفئها بالتعوُّذ بالله من الشيطان والإكثار من ذكر الله ، وبالإمساك عن الخوض فيما أغضبه، والخروج من المحل أو الجلوس، أو غير ذلك مما يشغله عن هذا الذي وقع فيه من البلاء.

6049 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ المُفَضَّلِ، عَنْ حُمَيْدٍ، قَالَ: قَالَ أَنَسٌ: حَدَّثَنِي عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ، قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ لِيُخْبِرَ النَّاسَ بِلَيْلَةِ القَدْرِ، فَتَلاَحَى رَجُلاَنِ مِنَ المُسْلِمِينَ، قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: خَرَجْتُ لِأُخْبِرَكُمْ، فَتَلاَحَى فُلاَنٌ وَفُلاَنٌ، وَإِنَّهَا رُفِعَتْ، وَعَسَى أَنْ يَكُونَ خَيْرًا لَكُمْ، فَالْتَمِسُوهَا فِي التَّاسِعَةِ، وَالسَّابِعَةِ، وَالخَامِسَةِ.

الشيخ: والمعنى في هذا أن التلاحي والخصومات والمشاجرات قد تكون سببًا لحرمان بعض الخير، خرج ليخبرهم فتلاحى هذان الرجلان فأُنسيها ورُفعت، وعسى أن يكون خيرًا، يعني تعيينها، لكنها في العشر الأواخر؛ لأن رفعها وعدم العلم بعينها وسيلة إلى كثرة العمل الصالح والاجتهاد في العشر الأخيرة كل ليلة  يقول لعلها هذه الليلة، بخلاف لو كانت معينة في الخامسة أو السابعة أو في الثالثة أو في الحادية لربما تكاسل عن بقية الليالي؛ فمن حكمة الله أن جعلها في هذه العشر ليجتهد المسلمون في العشر كلها.

6050 - حَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، عَنِ المَعْرُورِ هُوَ ابْنُ سُوَيْدٍ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ، قَالَ: رَأَيْتُ عَلَيْهِ بُرْدًا، وَعَلَى غُلاَمِهِ بُرْدًا، فَقُلْتُ: لَوْ أَخَذْتَ هَذَا فَلَبِسْتَهُ كَانَتْ حُلَّةً، وَأَعْطَيْتَهُ ثَوْبًا آخَرَ، فَقَالَ: كَانَ بَيْنِي وَبَيْنَ رَجُلٍ كَلاَمٌ، وَكَانَتْ أُمُّهُ أَعْجَمِيَّةً، فَنِلْتُ مِنْهَا، فَذَكَرَنِي إِلَى النَّبِيِّ ﷺ، فَقَالَ لِي: أَسَابَبْتَ فُلاَنًا قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: أَفَنِلْتَ مِنْ أُمِّهِ قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: إِنَّكَ امْرُؤٌ فِيكَ جَاهِلِيَّةٌ، قُلْتُ: عَلَى حِينِ سَاعَتِي هَذِهِ مِنْ كِبَرِ السِّنِّ؟ قَالَ: نَعَمْ، هُمْ إِخْوَانُكُمْ، جَعَلَهُمُ اللَّهُ تَحْتَ أَيْدِيكُمْ، فَمَنْ جَعَلَ اللَّهُ أَخَاهُ تَحْتَ يَدِهِ، فَلْيُطْعِمْهُ مِمَّا يَأْكُلُ، وَلْيُلْبِسْهُ مِمَّا يَلْبَسُ، وَلاَ يُكَلِّفُهُ مِنَ العَمَلِ مَا يَغْلِبُهُ، فَإِنْ كَلَّفَهُ مَا يَغْلِبُهُ فَلْيُعِنْهُ عَلَيْهِ.

الشيخ: وهذا في شأن المماليك، كان أبو ذر غضب على مملوكه ذات يوم فقال : يا ابن السوداء! فعيّره بأمه فاستنكر النبي منه ذلك وقال: إنك امرؤ فيك جاهلية فقال له أبو ذر: على ساعتي هذه مع كبر سني؟ قال: نعم. هذا يدل على أن تعيير الناس بأماتهم أو بأنسابهم أو بأخوالهم أو بأقاربهم من أمر الجاهلية؛ فإن العيب عيب الرجل لا عيب والده ولا عيب أمه، وإنما يذم الإنسان بأعماله السيئة لا بسواد أمه ولا بسواد أبيه ولا بغير ذلك؛ ولهذا قال: إنك امرؤ فيك جاهلية ثم قال: هم إخوانكم خولكم ، خولكم أي حشمكم يعني خدامكم جعلهم الله تحت أيديكم يعني مكّنكم الله منهم بالتسرِّي أو بالشراء أو غير ذلك فمن كان أخوه تحت يده، سماهم "إخوان" ليحنوا عليهم ويعطفوا عليهم ويعرفوا لهم فضلهم ولا يحقروهم، فمن كان أخوه تحت يده فليطعمه مما يطعم ويلبسه مما يلبس، هذا من الكمال ولا يكلفه ما يغلبه يعني لا يأمره بشيء يشق عليه فإن كلفه فليعنه إن كان شيئًا يشق عليه فليعنه؛ شيء ثقيل يحمله معه، يساعده على ذلك ولا يظلمه بتكليفه ما يشق عليه، وهكذا لو كانوا خدامًا غير مماليك فهو من هذا الباب من جنس ذلك الواجب؛ ألا يُحتقروا وألا يُهانوا وألا يُسبوا وألا يُعيروا وألا يُكلفوا ما يغلبهم، يكون عنده رحمة، عنده تواضع.

س: قوله: أَتُرَى بِي بَأْسٌ؟

الشيخ: يعني: خلل في عقلي، يوم تقول "أتعوذ بالله" ترى أني مختل العقل؟ هذا معناه، يعني أنا صاحٍ ما أنا مختل العقل فلا حاجة إلى أن أقول "أعوذ بالله من الشيطان الرجيم".

س: لماذا رفع بأس؟

الشيخ: شوفه عندك، مقتضى الكلام النصب.

الطالب: قَوْلُهُ (أَتُرَى بِي بَأْسٌ) بِضَمِّ التَّاءِ أَيْ أَتَظُنُّ وَوَقَعَ بَأْسٌ هُنَا بِالرَّفْعِ لِلْأَكْثَرِ وَفِي بَعْضِهَا بَأْسًا بِالنَّصْبِ وَهُوَ أَوْجَهُ.

الشيخ: نعم مثل ما قال الشارح: النصب أوجه.

الطالب: قوله: أي مرض شديد، بأس مبتدأ وخبره قوله بي.

الشيخ: هذا ما هو مناسب السياق أترى بي بأسًا أو تر .... يعني أتظن بي بأسًا؛ لأن ترى تظن، معناها صيغة المجهول، وأيضاً معنى الفاعل ...

س: هذا الرجل الذي سابه أبو ذر..؟

الشيخ: غلام لأبي ذر مملوك.

س: هنا يقول: كان بيني وبين رجل كلام؟

الشيخ: هو خادم وهو رجل لكن أبهمه هنا، وبيَّن في رواية أخرى أنه غلام له.

س: ذكر أنه بلال الشارح؟

الشيخ: رواية؟

الطالب: ساببت رجلًا، وقد تقدم شرحه في كتاب الإيمان وأن الرجل المذكور هو بلال...

الشيخ: لا ما هو الظاهر، المقصود غلام له، كما في الرواية الأخرى: غلام له مملوك، له: لأبي ذر؛ ولهذا كان يعطيه مثل حلته، يُلبسه مثل حلته، إذا لبس حلة جديدة أعطاه حلة جديدة، والرائي رأى عليه حلة مختلفة؛ الرداء من نوع والإزار من نوع، وعلى أبي ذر مثل ذلك الرداء من نوع والإزار من نوع، فقال له الرجل: لو أنك أخذت الذي على الغلام من الإزار الذي يوافق الرداء الذي يوافق إزارك فجعلته عليك حتى يكون عندك حلة كاملة، وهو يكون عنده حلة كاملة، ففعل ما قال، أراد أن يشاركه في الطَّيِّب والخَلق.

س: يأثم إذا..؟

الشيخ: لا، الأفضل، وإلا اللازم إطعامه وكسوته مثل ما في الحديث الآخر: لِلْمَمْلُوكِ طَعامُهُ وكِسْوَتُهُ، ولا يُكَلَّفُ مِنَ العَمَلِ إلَّا ما يُطِيقُ هذا الواجب أن يعطيه.. لكن إذا جعله مثله يكون أفضل، إذا تواضع وجعل ملابسهما واحدًا؛ كان أفضل، وكذلك إذا كان طعامهم واحدًا؛ أفضل.

ومما يدل على عدم وجوب أن يكون معه سواء في الطعام، قوله في الحديث الآخر الذي رواه الشيخان إذا أتى أحدكم خادمه بطعامه فإن لم يجلسه معه فليناوله لقمة أو لقمتين فإنه تولّى حره ودخانه فهذا يدل على أنه ما يلزمه أن يكونا سواء في الطعام، لكن من باب مكارم الأخلاق التسوية.

بَاب مَا يَجُوزُ مِنْ ذِكْرِ النَّاسِ، نَحْوَ قَوْلِهِمْ: الطَّوِيلُ وَالقَصِيرُ

وَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: مَا يَقُولُ ذُو اليَدَيْنِ وَمَا لاَ يُرَادُ بِهِ شَيْنُ الرَّجُلِ.

6051 - حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: صَلَّى بِنَا النَّبِيُّ ﷺ الظُّهْرَ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ سَلَّمَ، ثُمَّ قَامَ إِلَى خَشَبَةٍ فِي مُقَدَّمِ المَسْجِدِ، وَوَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهَا، وَفِي القَوْمِ يَوْمَئِذٍ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ، فَهَابَا أَنْ يُكَلِّمَاهُ، وَخَرَجَ سَرَعَانُ النَّاسِ، فَقَالُوا: قَصُرَتِ الصَّلاَةُ. وَفِي القَوْمِ رَجُلٌ، كَانَ النَّبِيُّ ﷺ يَدْعُوهُ ذَا اليَدَيْنِ، فَقَالَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، أَنَسِيتَ أَمْ قَصُرَتْ؟ فَقَالَ: لَمْ أَنْسَ وَلَمْ تَقْصُرْ قَالُوا: بَلْ نَسِيتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: صَدَقَ ذُو اليَدَيْنِ فَقَامَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ سَلَّمَ، ثُمَّ كَبَّرَ فَسَجَدَ مِثْلَ سُجُودِهِ أَوْ أَطْوَلَ، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ وَكَبَّرَ، ثُمَّ وَضَعَ مِثْلَ سُجُودِهِ أَوْ أَطْوَلَ، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ وَكَبَّرَ.

الشيخ: وهذا الحديث وما جاء في معناه يدل على أن النسيان يجوز على الأنبياء عليهم الصلاة والسلام؛ ولهذا ثبت في حديث ابن مسعود أنه ﷺ قال: إنما أنا بشر مثلكم أنسى كما تنسون فإذا نسيت فذكّروني.

وفيه من الفوائد: أن دعوة الإنسان بما  يُعرف به لا يسمى غيبة إن كان معروفًا بذلك كذي اليدين أو الأعمش أو الأعرج، أو ما أشبه ذلك إذا كان معروفًا بذلك ليس قصد عيبه ولا شينه، إنما المقصود دعوته بالشيء الذي يعرف به؛ فليس هذا من الغيبة، ولهذا قال ﷺ: صدق ذو اليدين والأئمة أئمة الحديث يقولون عن الأعمش عن الأعرج عن الأعور؛ لأنهم عرفوا بهذه الأشياء وصارت أعلامًا عليهم لا يكرهونها ولا تعتبر غِيبة، هكذا الطويل والقصير والأسمر والأبيض ونحو ذلك إذا كانت أعلامًا على أهلها، أما إن كان المقصود غيبة كأن يقول القصير والأعرج يغتابه بذلك يذمه يعيبه؛ هذا هو الذي يدخل في الغيبة، ولهذا لما قالت عائشة رضي الله عنها للنبي ﷺ: حسبك من صفية يعني أنها قصيرة، فقال: لقد قلت كلمة لو مزجت بماء البحر لمزجته لأن قصدها ليس التعريف إنما المقصود ذمها فصار غِيبة، وهكذا ما أشبه ذلك كالبخيل والشرس وكذا وكذا مما يقصد به عيبه؛ هذا من الغيبة.

وفيه من الفوائد: أن الإنسان متى سلم من ثنتين في الظهر أو في العصر أو في المغرب أو في العشاء أو من واحدة في الفجر أو في الجمعة فإنه يأتي بما نقص؛ يقوم يكمل صلاته ويتممها ثم يسلم، ثم يكون سجوده بعد السلام يسجد سجدتين كسجوده للصلاة بتكبير، يكبر ثم يسجد ثم يرفع ويكبر ثم يسجد ويكبر ثم يرفع ويكبر ثم يسلم كما فعل النبي ﷺ في قصة ذي اليدين.

س: إذا كان يكره اللقب...؟

الشيخ: إذا عُرف به ما يضر، إذا كان معروفًا به ما يُسمى غيبة.

س: السجود هنا قبل السلام أو بعد السلام؟

الشيخ: مثل ما سمعت، بعد السلام، هذا السُّنة، ولو سجد قبل السلام أجزأ، لكن بعد السلام أفضل حتى يوافق فعل النبي ﷺ.

س: ما دام له اسم.. ليش ندعوه بالأعرج ونحوه واسمه محمد، عبدالله..؟

الشيخ: ما يضر إذا عُرف بذلك، لا بأس.

بَاب الغِيبَةِ

وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: وَلاَ يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا، أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ [الحجرات: 12].

6052 - حَدَّثَنَا يَحْيَى، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنِ الأَعْمَشِ، قَالَ: سَمِعْتُ مُجَاهِدًا، يُحَدِّثُ، عَنْ طَاوُسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: مَرَّ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَلَى قَبْرَيْنِ، فَقَالَ: إِنَّهُمَا لَيُعَذَّبَانِ، وَمَا يُعَذَّبَانِ فِي كَبِيرٍ، أَمَّا هَذَا: فَكَانَ لاَ يَسْتَتِرُ مِنْ بَوْلِهِ، وَأَمَّا هَذَا: فَكَانَ يَمْشِي بِالنَّمِيمَةِ ثُمَّ دَعَا بِعَسِيبٍ رَطْبٍ فَشَقَّهُ بِاثْنَيْنِ، فَغَرَسَ عَلَى هَذَا وَاحِدًا، وَعَلَى هَذَا وَاحِدًا، ثُمَّ قَالَ: لَعَلَّهُ يُخَفَّفُ عَنْهُمَا مَا لَمْ يَيْبَسَا.

الشيخ:  وفي هذا دلالة على أن عذاب القبر حق، وأن الإنسان قد يعذب في قبره لكفره، وقد يعذب في قبره لمعصيته، ولهذا مر على القبرين، وقال: إنهما ليعذبان! ثم قال: وما يعذبان في كبير وقال : بلى أما أحدهما فكان لا يستتر من البول وأما هذا فكان يمشي بالنميمة وفي اللفظ الآخر: لا يتنزه من البول يعني لا يعتني بالنظافة من البول والطهارة من البول، وأما الآخر فكان يمشي بالنميمة بين الناس؛ فهذا يدل على أن هذين الذنبين من أسباب العذاب في القبر غير عذاب الآخرة؛ ففيه الحذر من التساهل بالبول وأن الواجب العناية بالطهارة منه وما يصيب الثوب أو البدن  من ذلك، وألا يتساهل في ذلك، وفيه الحذر من النميمة، والنميمة: نقل كلام زيد إلى عمرو، الكلام الشين، الكلام القبيح الذي يثير الفتن، كلام زيد إلى عمرو،  كلام القبيلة إلى القبيلة، كلام أسرة إلى أسرة، كلام قرية إلى قرية، يثير الشحناء والعداوة، هذه هي النميمة، وكلما عظُمت الفتنة في ذلك؛ صار الذنب أعظم، صار الإثم أكبر، وفيه أنه ﷺ غرز عليهما جريدتين وقال: لعلهما يخفف عنهما ما لم ييبسا، وهذا لشيء اطلع عليه يخصهما؛ لهذا لم يفعل هذا مع بقية القبور فدل ذلك على أنه خاص بهما ولا يقاس عليه غيرهما؛ لأن الله أطلعه على عذابهما، ونحن لا نطلع على عذاب  أهل القبور، وأيضًا هو لم يفعله مع بقية القبور، فدل ذلك على أنه خاص بهذين القبرين.

س: صنيع البخاري يرى أنه..؟

الشيخ: يظهر من ترجمته أن الغيبة ملحقة بالنميمة، كما أن النميمة تثير الشر والفتن فهكذا الغيبة؛ فإن المغتاب إذا بلغه الخبر تأثر وربما أفضى إلى تضاربه أو تسابّه مع صاحب الغيبة أو ما هو أكبر من ذلك؛ فصارت من جنس النميمة من هذه الحيثية، ولهذا ترجم في ذلك ليحذر من الغيبة بما جاء في النميمة.

س: قوله ما لم ييبسا؟

الشيخ: هذا لحكمة بالغة أنهما تنفعان ما دامتا رطبتين، وقال بعض السلف أنهما تسبّحان، والله أعلم.

س: كأنه ما صح عنده حديث في ...؟

الشيخ: إن لم يأت بشيء، فهو اكتفى بهذا؛ لأنه ليس عنده شيء على شرطه، بل رواه مسلم في الصحيح عن أبي هريرة أن النبي ﷺ قال: الغيبة ذكرك أخاك بما يكره، قيل: يا رسول الله إن كان في أخي ما أقول؟ قال: إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بهته، رواه مسلم في الصحيح  وفي حديث رواه أحمد وغيره بإسناد صحيح: (أن النبي ﷺ لما أُسري به لما عرج به إلى السماء مر على قوم أظفارهم من نحاس يخمشون بها وجوههم وصدورهم فقال لجبرائيل: من هؤلاء؟ قال: هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس ويقعون في أعراضهم)، نسأل الله العافية.

أيش قال الشارح على الترجمة؟

قَوْلُهُ: بَابُ الْغِيبَةِ، وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: وَلَا يغتب بَعْضكُم بَعْضًا... الْآيَةَ.

هَكَذَا اكْتَفَى بِذِكْرِ الْآيَةِ الْمُصَرِّحَةِ بِالنَّهْيِ عَنِ الْغِيبَةِ وَلَمْ يَذْكُرْ حُكْمَهَا كَمَا ذَكَرَ حُكْمَ النَّمِيمَةِ بَعْدَ بَابَيْنِ، حَيْثُ جَزَمَ بِأَنَّ النَّمِيمَةَ مِنَ الْكَبَائِرِ.

وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي حَدِّ الْغِيبَةِ وَفِي حُكْمِهَا: فَأَمَّا حَدُّهَا فَقَالَ الرَّاغِبُ هِيَ أَنْ يَذْكُرَ الْإِنْسَانُ عَيْبَ غَيْرِهِ مِنْ غَيْرِ مُحْوِجٍ إِلَى ذِكْرِ ذَلِكَ، وَقَالَ الْغَزَالِيُّ حَدُّ الْغِيبَةِ أَنْ تَذْكُرَ أَخَاكَ بِمَا يَكْرَهُهُ لَو بلغه، وَقَالَ بن الْأَثِيرِ فِي النِّهَايَةِ الْغِيبَةُ أَنْ تَذْكُرَ الْإِنْسَانَ فِي غَيْبَتِهِ بِسُوءٍ وَإِنْ كَانَ فِيهِ، وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي الْأَذْكَارِ تَبَعًا لِلْغَزَالِيِّ: ذِكْرُ الْمَرْءِ بِمَا يَكْرَهُهُ سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ فِي بَدَنِ الشَّخْصِ أَوْ دِينِهِ أَوْ دُنْيَاهُ أَوْ نَفْسِهِ أَوْ خَلْقِهِ أَوْ خُلُقِهِ أَوْ مَالِهِ أَوْ وَالِدِهِ أَوْ وَلَدِهِ أَوْ زَوْجِهِ أَوْ خَادِمِهِ أَو ثَوْبه أَو حركته أَو وطلاقته أَو عبوسته أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِهِ سَوَاءٌ ذَكَرْتَهُ بِاللَّفْظِ أَوْ بِالْإِشَارَةِ وَالرَّمْزِ، قَالَ النَّوَوِيُّ: وَمِمَّنْ يَسْتَعْمِلُ التَّعْرِيضَ فِي ذَلِكَ كَثِيرٌ مِنَ الْفُقَهَاءِ فِي التَّصَانِيفِ وَغَيْرِهَا كَقَوْلِهِمْ: قَالَ بَعْضُ مَنْ يَدَّعِي الْعِلْمَ أَوْ بَعْضُ مَنْ يُنْسَبُ إِلَى الصَّلَاحِ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ مِمَّا يَفْهَمُ السَّامِعُ الْمُرَادَ بِهِ، وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ عِنْدَ ذِكْرِهِ: اللَّهُ يُعَافِينَا، اللَّهُ يَتُوبُ عَلَيْنَا، نَسْأَلُ اللَّهَ السَّلَامَةَ، وَنَحْوَ ذَلِكَ؛ فَكُلُّ ذَلِكَ مِنَ الْغِيبَةِ.

الشيخ: يعني إشارة إلى نقص فيه.

س:..

الشيخ: إشارة إلى أنه ليس بعالم يدّعي وليس بعالم إذا بلغه ...

س:..

الشيخ: الصحيح أنه ما يكون غيبة إلا إذا عيّن.

س: ..

الشيخ: هذا قد يكون في هذا؛ لأن الناس يعرفونه .

س:..

الشيخ: النبي ﷺ بيّن الغيبة، يعني ما حاجة إلى هذا الكلام الكثير، النبي ﷺ قال: ذكرك أخاك بما يكره ضبطها عليه الصلاة والسلام، هذا الكلام الذي نقله عن النووي وغيره هذا كلام.. ذكرك أخاك بما يكره النبي ﷺ ضبط هذا وحده.

وَتَمَسَّكَ مَنْ قَالَ إِنَّهَا لَا يُشْتَرَطُ فِيهَا غِيبَةَ الشَّخْصِ بِالْحَدِيثِ الْمَشْهُورِ الَّذِي أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَأَصْحَابُ السُّنَنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَفَعَهُ: أَتَدْرُونَ مَا الْغِيبَةُ؟ قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ: ذِكْرُكَ أَخَاكَ بِمَا يَكْرَهُهُ قَالَ: أَفَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ فِي أَخِي مَا أَقُولُ. قَالَ ﷺ: إِنْ كَانَ فِي أَخِيكَ مَا تَقُولُ فَقَدِ اغْتَبْتَهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ مَا تَقُولُ فَقَدْ بَهَتَّهُ وَلَهُ شَاهِدٌ مُرْسَلٌ عَنِ الْمُطَّلِبِ بْنِ عَبْدِاللَّهِ عِنْدَ مَالِكٍ فَلَمْ يُقَيِّدْ ذَلِكَ بِغِيبَةِ الشَّخْصِ؛ فَدَلَّ عَلَى أَنْ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَقُولَ ذَلِكَ فِي غِيبَتِهِ أَوْ فِي حُضُورِهِ، وَالْأَرْجَحُ اخْتِصَاصُهَا بِالْغِيبَةِ مُرَاعَاةً لِاشْتِقَاقِهَا وَبِذَلِك جزم أهل اللُّغَة، قَالَ ابن التِّينِ: الْغِيبَةُ ذِكْرُ الْمَرْءِ بِمَا يَكْرَهُهُ بِظَهْرِ الْغَيْبِ. وَكَذَا قَيَّدَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ وَأَبُو نَصْرٍ الْقُشَيْرِيُّ فِي التَّفْسِير وبن خَمِيسٍ فِي جُزْءٍ لَهُ مُفْرَدٍ فِي الْغِيبَةِ وَالْمُنْذِرِيُّ وَغَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الْعُلَمَاءِ مِنْ آخِرِهِمُ الْكِرْمَانِيُّ، قَالَ: الْغِيبَةُ أَنْ تَتَكَلَّمَ خَلْفَ الْإِنْسَانِ بِمَا يَكْرَهُهُ لَوْ سَمِعَهُ وَكَانَ صِدْقًا، قَالَ: وَحُكْمُ الْكِنَايَةِ وَالْإِشَارَةِ مَعَ النِّيَّةِ كَذَلِكَ، وَكَلَامُ مَنْ أَطْلَقَ مِنْهُمْ مَحْمُولٌ عَلَى الْمُقَيَّدِ فِي ذَلِكَ.
وَقَدْ وَقَعَ فِي حَدِيثِ سُلَيْمِ بْنِ جَابر، وَالْحَدِيثُ سِيقَ لِبَيَانِ صِفَتِهَا وَاكْتُفِيَ بِاسْمِهَا عَلَى ذِكْرِ مَحِلِّهَا، نَعَمِ الْمُوَاجَهَةُ بِمَا ذُكِرَ حَرَامٌ؛ لِأَنَّهُ دَاخِلٌ فِي السَّبِّ وَالشَّتْمِ، وَأَمَّا حُكْمُهَا فَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي الْأَذْكَارِ: الْغِيبَةُ وَالنَّمِيمَةُ مُحَرَّمَتَانِ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ، وَقَدْ تَظَاهَرَتِ الْأَدِلَّةُ عَلَى ذَلِكَ، وَذَكَرَ فِي الرَّوْضَةِ تَبَعًا لِلرَّافِعِيِّ أَنَّهَا مِنَ الصَّغَائِرِ، وَتَعَقَّبَهُ جَمَاعَةٌ، وَنَقَلَ أَبُو عَبْدِاللَّهِ الْقُرْطُبِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ الْإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّهَا مِنَ الْكَبَائِرِ لِأَنَّ حَدَّ الْكَبِيرَةِ صَادِقٌ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّهَا مِمَّا ثَبَتَ الْوَعِيدُ الشَّدِيدُ فِيهِ، وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ: لَمْ أَرَ مَنْ صَرَّحَ بِأَنَّهَا مِنَ الصَّغَائِرِ إِلَّا صَاحب الْعدة وَالْغَزَالِيَّ، وَصَرَّحَ بَعْضُهُمْ بِأَنَّهَا مِنَ الْكَبَائِرِ، وَإِذَا لَمْ يَثْبُتِ الْإِجْمَاعُ فَلَا أَقَلَّ مِنَ التَّفْصِيلِ: فَمَنِ اغْتَابَ وَلِيًّا لِلَّهِ أَوْ عَالِمًا لَيْسَ كَمَنِ اغْتَابَ مَجْهُولَ الْحَالَةِ مَثَلًا، وَقَدْ قَالُوا: ضَابِطُهَا ذِكْرُ الشَّخْصِ بِمَا يَكْرَهُ، وَهَذَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ مَا يُقَالُ فِيهِ وَقَدْ يَشْتَدُّ تَأَذِّيهِ بِذَلِكَ وَأَذَى الْمُسْلِمِ مُحَرَّمٌ.
وَذَكَرَ النَّوَوِيُّ مِنَ الْأَحَادِيثِ الدَّالَّةِ عَلَى تَحْرِيمِ الْغِيبَةِ حَدِيثَ أَنَسٍ رَفَعَهُ: لَمَّا عُرِجَ بِي مَرَرْتُ بِقَوْمٍ لَهُمْ أَظْفَارٌ مِنْ نُحَاسٍ يَخْمُشُونَ بِهَا وُجُوهَهُمْ وَصُدُورَهُمْ، قُلْتُ: مَنْ هَؤُلَاءِ يَا جِبْرِيلُ؟ قَالَ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ لُحُومَ النَّاسِ وَيَقَعُونَ فِي أَعْرَاضِهِمْ. أخرجه أَبُو دَاوُد، وَله شَاهد عَن ابن عَبَّاسٍ عِنْدَ أَحْمَدَ وَحَدِيثُ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ رَفَعَهُ: إِنَّ مِنْ أَرْبَى الرِّبَا الِاسْتِطَالَةُ فِي عِرْضِ الْمُسْلِمِ بِغَيْرِ حَقٍّ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَله شَاهد عِنْد الْبَزَّار وابن أَبِي الدُّنْيَا مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَعِنْدَ أَبِي يَعْلَى مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ وَمِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَفَعَهُ مَنْ أَكَلَ لَحْمَ أَخِيهِ فِي الدُّنْيَا قُرِّبَ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيُقَالُ لَهُ كُلْهُ مَيِّتًا كَمَا أَكَلَتْهُ حَيًّا فَيَأْكُلُهُ وَيَكْلَحُ وَيَصِيحُ سَنَدُهُ حَسَنٌ، وَفِي الْأَدَبِ الْمُفْرَدِ عَن ابن مَسْعُودٍ قَالَ: مَا الْتَقَمَ أَحَدٌ لُقْمَةً شَرًّا مِنَ اغْتِيَابِ مُؤْمِنٍ. الْحَدِيثَ.

الشيخ: يكفي.

س: ما معنى: ويكلح؟

الشيخ: هذا ظاهر، يعني يظهر الكراهة، ترى على وجهه الكراهة لما ألزم به، يأكله كارهًا لهذا الشيء، كالح في وجهه لما ألزم به، نسأل الله العافية، والكالح: غير المنبسط.

س: من يدّعي العلم وهو يدعو الناس إلى الخرافات والبدع..؟

الشيخ: يُحذّر من عمله السيئ .. الفاسق لا حرمة له.

بَاب قَوْلِ النَّبِيِّ ﷺ: خَيْرُ دُورِ الأَنْصَارِ.

6053 - حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي أُسَيْدٍ السَّاعِدِيِّ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: خَيْرُ دُورِ الأَنْصَارِ بَنُو النَّجَّارِ.

الشيخ: يعني مقصوده بهذا رحمه الله أن التفضيل ما يسمى غِيبة، تفضيل بعض الناس على بعض وكون دار بني النجار أفضل من دور بالأنصار، ثم دار كذا، ما يدل على الغيبة؛ فالتفضيل وكون زيد أفضل من عمرو وعمر أفضل من خالد؛ هذا ليس من الغيبة في شيء.

بَاب مَا يَجُوزُ مِنَ اغْتِيَابِ أَهْلِ الفَسَادِ وَالرِّيَبِ

6054 - حَدَّثَنَا صَدَقَةُ بْنُ الفَضْلِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، سَمِعْتُ ابْنَ المُنْكَدِرِ، سَمِعَ عُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ: أَنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَخْبَرَتْهُ قَالَتْ: اسْتَأْذَنَ رَجُلٌ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَقَالَ: ائْذَنُوا لَهُ، بِئْسَ أَخُو العَشِيرَةِ، أَوِ ابْنُ العَشِيرَةِ فَلَمَّا دَخَلَ أَلاَنَ لَهُ الكَلاَمَ، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، قُلْتَ الَّذِي قُلْتَ، ثُمَّ أَلَنْتَ لَهُ الكَلاَمَ؟ قَالَ: أَيْ عَائِشَةُ، إِنَّ شَرَّ النَّاسِ مَنْ تَرَكَهُ النَّاسُ، أَوْ وَدَعَهُ النَّاسُ، اتِّقَاءَ فُحْشِهِ.

الشيخ: وهذا من الحُجج على أن من كان معروفًا بالشر لا غيبة له فيما عُرف به، ولهذا قال النبي ﷺ قبل أن يدخل: ائذنوا له بئس أخو العشيرة أو بئس ابن العشيرة هذا ذم له وعيب له؛ دلالة على أنه ليس أهلاً للمدح، ثم لما دخل انبسط له وألان له فلما قالت له عائشة : يا رسول الله قلت كذا ثم ألنت له الكلام قال : يا عائشة إن شر الناس من تركه الناس اتقاء فحشه -أو قال اتقاء شره- فهذا يدل على أنه يجوز اتقاء فحش الإنسان بملاينة الكلام وطيب الكلام وعدم الدخول معه فيما يثيره، وإن كان يُذم في الخارج ويُبيَّن للناس شره؛ حتى يحذر ويُبتعَد عن بلائه، نسأل الله العافية.

بَاب النَّمِيمَةُ مِنَ الكَبَائِرِ

6055 - حَدَّثَنَا ابْنُ سَلاَمٍ، أَخْبَرَنَا عَبِيدَةُ بْنُ حُمَيْدٍ أَبُو عَبْدِالرَّحْمَنِ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: خَرَجَ النَّبِيُّ ﷺ مِنْ بَعْضِ حِيطَانِ المَدِينَةِ، فَسَمِعَ صَوْتَ إِنْسَانَيْنِ يُعَذَّبَانِ فِي قُبُورِهِمَا، فَقَالَ: يُعَذَّبَانِ، وَمَا يُعَذَّبَانِ فِي كَبِيرة.

الشيخ: كبيرة، كذا عندكم؟

الطالب: نعم.

الشيخ : الشارح ضبط لها؟ اللي أعرف في الرواية (في كبير) دون هاء. العيني كبيرة وإلا كبير؟ قال شيئًا؟

الطالب: نعم قال هنا : قوله: وما يعذبان في كبيرة، أي عندكم ليس بكبيرة،  أو ليس عليكم بكبيرة؛ إذ لم مشقة فيه. انتهى.

الشيخ: الفتح ما تعرّض؟

الطالب: لا.

الشيخ: تُراجع بعض النسخ، الذي أعرف "بكبير" بدون زيادة الهاء يعني قيل فيه: شاق، أو في كبير في أنفسكم، ثم قال "بلى" كما في الرواية الأخرى "بلى إنه كبير".

فَسَمِعَ صَوْتَ إِنْسَانَيْنِ يُعَذَّبَانِ فِي قُبُورِهِمَا، فَقَالَ: يُعَذَّبَانِ، وَمَا يُعَذَّبَانِ فِي كَبِيرة،  وَإِنَّهُ لَكَبِيرٌ، كَانَ أَحَدُهُمَا لاَ يَسْتَتِرُ مِنَ البَوْلِ، وَكَانَ الآخَرُ يَمْشِي بِالنَّمِيمَةِ ثُمَّ دَعَا بِجَرِيدَةٍ فَكَسَرَهَا بِكِسْرَتَيْنِ أَوْ ثِنْتَيْنِ، فَجَعَلَ كِسْرَةً فِي قَبْرِ هَذَا، وَكِسْرَةً فِي قَبْرِ هَذَا، فَقَالَ: لَعَلَّهُ يُخَفَّفُ عَنْهُمَا مَا لَمْ يَيْبَسَا.

بَاب مَا يُكْرَهُ مِنَ النَّمِيمَةِ

وَقَوْلِهِ: هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ [القلم:11] وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ [الهمزة: 1]: يَهْمِزُ وَيَلْمِزُ: وَيَعِيبُ وَاحِدٌ.

6056 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ هَمَّامٍ، قَالَ: كُنَّا مَعَ حُذَيْفَةَ، فَقِيلَ لَهُ: إِنَّ رَجُلًا يَرْفَعُ الحَدِيثَ إِلَى عُثْمَانَ، فَقَالَ لَهُ حُذَيْفَةُ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ ﷺ يَقُولُ: لَا يَدْخُلُ الجَنَّةَ قَتَّاتٌ.

الشيخ: وهو النمام، نعم.

بَاب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ [الحج: 30]

6057 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ، عَنِ المَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالعَمَلَ بِهِ وَالجَهْلَ فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ قَالَ أَحْمَدُ: أَفْهَمَنِي رَجُلٌ إِسْنَادَهُ.

الشيخ: أيش قال على قوله: قال أحمد...

الطالب: وَقَوْلُهُ هُنَا فِي آخِرِهِ: قَالَ أَحْمَدُ: أَفْهَمَنِي رَجُلٌ إِسْنَادَهُ، أَحْمَدُ هُوَ ابن يُونُسَ الْمَذْكُورُ، وَالْمَعْنَى أَنَّهُ لَمَّا سَمِعَ الْحَدِيثَ من ابن أَبِي ذِئْبٍ لَمْ يَتَيَقَّنْ إِسْنَادَهُ مِنْ لَفْظِ شَيْخِهِ فَأَفْهَمَهُ إِيَّاهُ رَجُلٌ كَانَ مَعَهُ فِي الْمَجْلِسِ، وَقَدْ خَالَفَ أَبُو دَاوُدَ رِوَايَةَ الْبُخَارِيِّ فَأَخْرَجَ الْحَدِيثَ الْمَذْكُورَ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ يُونُسَ هَذَا، لَكِن قَالَ فِي آخِره: قَالَ أَحْمد: فهمت إِسْنَاده من ابن أَبِي ذِئْبٍ، وَأَفْهَمَنِي الْحَدِيثَ رَجُلٌ إِلَى جَنْبِهِ، أرَاهُ ابن أَخِيهِ، وَهَكَذَا أَخْرَجَهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ عَنْ إِبْرَاهِيمُ بْنُ شَرِيكٍ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ يُونُسَ، وَهَذَا عَكْسُ مَا ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ فَإِنَّ مُقْتَضَى رِوَايَتِهِ أَنَّ الْمَتْنَ فَهِمَهُ أَحْمَدُ مِنْ شَيْخِهِ وَلَمْ يَفْهَمِ الْإِسْنَادَ مِنْهُ، بِخِلَافِ مَا قَالَ أَبُو دَاوُدَ وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ شَرِيكٍ؛ فَيُحْمَلُ عَلَى أَنَّ أَحْمَدَ بْنِ يُونُسَ حَدَّثَ بِهِ عَلَى الْوَجْهَيْنِ.

وَخَبَطَ الْكِرْمَانِيُّ هُنَا فَقَالَ: قَالَ أَفْهَمَنِي أَيْ كُنْتُ نَسِيتُ هَذَا الْإِسْنَادَ فَذَكَّرَنِي رَجُلٌ إِسْنَادَهُ، وَوَجْهُ الْخَبْطِ نِسْبَتُهُ إِلَى أَحْمَدَ بْنِ يُونُسَ نِسْيَانُ الْإِسْنَادِ وَأَنَّ التَّذْكِيرَ وَقَعَ لَهُ مِنَ الرَّجُلِ بَعْدَ ذَلِكَ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، بَلْ أَرَادَ أَنَّهُ لما سَمعه من ابن أَبِي ذِئْبٍ خَفِيَ عَنْهُ بَعْضُ لَفْظِهِ، أَمَّا عَلَى رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ فَمِنَ الْإِسْنَادِ وَأَمَّا عَلَى رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ فَمِنَ الْمَتْنِ وَكَانَ الرَّجُلُ بِجَنْبِهِ فَكَأَنَّهُ اسْتَفْهَمَهُ عَمَّا خَفِيَ عَلَيْهِ مِنْهُ فَأَفْهَمَهُ، فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ ذَلِكَ وَتَصَدَّى لِلتَّحْدِيثِ بِهِ أَخْبَرَ بِالْوَاقِعِ وَلَمْ يَسْتَجِزْ أَنْ يُسْنِدَهُ عَن ابن أَبِي ذِئْبٍ بِغَيْرِ بَيَانٍ، وَقَدْ وَقَعَ مِثْلُ ذَلِكَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُحَدِّثِينَ، وَعَقَدَ الْخَطِيبُ لِذَلِكَ بَابًا فِي كِتَابِ الْكِفَايَةِ، وَانْظُرْ إِلَى قَوْلِهِ: أَفْهَمَنِي رَجُلٌ إِلَى جَنْبِهِ، أَيْ إِلَى جَنْبِ ابن أَبِي ذِئْبٍ.

ثُمَّ قَالَ الْكِرْمَانِيُّ: وَأَرَادَ "رَجُلٌ عَظِيمٌ" وَالتَّنْوِينُ يَدُلُّ عَلَيْهِ، وَالْغَرَضُ مَدْحُ شَيْخِهِ ابن أَبِي ذِئْبٍ، أَوْ رَجُلٍ آخَرَ غَيْرِهِ أَفْهَمَنِي. اهـ. وَلَمْ يَتَعَيَّنْ أَنَّهُ تَعْظِيمٌ لِلرَّجُلِ الَّذِي أَفْهَمَهُ مِنْ مُجَرَّدِ قَوْلِهِ "رَجُلٌ" بَلِ الَّذِي فِيهِ أَنه إِمَّا نَسِيَ اسْمَهُ فَعَبَّرَ عَنْهُ بِرَجُلٍ أَوْ كَنَّى عَنِ اسْمِهِ عَمْدًا، وَأَمَّا مَدْحُ شَيْخِهِ فَلَيْسَ فِي السِّيَاق مَا يَقْتَضِيهِ، قلت: وابن أَبِي ذِئْبٍ هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِالرَّحْمَنِ بْنِ الْمُغِيرَةِ الْمَخْزُومِيُّ، وَكَانَ لَهُ أَخَوَانِ الْمُغِيرَةُ وطالوت، وَلم أَقف على اسْم بن أَخِيهِ الْمَذْكُورِ وَلَا عَلَى تَعْيِينِ أَبِيهِ أَيِّهِمَا هُوَ، قَالَ ابن التِّينِ: ظَاهِرُ الْحَدِيثِ أَنَّ مَنِ اغْتَابَ فِي صَوْمِهِ فَهُوَ مُفْطِرٌ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ بَعْضُ السَّلَفِ، وَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى خِلَافِهِ، لَكِنَّ مَعْنَى الْحَدِيثِ أَنَّ الْغِيبَةَ مِنَ الْكَبَائِرِ وَأَنَّ إِثْمَهَا لَا يَفِي لَهُ بِأَجْرِ صَوْمِهِ فَكَأَنَّهُ فِي حُكْمِ الْمُفْطِرِ، قُلْتُ: وَفِي كَلَامِهِ مُنَاقَشَةٌ؛ لِأَنَّ حَدِيثَ الْبَابِ لَا ذِكْرَ لِلْغِيبَةِ فِيهِ، وَإِنَّمَا فِيهِ قَوْلُ الزُّورِ وَالْعَمَلُ بِهِ وَالْجَهْلُ، وَلَكِنَّ الْحُكْمَ وَالتَّأْوِيلَ فِي كُلِّ ذَلِكَ مَا أَشَارَ إِلَيْهِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ، وَقَوْلُهُ فِيهِ: فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ هُوَ مجَاز عَن عدم قبُول الصَّوْم.

الشيخ: أيش قال العيني؟

الطالب: قوله: (قال أحمد) هو ابن يونس المذكور: أفهمني رجل إسناده، أي: إسناد الحديث المذكور، كأنه لم يتيقن إسناده من لفظ شيخه ابن أبي ذئب فأفهمه رجل غيره، وبعكس هذا قاله أبو داود؛ وذلك أنه لما روى هذا الحديث قال في آخره: قال أحمد: فهمت إسناده من ابن أبي ذئب، وأفهمني الحديث رجل إلى جنبه، أراه ابن أخيه. وقال الكرماني: قال أحمد: أفهمني، أي: كنت نسيت هذا الإسناد فذكّرني رجل إسناده، أو أراد رجلًا عظيمًا، والتنوين يدل عليه، والغرض مدح شيخه ابن أبي ذئب أو رجل آخر غيره أفهمه. انتهى.

وقال بعضهم: خبط الكرماني هنا. قلت: هو من الذي خبط؛ من وجوه: الأول: فيه ترك الأدب في حق من تقدمه في الإسلام والعلم والتصنيف. والثاني: ما نقل كلامه مثل ما نقلته، بل خبط فيه حيث قال: قال، أي الكرماني: قوله: (أفهمني) أي: كنت نسيت هذا الإسناد فذكّرني به رجل أو أراد "رجل آخر عظيم" لما يدل عليه التنكير والغرض مدح شيخه أو آخر ... انتهى، هذا الذي ذكره هذا القائل ونسبه إلى الكرماني، فانظر إلى التفاوت بين الكلامين، فالناظر الذي يتأمل فيه يعرف أن التخبيط جاء من أين. والثالث: أنه فهم من قوله "أو رجل آخر" أنه يمدح شيخه، وليس كذلك بل غرضه أنه يمدح شيخه أو رجلًا آخر غيره، أفهمه كما صرح.

الشيخ: نعم.

س:..

الشيخ: لا، نقصه، الصحيح: المعاصي تنقص الصوم ولا تبطله..

وهنا نقطة أهملها الحافظ وأهملها العيني ما تكلم عليها: هل يُقدح هذا في الإسناد؟ هل يقدح في الصحة؟ ما فهم بقية إسناده، يقول رجل مبهم، كيف لم يتكلما بهذا؟ لأن هذا يقدح في الإسناد، ما فهم آخر الإسناد، كيف يروي هكذا ثم لم يتكلما في ذلك ولم يذكر الشارح إسنادًا آخر غيره حتى يزيل اللبس؟! وفي رواية أخرى: عدم الجهل من لم يدع قول الزور والعمل به من غير ذكر الجهل، في رواية تقدمت في الصيام، وهذا انفرد به البخاري دون مسلم، وكان الواجب على الحافظ وعلى العيني أن يعتنيا بهذا؛ يذكرا من رواه غير البخاري غير أبي داود وهل رواه أحد غير أحمد بن يونس؛ لزال هذا الإشكال، فينبغي عليهما بقية هذا، فعفا الله عنهما.

س: ما يحتمل أنه تعرض له في المقدمة؟

الشيخ: لعله يأتي.

الطالب: قال هنا: الحديث مضى في كتاب الصوم في باب: من لم يدع قول الزور فإنه أخرجه هناك عن آدم بن أبي إياس عن ابن أبي ذئب إلى آخره.

الشيخ: طيب هذا أحسن، الحافظ ما ذكر، هذا كلام العيني طيب. يعني هذا هو سبب السكوت؛ ما دام أخرجه من طريق آدم بن أبي إياس عن ابن أبي ذئب، ..... ما في زيادة "والجهل" فيما أذكر فليراجع في الصيام.

الطالب: ذكره في أوائل الصيام ؟

الشيخ: أيش قال؟

الطالب: قوله : حدثني أحمد بن يونس هو أحمد بن عبدالله بن يونس نسب إلى جده وقد تقدم حديث الباب في أوائل.. أخرجه عن آدم بن أبي إياس عن ابن أبي ذئب بالسند والمتن..

الشيخ: هذا عُذْرٌ له.

بَاب مَا قِيلَ فِي ذِي الوَجْهَيْنِ

6058 - حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، حَدَّثَنَا أَبُو صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: تَجِدُ مِنْ شَرِّ النَّاسِ يَوْمَ القِيَامَةِ عِنْدَ اللَّهِ ذَا الوَجْهَيْنِ، الَّذِي يَأْتِي هَؤُلاَءِ بِوَجْهٍ، وَهَؤُلاَءِ بِوَجْهٍ.

الشيخ: والمقصود من هذا: التحذير من هذا الخلق الذميم الذي ينتحله بعض الناس؛ يكون له وجهان، فيأتي هؤلاء بوجه وهؤلاء بوجه، يأتي هؤلاء فيمدحهم ويثني عليهم ويذم خصومهم ثم يأتي الآخرين كذلك بالعكس فيمدحهم ويثني عليهم ويقول: أنتم وأنتم ويذم الآخرين الذين مدحهم قبل ذلك؛ حتى يغري العداوة بين هؤلاء وهؤلاء ويشب النار بين هؤلاء وهؤلاء، وحتى يأكل من هؤلاء ومن هؤلاء بهذا الطريق الخبيث، نسأل الله السلامة!

بَاب مَنْ أَخْبَرَ صَاحِبَهُ بِمَا يُقَالُ فِيهِ

6059 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ ، قَالَ: قَسَمَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ قِسْمَةً، فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ: وَاللَّهِ مَا أَرَادَ مُحَمَّدٌ بِهَذَا وَجْهَ اللَّهِ، فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ فَأَخْبَرْتُهُ، فَتَمَعَّرَ وَجْهُهُ، وَقَالَ: رَحِمَ اللَّهُ مُوسَى، لَقَدْ أُوذِيَ بِأَكْثَرَ مِنْ هَذَا فَصَبَرَ.

الشيخ: ومعنى هذا أنه ما ينبغي نقل الأخبار ، ما ينبغي نقل الأخبار المُكَدِّرة؛ ولهذا نهاهم بعد ذلك وقال: لا يبلغني أحد عن أحد شيئًا فإني أحب أن أخرج إليكم وأنا سليم الصدر، عليه الصلاة والسلام، وهذا الذي قاله من الأنصار هذا من المنافقين وإن كان ينسب إلى الأنصار فهذا من المنافقين؛ لأن المنافقين أكثرهم من الأنصار من الأوس والخزرج وفيهم من اليهود وفيهم  من غيرهم، المقصود أن هذا منافق ما عنده إيمان بالله ورسوله، ولهذا لما رأى القسمة التي لم تعجبه قال: ما أراد محمد بهذه القسمة وجه الله!

وقد جاء في الروايات الأخرى أنه قال ﷺ للذي قال: اعدل فإنك لم تعدل! قال: خبت وخسرت إن لم أعدل فمن يعدل إن لم يعدل الله ورسوله، ثم قال: ألا تأمنوني وأنا أمين في السماء ، يأتيني خبر السماء صباحًا ومساء يعني الذي أمنني هو الله عز وجل على هذا الأمر، أنتم لا تأمنوني! يرد عليهم ويحذرهم وينكر عليهم ما قد يقع ثم يتأسى بموسى عليه الصلاة والسلام؛ لأن الله قال له: فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ أمره أن يصبر كما صبر أولئك الأخيار فقال: رحم الله موسى يعني ابن عمران كليم الرحمن، فقد أذوي بأكثر من هذا فصبر.

فالمؤمن له أسوة بالأخيار، المؤمن له أسوة إذا أوذي وامتُحن فيتذكر من قبله من الأخيار فله فيهم أسوة؛ حتى يتعزّى بذلك وتخف عنه المصيبة؛ لأنه ليس وحده في الميدان بل له نظراء وله أشباه سبقوه.

س:..

الشيخ: التنبيه على حكمه، حكمه المنع إذا كان يسبّب، فتنة يسبّب شرًّا، ومحتمل أن يكون أراد الجواز إذا كان فيه مصلحة؛ لأن هذا فيه مصلحة لتنبيه الناس على أن هذا لا يجوز، لكن هذا أمر معلوم، معلوم إيذاء المؤمنين واتهام النبي ﷺ ورميه بأنه ما أراد الحق أمر معروف عند أهل الإيمان أنه منكر من القول وردة عن الإسلام، نسأل الله العافية. أيش قال الشارح عليه؟

الطالب: وَأَرَادَ الْبُخَارِيُّ بِالتَّرْجَمَةِ بَيَانَ جَوَازِ النَّقْلِ عَلَى وَجْهِ النَّصِيحَةِ؛ لِكَوْنِ النَّبِيِّ ﷺ لَمْ يُنْكِرْ عَلَى ابن مَسْعُودٍ نَقْلَهُ مَا نَقَلَ، بَلْ غَضِبَ مِنْ قَوْلِ الْمَنْقُولِ عَنْهُ ثُمَّ حَلُمَ عَنْهُ وَصَبَرَ على أذاه؛ ائْتِسَاءً بِمُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَامْتِثَالًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى: فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ.

الشيخ: هذا فيه نظر؛ لأن الرواية الأخرى فيها النهي عن هذا وألا يبلغني أحد عن أحد شيئًا، أيش قال العيني؟

الطالب: قوله هذا باب في بيان جواز إخبار الرجل صاحبه بما سمع مما يقال فيه أي في حقه، ولكن بشرط أن يقصد النصيحة ويتحرى الصدق ويجتنب الأذى، ألا أن ترى أن ابن مسعود حين أخبر الشارع بقول الأنصاري فيه: هذه قسمة ما أريد بها وجه الله، لم يقل له أتيت بما لا يجوز، بل رضي بذلك وجاوبه بقوله : يرحم الله موسى لقد أوذي بأكثر من هذا فصبر، ولم يكن هذا من النميمة. انتهى كلامه على الترجمة.

الشيخ: بعدين ما ذكر شيئًا في آخره؟ ما ذكر رواية: لا يبلغني أحد عن أحد شيئًا.

الطالب:  الحافظ.....

الشيخ: أيش يقول؟

الطالب: قَدْ تَقَدَّمَتِ الْإِشَارَةُ إِلَى أَنَّ الْمَذْمُومَ مِنْ نَقَلَةِ الْأَخْبَارِ مَنْ يَقْصِدُ الْإِفْسَادَ، وَأَمَّا مَنْ يَقْصِدُ النَّصِيحَةَ وَيَتَحَرَّى الصِّدْقَ وَيَجْتَنِبُ الْأَذَى فَلَا، وَقَلَّ مَنْ يُفَرِّقُ بَيْنَ الْبَابَيْنِ؛ فَطَرِيقُ السَّلَامَةِ فِي ذَلِكَ لِمَنْ يَخْشَى عَدَمَ الْوُقُوفِ عَلَى مَا يُبَاحُ مِنْ ذَلِكَ مِمَّا لَا يُبَاح: الْإِمْسَاك عَن ذَلِك، وَذكر فِيهِ حَدِيث بن مَسْعُودٍ فِي إِخْبَارِهِ النَّبِيَّ ﷺ بِقَوْلِ الْقَائِلِ: هَذِهِ قِسْمَةٌ مَا أُرِيدَ بِهَا وَجْهُ اللَّهِ، وَسَيَأْتِي شَرْحُهُ مُسْتَوْفًى فِي بَابِ الصَّبْرِ عَلَى الْأَذَى إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَقَوْلُهُ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ: فَتَمَعَّرَ وَجْهُهُ، بِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ، أَيْ تَغَيَّرَ مِنَ الْغَضَبِ.

الشيخ: في رواية لا يبلغني أحد عن أحد لعلها لم تثبت عندهم أو نسيها عند هذا الباب لا يبلغني أحد عن أحد شيئًا إني أحب أن أخرج إليكم وأنا سليم الصدر.

...

بَاب مَا يُكْرَهُ مِنَ التَّمَادُحِ

6060 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ صَبَّاحٍ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ زَكَرِيَّاءَ، حَدَّثَنَا بُرَيْدُ بْنُ عَبْدِاللَّهِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ بْنِ أَبِي مُوسَى، عَنْ أَبِي مُوسَى، قَالَ: سَمِعَ النَّبِيُّ ﷺ رَجُلًا يُثْنِي عَلَى رَجُلٍ وَيُطْرِيهِ فِي المِدْحَةِ فَقَالَ: أَهْلَكْتُمْ، أَوْ: قَطَعْتُمْ ظَهْرَ الرَّجُلِ.

6061 - حَدَّثَنَا آدَمُ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ خَالِدٍ، عَنْ عَبْدِالرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ، عَنْ أَبِيهِ: أَنَّ رَجُلًا ذُكِرَ عِنْدَ النَّبِيِّ ﷺ فَأَثْنَى عَلَيْهِ رَجُلٌ خَيْرًا، فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ:  وَيْحَكَ، قَطَعْتَ عُنُقَ صَاحِبِكَ - يَقُولُهُ مِرَارًا - إِنْ كَانَ أَحَدُكُمْ مَادِحًا لاَ مَحَالَةَ فَلْيَقُلْ: أَحْسِبُ كَذَا وَكَذَا، إِنْ كَانَ يُرَى أَنَّهُ كَذَلِكَ، وَحَسِيبُهُ اللَّهُ، وَلاَ يُزَكِّي عَلَى اللَّهِ أَحَدًا، قَالَ وُهَيْبٌ، عَنْ خَالِدٍ: «وَيْلَكَ».

الشيخ: هذا فيه الحث على الاقتصاد في المدح، وعدم الإسراف والتجاوز؛ فإن هذا قد يهلك صاحبه؛ قد يُبتلى بالكبر والتعاظم فيقع في مهلكة، لكن إذا كان ولا بد فليقل باقتصاد: وأحسبه كذلك والله حسيبه، والاقتصاد في هذا ينفع ولا يضر، وقوله: أحسبه كذلك والله حسيبه ولا أزكي على الله أحدًا، ومن هذا قوله ﷺ لعمر: ما سلكت فجًا إلا سلك الشيطان فجًا غير فجك، هذا مدح مختصر، وهكذا مدحه لبعض الصحابة (إن فلانًا رجل صالح)؛ فالمدح القليل الذي يشجع على الخير ويعين على الخير لا يضر ، أما التوسع في المدح والاستكثار منه فقد يهلك صاحبه كما قال النبي ﷺ.

بَاب مَنْ أَثْنَى عَلَى أَخِيهِ بِمَا يَعْلَمُ

وَقَالَ سَعْدٌ: مَا سَمِعْتُ النَّبِيَّ ﷺ يَقُولُ لِأَحَدٍ يَمْشِي عَلَى الأَرْضِ إِنَّهُ مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ إِلَّا لِعَبْدِاللَّهِ بْنِ سَلاَمٍ.

6062 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِاللَّهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ أَبِيهِ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ حِينَ ذَكَرَ فِي الإِزَارِ مَا ذَكَرَ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ إِزَارِي يَسْقُطُ مِنْ أَحَدِ شِقَّيْهِ؟ قَالَ: إِنَّكَ لَسْتَ مِنْهُمْ.

الشيخ: وفي اللفظ الآخر: إنك لست ممن يفعله خيلاء.

س:..

الشيخ: داخل في هذا، هذا من المدح القليل الذي فيه الخير العظيم. وكون سعد لم يسمع إلا قصة عبدالله بن سلام لا ينافي ما هو ثابت من المدح للآخرين ومنهم سعد نفسه، سعد هذا منهم من العشرة المشهود لهم بالجنة رضي الله عنهم وأرضاهم، فهكذا ما قال في ثابت بن شماس أنه من أهل الجنة، وهكذا الخلفاء الراشدون وبقية العشرة .

بَاب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي القُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الفَحْشَاءِ وَالمُنْكَرِ وَالبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ [النحل: 90]

وَقَوْلِهِ: إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ [يونس: 23] ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنْصُرَنَّهُ اللَّهُ [الحج: 60] وَتَرْكِ إِثَارَةِ الشَّرِّ عَلَى مُسْلِمٍ أَوْ كَافِرٍ.

6063 - حَدَّثَنَا الحُمَيْدِيُّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: مَكَثَ النَّبِيُّ ﷺ كَذَا وَكَذَا، يُخَيَّلُ  إِلَيْهِ أَنَّهُ يَأْتِي أَهْلَهُ وَلاَ يَأْتِي، قَالَتْ عَائِشَةُ: فَقَالَ لِي ذَاتَ يَوْمٍ: يَا عَائِشَةُ، إِنَّ اللَّهَ أَفْتَانِي فِي أَمْرٍ اسْتَفْتَيْتُهُ فِيهِ: أَتَانِي رَجُلاَنِ، فَجَلَسَ أَحَدُهُمَا عِنْدَ رِجْلَيَّ وَالآخَرُ عِنْدَ رَأْسِي، فَقَالَ الَّذِي عِنْدَ رِجْلَيَّ لِلَّذِي عِنْدَ رَأْسِي: مَا بَالُ الرَّجُلِ؟ قَالَ: مَطْبُوبٌ، يَعْنِي مَسْحُورًا، قَالَ: وَمَنْ طَبَّهُ؟ قَالَ: لَبِيدُ بْنُ أَعْصَمَ، قَالَ: وَفِيمَ؟ قَالَ: فِي جُفِّ طَلْعَةٍ ذَكَرٍ فِي مُشْطٍ وَمُشَاقَةٍ، تَحْتَ رَعُوفَةٍ فِي بِئْرِ ذَرْوَانَ فَجَاءَ النَّبِيُّ  ﷺ فَقَالَ: هَذِهِ البِئْرُ الَّتِي أُرِيتُهَا، كَأَنَّ رُءُوسَ نَخْلِهَا رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ، وَكَأَنَّ مَاءَهَا نُقَاعَةُ الحِنَّاءِ فَأَمَرَ بِهِ النَّبِيُّ ﷺ فَأُخْرِجَ، قَالَتْ عَائِشَةُ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ فَهَلَّا، تَعْنِي تَنَشَّرْتَ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: أَمَّا اللَّهُ فَقَدْ شَفَانِي، وَأَمَّا أَنَا فَأَكْرَهُ أَنْ أُثِيرَ عَلَى النَّاسِ شَرًّا قَالَتْ: وَلَبِيدُ بْنُ أَعْصَمَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي زُرَيْقٍ، حَلِيفٌ لِيَهُودَ.

الشيخ: وهذا شاهد لقوله على ترك إثارة الشر على المسلم أو الكافر، يعني ينبغي للمؤمن أن يكون بعيدًا عن البغي والعدوان وإثارة الشر حتى على الكافر إذا كانت إثارته قد تسبب شرًّا على المسلمين، فإثارة الشر على الكافر قد تفضي إلى شر بخلاف الحربي الذي هو حرب لنا فإننا نسعى فيما يخلصنا منه، من قتل وأسر وغير ذلك، فقد يكون الكافر مستأمنًا أو معاهدًا؛ فلهذا قال: على مسلم أو كافر، وهكذا لما قالت  عائشة لليهود لما قالوا: السام عليك، قالت: عليكم السام واللعنة، قال: يا عائشة إن الله رفيق يحب الرفق في الأمر كله، فقالت: ألم تسمع ما قالوا؟ قال: ألم تسمعي ما قلت لهم؟! فإنه يستجاب لنا فيهم ولا يستجاب لهم فينا فالرفق مطلوب حتى مع الكفرة؛ لأن عدمه قد يفضي إلى فساد وشر بين  المسلمين وعدوهم.

س: قول عائشة للنبي ﷺ: هلا تنشرت..؟

الشيخ: هذا هو الأصل، لكن المقصود حصل لما أزيل هذا انتهى الموضوع، لما أخذوه وأتلفوه انتهى الموضوع ولا حاجة إلى  غير هذا، والرواية الأخرى تدل على يعني ألا انتقمت من فعل ذلك؟ فأحب أن يملك الأمر وألا يبعث على الناس شرًّا عليه الصلاة والسلام.

أيش قال الشارح عندك على: تنشرت؟

الطالب: قَوْلُهُ: مَطْبُوبٌ يَعْنِي مَسْحُورًا، هَذَا التَّفْسِيرُ مُدْرَجٌ فِي الْخَبَرِ وَقَدْ بَيَّنْتُ ذَلِكَ عِنْدَ شَرْحِ الْحَدِيثِ فِي كِتَابِ الطِّبِّ، وَكَذَا قَوْلُهُ فَهَلَّا تَعْنِي تَنَشَّرْتَ وَمَنْ قَالَ هُوَ مَأْخُوذٌ مِنَ النَّشْرَةِ أَوْ مِنْ نَشْرِ الشَّيْءِ بِمَعْنَى إِظْهَارِهِ، وَكَيْفَ يُجْمَعُ بَيْنَ قَوْلِهَا "فَأُخْرِجَ" وَبَيْنَ قَوْلِهَا فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى "هَلَّا اسْتَخْرَجْتَهُ" وَأَنَّ حَاصِلَهُ أَنَّ الْإِخْرَاجَ الْوَاقِعَ كَانَ لِأَصْلِ السِّحْرِ وَالِاسْتِخْرَاجَ الْمَنْفِيَّ كَانَ لِأَجْزَاءِ السِّحْرِ.

الشيخ: يظهر من السياق أنها أرادت بهذا: ألا أظهرت هذا الأمر وانتقمت ممن فعله؟ وبينت للناس سوء صنيعه؟ فأراد ﷺ أن يملك الأمر وألا يبعث على الناس شرًّا عليه الصلاة والسلام، فالإنسان وإن كان مظلومًا قد يعفو وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ [الشورى : 40] فالعفو مطلوب من المؤمن إذا رأى فيه المصلحة.

بَاب مَا يُنْهَى عَنِ التَّحَاسُدِ وَالتَّدَابُرِ

وَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ [الفلق: 5]

6064 - حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُاللَّهِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: إِيَّاكُمْ وَالظَّنَّ، فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الحَدِيثِ، وَلاَ تَحَسَّسُوا، وَلاَ تَجَسَّسُوا، وَلاَ تَحَاسَدُوا، وَلاَ تَدَابَرُوا، وَلاَ تَبَاغَضُوا، وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا.

6065 - حَدَّثَنَا أَبُو اليَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: لَا تَبَاغَضُوا، وَلاَ تَحَاسَدُوا، وَلاَ تَدَابَرُوا، وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا، وَلاَ يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ.

الشيخ: كل هذا معناه الحث على التعاون على الخير وترك أسباب التفرق والاختلاف؛ لأن المسلمين شيء واحد وجسد واحد وبناء واحد ويَدٌ على من سواهم، فإذا فشا بينهم التحاسد والتباغض والتدابر والتقاطع تفرقوا واختلفوا وطمع فيهم العدو وساءت الأحوال  واختلفت القلوب؛ فلهذا نُهوا  عن هذه الأسباب، ونُهوا عن الهجر فوق ثلاثة أيام؛ حتى تبقى المودة وحتى يبقى التعاون بين المسلمين في كل ما ينفعهم وفي دفع كل ما يضرهم، والأعداء وعلى رأسهم الشيطان وشياطين الإنس والجن كلهم يريدون بالمسلمين التفرق والاختلاف؛ حتى يضعفوا وحتى يتمكن عدوهم منهم، والله أمرهم بالاعتصام بحبله والاجتماع على دينه والتعاون على الخير والهدى؛ ولهذا يقول سبحانه: وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّـهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا ويقول : وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَىٰ ۖ وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ  وبهذا يصلح أمرهم  وتستقيم أحوالهم ويخافهم عدوهم ويرهب جانبهم ويقف عند حده، وأما مع التفرق والاختلاف فإنه يستطيع أن يستميل هؤلاء على هؤلاء وهؤلاء على هؤلاء ثم تقع الكوارث.

بَاب يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلاَ تَجَسَّسُوا [الحجرات: 12]

6066 - حَدَّثَنَا عَبْدُاللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: إِيَّاكُمْ وَالظَّنَّ، فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الحَدِيثِ، وَلاَ تَحَسَّسُوا، وَلاَ تَجَسَّسُوا، وَلاَ تَنَاجَشُوا، وَلاَ تَحَاسَدُوا، وَلاَ تَبَاغَضُوا، وَلاَ تَدَابَرُوا، وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا.

بَاب مَا يَكُونُ مِنَ الظَّنِّ

6067 - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عُفَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: مَا أَظُنُّ فُلاَنًا وَفُلاَنًا يَعْرِفَانِ مِنْ دِينِنَا شَيْئًا قَالَ اللَّيْثُ: كَانَا رَجُلَيْنِ مِنَ المُنَافِقِينَ.

6068 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، بِهَذَا وَقَالَتْ: دَخَلَ عَلَيَّ النَّبِيُّ ﷺ يَوْمًا، وَقَالَ: يَا عَائِشَةُ، مَا أَظُنُّ فُلاَنًا وَفُلاَنًا يَعْرِفَانِ دِينَنَا الَّذِي نَحْنُ عَلَيْهِ.

الشيخ: وهذا يدل على أن من أظهر ما يدل على سوء الظن به فلا مانع أن يُظن به السوء، وقوله ﷺ: إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث يعني الظنون التي لا أساس لها ولا بينة عليها، أما ما قامت عليه الدلائل فهو ظن مطلوب وهو من جنس اليقين، ولهذا قال في هذا الحديث: ما أظن فلانًا وفلانًا يعرفان من ديننا شيئًا؛ لما ظهر من نفاقهم وكفرهم وشرهم، نسأل الله العافية.

بَاب سَتْرِ المُؤْمِنِ  عَلَى نَفْسِهِ

6069 - حَدَّثَنَا عَبْدُالعَزِيزِ بْنُ عَبْدِاللَّهِ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنِ ابْنِ أَخِي ابْنِ شِهَابٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِاللَّهِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ، يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: كُلُّ أُمَّتِي مُعَافًى إِلَّا المُجَاهِرِينَ، وَإِنَّ مِنَ المُجَاهَرَةِ أَنْ يَعْمَلَ الرَّجُلُ بِاللَّيْلِ عَمَلًا ثُمَّ يُصْبِحَ وَقَدْ سَتَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ، فَيَقُولَ: يَا فُلاَنُ، عَمِلْتُ البَارِحَةَ كَذَا وَكَذَا، وَقَدْ بَاتَ يَسْتُرُهُ رَبُّهُ، وَيُصْبِحُ يَكْشِفُ سِتْرَ اللَّهِ عَنْهُ.

الشيخ: وهذا فيه التحذير من المجاهرة بالمعصية، وأن المجاهرة صاحبها ليس من أهل العافية بل هو من المبتلين الذين ابتُلوا بإظهار فواحشهم ومنكراتهم وفضائحهم، وهذا لا شك أنه من المنكر العظيم ومن الفساد الكبير؛ لأنه إذا أظهر المعاصي قد يتأسى به غيره ويجترئ على هذا غيره تأسيًا به، أما إذا أخفاها وسترها بينه وبين الله فهو أحرى بأن يتوب إلى الله ولا يضر الناس بإظهارها؛ ولهذا قال  ﷺ: كل أمتي معافى إلا المجاهرين فدل ذلك على أنهم ليسوا من أهل العافية، نعوذ بالله من ذلك وإن من المجاهرة أن يعمل العبد بمعصية في الليل فيصبح يتحدث بها ويقول فعلت البارحة كذا وكذا وكذا فيصبح وقد ستره الله فيفضح نفسه، نسأل  الله العافية.

وفي هذا الحذر  من التبجح بالمعاصي وإظهارها مطلقًا، وأن عاقبة ذلك وخيمة وأن صاحبها ليس  من أهل العافية، نعوذ بالله؛ فالواجب الستر بستر الله، أولاً الحذر من المعاصي والبعد عنها وعن أسبابها وعن مجالسة أهلها، ثم إذا ابتُلي الواجب أن يستتر بستر الله، وألا يتظاهر بها، بل يبادر بالتوبة والإقلاع والندم؛ لعل الله يتوب عليه.

6070 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ مُحْرِزٍ: أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ ابْنَ عُمَرَ: كَيْفَ سَمِعْتَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ فِي النَّجْوَى؟ قَالَ: يَدْنُو أَحَدُكُمْ مِنْ رَبِّهِ حَتَّى يَضَعَ كَنَفَهُ عَلَيْهِ، فَيَقُولُ: عَمِلْتَ كَذَا وَكَذَا؟ فَيَقُولُ: نَعَمْ، وَيَقُولُ: عَمِلْتَ كَذَا وَكَذَا، فَيَقُولُ: نَعَمْ، فَيُقَرِّرُهُ، ثُمَّ يَقُولُ: إِنِّي سَتَرْتُ عَلَيْكَ فِي الدُّنْيَا، فَأَنَا أَغْفِرُهَا لَكَ اليَوْمَ.

الشيخ: وفي هذا أيضاً الحذر من المعاصي، وأن الله جل وعلا إذا ستر عبده في الدنيا فهو حري بأن يغفر له في الآخرة؛ لما رزقه الله من الحياء والبعد عن المجاهرة وحال السفهاء، ولكن هذا لا يمنع من كونه يبادر ويسارع إلى التوبة فيستحي من ربه ألا يقابله بهذه المعاصي وقد أصر عليها، والله يقول: وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ [آل عمران:135] قال: وَلَمْ يُصِرُّوا يعني: ولم يقيموا عليها أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ [آل عمران:136] هذا لطفه جل وعلا وإحسانه وكرمه ورحمته... عبده المؤمن، والمؤمن هو الذي استقام أمره في دين الله، قد تقع له هفوات وزلات يسترها الله عليه في الدنيا فيقرّره بها يوم القيامة ثم يقول: قد غفرتها لك وسترتها عليك في الدنيا وأنا أغفرها لك اليوم، والله أكبر.

س: الكنف؟

الشيخ: الله أعلم ، نؤمن به ونقول: لا يعلم كيفيته إلا هو .

س: ما جاء أنه الرحمة؟

الشيخ: هذا تأويل، لا يعلم صفته إلا هو .