89 من حديث: (ألا أخبركم بأهل الجنة؟ كل ضعيف متضاعف..)

بَاب الكِبْرِ

وَقَالَ مُجَاهِدٌ: ثَانِيَ عِطْفِهِ [الحج:9]: "مُسْتَكْبِرٌ فِي نَفْسِهِ، عِطْفُهُ: رَقَبَتُهُ".

6071 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا مَعْبَدُ بْنُ خَالِدٍ القَيْسِيُّ، عَنْ حَارِثَةَ بْنِ وَهْبٍ الخُزَاعِيِّ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: أَلاَ أُخْبِرُكُمْ بِأَهْلِ الجَنَّةِ؟ كُلُّ ضَعِيفٍ مُتَضَاعِفٍ، لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ لَأَبَرَّهُ. أَلاَ أُخْبِرُكُمْ بِأَهْلِ النَّارِ؟ كُلُّ عُتُلٍّ جَوَّاظٍ مُسْتَكْبِرٍ.

الشيخ: متضاعف؟ بمد الضاء عندك؟ أيش يقول الشارح؟ المعروف متضعف. أيش يقول الشارح عليه؟

الطالب: يقول: يروى متضعف ومستضعف أيضا، والكل يرجع إلى معنى واحد.

الشيخ: والحافظ؟ ما تعرض له؟

أَلاَ أُخْبِرُكُمْ بِأَهْلِ الجَنَّةِ؟ كُلُّ ضَعِيفٍ مُتَضَاعِفٍ، لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ لَأَبَرَّهُ. أَلاَ أُخْبِرُكُمْ بِأَهْلِ النَّارِ؟ كُلُّ عُتُلٍّ جَوَّاظٍ مُسْتَكْبِرٍ.

الشيخ: الكلام على الحديث نفسه؟

الطالب: (قَوْلُهُ بَابُ الْكِبْرِ) بِكَسْرِ الْكَافِ وَسُكُونِ الْمُوَحَّدَةِ ثُمَّ رَاءٌ، قَالَ الرَّاغِبُ: الْكِبْرُ وَالتَّكَبُّرُ وَالِاسْتِكْبَارُ مُتَقَارِبٌ؛ فَالْكِبْرُ الْحَالَةُ الَّتِي يَخْتَصُّ بِهَا الْإِنْسَانُ مِنْ إِعْجَابِهِ بِنَفْسِهِ، وَذَلِكَ أَنْ يَرَى نَفْسَهُ أَكْبَرَ مِنْ غَيْرِهِ، وَأَعْظَمُ ذَلِكَ أَنْ يَتَكَبَّرَ عَلَى رَبِّهِ بِأَنْ يَمْتَنِعَ مِنْ قَبُولِ الْحَقِّ وَالْإِذْعَانِ لَهُ بِالتَّوْحِيدِ وَالطَّاعَةِ، وَالتَّكَبُّرُ يَأْتِي عَلَى وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنْ تَكُونَ الْأَفْعَالُ الْحَسَنَةُ زَائِدَةً عَلَى مَحَاسِنِ الْغَيْرِ وَمِنْ ثَمَّ وُصِفَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِالْمُتَكَبِّرِ، وَالثَّانِي أَنْ يَكُونَ مُتَكَلِّفًا لِذَلِكَ مُتَشَبِّعًا بِمَا لَيْسَ فِيهِ وَهُوَ وَصْفُ عَامَّةِ النَّاسِ نَحْوَ قَوْلِهِ: كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ وَالْمُسْتَكْبِرُ مِثْلَهُ، وَقَالَ الْغَزَالِيُّ: الْكِبْرُ عَلَى قِسْمَيْنِ: فَإِنْ ظَهَرَ عَلَى الْجَوَارِحِ يُقَالُ تَكَبَّرَ، وَإِلَّا قِيلَ فِي نَفْسِهِ كِبْرٌ، وَالْأَصْلُ هُوَ الَّذِي فِي النَّفْسِ وَهُوَ الِاسْتِرْوَاحُ إِلَى رُؤْيَةِ النَّفْسِ، وَالْكِبْرُ يَسْتَدْعِي مُتَكَبَّرًا عَلَيْهِ يَرَى نَفْسَهُ فَوْقَهُ وَمُتَكَبَّرًا بِهِ، وَبِهِ يَنْفَصِلُ الْكِبْرُ عَنِ الْعُجْبِ، فَمَنْ لَمْ يُخْلَقْ إِلَّا وَحْدَهُ يَتَصَوَّرُ أَنْ يَكُونَ مُعْجَبًا لَا مُتَكَبِّرًا، قَوْلُهُ: وَقَالَ مُجَاهِد: ثَانِيَ عِطْفِهِ مُسْتَكْبِرًا فِي نَفْسِهِ، عِطْفُهُ: رَقَبَتُهُ، وَصَلَهُ الْفِرْيَابِيُّ عَن وَرْقَاء عَن ابن أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ثَانِيَ عِطْفِهِ قَالَ: رقبته، وَأخرج ابن أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ ابن عَبَّاس فِي قَوْله: ثَانِيَ عِطْفِهِ قَالَ: مُسْتَكْبِرًا فِي نَفْسِهِ، وَمَنْ طَرِيقِ قَتَادَةَ قَالَ: لَاوِي عُنُقَهُ، وَمِنْ طَرِيقِ السُّدِّيِّ: ثَانِيَ عِطْفِهِ أَيْ: مُعْرِضٌ مِنَ الْعَظَمَةِ، وَمَنْ طَرِيقِ أَبِي صَخْر الْمَدَنِيِّ قَالَ: كَانَ مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ يَقُولُ: هُوَ الرَّجُلُ يَقُولُ هَذَا شَيْءٌ ثَنَيْتُ عَلَيْهِ رِجْلِي، فَالْعِطْفُ هُوَ الرِّجْلُ، قَالَ أَبُو صَخْرٍ: وَالْعرب تَقول: الْعَطف الْعُنُق، وَأخرج ابن أَبِي حَاتِمٍ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ مُجَاهِدٍ أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي النَّضْرِ بْنِ الْحَارِثِ ثم ذكر فيه حديثين، أحدهما حَدِيثُ حَارِثَةَ بْنِ وَهْبٍ وَقَدْ تَقَدَّمَ شَرْحُهُ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ ن.

الشيخ: والمقدم مثل ما تقدم فإن عطفه عنقه: يثنيه هكذا وهكذا تعاظمًا وتكبرًا.

الطالب: وَالْغَرَضُ مِنْهُ وَصْفُ الْمُسْتَكْبِرِ بِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ النَّارِ، وَقَوْلُهُ: أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِأَهْلِ الْجَنَّةِ كُلُّ ضَعِيفٍ هُوَ بِرَفْعِ كُلُّ لِأَنَّ التَّقْدِيرَ هُمْ كُلُّ ضَعِيفٍ إِلَخْ، وَلَا يجوز أَن يكون بَدَلًا من أهل.

الشيخ: شف كلام العيني؟

الطالب: قوله: كُلُّ ضَعِيفٍ مرفوع على أنه خبر مبتدأ محذوف، أي: هو كل ضعيف متضاعف، المراد بالضعيف: ضعيف الحال لا ضعيف البدن، والمتضاعف بمعنى المتواضع، ويروى: متضعف ومستضعف أيضًا، والكل يرجع إلى معنى واحد هو الذي يستضعفه الناس ويحتقرونه لضعف حاله في الدنيا أو متواضع متذلل خامل الذكر ولو أقسم يمينًا طمعًا في كرم الله بإبراره؛ لأبره، وقيل: لو دعاه لأجابه. قوله: عتل هو الغليظ الشديد العنف. والجواظ، بفتح الجيم وتشديد الواو وبالظاء المعجمة: المَنُوع أو المختال في مشيته، والمراد أن أغلب أهل الجنة وأغلب أهل النار، وليس المراد الإستيعاب في الطرفين.

الشيخ: نعم يعني من جنس هؤلاء، وأن هذا الغالب على أهل النار، وهذا هو الغالب على أهل الجنة، الغالب على أهل الجنة التواضع وعدم التكبر، والغالب على أهل النار هو المتكبرون، نسأل الله العافية، ولا حول ولا قوة إلا بالله، والجفاة المانعون لما أوجب الله.

6072 - وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى: حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، أَخْبَرَنَا حُمَيْدٌ الطَّوِيلُ، حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ، قَالَ: «إِنْ كَانَتِ الأَمَةُ مِنْ إِمَاءِ أَهْلِ المَدِينَةِ، لَتَأْخُذُ بِيَدِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَتَنْطَلِقُ بِهِ حَيْثُ شَاءَتْ».

الشيخ: المعنى أنها تشكو إليه أنه صار كذا وصار كذا، وتطلب منه أن يقف على الحقيقة عليه الصلاة والسلام بنفسه، فينطلق معها لإزالة ما تشكو منه، ولإقامة الحق والعدل. أيش قال عليه؟

الطالب: قَوْلُهُ: وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى أَي ابن أَبِي نَجِيحٍ الْمَعْرُوفُ بِابْنِ الطَّبَّاعِ بِمُهْمَلَةٍ مَفْتُوحَةٍ وَمُوَحَّدَةٍ ثَقِيلَةٍ وَهُوَ أَبُو جَعْفَرٍ الْبَغْدَادِيُّ، نَزِيلُ أَذَنَةَ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَالْمُعْجَمَةِ وَالنُّونِ، وَهُوَ ثِقَةٌ عَالِمٌ بِحَدِيثِ هُشَيْمٍ حَتَّى قَالَ عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيّ: سَمِعت يحيى الْقطَّان وابن مَهْدِيٍّ يَسْأَلَانِهِ عَنْ حَدِيثِ هُشَيْمٍ، وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى بْنِ الطَّبَّاعِ الثِّقَةُ الْمَأْمُونُ وَرَجَّحَهُ عَلَى أَخِيهِ إِسْحَاقَ بْنِ عِيسَى وَإِسْحَاقُ أَكْبرُ مِنْ مُحَمَّدٍ، وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ: كَانَ يَتَفَقَّهُ وَكَانَ يَحْفَظُ نَحْوَ أَرْبَعِينَ أَلْفَ حَدِيثٍ، وَمَاتَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ وَمِائَتَيْنِ، وَحَدَّثَ عَنْهُ أَبُو دَاوُدَ بِلَا وَاسِطَةٍ، وَأَخْرَجَ التِّرْمِذِيّ فِي الشَّمَائِل وَالنَّسَائِيّ وابن مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِهِ بِوَاسِطَةٍ وَلَمْ أَرَ لَهُ فِي الْبُخَارِيِّ سِوَى هَذَا الْمَوْضِعِ وَمَوْضِعٌ آخَرَ فِي الْحَجِّ، قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى: حَدَّثَنَا قَالَ حَمَّادٌ: وَلَمْ أَرَ فِي شَيْءٍ مِنْ نُسَخِ الْبُخَارِيِّ تَصْرِيحَهُ عَنْهُ بِالتَّحْدِيثِ، وَقَدْ قَالَ أَبُو نُعَيْمٍ بَعْدَ تَخْرِيجِهِ: ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ بِلَا رِوَايَةٍ، وَأَمَّا الْإِسْمَاعِيلِيُّ فَإِنَّهُ قَالَ: قَالَ الْبُخَارِيُّ: قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى فَذَكَرَهُ، وَلَمْ يُخَرِّجْ لَهُ سَنَدًا وَقَدْ ضَاقَ مَخْرَجُهُ عَلَى أَبِي نُعَيْمٍ أَيْضًا فَسَاقَهُ فِي مُسْتَخْرَجِهِ مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ وَغَفَلَ عَنْ كَوْنِهِ فِي مُسْنَدِ أَحْمَدَ، وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ عَنْ هُشَيْمٍ شَيْخِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى فِيهِ، وَإِنَّمَا عَدَلَ الْبُخَارِيُّ عَنْ تَخْرِيجِهِ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ لِتَصْرِيحِ حُمَيْدٍ فِي رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى بِالتَّحْدِيثِ، فَإِنَّهُ عِنْدَهُ عَنْ هُشَيْمٍ أَنْبَأَنَا حُمَيْدٌ عَنْ أَنَسٍ وَحُمَيْدٌ مُدَلِّسٌ، وَالْبُخَارِيُّ يُخَرِّجُ لَهُ مَا صَرَّحَ فِيهِ بِالتَّحْدِيثِ، قَوْلُهُ: فَتَنْطَلِقُ بِهِ حَيْثُ شَاءَتْ، فِي رِوَايَةِ أَحْمَدَ: فَتَنْطَلِقُ بِهِ فِي حَاجَتِهَا، وَلَهُ مِنْ طَرِيقِ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ: إِنْ كَانَتِ الْوَلِيدَةُ مِنْ وَلَائِدِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ لَتَجِيءُ فَتَأْخُذُ بِيَدِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَمَا يَنْزِعُ يَدَهُ مِنْ يَدِهَا حَتَّى تذْهب بِهِ حَيْثُ شَاءَت، وَأخرجه ابن مَاجَهْ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، وَالْمَقْصُودُ مِنَ الْأَخْذِ بِالْيَدِ لَازِمُهُ وَهُوَ الرِّفْقُ وَالِانْقِيَادُ، وَقَدِ اشْتَمَلَ عَلَى أَنْوَاعٍ مِنَ الْمُبَالَغَةِ فِي التَّوَاضُعِ لِذِكْرِهِ الْمَرْأَةَ دُونَ الرَّجُلِ، وَالْأَمَةَ دُونَ الْحُرَّةِ، وَحَيْثُ عَمَّمَ بِلَفْظِ الْإِمَاءِ أَيَّ أَمَةٍ كَانَتْ، وَبِقَوْلِهِ: حَيْثُ شَاءَتْ، أَيْ مِنَ الْأَمْكِنَةِ، وَالتَّعْبِيرُ بِالْأَخْذِ بِالْيَدِ إِشَارَةٌ إِلَى غَايَةِ التَّصَرُّفِ حَتَّى لَوْ كَانَتْ حَاجَتُهَا خَارِجَ الْمَدِينَةِ وَالْتَمَسَتْ مِنْهُ مُسَاعَدَتَهَا فِي تِلْكَ الْحَاجة لساعد عَلَى ذَلِكَ، وَهَذَا دَالٌّ عَلَى مَزِيدِ تَوَاضُعِهِ وَبَرَاءَتِهِ مِنْ جَمِيعِ أَنْوَاعِ الْكِبْرِ ﷺ، وَقَدْ وَرَدَ فِي ذَمِّ الْكِبْرِ وَمَدْحِ التَّوَاضُعِ أَحَادِيثُ مِنْ أَصَحِّهَا مَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ فَقِيلَ: إِنَّ الرَّجُلَ يُحِبُّ أَنْ يَكُونَ ثَوْبُهُ حَسَنًا وَنَعْلُهُ حَسَنًا، قَالَ: الْكِبْرُ بَطَرُ الْحَقِّ، وَغَمْطُ النَّاسِ وَالْغَمْطُ بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ الْمِيمِ بَعْدَهَا مُهْمَلَةٌ هُوَ الِازْدِرَاءُ وَالِاحْتِقَارُ، وَقَدْ أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ بِلَفْظٍ: الْكِبْرُ مَنْ بَطِرَ الْحَقَّ وَازْدَرَى النَّاسَ وَالسَّائِلُ الْمَذْكُورُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ ثَابِتَ بْنَ قَيْسٍ فَقَدْ رَوَى الطَّبَرَانِيُّ بِسَنَدٍ حَسَنٍ عَنْهُ أَنَّهُ سَأَلَ عَنْ ذَلِكَ، وَكَذَا أَخْرَجَ مِنْ حَدِيثِ سَوَادِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّهُ سَأَلَ عَنْ ذَلِكَ، وَأَخْرَجَ عَبْدُ بن حميد من حَدِيث ابن عَبَّاسٍ رَفَعَهُ: الْكِبْرُ السَّفَهُ عَنِ الْحَقِّ وَغَمْصُ النَّاسِ فَقَالَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ وَمَا هُوَ؟ قَالَ: السَّفَهُ أَنْ يَكُونَ لَكَ عَلَى رَجُلٍ مَالٌ فَيُنْكِرُهُ فَيَأْمُرُهُ رَجُلٌ بِتَقْوَى اللَّهِ فَيَأْبَى، وَالْغَمْصُ أَنْ يَجِيءَ شَامِخًا بِأَنْفِهِ وَإِذَا رَأَى ضُعَفَاءَ النَّاسِ وَفُقَرَاءَهُمْ لَمْ يُسَلِّمْ عَلَيْهِمْ وَلَمْ يَجْلِسْ إِلَيْهِمْ مَحْقَرَةً لَهُمْ.

الشيخ: نعوذ بالله هذا من........أيش قال العيني على محمد وقال محمد بن عيسى؟

الطالب: قوله: وقال محمد بن عيسى بن الطباع -بفتح الطاء المهملة وتشديد الباء الموحدة وبالعين المهملة- أبو جعفر البغدادي: نزل أذنة -بفتح الهمزة والذال المعجمة والنون- وهي بلدة بالقرب من طرسوس، وقال أبو داود: كان يحفظ نحو أربعين ألف حديث، مات سنة أربع وعشرين ومائتين، وقال بعضهم: لم أر له في البخاري سوى هذا الحديث.

الشيخ: قصر العيني، قصر في هذا، وله حديث آخر في الحج، وصرح بالحديث الثاني بالحج.

الطالب: قلت: قال الذي جمع رجال الصحيحين: روى عنه البخاري في آخر الحج والأدب، وقال في الموضعين: قال محمد بن عيسى، وقال صاحب "التوضيح": وهذا يشبه أن يكون البخاري أخذه عن شيخه محمد بن عيسى مذاكرة. وقال أبو جعفر بن حمدان النيسابوري: كل ما قال البخاري: قال لي فلان، فهو عرض ومناولة، وقال بعض المغاربة: يقول البخاري: قال لي، وقال لنا: ما علم له إسناد لم يذكره للاحتجاج به، وإنما ذكره للاستشهاد به، وكثيرا ما يعبر المحدثون بهذا اللفظ مما جرى بينهم في المذاكرات والمناظرات، وأحاديث المذاكرة قلما يحتجون بها، قاله الحافظ الدمياطي، وهشيم بن بشير أبو معاوية الواسطي.

والحديث من أفراد البخاري. وأخرجه أحمد بن حنبل عن هشيم.

الشيخ: ماشي نعم.

بَاب الهِجْرَةِ

وَقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ: لاَ يَحِلُّ لِرَجُلٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلاَثِ لَيَالٍ.

6073 - حَدَّثَنَا أَبُو اليَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَوْفُ بْنُ مَالِكِ بْنِ الطُّفَيْلِ هُوَ ابْنُ الحَارِثِ، - وَهُوَ ابْنُ أَخِي عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ ﷺ لِأُمِّهَا - أَنَّ عَائِشَةَ، حُدِّثَتْ: أَنَّ عَبْدَاللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ قَالَ: فِي بَيْعٍ أَوْ عَطَاءٍ أَعْطَتْهُ عَائِشَةُ: وَاللَّهِ لَتَنْتَهِيَنَّ عَائِشَةُ أَوْ لَأَحْجُرَنَّ عَلَيْهَا، فَقَالَتْ: أَهُوَ قَالَ هَذَا؟ قَالُوا: نَعَمْ، قَالَتْ: هُوَ لِلَّهِ عَلَيَّ نَذْرٌ، أَنْ لاَ أُكَلِّمَ ابْنَ الزُّبَيْرِ أَبَدًا. فَاسْتَشْفَعَ ابْنُ الزُّبَيْرِ إِلَيْهَا، حِينَ طَالَتِ الهِجْرَةُ، فَقَالَتْ: لاَ وَاللَّهِ لاَ أُشَفِّعُ فِيهِ أَبَدًا، وَلاَ أَتَحَنَّثُ إِلَى نَذْرِي. فَلَمَّا طَالَ ذَلِكَ عَلَى ابْنِ الزُّبَيْرِ، كَلَّمَ المِسْوَرَ بْنَ مَخْرَمَةَ، وَعَبْدَالرَّحْمَنِ بْنَ الأَسْوَدِ بْنِ عَبْدِ يَغُوثَ، وَهُمَا مِنْ بَنِي زُهْرَةَ، وَقَالَ لَهُمَا: أَنْشُدُكُمَا بِاللَّهِ لَمَّا أَدْخَلْتُمَانِي عَلَى عَائِشَةَ، فَإِنَّهَا لاَ يَحِلُّ لَهَا أَنْ تَنْذِرَ قَطِيعَتِي. فَأَقْبَلَ بِهِ المِسْوَرُ وَعَبْدُالرَّحْمَنِ مُشْتَمِلَيْنِ بِأَرْدِيَتِهِمَا، حَتَّى اسْتَأْذَنَا عَلَى عَائِشَةَ، فَقَالاَ: السَّلاَمُ عَلَيْكِ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ أَنَدْخُلُ؟ قَالَتْ عَائِشَةُ: ادْخُلُوا، قَالُوا: كُلُّنَا؟ قَالَتْ: نَعَمِ، ادْخُلُوا كُلُّكُمْ، وَلاَ تَعْلَمُ أَنَّ مَعَهُمَا ابْنَ الزُّبَيْرِ، فَلَمَّا دَخَلُوا دَخَلَ ابْنُ الزُّبَيْرِ الحِجَابَ، فَاعْتَنَقَ عَائِشَةَ وَطَفِقَ يُنَاشِدُهَا وَيَبْكِي، وَطَفِقَ المِسْوَرُ وَعَبْدُالرَّحْمَنِ يُنَاشِدَانِهَا إِلَّا مَا كَلَّمَتْهُ، وَقَبِلَتْ مِنْهُ، وَيَقُولاَنِ: إِنَّ النَّبِيَّ ﷺ نَهَى عَمَّا قَدْ عَلِمْتِ مِنَ الهِجْرَةِ، فَإِنَّهُ: لاَ يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلاَثِ لَيَالٍ فَلَمَّا أَكْثَرُوا عَلَى عَائِشَةَ مِنَ التَّذْكِرَةِ وَالتَّحْرِيجِ، طَفِقَتْ تُذَكِّرُهُمَا نَذْرَهَا وَتَبْكِي وَتَقُولُ: إِنِّي نَذَرْتُ، وَالنَّذْرُ شَدِيدٌ، فَلَمْ يَزَالاَ بِهَا حَتَّى كَلَّمَتْ ابْنَ الزُّبَيْرِ، وَأَعْتَقَتْ فِي نَذْرِهَا ذَلِكَ أَرْبَعِينَ رَقَبَةً، وَكَانَتْ تَذْكُرُ نَذْرَهَا بَعْدَ ذَلِكَ، فَتَبْكِي حَتَّى تَبُلَّ دُمُوعُهَا خِمَارَهَا.

الشيخ: والأصل في هذا أنها اعتقدت أنه قُربة؛ لأنه أساء إليها بقوله: "لأحجرن عليها" فلما قال هذا الكلام اعتقدت أن هجره قربة، فلهذا نذرت هذا النذر تعتقد أنه قربة، والقربة يجب الوفاء بها، هذا هو السبب الذي حملها على هذا، وإلا فالمعنى من جهة أنه حق لها؛ حق آدمي، فلها أن ترجع عنه، ولهذا ذكّروها حتى رجعت: أن عليها ألا تزيد على ثلاثة أيام؛ لأنه حق آدمي؛ فكونه تكلم فيها بهذا الكلام وقال: لأحجرن عليها، والمعنى: أنها سفيهة؛ فهذا غلط منه في حقها، وحق المخلوق له أن يتنازل عنه، فلهذا بعدما كثّر عليها تنازلت، وكفّرت عن ذلك بالرقاب التي أعتقتها، رضي الله عنها وأرضاها.

والواجب على المؤمن فيما يقع بينه وبين إخوانه من أمور الدنيا ألا يهجر فوق ثلاث، كالخصومات أو السب، كونه سبه و شتمه أو قال له إنه سفيه أو قال إنه ينبغي أن يحجر عليه أو قال إنه كذا وكذا من أمور الدنيا فالواجب في مثل هذا ألا يزيد على ثلاث .. لا يحل هجر المسلم فوق ثلاث قال ﷺ: لا هجرة فوق ثلاث وقال: لا يحق للمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث، يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا، وخيرهما الذي يبدأ بالسلام. أما إذا كان هجرًا لله يعني هجره للمعاصي أو البدع فهذا لا يتحدد بثلاث ولا بغير ثلاث، إلا بالتوبة، متى تاب نزعت الهجرة وسلم عليه وإلا فلا، هذا فيما يتعلق بحق الله من المعاصي والبدع، ولهذا لما هجر النبي ﷺ كعب بن مالك وصاحبيه استمرت الهجرة خمسين ليلة؛ لأن هذا معصية؛ تخلفوا عن الغزو بغير عذر شرعي وقد أمروا بالغزو، فلهذا استمر النبي في هجرهم والصحابة هجروهم أيضًا حتى بلغت المدة خمسين ليلة، ثم تاب الله عليهم فكلمهم الرسول وكلمهم الناس، فالحاصل أن من حاد الله في المعاصي فهجره يتحدد بالتوبة كأهل البدع، ومن أعلن المعاصي وأظهرها ولم يقبل النصيحة ولم يقبل التوجيه، فإن لمن يرى هجره أن يهجره المدة التي يراها رادعة، أما إذا رأى أن الهجر قد يزيد الشر، قد يزيد الفتنة، فإنه لا يهجره، كما فعل النبي مع عبدالله بن أُبي، فإن عبدالله بن أبي كان رأس المنافقين، ومع هذا لم يهجره عليه الصلاة والسلام لما رأى في هجره من الخطر، فكان يجامله ويرفق به حتى مات على شره وباطله، نسأل الله العافية، فالمؤمن ولاسيما ولاة الأمور ينظرون في المصالح والمفاسد، فإذا كان الهجر فيه مصلحة، من الأمير، من القاضي، من العلماء، من أعيان البلاد؛ هجروا حتى يتوب، وإن رأى ولاة الأمور أن هجره يزيد شره على المسلمين ويضر بالمسلمين فإن الرفق به ومداراته والتخفيف من شره مهما أمكن هو المطلوب.

س:..........

الشيخ: النذر كفارته كفارة يمين، مثل ما قال النبي ﷺ: كفارة النذر كفارة اليمين ... حكمه حكم اليمين إلا إذا كان قربة وطاعة، فإذا كان قربة وطاعة فهذا عليه أن يوفي بها مثل ما قال ﷺ: من نذر أن يطيع الله فليطعه، ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه رواه البخاري، أما إن كانت النذور دنيوية مثل نذر لله عليه أنه ما يكلم فلانًا، أنه ما يزور فلانًا، أنه ما يعطيه كذا، أنه ما يصله، هذه كلها حكمها حكم اليمين كفارة يمين.

س: هجر النبي ﷺ لأزواجه شهرًا؟

الشيخ: هذا حق له، معصية منهن، هذه معصية؛ لأن تعدِّيهن عليه وإيذاؤهن له معصية؛ ولهذا تستحق الهجر زيادة على ثلاثة أيام.

6076 - حَدَّثَنَا عَبْدُاللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: لاَ تَبَاغَضُوا، وَلاَ تَحَاسَدُوا، وَلاَ تَدَابَرُوا، وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا، وَلاَ يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلاَثِ لَيَالٍ.

الشيخ: تقدم في رواية أبي هريرة زيادة: ولا تناجشوا وعند مسلم: ولا يبع بعضكم على بيع بعض.

6077 - حَدَّثَنَا عَبْدُاللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَزِيدَ اللَّيْثِيِّ، عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الأَنْصَارِيِّ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: لاَ يَحِلُّ لِرَجُلٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلاَثِ لَيَالٍ، يَلْتَقِيَانِ: فَيُعْرِضُ هَذَا وَيُعْرِضُ هَذَا، وَخَيْرُهُمَا الَّذِي يَبْدَأُ بِالسَّلاَمِ.

بَاب مَا يَجُوزُ مِنَ الهِجْرَانِ لِمَنْ عَصَى

وَقَالَ كَعْبٌ، حِينَ تَخَلَّفَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ: «وَنَهَى النَّبِيُّ ﷺ المُسْلِمِينَ عَنْ كَلاَمِنَا، وَذَكَرَ خَمْسِينَ لَيْلَةً»

6078 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، أَخْبَرَنَا عَبْدَةُ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: إِنِّي لَأَعْرِفُ غَضَبَكِ وَرِضَاكِ قَالَتْ: قُلْتُ: وَكَيْفَ تَعْرِفُ ذَاكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: إِنَّكِ إِذَا كُنْتِ رَاضِيَةً قُلْتِ: بَلَى وَرَبِّ مُحَمَّدٍ، وَإِذَا كُنْتِ سَاخِطَةً قُلْتِ: لاَ وَرَبِّ إِبْرَاهِيمَ قَالَتْ: قُلْتُ: أَجَلْ، لا أُهَاجِرُ إِلَّا اسْمَكَ.

الشيخ: هذا قد يقع من النساء معروف، قد يقع من النساء كثيرًا هجرهن أزواجهن، وإن كان أزواجهن فضلاء وعظماء؛ لما يقع بين الرجل وأهله من مسائل البيت وغيرها، فإذا غضبت تركت الاسم وقالت: لا ورب إبراهيم، وإذا كانت راضية قالت: لا ورب محمد.

بَاب هَلْ يَزُورُ صَاحِبَهُ كُلَّ يَوْمٍ، أَوْ بُكْرَةً وَعَشِيًّا

6079 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى، أَخْبَرَنَا هِشَامٌ، عَنْ مَعْمَرٍ، وَقَالَ اللَّيْثُ: حَدَّثَنِي عُقَيْلٌ، قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: فَأَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ، أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ ﷺ، قَالَتْ: لَمْ أَعْقِلْ أَبَوَيَّ إِلَّا وَهُمَا يَدِينَانِ الدِّينَ، وَلَمْ يَمُرَّ عَلَيْهِمَا يَوْمٌ إِلَّا يَأْتِينَا فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ طَرَفَيِ النَّهَارِ، بُكْرَةً وَعَشِيَّةً، فَبَيْنَمَا نَحْنُ جُلُوسٌ فِي بَيْتِ أَبِي بَكْرٍ فِي نَحْرِ الظَّهِيرَةِ، قَالَ قَائِلٌ: هَذَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، فِي سَاعَةٍ لَمْ يَكُنْ يَأْتِينَا فِيهَا، قَالَ أَبُو بَكْرٍ: مَا جَاءَ بِهِ فِي هَذِهِ السَّاعَةِ إِلَّا أَمْرٌ، قَالَ: إِنِّي قَدْ أُذِنَ لِي بِالخُرُوجِ.

الشيخ: يعني بالهجرة وترك البلاد.

بَاب الزِّيَارَةِ، وَمَنْ زَارَ قَوْمًا فَطَعِمَ عِنْدَهُمْ

وَزَارَ سَلْمَانُ أَبَا الدَّرْدَاءِ فِي عَهْدِ النَّبِيِّ ﷺ فَأَكَلَ عِنْدَهُ.

 6080 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلاَمٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُالوَهَّابِ، عَنْ خَالِدٍ الحَذَّاءِ، عَنْ أَنَسِ بْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ : «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ زَارَ أَهْلَ بَيْتٍ مِنَ الأَنْصَارِ، فَطَعِمَ عِنْدَهُمْ طَعَامًا، فَلَمَّا أَرَادَ أَنْ يَخْرُجَ أَمَرَ بِمَكَانٍ مِنَ البَيْتِ فَنُضِحَ لَهُ عَلَى بِسَاطٍ، فَصَلَّى عَلَيْهِ وَدَعَا لَهُمْ».

الشيخ: وفي هذا تواضعه ﷺ، وأكله عند أصحابه، وفيه أن الزائر لا مانع أن يأكل عند مزوره، وأن هذا لا ينقص المحبة في الله، وإن كانت الزيارة لله والمحبة في الله فمن تمامها أن يأكل من طعامه إذا قدمه له، ولهذا لما زار النبي ﷺ أنسًا في بيت أبي طلحة قدم له الطعام وأكل من طعامهم وصلى بهم ودعا لهم عليه الصلاة والسلام، وهكذا زار بعض الأنصار وأكل عندهم، فلما فرغ قال: اللهم بارك لهم فيما رزقتهم واغفر لهم وارحمهم، وهكذا لما زار سعد بن عبادة وأكل عنده قال: أكل طعامكم الأبرار، وأفطر عندكم الصائمون، وصلت عليكم الملائكة.

س: الحديث الأول في الباب الأول باب من زار صاحبه بكرة وعشيًّا؛ يدل على جواز الزيارة في البكرة...؟

الشيخ: نعم، نعم، وقول بعضهم: "زر غبًا تزدد حبًّا" ما لها أصل يعتمد عليه، الزيارة تختلف على حسب الحاجة؛ قد تكون الحاجة كل يوم، قد تكون بكرة وعشيًّا، وقد تكون أكثر من ذلك، على حسب الحاجة.

بَاب مَنْ تَجَمَّلَ لِلْوُفُودِ

6081 - حَدَّثَنَا عَبْدُاللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُالصَّمَدِ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، قَالَ: حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ، قَالَ: قَالَ لِي سَالِمُ بْنُ عَبْدِاللَّهِ: - مَا الإِسْتَبْرَقُ؟ قُلْتُ: مَا غَلُظَ مِنَ الدِّيبَاجِ، وَخَشُنَ مِنْهُ - قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَاللَّهِ، يَقُولُ: رَأَى عُمَرُ عَلَى رَجُلٍ حُلَّةً مِنْ إِسْتَبْرَقٍ، فَأَتَى بِهَا النَّبِيَّ ﷺ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، اشْتَرِ هَذِهِ، فَالْبَسْهَا لِوَفْدِ النَّاسِ إِذَا قَدِمُوا عَلَيْكَ. فَقَالَ: إِنَّمَا يَلْبَسُ الحَرِيرَ مَنْ لاَ خَلاَقَ لَهُ فَمَضَى مِنْ ذَلِكَ مَا مَضَى، ثُمَّ إِنَّ النَّبِيَّ ﷺ بَعَثَ إِلَيْهِ بِحُلَّةٍ، فَأَتَى بِهَا النَّبِيَّ ﷺ فَقَالَ: بَعَثْتَ إِلَيَّ بِهَذِهِ، وَقَدْ قُلْتَ فِي مِثْلِهَا مَا قُلْتَ؟ قَالَ: إِنَّمَا بَعَثْتُ إِلَيْكَ لِتُصِيبَ بِهَا مَالًا فَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَكْرَهُ العَلَمَ فِي الثَّوْبِ لِهَذَا الحَدِيثِ.

الشيخ: وهذا يدل على أن الحرير محرم على الرجال، وأن التجمل للوفود أمر معروف عند الصحابة مع نبيهم عليه الصلاة والسلام، ولهذا جاء بالحُلة قال: لتلبسها إذا وفد الناس إليك، دل ذلك على أن التجمل أمام الوفود أمر مطلوب وأمر معروف، وهكذا في اللفظ الآخر: في يوم الجمعة فدل على أنه يستحب التجمل للجمعة عند الوفود لولاة الأمور، ولكن لا يلبس الحرير، إنما يلبسه من لا خلاق له كما قال النبي ﷺ، إنما هو من شأن النساء، وأما كراهة عبدالله بن عمر للعَلَمِ فمن باب ورعه، ولعله لم يبلغه الرخصة في ذلك، فقد ثبت عنه ﷺ أنه أباح من الحرير الأصبعين والثلاثة والأربعة للرجال، ومنها العلم، ومنها خياطة الشيء، ومنها الرقعة الخط القليل، وأشباه ذلك.

شف الشرح أول ما ذكر؟

الطالب: (قَوْلُهُ: بَابُ مَا يَجُوزُ مِنَ الْهِجْرَانِ لِمَنْ عَصَى) أَرَادَ بِهَذِهِ التَّرْجَمَةِ بَيَانَ الْهِجْرَانِ الْجَائِزِ؛ لِأَنَّ عُمُومَ النَّهْيِ مَخْصُوصٌ بِمَنْ لَمْ يَكُنْ لِهَجْرِهِ سَبَبٌ مَشْرُوعٌ فَتَبَيَّنَ هُنَا السَّبَبُ الْمُسَوِّغُ لِلْهَجْرِ وَهُوَ لِمَنْ صَدَرَتْ مِنْهُ مَعْصِيَةٌ فَيَسُوغُ لِمَنِ اطَّلَعَ عَلَيْهَا مِنْهُ هَجْرُهُ عَلَيْهَا لِيَكُفَّ عَنْهَا.

الشيخ: العيني ما تكلم على شيء، ما تكلم على الهجران ما ضبطه؟

الطالب: ما تكلم.

الشيخ: القاموس حاضر، شف هجر.

الطالب: قَوْله: وَقَالَ كَعْب أَي ابن مَالِكٍ الْأَنْصَارِيُّ حِينَ تَخَلَّفَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ وَنَهَى النَّبِيُّ ﷺ الْمُسْلِمِينَ عَنْ كَلَامِنَا، وَذَكَرَ خَمْسِينَ لَيْلَةً، وَهَذَا طَرَفٌ مِنَ الْحَدِيثِ الطَّوِيلِ وَقَدْ تَقَدَّمَ شَرْحُهُ مُسْتَوْفًى فِي أَوَاخِرِ الْمَغَازِي، وَذكر حَدِيثُ عَائِشَةَ: إِنِّي لَأَعْرِفُ غَضَبَكَ وَرِضَاكَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ شَرْحُهُ فِي بَابِ غَيْرَةِ النِّسَاءِ وَوَجْدِهِنَّ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ، قَالَ الْمُهَلَّبُ: غَرَضُ الْبُخَارِيِّ فِي هَذَا الْبَابِ أَنْ يُبَيِّنَ صِفَةَ الْهِجْرَانِ الْجَائِزِ، وَأَنَّهُ يَتَنَوَّعُ بِقَدْرِ الْجُرْمِ: فَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْعِصْيَانِ يَسْتَحِقُّ الْهِجْرَانَ بِتَرْكِ الْمُكَالَمَةِ كَمَا فِي قِصَّةِ كَعْبٍ وَصَاحِبَيْهِ، وَمَا كَانَ مِنَ الْمُغَاضَبَةِ بَيْنَ الْأَهْلِ وَالْإِخْوَانِ فَيَجُوزُ الْهَجْرُ فِيهِ بِتَرْكِ التَّسْمِيَةِ مَثَلًا أَوْ بِتَرْكِ بَسْطِ الْوَجْهِ مَعَ عَدَمِ هَجْرِ السَّلَامِ وَالْكَلَامِ، وَقَالَ الْكِرْمَانِيُّ: لَعَلَّهُ أَرَادَ قِيَاسَ هِجْرَانِ مَنْ يُخَالِفُ الْأَمر الشَّرْعِيّ عَلَى هِجْرَانِ اسْمٍ مَنْ يُخَالِفُ الْأَمْرَ الطَّبِيعِيَّ، وَقَالَ الطَّبَرِيُّ: قِصَّةُ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ أَصْلٌ فِي هِجْرَانِ أَهْلِ الْمَعَاصِي، وَقَدِ اسْتُشْكِلَ كَوْنُ هِجْرَانِ الْفَاسِقِ أَوِ الْمُبْتَدِعِ مَشْرُوعًا وَلَا يُشْرَعُ هِجْرَانُ الْكَافِرِ وَهُوَ أَشَدُّ جُرْمًا مِنْهُمَا لِكَوْنِهِمَا من أهل التَّوْحِيد فِي الْجُمْلَة، وَأجَاب ابن بَطَّالٍ: بِأَنَّ لِلَّهِ أَحْكَامًا فِيهَا مَصَالِحُ لِلْعِبَادِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِشَأْنِهَا وَعَلَيْهِمُ التَّسْلِيمُ لِأَمْرِهِ فِيهَا فَجَنَحَ إِلَى أَنَّهُ تَعَبُّدٌ لَا يُعْقَلُ مَعْنَاهُ، وَأَجَابَ غَيْرُهُ بِأَنَّ الْهِجْرَانَ عَلَى مَرْتَبَتَيْنِ: الْهِجْرَانُ بِالْقَلْبِ، وَالْهِجْرَانُ بِاللِّسَانِ، فَهِجْرَانُ الْكَافِرِ بِالْقَلْبِ وَبِتَرْكِ التَّوَدُّدِ وَالتَّعَاوُنِ وَالتَّنَاصُرِ لَا سِيَّمَا إِذَا كَانَ حَرْبِيًّا، وَإِنَّمَا لَمْ يُشْرَعْ هِجْرَانُهُ بِالْكَلَامِ لِعَدَمِ ارْتِدَاعِهِ بِذَلِكَ عَنْ كُفْرِهِ، بِخِلَافِ الْعَاصِي الْمُسْلِمِ فَإِنَّهُ يَنْزَجِرُ بِذَلِكَ غَالِبًا، وَيَشْتَرِكُ كُلٌّ مِنَ الْكَافِرِ وَالْعَاصِي فِي مَشْرُوعِيَّةِ مُكَالَمَتِهِ بِالدُّعَاءِ إِلَى الطَّاعَةِ وَالْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ، وَإِنَّمَا الْمَشْرُوعُ تَرْكُ الْمُكَالَمَةِ بِالْمُوَادَّةِ وَنَحْوِهَا، قَالَ عِيَاضٌ: إِنَّمَا اغْتُفِرَتْ مُغَاضَبَةُ عَائِشَةَ لِلنَّبِيِّ ﷺ مَعَ مَا فِي ذَلِكَ مِنَ الْحَرَجِ؛ لِأَنَّ الْغَضَبَ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ مَعْصِيَةٌ كَبِيرَةٌ؛ لِأَنَّ الْحَامِلَ لَهَا عَلَى ذَلِكَ الْغَيْرَةُ الَّتِي جُبِلَتْ عَلَيْهَا النِّسَاءُ وَهِيَ لَا تَنْشَأُ إِلَّا عَنْ فَرْطِ الْمَحَبَّةِ، فَلَمَّا كَانَ الْغَضَبُ لَا يَسْتَلْزِمُ الْبُغْضَ اغْتُفِرَ؛ لِأَنَّ الْبُغْضَ هُوَ الَّذِي يُفْضِي إِلَى الْكُفْرِ أَوِ الْمَعْصِيَةِ، وَقَدْ دَلَّ قَوْلُهَا: "لَا أَهْجُرُ إِلَّا اسْمَكَ" عَلَى أَنَّ قَلْبَهَا مَمْلُوءٌ بِمَحَبَّتِهِ ﷺ.

قَوْلُهُ: أَجَلْ، بِوَزْنِ نَعَمْ وَمَعْنَاهُ، وَقَالَ الْأَخْفَشُ: إِلَّا أَنَّ نَعَمْ أَحْسَنُ مِنْ أَجَلْ فِي جَوَابَ الِاسْتِفْهَامِ، وَأَجَلْ أَحْسَنُ مِنْ نَعَمْ فِي التَّصْدِيقِ، قُلْتُ: وَهِيَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ عَلَى وَفْقِ مَا قَالَ.

(قَوْلُهُ: بَابُ هَلْ يَزُورُ صَاحِبَهُ كُلَّ يَوْمٍ أَوْ بُكْرَةً وَعَشِيًّا) قِيلَ: الْعَشِيُّ مِنَ الزَّوَالِ إِلَى الْعَتَمَة، وَقيل: إِلَى الْفجْر، فَقَالَ ابن فَارِسٍ: الْعَشَاءُ بِالْفَتْحِ وَالْمَدِّ الطَّعَامُ، وَبِالْكَسْرِ مِنَ الزَّوَالِ إِلَى الْعَتَمَةِ، وَالْعَشِيُّ مِنَ الزَّوَالِ إِلَى الْفجْر.

الشيخ: يطلق على هذا وعلى هذا، من الزوال إلى العتمة، ومن الزوال إلى الفجر، هذا فيه نظر؛ والأول هو الأظهر من الزوال إلى العتمة.

الطالب: قَوْله هِشَام هُوَ ابن يُوسُفَ، قَوْلُهُ: عَنْ مَعْمَرٍ، وَقَالَ اللَّيْثُ: حَدَّثَنِي عُقَيْلٌ، وَفِي بَعْضِ النَّسْخِ ح، وَقَالَ اللَّيْثُ: وَهَذَا التَّعْلِيقُ سَبَقَ مُطَوَّلًا فِي بَابِ الْهِجْرَةِ إِلَى الْمَدِينَةِ مَوْصُولًا عَنْ يَحْيَى بْنِ بُكَيْرٍ عَن اللَّيْث، قَوْله: قَالَ ابن شِهَابٍ فَأَخْبَرَنِي عُرْوَةُ كَأَنَّ هَذَا سِيَاقَ مَعْمَرٍ وَكَأَنَّهُ كَانَ عِنْدَهُ قَبْلَ قَوْلِهِ لَمْ أَعْقِلْ أَبَوَيَّ كَلَامٌ آخَرُ فَعَطَفَ هَذَا عَلَيْهِ، وَقَدْ وَقَعَ عِنْدَ أَحْمَدُ عَنْ عَبْدِالرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ ابن شهَاب قَالَ: وَأَخْبرنِي عُرْوَة.

الشيخ: بعده بعده، الحديث الذي بعد هذا قصة أبي الدرداء؟

الطالب: (قَوْلُهُ: بَابُ الزِّيَارَةِ) أَيْ: مَشْرُوعِيَّتُهَا، وَمَنْ زَارَ قَوْمًا فَطَعِمَ عِنْدَهُمْ أَيْ: مِنْ تَمَامِ الزِّيَارَةِ أَن يقدم للزائر مَا حضر، قَالَه ابن بَطَّالٍ: وَهُوَ مِمَّا يُثَبِّتُ الْمَوَدَّةَ وَيَزِيدُ فِي الْمَحَبَّةِ، قُلْتُ: وَقَدْ وَرَدَ فِي ذَلِكَ حَدِيثٌ أخرجه الْحَاكِم وَأَبُو يَعْلَى مِنْ طَرِيقِ عَبْدِاللَّهِ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ قَالَ: دَخَلَ عَلَى جَابِرٍ نَفَرٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ ﷺ فَقَدَّمَ إِلَيْهِمْ خُبْزًا وَخَلًّا، فَقَالَ: كُلُوا فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: نِعْمَ الْإِدَامُ الْخَلُّ، إِنَّهُ هَلَاكٌ بِالرَّجُلِ أَنْ يَدْخُلَ إِلَيْهِ النَّفَرُ مِنْ إِخْوَانِهِ فَيَحْتَقِرُ مَا فِي بَيْتِهِ أَنْ يُقَدِّمَهُ إِلَيْهِمْ، وَهَلَاكٌ بِالْقَوْمِ أَنْ يَحْتَقِرُوا مَا قُدِّمَ إِلَيْهِمْ وَوَرَدَ فِي فَضْلِ الزِّيَارَةِ أَحَادِيثُ مِنْهَا عِنْدَ التِّرْمِذِيّ وَحسنه، وَصَححهُ ابن حِبَّانَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَفَعَهُ.

........

الطالب: مَنْ عَادَ مَرِيضًا أَوْ زَارَ أَخًا لَهُ فِي اللَّهِ نَادَاهُ مُنَادٍ طِبْتَ وَطَابَ مَمْشَاكَ وَتَبَوَّأْتَ مِنَ الْجَنَّةِ مَنْزِلًا وَلَهُ شَاهِدٌ عِنْدَ الْبَزَّارِ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ بِسَنَدٍ جَيِّدٍ وَعِنْدَ مَالِكٍ وَصَححهُ ابن حِبَّانَ مِنْ حَدِيثِ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ مَرْفُوعًا: حَقَّتْ مَحَبَّتِي لِلْمُتَزَاوِرِينَ فِيَّ الْحَدِيثَ، وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ مِنْ حَدِيثِ عِتْبَانَ بْنِ مَالِكٍ.

الشيخ: رواية مالك وجبت محبتي وهو سند جيد عند مالك يقول الرب : وجبت محبتي للمتزاورين فيّ والمتباذلين في والمتجالسين فيّ.

الطالب: وَعِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ مِنْ حَدِيثِ صَفْوَانَ بْنِ عَسَّالٍ رَفَعَهُ: مَنْ زَارَ أَخَاهُ الْمُؤْمِنَ خَاضَ فِي الرَّحْمَةِ حَتَّى يَرْجِعَ.

الشيخ: ونسي الشارح الحديث الذي رواه مسلم في الصحيح: أن شخصًا زار أخاً له في الله فأرصد الله على مدرجته ملكًا فلما مر عليه قال: أين تذهب؟ قال: إلى فلان أخ لي في القرية الفلانية أزوره، قال: لك من نعمة تربُّها عليه؟ قال: لا إلا أني أحبه في الله، قال: إني رسول الله إليك أن الله يحبك كما أحببته رواه مسلم في الصحيح، وهو حديث عظيم، فيناسب الإشارة إليه هنا، وكأنه غاب عنه ذلك! ما ذكره العيني؟

الطالب: ما تكلم.

الشيخ: نعم بعده؟

الطالب: قَوْلُهُ: وَزَارَ سَلْمَانُ أَبَا الدَّرْدَاءِ فِي عَهْدِ النَّبِيِّ ﷺ فَأَكَلَ عِنْدَهُ، هُوَ طَرَفٌ مِنْ حَدِيثٍ لِأَبِي جُحَيْفَةَ تَقَدَّمَ مُسْتَوْفًى مَشْرُوحًا فِي كِتَابِ الصّيام.

قَوْله: عبدالْوَهَّاب هُوَ ابن عَبْدِالْمَجِيدِ الثَّقَفِيُّ، قَوْلُهُ: زَارَ أَهْلَ بَيْتٍ مِنَ الْأَنْصَارِ هُمْ أَهْلُ عِتْبَانَ بْنِ مَالِكٍ كَمَا مضى فِي الصَّلَاة مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ أَنَسِ بْنِ سِيرِينَ بِأَتَمَّ مِنْ هَذَا السِّيَاقِ.

الشيخ: زار عثمان وزار أنس وأبا طلحة، زار هؤلاء وهؤلاء عليه الصلاة والسلام .

الطالب: وَأَوَّلُهُ قَالَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ لِلنَّبِيِّ ﷺ إِنِّي لَا أَسْتَطِيعُ الصَّلَاةَ مَعَكَ وَصَنَعَ طَعَامًا، الْحَدِيثَ، وَأَوْرَدَهُ فِي صَلَاةِ الضُّحَى وَقِصَّةُ عِتْبَانَ وَطَلَبُهُ مِنَ النَّبِيِّ ﷺ أَنْ يُصَلِّيَ فِي بَيْتِهِ، قَدْ تَقَدَّمَتْ فِي الصَّلَاةِ أَيْضًا مُطَوَّلَةً، وَفِيهَا أَنَّهُ ﷺ بَعْدَ أَنْ صَلَّى فِي بَيْتِهِ تَأَخَّرَ حَتَّى أَكَلَ عِنْدَهُمْ، وَفِيهِ قِصَّةُ مَالِكِ بْنِ الدُّخْشُمِ، وَوَقَعَ لَهُ ﷺ نَحْوَ الْقِصَّةِ الَّتِي فِي هَذَا الْبَابِ فِي بَيْتِ أَبِي طَلْحَةَ كَمَا سَيَأْتِي فِي بَابِ كُنْيَةِ الصَّبِيِّ مِنْ طَرِيقِ أَبِي التَّيَّاحِ عَنْ أَنَسٍ، فَإِنَّ فِيهِ ذِكْرُ الْبِسَاطِ وَنَضْحِهِ لَكِنْ لَيْسَ فِيهِ ذِكْرُ الطَّعَامِ، نَعَمْ فِي رِوَايَةِ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِاللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ جَدَّتَهُ مُلَيْكَةَ دَعَتْ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ لِطَعَامٍ صَنَعَتْهُ وَفِيهِ ذِكْرُ نَضْحِ الْحَصِيرِ وَالصَّلَاةِ بِهِمْ؛ لَكِنْ لَيْسَ فِي أَوَّلِهِ الْقِصَّةُ الَّتِي فِي رِوَايَةِ أَنَسِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ الرَّجُلَ قَالَ: لَا أَسْتَطِيعُ الصَّلَاةَ مَعَكَ، فَإِنَّ هَذَا الْقَدْرَ مُخْتَصٌّ بِقِصَّةِ عِتْبَانَ فَتَعَيَّنَ الْحَمْلُ عَلَيْهِ، وَوَهِمَ مَنْ رَجَّحَ أَنَّهُ بَيْتُ أَبِي طَلْحَةَ، وَفِي الْحَدِيثِ اسْتِحْبَابُ الزِّيَارَةِ، وَدُعَاءِ الزَّائِرِ لمن زَارَهُ وَطعم عِنْده.

الشيخ: وفي قصة زيارة سلمان لأبي الدرداء أيضاً فوائد أخرى، منها: أن الزائر إذا رأى من أخيه خللاً أنكر عليه ووَجَّهه؛ فإن أبا الدرداء كان قد اجتهد في العبادة وترك أهله، كان يقوم الليل، ويصوم النهار، فلما زار سلمان أبا الدرداء ورأى أم الدرداء مبتذلة قال: ما شأنك؟ قالت: إن أبا الدرداء ليس له غرض فينا أو ليس له شغل بنا، أو ما يدل على إعراضه عنها، فنصحه سلمان وقال: إن لأهلك عليك حقًا، ولزورك عليك حقًا، ولنفسك عليك حقًا، وأمره أن يفطر، وقال: لا أطعم حتى تفطر، فأفطر وأكل معه، فلما رغب أن يقوم في أول الليل قال: لا، نم، فلما كان الثلث الأخير أيقظه وقاما وصليا جميعًا؛ فهذا كله فيه توجيه لأبي الدرداء وإحسان إليه وإلى أهله فنصحه ووجّهه وقال له ينبغي أن تفعل كذا وتفعل كذا، ثم توجها إلى النبي ﷺ في الصباح وأخبراه بما جرى فقال النبي: صدق سلمان، صدق سلمان.

الطالب: هجر يا شيخ.

الشيخ: أيش قال عليه؟

الطالب: يقول هجر هجرًا بالفتح وهجرانًا بالكسر.. والشيء تركه كأهجره، وبالصوم اعتزل فيه عن النكاح، وهنا يهتجران ويتهاجران: يتقاطعان، والاسم الهجرة بالكسر، وهجر الشرك هجرًا وهجرانًا وهجرة حسنة، والهجر والهجر بالكسر، وبالضم: الخروج من أرض إلى أخرى.. والهجرتان هجرة إلى الحبشة..

الشيخ: المقصود أنه بيّن أنه بالكسر: الهجران، وكان ينبغي للشارح أن ينبه على هذا، هجر هجرانًا بالكسر، كأنه ما في وجه آخر ظاهر القاموس ما في إلا الكسر.

[مناقشة وكلام غير واضح...]

الطالب: العيني تعقّبه.

الشيخ: أيش قال؟

الطالب: قَالَ بَعضهم: كَأَن البُخَارِيّ رمز بالترجمة إِلَى توهين الحَدِيث الْمَشْهُور: زر غباً تَزْدَدْ حبا، قلت: هَذَا تخمين فِي حق البُخَارِيّ؛ لِأَنَّهُ حَدِيث مَشْهُور رُوِيَ عَن جمَاعَة من الصَّحَابَة وهم: عَليّ وَأَبُو ذَر وَأَبُو هُرَيْرَة وَعبدالله بن عَمْرو وَعبدالله بن عمر وَأَبُو بَرزَة وَأنس وَجَابِر وحبِيب بن مسلمة وَمُعَاوِيَة بن حيدة، وَقد جمع أَبُو نعيم وَغَيره طرقه، وَرَوَاهُ الْحَاكِم فِي "تَارِيخ نيسابور" والخطيب فِي "تَارِيخ بَغْدَاد" بطرِيق قوي: فَإِن قلت: كَانَ الصّديق أولى بالزيارة لدفع مشقة التّكْرَار عَنهُ ﷺ؟ قلت: قَالَ ابْن التِّين: لم يكن يَجِيء إِلَى أبي بكر لمُجَرّد الزِّيَارَة بل لما يتزايد عِنْده من علم الله، وَقيل: كَانَ سَبَب ذَلِك أَنه ﷺ إِذا جَاءَ إِلَى بَيت أبي بكر ، يَأْمَن من أَذَى الْمُشْركين، بِخِلَاف مَا لَو جَاءَ أَبُو بكر إِلَيْهِ، وَقيل: يحْتَمل أَن أَبَا بكر كَانَ يَجِيء إِلَيْهِ فِي النَّهَار وَاللَّيْل أَكثر من مرَّتَيْنِ.

 الشيخ: محل نظر يحتاج إلى تأمل. آخر كلام الحافظ بعدما ساق الطرق؟

الطالب: يقول: وَقَدْ وَرَدَ مِنْ طُرُقٍ أَكْثَرُهَا غَرَائِبُ لَا يَخْلُو وَاحِدٌ مِنْهَا مِنْ مَقَالٍ، وَقَدْ جَمَعَ طُرُقَهُ أَبُو نُعَيْمٍ وَغَيْرُهُ، وَجَاءَ مِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ وَأَبِي ذَرٍّ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَعَبْدِاللَّهِ بْنِ عَمْرٍو وَأَبِي بَرْزَةَ وَعَبْدِاللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَأَنَسٍ وَجَابِرٍ وَحَبِيبِ بْنِ مَسْلَمَةَ وَمُعَاوِيَةَ بْنِ حَيْدَةَ، وَقَدْ جَمَعْتُهَا فِي جُزْءٍ مُفْرَدٍ، وَأَقْوَى طُرُقِهِ مَا أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي تَارِيخِ نَيْسَابُورَ وَالْخَطِيبُ فِي تَارِيخِ بَغْدَادَ وَالْحَافِظُ أَبُو مُحَمَّدِ بن السَّقَّاءِ فِي فَوَائِدِهِ مِنْ طَرِيقِ أَبِي عَقِيلٍ يَحْيَى بْنِ حَبِيبِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عَبْدِاللَّهِ بْنِ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ عَوْنٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ، وَأَبُو عَقِيلٍ كُوفِيٌّ مَشْهُور بكنيته، قَالَ ابن أَبِي حَاتِمٍ: سَمِعَ مِنْهُ أَبِي وَهُوَ صَدُوقٌ، وَذكره ابن حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ وَقَالَ: رُبَّمَا أَخْطَأَ وَأَغْرَبَ، قُلْتُ: وَاخْتُلِفَ عَلَيْهِ فِي رَفْعِهِ وَوَقْفِهِ، وَقَدْ رَفَعَهُ أَيْضًا يَعْقُوبُ بْنُ شَيْبَةَ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ عَوْنٍ رَوَيْنَاهُ فِي فَوَائِدِ أَبِي مُحَمَّدِ بْنِ السَّقَّاءِ أَيْضًا عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ جَدِّهِ يَعْقُوبَ، وَاخْتُلِفَ فِيهِ عَلَى جَعْفَرِ بْنِ عَوْنٍ فَرَوَاهُ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ فِي تَفْسِيرِهِ عَنْهُ عَنْ أَبِي حِبَّانَ الْكَلْبِيِّ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ مَوْقُوفًا فِي قِصَّةٍ لَهُ مَعَ عَائِشَةَ، وَأَخْرَجَهُ ابن حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِالْمَلِكِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ عَطَاءٍ قَالَ: دَخَلْتُ أَنَا وَعُبَيْدُ بْنُ عُمَيْرٍ عَلَى عَائِشَةَ فَقَالَتْ: يَا عُبَيْدُ بْنُ عُمَيْرٍ مَا يَمْنَعُكَ أَنْ تَزُورَنَا، قَالَ: قَوْلُ الْأَوَّلِ: زُرْ غِبًّا تَزْدَدْ حُبًّا، فَقَالَ عِبدَ اللَّهِ بْنُ عُمَيْرٍ: دَعُونَا مِنْ بَطَالَتِكُمْ هَذِهِ، وَأَخْبِرِينَا بِأَعْجَبِ شَيْءٍ رَأَيْتِهِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَذَكَرَتِ الحَدِيث فِي صلَاته ﷺ، وَذكر أَبُو عبيد فِي الْأَمْثَالِ بِأَنَّهُ مِنْ أَمْثَالِ الْعَرَبِ، وَكَانَ هَذَا الْكَلَامُ شَائِعًا فِي الْمُتَقَدِّمِينَ.

الشيخ: بس؟

الطالب: جاب الأبيات هنا ثم قال بعده: قُلْتُ: وَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَ هَذَا الْحَدِيثِ وَحَدِيثِ الْبَابِ؛ لِأَنَّ عُمُومَهُ يَقْبَلُ التَّخْصِيصَ، فَيُحْمَلُ عَلَى مَنْ لَيْسَتْ لَهُ خُصُوصِيَّة ومودة ثَابِتَةٍ فَلَا يَنْقُصُ كَثْرَةُ زِيَارَتِهِ مِنْ مَنْزِلَتِهِ، قَالَ ابن بَطَّالٍ: الصِّدِّيقُ الْمُلَاطِفُ لَا يَزِيدُهُ كَثْرَةُ الزِّيَارَةِ إِلَّا محبَّة بِخِلَاف غَيره.

الشيخ: لكن لا شك أن الأحوال تختلف، والحاجات تختلف، والحديث هذا وإن كان مشهورًا ففي صحته نظر عن النبي عليه الصلاة والسلام، أما كونه من كلام عائشة أو من كلام عبيد بن عمير أو من كلام العرب هذا ما هو مسلّم.

بَاب الإِخَاءِ وَالحِلْفِ

وَقَالَ أَبُو جُحَيْفَةَ: «آخَى النَّبِيُّ ﷺ بَيْنَ سَلْمَانَ وَأَبِي الدَّرْدَاءِ» وَقَالَ عَبْدُالرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ: «لَمَّا قَدِمْنَا المَدِينَةَ آخَى النَّبِيُّ ﷺ بَيْنِي وَبَيْنَ سَعْدِ بْنِ الرَّبِيعِ».

6082 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: لَمَّا قَدِمَ عَلَيْنَا عَبْدُالرَّحْمَنِ، فَآخَى النَّبِيُّ ﷺ بَيْنَهُ وَبَيْنَ سَعْدِ بْنِ الرَّبِيعِ، فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: أَوْلِمْ وَلَوْ بِشَاةٍ.

6083 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ صَبَّاحٍ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ زَكَرِيَّاءَ، حَدَّثَنَا عَاصِمٌ، قَالَ: قُلْتُ لِأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ: أَبَلَغَكَ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: لاَ حِلْفَ فِي الإِسْلاَمِ فَقَالَ: «قَدْ حَالَفَ النَّبِيُّ ﷺ بَيْنَ قُرَيْشٍ وَالأَنْصَارِ فِي دَارِي».

الشيخ: آخي النبي أول ما قدم المدينة مهاجرًا آخى بين المهاجرين والأنصار، وصار الأنصاري والمهاجري يتوارثان دون قرابة، وكانت هذه من باب التعاون والمحبة وإزالة الوحشة والشحناء ضد أعداء الله ضد اليهود وغيرهم من أعداء الله، ثم أنزل الله المواريث، وقال فيها جل وعلا: وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ [الأنفال:75] فنسخ ذلك الحلف، وبقيت المواريث، وبقيت الموالاة الدينية، الموالاة في الله، والمحبة في الله، وقال ﷺ: لا حلف في الإسلام، وما كان من حلف في الجاهلية لم يزده الإسلام إلا شدة فالمناصرة الإسلامية والموالاة الإسلامية كافية عن التحالف من جديد، وهذا هو معنى: لا حلف في الإسلام هذا كان بعدما آخى بينهم عليه الصلاة والسلام.

س: سبب التحالف؟

الشيخ: هو ما تقدم، هو تجديد التناصر والتأكيد في التناصر ضد العدو المشترك؛ لأن هؤلاء قدموا عليهم من بلاد غير بلادهم وهم المهاجرون فخيف أن تكون هناك وحشة أو انقسام فآخى النبي ﷺ بينهم على أنهم إخوة في الله ، هذا أخو هذا وهذا أخو هذا، بينهم محبة وبينهم التناصر والتوارث، فهم أولى بهذا من أقاربهم، ثم بعد ذلك نسخ هذا الأمر.

س:......

الشيخ: في ذاك الوقت لا، يرث المهاجري الأنصاري دون أخيه من أبيه وأمه.

س: يكون نسخ عام؟

الشيخ: نعم نسخ عام، ما يبقى إلا مودة الإسلام ومحبة الإسلام والموالاة في الإسلام، أما التوارث فهو لأهله القرابات والأصهار، نعم.

بَاب التَّبَسُّمِ وَالضَّحِكِ

وَقَالَتْ فَاطِمَةُ رضي الله عنها: «أَسَرَّ إِلَيَّ النَّبِيُّ ﷺ فَضَحِكْتُ» وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: "إِنَّ اللَّهَ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى".

6084 - حَدَّثَنَا حِبَّانُ بْنُ مُوسَى، أَخْبَرَنَا عَبْدُاللَّهِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: أَنَّ رِفَاعَةَ القُرَظِيَّ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ فَبَتَّ طَلاَقَهَا، فَتَزَوَّجَهَا بَعْدَهُ عَبْدُالرَّحْمَنِ بْنُ الزَّبِيرِ، فَجَاءَتِ النَّبِيَّ ﷺ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّهَا كَانَتْ عِنْدَ رِفَاعَةَ فَطَلَّقَهَا آخِرَ ثَلاَثِ تَطْلِيقَاتٍ، فَتَزَوَّجَهَا بَعْدَهُ عَبْدُالرَّحْمَنِ بْنُ الزَّبِيرِ، وَإِنَّهُ وَاللَّهِ مَا مَعَهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِلَّا مِثْلُ هَذِهِ الهُدْبَةِ، لِهُدْبَةٍ أَخَذَتْهَا مِنْ جِلْبَابِهَا، قَالَ: وَأَبُو بَكْرٍ جَالِسٌ عِنْدَ النَّبِيِّ ﷺ، وَابْنُ سَعِيدِ بْنِ العَاصِ جَالِسٌ بِبَابِ الحُجْرَةِ لِيُؤْذَنَ لَهُ، فَطَفِقَ خَالِدٌ يُنَادِي أَبَا بَكْرٍ: يَا أَبَا بَكْرٍ، أَلاَ تَزْجُرُ هَذِهِ عَمَّا تَجْهَرُ بِهِ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، وَمَا يَزِيدُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَلَى التَّبَسُّمِ، ثُمَّ قَالَ: لَعَلَّكِ تُرِيدِينَ أَنْ تَرْجِعِي إِلَى رِفَاعَةَ، لاَ، حَتَّى تَذُوقِي عُسَيْلَتَهُ، وَيَذُوقَ عُسَيْلَتَكِ.

الشيخ: وهذا محله كتاب الطلاق؛ ولكنه ذكره هنا المؤلف من أجل التبسم، وأنه ﷺ لما رأى كلامها وما ذكرت عن زوجها الأخير وأنه لا يستطيع الجماع وأن ذكره ضعيف مثل هدبة الثوب تبسّم من ذلك عليه الصلاة والسلام، وقال: أتريدين أن ترجعي إلى رفاعة؟! يعني زوجها الأول لا، حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك يعني حتى يكون الزوج الأخير يدخل بها ويطؤها، ثم إذا طلقها بعد ذلك حلت للأول الذي طلقها آخر الثلاث؛ لأن في رواية مسلم: طلقها الطلقة الأخيرة الثالثة وفي هذا دلالة على جواز مخاطبة الرجال ومخاطبة المفتي أو مخاطبة القاضي بما في نفس المرأة وأنه لا محذور في ذلك، تعبر عن نفسها وتخبر عن نفسها وعن شكواها وعن دعواها، وعلى القاضي أن ينظر إليها، وأن يستمع لها، أن ينظر لدعواها ويستمع ويفتيها بما يقتضيه الشرع، أو يحكم بينها وبين خصمها، وليس في هذا ضرورة، وليس عليها واجبًا أن توكِّل، بل لها أن تباشر دعواها بنفسها، ولكن مثل ما قال الله جل وعلا: فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ الكلام العادي وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا.

س:......

الشيخ: ما تحل للأول، حتى يطأها هذا إن أمكن، أو زوجًا آخر. ومعنى قوله حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ يعني حتى تنكح نكاحًا فيه وطء.

6085 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ، عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عَبْدِالحَمِيدِ بْنِ عَبْدِالرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدِ بْنِ الخَطَّابِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ،

هذا من أطول الأسانيد.

 قَالَ: اسْتَأْذَنَ عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، وَعِنْدَهُ نِسْوَةٌ مِنْ قُرَيْشٍ يَسْأَلْنَهُ وَيَسْتَكْثِرْنَهُ، عَالِيَةً أَصْوَاتُهُنَّ عَلَى صَوْتِهِ، فَلَمَّا اسْتَأْذَنَ عُمَرُ تَبَادَرْنَ الحِجَابَ، فَأَذِنَ لَهُ النَّبِيُّ ﷺ فَدَخَلَ وَالنَّبِيُّ ﷺ يَضْحَكُ، فَقَالَ: أَضْحَكَ اللَّهُ سِنَّكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي؟ فَقَالَ: عَجِبْتُ مِنْ هَؤُلاَءِ اللَّاتِي كُنَّ عِنْدِي، لَمَّا سَمِعْنَ صَوْتَكَ تَبَادَرْنَ الحِجَابَ فَقَالَ: أَنْتَ أَحَقُّ أَنْ يَهَبْنَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْهِنَّ، فَقَالَ: يَا عَدُوَّاتِ أَنْفُسِهِنَّ، أَتَهَبْنَنِي وَلَمْ تَهَبْنَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ؟ فَقُلْنَ: إِنَّكَ أَفَظُّ وَأَغْلَظُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: إِيهٍ يَا ابْنَ الخَطَّابِ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، مَا لَقِيَكَ الشَّيْطَانُ سَالِكًا فَجًّا إِلَّا سَلَكَ فَجًّا غَيْرَ فَجِّكَ.

الشيخ: وهذه منقبة عظيمة لعمر، ودلالة على أنه لا بأس بالمدح إذا لم يكثر لبيان الحق؛ لأن الرسول هو المبيِّن، إذا ما بيّنه هو من يبينه؟ وفي هذا صبره ﷺ وتحمله لمسألة النساء، فكانت قد علت أصواتهن يسألنه أشياء ويستكثرنه وهو صابر عليه الصلاة والسلام، فلما سمعن صوت عمر بادرن الحجاب يعني خرجن من عنده عليه الصلاة والسلام، فتبسم عليه الصلاة والسلام، والمقصود هنا قوله: (تبسم) وتبسم من هيبتهن منه، ومبادرتهن الحجاب، لما جعل الله في شخصية عمر من الهيبة العظيمة، رضي الله عنه وأرضاه، ولما كان عليه من أخلاقه العظيمة القوية.

س:......

الشيخ: الإيمان في الجميع، إيمان الرسول أقوى، لكن هذه صفة أخرى غير الإيمان، قوة الإيمان، وليس أقوى من النبي، ولكن شدته في نفسه عليه الصلاة والسلام.

6086 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي العَبَّاسِ، عَنِ عبدالله بن عمرو قَالَ: لَمَّا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِالطَّائِفِ، قَالَ: إِنَّا قَافِلُونَ غَدًا إِنْ شَاءَ اللَّهُ فَقَالَ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ: لاَ نَبْرَحُ أَوْ نَفْتَحَهَا، فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: فَاغْدُوا عَلَى القِتَالِ قَالَ: فَغَدَوْا فَقَاتَلُوهُمْ قِتَالًا شَدِيدًا، وَكَثُرَ فِيهِمُ الجِرَاحَاتُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: إِنَّا قَافِلُونَ غَدًا إِنْ شَاءَ اللَّهُ قَالَ: فَسَكَتُوا، فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، قَالَ الحُمَيْدِيُّ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ: بِالخَبَرِ كُلِّهِ.

الشيخ: ومعنى هذا أنهم في المرة الأولى قالوا: لا، يا رسول الله، نحب أن نقاتل حتى نفتحها يعني الطائف، فلما كثرت فيهم الجراح وقال: إنا قافلون غدًا، سكتوا؛ فدل ذلك على أنهم رغبوا في القفول، فضحك النبي ﷺ من ضعف ابن آدم، أمس يقولون: لا حتى نفحتها، واليوم سكتوا لما أصابهم الجراح، فدل ذلك على ضعف ابن آدم وأنه محل الضعف ولو تعاطى ما تعاطى من القوة، فإن عند وجود الجراحات وكثرة الآلام يضعف عن أشياء مما يهم بها قبل ذلك، والله المستعان، رضي الله عنهم وأرضاهم.

س: عندي السند عن عبدالله بن عمر؟

الشيخ: لا، ابن عمرو بن العاص.

الطالب: الشارح تعرض له.

الشيخ: تعرض عندكم لشيء؟

الطالب: قال عن عبدالله بن عمر كذا للأكثر بضم العين، وللحموي وحده هنا عمرو بفتحها، والصواب الأول.

الشيخ: أيش قال عندك؟

الطالب: .....

الشيخ: نعم تكلم عندك على هذا؟

الطالب: نعم، الْحَدِيثُ الثَّالِثُ حَدِيثُ عَمْرٍو هُوَ ابن دِينَارٍ، عَنْ أَبِي الْعَبَّاسِ وَهُوَ الشَّاعِرُ، عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ عُمَرَ كَذَا لِلْأَكْثَرِ بِضَمِّ الْعَيْنِ، وَلِلْحَمَوِيِّ وَحْدَهُ هُنَا عَمْرٌو بِفَتْحِهَا؛ وَالصَّوَابُ الْأَوَّلُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُهُ فِي غَزْوَةِ الطَّائِفِ مَعَ شَرْحِ الْحَدِيثِ وَالْغَرَضُ مِنْهُ هُنَا.

الشيخ: في المتن عندكم بالواو؟

الطالب: نعم.

الشيخ: هذا من رواية الحموي؟

الطالب: نعم.

الشيخ: ..... وإن كان الأصل هو رواية ابن عمر، ولهذا قال هنا.

الطالب: قَالَ الْحُمَيْدِيُّ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بِالْخَبَرِ كُلِّهِ.

الشيخ: أول السند عندك؟

الطالب: حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بن سعيد حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي العَبَّاسِ، عَنِ عبدالله بن عمرو.

الشيخ: قال الحميدي كذا؟

الطالب: قَالَ الْحُمَيْدِيُّ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بِالْخَبَرِ كُلِّهِ.

الشيخ: يعني تأكيد لما تقدم؛ لأنه لما ساقه خبره به سفيان كله. ما تكلم عليه شيء؟

الطالب: تَقَدَّمَ بَيَانُ مَنْ وَصَلَهُ فِي غَزْوَةِ الطَّائِفِ، وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ كُلُّهُ بِالْخَبَرِ وَالْمَعْنَى: أَنَّهُ ذُكِرَ بِصَرِيحِ الْأَخْبَارِ فِي جَمِيعِ السَّنَدِ لَا بِالْعَنْعَنَةِ.

الشيخ: طيب نعم.

س: متابعة، أحسن الله إليك؟

الشيخ: هو اللي في الشيخ، هو شيخ المؤلف شيخه قتيبة حدثنا قتيبة كذا عندك؟

الطالب: نعم.

الشيخ: حدثنا الحميدي؟

الطالب: حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا سفيان.

الشيخ: والحميدي شيخ البخاري أيضاً، معناه: أنه تابع قتيبة على ما رواه سفيان، نعم وأنه صرح بالتحديث بها كلها.

[مناقشة وتسجيل غير واضح...]

الشيخ: لأن الحميدي رواه عن سفيان قال: حدثني عمرو حدثني أبو العباس حدثني عبدالله .... نعم

6087 - حَدَّثَنَا مُوسَى، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ، أَخْبَرَنَا ابْنُ شِهَابٍ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِالرَّحْمَنِ، أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ ، قَالَ: أَتَى رَجُلٌ النَّبِيَّ ﷺ فَقَالَ: هَلَكْتُ، وَقَعْتُ عَلَى أَهْلِي فِي رَمَضَانَ، قَالَ: أَعْتِقْ رَقَبَةً قَالَ: لَيْسَ لِي، قَالَ: فَصُمْ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ قَالَ: لاَ أَسْتَطِيعُ، قَالَ: فَأَطْعِمْ سِتِّينَ مِسْكِينًا قَالَ: لاَ أَجِدُ، فَأُتِيَ بِعَرَقٍ فِيهِ تَمْرٌ - قَالَ إِبْرَاهِيمُ: العَرَقُ المِكْتَلُ - فَقَالَ: أَيْنَ السَّائِلُ، تَصَدَّقْ بِهَا قَالَ: عَلَى أَفْقَرَ مِنِّي، وَاللَّهِ مَا بَيْنَ لاَبَتَيْهَا أَهْلُ بَيْتٍ أَفْقَرُ مِنَّا، فَضَحِكَ النَّبِيُّ ﷺ حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ، قَالَ: فَأَنْتُمْ إِذًا.

الشيخ: والشاهد قوله: فضحك النبي ﷺ، فيه الضحك عند الفتوى تعجبًا إذا قال المستفتي ما يتعجب منه، فإنه بينما هو أتى ليسأل عما يؤدي عما فعل، وبيّنت له الكفارة وهي: العتق ثم الصيام ثم الإطعام، ثم بعد هذا كله لما جاءت الصدقة وقال له: أطعمه، قال: على أهل بيت أفقر منا، يعني نحن أحوج إلى هذا الطعام من غيرنا، فضحك النبي عند هذا عليه الصلاة والسلام، بينما هو المطلوب منه أن يؤدي إذا هو يطلب لنفسه.

س: إذا لم يقدر على الإطعام تسقط عنه الكفارة؟

الشيخ: احتج العلماء بهذا على سقوطها، وأن النبي ﷺ قال: أطعمه أهلك، ولم يأمره بالقضاء، فدل ذلك على سقوط كفارة الوطء عن العاجز، بخلاف الظهار، وبخلاف القتل، فإنها في الذمة حتى يؤدي.

6088 - حَدَّثَنَا عَبْدُالعَزِيزِ بْنُ عَبْدِاللَّهِ الأُوَيْسِيُّ، حَدَّثَنَا مَالِكٌ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِاللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: «كُنْتُ أَمْشِي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَعَلَيْهِ بُرْدٌ نَجْرَانِيٌّ غَلِيظُ الحَاشِيَةِ»، فَأَدْرَكَهُ أَعْرَابِيٌّ فَجَبَذَ بِرِدَائِهِ جَبْذَةً شَدِيدَةً، قَالَ أَنَسٌ: «فَنَظَرْتُ إِلَى صَفْحَةِ عَاتِقِ النَّبِيِّ ﷺ، وَقَدْ أَثَّرَتْ بِهَا حَاشِيَةُ الرِّدَاءِ مِنْ شِدَّةِ جَبْذَتِهِ»، ثُمَّ قَالَ: يَا مُحَمَّدُ مُرْ لِي مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي عِنْدَكَ، «فَالْتَفَتَ إِلَيْهِ فَضَحِكَ ثُمَّ أَمَرَ لَهُ بِعَطَاءٍ».

الشيخ: وهذا أيضًا مثل ما تقدم، يدل على حلمه وصبره عليه الصلاة والسلام، وفي الرواية الأخرى: أن الأعرابي قال: فإنك لا تعطيني من مالك ولا من مال أبيك، زاد في الكلام ومع هذا صبر عليه، وحلم عليه، ولم يقل له شيئًا، وأمر له بعطاء عليه الصلاة والسلام، وهذا من كمال خلقه العظيم، وهذا أيضًا من الدعوة إلى الإسلام؛ فإن الصبر والتحمُّل على الأذى من الرسل وأتباعهم ومن الدعاة إلى الله عز وجل مما يؤلف القلوب، ومما يجذبها إلى الخير، ويدعوها إلى الخير، ولهذا صبر عليه الصلاة والسلام صبرًا عظيمًا. 

أيش قال الشارح عليه؟

الطالب: قَوْلُهُ: وَعَلَيْهِ بُرْدٌ: فِي رِوَايَةِ الْأَوْزَاعِيِّ رِدَاءٌ، قَوْلُهُ: نَجْرَانِيٌّ بِفَتْحِ النُّونِ وَسُكُونِ الْجِيمِ نِسْبَةٌ إِلَى نَجْرَانَ بَلَدٌ مَعْرُوفٌ بَيْنَ الْحِجَازِ وَالْيَمَنِ، وَتَقَدَّمَ فِي أَوَاخِرِ الْمَغَازِي، قَوْلُهُ: غَلِيظُ الْحَاشِيَةِ، فِي رِوَايَةِ الْأَوْزَاعِيِّ: الصَّنِفَةُ بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِ النُّونِ بَعْدَهَا فَاءٌ وَهِيَ طَرَفُ الثَّوْبِ مِمَّا يَلِي طُرَّتَهُ، قَوْلُهُ: فَأَدْرَكَهُ أَعْرَابِيٌّ، زَادَ هَمَّامٌ: مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ، وَفِي رِوَايَةِ الْأَوْزَاعِيِّ: فَجَاءَ أَعْرَابِيٌّ مِنْ خَلْفِهِ، قَوْلُهُ: فَجَبَذَ بِفَتْحِ الْجِيمِ وَالْمُوَحَّدَةِ بَعْدَهَا ذَالٌ مُعْجَمَةٌ، وَفِي رِوَايَةِ الْأَوْزَاعِيِّ: فَجَذَبَ وَهِيَ بِمَعْنَى جَبَذَ، قَوْلُهُ: جَبْذَةٌ شَدِيدَةٌ: فِي رِوَايَةِ عِكْرِمَةَ: حَتَّى رَجَعَ النَّبِيَّ ﷺ فِي نَحْرِ الْأَعْرَابِيِّ، قَوْلُهُ: قَالَ أَنَسٌ فَنَظَرْتُ إِلَى صَفْحَةِ عَاتِقِ، فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ: عُنُقِ، وَكَذَا عِنْدَ جَمِيعِ الرُّوَاةِ عَنْ مَالِكٍ، وَكَذَا فِي رِوَايَةِ الْأَوْزَاعِيِّ، قَوْلُهُ: أَثَّرَتْ فِيهَا، فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ: بِهَا، وَكَذَا لِمُسْلِمٍ مِنْ رِوَايَةِ مَالِكٍ، وَفِي رِوَايَةِ هَمَّامٍ: حَتَّى انْشَقَّ الْبُرْدُ وَذَهَبَتْ حَاشِيَتُهُ فِي عُنُقِهِ، وَزَادَ أَنَّ ذَلِكَ وَقَعَ مِنَ الْأَعْرَابِيِّ لَمَّا وَصَلَ النَّبِيُّ ﷺ إِلَى حُجْرَتِهِ، وَيُجْمَعُ بِأَنَّهُ لَقِيَهُ خَارِجَ الْمَسْجِدِ فَأَدْرَكَهُ لَمَّا كَادَ يَدْخُلُ فَكَلَّمَهُ أَوْ مَسَكَ بِثَوْبِهِ لَمَّا دَخَلَ فَلَمَّا كَادَ يَدْخُلُ الْحُجْرَةَ خَشِيَ أَنْ يَفُوتَهُ فَجَبَذَهُ، قَوْلُهُ: مُرْ لِي، فِي رِوَايَةِ الْأَوْزَاعِيِّ: أَعْطِنَا، قَوْلُهُ: فَضَحِكَ، فِي رِوَايَةِ الْأَوْزَاعِيِّ: فَتَبَسَّمَ ثُمَّ قَالَ: مُرُوا لَهُ، وَفِي رِوَايَةِ هَمَّامٍ: وَأَمَرَ لَهُ بِشَيْءٍ، وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ بَيَانُ حِلْمِهِ ﷺ وَصَبْرِهِ عَلَى الْأَذَى فِي النَّفْسِ وَالْمَالِ، وَالتَّجَاوُزِ عَلَى جَفَاءِ مَنْ يُرِيدُ تَأَلُّفَهُ عَلَى الْإِسْلَامِ، وَلِيَتَأَسَّى بِهِ الْوُلَاةُ بَعْدَهُ فِي خُلُقِهِ الْجَمِيلِ مِنَ الصَّفْحِ وَالْإِغْضَاءِ وَالدَّفْعِ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ.

الشيخ: العيني زاد شيئًا؟

الطالب: ما زاد شيئًا.

الشيخ: نعم.

6089 - حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ إِدْرِيسَ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ قَيْسٍ، عَنْ جَرِيرٍ، قَالَ: مَا حَجَبَنِي النَّبِيُّ ﷺ مُنْذُ أَسْلَمْتُ، وَلاَ رَآنِي إِلَّا تَبَسَّمَ فِي وَجْهِي.

6090 - وَلَقَدْ شَكَوْتُ إِلَيْهِ أَنِّي لاَ أَثْبُتُ عَلَى الخَيْلِ، فَضَرَبَ بِيَدِهِ فِي صَدْرِي، وَقَالَ: اللَّهُمَّ ثَبِّتْهُ وَاجْعَلْهُ هَادِيًا مَهْدِيًّا.

الشيخ: وهذا أيضًا مثل ما تقدم، يدل على كمال أخلاقه، اللهم صل عليه وسلم.

وقوله: ما حجبني، هذا مما يدل على أنه ينبغي لولي الأمر أن يراعي أحوال الناس، فإن بعض الناس لا يتحمل الحجب، يعني إذا استأذن أذن له، بعض الناس لا يتحمل أن يقال له تأتي في وقت آخر أو الوالي مشغول أو الأمير مشغول أو كذا، كان النبي ﷺ إذا استأذن عليه جرير أذن له، وكان من رؤساء قومه، وشيوخ قومه المتبعين رضي الله عنه وأرضاه، وكان النبي ﷺ يتألَّفه حتى صار من خير الناس ومن أئمة الهدى رضي الله عنه وأرضاه، وما لقيه إلا تبسّم، ما رآه إلا تبسّم؛ تعجبًا من كرم أخلاقه رضي الله عنه وأرضاه، وحرصه على الخير، وتواضعه أيضًا، وكان سيدًا في قومه، ثم ضرب في صدره حتى ثبّته الله على الخيل، وكان بعد ذلك من أثبت الناس على الخيل وغزا قومه، وهدم صنمهم، رضي الله عنه وأرضاه.

س:..........

الشيخ: اليهودي أغلظ ثم أسلم، يطلب ماله كما في قصة...... فيه أنه قال....... فحلم عليه النبي ﷺ وقال: "أعطوه ماله"، فهم به الصحابة فقال: دعوه فإن لصاحب الحق مقالاً، ثم أمر بإعطائه عليه الصلاة والسلام؛ فأسلم اليهودي وقال: إنما فعلت هذا لأني أعلم أن الرسل لا يزيدهم الإساءة إليهم ولا الأذى لهم إلا حلمًا، فبهذا علم نبوته فأسلم.

6091 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ هِشَامٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبِي، عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ أُمِّ سَلَمَةَ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ: أَنَّ أُمَّ سُلَيْمٍ قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ اللَّهَ لاَ يَسْتَحِي مِنَ الحَقِّ، هَلْ عَلَى المَرْأَةِ غُسْلٌ إِذَا احْتَلَمَتْ؟ قَالَ: نَعَمْ، إِذَا رَأَتِ المَاءَ فَضَحِكَتْ أُمُّ سَلَمَةَ، فَقَالَتْ: أَتَحْتَلِمُ المَرْأَةُ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: فَبِمَ شَبَهُ الوَلَدِ؟.

الشيخ: لولا أن لها ماءً لم يشبهها ولدها، الولد يخلق من المائين، فتارة يكون شبهه إلى أبيه وتارة إلى أمه وأخواله، تقدم في الحديث الصحيح: إذا سبق ماء الرجل ماء المرأة صار الشبه له، وإذا سبق ماؤها صار الشبه لها وفي اللفظ: إذا علا.

والشاهد من هذا كونه أقرّها على الضحك، ولم يقل لها: لم تضحكين؟! فدل على جواز الضحك من مثل هذا، يعني تعجبًا. قالت عائشة: نعم النساء نساء الأنصار لم يمنعهن الحياء أن يتفقهن في الدين، رضي الله عنهم وأرضاهم.

6092 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنَا عَمْرٌو، أَنَّ أَبَا النَّضْرِ، حَدَّثَهُ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: «مَا رَأَيْتُ النَّبِيَّ ﷺ مُسْتَجْمِعًا قَطُّ ضَاحِكًا، حَتَّى أَرَى مِنْهُ لَهَوَاتِهِ، إِنَّمَا كَانَ يَتَبَسَّمُ».

الشيخ: يعني هذا هو الغالب عليه، عليه الصلاة والسلام.

6093 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَحْبُوبٍ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ، وَقَالَ لِي خَلِيفَةُ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ ، أَنَّ رَجُلًا جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ يَوْمَ الجُمُعَةِ، وَهُوَ يَخْطُبُ بِالْمَدِينَةِ، فَقَالَ: قَحَطَ المَطَرُ، فَاسْتَسْقِ رَبَّكَ. فَنَظَرَ إِلَى السَّمَاءِ وَمَا نَرَى مِنْ سَحَابٍ، فَاسْتَسْقَى، فَنَشَأَ السَّحَابُ بَعْضُهُ إِلَى بَعْضٍ، ثُمَّ مُطِرُوا حَتَّى سَالَتْ مَثَاعِبُ المَدِينَةِ، فَمَا زَالَتْ إِلَى الجُمُعَةِ المُقْبِلَةِ مَا تُقْلِعُ، ثُمَّ قَامَ ذَلِكَ الرَّجُلُ أَوْ غَيْرُهُ، وَالنَّبِيُّ ﷺ يَخْطُبُ، فَقَالَ: غَرِقْنَا، فَادْعُ رَبَّكَ يَحْبِسْهَا عَنَّا، فَضَحِكَ ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ حَوَالَيْنَا وَلاَ عَلَيْنَا مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلاَثًا، فَجَعَلَ السَّحَابُ يَتَصَدَّعُ عَنِ المَدِينَةِ يَمِينًا وَشِمَالًا، يُمْطَرُ مَا حَوَالَيْنَا وَلاَ يُمْطِرُ مِنْهَا شَيْءٌ، يُرِيهِمُ اللَّهُ كَرَامَةَ نَبِيِّهِ ﷺ وَإِجَابَةَ دَعْوَتِهِ.

الشيخ: شف كلامه على أول حديث أول الترجمة؟

الطالب: قَوْلُهُ: بَابُ الْإِخَاءِ وَالْحِلْفِ، بِكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ اللَّامِ وَبِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِ اللَّامِ هُوَ الْمُعَاهَدَةُ.

الشيخ: اللي بعد هذا؟

الطالب: (قَوْلُهُ: بَابُ التَّبَسُّمِ وَالضَّحِكِ) قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ: التَّبَسُّمُ مَبَادِئُ الضَّحِكِ، وَالضَّحِكُ انْبِسَاطُ الْوَجْهِ حَتَّى تَظْهَرَ الْأَسْنَانُ مِنَ السُّرُورِ، فَإِنْ كَانَ بِصَوْتٍ وَكَانَ بِحَيْثُ يُسْمَعُ مِنْ بُعْدٍ فَهُوَ الْقَهْقَهَةُ، وَإِلَّا فَهُوَ الضَّحِكُ، وَإِنْ كَانَ بِلَا صَوْتٍ فَهُوَ التَّبَسُّمُ، وَتُسَمَّى الْأَسْنَانُ فِي مُقَدَّمِ الْفَمِ الضَّوَاحِكَ، وَهِيَ الثَّنَايَا وَالْأَنْيَابُ وَمَا يَلِيهَا وَتُسَمَّى النواجذ.

الشيخ: الرباعيات، الثنايا والرباعيات، والنواجذ اللي بعدها نعم؛ لأن الثنية جنبها الرباعية ثم الثنية ثم الناب..... الثنية ثنتان، والرباعيات أربع، والأنياب السادسة من هنا ومن هنا.

[مناقشة غير واضحة...]

الشيخ: أيش أول ما قال أعد؟

الطالب: قَوْلُهُ: بَابُ الْإِخَاءِ وَالْحِلْفِ، بِكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ اللَّامِ وَبِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِ اللَّامِ هُوَ الْمُعَاهَدَةُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُهَا فِي أَوَائِلِ الْهِجْرَةِ، قَوْلُهُ: آخَى النَّبِيُّ ﷺ بَيْنَ سَلْمَانَ وَأَبِي الدَّرْدَاءِ هُوَ طَرَفٌ مِنَ الْحَدِيثِ الَّذِي أَشَرْتُ إِلَيْهِ فِي الْبَابِ الَّذِي قَبْلَهُ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي بَابِ الْهِجْرَةِ إِلَى الْمَدِينَةِ أَنَّهُ ﷺ آخَى بَيْنَ الصَّحَابَةِ، وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ فِي الْأَدَبِ الْمُفْرَدِ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: آخَى النَّبِيُّ ﷺ بَيْنَ ابن مَسْعُودٍ وَالزُّبَيْرِ، وَالْأَحَادِيثُ فِي ذَلِكَ كَثِيرَةٌ شَهِيرَةٌ، وَذكر غير وَاحِد أَنه آخى ﷺ بَيْنَ أَصْحَابِهِ مَرَّتَيْنِ: مَرَّةً بَيْنَ الْمُهَاجِرِينَ فَقَطْ، وَمَرَّةً بَيْنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ.

الشيخ: ومن هذا المهاجرين ابن مسعود والزبير، كلاهما مهاجرين.

الطالب: قَوْلُهُ: وَقَالَ عَبْدِالرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ لَمَّا قَدِمْنَا الْمَدِينَةُ آخَى النَّبِيُّ ﷺ بَيْنِي وَبَيْنَ سَعْدِ بْنِ الرَّبِيعِ، فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: أَوْ لم وَلَوْ بِشَاةٍ هَذَا طَرَفٌ مِنْ حَدِيثٍ تَقَدَّمَ مَوْصُولًا فِي فَضَائِلِ الْأَنْصَارِ، وَقَدَّمْتُ شَيْئًا يَتَعَلَّقُ بِهِ فِي أَبْوَابِ الْوَلِيمَةِ.

قَوْلُهُ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ زَكَرِيَّا لِمُحَمَّدِ بْنِ الصَّبَّاحِ فِيهِ شَيْخٌ آخَرُ، فَإِنَّ مُسْلِمًا أَخْرَجَهُ عَنْهُ عَنْ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ عَنْ عَاصِمٍ، قَوْلُهُ: عَاصِمٌ هُوَ ابن سُلَيْمَانَ الْأَحْوَلُ، قَوْلُهُ: قُلْتُ لِأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَبَلَغَكَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: لَا حِلْفَ فِي الْإِسْلَامِ فَقَالَ: قَدْ حَالَفَ النَّبِيُّ ﷺ بَيْنَ قُرَيْشٍ وَالْأَنْصَارِ فِي دَارِي، وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ مِنْ رِوَايَةِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَة عَنْ عَاصِمٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ: حَالَفَ فَذَكَرَهُ بِلَفْظِ الْمُهَاجِرِينَ بَدَلَ قُرَيْشٍ، فَقِيلَ لَهُ: أَلَيْسَ قَالَ: لَا حِلْفَ فِي الْإِسْلَامِ قَالَ: قَدْ حَالَفَ فَذَكَرَ مِثْلَهُ، وَزَادَ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ بِنَحْوِهِ مُخْتَصَرًا، وَعُرِفَ مِنْ رِوَايَةِ الْبَابِ تَسْمِيَةُ السَّائِلِ عَنْ ذَلِكَ، وَذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الِاعْتِصَامِ مُخْتَصَرًا خَالِيًا عَنِ السُّؤَالِ، وَزَادَ فِي آخِرِهِ: وَقَنَتَ شَهْرًا يَدْعُو عَلَى أَحْيَاءٍ مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ، وَحَدِيثُ الْقُنُوتِ مِنْ طَرِيقِ عَاصِمٍ مَضَى فِي الْوِتْرِ وَغَيْرِهِ، وَأَمَّا الْحَدِيثُ الْمَسْئُولُ عَنْهُ فَهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: لَا حِلْفَ فِي الْإِسْلَامِ وَأَيُّمَا حِلْفٍ كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ لَمْ يَزِدْهُ الْإِسْلَامُ إِلَّا شِدَّةً، وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ وَلَفظه: [بياض في الأصل]، وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ فِي الْأَدَبِ الْمُفْرَدِ عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى نَحْوَهُ بِاخْتِصَارٍ، وَأَخْرَجَ أَيْضا أَحْمد وَأَبُو يعلى وَصَححهُ ابن حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِالرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ مَرْفُوعًا: شَهِدْتُ مَعَ عُمُومَتِي حِلْفَ الْمُطَيَّبِينَ فَمَا أُحِبُّ أَنْ أَنْكُثَهُ وَحِلْفُ الْمُطَيَّبِينَ كَانَ قبل المبعث بِمدَّة ذكره ابن إِسْحَاقَ وَغَيْرُهُ، وَكَانَ جَمْعٌ مِنْ قُرَيْشٍ اجْتَمَعُوا فَتَعَاقَدُوا عَلَى أَنْ يَنْصُرُوا الْمَظْلُومَ وَيُنْصِفُوا بَيْنَ النَّاسِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ خِلَالِ الْخَيْرِ.

الشيخ: وهذا معنى قوله: وما كان في الجاهلية من حلف لم يزده الإسلام إلا شدة يعني إن كان حلفًا مناسبًا موافقًا له، ولهذا ذكر في حلف المطيبين ما فيه؛ فدل ذلك على أن الحلف الذي يوافق الإسلام فالإسلام لا يزيده إلا قوة؛ لأنهم تعاقدوا أن ينصروا المظلوم وأن ينصفوه من الناس وألا يقروا في مكة ظالمًا.

الطالب: وَاسْتَمَرَّ ذَلِكَ بَعْدَ الْمَبْعَثِ، وَيُسْتَفَادُ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِالرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ أَنَّهُمُ اسْتَمَرُّوا عَلَى ذَلِكَ فِي الْإِسْلَامِ، وَإِلَى ذَلِكَ الْإِشَارَةُ فِي حَدِيثِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، وَتَضَمَّنَ جَوَابُ أَنَسٍ إِنْكَارَ صَدْرِ الْحَدِيثِ؛ لِأَنَّ فِيهِ نَفْيَ الْحِلْفِ، وَفِيمَا قَالَهُ هُوَ إِثْبَاتُهُ وَيُمْكِنُ الْجَمْعُ بِأَنَّ الْمَنْفِيَّ مَا كَانُوا يَعْتَبِرُونَهُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ مِنْ نَصْرِ الْحَلِيفِ وَلَوْ كَانَ ظَالِمًا، وَمِنْ أَخْذِ الثَّأْرِ مِنَ الْقَبِيلَةِ بِسَبَبِ قَتْلِ وَاحِدٍ مِنْهَا، وَمِنَ التَّوَارُثِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَالْمُثْبَتُ مَا عَدَا ذَلِكَ مِنْ نَصْرِ الْمَظْلُومِ وَالْقِيَامِ فِي أَمْرِ الدِّينِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنَ الْمُسْتَحَبَّاتِ الشَّرْعِيَّةِ كَالْمُصَادَقَةِ وَالْمُوَادَدَةِ وَحفظ الْعَهْد، وَقد تقدم حَدِيث ابن عَبَّاسٍ فِي نَسْخِ التَّوَارُثِ بَيْنَ الْمُتَعَاقِدَيْنِ، وَذَكَرَ الدَّاوُدِيُّ أَنَّهُمْ كَانُوا يُوَرِّثُونَ الْحَلِيفَ السُّدُسَ دَائِمًا فنسخ ذَلِك، وَقَالَ ابن عُيَيْنَةَ: حَمَلَ الْعُلَمَاءُ قَوْلَ أَنَسٍ حَالَفَ عَلَى الْمُؤَاخَاةِ، قُلْتُ: لَكِنْ سِيَاقُ عَاصِمٍ عَنْهُ يَقْتَضِي أَنه أَرَادَ المحالفة حَقِيقَة إِلَّا لما كَانَ الْجَوَابُ مُطَابِقًا، وَتَرْجَمَةُ الْبُخَارِيِّ ظَاهِرَةٌ فِي الْمُغَايَرَةِ بَيْنَهُمَا، وَتَقَدَّمَ فِي الْهِجْرَةِ إِلَى الْمَدِينَةِ بَابُ كَيْفَ آخَى النَّبِيُّ ﷺ بَيْنَ أَصْحَابِهِ وَذَكَرَ الْحَدِيثَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ هُنَا أَوَّلًا، وَلَمْ يَذْكُرْ حَدِيثَ الْحِلْفِ، وَتَقَدَّمَ مَا يتَعَلَّق بالمؤاخاة الْمَذْكُورَة هُنَاكَ، قَالَ النَّوَوِيُّ: الْمَنْفِيُّ حِلْفُ التَّوَارُثِ وَمَا يَمْنَعُ مِنْهُ الشَّرْعُ، وَأَمَّا التَّحَالُفُ عَلَى طَاعَةِ اللَّهِ وَنَصْرِ الْمَظْلُومِ وَالْمُؤَاخَاةِ فِي اللَّهِ تَعَالَى فَهُوَ أَمر مرغب فِيهِ.