92 من حديث: (استأذن حسان بن ثابت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم في هجاء المشركين..)

بَاب هِجَاءِ المُشْرِكِينَ

6150 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، حَدَّثَنَا عَبْدَةُ، أَخْبَرَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: اسْتَأْذَنَ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ فِي هِجَاءِ المُشْرِكِينَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: فَكَيْفَ بِنَسَبِي؟ فَقَالَ حَسَّانُ: لَأَسُلَّنَّكَ مِنْهُمْ كَمَا تُسَلُّ الشَّعَرَةُ مِنَ العَجِينِ.

وَعَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: ذَهَبْتُ أَسُبُّ حَسَّانَ عِنْدَ عَائِشَةَ، فَقَالَتْ: «لاَ تَسُبُّهُ، فَإِنَّهُ كَانَ يُنَافِحُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ».

6151 - حَدَّثَنَا أَصْبَغُ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عَبْدُاللَّهِ بْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّ الهَيْثَمَ بْنَ أَبِي سِنَانٍ، أَخْبَرَهُ: أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ، فِي قَصَصِهِ، يَذْكُرُ النَّبِيَّ ﷺيَقُولُ: إِنَّ أَخًا لَكُمْ لاَ يَقُولُ الرَّفَثَ يَعْنِي بِذَاكَ ابْنَ رَوَاحَةَ، قَالَ:

وَفِينَا رَسُولُ اللَّهِ يَتْلُو كِتَابَهُ إِذَا انْشَقَّ مَعْرُوفٌ مِنَ الفَجْرِ سَاطِعُ
أَرَانَا الهُدَى بَعْدَ العَمَى فَقُلُوبُنَا بِهِ مُوقِنَاتٌ أَنَّ مَا قَالَ وَاقِعُ
يَبِيتُ يُجَافِي جَنْبَهُ عَنْ فِرَاشِهِ إِذَا اسْتَثْقَلَتْ بِالكَافِرِينَ المَضَاجِعُ

تَابَعَهُ عُقَيْلٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ وَقَالَ الزُّبَيْدِيُّ عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيدٍ، وَالأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ.

الشيخ: وهذا مثل ما تقدم في الحديث السابق: إن من الشعر حكمة، الشعر أغلبه شر لا خير فيه، ولهذا جاء في الحديث الصحيح: لأن يمتلئ جوف أحدكم قيحًا خير له من أن يمتلئ شعرًا، والشعر خطره عظيم؛ لأنه في الغالب ذم ومدح، ذم بغير حق، ومدح بغير حق، بحسب الأهواء، وبحسب المقاصد والمطالب الدنيوية، وهذا وهو الغالب على الشعراء يمدحون إذا رضوا، ويذمون إذا غضبوا بغير حق، لكن فيهم الأخيار الذين قال فيهم سبحانه: إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيرًا وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا [الشعراء:227] فهؤلاء هم الناجون وهم ....... في قوله ﷺ: إن من الشعر حكمة منهم حسان، ومنهم عبدالله بن رواحة، ومنهم كعب بن مالك، ومنهم غيرهم من الشعراء من الصحابة ومن بعدهم الذين نصروا الحق ونظموا الشعر في الدعوة إلى الحق وذم الباطل؛ هؤلاء داخلون في قوله تعالى: إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيرًا وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا [الشعراء:227] ولهذا قال النبي في عبدالله بن رواحة: إن أخًا لكم لا يقول الرفث يعني شعره سليم، ومن شعره هذه الأبيات:

وَفِينَا رَسُولُ اللَّهِ يَتْلُو كِتَابَهُ إِذَا انْشَقَّ مَعْرُوفٌ مِنَ الفَجْرِ سَاطِعُ
أَرَانَا الهُدَى بَعْدَ العَمَى فَقُلُوبُنَا بِهِ مُوقِنَاتٌ أَنَّ مَا قَالَ وَاقِعُ
يَبِيتُ يُجَافِي جَنْبَهُ عَنْ فِرَاشِهِ إِذَا اسْتَثْقَلَتْ بِالكَافِرِينَ المَضَاجِعُ

ومنه شعر حسان في ذم المشركين وهجوهم حتى قال له النبي ﷺ: كيف بنسبي؟ قال: لأسلنك منهم كما تسل الشعرة من العجين! يعني سوف أذمهم وأهجوهم مع سلامة نسبك منهم .. ويقول له: اهجهم فوالذي نفسي بيده إنه لأشد عليهم من وقع النبل، ويقول: اللهم أيده بروح القدس؛ لأن الشعر في نصر الحق وفي تأييد الحق وفي ذم الباطل أمر مطلوب، وهو الذي قام به شعراء الإسلام مثل: حسان، وكعب، وعبدالله بن رواحة، وغيرهم، فشعراء الإسلام كلهم جعلوا شعرهم كله في: ذم الباطل، والانتصار للحق وتأييد أهله، والدعوة إليه، والتشجيع على الجهاد، والترغيب في الخير، والبذل في المعروف، إلى غير هذا من المقاصد الحسنة. أعد شعر عبدالله بن رواحة.

الطالب:

وَفِينَا رَسُولُ اللَّهِ يَتْلُو كِتَابَهُ إِذَا انْشَقَّ مَعْرُوفٌ مِنَ الفَجْرِ سَاطِعُ
أَرَانَا الهُدَى بَعْدَ العَمَى فَقُلُوبُنَا بِهِ مُوقِنَاتٌ أَنَّ مَا قَالَ وَاقِعُ
يَبِيتُ يُجَافِي جَنْبَهُ عَنْ فِرَاشِهِ إِذَا اسْتَثْقَلَتْ بِالكَافِرِينَ المَضَاجِعُ

6152 - حَدَّثَنَا أَبُو اليَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، ح وحَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَخِي، عَنْ سُلَيْمَانَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي عَتِيقٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِالرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، أَنَّهُ سَمِعَ حَسَّانَ بْنَ ثَابِتٍ الأَنْصَارِيَّ يَسْتَشْهِدُ أَبَا هُرَيْرَةَ، فَيَقُولُ: يَا أَبَا هُرَيْرَةَ، نَشَدْتُكَ بِاللَّهِ، هَلْ سَمِعْتَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: يَا حَسَّانُ، أَجِبْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ، اللَّهُمَّ أَيِّدْهُ بِرُوحِ القُدُسِ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: نَعَمْ.

6153 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ، عَنِ البَرَاءِ ، أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ لِحَسَّانَ: اهْجُهُمْ - أَوْ قَالَ: هَاجِهِمْ - وَجِبْرِيلُ مَعَكَ.

الشيخ: وهو روح القدس، النبي قال: اللَّهُمَّ أَيِّدْهُ برُوحِ القُدُسِ هو جبرائيل عليه الصلاة والسلام وهو الروح الأمين عليه الصلاة والسلام.

بَاب مَا يُكْرَهُ أَنْ يَكُونَ الغَالِبَ عَلَى الإِنْسَانِ الشِّعْرُ، حَتَّى يَصُدَّهُ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَالعِلْمِ وَالقُرْآنِ

6154 - حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى، أَخْبَرَنَا حَنْظَلَةُ، عَنْ سَالِمٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: لَأَنْ يَمْتَلِئَ جَوْفُ أَحَدِكُمْ قَيْحًا خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَمْتَلِئَ شِعْرًا.

 

الشيخ: مثل ما تقدم، يعني مثل ما قال المؤلف، يعني: التحذير من الاستكثار منه، وأن يمتلئ القلب منه؛ لأنه إذا امتلأ القلب منه صده عن الخير وأشغله عن الخير؛ لكن يقول حسب الحاجة، ينظم الشعر حسب الحاجة، مثل المصالح العامة، ولا يكون هو همه، وهو الغالب عليه، لا، ولكن ينظم الشعر، ويقوله حسب الحاجة والدعوة التي تقتضي ذلك من تأييد حق ونصره وذم الباطل وتهديمه، ولهذا قال: لأن يمتلئ جوف أحدكم قيحًا وفي بعض الروايات: ... خير له من أن يمتلئ شعرًا، فدل على أنه إذا كان ليس بامتلاء وإنما يحصل في جوفه بعض الشيء من شعر الحق لا يضره ذلك.

6155 - حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: لَأَنْ يَمْتَلِئَ جَوْفُ رَجُلٍ قَيْحًا يَرِيهِ خَيْرٌ مِنْ أَنْ يَمْتَلِئَ شِعْرًا.

الشيخ: أيش قال عليه "يريه"؟

الطالب: حَتَّى يَرِيَهُ، وَهَذِهِ الزِّيَادَةُ ثَابِتَةٌ فِي الْأَدَبِ الْمُفْرَدِ عَنِ الشَّيْخِ الَّذِي أَخْرَجَهُ عَنْهُ هُنَا، وَكَذَلِكَ رِوَايَةُ النَّسَفِيِّ وَنَسَبَهَا بَعْضُهُمْ لِلْأَصِيلِيِّ وَلِسَائِرِ رُوَاةِ الصَّحِيحِ، قَيْحًا يَرِيهِ بِإِسْقَاطِ حَتَّى، وَأخرجه مُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وابن ماجة وَأَبُو عوَانَة وابن حِبَّانَ مِنْ طُرُقٍ عَنِ الْأَعْمَشِ فِي أَكْثَرِهَا حَتَّى يَرِيَهُ، وَوَقَعَ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ مِنْ وَجْهٍ آخر عَن سَالم عَن ابن عمر بِلَفْظ حَتَّى يرِيه أَيْضا، قَالَ ابن الْجَوْزِيِّ وَقَعَ فِي حَدِيثِ سَعْدٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ: حَتَّى يَرِيَهُ، وَفِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ بِإِسْقَاطِ حَتَّى، فَعَلَى ثُبُوتِهَا يُقْرَأُ: "يَرِيَهِ" بِالنَّصْبِ وَعَلَى حَذْفِهَا بِالرَّفْعِ، قَالَ: وَرَأَيْتُ جَمَاعَةً مِنَ الْمُبْتَدِئِينَ يَقْرَءُونَهَا بِالنَّصْبِ مَعَ إِسْقَاطِ "حَتَّى"؛ جَرْيًا عَلَى الْمَأْلُوفِ وَهُوَ غَلَطٌ، إِذْ لَيْسَ هُنَا مَا ينصب، وَذكر أَن ابن الْخَشَّابِ نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ، وَوَجَّهَ بَعْضَهُمُ النَّصْبَ عَلَى بَدَلِ الْفِعْلِ مِنَ الْفِعْلِ وَإِجْرَاءِ إِعْرَابٍ يَمْتَلِئُ عَلَى يَرِيَهُ، وَوَقَعَ فِي حَدِيثِ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ عِنْدَ الطَّحَاوِيِّ وَالطَّبَرَانِيِّ: لَأَنْ يَمْتَلِئَ جَوْفُ أَحَدِكُمْ مِنْ عَانَتِهِ إِلَى لَهَاتِهِ قَيْحًا يتخضخض خير لَهُ من أَن يمتلئ شِعْرًا وَسَنَدُهُ حَسَنٌ، وَوَقَعَ فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ لِهَذَا الْحَدِيثِ سَبَبٌ، وَلَفْظُهُ: بَيْنَمَا نَحْنُ نَسِيرُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ بِالْعَرَجِ إِذْ عَرَضَ لَنَا شَاعِرٌ يُنْشِدُ فَقَالَ: أَمْسِكُوا الشَّيْطَانَ لَأَنْ يَمْتَلِئَ فَذَكَرَهُ، وَيَرِيَهُ بِفَتْحِ الْيَاءِ آخِرُ الْحُرُوفِ بَعْدَهَا رَاءٌ ثُمَّ يَاءٌ أُخْرَى، قَالَ الْأَصْمَعِيُّ: هُوَ مِنَ الْوَرْيِ بِوَزْنِ الرَّمْيِ، يُقَالُ: مِنْهُ رَجُلٌ مَوْرَى غَيْرُ مَهْمُوزٍ وَهُوَ أَنْ يُورَى جَوْفُهُ، وَأَنْشَدَ: قَالَتْ لَهُ وَرْيًا إِذَا تَنَحْنَحَ، تَدْعُو عَلَيْهِ بِذَلِكَ، وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: الْوَرْيُ هُوَ أَن يَأْكُل الْقَيْح جَوْفه، وَحكى ابن التِّينِ فِيهِ الْفَتْحَ بِوَزْنِ الْفَرْيِ وَهُوَ قَوْلُ الْفَرَّاءِ، وَقَالَ ثَعْلَبٌ: هُوَ بِالسُّكُونِ الْمَصْدَرُ وَبِالْفَتْحِ الِاسْمُ، وَقِيلَ: مَعْنَى قَوْلِهِ حَتَّى يَرِيَهُ أَيْ يُصِيبَ رِئَتَهُ، وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ الرِّئَةَ مَهْمُوزَةٌ فَإِذَا بَنَيْتَ مِنْهُ فِعْلًا قُلْتَ: رَأَهُ يَرْأَهُ فَهُوَ مَرْئِيٌّ. انْتَهَى.

وَلَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ أَصْلِهَا مَهْمُوزًا أَنْ لَا تُسْتَعْمَلَ مُسَهَّلَةً وَيُقَرِّبُ ذَلِكَ أَنَّ الرِّئَةَ إِذَا امْتَلَأَتْ قَيْحًا يَحْصُلُ الْهَلَاك،ُ وَأما قَوْله: جَوف أحدكُم، فَقَالَ ابن أَبِي جَمْرَةَ: يَحْتَمِلُ ظَاهِرُهُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ جَوْفَهُ كُلَّهُ وَمَا فِيهِ مِنَ الْقَلْبِ وَغَيْرِهِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ الْقَلْبَ خَاصَّةً وَهُوَ الْأَظْهَرُ؛ لِأَنَّ أَهْلَ الطِّبِّ يَزْعُمُونَ أَنَّ الْقَيْحَ إِذَا وَصَلَ إِلَى الْقَلْبِ شَيْءٌ مِنْهُ وَإِنْ كَانَ يَسِيرًا فَإِنَّ صَاحِبَهُ يَمُوتُ لَا مَحَالَةَ، بِخِلَافِ غَيْرِ الْقَلْبِ مِمَّا فِي الْجَوْفِ مِنَ الْكَبِدِ وَالرِّئَةِ، قُلْتُ: وَيُقَوِّي الِاحْتِمَالَ الْأَوَّلَ رِوَايَةُ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ: لَأَنْ يَمْتَلِئَ جَوْفُ أَحَدِكُمْ مِنْ عَانَتِهِ إِلَى لَهَاتِهِ وَتَظْهَرُ مُنَاسَبَتُهُ لِلثَّانِي لِأَنَّ مُقَابِلَهُ وَهُوَ الشِّعْرُ مَحَلُّهُ الْقلب؛ لِأَنَّهُ ينشأ عَن الْفِكر، وَأَشَارَ بن أَبِي جَمْرَةَ إِلَى عَدَمِ الْفَرْقِ فِي امْتِلَاءِ الْجَوْفِ مِنَ الشِّعْرِ بَيْنَ مَنْ يُنْشِئُهُ أَوْ يَتَعَانَى حِفْظَهُ مِنْ شِعْرِ غَيْرِهِ.

الشيخ: يكفي يكفي.

بَاب قَوْلِ النَّبِيِّ ﷺ: تَرِبَتْ يَمِينُكِ، وَعَقْرَى حَلْقَى

6156 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: إِنَّ أَفْلَحَ أَخَا أَبِي القُعَيْسِ اسْتَأْذَنَ عَلَيَّ بَعْدَ مَا نَزَلَ الحِجَابُ، فَقُلْتُ: وَاللَّهِ لاَ آذَنُ لَهُ حَتَّى أَسْتَأْذِنَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ، فَإِنَّ أَخَا أَبِي القُعَيْسِ لَيْسَ هُوَ أَرْضَعَنِي، وَلَكِنْ أَرْضَعَتْنِي امْرَأَةُ أَبِي القُعَيْسِ، فَدَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ الرَّجُلَ لَيْسَ هُوَ أَرْضَعَنِي، وَلَكِنْ أَرْضَعَتْنِي امْرَأَتُهُ؟ قَالَ: ائْذَنِي لَهُ، فَإِنَّهُ عَمُّكِ تَرِبَتْ يَمِينُكِ قَالَ عُرْوَةُ: فَبِذَلِكَ كَانَتْ عَائِشَةُ، تَقُولُ: حَرِّمُوا مِنَ الرَّضَاعَةِ مَا يَحْرُمُ مِنَ النَّسَبِ.

الشيخ: وهذا جاء صريحًا عن النبي ﷺ أنه قال: يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب وأن الرضاعة تشمل الفحل والمرأة جميعًا، الرضاع يتعلق بالجانبين: جانب الوالد وجانب المرضعة كالنسب سواء، ولهذا قال: ائذني له فإنه عمك لما أرضعت زوجة أبي القعيس عائشة صار إخوانه أعمامًا لها، يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب فيكون أخو الزوج عمًّا وأبوه جدًّا وأولاده إخوة، وهكذا الأم المرضعة تكون أمًّا وأولادها إخوة وإخوتها أخوالًا وأبوها جدًّا يعني من الرضاع.

.................

6157 - حَدَّثَنَا آدَمُ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، حَدَّثَنَا الحَكَمُ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الأَسْوَدِ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: أَرَادَ النَّبِيُّ ﷺ أَنْ يَنْفِرَ، فَرَأَى صَفِيَّةَ عَلَى بَابِ خِبَائِهَا كَئِيبَةً حَزِينَةً، لِأَنَّهَا حَاضَتْ، فَقَالَ: عَقْرَى حَلْقَى - لُغَةٌ لِقُرَيْشٍ - إِنَّكِ لَحَابِسَتُنَا ثُمَّ قَالَ: أَكُنْتِ أَفَضْتِ يَوْمَ النَّحْرِ - يَعْنِي الطَّوَافَ - قَالَتْ: نَعَمْ، قَالَ: فَانْفِرِي إِذًا.

الشيخ: الشاهد قوله: (عقرى حلقى) ........ يعني أن هذا الكلام يقع على اللسان من غير قصد ليس القصد الدعاء؛ ولكنه يقع في كلام العرب، واستعمله النبي ﷺ وقال: إنه عمك تربت يمينك يقال في تأكيد الأحكام، في تأكيد الكلام، إذا كان الذي تكلم قد غلط، كذلك: عقرى حلقى مما يجري على اللسان من غير قصد، ليس مقصوده أنها عقراء ساقطة ... حلقاء .. وجع الحلق لكن مما يأتي هذا في اللسان من غير قصد إما للتأكيد أو للتوبيخ أو ما أشبه ذلك، ومثل قوله: ثكلتك أمك يا معاذ -يعني فقدتك- وهل يكب الناس في النار على وجوههم أو قال على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم هذا يقال على ألسنة العرب: تربيت يمينك، عقراء حلقاء، ثكلتك أمك، وما أشبه ذلك من الكلمات التي قد تقع إما تأكيدًا لشيء وإما توبيخًا على شيء.

بَاب مَا جَاءَ فِي زَعَمُوا

6158 - حَدَّثَنَا عَبْدُاللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ أَبِي النَّضْرِ، مَوْلَى عُمَرَ بْنِ عُبَيْدِاللَّهِ، أَنَّ أَبَا مُرَّةَ، مَوْلَى أُمِّ هَانِئٍ بِنْتِ أَبِي طَالِبٍ، أَخْبَرَهُ أَنَّهُ سَمِعَ أُمَّ هَانِئٍ بِنْتَ أَبِي طَالِبٍ، تَقُولُ: ذَهَبْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ عَامَ الفَتْحِ، فَوَجَدْتُهُ يَغْتَسِلُ وَفَاطِمَةُ ابْنَتُهُ تَسْتُرُهُ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَقَالَ: مَنْ هَذِهِ فَقُلْتُ: أَنَا أُمُّ هَانِئٍ بِنْتُ أَبِي طَالِبٍ، فَقَالَ: مَرْحَبًا بِأُمِّ هَانِئٍ فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ غُسْلِهِ قَامَ فَصَلَّى ثَمَانِيَ رَكَعَاتٍ، مُلْتَحِفًا فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ، فَلَمَّا انْصَرَفَ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، زَعَمَ ابْنُ أُمِّي أَنَّهُ قَاتِلٌ رَجُلًا قَدْ أَجَرْتُهُ، فُلاَنُ بْنُ هُبَيْرَةَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: قَدْ أَجَرْنَا مَنْ أَجَرْتِ يَا أُمَّ هَانِئٍ قَالَتْ أُمُّ هَانِئٍ: وَذَاكَ ضُحًى.

الشيخ: وهذا معنى زعم، يعني قال، زعم تستعمل بمعنى قال فلان، وتستعمل لمعنى الكذب، زعم فلان كذا يعني كذب، قال تعالى: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ [النساء:60] يعني كذبوا بزعمهم، وتطلق زعم بمعنى قال: كذا وكذا، مثل قول أم هانئ: زعم ابن أمي يعني عليًّا رضي الله عنه وأرضاه، ومثل قول ضمام ابن ثعلبة: زعم رسولك أنك قلت كذا وكذا يعني: قال رسولك، وفي هذا دلالة على أن المرأة يجار من أجارت، ولهذا قال: قد أجرنا من أجرت يا أم هانئ، ومن هذا الحديث حديث: المسلمون تتكافأ دماؤهم، ويسعى في ذمتهم أدناهم، وهم يد على من سواهم فإذا أجار أحد منهم أحدًا من المشركين يُجار حتى ينظر فيه ولي الأمر؛ فإذا رأى ولي الأمر أن إجارته مناسبة أجاره وإلا رده إلى مأمنه، ولا يجوز له التعدي بعدما أجاره المسلم حتى ينظر فيه ولي الأمر.

س:.....

الشيخ: بعض أهل العلم سماها صلاة الفتح، وبعضهم قال: إنها سنة الضحى، والأقرب أنها تابعة لهذا وهذا، صلاة الضحى سُنة وقُربة، ويسُن لمن فتح الله عليه أن يفعلها كفعله ﷺ، فعله ﷺ يفعل هذه الركعات شكرًا لله عز وجل على ما منّ به من الفتح.

وفي هذا السلام على النساء وإن كن غير محارم، أم هانئ بنت عم وليست مَحْرمًا، هي بنت عمه وردّ عليها السلام وقال: مرحبًا بأم هانئ وفيه حُسن خلقه ﷺ وتواضعه، فلم يستكبر عليها، ولم يعرض عنها؛ بل قال: مرحبًا بأم هانئ.

......................

6166 - حَدَّثَنَا عَبْدُاللَّهِ بْنُ عَبْدِالوَهَّابِ، حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ الحَارِثِ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ وَاقِدِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ زَيْدٍ، سَمِعْتُ أَبِي، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: وَيْلَكُمْ أَوْ وَيْحَكُمْ - قَالَ شُعْبَةُ: شَكَّ هُوَ - لاَ تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّارًا، يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ وَقَالَ النَّضْرُ، عَنْ شُعْبَةَ: وَيْحَكُمْ وَقَالَ عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ: وَيْلَكُمْ، أَوْ وَيْحَكُمْ.

6167 - حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَاصِمٍ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ: أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ البَادِيَةِ أَتَى النَّبِيَّ ﷺ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَتَى السَّاعَةُ قَائِمَةٌ؟ قَالَ: وَيْلَكَ، وَمَا أَعْدَدْتَ لَهَا قَالَ: مَا أَعْدَدْتُ لَهَا إِلَّا أَنِّي أُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ، قَالَ: إِنَّكَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ فَقُلْنَا: وَنَحْنُ كَذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ فَفَرِحْنَا يَوْمَئِذٍ فَرَحًا شَدِيدًا،

الشيخ: لا شك أنها........ عظيمة، وأن المسلم مع من أحب، من أحب الله ورسوله وأحب المؤمنين هو معهم، ومن أحب الكفرة فهو معهم، .. ومعلوم أن الإنسان إذا أحب قومًا اجتهد في أن يلتحق بهم، وأن يعمل بأعمالهم، ولكن قد لا يساويهم في كل شيء، فمن رحمة الله أنه يلحقه بهم ويجعله معهم وإن قَصُرت به الحال عن مثل أعمالهم بحبه لهم وحرصه على التأسي بهم، والله المستعان.

 فَمَرَّ غُلاَمٌ لِلْمُغِيرَةِ وَكَانَ مِنْ أَقْرَانِي، فَقَالَ: إِنْ أُخِّرَ هَذَا، فَلَنْ يُدْرِكَهُ الهَرَمُ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ وَاخْتَصَرَهُ شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ، سَمِعْتُ أَنَسًا، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ.

الشيخ: أيش قال على: فمر غلام؟

الطالب: قَوْلُهُ: فَقَالَ إِنْ أُخِّرَ هَذَا فَلَمْ يُدْرِكْهُ الْهَرَمُ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ: فَلَنْ، وَكَذَا لِمُسْلِمٍ وَهِيَ أَوْلَى، وَفِي رِوَايَةِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ: إِنْ يَعِشْ هَذَا الْغُلَامُ فَعَسَى أَنْ لَا يُدْرِكَهُ الْهَرَمُ، وَفِي رِوَايَةِ مَعْبَدِ بْنِ هِلَالٍ: لَئِنْ عَمَّرَ هَذَا لَمْ يُدْرِكْهُ الْهَرَمُ، كَذَا فِي الطُّرُقِ كُلِّهَا بِإِسْنَادِ الْإِدْرَاكِ لِلْهَرَمِ، وَلَوْ أُسْنِدَ لِلْغُلَامِ لَكَانَ سَائِغًا؛ وَلَكِنْ أُشِيرَ بِالْأَوَّلِ إِلَى أَنَّ الْأَجَلَ كَالْقَاصِدِ لِلشَّخْصِ، قَوْلُهُ: حَتَّى تقوم السَّاعَة، وَقع فِي رِوَايَة الباوردي الَّتِي أَشَرْتُ إِلَيْهَا بَدَلَ قَوْلِهِ: حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ لَا يَبْقَى مِنْكُمْ عَيْنٌ تَطْرِفُ، وَبِهَذَا يَتَّضِحُ الْمُرَادُ، وَلَهُ فِي أُخْرَى: مَا مِنْ نَفْسٍ مَنْفُوسَةٍ يَأْتِي عَلَيْهَا مِائَةُ سَنَةٍ..، وَهَذَا نَظِيرُ قَوْلُهُ ﷺ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي تَقَدَّمَ بَيَانُهُ فِي الْعِلْمِ أَنَّهُ قَالَ لِأَصْحَابِهِ فِي آخِرِ عُمْرِه:ِ أَرَأَيْتُكُمْ لَيْلَتَكُمْ هَذِهِ فَإِنَّ عَلَى رَأْسِ مِائَةِ سَنَةٍ مِنْهَا لَا يَبْقَى عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ مِمَّنْ هُوَ الْيَوْمُ عَلَيْهَا أَحَدٌ وَكَانَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ ذَلِكَ الْعَصْرِ يَظُنُّونَ أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّ الدُّنْيَا تَنْقَضِي بَعْدَ مِائَةِ سَنَةٍ؛ فَلِذَلِكَ قَالَ الصَّحَابِيُّ: فَوَهِلَ النَّاسُ فِيمَا يَتَحَدَّثُونَ مِنْ مِائَةِ سَنَةٍ وَإِنَّمَا أَرَادَ ﷺ بِذَلِكَ انْخِرَامَ قَرْنِهِ، أَشَارَ إِلَى ذَلِكَ عِيَاضٌ مُخْتَصَرًا، قُلْتُ: وَوَقَعَ فِي الْخَارِجِ كَذَلِكَ فَلَمْ يَبْقَ مِمَّنْ كَانَ مَوْجُودًا عِنْدَ مَقَالَتِهِ تِلْكَ عِنْدَ اسْتِكْمَالِ مِائَةِ سَنَةٍ مِنْ سَنَةِ مَوْتِهِ أَحَدٌ، وَكَانَ آخِرُ مَنْ رَأَى النَّبِيَّ ﷺ مَوْتًا أَبُو الطُّفَيْلِ عَامِرُ بْنُ وَاثِلَة كَمَا ثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ، وَقَالَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ بَعْدَ أَنْ قَرَّرَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالسَّاعَةِ سَاعَةُ الَّذِينَ كَانُوا حَاضِرِينَ عِنْدَ النَّبِيِّ ﷺ وَأَنَّ الْمُرَادَ مَوْتُهُمْ وَأَنَّهُ أَطْلَقَ عَلَى يَوْمِ مَوْتِهِمُ اسْمَ السَّاعَةِ لِإِفْضَائِهِ بِهِمْ إِلَى أُمُورِ الْآخِرَةِ، وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ اسْتَأْثر بِعلم وَقت قِيَامِ السَّاعَةِ الْعُظْمَى كَمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ الْآيَاتُ وَالْأَحَادِيثُ الْكَثِيرَةُ، قَالَ: وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ الْمُبَالَغَةَ فِي تَقْرِيبِ قِيَامِ السَّاعَةِ لَا التَّحْدِيدَ كَمَا قَالَ فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ: بُعِثْتُ أَنَا وَالسَّاعَةُ كَهَاتَيْنِ وَلَمْ يُرِدْ أَنَّهَا تَقُومُ عِنْدَ بُلُوغِ الْمَذْكُورِ الْهَرَمَ، قَالَ: وَهَذَا عَمَلٌ شَائِعٌ لِلْعَرَبِ يُسْتَعْمَلُ لِلْمُبَالَغَةِ عِنْدَ تَفْخِيمِ الْأَمْرِ وَعِنْدَ تَحْقِيرِهِ وَعِنْدَ تَقْرِيبِ الشَّيْءِ وَعِنْدَ تَبْعِيدِهِ، فَيَكُونُ حَاصِلُ الْمَعْنَى أَنَّ السَّاعَةَ تَقُومُ قَرِيبًا جِدًّا، وَبِهَذَا الِاحْتِمَالِ الثَّانِي جَزَمَ بَعْضُ شُرَّاحِ الْمَصَابِيحِ وَاسْتَبْعَدَهُ بَعْضُ شُرَّاحِ الْمَشَارِقِ، وَقَالَ الدَّاوُدِيُّ: الْمَحْفُوظُ أَنَّهُ ﷺ قَالَ ذَلِكَ لِلَّذِينَ خَاطَبَهُمْ بِقَوْلِهِ: تَأْتِيكُمْ سَاعَتُكُمْ يَعْنِي بِذَلِكَ مَوْتَهُمْ لِأَنَّهُمْ كَانُوا أَعْرَابًا فَخَشِيَ أَنْ يَقُولَ لَهُمْ لَا أَدْرِي مَتَى السَّاعَةُ فَيَرْتَابُوا فَكَلَّمَهُمْ بِالْمَعَارِيضِ، وَكَأَنَّهُ أَشَارَ إِلَى حَدِيثِ عَائِشَةَ الَّذِي أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ: كَانَ الْأَعْرَابُ إِذَا قَدِمُوا عَلَى النَّبِيِّ ﷺ سَأَلُوهُ عَنِ السَّاعَةِ مَتَى السَّاعَةُ فَيَنْظُرُ إِلَى أَحْدَثِ إِنْسَانٍ مِنْهُمْ سِنًّا فَيَقُولُ: إِنْ يَعِشْ هَذَا حَتَّى يُدْرِكَهُ الْهَرَمُ قَامَتْ عَلَيْكُمْ سَاعَتُكُمْ قَالَ عِيَاضٌ وَتَبِعَهُ الْقُرْطُبِيُّ: هَذِهِ رِوَايَةٌ وَاضِحَةٌ تُفَسِّرُ كُلَّ مَا وَرَدَ مِنَ الْأَلْفَاظِ الْمُشْكِلَةِ فِي غَيْرِهَا، وَأَمَّا قَوْلُ النَّوَوِيِّ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ ﷺ أَرَادَ أَنْ الْغُلَامَ الْمَذْكُورَ لَا يُؤَخَّرُ وَلَا يُعَمَّرُ وَلَا يَهْرَمُ أَيْ فَيَكُونُ الشَّرْطُ لَمْ يَقَعْ فَكَذَلِكَ لَمْ يَقَعِ الْجَزَاءُ فَهُوَ تَأْوِيلٌ بَعِيدٌ وَيَلْزَمُ مِنْهُ اسْتِمْرَارُ الْإِشْكَالِ؛ لِأَنَّهُ إِنْ حَمَلَ السَّاعَةَ عَلَى انْقِرَاضِ الدُّنْيَا وَحُلُولِ أَمْرِ الْآخِرَةِ كَانَ مُقْتَضَى الْخَبَرِ أَنَّ الْقَدْرَ الَّذِي كَانَ بَيْنَ زَمَانِهِ ﷺ وَبَيْنَ ذَلِكَ بِمِقْدَارِ مَا لَوْ عَمَّرَ ذَلِكَ الْغُلَامُ إِلَى أَنْ يَبْلُغَ الْهَرَمَ، وَالْمُشَاهَدُ خِلَافُ ذَلِكَ، وَإِنْ حَمَلَ السَّاعَةَ عَلَى زَمَنٍ مَخْصُوصٍ رَجَعَ إِلَى التَّأْوِيلِ الْمُتَقَدِّمِ، وَلَهُ أَنْ يَنْفَصِلَ عَنْ ذَلِكَ بِأَنَّ سِنَّ الْهَرَمِ لَا حَدَّ لِقَدْرِهِ، وَقَالَ الْكِرْمَانِيُّ: يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْجَزَاءُ مَحْذُوفًا كَذَا قَالَ، قَوْلُهُ: وَاخْتَصَرَهُ شُعْبَةُ.

الشيخ: المقصود من هذا كله أنه أراد بذلك أن هؤلاء الموجودين لا تمضي مائة سنة إلا وقد انقرضوا، وأن الله أطلعه على ذلك وأخبره بهذا فأطلعهم عليه، وأنه لا يمضي مائة عام من ساعة إخباره في آخر حياته عليه الصلاة والسلام ومن الموجودين عين تطرف، بل تنقضي أعمارهم وتنتهي آجالهم، وهي ساعتهم.

وفيه أن من مات فقد قامت قيامته وحضرت ساعته، أما الساعة العظمى فهي التي تكون في آخر الزمان، والله الذي استأثرها بعلمه سبحانه وتعالى ولم يطلع عليها أحد، فلها وقت يأتي لا بدّ من قيامه بعدما يذهب أهل الإسلام وينتهي أهل الإيمان ولا يبقى إلا الأشرار فعليهم تقوم الساعة؛ فعلمها عند الله ، كما قال تعالى: يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لَا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ [الأعراف:187] فالمقصود أن هذه ساعة مخصوصة وهي ساعة آجال من كان حاضرًا في آخر حياته عليه الصلاة والسلام، فإنها لا تمضي مائة عام إلا وقد انتهت ساعتهم، وقامت ساعتهم، ولا يبق منهم أحد.

بَاب عَلاَمَةِ حُبِّ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ

لِقَوْلِهِ: إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ [آل عمران:31]

6168 - حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ خَالِدٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ سُلَيْمَانَ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ عَبْدِاللَّهِ: عَنِ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ قَالَ: المَرْءُ مَعَ مَنْ أَحَبَّ.

6169 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، قَالَ: قَالَ عَبْدُاللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ : جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَيْفَ تَقُولُ فِي رَجُلٍ أَحَبَّ قَوْمًا وَلَمْ يَلْحَقْ بِهِمْ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: المَرْءُ مَعَ مَنْ أَحَبَّ تَابَعَهُ جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ، وَسُلَيْمَانُ بْنُ قَرْمٍ، وَأَبُو عَوَانَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ عَبْدِاللَّهِ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ.

الشيخ: وهذه بشارة لأهل الإسلام بهذا الأمر العظيم: وهو أن المرء مع من أحب، قال أنس رضي الله عنه: لقد فرح بهذا أصحاب النبي ﷺ، وإني لأحب الله وأحب رسوله وأحب أبا بكر وعمر وأرجو أن أحشر معهم، فالمقصود أن المرء في هذه الدنيا مع من أحب، فمن أحب الله ورسوله وأحب أهل الصلاح والاستقامة حشر معهم، ولا بدّ أن هذا الحب يحمله على أن يجد في الطلب ويجتهد في اللحاق بالأعمال الصالحات والمسارعة إلى الخيرات؛ لأن هذا هو تحقيق الحب: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ [آل عمران:31] فالمحب الصادق يجتهد في اللحاق في المحبوبين في أعمالهم وأخلاقهم وسيرتهم وسائر ما هم عليه من الخير، ولكنه قد تقصر به الأمور فلا يكون معهم في كل عمل، قد يكونون أقوى منه، قد يكونون أسبق منه إلى بعض الأعمال لكن يجبر النقص ويلحقه بهم، وقد يُقتلون في الجهاد ولا يُقتل، ويعمرون عمرًا طويلا ولا يعمر مثلهم، وقد يدركون أعمالًا لما أعطاهم الله من أموال ونشاط وقوة، ولا يدرك ذلك لكنه معهم في حبه وحرصه على اللحاق بهم في أعمالهم الصالحة، وفي اللفظ الآخر أن رجلًا قال: يا رسول الله، متى الساعة؟ قال: ما أعددت لها؟ قال: ما أعددت لها من كثير صلاة ولا صوم، ولكني أحب الله ورسوله، قال: أنت مع من أحببت فهذا من جنس المرء مع من أحب وليس معنى هذا أنه يحبهم ويتأخر عن أعمالهم، فليس هذا معنى المعنى فإنه ليس بصادق من أحب قومًا وتأخر عن أعمالهم عمدًا ، فإنه ليس بصادق في دعوى الحق وإنما المحب هو الذي يجتهد في اللحاق في المحبوبين في أعمالهم وخلالهم الطيبة وصفاتهم الحميدة، وينجبر نقصه بحبه لهم فيما قد يفوته من أعمالهم، والله المستعان.

س: والعكس بالعكس؟

الشيخ: نعم، من أحب الكفرة ونحوهم صار معهم، نسأل الله العافية.

6170 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ أَبِي مُوسَى، قَالَ: قِيلَ لِلنَّبِيِّ ﷺ: الرَّجُلُ يُحِبُّ القَوْمَ وَلَمَّا يَلْحَقْ بِهِمْ؟ قَالَ: المَرْءُ مَعَ مَنْ أَحَبَّ تَابَعَهُ أَبُو مُعَاوِيَةَ، وَمُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ.

6171 - حَدَّثَنَا عَبْدَانُ، أَخْبَرَنَا أَبِي، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الجَعْدِ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ: أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبِيَّ ﷺ: مَتَى السَّاعَةُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: مَا أَعْدَدْتَ لَهَا قَالَ: مَا أَعْدَدْتُ لَهَا مِنْ كَثِيرِ صَلاَةٍ وَلاَ صَوْمٍ وَلاَ صَدَقَةٍ، وَلَكِنِّي أُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ، قَالَ: أَنْتَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ.

بَاب قَوْلِ الرَّجُلِ لِلرَّجُلِ اخْسَأْ

6172 - حَدَّثَنَا أَبُو الوَلِيدِ، حَدَّثَنَا سَلْمُ بْنُ زَرِيرٍ، سَمِعْتُ أَبَا رَجَاءٍ، سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ لِابْنِ صَائِدٍ: قَدْ خَبَأْتُ لَكَ خَبِيئًا، فَمَا هُوَ؟ قَالَ: الدُّخُّ، قَالَ: اخْسَأْ.

6173 - حَدَّثَنَا أَبُو اليَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي سَالِمُ بْنُ عَبْدِاللَّهِ، أَنَّ عَبْدَاللَّهِ بْنَ عُمَرَ، أَخْبَرَهُ: أَنَّ عُمَرَ بْنَ الخَطَّابِ: انْطَلَقَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فِي رَهْطٍ مِنْ أَصْحَابِهِ قِبَلَ ابْنِ صَيَّادٍ، حَتَّى وَجَدَهُ يَلْعَبُ مَعَ الغِلْمَانِ فِي أُطُمِ بَنِي مَغَالَةَ، وَقَدْ قَارَبَ ابْنُ صَيَّادٍ يَوْمَئِذٍ الحُلُمَ، فَلَمْ يَشْعُرْ حَتَّى ضَرَبَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ ظَهْرَهُ بِيَدِهِ، ثُمَّ قَالَ: أَتَشْهَدُ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ فَنَظَرَ إِلَيْهِ فَقَالَ: أَشْهَدُ أَنَّكَ رَسُولُ الأُمِّيِّينَ، ثُمَّ قَالَ ابْنُ صَيَّادٍ: أَتَشْهَدُ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ، فَرَضَّهُ النَّبِيُّ ﷺ ثُمَّ قَالَ: آمَنْتُ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ثُمَّ قَالَ لِابْنِ صَيَّادٍ: مَاذَا تَرَى قَالَ: يَأْتِينِي صَادِقٌ وَكَاذِبٌ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: خُلِّطَ عَلَيْكَ الأَمْرُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: إِنِّي خَبَأْتُ لَكَ خَبِيئًا قَالَ: هُوَ الدُّخُّ، قَالَ: اخْسَأْ، فَلَنْ تَعْدُوَ قَدْرَكَ قَالَ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَتَأْذَنُ لِي فِيهِ أَضْرِبْ عُنُقَهُ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: إِنْ يَكُنْ هُوَ لاَ تُسَلَّطُ عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ هُوَ فَلاَ خَيْرَ لَكَ فِي قَتْلِهِ.

6174 - قَالَ سَالِمٌ: فَسَمِعْتُ عَبْدَاللَّهِ بْنَ عُمَرَ، يَقُولُ: انْطَلَقَ بَعْدَ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وَأُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ الأَنْصَارِيُّ، يَؤُمَّانِ النَّخْلَ الَّتِي فِيهَا ابْنُ صَيَّادٍ، حَتَّى إِذَا دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، طَفِقَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَتَّقِي بِجُذُوعِ النَّخْلِ، وَهُوَ يَخْتِلُ أَنْ يَسْمَعَ مِنْ ابْنِ صَيَّادٍ شَيْئًا قَبْلَ أَنْ يَرَاهُ، وَابْنُ صَيَّادٍ مُضْطَجِعٌ عَلَى فِرَاشِهِ فِي قَطِيفَةٍ لَهُ فِيهَا رَمْرَمَةٌ، أَوْ زَمْزَمَةٌ، فَرَأَتْ أُمُّ ابْنِ صَيَّادٍ النَّبِيَّ ﷺ وَهُوَ يَتَّقِي بِجُذُوعِ النَّخْلِ، فَقَالَتْ لِابْنِ صَيَّادٍ: أَيْ صَافِ - وَهُوَ اسْمُهُ - هَذَا مُحَمَّدٌ، فَتَنَاهَى ابْنُ صَيَّادٍ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: لَوْ تَرَكَتْهُ بَيَّنَ.

6175 - قَالَ سَالِمٌ: قَالَ عَبْدُاللَّهِ: قَامَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فِي النَّاسِ، فَأَثْنَى عَلَى اللَّهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ، ثُمَّ ذَكَرَ الدَّجَّالَ، فَقَالَ: إِنِّي أُنْذِرُكُمُوهُ، وَمَا مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا وَقَدْ أَنْذَرَهُ قَوْمَهُ، لَقَدْ أَنْذَرَهُ نُوحٌ قَوْمَهُ، وَلَكِنِّي سَأَقُولُ لَكُمْ فِيهِ قَوْلًا لَمْ يَقُلْهُ نَبِيٌّ لِقَوْمِهِ، تَعْلَمُونَ أَنَّهُ أَعْوَرُ، وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِأَعْوَرَ قَالَ أَبُو عَبْدِاللَّهِ: "خَسَأْتُ الكَلْبَ: بَعَّدْتُهُ خَاسِئِينَ [البقرة:65]: مُبْعَدِينَ".

الشيخ: وكان ابن صياد يتهم بأنه الدجال، وكان الله جل وعلا لم يوح إلى نبيه ﷺ في أمره شيئًا ليبين أمره، وكانت له عجائب وأحوال، وكان من كهان اليهود والشعوذة، وله أشياء يتكلم بها وأعمال يفعلها تلتبس على الناس؛ فلهذا ظن أنه الدجال، ولم يتبين للنبي ﷺ أمره ولم ينزل فيه شيء، ولهذا قال عمر رضي الله عنه وأرضاه: يا رسول الله دعني أضرب عنقه! قال: إن يكن هو يعني الدجال فلن تسلط عليه؛ لأنه ممهل سوف يكون في آخر الزمان وإن لم يكن هو فلا خير لك في قتله، وقد اضطرب أمر الناس في الدجال، وكان بعض الناس يقسم أنه الدجال، ولكنه لم يتبين في أمره شيء، والله جل وعلا هو أعلم بأحواله ، والدجال سوف يكون في آخر الزمان وليس أمره بالبعيد، والله أعلم؛ لأننا في آخر الزمان الآن، والأرض قد ملئت من الكفر والضلال والفساد؛ فليس بالبعيد أن يكون زمانه قريبًا، فإذا خرج الدجال يخرج من جهة المشرق من جهة خراسان فيعيث في الأرض يمينًا وشمالًا فسادًا وشرًّا ويدعو الناس إلى أنه نبي ثم يدعو الناس إلى أنه رب العالمين، وقد أنذرت الأنبياء أقوامها هذا الخبيث حتى نوح أنذره قومه، وهكذا نبينا ﷺ أنذره قومه، وقال: إني أقول لكم فيه شيئًا لم يقله نبي قبلي: إنه أعور وإن ربكم ليس بأعور عينه اليمنى كأنها عنبة طافية.

وسمي دجالًا لكثرة ما يأتيه من الكذب؛ لأن الدجل الكذب، يعني يأتي بكذب كثير وشر عظيم ويتبعه الجم الغفير من الناس أتباع كل ناعق، وآخر أمره ينزل عيسى بن مريم ويقتله في فلسطين، وهو رهطه اليهود وهو رئيسهم وملكهم ويتجمعون معه، ويتبعه جم غفير من خراسان من اليهود، ويجتمعون هناك في فلسطين ثم تكون المقتلة هناك فيقتله المسيح ومن معه من المؤمنين، وينادي الشجر والحجر يقول: يا عبدالله يا مسلم هذا يهودي تعال فاقتله، فيكون مقتلة عظيمة وملحمة عظيمة في آخر الزمان على يد عيسى عليه الصلاة والسلام والمسلمين، وينتهي أمر الدجال ويبقى عيسى عليه الصلاة والسلام مدة من الزمن يحكم فيها بشريعة الله التي بعث بها محمد عليه الصلاة والسلام؛ فيكسر الصليب وهو الذي نصبته النصارى وصوروه على صورة عيسى حين كان مصلوبًا بزعمهم، والله قد نزهه من ذلك فلم يُصلب ولم يقتل عليه الصلاة والسلام، وإنما قتل وصلب شبيه له، قال الله جل وعلا: وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ [النساء:157] فيكسر الصليب، ويقتل الخنزير، ويضع الجزية أي: لا يقبل الجزية لا من اليهود ولا من النصارى ولا يقبل إلا الإسلام، ويهلك الله في زمانه الأديان كلها، وتكون العبادة لله وحده، ثم بعد موته تكون بقية أشراط الساعة: من هدم الكعبة، وخروج يأجوج ومأجوج في زمانه، وهدم الكعبة بعد ذلك، ثم رفع القرآن، ثم ما يكون بعده من خروج الدابة، وطلوع الشمس من مغربها، وعند طلوع الشمس من مغربها يؤمن الناس كلهم لكن لا يقبل منهم: يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا [الأنعام:158] ثم بعد ذلك نار تخرج من المشرق، وفي اللفظ الآخر من الجنوب من عدن تسوق الناس إلى محشرهم تبيت معهم حيث باتوا وتقيل معهم حيث قالوا، وبعد هذا ينفخ في الصور وتقوم الساعة، نسأل الله السلامة والعافية، ولا تقوم إلا على شرار الخلق، لا تقوم الساعة وفي الأرض من يقول: لا إله إلا الله، وليس في الأرض من يقول: الله الله، قد أقبلوا على شهواتهم ودنياهم كالبهائم لا يعرفون ربًّا ولا إلهًا ولا شريعة ولا أخلاقًا ولا غير ذلك، نسأل الله العافية والسلامة.

س: كهان أهل الكتاب وسحرتهم لا يُقتلون؟

الشيخ: المشهور عند أهل العلم أنهم لا يُقتلون؛ لأنه متعاقد معهم على حالهم وعلى ما هم عليه ببذل الجزية، ويبقى كاهنهم وساحرهم فيهم.

س: ابن صياد أسلم؟

الشيخ: أظهر الإسلام، ولكن الناس ما أمنوه ولا صدقوه، وحج مع الناس وأتى مكة وأظهر الإسلام، وكان يقول للناس: يا عجبًا لكم، أنا أسلمت وأنا حججت وتتهموني، ولا يزال يتهمونه ولو أسلم يتهمونه بالنفاق، والله المستعان.

س: بالنسبة لقتل الخنزير، قتل عيسى عليه السلام للخنزير في آخر الزمان، ما الحكمة في قتل الخنزير؟ وهل يقتل الخنزير في هذا الزمان؟

الشيخ: الله أعلم أن السر في ذلك لبيان أنه محرم عليهم وأنهم استحلوه بغير حق كما استحلوا الصليب.

س: قتل الخنزير يجوز؟

الشيخ: نعم يُقتل، وهو محرم بنص الكتاب والسنة وإجماع المسلمين.

س: أعمال ابن صياد ما توجب قتله؟

الشيخ: النبي ما أراد قتله عليه الصلاة والسلام، هو تبع جماعته تبع اليهود، أقرهم في المدينة ووادعهم؛ فلما نقضوا العهد أخرجهم وقتل من قتل وهم بنو قريظة، وأخرج من أخرج من بني النضير ومن بني قينقاع أخرجهم إلى خيبر وإلى أهل عاد وإلى أطراف الشام، وقتل منهم بني قريظة لما ظاهروا الكفار وساعدوهم يوم الأحزاب.

س:......

الشيخ: الدخان يعني الذي هو في آخر الزمان.

بَاب قَوْلِ الرَّجُلِ: مَرْحَبًا

وَقَالَتْ عَائِشَةُ: قَالَ النَّبِيُّ ﷺ لِفَاطِمَةَ عَلَيْهَا السَّلاَمُ: مَرْحَبًا بِابْنَتِي وَقَالَتْ أُمُّ هَانِئٍ: جِئْتُ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ فَقَالَ: مَرْحَبًا بِأُمِّ هَانِئٍ.

6176 - حَدَّثَنَا عِمْرَانُ بْنُ مَيْسَرَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدُالوَارِثِ، حَدَّثَنَا أَبُو التَّيَّاحِ، عَنْ أَبِي جَمْرَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: لَمَّا قَدِمَ وَفْدُ عَبْدِ القَيْسِ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: مَرْحَبًا بِالوَفْدِ، الَّذِينَ جَاءُوا غَيْرَ خَزَايَا وَلاَ نَدَامَى فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّا حَيٌّ مِنْ رَبِيعَةَ، وَبَيْنَنَا وَبَيْنَكَ مُضَرُ، وَإِنَّا لاَ نَصِلُ إِلَيْكَ إِلَّا فِي الشَّهْرِ الحَرَامِ، فَمُرْنَا بِأَمْرٍ فَصْلٍ نَدْخُلُ بِهِ الجَنَّةَ، وَنَدْعُو بِهِ مَنْ وَرَاءَنَا، فَقَالَ: أَرْبَعٌ وَأَرْبَعٌ: أَقِيمُوا الصَّلاَةَ، وَآتُوا الزَّكَاةَ، وَصُومُوا رَمَضَانَ، وَأَعْطُوا خُمُسَ مَا غَنِمْتُمْ. وَلاَ تَشْرَبُوا فِي الدُّبَّاءِ وَالحَنْتَمِ وَالنَّقِيرِ وَالمُزَفَّتِ.

الشيخ: وهذه رواية فيها بعض الاختصار، وتقدم هذا الحديث عدة مرات، هم جاؤوا بعد تحريم الخمر وقبل الفتح قبل صلح الحديبية فقال لهم النبي ﷺ هذه المقالة: آمركم بأربع شهادة ألا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وأن تؤدوا خمس ما غنمتم، وكان هذا -والله أعلم- قبل أن يفرض الحج، كأنهم جاؤوا قبل فرض الحج، ثم نهاهم عن النبيذ في هذه الأشياء: الدباء، والحنتم، والنقير، والمزفت؛ لأن النبيذ فيها يسرع إليه التخمر، وربما شرب الإنسان ما فيها ولم يشعر بإسكاره؛ لأنها صلبة قوية فلهذا نهى النبي ﷺ عن النبيذ فيها، ثم لما استقر تحريم الخمر أذن في كل وعاء، أذن بالنبيذ في كل وعاء من الحنتم وغيره، وقال: لا تشربوا مسكرًا كما جاء في حديث بريدة: كنت نهيتكم أن تنتبذوا إلا في وعاء الأدم .. على أفواهها، فانتبذوا في كل إناء، ولا تشربوا مسكرًا فأجاز الانتباذ في جميع الأوعية، ونهى عن شرب المسكر؛ لأن المقصود النهي عن شرب المسكر والتحذير منه، أما النبيذ في الدباء وهو القرع والحنتم وهو الجرار ... تصنع من الطين أو النقير ما ينقر من الجذوع أو غير ذلك مما يكون صلبًا كالنبيذ في أواني الحديد أو أواني من الحجر أو غير ذلك، هذا هو الذي نهي عنه أولا ثم أذن فيه؛ فالمقصود أن النهي عن الدباء إلى آخره كان أولًا ثم نسخ عند جمهور أهل العلم.

وفي هذا من الفوائد: شرعية الترحيب بالوفود وأنه ينبغي لولاة الأمور وأهل الخير والحل والعقد والعلماء أن يرحبوا بالوفود الذين يفدون مسلمين أو لتعلم الدين أو للتفقه في الدين أو للسؤال عما أشكل عليهم، ينبغي أن يُرحب بهم ويُكرموا ترغيبًا لغيرهم في تعلم العلم والتفقه في الدين، والإفادة لأجل التعلم في الدين والتفقه، وكذلك الزائر يُرحب به سواء كان قريبًا أو غير قريب، ولهذا قال النبي ﷺ لفاطمة لما جاءت: مرحبًا بابنتي ولما جاءته أم هانئ قال: مرحبًا بأم هانئ هذا يدل على حسن خلقه ﷺ، فينبغي لولي الأمر وللأمير وللحاكم ولأمراء الناس وشيوخ القبائل أن يكونوا متواضعين، وأن يرحبوا بمن وفد إليهم ومن زارهم لطلب العلم وللتفقه في الدين، وأن يكونوا أيضًا متواضعين مع أهل بيتهم ومع أولادهم حتى يجرأ أولادهم على سؤالهم وحتى يجد أولادهم منهم الحنان واللطف، ولو كانوا كبارًا ولو كانوا رؤساء، ولهذا كان النبي ﷺ وهو سيد ولد آدم وهو رأس المؤمنين وأميرهم وإمامهم: يتلطف بالأولاد ويداعبهم عليه الصلاة والسلام، ويداعب ابني بنته فاطمة الحسن والحسين ويقبلهم، ويحمل أمامة بنت زينب بنت بنته، حتى صلى بها، إلى غير هذا من أخلاقه الحميدة عليه الصلاة والسلام، فلما قال له بعض الأعراب: إني عندي كذا وكذا من الولد ما قبَّلت منهم أحدًا، قال: من لا يَرحم لا يَرحم، وفي اللفظ الآخر قال: أو أملك أن نزع الله من قلبك الرحمة.

وفي هذا أنه يسلم على غير المحرم من النساء ويرد عليها السلام، فإن أم هانئ بنت عمه -أخت علي- وليس محرمًا لها، جاءت تسلم عليه وتخبره عن مهمة له، فقال: مرحبًا بأم هانئ، وكان النساء يأتين إليه، ويسلمن عليه، ويسألنه، فيسلم، ويرد، ويجيب على أسئلتهن عليه الصلاة والسلام، وهكذا أصحابه.

س: بالنسبة للسلام على بنات العم أو بنات الخالة؟

الشيخ: من الأقارب، من الرحم التي توصل، لكن من دون مصافحة ومن دون تقبيل، بالكلام بس مع الحجاب وعدم الخلوة.

بَاب مَا يُدْعَى النَّاسُ بِآبَائِهِمْ

6177 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: إِنَّ الغَادِرَ يُرْفَعُ لَهُ لِوَاءٌ يَوْمَ القِيَامَةِ، يُقَالُ: هَذِهِ غَدْرَةُ فُلاَنِ بْنِ فُلاَنٍ.

6178 - حَدَّثَنَا عَبْدُاللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: إِنَّ الغَادِرَ يُنْصَبُ لَهُ لِوَاءٌ يَوْمَ القِيَامَةِ، فَيُقَالُ: هَذِهِ غَدْرَةُ فُلاَنِ بْنِ فُلاَنٍ.

الشيخ: وهذا فيه التحذير من الغدر، وأن من أعطى عهدًا يجب عليه أن يوفي ولا يغدر، والغدر هو الإخلال بالعهد والخيانة فيه وعدم الوفاء، فإذا كان يوم القيامة يرفع له لواء يفضح يوم القيامة، لواء في الرواية الأخرى: عند استه يعني عند مقعدته، لواء يلصق بمقعدته، يراه الناس مكتوب عليه: هذا غدرة فلان ابن فلان.

وفيه الدعاء بآبائهم فلان ابن فلان، ما قال: ابن فلانة، دل على أنهم يدعون يوم القيامة بآبائهم وأجدادهم لا بالنساء، ولهذا حرم الله الدعوة إلى النساء قال: ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ [الأحزاب:5] فالرجل يُدعى لأبيه في الدنيا والآخرة، في الدنيا يقال: يا ابن فلان، وفي الآخرة يقال: هذه غدرة فلان ابن فلان، ويقال: أين فلان ابن فلان، ينادى باسمه واسم آبائه، سواء كان إلى الجنة أو إلى النار، نسأل الله العافية.

س: الغدرات التي غدر بها الإنسان ثم تاب منها ورجع؟

الشيخ: هذا في غير التائب، التائب يعفى عنه، التائب انتهى أمره، هذه أشياء للذين أصروا ولم يتوبوا، نسأل الله العافية.

س: قول مرحبًا بعد السلام؟

الشيخ: نعم بعد السلام، وبعد الرد نعم.

س: هل في الحديث ما يدل على أنه سلم ثم قال: مرحبا؟

الشيخ: لا، عملًا بالأصل، الأصل مثل ما قال الله جل وعلا: وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا [النساء:86] النبي ﷺ قال: إذا سلم عليكم فقولوا وعليكم فلا بدّ أن يفعل ما أمر به الناس عليه الصلاة والسلام.

س: حمل الصغار في الصلاة وهم لا يتحرزون عن البول؟

الشيخ: الأصل السلامة، محمول على السلامة، هذا هو الأصل، فإذا عرف أنها نجسة لا يحملها.

س: أولاد الزنا ينادون بآبائهم؟

الشيخ: الله أعلم.

بَاب لاَ يَقُلْ: خَبُثَتْ نَفْسِي

6179 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: لاَ يَقُولَنَّ أَحَدُكُمْ خَبُثَتْ نَفْسِي، وَلَكِنْ لِيَقُلْ لَقِسَتْ نَفْسِي.

6180 - حَدَّثَنَا عَبْدَانُ، أَخْبَرَنَا عَبْدُاللَّهِ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: لاَ يَقُولَنَّ أَحَدُكُمْ خَبُثَتْ نَفْسِي، وَلَكِنْ لِيَقُلْ لَقِسَتْ نَفْسِي تَابَعَهُ عُقَيْلٌ.

الشيخ: وهذا من الآداب في الألفاظ، من الآداب الحسنة في الألفاظ؛ لأن "خبث" كلمة مستبشعة، خبثت نفسي، لكن إذا غيرها بـ"لقست نفسي" يعني: تغيرت، حصل لها شيء من التغير؛ كان هذا أسهل من التعبير بالخبث، وهذا كله من الآداب الشرعية التي كان يوصي بها عليه الصلاة والسلام مثل: لَا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انْظُرْنَا، وما أشبه ذلك، أيش قال الشارح على لقست؟

الطالب: قَوْلُهُ: بَابُ لَا يَقُلْ: خَبُثَتْ نَفْسِي، بِفَتْحِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَضَمِّ الْمُوَحَّدَةِ بَعْدَهَا مُثَلَّثَةٌ ثُمَّ مُثَنَّاةٌ، وَيُقَالُ: بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ وَالضَّمِّ أَصْوَبُ، قَالَ الرَّاغِبُ: الْخُبْثُ يُطْلَقُ عَلَى الْبَاطِلِ فِي الِاعْتِقَادِ وَالْكَذِبِ فِي الْمَقَالِ وَالْقَبِيحِ فِي الْفِعَالِ، قُلْتُ: وَعَلَى الْحَرَامِ وَالصِّفَاتِ الْمَذْمُومَةِ الْقَوْلِيَّةِ والفعلية، أورد حَدِيثُ عَائِشَةَ بِلَفْظِ: لَا يَقُولَنَّ أَحَدُكُمْ خَبُثَتْ نَفسِي وَلَكِن ليقل لقست نَفسِي، وَحَدِيث سهل بن حنيف مثله سَوَاء، قَالَ الْخَطَّابِيُّ تَبَعًا لِأَبِي عُبَيْدٍ: لَقِسَتْ وَخَبُثَتْ بِمَعْنًى وَاحِدٍ، وَإِنَّمَا كَرِهَ ﷺ مِنْ ذَلِكَ اسْمَ الْخُبْثِ فَاخْتَارَ اللَّفْظَةَ السَّالِمَةَ مِنْ ذَلِكَ، وَكَانَ مِنْ سُنَّتِهِ تَبْدِيلُ الِاسْمِ الْقَبِيحِ بِالْحَسَنِ، وَقَالَ غَيْرُهُ: مَعْنَى لَقِسَتْ: غَثَتْ، بِغَيْنٍ مُعْجَمَةٍ ثُمَّ مُثَلَّثَةٍ، وَهُوَ يَرْجِعُ أَيْضًا إِلَى معنى خبثت، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ سَاءَ خُلُقُهَا، وَقِيلَ: مَالَتْ بِهِ إِلَى الدعة، وَقَالَ ابن بَطَّالٍ: هُوَ عَلَى مَعْنَى الْأَدَبِ، وَلَيْسَ عَلَى سَبِيلِ الْإِيجَابِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الصَّلَاةِ فِي الَّذِي يَعْقِدُ الشَّيْطَانُ عَلَى قَافِيَةِ رَأْسِهِ فَيُصْبِحُ خَبِيثَ النَّفْسِ، وَنَطَقَ الْقُرْآنُ بِهَذِهِ اللَّفْظَةِ فَقَالَ تَعَالَى: وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ قُلْتُ: لَكِنْ لَمْ يَرِدْ ذَلِكَ إِلَّا فِي مَعْرِضِ الذَّمِّ فَلَا يُنَافِي ذَلِكَ مَا دَلَّ عَلَيْهِ حَدِيثُ الْبَابِ مِنْ كَرَاهَةِ وَصْفِ الْإِنْسَانِ نَفْسَهُ بِذَلِكَ، وَقَدْ سَبَقَ لِهَذَا عِيَاضٌ فَقَالَ: الْفَرْقُ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ أَخْبَرَ عَنْ صِفَةِ شَخْصٍ مَذْمُومِ الْحَالِ فَلَمْ يمْتَنع إِطْلَاق ذَلِك اللَّفْظ عَلَيْهِ، وَقَالَ ابن أَبِي جَمْرَةَ: النَّهْيُ عَنْ ذَلِكَ لِلنَّدْبِ، وَالْأَمْرُ بِقَوْلِهِ: لَقِسَتْ، لِلنَّدْبِ أَيْضًا، فَإِنْ عَبَّرَ بِمَا يُؤَدِّي مَعْنَاهُ كَفَى، وَلَكِنْ تَرَكَ الْأَوْلَى، قَالَ: وَيُؤْخَذُ مِنَ الْحَدِيثِ اسْتِحْبَابُ مُجَانَبَةِ الْأَلْفَاظِ الْقَبِيحَةِ وَالْأَسْمَاءِ، وَالْعُدُولُ إِلَى مَا لَا قُبْحَ فِيهِ.

الشيخ: وهذا هو المقصود، المقصود مثل ما قال رحمه الله، معناه التأدب بالألفاظ واستحسان لبعضها على بعض.

س:.. الأصل فيها الوجوب؟

الشيخ: هذا هو الأصل في الأوامر، القاعدة إلا أن يأتي صارف، إذا كان الصارف المعنى واحد متقارب يعني، لكن استحب اللفظ الحسن على اللفظ المستقبح، هذا قرينة أنه راجع للاستحباب.

س: في الحديث قال: إن الشيطان يعقد على قافية أحدكم ثلاث عقد .. ثم قال: فإذا أصبح أصبح خبيث النفس كسلان؟

الشيخ: هذا من أسباب طاعته للشيطان.

س:.......

الشيخ: المراد بالخبث: تغير، واللقس تغير، لقست تغيرت إلى شيء ما هو أحسن، لكن لفظ اللقس أحسن من لفظ الخبث؛ لأن الخبث يطلق على المحرمات وعلى النجائس وعلى المعاصي، فكان التعبير بلقست أنسب أفضل؛ لأنه لفظ لا يطلق على تلك الأشياء فلما صار المعنى متقاربًا صار الأمر للندب، لا للوجوب، والأصل في الأوامر مثل ما تقدم، الوجوب هو الأصل: ما أمرتكم به فأتوا منه ما استطعتم، وما نهيتكم عنه فاجتنبوه فعل كل حال ينبغي للمؤمن أن يتأدب بهذه الآداب.

س: هل يطلق الخبث على نفس الآخر، هذه نفسه خبيثة؟

الشيخ: على حسب حاله، كما يقال: الكافر خبيث، والمنافق خبيث، والكلمة خبيثة إذا كانت كلمته رديئة، والعمل خبيث إذا كان العمل معصية: وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ [الأعراف:157]

س: كلمة اللقس كلمة طيبة؟

الشيخ: اللقس معناه التغير، معناه تغيرت نفسي، ما هو معناه الخبث من جهة واحدة، ألطف من الخبث.

الطالب: وَالْخُبْثُ وَاللَّقْسُ وَإِنْ كَانَ الْمَعْنَى الْمُرَادُ يَتَأَدَّى بِكُلٍّ مِنْهُمَا لَكِنْ لَفْظُ الْخُبْثِ قَبِيحٌ وَيَجْمَعُ أُمُورًا زَائِدَةً عَلَى الْمُرَادِ، بِخِلَافِ اللَّقْسِ فَإِنَّهُ يَخْتَصُّ بِامْتِلَاءِ الْمَعِدَةِ، قَالَ: وَفِيهِ أَنَّ الْمَرْءَ يَطْلُبُ الْخَيْرَ حَتَّى بِالْفَأْلِ الْحَسَنِ وَيُضِيفُ الْخَيْرَ إِلَى نَفْسِهِ وَلَوْ بِنِسْبَةٍ مَا، وَيَدْفَعُ الشَّرَّ عَنْ نَفْسِهِ مَهْمَا أَمْكَنَ، وَيَقْطَعُ الْوَصْلَةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَهْلِ الشَّرِّ حَتَّى فِي الْأَلْفَاظِ الْمُشْتَرَكَةِ، قَالَ: وَيَلْتَحِقُ بِهَذَا أَنَّ الضَّعِيفَ إِذَا سُئِلَ عَنْ حَالِهِ لَا يَقُولُ: لَسْتُ بِطَيِّبٍ؛ بَلْ يَقُولُ: ضَعِيفٌ، وَلَا يُخْرِجُ نَفْسَهُ مِنَ الطَّيِّبِينَ فَيُلْحِقُهَا بِالْخَبِيثِينَ، تَنْبِيهٌ: أَخْرَجَ أَبُو نُعَيْمٍ فِي الْمُسْتَخْرَجِ حَدِيثَ سَهْلٍ مِنْ طَرِيقِ شَبِيبِ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ عَنِ الزُّهْرِيِّ ثُمَّ قَالَ: أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ عَبْدَانَ عَنِ ابن الْمُبَارَكِ عَنْ مُوسَى، وَقَالَ: هُوَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ؛ وَالصَّحِيحُ يُونُسُ، قُلْتُ: لَمْ أَقِفْ عَلَيْهِ فِي الْأُصُولِ الْمُعْتَمَدَةِ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي ذَرٍّ إِلَّا عَنْ يُونُسَ، وَكَذَا فِي رِوَايَةِ النَّسَفِيِّ.

الشيخ: يكفي.

بَاب لاَ تَسُبُّوا الدَّهْرَ

6181 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، أَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ، قَالَ: قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: قَالَ اللَّهُ: يَسُبُّ بَنُو آدَمَ الدَّهْرَ، وَأَنَا الدَّهْرُ، بِيَدِي اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ.

الشيخ: هذه قاعدة: أن هذه المخلوقات التي جعلها الله لعباده متعة لهم وأنعم بها عليهم لا يجوز سبها، لا يسب الدهر، ولا يسب الريح، ولا يسب الحيوانات، ولا يسب الأرض، ولا يسب السماء؛ لأنها لا تستحق ذلك منه، وليس لها جريمة توجب ذلك؛ فلهذا نهى عليه الصلاة والسلام عن سب الدهر، والله هو خالق الدهر، ومكوّر الدهر، ويقلّب الدهر ليلًا ونهارًا، وشدة ورخاء، إلى غير ذلك من هذا النهي عن سب الريح، ومن هذا أمره بالذي لعن دابته أن يتخلى عنها، إلى غير ذلك، فالمؤمن ينبغي أن يطهر لسانه عما لا ينبغي من السب لا لأهله ولا لدابته ولا لسيارته ولا للدهر ولا للسماء ولا للأرض ولا للريح؛ ولكن يفعل المشروع؛ يسأل ربه خيرها: دابته وسيارته، وخير ما جبلت عليه، وخير ما صنعت له، يسأل خير ما في الريح وما فيها، ويتعوذ بالله من شرها وشر ما فيها، إلى غير ذلك، يعمل بالآداب الشرعية أما السب فلا وجه له.

س: قول لوط: هَذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ؟

الشيخ: هذا ما هو من السب، هذا خبر مثل: هذا يوم حار، هذا يوم بارد، هذا من باب وصف الدهر.

س:.......

الشيخ: يعني خالق الدهر، ومقلّب ليله ونهاره .

س: قول الرسول: الدنيا ملعونة ملعون ما فيها؟

الشيخ: أي مذمومة، يعني الذم مثل شَجَرَتَ ٱلزَّقُّومِ* طَعَامُ ٱلۡأَثِیمِسماها ملعونة قال: وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ يعني مذمومة، والدنيا مذمومة؛ لأنها تشغل عن الآخرة، وتصد عن الهدى إلا من استعان بها على الخير.

6182 - حَدَّثَنَا عَيَّاشُ بْنُ الوَلِيدِ، حَدَّثَنَا عَبْدُالأَعْلَى، حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: لاَ تُسَمُّوا العِنَبَ الكَرْمَ، وَلاَ تَقُولُوا:خَيْبَةَ الدَّهْرِ، فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الدَّهْرُ.

 الشيخ: قال: وأنا الدهر أقلّب ليله ونهاره، وقد غلط ابن حزم فجعله من أسماء الله، وهو غلط، الذي عليه أهل السنة والجماعة وجمهور أهل العلم هو: أنا الدهر: يعني خالقه ومقلّبه ومكوّره ومصرّفه .

س:.......

الشيخ:........