96 من حديث: (أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بسبع: بعيادة المَريض واتباع الجنائز..)

بَاب السَّلاَمِ لِلْمَعْرِفَةِ وَغَيْرِ المَعْرِفَةِ

6236 - حَدَّثَنَا عَبْدُاللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، قَالَ: حَدَّثَنِي يَزِيدُ، عَنْ أَبِي الخَيْرِ، عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ عَمْرٍو: أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبِيَّ ﷺ: أَيُّ الإِسْلاَمِ خَيْرٌ؟ قَالَ: تُطْعِمُ الطَّعَامَ، وَتَقْرَأُ السَّلاَمَ عَلَى مَنْ عَرَفْتَ وَعَلَى مَنْ لَمْ تَعْرِفْ.

الشيخ: ولا يخفي ما في هذا من الفضل العظيم، لما سئل عليه الصلاة والسلام: أي الإسلام خير؟ قال: تطعم الطعام، وتقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف هذه من الخصال العظيمة التي جاء بها الإسلام، وهي مما يؤلف القلوب، ويرغّب في الإسلام، ويدعو إلى التزامه واعتناقه، إذا كان أهله يطعمون الطعام ويقرأون السلام؛ فالناس في حاجة إلى هذا وهذا، فإطعام الطعام ينفع الفقير والمسكين والغريب، ويدل على السخاء والجود والرغبة فيما عند الله من الأجر العظيم للمؤمن، وينفع المحتاج، ويؤلف قلبه على الدخول في هذا الدين والرغبة فيه إذا رأى جود أهله وكرمهم وإحسانهم إلى الناس.

وقراءة السلام على الناس أيضًا تدل على التواضع وعدم التكبر، وأن أهل هذا الدين يرغّبون الناس فيه بأعمالهم وبأقوالهم، فهم لا يتكبّرون، أي يسلمون على من لا يعرفون، إذا صادفهم وقابلهم قالوا: السلام عليكم، أو ردوا عليه السلام، وإنْ كانوا لا يعرفون نسبه وليس بينهم وبينه صداقة، بخلاف أهل الكبر وأهل الجفاء فإنهم إنما يسلمون على من عرفوا فقط، ولا يسلمون على من لم يعرفوا، وهذا واقع في كثير من الناس؛ إنْ قابله صاحبه سلم وإلا لم يسلم؛ هذا غلط، وهذا من الجهل، وخلاف ما جاء به الإسلام، فالمشروع للمؤمن إفشاء السلام للجميع، حتى جعله النبي في هذا الحديث الصحيح من خير خصال الإسلام: أن تقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف.

ويؤكد هذا ما رواه مسلم في الصحيح من حديث أبي هريرة ومن حديث الزبير بن العوام يقول عليه الصلاة والسلام: والذي نفسي بيده لا تدخلون الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، أفلا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم فجعل إفشاء السلام من أسباب التحاب، ومن أسباب كمال الإيمان، ومن أسباب دخول الجنة، وهكذا حديث عبدالله بن سلام الذي رواه الترمذي وغيره لما قدم المدينة عليه الصلاة والسلام قال: أيها الناس أفشوا السلام، وأطعموا الطعام، وصلوا الأرحام، وصلوا بالليل والناس نيام؛ تدخلوا الجنة بسلام وهذه الخصال أيضًا من أسباب تآلف القلوب: إفشاء السلام، وإطعام الطعام، وصلة الأرحام، من أعظم الأسباب في تآلف القلوب بين الجميع بين الأقارب وغير الأقارب.

6237 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِاللَّهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَزِيدَ اللَّيْثِيِّ، عَنْ أَبِي أَيُّوبَ ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: لاَ يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلاَثٍ، يَلْتَقِيَانِ: فَيَصُدُّ هَذَا وَيَصُدُّ هَذَا، وَخَيْرُهُمَا الَّذِي يَبْدَأُ بِالسَّلاَمِ وَذَكَرَ سُفْيَانُ: أَنَّهُ سَمِعَهُ مِنْهُ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ.

الشيخ: وهذا صريح في تحريم التهاجر، وأنه لا يجوز فوق ثلاثة أيام، وهذا إذا كان لأمور الدنيا: كالخصومات والنزاعات المتعلقة بالدنيا، فالنفوس يعتريها ما يعتريها من التكدّر، فأباح الله ثلاثة أيام فضلاً منه، ورحمة منه سبحانه، ولا بأس بين المتنازعين والمتخاصمين في أمور الدنيا أن يتهاجروا ثلاثًا فقط، وما زاد عليها لا يجوز، ولهذا قال: لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث، يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا، وخيرهما الذي يبدأ بالسلام وفي اللفظ الآخر: لا هجرة فوق ثلاث يعني لا تهاجر فوق ثلاث، هذا في أمور الدنيا التي تحصل للإنسان من أجل خصومة أو أسباب أخرى.

أما ما كان من أجل الله، وهو ما يتعلق بالتهاجر لإظهار الفواحش وإظهار البدع؛ فهذا ليس له حد، لا بثلاثة ولا بعشرة ولا بغيرها، حده التوبة، متى أظهر التوبة زال التهاجر، متى أظهر من هجر لإظهاره المعاصي أو لإظهاره البدع متى رجع عنها وجب ترك هجره، ويدل على هذا عمله ﷺ مع الثلاثة: كعب وصاحبيه، لما تخلفوا عن غزوة تبوك بغير عذر هجرهم خمسين ليلة عليه الصلاة والسلام، وهجرهم الصحابة خمسين ليلة، ثم تاب الله عليهم فرفع عنهم الهجر، فالحكم في أمور الدين مناط بالتوبة، وهو أيضًا يتعلق بمصلحة العبد أن يراعى فيه مصلحة العبد الإسلامية لا حظ النفس، فإذا كانت المصلحة العامة تقتضي الهجر هجره المدة التي يردعه فيها عن معصيته أو بدعته، وإن كانت المصلحة العامة للإسلام ألا يهجر وأن يناصح ويبقى معه الاتصال؛ لأن المصلحة الإسلامية تقتضي ذلك؛ لأن هجره قد يسبب شرًّا على المسلمين، كما فعل النبي مع عبدالله بن أبي، فإنه مع كونه رأس المنافقين لم يهجره؛ تأليفًا له ولجماعته وحَذَرَ شر الهجر.

فلهذا استنبط أهل العلم من ذلك أن الهجر من ولاة الأمور ومن أعيان المسلمين لمن يستحق الهجر فيه التفصيل: فإن كان الهجر أصلح وأردع هجر، وإن كان عدمه أصلح لم يهجر، وتُوالى عليه النصيحة والإنكار بالأساليب الحسنة المناسبة؛ لعله يهتدي. ويقول ابن عبدالقوي في هذا المعنى:

وهُجْرانُ مَنْ أبْدَى المعاصيَ سُنَّةٌ وقد قيل إنْ يَرْدَعْه أوْجِبْ وأكِّدِ
وقيل على الإطلاق ما دام مُعْلنًا لاقِه بوَجْهٍ مُكْفَهِرٍّ مُرَبَّدِ

فذكر ثلاثة أقوال: أنه سنة مطلقًا (الهجر)، والقول الثاني: التفصيل: إن يردعه وجب وإلا فلا، والقول الثالث: أنه واجب على الإطلاق، الهجر واجب على الإطلاق ما دام على بدعته وإظهاره المعاصي، وهذه الأقوال الثلاثة كلها صحيحة وأصحها التفصيل.

س: معنى قوله (وخيرهما)؟

الشيخ: يعني أفضلهما، أفضل المتهاجرين الذي يبدأ بالسلام قبل أخيه، يبدأ ويقول: يا أخي سامحني ويسلم عليه.

س:.......

الشيخ: لعله يجيب بأنه أظهر الإسلام والندم والتنصل مما نسب إليه فعامله النبي بما أظهر.

بَاب آيَةِ الحِجَابِ

6238 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمَانَ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ: أَنَّهُ كَانَ ابْنَ عَشْرِ سِنِينَ، مَقْدَمَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ المَدِينَةَ، فَخَدَمْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ عَشْرًا حَيَاتَهُ، وَكُنْتُ أَعْلَمَ النَّاسِ بِشَأْنِ الحِجَابِ حِينَ أُنْزِلَ، وَقَدْ كَانَ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ يَسْأَلُنِي عَنْهُ، وَكَانَ أَوَّلَ مَا نَزَلَ فِي مُبْتَنَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ بِزَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ، «أَصْبَحَ النَّبِيُّ ﷺ بِهَا عَرُوسًا، فَدَعَا القَوْمَ فَأَصَابُوا مِنَ الطَّعَامِ ثُمَّ خَرَجُوا، وَبَقِيَ مِنْهُمْ رَهْطٌ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَأَطَالُوا المُكْثَ، فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فَخَرَجَ وَخَرَجْتُ مَعَهُ كَيْ يَخْرُجُوا، فَمَشَى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وَمَشَيْتُ مَعَهُ، حَتَّى جَاءَ عَتَبَةَ حُجْرَةِ عَائِشَةَ، ثُمَّ ظَنَّ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أَنَّهُمْ خَرَجُوا، فَرَجَعَ وَرَجَعْتُ مَعَهُ حَتَّى دَخَلَ عَلَى زَيْنَبَ، فَإِذَا هُمْ جُلُوسٌ لَمْ يَتَفَرَّقُوا، فَرَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وَرَجَعْتُ مَعَهُ، حَتَّى بَلَغَ عَتَبَةَ حُجْرَةِ عَائِشَةَ، فَظَنَّ أَنْ قَدْ خَرَجُوا، فَرَجَعَ وَرَجَعْتُ مَعَهُ، فَإِذَا هُمْ قَدْ خَرَجُوا، فَأُنْزِلَ آيَةُ الحِجَابِ، فَضَرَبَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ سِتْرًا».

الشيخ: وهي قوله جل وعلا:وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ [الأحزاب:53] أولها: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا وَلَا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ وَاللَّهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ [الأحزاب:53].

س: بعضهم يخص هذا بأزواج النبي ﷺ؟

الشيخ: لا، ما عندهم حجة، الآية عامة لا تخص أزواج النبيﷺ، الحكم عام؛ لأنه قال: ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ [الأحزاب:53] فليست الطهارة مطلوبة لأزواج النبي خاصة، الطهارة مطلوبة للجميع، لهن ولغيرهن؛ ولهذا في الآية الأخرى: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ [الأحزاب:59] فعمّ الجميع ، وهكذا قوله: وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ [النور:31] يعني المؤمنين جميعًا.

س:.......

الشيخ: من المعاريض الفعلية، خروج من المعاريض الفعلية، ما قال: اخرجوا، لكن خروجه عنهم من المعاريض الفعلية ليخرجوا، وإلا الناس وإن كانوا فضلاء وأخيارًا قد يشغلهم الحديث، قد لا ينتبهون لبعض الأمور، فلما رأوه عاد ثم لما رآهم رجع عرفوا أنه يريد خروجهم فخرجوا.

6239 - حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ، حَدَّثَنَا مُعْتَمِرٌ، قَالَ أَبِي: حَدَّثَنَا أَبُو مِجْلَزٍ، عَنْ أَنَسٍ ، قَالَ: «لَمَّا تَزَوَّجَ النَّبِيُّ ﷺ زَيْنَبَ، دَخَلَ القَوْمُ فَطَعِمُوا، ثُمَّ جَلَسُوا يَتَحَدَّثُونَ، فَأَخَذَ كَأَنَّهُ يَتَهَيَّأُ لِلْقِيَامِ فَلَمْ يَقُومُوا، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ قَامَ، فَلَمَّا قَامَ قَامَ مَنْ قَامَ مِنَ القَوْمِ وَقَعَدَ بَقِيَّةُ القَوْمِ، وَإِنَّ النَّبِيَّ ﷺ جَاءَ لِيَدْخُلَ، فَإِذَا القَوْمُ جُلُوسٌ، ثُمَّ إِنَّهُمْ قَامُوا فَانْطَلَقُوا، فَأَخْبَرْتُ النَّبِيَّ ﷺ فَجَاءَ حَتَّى دَخَلَ، فَذَهَبْتُ أَدْخُلُ فَأَلْقَى الحِجَابَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ، وَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ [الأحزاب:53] الآيَةَ» قَالَ أَبُو عَبْدِاللَّهِ: "فِيهِ مِنَ الفِقْهِ: أَنَّهُ لَمْ يَسْتَأْذِنْهُمْ حِينَ قَامَ وَخَرَجَ، وَفِيهِ: أَنَّهُ تَهَيَّأَ لِلْقِيَامِ وَهُوَ يُرِيدُ أَنْ يَقُومُوا".

الشيخ: ....... وهذا يدل على أن صاحب البيت لا يلزمه استئذان الحاضرين إذا أراد أن يقوم لحاجة.

6240 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، أَخْبَرَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ، أَنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا زَوْجَ النَّبِيِّ ﷺ، قَالَتْ: كَانَ عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ يَقُولُ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ: احْجُبْ نِسَاءَكَ، قَالَتْ: فَلَمْ يَفْعَلْ، "وَكَانَ أَزْوَاجُ النَّبِيِّ ﷺ يَخْرُجْنَ لَيْلًا إِلَى لَيْلٍ.

الشيخ: يعني ليل إلى ليل.

يَخْرُجْنَ لَيْلًا إِلَى لَيْلٍ قِبَلَ المَنَاصِعِ، فَخَرَجَتْ سَوْدَةُ بِنْتُ زَمْعَةَ، وَكَانَتِ امْرَأَةً طَوِيلَةً، فَرَآهَا عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ وَهُوَ فِي المَجْلِسِ، فَقَالَ: عَرَفْتُكِ يَا سَوْدَةُ، حِرْصًا عَلَى أَنْ يُنْزَلَ الحِجَابُ" قَالَتْ: "فَأَنْزَلَ اللَّهُ آيَةَ الحِجَابِ".

س:.......

الشيخ: تقدم الكلام فيه، وأن الخثعمية ليس فيه صريح أنها كانت كاشفة، وأما قول النبي: لا تنتقب المعنى لا تلبس النقاب المعروف الذي يخاط على الوجه، ولا يلزم من ذلك عدم الحجاب؛ لأنها تحتجب بالخمار وبالجلباب، ولهذا قالت عائشة: "وكنا إذا دنا منا الرجل سدلت إحدانا جلبابها على وجهها" وقالت: "كنا نكشف قبل الحجاب، فلما نزل الحجاب خمّرنا وجوهنا".

س:.......

الشيخ: يعني ما يخرجن في النهار لقضاء حاجتهن، يخرجن في الصحراء لقضاء الحاجة في الليل، ما في البيوت كنف، ما عندهم كنف البيوت، ما فيها يعني محلات قضاء الحاجة، هذا من عادات العرب القدامى، ثم اتخذوا الكنف بعد ذلك، وكانوا لا يأكلون إلا قليلا، علقة، لئلا يحتاجوا إلى الحاجة في النهار، لا يأكلون إلا قليلًا، والله المستعان.

س: والمناصع، أيش هي؟

الشيخ: محل قضاء الحاجة. تكلم عندك على المناصع؟

الطالب: ........

الشيخ: يعني موضع تقضى فيه الحاجات، واد واسع، أرض واسعة، يتفرقون فيها لقضاء الحاجات.

بَاب الِاسْتِئْذَانُ مِنْ أَجْلِ البَصَرِ

6241 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِاللَّهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، قَالَ: الزُّهْرِيُّ، - حَفِظْتُهُ كَمَا أَنَّكَ هَا هُنَا - عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ، قَالَ: اطَّلَعَ رَجُلٌ مِنْ جُحْرٍ فِي حُجَرِ النَّبِيِّ ﷺ، وَمَعَ النَّبِيِّ ﷺ مِدْرًى يَحُكُّ بِهِ رَأْسَهُ، فَقَالَ: لَوْ أَعْلَمُ أَنَّكَ تَنْظُرُ، لَطَعَنْتُ بِهِ فِي عَيْنِكَ، إِنَّمَا جُعِلَ الِاسْتِئْذَانُ مِنْ أَجْلِ البَصَرِ.

الشيخ: وهذا يفيد وجوب الحذر من النظر إلى عورات الناس، سواء من خلال الباب أو من فُرَج أو من أعلى السطوح أو من المنارة أو من غير ذلك، يجب على الناس أن يبتعدوا عن النظر إلى عورات الناس من أي طريق، فالناس في بيوتهم لهم عورات، يجب على المؤمن أن يحذر ذلك، وعلى المؤمنة كذلك، ولهذا توعد النبي ﷺ هذا الرجل قال: لو يعلم أنه يتعمد النظر إلى ما في البيت لطعنه، وفي الحديث الآخر: لو أن امرأ اطلع بغير إذن فخذفته بحصاة ففقأت عينه لم يكن عليك جناح المقصود: أن الواجب البعد عن هذه الجريمة التي هي النظر في عورات الناس، وتقصد الكشف على ما هناك من عورات من داخل خلال البيت، من خلال الباب، أو الفُرَج التي تكون في البيوت، أو الحجا فوق السطح، أو ما أشبه ذلك.

6242 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ: أَنَّ رَجُلًا اطَّلَعَ مِنْ بَعْضِ حُجَرِ النَّبِيِّ ﷺ، «فَقَامَ إِلَيْهِ النَّبِيُّ ﷺ بِمِشْقَصٍ، أَوْ: بِمَشَاقِصَ، فَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَيْهِ يَخْتِلُ الرَّجُلَ لِيَطْعُنَهُ».

بَاب زِنَا الجَوَارِحِ دُونَ الفَرْجِ

6243 - حَدَّثَنَا الحُمَيْدِيُّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ ابْنِ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: لَمْ أَرَ شَيْئًا أَشْبَهَ بِاللَّمَمِ مِنْ قَوْلِ أَبِي هُرَيْرَةَ، ح حَدَّثَنِي مَحْمُودٌ، أَخْبَرَنَا عَبْدُالرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ ابْنِ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: مَا رَأَيْتُ شَيْئًا أَشْبَهَ بِاللَّمَمِ مِمَّا قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ: إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ عَلَى ابْنِ آدَمَ حَظَّهُ مِنَ الزِّنَا، أَدْرَكَ ذَلِكَ لاَ مَحَالَةَ، فَزِنَا العَيْنِ النَّظَرُ، وَزِنَا اللِّسَانِ المَنْطِقُ، وَالنَّفْسُ تَمَنَّى وَتَشْتَهِي، وَالفَرْجُ يُصَدِّقُ ذَلِكَ كُلَّهُ وَيُكَذِّبُهُ.

الشيخ: العبد لا بدّ أن ينال حظه من هذا الشيء، فمن يسلم من نظرة أو كلمة عوراء أو غير ذلك مما قد يقع للإنسان، فزنا العين النظر، وزنا الأذن الاستماع، وزنا اللسان النطق، وزنا اليد البطش، وزنا الرجل المشي، والنفس تتمنى وتشتهي، والفرج يصدّق ذلك أو يكذّبه، يصدق ذلك بفعل الفاحشة، والعياذ بالله، أو يجاهد نفسه، ويبتعد عن ما حرم الله، فيكذّب هذه الأشياء، ويسلم من شرها. أيش قال الشارح ؟

الطالب: (قَوْلُهُ: بَابُ زِنَا الْجَوَارِحِ دُونَ الْفَرْجِ) أَيْ أَنَّ الزِّنَا لَا يَخْتَصُّ إِطْلَاقُهُ بِالْفَرْجِ؛ بَلْ يُطْلَقُ عَلَى مَا دُونَ الْفَرْجِ مِنْ نَظَرٍ وَغَيْرِهِ، وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى حِكْمَةِ النَّهْيِ عَنْ رُؤْيَةِ مَا فِي الْبَيْتِ بِغَيْرِ اسْتِئْذَانٍ؛ لِتَظْهَرَ مناسبته الَّذِي قبله، قَوْله عَن ابن طَاوُسٍ هُوَ عَبْدُاللَّهِ، وَفِي مُسْنَدِ الْحُمَيْدِيِّ عَنْ سُفْيَانَ حَدَّثَنَا عَبْدُاللَّهِ بْنُ طَاوُ،سٍ وَأَخْرَجَهُ أَبُو نُعَيْمٍ مِنْ طَرِيقِهِ، قَوْلُهُ: لَمْ أَرَ شَيْئًا أَشْبَهَ بِاللَّمَمِ مِنْ قَوْلِ أَبِي هُرَيْرَةَ، هَكَذَا اقْتَصَرَ الْبُخَارِيُّ عَلَى هَذَا الْقَدْرِ مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ ثُمَّ عَطَفَ عَلَيْهِ رِوَايَةَ معمر عَن ابن طَاوُسٍ فَسَاقَهُ مَرْفُوعًا بِتَمَامِهِ، وَكَذَا صَنَعَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ فَأخْرجهُ من طَرِيق ابن أَبِي عُمَرَ عَنْ سُفْيَانَ ثُمَّ عَطَفَ عَلَيْهِ رِوَايَةَ مَعْمَرٍ، وَهَذَا يُوهِمُ أَنَّ سِيَاقَهُمَا سَوَاءٌ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، فَقَدْ أَخْرَجَهُ أَبُو نُعَيْمٍ مِنْ رِوَايَةِ بِشْرِ بْنِ مُوسَى عَنِ الْحُمَيْدِيِّ وَلَفْظُهُ: سُئِلَ ابن عَبَّاسٍ عَنِ اللَّمَمِ فَقَالَ: لَمْ أَرَ شَيْئًا أَشْبَهَ بِهِ مِنْ قَوْلِ أَبِي هُرَيْرَةَ: كُتِبَ على ابن آدَمَ حَظُّهُ مِنَ الزِّنَا وَسَاقَ الْحَدِيثَ مَوْقُوفًا؛ فَعُرِفَ مِنْ هَذَا أَنَّ رِوَايَةَ سُفْيَانَ مَوْقُوفَةٌ، وَرِوَايَةَ مَعْمَرٍ مَرْفُوعَةٌ، وَمَحْمُودٌ شَيْخُهُ فِيهِ هُوَ ابن غَيْلَانَ، وَقَدْ أَفْرَدَهُ عَنْهُ فِي كِتَابِ الْقَدَرِ، وعلقه فِيهِ لورقاء عَن ابن طَاوس فَلم يذكر فِيهِ ابن عَبَّاسٍ بَيْنَ طَاوُسٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ، فَكَأَنَّ طَاوُسًا سَمعه من أبي هُرَيْرَة بعد ذكر ابن عَبَّاسٍ لَهُ ذَلِكَ، وَسَيَأْتِي شَرْحُهُ مُسْتَوْفًى فِي كِتَابِ الْقَدَرِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، قَالَ ابن بَطَّالٍ: سُمِّيَ النَّظَرُ وَالنُّطْقُ زِنًا؛ لِأَنَّهُ يَدْعُو إِلَى الزِّنَا الْحَقِيقِيِّ، وَلِذَلِكَ قَالَ: وَالْفَرْجُ يُصَدِّقُ ذَلِك أو يكذبه، قَالَ ابن بَطَّالٍ: اسْتَدَلَّ أَشْهَبُ بِقَوْلِهِ: وَالْفَرْجُ يُصَدِّقُ ذَلِكَ أَوْ يُكَذِّبُهُ عَلَى أَنَّ الْقَاذِفَ إِذَا قَالَ: زنت يدك لَا يحد، وَخَالفهُ ابن الْقَاسِمِ فَقَالَ: يُحَدُّ، وَهُوَ قَوْلٌ لِلشَّافِعِيِّ وَخَالَفَهُ بَعْضُ أَصْحَابِهِ.

الشيخ: وفيه من الفوائد أيضًا أن الأعمال يكون بها التصديق، كما يكون باللسان يكون أيضًا بالأعمال، قال تعالى: هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ [المائدة:119] فلولا أنهم صدقوا في القول والعمل لما حصلت لهم الجنات، تقول العرب في الجهاد: حملة صادقة يعني إذا حمل القوم الحملة القوية التي بها يزيحون الأعداء عن مراكزهم تسمى حملة صادقة، وإذا حملوا ثم تأخروا كانت الحملة غير صادقة، المقصود أن التصديق يكون بالفعل ويكون بالقول، فالصادق في فعله هو الذي يصلي كما أمر، ويصوم كما أمر، ويحج كما أمر، ويجاهد كما أمر، يعني أقواله تطابق أعماله، وأعماله تطابق أقواله، وهو صادق في القول وصادق في العمل، وهكذا في أدائه الأمانة، وهكذا في بره لوالديه، وهكذا في صلته أرحامه، وهكذا في إنكاره المنكر إلى غير هذا، يكون صادق القول، وصادق العمل، هكذا المؤمن، بخلاف المنافق فقد يقول ولكن لا يعمل، لكذب قوله، وكذب عمله، وبخلاف المتكاسل الضعيف من أهل المعاصي قد يقول الخير ويتكلم ولكنه لا يصدق في ذلك ... وهذا كله ضعف ونوع من الكذب الفعلي، ولا يتم الإيمان، ولا يكمل الإيمان، ولا يحصل للعبد كمال الثواب، إلا بالتصديق القولي والعملي، وأن يكون صادقًا في قوله، صادقًا في عمله، ليس ممن يقول ثم يتأخر عن العمل الصالح الواجب، ولهذا قال : كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ [الصف:3].

س:.........

الشيخ: هذا هو المشهور، هو أن اللمم يغفر بعدم الفعل وأن ما ........ يغفر باجتناب الكبائر، وقال آخرون في اللمم غير هذا المعنى، قالوا: إن السيئات لا تغفر إلا بالتوبة؛ ولكن نص القرآن يدل على أن اجتناب الكبائر من أسباب غفران السيئات: إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ [النساء:31] يعني الصغائر، ومن قال: اللمم: كونه يهم بالذنب يريده ثم يرجع ولا يكمل، يعني: يهم به ثم يتذكر حكم الله فيرجع، فهذا تكتب له حسنة، إذا هم بالسيئة ثم تركها خوفًا من الله كتب الله له حسنة.

س:.........

الشيخ: اللمم مثل ما قال ابن عباس فعل المعاصي الصغار: الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ [النجم:32] يعني إلا ما قد يقع منهم من السيئات الصغار فيغفرها الله لهم باجتناب الكبائر، وقال: معناه إن اللمم يعني الذي قد يلم به، قد يلم بالشيء وقد يريده ويهتم به ويريد فعله ثم يتذكر عظمة الله ويتذكر أن الله حرمه عليه فيرجع فيكتب له بهذا حسنة.

الطالب: وَاحْتَجَّ لِلشَّافِعِيِّ فِيمَا ذَكَرَ الْخَطَّابِيُّ بِأَنَّ الْأَفْعَالَ تُضَافُ لِلْأَيْدِي لِقَوْلِهِ تَعَالَى: فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَقَوله: بِمَا قَدَّمَتْ يَدَاكَ وَلَيْسَ الْمُرَادُ فِي الْآيَتَيْنِ جِنَايَةَ الْأَيْدِي فَقَطْ، بَلْ جَمِيعُ الْجِنَايَاتِ اتِّفَاقًا، فَكَأَنَّهُ إِذَا قَالَ: زَنَتْ يَدُكَ وَصَفَ ذَاتَهُ بِالزِّنَا؛ لِأَنَّ الزِّنَا لَا يَتَبَعَّضُ. اهـ،  وَفِي التَّعْلِيلِ الْأَخِيرِ نَظَرٌ، وَالْمَشْهُور عِنْد الشَّافِعِيَّة أَنه لَيْسَ صَرِيحًا.

الشيخ: العيني زاد شيئًا؟

الطالب: الثَّالِث فِي مَعْنَاهُ: فَقَوله: اللمم مَا يلم بِهِ الشَّخْص من شهوات النَّفس، وَقيل: هُوَ المقارب من الذُّنُوب، وَقيل: هُوَ صغائر الذُّنُوب. قَوْله: كتب أَي: قدر. قَوْله: حَظه أَي: نصِيبه مِمَّا قدر عَلَيْهِ. قَوْله: لَا محَالة بِفَتْح الْمِيم أَي: لَا حِيلَة لَهُ فِي التَّخَلُّص من إِدْرَاك مَا كتب عَلَيْهِ، وَلَا بُد من ذَلِك. قَوْله: الْمنطق بِالْمِيم ويروى: النُّطْق، بِلَا مِيم. قَوْله: تمنى أَصله: تتمنى، فحذفت مِنْهُ إِحْدَى التَّاءَيْنِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: نَارًا تَلَظَّى أَي: تتلظى. قَوْله: والفرج يصدق ذَلِك الْمَذْكُور من زنا الْعين وزنا اللِّسَان، والتصديق بِالْفِعْلِ والتكذيب بِالتّرْكِ. وَقيل: التَّصْدِيق والتكذيب من صِفَات الْإِخْبَار فَمَا مَعْنَاهُمَا هَاهُنَا؟ وَأجِيب: بِأَنَّهُ لما كَانَ التَّصْدِيق هُوَ الحكم بمطابقة الْخَبَر للْوَاقِع، والتكذيب الحكم بعدمها، فَكَأَنَّهُ هُوَ الْموقع أَو الدّفع فَهُوَ تَشْبِيه، أَو لما كَانَ الْإِيقَاع مستلزماً للْحكم بهَا عَادَة فَهُوَ كِنَايَة.

الشيخ: التصديق يكون بالفعل، ويكون بالقول، نعم.

س:........

الشيخ: محتمل، هو معصية على كل حال، وفيه مضار كثيرة، وهو من الخبائث، ولكن على قول من قال: إن الكبائر ما ختم بلعنة أو غضب أو نار أو كان فيه حد في الدنيا قد يخرجه من الكبائر، ومن قال: إن حكمه حكم الخمر، لأنه يحصل به التخدير ويحصل به مضار قد تكون أعظم من الخمر قد يسكر بعض الأحيان من غير أن يشعر صاحبه إذا تأخر عنهم وشربه أو أكثر منه فألحقه بالكبائر.

س: استعمال العادة السرية من زنا اليد؟

الشيخ: هو الظاهر، وقد تكون بغير اليد قد يستعمل غير اليد، فالحاصل أنه نوع من الزنا المحرم؛ لأنه داخل في قوله تعالى: فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ [المؤمنون:7] قد يستعمل أشياء غير اليد؛ أشياء صناعية يفعلونها، نسأل الله العافية، المقصود أنه محرم منكر عند جمهور أهل العلم، لا يجوز لأنه داخل في قوله تعالى: فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ [المؤمنون:7] ثم هو فيه مضار كثيرة، قد يفضي بصاحبه إلى الهلوسة وضعف العقل، وقد يفضي إلى انقطاع النسل، وقد ألف في هذا بعض علماء العصر وذكر أقوال الأطباء في مضارة الكثيرة.

الطالب: نقل قولًا للمهلب؟

الشيخ: أيش؟

الطالب: قال: وَقَالَ الْمُهلب: كل مَا كتبه الله على ابْن آدم فَهُوَ سَابق فِي علم الله لَا بُد أَن يُدْرِكهُ الْمَكْتُوب، وَأَن الْإِنْسَان لَا يملك دفع ذَلِك عَن نَفسه، غير أَن الله تَعَالَى تفضل على عباده وَجعل ذَلِك لممًا وصغائر لَا يُطَالب بهَا عباده إِذا لم يكن لِلْفَرجِ تَصْدِيق لَهَا، فَإِذا صدق الْفرج كَانَ ذَلِك من الْكَبَائِر.

الشيخ: طيب، لكن سبق القضاء وسبق القدر لا حجة فيه؛ لأن الإنسان مأمور بالعمل، وكل ميسر لما خلق له.

س:........

الشيخ: هذا مطابق، الله جعل الصلوات والصيام وغيره كفارة للصغائر، إذا اجتنب العبد الكبائر، مطابق لها، ما في مخالفة، مطابق للآية؛ لأن المؤمن لا بدّ يؤدي الصلوات، لا بدّ يؤدي الواجبات، وإلا ما يكون مؤمن.

بَاب التَّسْلِيمِ وَالِاسْتِئْذَانِ ثَلاَثًا

6244 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، أَخْبَرَنَا عَبْدُالصَّمَدِ، حَدَّثَنَا عَبْدُاللَّهِ بْنُ المُثَنَّى، حَدَّثَنَا ثُمَامَةُ بْنُ عَبْدِاللَّهِ، عَنْ أَنَسٍ : «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ كَانَ إِذَا سَلَّمَ سَلَّمَ ثَلاَثًا، وَإِذَا تَكَلَّمَ بِكَلِمَةٍ أَعَادَهَا ثَلاَثًا».

6245 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِاللَّهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ خُصَيْفَةَ، عَنْ بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ، قَالَ: كُنْتُ فِي مَجْلِسٍ مِنْ مَجَالِسِ الأَنْصَارِ، إِذْ جَاءَ أَبُو مُوسَى كَأَنَّهُ مَذْعُورٌ، فَقَالَ: اسْتَأْذَنْتُ عَلَى عُمَرَ ثَلاَثًا، فَلَمْ يُؤْذَنْ لِي فَرَجَعْتُ، فَقَالَ: مَا مَنَعَكَ؟ قُلْتُ: اسْتَأْذَنْتُ ثَلاَثًا فَلَمْ يُؤْذَنْ لِي فَرَجَعْتُ، وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: إِذَا اسْتَأْذَنَ أَحَدُكُمْ ثَلاَثًا فَلَمْ يُؤْذَنْ لَهُ فَلْيَرْجِعْ فَقَالَ: وَاللَّهِ لَتُقِيمَنَّ عَلَيْهِ بِبَيِّنَةٍ، أَمِنْكُمْ أَحَدٌ سَمِعَهُ مِنَ النَّبِيِّ ﷺ؟ فَقَالَ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ: وَاللَّهِ لاَ يَقُومُ مَعَكَ إِلَّا أَصْغَرُ القَوْمِ، فَكُنْتُ أَصْغَرَ القَوْمِ فَقُمْتُ مَعَهُ، فَأَخْبَرْتُ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ ذَلِكَ. وَقَالَ ابْنُ المُبَارَكِ: أَخْبَرَنِي ابْنُ عُيَيْنَةَ، حَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ خُصَيْفَةَ، عَنْ بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ، سَمِعْتُ أَبَا سَعِيدٍ، بِهَذَا.

الشيخ: وهذا من اجتهاد عمر، وحرصه على التثبت في الأمور ........ على الصحابة حتى يعنوا بهذا الأمر؛ لأنه خبر عن رسول الله ﷺ، وهو تشريع، وأمره عظيم؛ فلهذا أراد بذلك أن يستثبت في الأمر، وكان يقبل الأخبار من آحاد أصحابه وأفرادهم إذا لم يعتريه شك في ذلك، وإذا اعتراه شك أو خاف من تساهله استثبت، وهذا من باب التثبت، ومن باب الاجتهاد، وإلا فالأصل قبول خبر الواحد الثقة مطلقًا، ولهذا قال لابنه عبدالله: إذا حدثك سعد بشيء فلا تسأل عنه غيره، يعني سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه وأرضاه.

س: اختيار أصغر القوم للذهاب؟

الشيخ: ليعلم أن هذا شيء مشهور، وأنه شيء ليس فيه شبهة، حتى علمه صغار الصحابة.

س:........

الشيخ: محمول على أنه إذا كانوا كثيرين، وإلا لم يفهموا، ولهذا في اللفظ الآخر: حتى تفهم عنه وأما إذا فهموا انتهى، ما عاد في حاجة للتكرار، كان يسلم ثلاثًا لأسباب: إما لكثرة القوم وتباعدهم حتى يفهموا كلامه، وإما لأسباب أخرى تقتضي ذلك، وهكذا إعادة الكلمة حتى تفهم عنه؛ لأنه مشرع لا ينطق عن الهوى، ولهذا أراد أن يفهموا ما يقول وأن يحفظوه جيدا حتى لا ينقلوا عن النبي ﷺ إلا أشياء مثبوتة.

س:........

الشيخ: يفعل الشيء المبلغ: مثل ضرب الجرس، مثل ضرب الحلقة، الشيء الذي يسمعهم مع السلام.

س:........

الشيخ: أما السلام ثلاث هذه السنة، أما كونه يعمل شيئا آخر وزيادة مثل ضرب الحلقة ضرب الجرس مثل أشباه ذلك مما يشعرهم؛ لأنهم قد لا يسمعون الصوت.

س: الجرس؟

الشيخ: ما فيه شيء؛ لأن هذا من باب التنبيه، مثل جرس الساعة والتلفون، ليس قصده قصد الجاهلية من تعليقه.

س: ما يمنع الملائكة؟

الشيخ: ما يمنع إن شاء الله.

بَاب إِذَا دُعِيَ الرَّجُلُ فَجَاءَ هَلْ يَسْتَأْذِنُ

قَالَ سَعِيدٌ: عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَبِي رَافِعٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: هُوَ إِذْنُهُ.

6246 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ ذَرٍّ، وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُاللَّهِ، أَخْبَرَنَا عُمَرُ بْنُ ذَرٍّ، أَخْبَرَنَا مُجَاهِدٌ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ: دَخَلْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَوَجَدَ لَبَنًا فِي قَدَحٍ، فَقَالَ: أَبَا هِرٍّ، الحَقْ أَهْلَ الصُّفَّةِ فَادْعُهُمْ إِلَيَّ قَالَ: فَأَتَيْتُهُمْ فَدَعَوْتُهُمْ، فَأَقْبَلُوا فَاسْتَأْذَنُوا، فَأُذِنَ لَهُمْ فَدَخَلُوا.

الشيخ: وكانوا أضياف الإسلام، فقراء كانوا، إذا جاء النبي بهدية دعاهم ليسقيهم وليأكلوا. جاء في بعض الروايات تفصيل هذه الدعوة وأنهم كانوا سبعين، وأن أبا هريرة كان محتاجًا للبن فلما أمره أن يسقيهم قال: ماذا يفعل هذا القدح وأنا محتاج؟ ولكن لا حيلة لي في تنفيذ ما قاله رسول الله ﷺ، فدعاهم وجاءوا وهم سبعون وأخذوا مجالسهم، هذا يدل على أن هناك عنده ﷺ مجالس واسعة لمثل هذا، ثم قال لأبي هريرة: خذ أنت القدح امش به عليهم، فجعل يمر به عليهم ويسقيهم، كل واحد يشرب حاجته حتى شرب السبعون من هذا القدح سبعين ثم قال: اشرب يا أبا هريرة -قبل النبي ﷺ- فشرب، ثم قال: اشرب، فشرب، ثم قال: اشرب فشرب، ثم قال: اشرب، في الرابعة قال: والذي بعثك بالحق لا أجد له مسلكًا، ثم أخذ النبي ﷺ القدح الفضلة فشرب عليه الصلاة والسلام، فهذا فيه أولاً معجزة من معجراته، قدح يحمله أبو هريرة على يده يسقي سبعين ويرويهم ثم يَرْوَى هو، وهو المحتاج الفقير ثم يأخذ النبي الفضلة.

وفيه من الفوائد: دعوة الفقراء والعناية بهم والحرص عليهم، وعدم إغفالهم بين المسلمين.

وفيه من الفوائد: أن الساقي يكون هو الأخير، لا يشرب قبلهم، ساقي القوم يكون آخرهم.

وفيه: تواضع النبي ﷺ، وكونه شرب الأخير عليه الصلاة والسلام، وفيه فضل تواضعه، لقوله: اشرب يا أبا هريرة، اشرب، اشرب، تقديمًا على نفسه.

وفيه قول المضيف للضيف: كل كل، اشرب، يؤكد عليه؛ لأنه قد يستحي، قد يترك بعض الأكل أو بعض الشرب حياء، فإذا قال له المضيف: اشرب يا أخي، اشرب، كل، كمل جزاك الله خيرًا، كان هذا مما يدعوه إلى أن يكمل حاجته، ويترك الحياء الذي قد يصيبه.

وفيه من الفوائد مثل ما تقدم: حسن خلقه ﷺ؛ كونه دعا الأضياف وجلس معهم وهم فقراء وبدأهم على نفسه وجعلهم يشربون جميعًا، ثم يشرب أبو هريرة، ثم يشرب هو عليه الصلاة والسلام، كل هذا فيه من الفوائد العظيمة ما لا يخفى على من تأمل عليه الصلاة والسلام، وأعظم من ذلك المعجزة العظيمة: قدح صغير يُحمل على اليد يسقي سبعين ثم يسقي واحدًا وسبعين ثم اثنتين وسبعين، هذا من نعم الله العظيمة، ومن آيات الله الباهرة، أيش قال عليه؟ تكلم على القدح؟

الطالب: يقول: والحديث أخرجه البخاري أيضًا... وحده مطولًا، وأخرجه الترمذي في الزهد.

الشيخ: مطولًا مثل ما تقدم، مطولًا بذكر الأضياف السبعين وسقيهم.

الطالب: قال: وأخرجه النسائي في الرقائق عن أحمد بن .....

الشيخ: والحافظ؟

الطالب: وَلِلْحَدِيثِ مَعَ ذَلِكَ مُتَابِعٌ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي الْأَدَبِ الْمُفْرَدِ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِلَفْظِ: رَسُولُ الرَّجُلِ إِلَى الرَّجُلِ إِذْنُهُ، وَأَخْرَجَ لَهُ شَاهِدًا مَوْقُوفا على ابن مَسْعُودٍ قَالَ: إِذَا دُعِيَ الرَّجُلُ فَهُوَ إِذْنُهُ، وَأخرجه ابن أَبِي شَيْبَةَ مَرْفُوعًا، وَاعْتَمَدَ الْمُنْذِرِيُّ عَلَى كَلَامِ أَبِي دَاوُدَ فَقَالَ: أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ تَعْلِيقًا لِأَجْلِ الِانْقِطَاعِ، كَذَا قَالَ، وَلَوْ كَانَ عِنْدَهُ مُنْقَطِعًا لَعَلَّقَهُ بِصِيغَةِ التَّمْرِيضِ كَمَا هُوَ الْأَغْلَبُ مِنْ صَنِيعِهِ، وَهُوَ غَالِبًا يَجْزِمُ إِذَا صَحَّ السَّنَدُ إِلَى مَنْ عَلَّقَ عَنْهُ كَمَا قَالَ فِي الزَّكَاةِ: وَقَالَ طَاوُسٌ: قَالَ مُعَاذٌ، فَذَكَرَ أَثَرًا وَطَاوُسٌ لَمْ يُدْرِكْ مُعَاذًا، وَكَذَا إِذَا كَانَ فَوْقَ مَنْ عَلَّقَ عَنْهُ مَنْ لَيْسَ عَلَى شَرْطِهِ كَمَا قَالَ فِي الطَّهَارَةِ: وَقَالَ بَهْزُ بْنُ حَكِيمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ، وَحَيْثُ وَقَعَ فِيمَا طَوَاهُ مَنْ لَيْسَ عَلَى شَرْطِهِ؛ مَرَّضَهُ.

الشيخ: مرّضه يعني: يُقال: ويُروى، ويُذكر.

الطالب: كَمَا قَالَ فِي النِّكَاحِ، وَيُذْكَرُ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ حَيْدَةَ فَذَكَرَ حَدِيثًا، وَمُعَاوِيَةُ هُوَ جَدُّ بَهْزِ بْنِ حَكِيمٍ وَقَدْ أَوْضَحْتُ ذَلِكَ فِي الْمُقَدِّمَةِ، ثُمَّ أَوْرَدَ الْمُصَنِّفُ طَرَفًا مِنْ حَدِيثِ مُجَاهِدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: دَخَلْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَوَجَدَ لَبَنًا فِي قَدَحٍ فَقَالَ: أَبَا هِرٍّ الْحَقْ أَهْلَ الصُّفَّةِ فَادْعُهُمْ إِلَيَّ قَالَ: فَأَتَيْتُهُمْ فَدَعَوْتُهُمْ فَأَقْبَلُوا فَاسْتَأْذَنُوا فَأَذِنَ لَهُمْ فَدَخَلُوا، اقْتَصِرَ مِنْهُ عَلَى هَذَا الْقَدْرِ؛ لِأَنَّهُ الَّذِي احْتَاجَ إِلَيْهِ هُنَا، وَسَاقَهُ فِي الرِّقَاقِ بِتَمَامِهِ كَمَا سَيَأْتِي، وَظَاهِرُهُ يُعَارِضُ الْحَدِيثَ الْأَوَّلَ، وَمِنْ ثَمَّ لَمْ يَجْزِمْ بِالْحُكْمِ، وَجَمَعَ الْمُهَلَّبُ وَغَيْرُهُ بِتَنْزِيلِ ذَلِكَ عَلَى اخْتِلَافِ حَالَيْنِ، إِنْ طَالَ الْعَهْدُ بَيْنَ الطَّلَبِ وَالْمَجِيءِ احْتَاجَ إِلَى اسْتِئْنَافِ الِاسْتِئْذَانِ، وَكَذَا إِنْ لَمْ يَطُلْ؛ لَكِنْ كَانَ الْمُسْتَدْعِي فِي مَكَانٍ يُحْتَاجُ مَعَهُ إِلَى الْإِذْنِ فِي الْعَادَةِ وَإِلَّا لَمْ يَحْتَجْ إِلَى اسْتِئْنَافِ إِذْنٍ، وَقَالَ ابن التِّينِ: لَعَلَّ الْأَوَّلَ فِيمَنْ عُلِمَ أَنَّهُ لَيْسَ عِنْدَهُ مَنْ يُسْتَأْذَنُ لِأَجْلِهِ، وَالثَّانِي بِخِلَافِهِ، قَالَ: وَالِاسْتِئْذَانُ عَلَى كُلِّ حَالٍ أَحْوَطُ، وَقَالَ غَيْرُهُ: إِنْ حَضَرَ صُحْبَةَ الرَّسُولِ أَغْنَاهُ اسْتِئْذَانُ الرَّسُولِ وَيَكْفِيهِ سَلَامُ الْمُلَاقَاةِ، وَإِنْ تَأَخَّرَ عَنِ الرَّسُولِ احْتَاجَ إِلَى الِاسْتِئْذَانِ، وَبِهَذَا جَمَعَ الطَّحَاوِيُّ، وَاحْتَجَّ بِقَوْلِهِ فِي الْحَدِيثِ الثَّانِي: فَأَقْبَلُوا فَاسْتَئْذَنُوا فَدَلَّ عَلَى أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ لَمْ يَكُنْ مَعَهُمْ، وإلا لقَالَ: فأقبلنا، كَذَا قَالَ.

بَاب التَّسْلِيمِ عَلَى الصِّبْيَانِ

6247 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الجَعْدِ، أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ، عَنْ سَيَّارٍ، عَنْ ثَابِتٍ البُنَانِيِّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ : أَنَّهُ مَرَّ عَلَى صِبْيَانٍ فَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ وَقَالَ: «كَانَ النَّبِيُّ ﷺ يَفْعَلُهُ».

بَاب تَسْلِيمِ الرِّجَالِ عَلَى النِّسَاءِ، وَالنِّسَاءِ عَلَى الرِّجَالِ

6248 - حَدَّثَنَا عَبْدُاللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سَهْلٍ، قَالَ: "كُنَّا نَفْرَحُ يَوْمَ الجُمُعَةِ" قُلْتُ: وَلِمَ؟ قَالَ: "كَانَتْ لَنَا عَجُوزٌ، تُرْسِلُ إِلَى بُضَاعَةَ - قَالَ ابْنُ مَسْلَمَةَ: نَخْلٍ بِالْمَدِينَةِ - فَتَأْخُذُ مِنْ أُصُولِ السِّلْقِ، فَتَطْرَحُهُ فِي قِدْرٍ، وَتُكَرْكِرُ حَبَّاتٍ مِنْ شَعِيرٍ، فَإِذَا صَلَّيْنَا الجُمُعَةَ انْصَرَفْنَا، وَنُسَلِّمُ عَلَيْهَا فَتُقَدِّمُهُ إِلَيْنَا، فَنَفْرَحُ مِنْ أَجْلِهِ، وَمَا كُنَّا نَقِيلُ وَلاَ نَتَغَدَّى إِلَّا بَعْدَ الجُمُعَةِ".

الشيخ: هذا والذي قبله فيه الدلالة على جنس السلام على الصبيان والنساء، وأنه مشروع لما فيه من الخير والتأليف والتعليم أيضًا؛ حتى ينشأ الجميع على معرفة السلام، وحكم السلام وشرعيته، ولهذا ذكر أنس أن النبي ﷺ كان يسلم على الصبيان حتى يتعلموا ويستفيدوا، وهكذا النساء إذا سلم عليهن أو سلمن عليه كل ذلك مما شرعه الله في غير ريبة، وفي غير أمر محذور، ولهذا ذكر سهل زيارته للعجوز التي كانت تعد لهم الطعام بعد الجمعة، ويأتون إليها، ويسلمون عليها، وتقدم لهم الطعام، كذلك زيارة النبي ﷺ لأهل أنس لجدته وأمه وسلامه عليهم وسلامهم عليه، وغير ذلك مما كان في عهده ﷺ، وفي عهد أصحابه، المقصود أن التسليم على الصبيان وعلى النساء أمر مشروع ما لم يكن هناك ريبة تمنع من ذلك.

وفي هذا أيضًا إجابة دعوة المرأة، وأنها إذا دعت إلى وليمة صغيرة أو كبيرة تجاب دعوتها بشرط ألا يكون في ذلك محذور شرعًا لا خلوة ولا فتنة.

س: قوله: وما كنا نقيل ولا نتغدى إلا بعد الجمعة، هل في هذا دليل جواز إقامة صلاة الجمعة قبل الزوال؟

الشيخ: لا، ما هو صريح، ليس بصريح، احتج بعض أهل العلم على ذلك، لكن ليس بصريح؛ لأنهم يبكرون إلى الجمعة، والتبكير يدعو إلى تأخير القائلة، إلى بعد الصلاة؛ لأن الرسول كان يقيمها في الغالب إذا زالت الشمس، هذا هو المعروف عنه عليه الصلاة والسلام؛ يبكّر بها من حين تزول الشمس، فإذا صلوا أراحوا رواحلهم واستراحوا، لكن هناك أدلة أخرى يحتج بها بعض أهل العلم على جوازها قبل الزوال مثل حديث الساعات، وأنه بعد الساعة الخامسة يحضر الملائكة يستمعون الذكر، هذه وأحاديث أخرى في الباب قد يؤخذ منها شيء من هذا؛ لكن الأحوط الذي عليه الجمهور ألا تصلى إلا بعد الزوال، هذا الذي عليه جمهور أهل العلم.

س: لو صليت قبل الزوال بقليل؟

الشيخ: يصح، الصحيح يصح؛ لأنها السادسة.

6249 - حَدَّثَنَا ابْنُ مُقَاتِلٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُاللَّهِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِالرَّحْمَنِ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: يَا عَائِشَةُ هَذَا جِبْرِيلُ يَقْرَأُ عَلَيْكِ السَّلاَمَ قَالَتْ: قُلْتُ: وَعَلَيْهِ السَّلاَمُ وَرَحْمَةُ اللَّهِ، تَرَى مَا لاَ نَرَى، تُرِيدُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ تَابَعَهُ شُعَيْبٌ، وَقَالَ يُونُسُ، وَالنُّعْمَانُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ: وَبَرَكَاتُهُ.

الشيخ: وهذه منقبة لعائشة رضي الله عنها، كون جبرائيل سلم عليها، فردت عليه، وقالت: وعليك السلام ورحمة الله وبركاته، ترى يا رسول الله ما لا نرى، وصح عنه ﷺ كما تقدم أن الله أمره أن يقرأ على خديجة السلام من ربها، وأن يبشرها بالجنة، ويبشرها ببيت في الجنة من قصب، لا نصب فيه ولا صخب، يعني من لؤلؤ، ليس فيه تعب ولا أذى، رضي الله عن الجميع.

[أسئلة غير واضحة ]

بَاب إِذَا قَالَ: مَنْ ذَا؟ فَقَالَ: أَنَا

6250 -  حَدَّثَنَا أَبُو الوَلِيدِ هِشَامُ بْنُ عَبْدِالمَلِكِ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ المُنْكَدِرِ، قَالَ: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِاللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، يَقُولُ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ ﷺ فِي دَيْنٍ كَانَ عَلَى أَبِي، فَدَقَقْتُ البَابَ، فَقَالَ: مَنْ ذَا فَقُلْتُ: أَنَا، فَقَالَ: أَنَا أَنَا كَأَنَّهُ كَرِهَهَا.

الشيخ: يفيد أن السُّنة أن يقول: أنا فلان أو أبو فلان، اسم يعرف به؛ لأن "أنا" قد تشتبه، ما كُلٌّ يعرف الصوت، قد يشتبه في الصوت.

بَاب مَنْ رَدَّ فَقَالَ: عَلَيْكَ السَّلاَمُ

وَقَالَتْ عَائِشَةُ: "وَعَلَيْهِ السَّلاَمُ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ"، وَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: رَدَّ المَلاَئِكَةُ عَلَى آدَمَ: السَّلاَمُ عَلَيْكَ وَرَحْمَةُ اللَّهِ.

6251 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُاللَّهِ بْنُ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ المَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ : أَنَّ رَجُلًا دَخَلَ المَسْجِدَ، وَرَسُولُ اللَّهِ ﷺ جَالِسٌ فِي نَاحِيَةِ المَسْجِدِ، فَصَلَّى ثُمَّ جَاءَ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: وَعَلَيْكَ السَّلاَمُ، ارْجِعْ فَصَلِّ فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ فَرَجَعَ فَصَلَّى ثُمَّ جَاءَ فَسَلَّمَ، فَقَالَ: وَعَلَيْكَ السَّلاَمُ، فَارْجِعْ فَصَلِّ، فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ فَقَالَ فِي الثَّانِيَةِ، أَوْ فِي الَّتِي بَعْدَهَا: عَلِّمْنِي يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَقَالَ: إِذَا قُمْتَ إِلَى الصَّلاَةِ فَأَسْبِغِ الوُضُوءَ، ثُمَّ اسْتَقْبِلِ القِبْلَةَ فَكَبِّرْ، ثُمَّ اقْرَأْ بِمَا تَيَسَّرَ مَعَكَ مِنَ القُرْآنِ، ثُمَّ ارْكَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ رَاكِعًا، ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَسْتَوِيَ قَائِمًا، ثُمَّ اسْجُدْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ سَاجِدًا، ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ جَالِسًا، ثُمَّ اسْجُدْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ سَاجِدًا، ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ جَالِسًا، ثُمَّ افْعَلْ ذَلِكَ فِي صَلاَتِكَ كُلِّهَا وَقَالَ أَبُو أُسَامَةَ، فِي الأَخِيرِ: حَتَّى تَسْتَوِيَ قَائِمًا.

6252 - حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي يَحْيَى، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنِي سَعِيدٌ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ جَالِسًا.

الشيخ: هذه صلاة المسيئ، معروف، تقدمت في الصلاة، وهي دليل على أن عدم الطمأنينة يوجب الإعادة، وأنها لا تصح الصلاة إلا بالطمأنينة، وهي الركود في الصلاة، وعدم العجلة، وعدم النقر، وهذا الرجل صلى والنبي يشاهده في طائفة المسجد عليه الصلاة والسلام فسلم عليه وعلمه أن يرجع فيصلي ويعيد الصلاة، ثم سلم عليه فرد عليه النبي، وقال: عد فصل فإنك لم تصل حتى قال الرجل في الثانية أو الثالثة، المشهور في الرواية الثالثة: علمني يا رسول الله وفي اللفظ الآخر، قال: والذي بعثك بالحق لا أحسن غير هذا فعلمني، فعلمه النبي ﷺ كيف يصلي؛ فدل ذلك على أن الجاهل يعلم بالرفق، وأنه لا مانع من ترداده لعله يفهم، لعله ينتبه، حتى تكون الفائدة أعظم في قلبه، وأرسخ في قلبه بالترداد، وفيه أن الإنسان إذا سلم يرد عليه ولو ما راح بعيد، ولو أنه غريب فإنهم يرون، يشاهدون صلاته، فسلم عليهم، ثم رجع فصلى، ثم عاد فسلم فردوا عليه، ثم عاد فسلم فردوا عليه، فدل ذلك على أن مثل هذا لا يُنكر، وأن كونه يسلم وهم يشاهدونه مرة بعد مرة لم يغب عنهم لا يضر؛ لأن شغله بالصلاة شغل عظيم.

وفيه حسن خلقه ﷺ، وحسن تعليمه، فلم يزجره، ولم يوبخه؛ بل علمه برفق وحكمة عليه الصلاة والسلام، وهكذا ينبغي لأهل العلم والدعاة إلى الله والمرشدين أن يرفقوا بالجاهل، وألا يعجلوا، وألا يشددوا، ولا يعنفوا، حتى يتبصّر الجاهل، ويتعلم، ويستفيد.

س: زيادة "ومغفرته" في الرد؟

الشيخ: ما نعرف فيها شيئًا يصح، إنما يُروى عن بعض السلف عن ابن عمر وعن غيره.

بَاب إِذَا قَالَ: فُلاَنٌ يُقْرِئُكَ السَّلاَمَ

6253 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا زَكَرِيَّاءُ، قَالَ: سَمِعْتُ عَامِرًا، يَقُولُ: حَدَّثَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِالرَّحْمَنِ، أَنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، حَدَّثَتْهُ: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ لَهَا: إِنَّ جِبْرِيلَ يُقْرِئُكِ السَّلاَمَ قَالَتْ: وَعَلَيْهِ السَّلاَمُ وَرَحْمَةُ اللَّهِ.

الشيخ: ما نبه الشارح على الرواية الأخرى؟

الطالب: (قَوْلُهُ: بَابُ إِذَا قَالَ فُلَانٌ يُقْرِئُكَ السَّلَامَ) فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ: يَقْرَأُ عَلَيْكَ السَّلَامَ، وَهُوَ لَفْظُ حَدِيثِ الْبَابِ وَقَدْ تَقَدَّمَ شَرْحُهُ فِي مَنَاقِبِ عَائِشَةَ، وَتَقَدَّمَ شَرْحُ هَذِهِ اللَّفْظَةِ، وَهِيَ: اقْرَأِ السَّلَامَ فِي كِتَابِ الْإِيمَانِ، قَالَ النَّوَوِيُّ: فِي هَذَا الْحَدِيثِ مَشْرُوعِيَّةُ إِرْسَالِ السَّلَامِ، وَيَجِبُ عَلَى الرَّسُولِ تَبْلِيغُهُ؛ لِأَنَّهُ أَمَانَةٌ، وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُ بِالْوَدِيعَةِ أَشْبَهُ، وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ الرَّسُولَ إِنِ الْتَزَمَهُ أَشْبَهَ الْأَمَانَةَ وَإِلَّا فَوَدِيعَةٌ، وَالْوَدَائِعُ إِذَا لَمْ تُقْبَلْ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ، قَالَ: وَفِيهِ إِذَا أَتَاهُ شَخْصٌ بِسَلَامٍ مِنْ شَخْصٍ أَوْ فِي وَرَقَةٍ وَجَبَ الرَّدُّ عَلَى الْفَوْرِ، وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَرُدَّ عَلَى الْمُبَلِّغِ كَمَا أَخْرَجَ النَّسَائِيُّ عَنْ رَجُلٍ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ أَنَّهُ بَلَّغَ النَّبِيّ ﷺ سَلَامَ أَبِيهِ فَقَالَ لَهُ: وَعَلَيْكَ وَعَلَى أَبِيكَ السَّلَامُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْمَنَاقِبِ أَنَّ خَدِيجَةَ لَمَّا بَلَّغَهَا النَّبِيُّ ﷺ عَنْ جِبْرِيلَ سَلَامُ اللَّهِ عَلَيْهَا قَالَتْ: إِنَّ اللَّهَ هُوَ السَّلَامُ وَمِنْهُ السَّلَامُ، وَعَلَيْكَ وَعَلَى جِبْرِيلَ السَّلَامُ.

الشيخ: وهذا يدل على فقهها العظيم رضي الله عنها، فقه وبصيرة، عرفت أنه لا يسلم على الله؛ لأنه دعاء والله هو السلام ومنه السلام، فقالت: وعليك وعلى جبرائيل السلام؛ لأنهما المبلغان، وهكذا رواية النسائي: وعليك وعلى أبيك السلام، وفي حديث عائشة الدلالة على أنه لو حذف وعليك جاز؛ لأنها حذفت قالت: وعليه السلام ورحمة الله وبركاته، وأقرها النبي ﷺ، دل على أنه يجوز للمبلغ أن يقول: وعليه السلام ورحمة الله وبركاته، أو وعليك وعليه السلام ورحمة الله وبركاته، وهذا أكمل؛ لما روى النسائي، وفي قصة خديجة أكمل، يقول: عليك، أي المبلغ، وعلى فلان، السلام، يعني أنه يجمعهما لأن هذا ... وذاك مسلم فيجمعها ويقول: وعليك وعلى فلان السلام، هذا أكمل، وإن قال: وعلى فلان السلام فقط، اقتصر عليه كما في قصة عائشة هنا؛ كفى.

س: بعضهم إذا سلم عليه يقول: عليه وعلى رسول الله الصلاة والسلام؟

الشيخ: ما بلغنا هذا، ما نعرف له أصلًا، إنما يسلم على من سلم عليه يقول: وعليك وعلى فلان السلام، ويكفي، أو: على فلان السلام.

س: خديجة فهمت هذا في أول البعثة؟

الشيخ: نعم، نعم، وهذا يدل على فقه عظيم، فهي كانت فقيهة، عظيمة الشأن، عظيمة العقل، عظيمة البصيرة، رضي الله عنها، تقول له في أول البعثة: كلا والله لا يخزيك الله أبدًا، لما أتاها يقول: زمّلوني زمّلوني، لما رأى من الشدة التي رآها من جبرائيل عليه الصلاة والسلام، زمّلوني لقد خشيت على نفسي، يعني من الغطة التي غطه جبرائيل عليه الصلاة والسلام، كلا، لا والله لا يخزيك الله أبدًا، وفي اللفظ الآخر: لا يحزنك الله أبدًا، إنك لتقري الضيف، وتصدق الحديث، وتصل الرحم، وتحمل الكل، وتعين على نوائب الحق.

الطالب: تكملة للشارح.

الشيخ: نعم.

الطالب: وَلَمْ أَرَ فِي شَيْءٍ مِنْ طُرُقِ حَدِيثِ عَائِشَةَ أَنَّهَا رَدَّتْ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ غَيْرُ وَاجِبٍ، وَقَدْ وَرَدَ بِلَفْظِ التَّرْجَمَةِ حَدِيثُ مِنْ قَوْلِ النَّبِيِّ ﷺ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ أَنَّ فَتًى مِنْ أَسْلَمَ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أُرِيدُ الْجِهَادَ، فَقَالَ: ائْتِ فلَانا فَقل أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يُقْرِئُكَ السَّلَامَ وَيَقُولُ ادْفَعْ إِلَيَّ مَا تَجَهَّزْتَ بِهِ.

س: إذا صلى المرء وأساء في صلاته جاهلاً؟

الشيخ: إن كانت فيه إساءة تبطلها يعيدها، وإن كانت لا تبطلها يعلّم ولا يعيد، إن كان أخلّ بركن، أخل بالطمأنينة وغيرها؛ يعيد ويعلّم، مثل ما أمر النبي أن يعيد وإن كان مجرد أنه أخل بعض الشيء من المستحبات التي لا تبطلها فلا يضر؛ يُعلّم الكمال ولا يضر.

س: من قال: إذا سلم عليه قال: أهلا ومرحبًا؟

الشيخ: لا، خالف السنة، لا بدّ يقول مثل ما بيَّن النبي ﷺ: وعليك السلام ورحمة الله، فإذا زاد بعد هذا: أهلا ومرحبًا، مثل ما فعل النبي مع أم هانئ؛ طيب.

س: إذا أخل بركن واحد فقط؟

الشيخ: يُعلّم ويعيد.

بَاب التَّسْلِيمِ فِي مَجْلِسٍ فِيهِ أَخْلاَطٌ مِنَ المُسْلِمِينَ وَالمُشْرِكِينَ

6254 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى، أَخْبَرَنَا هِشَامٌ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ رَكِبَ حِمَارًا، عَلَيْهِ إِكَافٌ تَحْتَهُ قَطِيفَةٌ فَدَكِيَّةٌ، وَأَرْدَفَ وَرَاءَهُ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ، وَهُوَ يَعُودُ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ فِي بَنِي الحَارِثِ بْنِ الخَزْرَجِ، وَذَلِكَ قَبْلَ وَقْعَةِ بَدْرٍ، حَتَّى مَرَّ فِي مَجْلِسٍ فِيهِ أَخْلاَطٌ مِنَ المُسْلِمِينَ وَالمُشْرِكِينَ عَبَدَةِ الأَوْثَانِ وَاليَهُودِ، وَفِيهِمْ عَبْدُاللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ ابْنُ سَلُولَ، وَفِي المَجْلِسِ عَبْدُاللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ، فَلَمَّا غَشِيَتِ المَجْلِسَ عَجَاجَةُ الدَّابَّةِ، خَمَّرَ عَبْدُاللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ أَنْفَهُ بِرِدَائِهِ، ثُمَّ قَالَ: لاَ تُغَبِّرُوا عَلَيْنَا، فَسَلَّمَ عَلَيْهِمُ النَّبِيُّ ﷺ ثُمَّ وَقَفَ، فَنَزَلَ فَدَعَاهُمْ إِلَى اللَّهِ، وَقَرَأَ عَلَيْهِمُ القُرْآنَ، فَقَالَ عَبْدُاللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ ابْنُ سَلُولَ: أَيُّهَا المَرْءُ، لاَ أَحْسَنَ مِنْ هَذَا إِنْ كَانَ مَا تَقُولُ حَقًّا، فَلاَ تُؤْذِنَا فِي مَجَالِسِنَا، وَارْجِعْ إِلَى رَحْلِكَ، فَمَنْ جَاءَكَ مِنَّا فَاقْصُصْ عَلَيْهِ، قَالَ عَبْدُاللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ: اغْشَنَا فِي مَجَالِسِنَا فَإِنَّا نُحِبُّ ذَلِكَ، فَاسْتَبَّ المُسْلِمُونَ وَالمُشْرِكُونَ وَاليَهُودُ، حَتَّى هَمُّوا أَنْ يَتَوَاثَبُوا، فَلَمْ يَزَلِ النَّبِيُّ ﷺ يُخَفِّضُهُمْ، ثُمَّ رَكِبَ دَابَّتَهُ حَتَّى دَخَلَ عَلَى سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ، فَقَالَ: أَيْ سَعْدُ، أَلَمْ تَسْمَعْ إِلَى مَا قَالَ أَبُو حُبَابٍ - يُرِيدُ عَبْدَاللَّهِ بْنَ أُبَيٍّ - قَالَ كَذَا وَكَذَا قَالَ: اعْفُ عَنْهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَاصْفَحْ، فَوَاللَّهِ لَقَدْ أَعْطَاكَ اللَّهُ الَّذِي أَعْطَاكَ، وَلَقَدِ اصْطَلَحَ أَهْلُ هَذِهِ البَحْرَةِ عَلَى أَنْ يُتَوِّجُوهُ، فَيُعَصِّبُونَهُ بِالعِصَابَةِ،

الشيخ: يعصبونه بالنون؟

الطالب: نعم. عندي فيه نون.

الشيخ: ما نبه الشارح؟ الأصل حذف النون عطفًا على يتوجوه.

 فَلَمَّا رَدَّ اللَّهُ ذَلِكَ بِالحَقِّ الَّذِي أَعْطَاكَ شَرِقَ بِذَلِكَ، فَذَلِكَ فَعَلَ بِهِ مَا رَأَيْتَ، فَعَفَا عَنْهُ النَّبِيُّ ﷺ.

الشيخ: تقدم هذا الحديث وهو يدل على أن الرجل قد امتلأ حقدًا وشرًّا، ولكن لا حيلة له إلا بمثل هذا الكلام؛ لما فيه من النفاق العظيم والخبث الكثير، والرجل الخبيث لا بدّ ينطق فوه بما في نفسه غالبًا، ولا يستطيع أن يسكت، ولهذا قال: لا تغبروا علينا، ثم صرح فقال: إنه لا أحسن مما تقول، شهادة من هذا الخبيث بأنه لا أحسن مما يقول عليه الصلاة والسلام، ولكن اجلس في بيتك ومن جاءك فاقصص عليه، ولا تؤذنا به في مجالسنا، جعل الذكر والموعظة أذى، نسأل الله العافية، ولهذا انتصر عبدالله بن رواحة وقام يدافع عن الحق، ثم حصلت الشوشة بين الجميع، والمقصود من هذا الدلالة على أنه إذا مر المسلم بالمجلس الذي فيه يهود أو نصارى أو مشركون ومعهم مسلمون يسلّم، ويقصد بالسلام أهل الإسلام، يقصد بالسلام المسلمين، وإذا رأى أن من المصلحة أن يعِظهم ويذكرهم وقف ووعظهم وذكرهم، كما فعل النبي ﷺ ولا يبالي بأن هناك مشركين أو بأن هناك منافقين، لا يبالي، المقصود التبليغ، ثم لو أوذي فالأمر سهل في سبيل الله، لو أوذي بالكلام أو بغير ذلك فهو في سبيل الله، ولهذا نزل ﷺ من دابته وذكّرهم عليه الصلاة والسلام، ثم لما رأى ما رأى خفضهم حتى يسكتوا حتى هدأوا.

وفيه من الفوائد: شرعية عيادة المريض، وأن العائد يذهب إليه على رجليه أو على دابة لا حرج؛ لأن المعود قد يكون بعيدًا وقد يكون قريبًا، فلا حرج أن يركب الدابة ويعود المريض.

وفيه من الفوائد: الإرداف على الدابة، وقد أردف النبيﷺ أسامة، وهذا من تواضعه، وهذا كثير؛ إردافه على الدابة كثير عليه الصلاة والسلام.

وفيه: ركوب الحمار، وأنه لم يأنف من الحمار، ركوبه، والبغل، ركب الحمار، وركب البغل، وركب الإبل عليه الصلاة والسلام، كل هذا مما ثبت عنه عليه الصلاة والسلام، وهو دليل على تواضعه وتسامحه، يركب ما تيسر حمارًا أو بغلاً أو فرسًا أو ناقة.

وفيه من الفوائد أيضا: فضل سعد بن عبادة، وكلامه الطيب، وشرحه حال الرجل، وبيان ما فيه من البلاء، وأن هذا هو السبب الذي دعاه إلى أن يقول هذا الكلام، وأنه كان يطمح أن يكون ملكًا في المدينة فحيل بينه وبين ذلك.

س:........

الشيخ: هذا من جنس عمل المنافقين، يُنكَر عليه، ويُعَلّم: لا يجوز لك هذا الكلام، الله يقول سبحانه: وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ [البقرة:206] الواجب أنه يقبل الحق، ويقول: جزاك الله خيرًا، إن شاء الله، أو: أسأل الله أن يعينني، أسأل الله أن يغفر لي أو يوفقني، هكذا ينبغي لمن وُعظ، ولا يرد بالكلام السيئ، أو يقول خل عنا دينك، أو رح المسجد علم، كل هذا مكابرة ومصادمة للحق، نسأل الله العافية.

س: هل يجوز للمسلمين مخالطة المشركين واليهود؟

الشيخ: إذا كان للمصلحة، للدعوة.

بَاب مَنْ لَمْ يُسَلِّمْ عَلَى مَنِ اقْتَرَفَ ذَنْبًا، وَلَمْ يَرُدَّ سَلاَمَهُ، حَتَّى تَتَبَيَّنَ تَوْبَتُهُ، وَإِلَى مَتَى تَتَبَيَّنُ تَوْبَةُ العَاصِي؟

وَقَالَ عَبْدُاللَّهِ بْنُ عَمْرٍو: "لاَ تُسَلِّمُوا عَلَى شَرَبَةِ الخَمْرِ".

الشيخ: يعني المعلنين الذين يظهر منهم ذلك، مثل ما ترك النبي ﷺ الرد على كعب وصاحبيه لما أعلنوا تخلفهم عن الغزوة.

6255 - حَدَّثَنَا ابْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عَبْدِالرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِاللَّهِ بْنِ كَعْبٍ، أَنَّ عَبْدَاللَّهِ بْنَ كَعْبٍ، قَالَ: سَمِعْتُ كَعْبَ بْنَ مَالِكٍ: "يُحَدِّثُ حِينَ تَخَلَّفَ عَنْ تَبُوكَ، وَنَهَى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَنْ كَلاَمِنَا، وَآتِي رَسُولَ اللَّهِ ﷺ فَأُسَلِّمُ عَلَيْهِ، فَأَقُولُ فِي نَفْسِي: هَلْ حَرَّكَ شَفَتَيْهِ بِرَدِّ السَّلاَمِ أَمْ لاَ؟ حَتَّى كَمَلَتْ خَمْسُونَ لَيْلَةً، وَآذَنَ النَّبِيُّ ﷺ بِتَوْبَةِ اللَّهِ عَلَيْنَا حِينَ صَلَّى الفَجْرَ".

الشيخ: أيش قال الشارح على الترجمة؟

الطالب: (قَوْلُهُ: بَابُ مَنْ لَمْ يُسَلِّمْ عَلَى مَنِ اقْتَرَفَ ذَنْبًا، وَمَنْ لَمْ يَرُدَّ سَلَامَهُ حَتَّى تَتَبَيَّنَ تَوْبَتُهُ، وَإِلَى مَتَى تَتَبَيَّنُ تَوْبَةُ الْعَاصِي) أَمَّا الْحُكْمُ الْأَوَّلُ فَأَشَارَ إِلَى الْخِلَافِ فِيهِ، وَقَدْ ذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى أَنَّهُ لَا يُسَلَّمُ عَلَى الْفَاسِقِ وَلَا الْمُبْتَدِعِ، قَالَ النَّوَوِيُّ: فَإِنِ اضْطُرَّ إِلَى السَّلَامِ بِأَنْ خَافَ تَرَتُّبَ مَفْسَدَةٍ فِي دَيْنٍ أَوْ دُنْيَا إِنْ لَمْ يُسَلِّمْ سلم، وَكَذَا قَالَ ابن الْعَرَبِيِّ، وَزَادَ: وَيَنْوِي أَنَّ السَّلَامَ اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى، فَكَأَنَّهُ قَالَ: اللَّهُ رَقِيبٌ عَلَيْكُمْ، وَقَالَ الْمُهَلَّبُ: تَرْكُ السَّلَامِ عَلَى أَهْلِ الْمَعَاصِي سُنَّةٌ مَاضِيَةٌ، وَبِهِ قَالَ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي أَهْلِ الْبِدَعِ، وَخَالَفَ فِي ذَلِكَ جَمَاعَةٌ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْبَابِ قَبْلَهُ، وَقَالَ ابن وَهْبٍ: يَجُوزُ ابْتِدَاءُ السَّلَامِ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ وَلَوْ كَانَ كَافِرًا، وَاحْتَجَّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ الدَّلِيلَ أَعَمُّ مِنَ الدَّعْوَى، وَأَلْحَقَ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ بِأَهْلِ الْمَعَاصِي مَنْ يَتَعَاطَى خَوَارِمَ الْمُرُوءَةِ: كَكَثْرَةِ الْمِزَاحِ، وَاللَّهْوِ، وَفُحْشِ الْقَوْلِ، وَالْجُلُوسِ فِي الْأَسْوَاقِ لِرُؤْيَةِ مَنْ يَمُرُّ مِنَ النِّسَاءِ، وَنَحْو ذَلِك، وَحكى ابن رُشْدٍ قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: لَا يُسَلَّمُ عَلَى أهل الْأَهْوَاء، قَالَ ابن دَقِيقِ الْعِيدِ: وَيَكُونُ ذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ التَّأْدِيبِ لَهُمْ وَالتَّبَرِّي مِنْهُمْ، وَأَمَّا الْحُكْمُ الثَّانِي: فَاخْتُلِفَ فِيهِ أَيْضًا، فَقِيلَ: يُسْتَبْرَأُ حَالُهُ سَنَةً، وَقِيلَ: سِتَّةَ أَشْهُرٍ، وَقِيلَ: خَمْسِينَ يَوْمًا كَمَا فِي قِصَّةِ كَعْبٍ، وَقِيلَ: لَيْسَ لِذَلِكَ حَدٌّ مَحْدُودٌ، بَلِ الْمَدَارُ عَلَى وُجُودِ الْقَرَائِنِ الدَّالَّةِ عَلَى صِدْقِ مُدَّعَاهُ فِي تَوْبَتِهِ، وَلَكِنْ لَا يَكْفِي ذَلِكَ فِي سَاعَةٍ وَلَا يَوْمٍ، وَيَخْتَلِفُ ذَلِكَ بِاخْتِلَافِ الْجِنَايَةِ وَالْجَانِي، وَقَدِ اعْتَرَضَ الدَّاوُدِيُّ عَلَى مَنْ حَدَّهُ بِخَمْسِينَ لَيْلَةً أَخْذًا مِنْ قِصَّةِ كَعْبٍ فَقَالَ: لَمْ يَحِدَّهُ النَّبِيُّ ﷺ بِخَمْسِينَ وَإِنَّمَا أَخَّرَ كَلَامَهُمْ إِلَى أَنْ أَذِنَ اللَّهُ فِيهِ، يَعْنِي فَتَكُونُ وَاقِعَةَ حَالٍ لَا عُمُومَ فِيهَا، وَقَالَ النَّوَوِيُّ: وَأَمَّا الْمُبْتَدِعُ وَمَنِ اقْتَرَفَ ذَنْبًا عَظِيمًا وَلَمْ يَتُبْ مِنْهُ فَلَا يُسَلَّمُ عَلَيْهِمْ وَلَا يُرَدُّ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ، كَمَا قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْم،ِ وَاحْتَجَّ الْبُخَارِيُّ لِذَلِكَ بِقِصَّةِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ. انْتَهَى.

وَالتَّقْيِيدُ بِمَنْ لَمْ يَتُبْ جَيِّدٌ لَكِنْ فِي الِاسْتِدْلَالِ لِذَلِكَ بِقِصَّةِ كَعْبٍ نَظَرٌ؛ فَإِنَّهُ نَدِمَ عَلَى مَا صَدَرَ مِنْهُ وَتَابَ وَلَكِنْ أَخَّرَ الْكَلَامَ مَعَهُ حَتَّى قَبِلَ اللَّهُ تَوْبَتَهُ، وَقَضَيْتُهُ أَنْ لَا يُكَلَّمَ حَتَّى تُقْبَلَ تَوْبَتُهُ، وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ بِأَنَّ الِاطِّلَاعَ عَلَى الْقَبُولِ فِي قِصَّةِ كَعْبٍ كَانَ مُمْكِنًا، وَأَمَّا بَعْدَهُ فَيَكْفِي ظُهُورُ عَلَامَةِ النَّدَمِ وَالْإِقْلَاعِ وَأَمَارَةِ صِدْقِ ذَلِكَ.

الشيخ: وهذا هو الصواب، الصواب أنه ليس لهذا حد محدود، من أظهر البدع وأظهر المعاصي يُهجر، سُنَّة أو واجب على الخلاف المشهور، وإذا أظهر أمارات التوبة وعلم منه ما يدل على صدق توبته واستقامته ومجالسة الأخيار وترك أهل البدع إن كانت بدعة أو مجالسة الأخيار في مسألة المعصية وترك أهل المعاصي، وظهور الأمارات الواضحة؛ فإنه يرد عليه حينئذ، يسلم عليه ويرد عليه، والمقصود من هذا كله التأديب والتوجيه إلى الخير، وإعانة على نفسه وعلى شيطانه، لكن مثل ما قال النووي: إذا كان يخشى ترك السلام عليه أو الرد عليه فتنة أو شر يضر المسلمين أو يترتب عليه فوات مصالح للمسلمين لا للشخص نفسه؛ فلا بأس بالسلام عليه والرد عليه؛ دفعًا للشر، وحرصًا على جلب المصالح الإسلامية، كالأمراء وأشباههم ممن يتردد إليهم الناس، وكالرؤساء الذين إذا هجروا يخشى من شرهم على المسلمين، أو ما أشبه ذلك، المقصود الهاجر من أهل العلم أو من غير أهل العلم ينظر في المصالح والمفاسد لا لحظ نفسه، ولكن للمصلحة الإسلامية، نعم.

الطالب: قَوْلُهُ: اِقْتَرَفَ أَيِ اكْتَسَبَ، وَهُوَ تَفْسِيرُ الْأَكْثَرِ، وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: الِاقْتِرَافُ التُّهْمَةُ.

 قَوْلُهُ: وَقَالَ عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما: وَلَا تُسَلِّمُوا عَلَى شَرَبَةِ الْخَمْرِ، بِفَتْحِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَالرَّاء بعْدهَا مُوَحدَة، جمع شَارِب، قَالَ ابن التِّينِ: لَمْ يَجْمَعْهُ اللُّغَوِيُّونَ كَذَلِكَ، وَإِنَّمَا قَالُوا: شَارِبٌ وَشَرْبٌ، مِثْلُ: صَاحِبٍ وَصَحْبٍ. انْتَهَى، وَقَدْ قَالُوا: فَسَقَةٌ وَكَذَبَةٌ فِي جَمْعِ فَاسِقٍ وَكَاذِبٍ، وَهَذَا الْأَثَرُ وَصَلَهُ الْبُخَارِيُّ فِي الْأَدَبِ الْمُفْرَدِ مِنْ طَرِيقِ حِبَّانَ بْنِ أَبِي جَبَلَةَ بِفَتْحِ الْجِيمِ وَالْمُوَحَّدَةِ عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ بِلَفْظِ: لَا تُسَلِّمُوا عَلَى شُرَّابِ الْخَمْرِ، وَبِهِ إِلَيْهِ قَالَ: لَا تَعُودُوا شُرَّابَ الْخَمْرِ إِذَا مَرِضُوا، وَأَخْرَجَ الطَّبَرِيُّ عَنْ عَلِيٍّ مَوْقُوفًا نَحْوَهُ، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ مِنَ الصَّحِيحِ: وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ بِضَمِّ الْعَيْنِ، وَكَذَا ذَكَرَهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ، وَأَخْرَجَ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ بِسَنَد ضَعِيف عَن ابن عُمَرَ: لَا تُسَلِّمُوا عَلَى مَنْ شَرِبَ الْخَمْرِ وَلَا تَعُودُوهُمْ إِذَا مَرِضُوا وَلَا تُصَلُّوا عَلَيْهِمْ إِذا مَاتُوا، وَأخرجه ابن عدي بِسَنَد أَضْعَف مِنْهُ عَن ابن عمر مَرْفُوعًا.

الشيخ: يعني المقصود أنه اتضح أنه عبدالله بن عمرو، وأما عدم الصلاة عليه فمثل ما تقدم ضعيف، الصلاة عليه: يصلى على العاصي، وإذا تركها ولي الأمر أو الكبير أو القاضي ترك ذلك من باب التحذير والترهيب، ومن باب الزجر؛ فلا بأس، وأما مقصود الهجر فهو التأديب والتوجيه؛ لعله يستجيب، ولعله يستقيم، فيستحي ويدع ما هو عليه من الباطل.

س: بعض النسخ ابن عمر؟

الشيخ: لا، الصواب عبدالله بن عمرو، لهذا ذكر أن رواية عبد الله بن عمر ضعيفة.

..............

الشيخ: المقصود السياق فيه عبدالله بن عمرو.

س: من صلى خلف صاحب الدخان؟

الشيخ: تصح الصلاة خلف العصاة كلهم على الصحيح، صلى ابن عمر خلف الحجاج وهو من أظلم الناس بالقتل، لكن إذا تيسر تولية الأخيار وألا يُولّى الفساق؛ هذا الواجب.