103 من حديث: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث أبا عبيدة ابن الجَراح إلى البحرين يأتي بجزيتها..)

بَاب مَا يُحْذَرُ مِنْ زَهْرَةِ الدُّنْيَا وَالتَّنَافُسِ فِيهَا

6425- حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِاللَّهِ، قَالَ: حَدَّثَنِي إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: حَدَّثَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ: أَنَّ المِسْوَرَ بْنَ مَخْرَمَةَ أَخْبَرَهُ: أَنَّ عَمْرَو بْنَ عَوْفٍ -وَهُوَ حَلِيفٌ لِبَنِي عَامِرِ بْنِ لُؤَيٍّ، كَانَ شَهِدَ بَدْرًا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ- أَخْبَرَهُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ بَعَثَ أَبَا عُبَيْدَةَ ابْنَ الجَرَّاحِ إِلَى البَحْرَيْنِ يَأْتِي بِجِزْيَتِهَا، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ هُوَ صَالَحَ أَهْلَ البَحْرَيْنِ، وَأَمَّرَ عَلَيْهِمُ العَلاءَ بْنَ الحَضْرَمِيِّ، فَقَدِمَ أَبُو عُبَيْدَةَ بِمَالٍ مِنَ البَحْرَيْنِ، فَسَمِعَتِ الأَنْصَارُ بِقُدُومِهِ، فَوَافَتْهُ صَلاةَ الصُّبْحِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَلَمَّا انْصَرَفَ تَعَرَّضُوا لَهُ، فَتَبَسَّمَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ حِينَ رَآهُمْ، وَقَالَ: أَظُنُّكُمْ سَمِعْتُمْ بِقُدُومِ أَبِي عُبَيْدَةَ، وَأَنَّهُ جَاءَ بِشَيْءٍ؟ قَالُوا: أَجَلْ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: فَأَبْشِرُوا وَأَمِّلُوا مَا يَسُرُّكُمْ، فَوَاللَّهِ مَا الفَقْرَ أَخْشَى عَلَيْكُمْ، وَلَكِنْ أَخْشَى عَلَيْكُمْ أَنْ تُبْسَطَ عَلَيْكُمُ الدُّنْيَا كَمَا بُسِطَتْ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، فَتَنَافَسُوهَا كَمَا تَنَافَسُوهَا، وَتُلْهِيَكُمْ كَمَا أَلْهَتْهُمْ.

الشيخ: وهذا يُبين لنا أن ما يحصل من زهرة الدنيا وبسطها على الناس يُخشى منه الفتنة والخطر، والركون إلى الدنيا، والتَّساهل بأمر الله .

وفي هذا أنه ﷺ أرسل أبا عبيدة ابن الجراح إلى البحرين، يعني المنطقة الشرقية الآن، البحرين وما حولها يُقال لها: البحرين، مجمع البحرين، وكان فيها فُرس، كان ذاك الوقت فيها طائفة الفرس عُبَّاد النار، فصالحهم النبيُّ ﷺ على الجزية، وأمَّر عليهم العلاء بن الحضرمي، فبعث إليهم أبا عبيدة ليأخذ الجزية، فقدم بمالٍ معه من البحرين ، فسمعت الأنصار بقدومه، فجاءوا وصلوا مع النبي الفجر عليه الصلاة والسلام، ولما رآهم تبسَّم عليه الصلاة والسلام، وقال: لعلكم سمعتُم بقدوم أبي عبيدة بشيءٍ؟ قالوا: نعم، فقال عليه الصلاة والسلام: أبشروا بما يسركم، أبشروا وأمِّلوا ما يسركم.

هكذا كان خلقه العظيم عليه الصلاة والسلام، كان بشوشًا، كريمًا، حليمًا عليه الصلاة والسلام: أبشروا وأمِّلوا ما يسركم، فوالله ما الفقر أخشى عليكم، وإنما أخشى عليكم الدنيا أن تُبسط عليكم كما بُسطت على مَن كان من قبلكم، فتنافسوها كما تنافسوها، وتُلهيكم كما ألهتهم، وفي اللفظ الآخر: فتُهلككم كما أهلكتهم، وقسم بينهم المال عليه الصلاة والسلام، قسم ذاك المال بين الصحابة في المسجد عليه الصلاة والسلام.

فهذا يُبيّن لنا أن الخطر في الغنى أعظم من الخطر في الفقر، وأن الناس إذا أُصيبوا بفتح الدنيا وانبساطها وكثرتها فخطرهم أكثر من حالهم مع الفقر؛ لأنه مع الفقر قد يمتنع الإنسانُ من الشيء لعجزه، ويكون من أسباب العافية العجز، ومن العصمة ألا تقدر، لكن متى فُتحت الدنيا وانبسطت الدنيا وكثر المالُ فقد يُزين الشيطانُ للإنسان كثيرًا من المحرمات والمعاصي بسبب قُدرته عليها، وبسبب وجود المال؛ فقَلَّ أن يسلم.

فينبغي للمؤمن أن يحذر ذلك، ولهذا كان من دعاء النبي ﷺ: اللهم إني أعوذ بك من شرِّ فتنة الغنى والفقر، الإنسان يتعوَّذ بالله من شرِّ فتنة الغنى، ومن شرِّ فتنة الفقر.

6426- حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ أَبِي الخَيْرِ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ خَرَجَ يَوْمًا، فَصَلَّى عَلَى أَهْلِ أُحُدٍ صَلاتَهُ عَلَى المَيِّتِ، ثُمَّ انْصَرَفَ إِلَى المِنْبَرِ فَقَالَ: إِنِّي فَرَطُكُمْ، وَأَنَا شَهِيدٌ عَلَيْكُمْ، وَإِنِّي وَاللَّهِ لَأَنْظُرُ إِلَى حَوْضِي الآنَ، وَإِنِّي قَدْ أُعْطِيتُ مَفَاتِيحَ خَزَائِنِ الأَرْضِ -أَوْ: مَفَاتِيحَ الأَرْضِ- وَإِنِّي وَاللَّهِ مَا أَخَافُ عَلَيْكُمْ أَنْ تُشْرِكُوا بَعْدِي، وَلَكِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنَافَسُوا فِيهَا.

الشيخ: وهذا من جنس حديث عمرو بن عوف المزني المتقدم، فإن الرسول ﷺ خطب الناس في آخر حياته وقال: أنا فرطكم  على الحوض يعني: أنا مقدمكم، أسبقكم إلى الحوض، أنتظركم هناك على الحوض عليه الصلاة والسلام، فرط القوم: الذي يتقدّمهم لتهيئة الماء، ونحوه.

وأنا شهيدٌ عليكم هو شهيدٌ عليهم أنه بلَّغهم وعلَّمهم عليه الصلاة والسلام، كما قال تعالى: لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا [البقرة:143].

وإني ما أخاف عليكم أن تُشركوا بعدي؛ وذلك لما أعطاهم الله من العلم، يعني الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم لما أعطاهم الله من العلم والبصيرة والإيمان الصحيح، فلهذا ثبَّتهم الله على الهدى، ولم يخشَ عليهم أن يرتدُّوا بعده، وإنما ارتدَّ أناسٌ من جهلة الأعراب وأشباههم ممن لم يرسخ الإيمانُ في قلوبهم لما مات عليه الصلاة والسلام.

وإنما أخشى عليكم الدنيا أن تُبسط عليكم، هذا يُبين لنا عظم خطر الدنيا وفتحها وكثرتها كما هو الواقع الآن، وكما وقع لمن قبلنا، فيجب على المؤمن أن يكون على حذرٍ، وإذا منَّ الله عليه بالدنيا فليُنفقها في وجوه الخير، وليحذر شرَّها، ولهذا قال في حديث أبي ذرٍّ: يقول ﷺ: المكثرون هم الأقلُّون يوم القيامة، إلا مَن قال هكذا وهكذا وهكذا وهكذا، يعني: أنفق المالَ عن يمينه، وعن شماله، ومن أمامه، ومن خلفه، قال عليه الصلاة والسلام: والله ما يسرني أنَّ لي مثل أُحُدٍ ذهبًا تمر عليَّ ثلاثة أيام وعندي منه دينار، إلا دينار أرصده لدينٍ، ولكن أقول به في عباد الله هكذا وهكذا وهكذا يعني أُنفقه.

هكذا ينبغي لمن رزقه الله المالَ أن يُنفق ويُحسِن في وجوه الخير، ومشاريع الخير، ومُواساة الفقير، ونصر المظلوم، إلى غير ذلك، كما قال تعالى: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنْفِقُوا خَيْرًا لِأَنْفُسِكُمْ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [التغابن:16]، فمَن وقاه الله شُحَّ نفسه وبخلها أفلح، وقال سبحانه: الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ [البقرة:274].

فالإنفاق في سبل الخير، والإحسان إلى المحاويج، وإقامة المشاريع النافعة للناس من المساجد والمدارس والطرقات والقناطر، وأشباه ذلك مما يحتاجه الناس؛ له الفضل العظيم، والأجر العظيم، والمال ماذا؟ ما قيمته إذا لم يُنفق؟ ما له قيمة حتى يُنفق، إن أُنفق نفع، وإن أُمسك ضرَّ.

أيش قال الشارحُ على: والله ما أخشى أن تُشركوا بعدي؟ تكلم على تُلهيكم كما ألهتهم؟

الطالب: نعم: قَوْلُهُ فَتُهْلِككُمْ أَيْ: لِأَنَّ الْمَالَ مَرْغُوبٌ فِيهِ، فَتَرْتَاحُ النَّفْسُ لِطَلَبِهِ، فَتُمْنَعُ مِنْهُ، فَتَقَعُ الْعَدَاوَةُ الْمُقْتَضِيَة للمُقاتلة المفضية إِلَى الْهَلَاك، قَالَ ابنُ بَطَّالٍ: فِيهِ أَنَّ زَهْرَةَ الدُّنْيَا يَنْبَغِي لِمَنْ فُتِحَتْ عَلَيْهِ أَنْ يَحْذَرَ مِنْ سُوءِ عَاقِبَتِهَا، وَشَرِّ فِتْنَتِهَا، فَلَا يَطْمَئِنُّ إِلَى زُخْرُفِهَا، وَلَا يُنَافِسُ غَيْرَهُ فِيهَا، وَيُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى أَنَّ الْفَقْرَ أَفْضَلُ مِنَ الْغِنَى؛ لِأَنَّ فِتْنَةَ الدُّنْيَا مَقْرُونَةٌ بِالْغِنَى، وَالْغِنَى مَظِنَّةُ الْوُقُوعِ فِي الْفِتْنَةِ الَّتِي قَدْ تَجُرُّ إِلَى هَلَاكِ النَّفْسِ غَالِبًا.

الشيخ: هذا فيه نظر، تفضيل الفقر على الغنى فيه نظر؛ الفقر أسلم من الخطر، ولكن الغنى أفضل مع الشكر، مَن رزقه الله غنى مع الشكر وأنفق أفضل، ولهذا لما علَّم النبيُّ ﷺ الفقراء أن يُسبِّحوا ويحمدوا ويُكبروا دبر كل صلاةٍ ثلاثًا وثلاثين مرة وقال: إنَّهم يُدركون بهذا مَن سبقهم، ويسبقون مَن بعدهم، إلا مَن عمل مثل عملهم، قالوا: يا رسول الله، سمع إخواننا أهل الأموال ففعلوا مثلما فعلنا! يعني سبَّحوا وحمدوا وكبَّروا بعد كل صلاةٍ، قال النبيُّ ﷺ: ذلك فضل الله يُؤتيه مَن يشاء.

فإذا رزق الله صاحب المال الجود والكرم والإنفاق فَضُلوا الفقراء بمراتب عظيمة، الفقر حسبه نفسه، يصبر، لكن الغني الشاكر ينفع الناس، ويبذل المال في الجهاد، ويُقيم المشاريع الخيرية، ويُواسي الفقير، وينصر المظلوم، ويردع الظالم، إلى غير هذا مما يقع من المصالح بالمال، فالغني الشاكر أفضل بمراتب عظيمة من الفقير الصابر، لكن الفقير الصابر له أجره، وكفاه الله شرَّ التعب -شر تعب المال.

الأسئلة:

س: قوله ﷺ: مَن كان قبلكم المقصود به بني إسرائيل؟

ج: عام، عام، ما ذكر رواية: تُلهيكم؟

الطالب: يعني: تشغلكم عن الآخرة.

الشيخ: هذا العيني؟

الطالب: نعم.

الشيخ: ذكر الروايتين؟

الطالب: لا، ما تكلم على تُهلككم.

الشيخ: تكلم على تُلهي؟

الطالب: نعم، قال: تشغلكم عن الآخرة.

الشيخ: سبحان الله! والحافظ تكلم على تُهلك فقط، هذا من العجيب! هي روايتان، نعم.

6427- حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: إِنَّ أَكْثَرَ مَا أَخَافُ عَلَيْكُمْ مَا يُخْرِجُ اللَّهُ لَكُ مْ مِنْ بَرَكَاتِ الأَرْضِ، قِيلَ: وَمَا بَرَكَاتُ الأَرْضِ؟ قَالَ: زَهْرَةُ الدُّنْيَا، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: هَلْ يَأْتِي الخَيْرُ بِالشَّرِّ؟ فَصَمَتَ النَّبِيُّ ﷺ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ يُنْزَلُ عَلَيْهِ، ثُمَّ جَعَلَ يَمْسَحُ عَنْ جَبِينِهِ، فَقَالَ: أَيْنَ السَّائِلُ؟ قَالَ: أَنَا -قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: لَقَدْ حَمِدْنَاهُ حِينَ طَلَعَ ذَلِكَ- قَالَ: لا يَأْتِي الخَيْرُ إِلَّا بِالخَيْرِ، إِنَّ هَذَا المَالَ خَضِرَةٌ حُلْوَةٌ، وَإِنَّ كُلَّ مَا أَنْبَتَ الرَّبِيعُ يَقْتُلُ حَبَطًا أَوْ يُلِمُّ، إِلَّا آكِلَةَ الخَضِرَةِ، أَكَلَتْ حَتَّى إِذَا امْتَدَّتْ خَاصِرَتَاهَا اسْتَقْبَلَتِ الشَّمْسَ، فَاجْتَرَّتْ وَثَلَطَتْ وَبَالَتْ، ثُمَّ عَادَتْ فَأَكَلَتْ، وَإِنَّ هَذَا المَالَ حُلْوَةٌ، مَنْ أَخَذَهُ بِحَقِّهِ، وَوَضَعَهُ فِي حَقِّهِ، فَنِعْمَ المَعُونَةُ هُوَ، وَمَنْ أَخَذَهُ بِغَيْرِ حَقِّهِ كَانَ كَالَّذِي يَأْكُلُ وَلا يَشْبَعُ.

الشيخ: هذا بيّن حال الغنى، ما يأتي الخير بالشر، يأتي الخيرُ بالخير، لكن هل هو خَيْرٌ المال؟ ليس بخيرٍ مطلق، هو خير إذا أعان على طاعة الله، وشرٌّ إن أعان على معاصي الله، ولهذا قال: مَن أخذه بحقِّه، ووضعه في حقِّه، فنعم المعونة هو، نعم المال الصالح للرجال الصالح، لكن مَن أخذه من غير حقِّه، أو صرفه في غير حقِّه، فبئس الصاحبُ له، فالذي يُنفقه في وجهه ويأخذه من وجهه نعم المعونة له، أما مَن أخذه بغير وجهه، أو صرفه بغير وجهه، فهو كالذي يأكل ولا يشبع، يضرُّه ولا ينفعه -نسأل الله العافية.

6428- حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا محمد بن جعفر، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا جَمْرَةَ قَالَ: حَدَّثَنِي زَهْدَمُ بْنُ مُضَرِّبٍ، قَالَ: سَمِعْتُ عِمْرَانَ بْنَ حُصَيْنٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: خَيْرُكُمْ قَرْنِي، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، قَالَ عِمْرَانُ: فَمَا أَدْرِي: قَالَ النَّبِيُّ ﷺ بَعْدَ قَوْلِهِ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلاثًا.

الشيخ: بعد قوله وإلا قرنه.

الطالب: قوله.

الشيخ: وأنتم؟

الطالب: بعد قوله.

الشيخ: والعيني تكلَّم عليه؟ يعني بعد قوله خير أمتي قرني هل قالها مرتين أو ثلاثًا؟ والمحفوظ مرتين: خير أمتي قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، أما القرن الرابع ففيه حوادث كثيرة، وهكذا في حديث ابن مسعود: خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، وكان المحفوظ القرون المفضلة ثلاثة، ثم كثرت الشرور بعد ذلك.

الطالب: قال: وَقَدْ تَقَدَّمَ شَرْحُ هَذَا الْحَدِيثِ فِي الشَّهَادَاتِ، وَفِي أَوَّلِ فَضَائِلِ الصَّحَابَةِ.

الشيخ: نعم.

ثُمَّ يَكُونُ بَعْدَهُمْ قَوْمٌ يَشْهَدُونَ وَلا يُسْتَشْهَدُونَ، وَيَخُونُونَ وَلا يُؤْتَمَنُونَ، وَيَنْذُرُونَ وَلا يَفُونَ، وَيَظْهَرُ فِيهِمُ السِّمَنُ.

الشيخ: يعني يُقبلون على الدنيا وشهواتها حتى يظهر عليهم السمن؛ عظم الأجسام، عظم البطون بسبب كثرة الإقبال على الدنيا وشهواتها.

6429- حَدَّثَنَا عَبْدَانُ، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَبِيدَةَ، عَنْ عَبْدِاللَّهِ ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: خَيْرُ النَّاسِ قَرْنِي، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ يَجِيءُ مِنْ بَعْدِهِمْ قَوْمٌ تَسْبِقُ شَهَادَتُهُمْ أَيْمَانَهُمْ، وَأَيْمَانُهُمْ شَهَادَتَهُمْ.

الشيخ: يعني ما يُبالون من العجلة؛ لقلَّة المبالاة يحلف قبل الشهادة، ويشهد قبل اليمين، يقول: والله وأشهد، ما يُبالي قدّم هذه، أو قدّم هذه، ما هناك عنده العناية التامَّة بالتَّورع، وهذا في الناس، ولكن لا يزال فيهم أهل الخير والبقايا الطيبة، مثلما قال النبيُّ ﷺ: لا تزال طائفةٌ من أمتي على الحقِّ منصورة، لا يضرُّهم مَن خذلهم حتى يأتي أمر الله، مع كثرة الشرّ لا يزال الأخيارُ موجودين في الناس، الذين يحذرون ما حرَّم الله، ويبتعدون عن مساخط الله، ويُؤدّون ما أوجب الله، لكن مقصود النبي ﷺ أنه يتغير الأمر، ويكثر الشرّ، والله المستعان.

6430- حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، عَنْ قَيْسٍ قَالَ: سَمِعْتُ خَبَّابًا، وَقَدِ اكْتَوَى يَوْمَئِذٍ سَبْعًا فِي بَطْنِهِ، وَقَالَ: لَوْلا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ نَهَانَا أَنْ نَدْعُوَ بِالْمَوْتِ لَدَعَوْتُ بِالْمَوْتِ، إِنَّ أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ ﷺ مَضَوْا وَلَمْ تَنْقُصْهُمُ الدُّنْيَا بِشَيْءٍ، وَإِنَّا أَصَبْنَا مِنَ الدُّنْيَا مَا لا نَجِدُ لَهُ مَوْضِعًا إِلَّا التُّرَابَ.

الشيخ: مقصوده رضي الله عنه أنَّ ما أصابه من الأمراض التي كُوي من أجلها في بطنه سبع كيات يدعوه إلى تمني الموت، لولا أن الرسول نهى عن تمني الموت، وأخبر أن الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم -يعني السابقين الذين مضوا وماتوا قبله- ماتوا على خيرٍ عظيمٍ، ولم يأخذوا من أجرهم شيئًا، قال: أما نحن فقد فُتحت علينا الدنيا، يعني مَن تأخَّر من الصحابة فُتحت عليهم الدنيا، وحصلت لهم الغنائم الكثيرة، والأموال الجزيلة، حتى لا يجد لها موضعًا إلا التراب، يعني التعمير؛ تعمير البيوت والقصور، والله المستعان.

6431- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ إِسْمَاعِيلَ قَالَ: حَدَّثَنِي قَيْسٌ قَالَ: أَتَيْتُ خَبَّابًا وَهُوَ يَبْنِي حَائِطًا لَهُ، فَقَالَ: إِنَّ أَصْحَابَنَا الَّذِينَ مَضَوْا لَمْ تَنْقُصْهُمُ الدُّنْيَا شَيْئًا، وَإِنَّا أَصَبْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ شَيْئًا لا نَجِدُ لَهُ مَوْضِعًا إِلَّا التُّرَابَ.

6432- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ شقيق أَبِي وَائِلٍ، عَنْ خَبَّابٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: هَاجَرْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ.

الشيخ: انظر كلامه على حديث عقبة بن عامر: والله ما أخشى أن تُشركوا من بعدي، وقوله: أنا فرطكم على الحوض، انظر في "التقريب" عمرو بن عوف.

الطالب: عمرو بن عوف بن زيد بن ملحة -بكسر أوله ومهملة- أبو عبدالله المزني، صحابي، مات في ولاية معاوية (خت د ت ق).

الشيخ: البخاري ما هو تعليق، بل مُسند.

الطالب: وفي آخر: عمرو بن عوف الأنصاري حليف بني عامر بن لؤي، صحابي، بدري، ويُقال له: عمر، مات في خلافة عمر (خ م ت س ق).

الشيخ: أيش قال عندكم على عمرو بن عوف؟

الطالب: وهو حليف لبني عامر.

الشيخ: فقط! ما تكلم عليه؟

الطالب: قال: تقدّم بيان نسبه في الجزية.

الشيخ: فقط؟

الطالب: نعم.

الشيخ: والعيني؟

الطالب: والحديث مضى في باب الجزية والمُوادعة ..

الشيخ: القول الثاني هو الأنصاري نعم، أيش قال على حديث عقبة بن عامر.

الطالب: تقدّم، ما ذُكر شيء.

الشيخ: والعيني تكلّم؟

الطالب: كذلك تقدَّم.

بَاب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ ۝ إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ [فاطر:5- 6].

جَمْعُهُ: سُعُرٌ.

قَالَ مُجَاهِدٌ: الغَرُورُ: الشَّيْطَانُ.

6433- حَدَّثَنَا سَعْدُ بْنُ حَفْصٍ، حَدَّثَنَا شَيْبَانُ، عَنْ يَحْيَى، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ القُرَشِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي مُعَاذُ بْنُ عَبْدِالرَّحْمَنِ: أَنَّ حُمْرَانَ بْنَ أَبَانَ أَخْبَرَهُ قَالَ: أَتَيْتُ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ بِطَهُورٍ وَهُوَ جَالِسٌ عَلَى المَقَاعِدِ، فَتَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الوُضُوءَ، ثُمَّ قَالَ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ ﷺ تَوَضَّأَ وَهُوَ فِي هَذَا المَجْلِسِ، فَأَحْسَنَ الوُضُوءَ ثُمَّ قَالَ: مَنْ تَوَضَّأَ مِثْلَ هَذَا الوُضُوءِ، ثُمَّ أَتَى المَسْجِدَ فَرَكَعَ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ جَلَسَ؛ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ، قَالَ: وَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: لا تَغْتَرُّوا.

الشيخ: وهذا أحد ألفاظ هذا الحديث، وفي اللفظ الآخر: ثم صلَّى ركعتين لا يُحدِّث فيهما نفسه؛ غفر له ما تقدّم من ذنبه، احتجَّ بذلك أهلُ العلم على شرعية صلاة ركعتين بعد الوضوء، وجاء في هذا المعنى عدّة أحاديث، وهو يدل على أنه يُستحب لمن توضَّأ أن يُصلي ركعتين، وأن هذا من أسباب المغفرة، يعني عند اجتناب الكبائر كما في الرواية الأخرى: ما لم تُصب في مقتلةٍ يعني كبيرة، هي نفس رواية عثمان ، وكما في حديث: الصَّلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان كفَّارات لما بينهن إذا اجتنب الكبائر.

وقوله ﷺ: فلا تغتروا يعني احذروا أن تعتمدوا على مثل هذه الفضائل فتهلكوا، أي لا تغتروا بما وعد الله من الخير فتقدموا على معاصيه ومخالفة أمره، ولهذا قال جلَّ وعلا: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ [فاطر:5]، وهو الشيطان، فالإنسان يعمل ويجتهد ويُؤدي ما أوجب الله، ويحذر ما حرم الله، ويرجو فضله ، ويحذر أن يغترَّ بسعة جوده وكرمه، أو بما وعد به أهل الصلاة؛ لأنَّ العبد على خطرٍ، فقد يهلك بمعصيةٍ يصرّ عليها، وكبيرة يقدم عليها، ولا حول ولا قوةَ إلا بالله.

الأسئلة:

س: ........؟

ج: نعم، تمنع الكبائر، يمنع غفران الصَّغائر.

س: ..........؟

ج: لا يغفر له، يكون موقوفًا، ولهذا قال سبحانه: إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ [النساء:31]، فعلَّق التَّكفير باجتناب الكبائر، وقال في حديث عثمان هذا، وفي الرواية الأخرى: ما لم تُصب في المقتلة يعني إن أصاب في المقتلة -يعني الكبيرة- لم يُغفر له بوضوئه هذا وصلاته ركعتين.

س: ...........؟

ج: الصَّغائر والكبائر على الصحيح، وقال بعضُ أهل العلم: تمحى الصَّغائر، ولكن الشيء المعلّق بالشرط ما يقع؛ لأنَّ غفران الصغائر مشروط باجتناب الكبائر، فإذا وُجد الشرط انتفى المشروط، وهكذا قوله ﷺ: الصَّلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان؛ كفَّارات لما بينهم ما لم تُغش الكبائر، إذا اجتنب الكبائر معناه أن الكبائر إذا غشيت ولم تُجتنب لم تكن هذه الصَّلوات كفَّارة، ولا الجمعة، ولا رمضان.

س: ............؟

ج: تكون حسنات، يُعطى حسنات، الأعمال الصَّالحات فيها حسنات، فيها خير، ومَن هو الذي يسلم منها؟! لأنَّ الكبائر كثيرة، ثم اختلفوا في حدِّها أيضًا، ويقول بعضُ الناس: أطلق الكبائر على كل ذنبٍ، لكنه ليس بصحيحٍ، الصواب أنَّ فيها كبائر وصغائر، لكن اختلفوا في حدِّ الكبيرة.

س: الذي يأتي الكبائر ويُصلي النوافل ويُسبّح ويُهلل، هل له أجر في هذا؟

ج: نعم، له الأجر الذي وعد الله به المؤمنين، لكن لا تُمحى عنه الصَّغائر إلا باجتناب الكبائر.

س: .............؟

ج: هذه رواية، والرواية الأخرى مطلقًا.

س: ............؟

ج: هذا نوعٌ من الأعمال الصَّالحة، النوع الثاني: يتوضأ ويُصلي ركعتين، ولو في بيته، ولو في البر، ولو في أي مكانٍ، ولو في وقت نهيٍ على الصحيح.

س: ...........؟

ج: الظاهر -والله أعلم- أنه جلس في المسجد يذكر الله ويتعبَّد ونحو ذلك.

س: التوبة من الصَّغائر لازمة؟

ج: نعم، التوبة من كل ذنبٍ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا [التحريم:8]، ويقول : وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ [النور:31]، خاطب المؤمنين ...

س: .............؟

ج: إذا اجتنب الكبائر ذهبت الصَّغائر، لكن إذا تاب منها كان ذلك من باب العناية والحذر؛ لأنه ما يدري هل سلم له إيمانه من الكبائر، أو عنده شيء، فالإنسان دائمًا على خطرٍ، فإن الغيبة والنميمة والربا وقطيعة الرحم والعقوق والسبّ والشتم وأشياء أخرى كلها داخلة في الكبائر، نسأل الله السلامة، ومَن يسلم من الغيبة؟!

س: ............؟

ج: كان له عدل عشر رقاب، هذا وعد من الله له بهذا، والجمهور يُقيدونه باجتناب الكبائر، نعم، الجمهور يُقيّدون الروايات المطلقة باجتناب الكبائر.

س: ..............؟

ج: لا كبيرة مع الاستغفار، يعني مع التوبة، يعني ولا صغيرة مع الإصرار، إذا أصرَّ ولم يتب صارت كبيرة، نسأل الله العافية.

بَاب ذَهَابِ الصَّالِحِينَ

وَيُقَالُ: الذّهَابُ المَطَرُ

6434- حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ حَمَّادٍ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ بَيَانٍ، عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ مِرْدَاسٍ الأَسْلَمِيِّ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: يَذْهَبُ الصَّالِحُونَ الأَوَّلُ فَالأَوَّلُ، وَيَبْقَى حُفَالَةٌ كَحُفَالَةِ الشَّعِيرِ، أَوِ التَّمْرِ، لا يُبَالِيهِمُ اللَّهُ بَالَةً. قَالَ أَبُو عَبْدِاللَّهِ: يُقَالُ: حُفَالَةٌ، وَحُثَالَةٌ.

الشيخ: أيش قال عليه؟

الطالب: قَوْلُهُ (بَابُ ذَهَابِ الصَّالِحِينَ) أَيْ مَوْتُهُمْ.

قَوْلُهُ (وَيُقَالُ: الذَّهَابُ الْمَطَرُ) ثَبَتَ هَذَا فِي رِوَايَةِ السَّرَخْسِيِّ وَحْدَهُ، وَمُرَادُهُ أَنَّ لَفْظَ الذَّهَابِ مُشْتَرَكٌ عَلَى الْمُضِيِّ وَعَلَى الْمَطَرِ، وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ اللُّغَةِ: الذَّهَابُ الْأَمْطَارُ اللَّيِّنَةُ، وَهُوَ جَمْعُ ذِهْبَةٍ، بِكَسْرِ أَوَّلِهِ، وَسُكُونِ ثَانِيهِ.

قَوْلُهُ (حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ حَمَّادٍ) هُوَ مِنْ قُدَمَاءِ مَشَايِخِهِ، وَقَدْ أَخْرَجَ عَنْهُ بِوَاسِطَةٍ فِي كِتَابِ الْحَيْضِ.

قَوْلُهُ "عَنْ بَيَانٍ" بِمُوَحَّدَةٍ، ثُمَّ تَحْتَانِيَّةٍ خَفِيفَةٍ، وَهُوَ ابن بشر، وَقيس هُوَ ابن أبي حَازِم، ومرداس الْأَسْلَمِيّ هُوَ ابن مَالِكٍ، زَادَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ: رَجُل مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ ﷺ، وَهِيَ عِنْدَهُ فِي رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ فُضَيْلٍ، عَنْ بَيَانٍ، وَتَقَدَّمَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ فِي غَزْوَةِ الْحُدَيْبِيَةِ مِنْ كِتَابِ الْمَغَازِي أَنَّهُ كَانَ مِنْ أَصْحَابِ الشَّجَرَةِ، أَيِ الَّذِينَ بَايَعُوا بَيْعَةَ الرِّضْوَانِ.

وَذَكَرَ مُسْلِمٌ فِي "الْوُحْدَانِ" وَتَبِعَهُ جَمَاعَةٌ مِمَّنْ صَنَّفَ فِيهَا أَنَّهُ لَمْ يَرْوِ عَنْهُ إِلَّا قَيْسُ بْنُ أَبِي حَازِمٍ، وَوَقَعَ فِي "التَّهْذِيبِ" لِلْمِزِّيِّ فِي تَرْجَمَةِ مِرْدَاسٍ هَذَا أَنَّهُ رَوَى عَنْهُ زِيَادُ بْنُ عَلَاقَةَ أَيْضًا، وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُ مِرْدَاسٌ آخَرُ أفرده أَبُو عَلِيِّ ابْنُ السَّكَنِ فِي الصَّحَابَةِ عَنْ مِرْدَاسِ بن مَالك، وَقَالَ: إنه مرداس بن عُرْوَة، وَمِمَّنْ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا: الْبُخَارِيُّ، وَالرَّازِيُّ، وَالْبُسْتِيُّ، وَرَجَّحَهُ ابن السَّكَنِ.

قَوْلُهُ يَذْهَبُ الصَّالِحُونَ الْأَوَّلُ فَالْأَوَّلُ فِي رِوَايَةِ عَبْدِالْوَاحِدِ بْنِ غِيَاثٍ، عَنْ أَبِي عَوَانَةَ عِنْدَ الْإِسْمَاعِيلِيِّ: يُقْبَضُ بَدَلَ يَذْهَبُ، وَالْمُرَادُ قَبْضُ أَرْوَاحِهِمْ، وَعِنْدَهُ مِنْ رِوَايَةِ خَالِدٍ الطَّحَّانِ عَنْ بَيَانٍ: يَذْهَبُ الصَّالِحُونَ أَسْلَافًا، وَ يُقْبَضُ الصَّالِحُونَ الْأَوَّلُ فَالْأَوَّلُ، وَالثَّانِيَةُ تَفْسِيرٌ لِلْأُولَى.

قَوْلُهُ وَيَبْقَى حُثَالَةٌ أَوْ حُفَالَةٌ هُوَ شَكٌّ: هَلْ هِيَ بِالثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ، أَوْ بِالْفَاءِ وَالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ فِي الْحَالَيْنِ؟ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ عَبْدِالْوَاحِدِ: حُثَالَةٌ بِالْمُثَلَّثَةِ جَزْمًا.

قَوْلُهُ كَحُثَالَةِ الشَّعِيرِ أَوِ التَّمْرِ يَحْتَمِلُ الشَّكَّ، وَيَحْتَمِلُ التَّنْوِيعَ، وَقَعَ فِي رِوَايَةِ عَبْدِالْوَاحِدِ: كَحُثَالَةِ الشَّعِيرِ فَقَطْ، وَفِي رِوَايَةٍ: حَتَّى لَا يَبْقَى إِلَّا مِثْلُ حُثَالَةِ التَّمْرِ وَالشَّعِيرِ، زَادَ غَيْرُ أَبِي ذَرٍّ مِنْ رُوَاةِ الْبُخَارِيِّ: قَالَ أَبُو عَبْدِاللَّهِ -وَهُوَ الْبُخَارِيُّ: حُثَالَةٌ وَحُفَالَةٌ يَعْنِي أَنَّهُمَا بِمَعْنًى وَاحِدٍ.

وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ: الْحُثَالَةُ بِالْفَاءِ وَبِالْمُثَلَّثَةِ الرَّدِيءُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ، وَقِيلَ: آخِرُ مَا يَبْقَى مِنَ الشَّعِيرِ وَالتَّمْر وأردؤه.

وَقَالَ ابنُ التِّينِ: الْحُثَالَةُ سَقَطُ النَّاسِ، وَأَصْلُهَا مَا يَتَسَاقَطُ مِنْ قُشُورِ التَّمْرِ وَالشَّعِيرِ وَغَيْرِهِمَا.

وَقَالَ الدَّاوُدِيُّ: مَا يَسْقُطُ مِنَ الشَّعِيرِ عِنْدَ الْغَرْبَلَةِ، وَيَبْقَى مِنَ التَّمْرِ بَعْدَ الْأَكْلِ.

وَوَجَدْتُ لِهَذَا الْحَدِيثِ شَاهِدًا مِنْ رِوَايَةِ الْفَزَارِيَّةِ -امْرَأَةِ عُمَرَ- بِلَفْظِ: تَذْهَبُونَ الْخَيِّرُ فَالْخَيِّرُ، حَتَّى لَا يَبْقَى مِنْكُمْ إِلَّا حُثَالَةٌ كَحُثَالَةِ التَّمْرِ، يَنْزُو بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ نَزْوَ الْمَعْزِ أَخْرَجَهُ أَبُو سَعِيدِ ابْنُ يُونُسَ فِي "تَارِيخِ مِصْرَ"، وَلَيْسَ فِيهِ تَصْرِيحٌ بِرَفْعِهِ، لَكِنْ لَهُ حُكْمُ الْمَرْفُوعِ.

قَوْلُهُ لَا يُبَالِيهِمُ اللَّهُ بَالَةً قَالَ الْخَطَّابِيُّ: أَيْ لَا يَرْفَعُ لَهُمْ قَدْرًا، وَلَا يُقِيمُ لَهُمْ وَزْنًا، يُقَالُ: بَالَيْتُ بِفُلَانٍ، وَمَا بَالَيْتُ بِهِ مُبَالَاةً، وَبَالِيَةً، وَبَالَةً.

وَقَالَ غَيْرُهُ: أَصْلُ بَالَةٍ بَالِيَةٍ، فَحُذِفَتِ الْيَاءُ تَخْفِيفًا.

وَتُعُقِّبَ قَوْلُ الْخَطَّابِيِّ بِأَنَّ بَالِيَةً لَيْسَ مَصْدَرًا لِبَالَيْتُ، وَإِنَّمَا هُوَ اسْمُ مَصْدَرِهِ.

وَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ الْقَابِسِيُّ: سَمِعْتُهُ فِي الْوَقْفِ بَالَةً، وَلَا أَدْرِي كَيْفَ هُوَ فِي الدَّرْجِ، وَالْأَصْلُ بَالَيْتُهُ بَالَاةً، فَكَأَنَّ الْأَلِفَ حُذِفَتْ فِي الْوَقْفِ. كَذَا قَالَ.

وَتعقبه ابنُ التِّينِ بِأَنَّهُ لَمْ يَسْمَعْ فِي مَصْدَرِهِ: بَالَاةً، قَالَ: وَلَوْ عَلِمَ الْقَابِسِيُّ مَا نَقَلَهُ الْخَطَّابِيُّ: أَنَّ بَالَةً مَصْدَرٌ مُصَارٌ لَمَا احْتَاجَ إِلَى هَذَا التَّكَلُّفِ.

قُلْتُ: تَقَدَّمَ فِي الْمَغَازِي مِنْ رِوَايَةِ عِيسَى بْنِ يُونُسَ عَنْ بَيَانٍ بِلَفْظِ: لَا يَعْبَأُ اللَّهُ بِهِمْ شَيْئًا، وَفِي رِوَايَةِ عَبْدِالْوَاحِدِ: لَا يُبَالِي اللَّهُ عَنْهُمْ، وَكَذَا فِي رِوَايَة خَالِد الطَّحَّان.

وَعَن هُنَا بِمَعْنَى الْبَاءِ، يُقَالُ: مَا بَالَيْتُ بِهِ، وَمَا بَالَيْتُ عَنْهُ.

وَقَوْلُهُ يَعْبَأُ بِالْمُهْمَلَةِ السَّاكِنَةِ وَالْمُوَحَّدَةِ مَهْمُوزٌ، أَيْ: لَا يُبَالِي، وَأَصْلُهُ مِنَ الْعِبْءِ بِالْكَسْرِ، ثُمَّ الْمُوَحَّدَةِ، مَهْمُوزٌ، وَهُوَ الثِّقَلُ، فَكَأَنَّ مَعْنَى لَا يَعْبَأُ بِهِ أَنَّهُ لَا وَزْنَ لَهُ عِنْدَهُ.

وَوَقَعَ فِي آخِرِ حَدِيثِ الْفَزَارِيَّةِ الْمَذْكُورِ آنِفًا: عَلَى أُولَئِكَ تَقُومُ السَّاعَةُ.

قَالَ ابنُ بَطَّالٍ: فِي الْحَدِيثِ أَنَّ مَوْتَ الصَّالِحِينَ مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ، وَفِيهِ النَّدْبُ إِلَى الِاقْتِدَاءِ بِأَهْلِ الْخَيْرِ، وَالتَّحْذِيرُ مِنْ مُخَالَفَتِهِمْ خَشْيَةَ أَنْ يَصِيرَ مَنْ خَالَفَهُمْ مِمَّنْ لَا يَعْبَأُ اللَّهُ بِهِ، وَفِيهِ أَنَّهُ يَجُوزُ انْقِرَاضُ أَهْلِ الْخَيْرِ فِي آخِرِ الزَّمَانِ حَتَّى لَا يَبْقَى إِلَّا أَهْلُ الشَّرِّ، وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى جَوَازِ خُلُوِّ الْأَرْضِ مِنْ عَالِمٍ، حَتَّى لَا يَبْقَى إِلَّا أَهْلُ الْجَهْلِ صِرْفًا، وَيُؤَيِّدُهُ الْحَدِيثُ الْآتِي فِي الْفِتَنِ: حَتَّى إِذَا لَمْ يَبْقَ عَالِمٌ اتَّخَذَ النَّاسُ رُؤَسَاءَ جُهَّالًا، وَسَيَأْتِي بَسْطُ الْقَوْلِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ هُنَاكَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

تَنْبِيهٌ: وَقَعَ فِي نُسْخَةِ الصَّغَانِيِّ هُنَا: قَالَ أَبُو عَبْدِاللَّهِ: (حُفَالَةٌ وَحُثَالَةٌ) أَيْ أَنَّهَا رُوِيَتْ بِالْفَاءِ وبالمثلثة، وهما بِمَعْنى وَاحِدٍ.

الشيخ: عندك العيني تكلم على الأول فالأول؟ أل هنا كأنها زائدة، والمعنى أولًا فأولًا، وهذا في آخر الزمان، يعني لا يزال الصَّالحون يُقبضون حتى ينتهوا، ولا يبقى إلا الأشرار، فعليهم تقوم الساعة، نسأل الله العافية، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

س: قوله: ينزو بعضهم على بعض؟

ج: يعني مثل البهائم، وهذا موجود في دول كثيرة الآن، في الأسواق ينزو بعضُهم على بعضٍ، يُجامعها عند الناس، يركبها عند الناس، يركب بعضُهم بعضًا، الآن موجودة عند الناس في فرنسا، وفي إنجلترا، وفي دول كثيرة في الأسواق، وفي الحدائق -نسأل الله العافية- وهكذا في آخر الزمان أردأ من هذا، نسأل الله العافية ..........

بَاب مَا يُتَّقَى مِنْ فِتْنَةِ المَالِ

وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ [التغابن:15]

6435- حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ، عَنْ أَبِي حَصِينٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: تَعِسَ عَبْدُ الدِّينَارِ، وَالدِّرْهَمِ، وَالقَطِيفَةِ، وَالخَمِيصَةِ، إِنْ أُعْطِيَ رَضِيَ، وَإِنْ لَمْ يُعْطَ لَمْ يَرْضَ.

6436- حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا يَقُولُ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ ﷺ يَقُولُ: لَوْ كَانَ لِابْنِ آدَمَ وَادِيَانِ مِنْ مَالٍ لَابْتَغَى ثَالِثًا، وَلا يَمْلَأُ جَوْفَ ابْنِ آدَمَ إِلَّا التُّرَابُ، وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَى مَنْ تَابَ.

الشيخ: وهذه طبيعة الغالب، طبيعة حب المال، ولا يشبع بشيء، كما قال جلَّ وعلا: وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ يعني المال لَشَدِيدٌ [العاديات:8]، وقال: وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا [الفجر:20]، وكم من قتيل وقاتل حصل له ذلك بسبب حبِّ المال -نسأل الله السلامة- وكم من مرتدٍّ عن دينه حصل له ذلك بسبب حبِّ المال، فهو فتنة كما قال: وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ  [الأنفال:28] اختبار وامتحان يُبتلى به الناس، فهذا يُبتلى بالمال ويصرفه في وجوه الخير، يسلم من شرِّه، وهذا يُبتلى بالمال فيهلك، نسأل الله العافية، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

 

6437- حَدَّثَنِي مُحَمَّدٌ، أَخْبَرَنَا مَخْلَدٌ، أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ: سَمِعْتُ عَطَاءً يَقُولُ: سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: لَوْ أَنَّ لِابْنِ آدَمَ مِثْلَ وَادٍ مَالًا لَأَحَبَّ أَنَّ لَهُ إِلَيْهِ مِثْلَهُ، وَلا يَمْلَأُ عَيْنَ ابْنِ آدَمَ إِلَّا التُّرَابُ، وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَى مَنْ تَابَ.

قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَلا أَدْرِي مِنَ القُرْآنِ هُوَ أَمْ لا.

قَالَ: وَسَمِعْتُ ابْنَ الزُّبَيْرِ يَقُولُ ذَلِكَ عَلَى المِنْبَرِ.

6438- حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُالرَّحْمَنِ بْنُ سُلَيْمَانَ ابْنِ الغَسِيلِ، عَنْ عَبَّاسِ بْنِ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ الزُّبَيْرِ عَلَى المِنْبَرِ بِمَكَّةَ فِي خُطْبَتِهِ يَقُولُ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّ النَّبِيَّ ﷺ كَانَ يَقُولُ: لَوْ أَنَّ ابْنَ آدَمَ أُعْطِيَ وَادِيًا مَلْئًا مِنْ ذَهَبٍ أَحَبَّ إِلَيْهِ ثَانِيًا، وَلَوْ أُعْطِيَ ثَانِيًا أَحَبَّ إِلَيْهِ ثَالِثًا، وَلا يَسُدُّ جَوْفَ ابْنِ آدَمَ إِلَّا التُّرَابُ، وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَى مَنْ تَابَ.

6439- حَدَّثَنَا عَبْدُالعَزِيزِ بْنُ عَبْدِاللَّهِ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: لَوْ أَنَّ لِابْنِ آدَمَ وَادِيًا مِنْ ذَهَبٍ أَحَبَّ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَادِيَانِ، وَلَنْ يَمْلَأَ فَاهُ إِلَّا التُّرَابُ، وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَى مَنْ تَابَ.

6440- وَقَالَ لَنَا أَبُو الوَلِيدِ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ، عَنْ أُبَيٍّ قَالَ: "كُنَّا نَرَى هَذَا مِنَ القُرْآنِ حَتَّى نَزَلَتْ: أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ [التكاثر:1]".

 

الشيخ: انظر كلامه على ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب؟

الطالب: قَوْلُهُ وَلَا يَمْلَأُ جَوف ابن آدَمَ فِي رِوَايَةِ حَجَّاجِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنِ ابن جُرَيْجٍ عِنْدَ الْإِسْمَاعِيلِيِّ: نَفْسَ بَدَلَ جَوْفَ، وَفِي حَدِيثِ جَابِرٍ كَالْأَوَّلِ، وَفِي مُرْسَلِ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ: وَلَا يُشْبِعُ بِضَمِّ أَوَّلِهِ جَوْفَ، وَفِي حَدِيث ابن الزُّبَيْرِ: وَلَا يَسُدُّ جَوْفَ، وَفِي الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ فِي الْبَابِ: وَلَا يَمْلَأُ عَيْنَ، وَفِي حَدِيثِ أَنَسٍ فِيهِ: وَلَا يَمْلَأُ فَاهُ، وَمِثْلُهُ فِي حَدِيثِ أَبِي وَاقِدٍ عِنْدَ أَحْمَدَ، وَلَهُ فِي حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ: وَلَا يَمْلَأُ بَطْنَ.

قَالَ الْكِرْمَانِيُّ: لَيْسَ الْمُرَادُ الْحَقِيقَةَ فِي عُضْوٍ بِعَيْنِهِ بِقَرِينَةِ عَدَمِ الِانْحِصَارِ فِي التُّرَابِ، إِذْ غَيْرُهُ يَمْلَؤُهُ أَيْضًا، بَلْ هُوَ كِنَايَةٌ عَنِ الْمَوْتِ؛ لِأَنَّهُ مُسْتَلْزِمٌ لِلِامْتِلَاءِ، فَكَأَنَّهُ قَالَ: لَا يَشْبَعُ مِنَ الدُّنْيَا حَتَّى يَمُوتَ، فَالْغَرَضُ مِنَ الْعِبَارَاتِ كُلِّهَا وَاحِدٌ، وَهِيَ مِنَ التَّفَنُّنِ فِي الْعِبَارَةِ.

قُلْتُ: وَهَذَا يَحْسُنُ فِيمَا إِذَا اخْتَلَفَتْ مَخَارِجُ الْحَدِيثِ، وَأَمَّا إِذَا اتَّحَدَتْ فَهُوَ مِنْ تَصَرُّفِ الرُّوَاةِ، ثُمَّ نِسْبَةُ الِامْتِلَاءِ لِلْجَوْفِ وَاضِحَةٌ، وَالْبَطْنُ بِمَعْنَاهُ، وَأَمَّا النَّفْسُ فَعَبَّرَ بِهَا عَنِ الذَّاتِ، وَأَطْلَقَ الذَّاتَ وَأَرَادَ الْبَطْنَ، مِنْ إِطْلَاقِ الْكُلِّ وَإِرَادَة الْبَعْض، وَأَمَّا النِّسْبَةُ إِلَى الْفَمِ فَلِكَوْنِهِ الطَّرِيقَ إِلَى الْوُصُولِ لِلْجَوْفِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالنَّفْسِ الْعَيْنَ، وَأَمَّا الْعَيْنُ فَلِأَنَّهَا الْأَصْلُ فِي الطَّلَبِ؛ لِأَنَّهُ يَرَى مَا يُعْجِبُهُ فَيَطْلُبُهُ لِيَحُوزَهُ إِلَيْهِ.

وَخَصَّ الْبَطْنَ فِي أَكْثَرِ الرِّوَايَاتِ؛ لِأَنَّ أَكْثَرَ مَا يُطْلَبُ الْمَالُ لِتَحْصِيلِ الْمُسْتَلَذَّاتِ، وَأَكْثَرُهَا يَكُونُ لِلْأَكْلِ وَالشُّرْبِ.

وَقَالَ الطِّيبِيُّ: وَقَعَ قَوْلُهُ وَلَا يَمْلَأُ .. إِلَخْ، مَوْقِعَ التَّذْيِيلِ وَالتَّقْرِيرِ لِلْكَلَامِ السَّابِقِ، كَأَنَّهُ قِيلَ: وَلَا يَشْبَعُ مَنْ خُلِقَ مِنَ التُّرَابِ إِلَّا بِالتُّرَابِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ الْحِكْمَةُ فِي ذِكْرِ التُّرَابِ دُونَ غَيْرِهِ أَنَّ الْمَرْءَ لَا يَنْقَضِي طَمَعُهُ حَتَّى يَمُوتَ، فَإِذَا مَاتَ كَانَ مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يُدْفَنَ، فَإِذَا دُفِنَ صُبَّ عَلَيْهِ التُّرَابُ فَمَلَأَ جَوْفَهُ وَفَاهُ وَعَيْنَيْهِ، وَلَمْ يَبْقَ مِنْهُ مَوْضِعٌ يَحْتَاجُ إِلَى تُرَابٍ غَيْرُهُ، وَأَمَّا النِّسْبَةُ إِلَى الْفَمِ فَلِكَوْنِهِ الطَّرِيقَ إِلَى الْوُصُول للجوفِ.

الشيخ: يكفي، العيني قال شيء؟

الطالب: قال: فَإِن قلت: نِسْبَة الامتلاء إِلَى الْجوف والبطن وَاضِحَة، فَمَا وَجههَا إِلَى النَّفس والفم وَالْعين؟ قلت: أما النَّفس فَعبَّر بهَا عَن الذَّات وَأَرَادَ الْبَطن.

الشيخ: مثلما قال، لا يزال في إشكال في التَّعبير: ولا يملأ جوفه إلا التراب يعني الموت شيء ثانٍ، الله أعلم بمُراد رسوله عليه الصلاة والسلام.

بَاب قَوْلِ النَّبِيِّ ﷺ: هَذَا المَالُ خَضِرَةٌ حُلْوَةٌ

وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا [آل عمران:14]، قَالَ عُمَرُ: "اللَّهُمَّ إِنَّا لا نَسْتَطِيعُ إِلَّا أَنْ نَفْرَحَ بِمَا زَيَّنْتَهُ لَنَا، اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ أَنْ أُنْفِقَهُ فِي حَقِّهِ".

6441- حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِاللَّهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ: سَمِعْتُ الزُّهْرِيَّ يَقُولُ: أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ وَسَعِيدُ بْنُ المُسَيِّبِ، عَنْ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ قَالَ: سَأَلْتُ النَّبِيَّ ﷺ فَأَعْطَانِي، ثُمَّ سَأَلْتُهُ فَأَعْطَانِي، ثُمَّ سَأَلْتُهُ فَأَعْطَانِي، ثُمَّ قَالَ: هَذَا المَالُ، وَرُبَّمَا قَالَ سُفْيَانُ: قَالَ لِي: يَا حَكِيمُ، إِنَّ هَذَا المَالَ خَضِرَةٌ حُلْوَةٌ، فَمَنْ أَخَذَهُ بِطِيبِ نَفْسٍ بُورِكَ لَهُ فِيهِ، وَمَنْ أَخَذَهُ بِإِشْرَافِ نَفْسٍ لَمْ يُبَارَكْ لَهُ فِيهِ، وَكَانَ كَالَّذِي يَأْكُلُ وَلا يَشْبَعُ، وَاليَدُ العُلْيَا خَيْرٌ مِنَ اليَدِ السُّفْلَى.

الشيخ: وهذا توجيه عظيم من النبي الكريم عليه الصلاة والسلام لحكيم بن حزام القرشي المعروف، وللأمة كلها، الخطاب لحكيم والمقصود الأمة كلها، كان حكيم طلب من النبي ﷺ من المال فأعطاه النبي، ثم طلب فأعطاه، ثم طلب فأعطاه، ثم قال له: يا حكيم، إنَّ هذا المال خضرة حلوة، يعني: محبوب للنفوس من جهة المرأى، من جهة النظر، ومن جهة ما يتمتع به من ميل الشَّهوات التي تُدرك بالمال.

فمَن أخذه بطيب نفسٍ، في اللفظ الآخر: بسخاوة نفسٍ بُورك له فيه، يعني إن أخذه بطُمأنينة وسخاوة نفسٍ وراحة وقصد صالح بُورك له فيه، ومَن أخذه بإشراف نفسٍ يعني بتطلع وجشعٍ لم يُبارك له فيه، وكان كالذي يأكل ولا يشبع، وفي اللفظ الآخر المتقدم: فمَن أخذه بحقِّه ووضعه في حقِّه فنعمة المعونة هو، ومَن أخذه بإشراف نفسٍ لم يُبارك له فيه، وكان كالذي يأكل ولا يشبع، وفي اللفظ الآخر: نعم المال الصالح للرجل الصالح، يُنفقه في سبيل الله؛ في الفقير والمسكين، أو كما قال عليه الصلاة والسلام.

وفي اللفظ الآخر: اليد العُليا خيرٌ من اليد السُّفْلَى، وابدأ بمَن تعول، وخير الصَّدقة ما كان عن ظهر غنًى، فاليد العُليا هي المعطية والمنفقة، والسُّفْلى هي السائلة، وابدأ بمَن تعول يعني ابدأ بمَن تحت يدك وأنت مسؤول عنهم، ابدأ بهم في الإنفاق: من زوجة، وأولاد، ونحو ذلك ممن تحت يد الإنسان، وبهائم، ونحو ذلك.

وخير الصَّدقة ما كان عن ظهر غنًى ما كان يستطيعه العبدُ فوق حاجته، فوق حاجة مَن تحت يده، وفي اللفظ الآخر: جهد المقل، ولا مُنافاة، فخير الصَّدقة ما كان عن يُسْرٍ واستطاعةٍ بعد أداء الواجب، يعني بعد قيامه بما يلزمه من النَّفقة على مَن يعول، فلا ينبغي للمؤمن أن يجود على البعيد، ويضيق على مَن يعول، بل يُعطيهم حاجتهم ويتصدّق بما فوق ذلك.

س: ............؟

ج: صدقة وصلة، يقول ﷺ: الصدقة على المسكين صدقة، وعلى ذي الرحم اثنتان: صدقة وصلة.

س: ..........؟

ج: الظاهر ما هناك مُنافاة، لما قال: ما كان عن ظهر غنًى يعني عن ظهر تسديد للحاجة، وكفاية لمن تحت يده، ولا يُنافي جهد المقل، المقل هو الذي يجتهد في أن يفضل شيئًا للصدقة؛ لقلَّة ما في يده بعد أن يُوفي المقام حقَّه من جهة مَن يعوله، هو مُوافق له في المعنى.

بَاب مَا قَدَّمَ مِنْ مَالِهِ فَهُوَ لَهُ

6442- حَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ، حَدَّثَنِي أَبِي، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ قَالَ: حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ التَّيْمِيُّ، عَنِ الحَارِثِ بْنِ سُوَيْدٍ، قَالَ عَبْدُاللَّهِ: قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: أَيُّكُمْ مَالُ وَارِثِهِ أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنْ مَالِهِ؟ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا مِنَّا أَحَدٌ إِلَّا مَالُهُ أَحَبُّ إِلَيْهِ، قَالَ: فَإِنَّ مَالَهُ مَا قَدَّمَ، وَمَال وَارِثِهِ مَا أَخَّرَ.

الشيخ: وهذا بيانٌ عظيمٌ، ومثلٌ عظيم يجعل المؤمن يجود ويُحسن: أيُّكم ماله أحبُّ إليه من مال وارثه؟ كل أحدٍ يقول: مالي أحبُّ إليَّ من مال وارثي، قال: فإنَّ مال أحدكم ما قدَّم ما تصدَّق به وأنفقه في وجوه البرِّ، ومال وارثه هو ما أخَّر، ما أخَّره وراءه هذا للورثة، لكن مال الإنسان الحقيقي الذي ينفعه هو الذي يُقدمه في حياته ابتغاء وجه الله في وجوه الخير، أما مال الوارث فهذا للوارث، إن أحسن فيه الوارث فهو خيرٌ له، وإن أساء فهو عليه، إذا مات الإنسانُ فهو غير مسؤولٍ عما وراءه، المسؤول عمَّا وراءه الورثة، هم المسؤولون، فإن أحسنوا فلهم، وإن أساؤوا فعليهم، ما عاد هو ماله، صار مالهم هم، انتقل، لكن هو يسعى لنفسه .. يُقدم شيئًا ينفعه في الآخرة في وجوه الخير: من مُواساة الفقير والمسكين والسائل والمظلوم، وإقامة المشاريع الخيرية التي تنفع الناس: كتعمير المساجد والبيوت للفقراء والمحاويج؛ لسكن الأيتام والمحاويج، والرّبط، وإصلاح الطرق والقناطر، وغير هذا مما يحتاجه الناس على حسب البلاد.

س: إذا قال: عبدالله، فهو عبدالله بن مسعود؟

ج: لا، يختلف بحسب التلاميذ، إذا قال نافع: حدثنا عبدالله، فهو ابن عمر، وإذا قال سالم: عبدالله، فهو ابن عمر ..، وإذا قال الحارث بن سويد و... النخعي والأسود وأشباههم: حدثنا عبدالله، فهو عبدالله بن مسعود، وإذا قال أصحاب ابن الزبير: حدثنا عبدالله، فهو عبدالله بن الزبير، وإذا قال أصحاب عبدالله بن عمرو: حدثنا عبدالله، فهو عبدالله بن عمرو، يختلف بحسب التلاميذ، وهكذا أصحاب عبدالله بن عباس إذا قالوا: حدثنا عبدالله، يعني ابن عباس، فإذا قال سعيد بن جبير، وقال عمرو بن دينار، وأشباههم، فهو عبدالله بن عباس.

بَاب المُكْثِرُونَ هُمُ المُقِلُّونَ

وَقَوْلُهُ تَعَالَى: مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ ۝ أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [هود:15- 16].

6443- حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ عَبْدِالعَزِيزِ بْنِ رُفَيْعٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ: خَرَجْتُ لَيْلَةً مِنَ اللَّيَالِي، فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَمْشِي وَحْدَهُ، وَلَيْسَ مَعَهُ إِنْسَانٌ، قَالَ: فَظَنَنْتُ أَنَّهُ يَكْرَهُ أَنْ يَمْشِيَ مَعَهُ أَحَدٌ، قَالَ: فَجَعَلْتُ أَمْشِي فِي ظِلِّ القَمَرِ، فَالْتَفَتَ فَرَآنِي، فَقَالَ: مَنْ هَذَا؟ قُلْتُ: أَبُو ذَرٍّ، جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ، قَالَ: يَا أَبَا ذَرٍّ، تَعَالَهْ، قَالَ: فَمَشَيْتُ مَعَهُ سَاعَةً، فَقَالَ: إِنَّ المُكْثِرِينَ هُمُ المُقِلُّونَ يَوْمَ القِيَامَةِ، إِلَّا مَنْ أَعْطَاهُ اللَّهُ خَيْرًا، فَنَفَحَ فِيهِ يَمِينَهُ وَشِمَالَهُ وَبَيْنَ يَدَيْهِ وَوَرَاءَهُ، وَعَمِلَ فِيهِ خَيْرًا.

قَالَ: فَمَشَيْتُ مَعَهُ سَاعَةً، فَقَالَ لِي: اجْلِسْ هَاهُنَا، قَالَ: فَأَجْلَسَنِي فِي قَاعٍ حَوْلَهُ حِجَارَةٌ، فَقَالَ لِي: اجْلِسْ هَاهُنَا حَتَّى أَرْجِعَ إِلَيْكَ، قَالَ: فَانْطَلَقَ فِي الحَرَّةِ حَتَّى لا أَرَاهُ، فَلَبِثَ عَنِّي فَأَطَالَ اللُّبْثَ، ثُمَّ إِنِّي سَمِعْتُهُ وَهُوَ مُقْبِلٌ، وَهُوَ يَقُولُ: وَإِنْ سَرَقَ، وَإِنْ زَنَى، قَالَ: فَلَمَّا جَاءَ لَمْ أَصْبِرْ حَتَّى قُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ، مَنْ تُكَلِّمُ فِي جَانِبِ الحَرَّةِ، مَا سَمِعْتُ أَحَدًا يَرْجِعُ إِلَيْكَ شَيْئًا؟! قَالَ: ذَلِكَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلامُ، عَرَضَ لِي فِي جَانِبِ الحَرَّةِ، قَالَ: بَشِّرْ أُمَّتَكَ أَنَّهُ مَنْ مَاتَ لا يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا دَخَلَ الجَنَّةَ، قُلْتُ: يَا جِبْرِيلُ، وَإِنْ سَرَقَ، وَإِنْ زَنَى؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: قُلْتُ: وَإِنْ سَرَقَ، وَإِنْ زَنَى؟ قَالَ: نَعَمْ، وَإِنْ شَرِبَ الخَمْرَ.

قَالَ النَّضْرُ: أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ، حَدَّثَنَا حَبِيبُ بْنُ أَبِي ثَابِتٍ، وَالأَعْمَشُ، وَعَبْدُالعَزِيزِ بْنُ رُفَيْعٍ، حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ وَهْبٍ بِهَذَا.

قَالَ أَبُو عَبْدِاللَّهِ: حَدِيثُ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ مُرْسَلٌ لا يَصِحُّ، إِنَّمَا أَرَدْنَا لِلْمَعْرِفَةِ، وَالصَّحِيحُ حَدِيثُ أَبِي ذَرٍّ.

قِيلَ لِأَبِي عَبْدِاللَّهِ: حَدِيثُ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ؟ قَالَ: مُرْسَلٌ أَيْضًا لا يَصِحُّ، وَالصَّحِيحُ حَدِيثُ أَبِي ذَرٍّ. وَقَالَ: اضْرِبُوا عَلَى حَدِيثِ أَبِي الدَّرْدَاءِ هَذَا: إِذَا مَاتَ قَالَ: لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، عِنْدَ المَوْتِ.

الشيخ: وهذا الحديث فيه البشارة العظيمة لهذه الأمة -أمة محمد عليه الصلاة والسلام- وفيه الرد على الخوارج والمعتزلة ومَن قال بمذهبهم من القول بأنَّ العاصي مُخلَّد في النار، وأنه لا يدخل الجنةَ، هذا الحديث العظيم وهو من أصحِّ الأحاديث عن رسول الله ﷺ، رواه البخاري، ومسلم، وغيرهما، يقول ﷺ : إنَّ المكثرين هم المقلون يوم القيامة يعني المكثرون من المال هم المقلون يوم القيامة من الحسنات؛ لكثرة تبعات المال وشرِّه، إلا مَن قال هكذا وهكذا وهكذا عن يمينه، وعن شماله، ومن ورائه، يعني: إلا مَن أنفق في وجوه الخير وأحسن، هذا هو الذي ينفعه المال، ويجد له العاقبة الحميدة.

ثم قال لأبي ذرٍّ: اجلس هاهنا فأجلسه في مكانٍ حوله حجارة، وقال: اجلس هاهنا، فذهب الحرَّة حتى توارى عنه عليه الصلاة والسلام، وكان -والله أعلم- على موعدٍ مع جبريل، أو عرض عليه جبرائيل من غير موعدٍ، فالمقصود أنه ذهب لأسبابٍ هناك، ولعله كان عن موعدٍ مع جبرائيل هناك عليه الصلاة والسلام، ثم رجع إليه وهو يقول: وإن زنا، وإن سرق، وإن زنا، وإن سرق، فلما دنا من أبي ذرٍّ بادر أبو ذر فقال: مَن تُكَلِّم يا رسول الله؟ ما سمعتُ أحدًا يردّ عليك! قال: ولا سمعتَ؟ قال: نعم، قال: ذاك جبريل عرض لي فقال: بشِّرْ أُمَّتك بأنه مَن مات لا يُشرك بالله شيئًا دخل الجنة، يعني: مَن مات على التوحيد غير مشركٍ فهو من أهل الجنة، وإن كانت عنده ذنوب ومعاصٍ فهو تحت مشيئة الله، فقال النبي لجبرائيل: وإن زنا، وإن سرق؟ قال: نعم، كررها النبيُّ ﷺ على جبرائيل للتَّثبت، وجبرائيل يقول له كذلك.

وهكذا أبو ذرّ ردد على النبي كما في الرواية الأخرى، يقول للنبي ﷺ: يا رسول الله، وإن زنا، وإن سرق؟ حتى ردّدها ثلاثًا فقال: نعم على رغم أنف أبي ذر.

المقصود أنَّ هذا دليل على أن المعاصي لا تمنع من دخول الجنة، وإن جرى على أصحابها ما جرى، إن جرى عليهم عذاب وتطهير لكنَّه لا يمنعهم إذا ماتوا على التوحيد والإيمان من دخول الجنة ولو بعد تطهيرٍ وتمحيصٍ، ولهذا قال سبحانه: إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ [النساء:48]، فأمر المعاصي تحت مشيئة الله، مَن مات عليها غير تائبٍ فهو تحت مشيئة الله، لكن منتهاه إلى الجنة، منتهاه ولو دخل النار، ولو مكث فيها ما شاء الله من الزمان للتطهير، فالنهاية أنه يخرج منها ويصل إلى الجنة بعد ذلك، كما صحَّت به الأخبار، وتواترت الأخبار عن رسول الله ﷺ في الشَّفاعة.

والخوارج يقولون: لا، والمعتزلة يقولون: مَن دخلها لا يخرج، من دخل النار ولو كان عاصيًا، ولو كان غير كافرٍ؛ لا يخرج، هذا من جهلهم وضلالهم وخلافهم للسنة الصحيحة عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، بل زاد على هذا الخوارج فقالوا: إنه يكفر بالمعصية، وأن من سرق كفر، ومن زنا كفر، ومن عقَّ والديه كفر، فجعلوهم كفارًا مخلدين في النار، وهذا باطل عند أهل السنة والجماعة.

أهل السنة والجماعة يقولون: قد نقص إيمانه، وضعف إيمانه، واستحق غضب الله، إلا أن يعفو الله عنه ، فقد يعفو عنه من أول وهلة، وقد يُعذَّب على قدر جرائمه التي مات عليها: من زنا أو سرقة أو شرب مسكر أو عقوق أو قطيعة رحم أو أكل ربا أو غيبة أو نميمة أو غير هذا من المعاصي، هو تحت مشيئة الله، وهو على خطرٍ من دخول النار، كما جاءت به النصوص الكثيرة عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، لكن هذا لا يمنع من دخول الجنة في النهاية بعد التَّطهير والتَّمحيص الذي كتبه الله عليه، وهذا قول أصحاب النبي ﷺ وأتباعهم بإحسانٍ من أهل السنة، خلافًا للمُبتدعة من الخوارج والمعتزلة ومَن سار على نهجهم ومذهبهم الباطل.

س: ..............؟

ج: الله أعلم، المعروف عنهم التكفير بالذنوب، وبعضهم يحكي عنهم الكبائر، ويحتاج إلى تدقيق في كتبهم، كتبهم موجودة، ولهم بقايا الآن في عمان، وفي الجزائر، وفي ليبيا لهم بقايا، وهم الإباضية، لكن المتأخِّرون منهم كأنهم ..... بعض الشيء، اجتمعنا ببعضهم يقولون: ما نقول: كافر، لكن مُخلَّد في النار، كأنهم مالوا إلى رأي المعتزلة، والمعنى واحد؛ إذا قالوا: مُخلد في النار، فهو معناه كفره.

س: .............؟

ج: المشهور عن العلماء أنهم يقولون: إنهم يكفرون بالذنوب مطلقًا، لكن لعلهم يُريدون الذنوب التي فيها وعيد مثل الكبائر.

س: ............؟

ج: هذه للكفار، المشهور عند العلماء أنها للكفار، وقيل: تعمّ المرائين بأعمالهم، فإنَّ أعمالهم تحبط، ولكن المشهور أنها نزلت في الكفار، ولكن عمومها يُوجب الحذر؛ لأنه قال: وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [هود:16]، هذا ما ينطبق إلا على الكفار: وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [الأنعام:88]، لكن قد تعمّ المرائي فيما راءى، فإن ما راءى فيه يبطل ويحبط، نسأل الله العافية.

س: .............؟

ج: انظر كلامه على قوله: (وقال النضر)، كلامه فيه إشكال، فيه غموض.

الطالب: قَوْلُهُ: وَقَالَ النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ: أَنْبَأَنَا شُعْبَةُ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ وَالْأَعْمَشِ وَعَبْدِالْعَزِيزِ بْنِ رُفَيْعٍ قَالُوا: حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ وَهْبٍ بِهَذَا.

الْغَرَضُ بِهَذَا التَّعْلِيقِ تَصْرِيحُ الشُّيُوخِ الثَّلَاثَةِ الْمَذْكُورِينَ بِأَنَّ زَيْدَ بْنَ وَهْبٍ حَدَّثَهُمْ، وَالْأَوَّلَانِ نُسِبَا إِلَى التَّدْلِيسِ، مَعَ أَنَّهُ لَوْ وَرَدَ مِنْ رِوَايَةِ شُعْبَةَ بِغَيْرِ تَصْرِيحٍ لَأُمِنَ فِيهِ التَّدْلِيسُ؛ لِأَنَّهُ كَانَ لَا يُحَدِّثُ عَنْ شُيُوخِهِ إِلَّا بِمَا لَا تَدْلِيسَ فِيهِ، وَقَدْ ظَهَرَتْ فَائِدَةُ ذَلِكَ فِي رِوَايَةِ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ عَنِ الْأَعْمَشِ، فَإِنَّهُ زَادَ فِيهِ بَيْنَ الْأَعْمَشِ وَزَيْدِ بْنِ وَهْبٍ رَجُلًا مُبْهَمًا، ذَكَرَ ذَلِكَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "الْعِلَلِ"، فَأَفَادَتْ هَذِهِ الرِّوَايَةُ الْمُصَرِّحَةُ أَنَّهُ مِنَ الْمَزِيدِ فِي مُتَّصِلِ الْأَسَانِيدِ.

وَقَدِ اعْتَرَضَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ عَلَى قَوْلِ الْبُخَارِيِّ فِي هَذَا السَّنَدِ بِهَذَا، فَأَشَارَ إِلَى رِوَايَةِ عَبْدِالْعَزِيزِ بْنِ رُفَيْعٍ، وَاقْتَضَى ذَلِكَ أَنَّ رِوَايَةَ شُعْبَةَ هَذِهِ نَظِيرُ رِوَايَتِهِ، فَقَالَ: لَيْسَ فِي حَدِيثِ شُعْبَةَ قِصَّةُ الْمُقِلِّينَ وَالْمُكْثِرِينَ، إِنَّمَا فِيهِ قِصَّةُ مَنْ مَاتَ لَا يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا، قَالَ: وَالْعَجَبُ مِنَ الْبُخَارِيِّ كَيْفَ أَطْلَقَ ذَلِكَ ثُمَّ سَاقَهُ مَوْصُولًا مِنْ طَرِيقِ حُمَيْدِ بْنِ زَنْجَوَيْهِ، حَدَّثَنَا النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ، عَنْ شُعْبَةَ، وَلَفْظُهُ: إنَّ جِبْرِيلَ بَشَّرَنِي أنَّ مَنْ مَاتَ لَا يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا دَخَلَ الْجَنَّةَ، قُلْتُ: وَإِنْ زَنَى؟ وَإِنْ سَرَقَ؟ قَالَ: وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ، قِيلَ: لِسُلَيْمَانَ -يَعْنِي الْأَعْمَشَ- إِنَّمَا رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ، فَقَالَ: إِنَّمَا سَمِعْتُهُ عَنْ أَبِي ذَرٍّ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ مِنْ طَرِيقِ مُعَاذٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ، وَبِلَالٍ، وَالْأَعْمَشِ، وَعَبْدِالْعَزِيزِ بْنِ رُفَيْعٍ، سَمِعُوا زَيْدَ بْنَ وَهْبٍ عَنْ أَبِي ذَرٍّ، زَادَ فِيهِ رَاوِيًا وَهُوَ بِلَالٌ، وَهُوَ ابن مِرْدَاسٍ الْفَزَارِيُّ، شَيْخٌ كُوفِيٌّ أَخْرَجَ لَهُ أَبُو دَاوُدَ، وَهُوَ صَدُوقٌ لَا بَأْسَ بِهِ.

الشيخ: انظر في "التقريب" بلال بن مرداس.

الطالب: وَقَدْ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ، عَنْ شُعْبَةَ، كَرِوَايَةِ النَّضْرِ، لَيْسَ فِيهِ بِلَالٌ، وَقَدْ تَبِعَ الْإِسْمَاعِيلِيَّ عَلَى اعْتِرَاضِهِ الْمَذْكُورِ جَمَاعَةٌ، مِنْهُمْ مُغْلَطَايْ وَمَنْ بَعْدَهُ، وَالْجَوَابُ عَنِ الْبُخَارِيِّ وَاضِحٌ عَلَى طَرِيقَةِ أَهْلِ الْحَدِيثِ؛ لِأَنَّ مُرَادَهُ أَصْلُ الْحَدِيثِ، فَإِنَّ الْحَدِيثَ الْمَذْكُورَ فِي الْأَصْلِ قَدِ اشْتَمَلَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ، فَيَجُوزُ إِطْلَاقُ الْحَدِيثِ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الثَّلَاثَةِ إِذَا أُرِيدَ بِقَوْلِ الْبُخَارِيِّ بِهَذَا؛ أَيْ بِأَصْلِ الْحَدِيثِ، لَا خُصُوصِ اللَّفْظِ الْمُسَاقِ.

فَالْأَوَّلُ مِنَ الثَّلَاثَةِ: مَا يَسُرُّنِي أَنَّ لِي أُحُدًا ذَهَبًا، وَقَدْ رَوَاهُ عَنْ أَبِي ذَرٍّ أَيْضًا بِنَحْوِهِ الْأَحْنَفُ بْنُ قَيْسٍ، وَتَقَدَّمَ فِي الزَّكَاةِ، وَالنُّعْمَانُ الْغِفَارِيُّ، وَسَالِمُ بْنُ أَبِي الْجَعْدِ، وَسُوَيْدُ بْنُ الْحَارِثِ، كُلُّهُمْ عَنْ أَبِي ذَرٍّ، وَرِوَايَاتُهُمْ عِنْدَ أَحْمَدَ، وَرَوَاهُ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ أَيْضًا أَبُو هُرَيْرَةَ، وَهُوَ فِي آخِرِ الْبَابِ مِنْ طَرِيقِ عُبَيْدِاللَّهِ بْنِ عَبْدِاللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ عَنْهُ، وَسَيَأْتِي فِي كِتَابِ التَّمَنِّي مِنْ طَرِيقِ هَمَّامٍ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ، وَهُوَ عِنْدَ أَحْمَدَ مِنْ طَرِيقِ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ، كُلُّهُمْ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ كَمَا سَأُبَيِّنُهُ.

الثَّانِي: حَدِيثُ الْمُكْثِرِينَ وَالْمُقِلِّينَ، وَقَدْ رَوَاهُ عَنْ أَبِي ذَرٍّ أَيْضًا الْمَعْرُورُ بْنُ سُوَيْدٍ، كَمَا تَقَدَّمَتِ الْإِشَارَةُ إِلَيْهِ، وَالنُّعْمَانُ الْغِفَارِيُّ، وَهُوَ عِنْدَ أَحْمَدَ أَيْضًا.

الثَّالِثُ: حَدِيثُ مَنْ مَاتَ لَا يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا دَخَلَ الْجَنَّةَ، وَفِي بَعْضِ طُرُقِهِ: وَإِنْ زَنَى؟ وَإِنْ سَرَقَ؟، وَقَدْ رَوَاهُ عَنْ أَبِي ذَرٍّ أَيْضًا أَبُو الْأَسْوَدِ الدُّؤَلِيُّ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي اللِّبَاسِ، وَرَوَاهُ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ أَيْضًا أَبُو هُرَيْرَةَ كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ، لَكِنْ لَيْسَ فِيهِ بَيَانُ: وَإِنْ زَنَى؟ وَإِنْ سَرَقَ؟، وَأَبُو الدَّرْدَاءِ كَمَا تَقَدَّمَتِ الْإِشَارَةُ إِلَيْهِ مِنْ رِوَايَةِ الْإِسْمَاعِيلِيِّ.

وَفِيهِ أَيْضًا فَائِدَةٌ أُخْرَى: وَهُوَ أَنَّ بَعْضَ الرُّوَاةِ قَالَ: عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ، فَلِذَلِكَ قَالَ الْأَعْمَشُ لِزَيْدٍ مَا تَقَدَّمَ فِي رِوَايَةِ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ عَنْهُ، قُلْتُ لِزَيْدٍ: بَلَغَنِي أَنَّهُ أَبُو الدَّرْدَاءِ، فَأَفَادَتْ رِوَايَةُ شُعْبَةَ أَنَّ حَبِيبًا وَعَبْدَالْعَزِيزِ وَافَقَا الْأَعْمَشَ عَلَى أَنَّهُ عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ، لَا عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ.

وَمِمَّنْ رَوَاهُ عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ: مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، فَقَالَ: عَنْ عِيسَى بْنِ مَالِكٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ. أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ، وَالْحَسَنُ بْنُ عُبَيْدِالله النَّخعِيُّ أخرجه الطَّبَرَانِيُّ من طَرِيقه، عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ بِلَفْظِ: مَنْ مَاتَ لَا يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا دَخَلَ الْجَنَّةَ، فَقَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ: وَإِنْ زَنَى؟ وَإِنْ سَرَقَ؟ قَالَ: وَإِنْ زَنَى، وَإِنْ سَرَقَ، فَكَرَّرَهَا ثَلَاثًا، وَفِي الثَّالِثَةِ: وَإِنْ رَغِمَ أَنْفُ أَبِي الدَّرْدَاءِ.

وَسَأَذْكُرُ بَقِيَّةَ طُرُقِهِ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ فِي آخِرِ الْبَابِ الَّذِي يَلِيهِ، وَذَكَرَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "الْعِلَلِ" فَقَالَ: يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ الْقَوْلَانِ صَحِيحَيْنِ، قُلْتُ: وَفِي حَدِيثِ كُلٍّ مِنْهُمَا فِي بَعْضِ الطُّرُقِ مَا لَيْسَ فِي الْآخَرِ.

الشيخ: ما أوضح يعني بيان كلام البخاري، لا زال في كلام البخاري بعض الشيء.

الطالب: بلال ابن مرداس، ويقال: ابن أبي موسى الفزاري المصيصي، مقبول من السابعة (د ت ق).

الشيخ: أيش قال على الحاشية: ذكره الحافظ، ذكره المؤلف في "الفتح"؟ .... أنه صدوقٌ لا بأس به.

الطالب: ...........؟

الشيخ: هذا الوصف فوق ما ذكره هنا، والله ولي التوفيق.

بَاب قَوْلِ النَّبِيِّ ﷺ: مَا أُحِبُّ أَنَّ لِي مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا

6444- حَدَّثَنَا الحَسَنُ بْنُ الرَّبِيعِ، حَدَّثَنَا أَبُو الأَحْوَصِ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ قَالَ: قَالَ أَبُو ذَرٍّ: كُنْتُ أَمْشِي مَعَ النَّبِيِّ ﷺ فِي حَرَّةِ المَدِينَةِ، فَاسْتَقْبَلَنَا أُحُدٌ، فَقَالَ: يَا أَبَا ذَرٍّ، قُلْتُ: لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: مَا يَسُرُّنِي أَنَّ عِنْدِي مِثْلَ أُحُدٍ هَذَا ذَهَبًا، تَمْضِي عَلَيَّ ثَالِثَةٌ وَعِنْدِي مِنْهُ دِينَارٌ، إِلَّا شَيْئًا أَرْصُدُهُ لِدَيْنٍ، إِلَّا أَنْ أَقُولَ بِهِ فِي عِبَادِ اللَّهِ هَكَذَا وَهَكَذَا وَهَكَذَا، عَنْ يَمِينِهِ، وَعَنْ شِمَالِهِ، وَمِنْ خَلْفِهِ، ثُمَّ مَشَى فَقَالَ: إِنَّ الأَكْثَرِينَ هُمُ الأَقَلُّونَ يَوْمَ القِيَامَةِ، إِلَّا مَنْ قَالَ هَكَذَا وَهَكَذَا وَهَكَذَا -عَنْ يَمِينِهِ، وَعَنْ شِمَالِهِ، وَمِنْ خَلْفِهِ- وَقَلِيلٌ مَا هُمْ، ثُمَّ قَالَ لِي: مَكَانَكَ لا تَبْرَحْ حَتَّى آتِيَكَ، ثُمَّ انْطَلَقَ فِي سَوَادِ اللَّيْلِ حَتَّى تَوَارَى، فَسَمِعْتُ صَوْتًا قَدِ ارْتَفَعَ، فَتَخَوَّفْتُ أَنْ يَكُونَ قَدْ عَرَضَ لِلنَّبِيِّ ﷺ، فَأَرَدْتُ أَنْ آتِيَهُ، فَذَكَرْتُ قَوْلَهُ لِي: لا تَبْرَحْ حَتَّى آتِيَكَ، فَلَمْ أَبْرَحْ حَتَّى أَتَانِي، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَقَدْ سَمِعْتُ صَوْتًا تَخَوَّفْتُ، فَذَكَرْتُ لَهُ، فَقَالَ: وَهَلْ سَمِعْتَهُ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: ذَاكَ جِبْرِيلُ أَتَانِي فَقَالَ: مَنْ مَاتَ مِنْ أُمَّتِكَ لا يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا دَخَلَ الجَنَّةَ، قُلْتُ: وَإِنْ زَنَى؟ وَإِنْ سَرَقَ؟ قَالَ: وَإِنْ زَنَى، وَإِنْ سَرَقَ.

6445- حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ شَبِيبٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ يُونُسَ. وَقَالَ اللَّيْثُ: حَدَّثَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُبَيْدِاللَّهِ بْنِ عَبْدِاللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ، قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: لَوْ كَانَ لِي مِثْلُ أُحُدٍ ذَهَبًا ما يَسُرُّنِي أَنْ لا تَمُرَّ عَلَيَّ ثَلاثُ لَيَالٍ وَعِنْدِي مِنْهُ شَيْءٌ، إِلَّا شَيْئًا أَرْصُدُهُ لِدَيْنٍ.

الشيخ: أن لا تمر؟

الطالب: نعم.

الشيخ: عندك لا؟

الطالب: نعم، لسرّني.

الشيخ: وأنت أيش عندك؟

الطالب: لَوْ كَانَ لِي مِثْلُ أُحُدٍ ذَهَبًا ما يَسُرّنِي أَنْ لا تَمُرَّ عَلَيَّ ثَلاَثُ لَيَالٍ وَعِنْدِي مِنْهُ شَيْءٌ، إِلَّا شَيْئًا أَرْصُدُهُ لِدَيْنٍ.

الشيخ: أيش قال الشارح؟ علَّق على أن لا تمرّ؟ المقام يقتضي حذفها، ويكون على ما عند العيني: "لسرني".

الطالب: قَوْلُهُ مَا يَسُرُّنِي أَنْ لَا تَمُرَّ عَلَيَّ ثَلَاثُ لَيَالٍ وَعِنْدِي مِنْهُ شَيْءٌ، إِلَّا شَيْئًا أَرْصُدُهُ لِدَيْنٍ، فِي رِوَايَةِ الْأَعْرَجِ: إِلَّا أَنْ يَكُونَ شَيْءٌ أَرْصُدُهُ فِي دَيْنٍ عَلَيَّ، وَفِي رِوَايَةِ هَمَّامٍ: وَعِنْدِي مِنْهُ دِينَارٌ أَجِدُ مَنْ يَقْبَلُهُ، لَيْسَ شَيْئًا أَرْصُدُهُ فِي دَيْنٍ عَلَيَّ.

قَالَ ابنُ مَالِكٍ: فِي هَذَا الْحَدِيثِ وُقُوعُ التَّمَنِّي بَعْدَ مَثَلٍ، وَجَوَابُ لَوْ مُضَارِعًا مَنْفِيًّا بِمَا، وَحَقُّ جَوَابِهَا أَنْ يَكُونَ مَاضِيًا مُثْبَتًا نَحْو: لَوْ قَامَ لَقُمْتُ، أَوْ بِلَمْ نَحْو: لَوْ قَامَ لَمْ أَقُمْ، وَالْجَوَابُ مِنْ وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ وَضَعَ الْمُضَارِعَ مَوْضِعَ الْمَاضِي الْوَاقِعُ جَوَابًا، كَمَا وَقَعَ مَوْضِعُهُ وَهُوَ شَرْطٌ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ [الحجرات:7].

ثَانِيهِمَا: أَنْ يَكُونَ الْأَصْلُ: مَا كَانَ يَسُرُّنِي، فَحَذَفَ كَانَ وَهُوَ جَوَابٌ، وَفِيهِ ضَمِيرٌ وَهُوَ الِاسْمُ، وَيَسُرُّنِي خَبَرٌ، وَحَذْفُ كَانَ مَعَ اسْمِهَا وَبَقَاءُ خَبَرِهَا كَثِيرٌ نَظْمًا وَنَثْرًا، وَمِنْهُ: الْمَرْءُ مَجْزِيٌّ بِعَمَلِهِ، إِنْ خَيْرًا فَخَيْرٌ، وَإِنْ شَرًّا فَشَرٌّ.

قَالَ: وَأَشْبَهُ شَيْءٍ بِحَذْفِ كَانَ قَبْلَ يَسُرُّنِي حَذْفُ جَعَلَ قَبْلَ يُجَادِلُنَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الرَّوْعُ وَجَاءَتْهُ الْبُشْرَى يُجَادِلُنَا [هود:74] أَيْ: جَعَلَ يُجَادِلُنَا، وَالْوَجْهُ الْأَوَّلُ أَوْلَى.

وَفِيهِ أَيْضًا وُقُوعُ لَا بَيْنَ أَنْ وَتَمُرُّ، وَهِيَ زَائِدَةٌ، وَالْمَعْنَى: مَا يَسُرُّنِي أَنْ تَمُرَّ.

وَقَالَ الطِّيبِيُّ: قَوْلُهُ مَا يَسُرُّنِي هُوَ جَوَابُ لَوْ الِامْتِنَاعِيَّةِ، فَيُفِيدُ أَنَّهُ لَمْ يَسُرَّهُ الْمَذْكُورُ بَعْدَهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ مِثْلُ أُحُدٍ ذَهَبًا، وَفِيهِ نَوْعُ مُبَالَغَةٍ؛ لِأَنَّهُ إِذَا لَمْ يَسُرَّهُ كَثْرَةُ مَا يُنْفِقُهُ فَكَيْفَ مَا لَا يُنْفِقُهُ.

قَالَ: وَفِي التَّقْيِيدِ بِالثَّلَاثَةِ تَتْمِيمٌ وَمُبَالَغَةٌ فِي سُرْعَةِ الْإِنْفَاقِ، فَلَا تَكُونُ لَا زَائِدَةً كَمَا قَالَ ابن مَالِكٍ، بَلِ النَّفْيُ فِيهَا عَلَى حَالِهِ.

قُلْتُ: وَيُؤَيّد قَول ابن مَالِكٍ الرِّوَايَةُ الْمَاضِيَةُ قَبْلُ فِي حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ بِلَفْظِ: مَا يَسُرُّنِي أَنَّ عِنْدِي مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا تَمْضِي عَلَيَّ ثَالِثَةٌ.

الشيخ: يكفي، يكفي، المقصود لا زائدة، أو تصرف بعض الرواة فيما قبلها؛ لأنَّ الكلام ما يستقيم معها إلا بتغيير ما قبلها.

بَاب الغِنَى غِنَى النَّفْسِ

وَقَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مَالٍ وَبَنِينَ إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: مِنْ دُونِ ذَلِكَ هُمْ لَهَا عَامِلُونَ [المؤمنون:55- 63]، قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: لَمْ يَعْمَلُوهَا، لا بُدَّ مِنْ أَنْ يَعْمَلُوهَا.

6446- حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ، حَدَّثَنَا أَبُو حَصِينٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: لَيْسَ الغِنَى عَنْ كَثْرَةِ العَرَضِ، وَلَكِنَّ الغِنَى غِنَى النَّفْسِ.

الشيخ: وهذا من الدلائل على حكمة الشريعة، وأن الله أعطى نبيَّه ﷺجوامع الكلم، واختصر له اختصارًا، فالشريعة كلها علم، وكلها هدى، وكلها توجيه إلى الخير، فمن الحكمة العظيمة والعلم العظيم المختصر: ليس الغنى عن كثرة العرض، ولكن الغنى غنى النفس، المعنى: ليس الغنى عن كثرة الأموال، فإنَّ الدنيا عرض، الدنيا كلها عرض، والمال كله عرض، يعني: يزول، فليس الغنى عن كثرة العرض: عن كثرة الأموال والجاه والتصرف والأخذ والعطاء ونحو ذلك، ولكن الغنى غنى النفس متى رزق اللهُ العبدَ غنى النفس وقناعة النفس وطُمأنينتها فهو الغني، وإن كان ماله قليلًا، ومتى بُلِيَ العبد بالجشع والشح والحرص لم يُغنه شيء ولو ملك الدنيا، فهو لا يزال في تلهف.

ولهذا جاء في الحديث الصحيح: لو أُعطي ابن آدم واديين من مالٍ لابتغى لهما ثالثًا، وفي اللفظ الآخر: لو يُعطى وادٍ من مال، وفي اللفظ الآخر: وادٍ من ذهبٍ، هكذا ابن آدم طبيعته الحرص، وحبّ المال، والجشع، والخوف على زواله، وعدم غنى النفس، هذا هو الغالب، لكن مَن رُزق غنى النفس، وبصَّره الله بهذه العاجلة، وبيَّن له عيوبها، وبيَّن له محاسن الآخرة، وأسباب الطمع فيها، والرغبة فيها؛ اغتنى قلبه، وارتاحت نفسه، وقنع بالقليل.

في الحديث الآخر يقول ﷺ: قد أفلح من أسلم ورُزق كفافًا وقنَّعه الله بما آتاه، خرجه مسلم في "الصحيح"، وفي اللفظ الآخر: طوبى لمن أسلم ورُزق كفافًا وقنع، وليس المعنى أنه لا يتسبب ولا يعمل ولا يتَّجر، لا، المقصود أنَّ قلبه يكون غنيًّا مطمئنًّا مرتاحًا مُؤثرًا للآخرة، ولو كان ماله قليلًا، ولو كان يتَّجر: يبيع ويشتري، عنده التجارة، عنده المزارع، عنده كذا، هذا لا يمنع من غنى النفس، فهو مأمور بالأسباب، لكنه مأمور بالقناعة أيضًا، وإيثار الآخرة، وعدم إيثار هذه العاجلة.

ولهذا قال عليه الصلاة والسلام في الحديث الآخر: احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجزن، احرص على ما ينفعك يعني في الدنيا والآخرة، ولا تعجزن والعجز ترك العمل، ترك الأسباب، والاعتماد على القدر، هذا عجز، وأعظم منه الاتكال على الأسباب ونسيان الله، هذا عجز أيضًا، فالتارك للأسباب عاجز، والمعتمد عليها عاجز، والكيِّس هو الذي يعتمد على الله، ويتوكل عليه ، ويأخذ بالأسباب جميعًا، قلبه مُعلَّق بالله، نفسه غنية، نفسه قانعة، ولكنه مع هذا يأخذ بالأسباب، ليس بعاجزٍ، فيجمع بين الأمرين: بين الثِّقة بالله والاعتماد عليه، وغنى قلبه، وغنى نفسه، وقناعته، وطمأنينته، ومع ذلك هو آخذٌ بالأسباب التي شرعها الله وأباحها في هذه الدار؛ ليعيش مع الناس، وليستغني عن الحاجة إلى الناس، وليقم بما عليه من الواجبات من نفقة الأهل والأولاد، إلى غير هذا من الحاجات، ولينفق في سبيل الله، وليحسن إلى عباد الله، وليُشارك في مشاريع الخير، وليُشارك في المعروف، وهذا كله لا يُنافي غنى النفس وقناعة القلب.

س: عندنا: إنما الغنى غنى النفس؟

ج: رواية: ليس الغنى عن كثرة العرض، ولكن الغنى غنى النفس تكلم عليها الشارح، الرواية الأخرى؟ المعنى واحد .....، فإذا كانت معرفًا كان أكمل في الحصر أيضًا، ولكن الغنى غنى النفس الغنى غنى النفس مبتدأ وخبر، مثل: إنما الغنى غنى النفس.

س: .........؟

ج: وأيش قال الشارح؟

الطالب: قَوْلُهُ إِنَّمَا الْغِنَى غِنَى النَّفْسِ فِي رِوَايَةِ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عِنْدَ أَحْمَدَ وَسَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ وَغَيْرِهِمَا: إِنَّمَا الْغِنَى فِي النَّفْسِ، وَأَصْلُهُ فِي مُسْلِمٍ، وَلِابْنِ حِبَّانَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: يَا أَبَا ذَرٍّ، أَتَرَى كَثْرَةَ الْمَالِ هُوَ الْغِنَى؟ قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: وَتَرَى قِلَّةَ الْمَالِ هُوَ الْفَقْر؟ قُلْتُ: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: إِنَّمَا الْغِنَى غِنَى الْقلب، والفقر فقر الْقَلب، قَالَ ابنُ بَطَّالٍ: مَعْنَى الْحَدِيثِ لَيْسَ حَقِيقَةُ الْغِنَى كَثْرَةَ الْمَالِ.

الشيخ: ما قال رواية: ولكن ..؟

الطالب: في المتن: ولكن الغنى غنى النفس.

الشيخ: وفي الشرح؟

الطالب: في الشرح قوله: إنما الغنى غنى النفس.

الشيخ: والعيني؟

الطالب: .......

الشيخ: ماشٍ، نعم.

............