55 من حديث (إياكم والحسد، فإن الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب)

بَابُ الترهيب مِنْ مَسَاوِئِ الْأَخْلَاقِ

1493- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: إِيَّاكُمْ وَالْحَسَدَ، فَإِنَّ الْحَسَدَ يَأْكُلُ الْحَسَنَاتِ كَمَا تَأْكُلُ النَّارُ الْحَطَبَ. أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ.

1494- وَلِابْنِ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ نَحْوُهُ.

1495- وَعَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: لَيْسَ الشَّدِيدُ بِالصُّرَعَةِ، إِنَّمَا الشَّدِيدُ الَّذِي يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الْغَضَبِ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

1496- وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: الظُّلْمُ ظُلُمَاتٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

1497- وَعَنْ جَابِرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ: اتَّقُوا الظُّلْمَ؛ فَإِنَّ الظُّلْمَ ظُلُمَاتٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَاتَّقُوا الشُّحَّ؛ فَإِنَّهُ أَهْلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ. أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ.

1498- وَعَنْ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: إِنَّ أَخْوَفَ مَا أَخَافُ عَلَيْكُم الشِّرْكُ الْأَصْغَرُ: الرِّيَاءُ. أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ بِسَنَدٍ حَسَنٍ.

1499- وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: آيَةُ الْمُنَافِقِ ثَلَاثٌ: إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ، وَإِذَا ائْتُمِنَ خَانَ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

1500- وَلَهُمَا مِنْ حَدِيثِ عَبْدِاللَّهِ بْنِ عَمْرٍو: وَإِذَا خَاصَمَ فَجَرَ.

الشيخ: هذه الأحاديث في التَّرهيب من مساوئ الأخلاق، فالشريعة الإسلامية جاءت بالترهيب من مساوئ الأخلاق، والترغيب في مكارم الأخلاق، فالله بعث نبيَّه ﷺ، وأنزل كتابه بهذا الأمر، فالقرآن أُنزل يدعو إلى مكارم الأخلاق ومحاسن الأعمال، وأعظمها توحيد الله، والإخلاص له، وإفراده بالعبادة، هذه أعظم الأخلاق الكريمة، وجاء الكتابُ والسنة أيضًا بالتحذير والترهيب من مساوئ الأخلاق، وأخبثها وأعظمها جريمة الشرك بالله .

ولهذا أراد المؤلفُ رحمه الله هنا أن يذكر جملةً من ذلك نصيحةً للمسلمين، وتوجيهًا للطالب الذي يقرأ هذا الكتاب إلى هذه الأخلاق المذمومة ليحذرها، والأخلاق الكريمة كما يأتي ليفعلها، فإنَّ من أهم ما يلزم في حقِّ الطالب أن يستقيم على الأخلاق الكريمة، وأن يبتعد عن الأخلاق الذَّميمة؛ حتى يكون ممن وافق قولُه عملَه، وعملُه قولَه، وممن تأثر بعلمه، فيكون ذلك أقرب إلى سعادته ونجاته وانتفاع الناس بعلمه.

ومساوئ الأخلاق: هي الأخلاق المذمومة التي نهى عنها الشارع وحذر منها، يقال لها: مساوي، ويقال لها: سيئات، ويقال لها: خطايا، ويقال لها: ذنوب، ويقال لها: منكرات.

والمكارم: هي ما دعا إليه الشارع ورغَّب فيه، سواء كان واجبًا أو مُستحبًّا.

الحديث الأول حديث أبي هريرة: إياكم والحسد؛ فإنَّ الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النارُ الحطبَ، وهكذا في رواية أنسٍ عند ابن ماجه.

هذا فيه التَّحذير من الحسد، وهو من سيئ الأخلاق، وهو ظلم وتسخط لقدر الله، واعتراض على حكمة الله، فالحاسد هو الذي يريد زوال النِّعمة عن أخيه، ويُحب ذلك، ويرغب في ذلك، وقد تعظم مصيبته، ويكثر حسده حتى يسعى بفعله وقوله إلى إزالة النعمة.

وهذا لا شكَّ يدل على خبث النفس وظلمها وانحرافها وعدم إيمانها الإيمان الصَّارف عن الباطل، والمعين على الحقِّ لضعفه؛ ولهذا حذَّر منه النبيُّ ﷺ، قال: إياكم والحسد؛ فإنَّ الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النارُ الحطبَ، وهذا وعيد عظيم.

وقد عرفه العلماءُ بأنه: محبَّة زوال النعمة عن أخيه. ودواء ذلك وعلاجه أن يبتعد عن هذا، وأن يُعالج نفسه ويُجاهدها حتى يذكر أخاه بالخير، وحتى يدعو له، وحتى يقول: ما شاء الله، ولا قوة إلا بالله، وحتى لا يفعل شيئًا يُؤذي أخاه: لا قولًا، ولا فعلًا، فإذا لم يُحقق هذا الحسد، وصار مغلوبًا عليه عفا الله عنه، عليه أن يُجاهد نفسه في هذا حتى لا يقول شيئًا يضرّ أخاه، ولا يفعل شيئًا يضرّ أخاه، مع اجتهاده في صرفه عن قلبه وعن نفسه، أما إن فعل: إن سعى في ظلم أخيه قولًا أو عملًا، فإنه يكون حاسدًا ظالمًا حينئذٍ، جمع بين الحسد والظلم، نسأل الله العافية.

الحديث الثاني حديث أبي هريرة: يقول ﷺ: ليس الشديدُ بالصرعة، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب.

هذا فيه الترهيب من الغضب، وأن آفات الغضب كبيرة، قد يُوقع في القتل، وقد يُوقع في الضرب، وقد يُوقع في السبِّ والشتم، فالغضب شره كبير، فينبغي الحذر منه، فهو من مساوئ الأخلاق، فكون الإنسان سريع الغضب، شديد الغضب، هذا من مساوئ الأخلاق، فينبغي الحذر من ذلك؛ ولهذا قال ﷺ: ليس الشديد بالصرعة الذي يصرع الناس: يطرحهم لقوته، ليس هذا هو الشديد في المعنى الحقيقي الكامل، إنما الشديد في الحقيقة هو الذي يملك نفسه عند الغضب، وإن كان الذي يصرع الناس يُسمَّى: شديدًا، يُسمَّى: قويًّا، لكن أقوى منه وخير منه الذي يملك نفسه عند الغضب.

وهذا مثل الحديث الآخر: ليس المسكينُ بهذا الطَّواف الذي ترده اللُّقمةُ واللُّقمتان، والتَّمرة والتَّمرتان، وإنما المسكين هو الذي لا يجد غنًى يُغنيه، ولا يُفطن له فيُتصدق عليه، ولا يقوم فيسأل الناس، هذا يُسمَّى: مسكينًا، وهذا مسكين، كلاهما مسكين، لكن المتعفف أشدّ وأولى بهذا الاسم، وأحق بهذا الاسم بالرعاية والصَّدقة.

فهكذا هنا: ليس الشديد بالصرعة، إنما الشديد أي: إنما القوي الممدوح هو الذي يملك نفسه عند الغضب.

والمقصود من هذا أنه ينبغي للمؤمن أن يُعالج نفسه، وأن يُجاهدها عند الغضب؛ حتى لا يشتد غضبه: بالوضوء الشرعي، بالجلوس إن كان قائمًا، بالقيام من مكانٍ إلى مكانٍ آخر، الاشتغال بشيءٍ آخر مهما أمكن، يعني: يفعل ما يستطيع من أسباب إزالته، ومن أعظم ذلك: يتعوذ بالله من الشيطان، يقول: أعوذ بالله من الشيطان؛ لأنه من الشيطان، كما في الحديث الصحيح: إني لأعلم كلمةً لو قالها لذهب عنه ما يجد: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم.

فالاستعاذة بالله من الشيطان، والوضوء من الأسباب الشرعية لإزالة الغضب، وهكذا اشتغاله بشيءٍ آخر، أو خروجه من المجلس، أو اضطجاعه وإعراضه عن الواقع، أو جلوسه إن كان قائمًا أو سائرًا، إلى غير هذا من الأسباب التي يراها معينةً له على ترك الغضب.

والحديث الخامس حديث جابر: يقول النبيُّ ﷺ: اتَّقوا الظلم؛ فإنَّ الظلم ظلمات يوم القيامة.

هذان الحديثان يدلان على وجوب الحذر من الظلم، ويشمل الظلم بالقول والفعل وغيرهما من أنواع الظلم، يجب على المؤمن أن يحذر الظلم من جميع الوجوه، فلا يُشير بشيءٍ يُعدُّ ظلمًا، ولا يفعل شيئًا يُعدُّ ظلمًا، ولا يقول شيئًا يُعدُّ ظلمًا، بل يتحرى العدل في أقواله وأعماله، ويبتعد عن الظلم في أقواله وأعماله وسائر حركاته، حتى ولو بالإشارة؛ لأنها تُعدُّ عملًا.

سمَّى الظلم: ظلمات؛ لأنه يُوجب له الظُّلمات يوم القيامة، وذهاب النور، فكلما زاد ظلمُه زادت ظلمته يوم القيامة، وذهب نوره، فيجب عليه الحذر من الظلم، سواء كان بالضرب، أو بالقتل، أو بأخذ الأموال، أو بالسب، أو بغير هذا من أنواع الظلم، فيجب عليه أن يتحرى القول الطيب والفعل الطيب، والكفَّ عن إيذاء الناس وظلمهم، قال تعالى: وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا [الأحزاب:58]، ويقول جلَّ وعلا: وَمَنْ يَظْلِمْ مِنْكُمْ نُذِقْهُ عَذَابًا كَبِيرًا [الفرقان:19]، وهذا وعيد عظيم وعام، نسأل الله السلامة والعافية.

وقال: وَالظَّالِمُونَ مَا لَهُمْ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ [الشورى:8]، فيجب الحذر، لكن أعظم الظلم وأكبره: الشرك، وهو المذكور في قوله جلَّ وعلا: مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلَا شَفِيعٍ يُطَاعُ [غافر:18] يعني: المشركين، وقال تعالى: إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ [لقمان:13]، فأعظم الظلم هو الشرك، قال تعالى: وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ [البقرة:254].

من الظلم: التعدي على الناس بالقول، أو بالفعل، أو بأخذ المال، أو بغير هذا من وجوه الظلم، فالظلم ظلمات يوم القيامة، فيجب الحذر منه، قال النبي ﷺ: مَن كان عنده لأخيه مظلمة من عرضٍ أو شيءٍ فليتحلله اليوم قبل ألا يكون دينار ولا درهم، إن كان له عملٌ صالح أخذ من حسناته بقدر مظلمته، فإن لم يكن له حسنات أُخذ من سيئات صاحبه فحُمل عليه، نسأل الله العافية.

وفي الحديث الآخر يقول النبيُّ عليه الصلاة والسلام: ما تعدون المفلسَ فيكم؟ قالوا: مَن لا درهمَ له ولا متاع، قال عليه الصلاة والسلام: لكن المفلس الذي يأتي يوم القيامة بصلاةٍ وصومٍ وزكاةٍ، ويأتي وقد ضرب هذا، وشتم هذا، وأخذ مال هذا، وسفك دم هذا، فيُعطى هذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناتُه ولم يُقْضَ ما عليه أُخذ من سيئاتهم فطُرح عليه ثم طُرح في النار، نسأل الله العافية، وهذا هو الخطر العظيم، نسأل الله العافية.

واتَّقوا الشُّحَّ، حديث جابرٍ: واتَّقوا الشُّحَّ؛ فإنه أهلك مَن كان قبلكم. زاد في الرواية الأخرى عند مسلمٍ: حملهم على أن سفكوا دماءَهم، واستحلوا محارمهم يعني: حملهم الشُّحُّ والبخل على سفك الدِّماء، واستحلال المحارم.

والشُّح: هو الحرص على المال، والجدّ في طلبه من كل طريقٍ، سواء حلالًا أو حرامًا، هذا الشَّحيح، قال تعالى: وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [الحشر:9].

فالشَّحيح: هو الذي يحرص على المال بكل وسيلةٍ، ولا يُبالي هل أخذه من طريقٍ حلالٍ، أو من طريق الحرام؛ لشدة حرصه عليه، ورغبته فيه.

والبخيل هو الذي يمنع إخراجه، يمنعه إذا حصله، لا يُخرجه في وجوهه: كالزكاة، والنَّفقات الواجبة، ونحو ذلك.

فكل شحيحٍ بخيل، وليس كل بخيلٍ شحيح.

فالواجب الحذر من ذا وذا: من الشح، ومن البخل، وأن يكون حريصًا على تحري الحقِّ، وأخذ المال من وجهه، وصرفه في وجهه، وهو مسؤول عن هذا، مسؤول من أين اكتسب المال؟ وفي أي شيءٍ صرف المال؟ فينبغي له أن يكون مُتحريًا لكسب المال، ومُتحريًا في صرف المال؛ حتى يسلم من السؤال: من أين اكتسب؟ وفيما أنفق؟

واتَّقوا الشُّحَّ؛ فإنه أهلك مَن كان قبلكم، حملهم على أن سفكوا دماءَهم، واستحلوا محارهم، قد يحملهم الحرص على المال على القتل؛ يقتله ويأخذ ماله، كما يقع من قطاع الطريق وغيرهم، وقد يحمله على السرقة والخيانة؛ لحبِّه للمال، ويحمله على قطيعة الرحم -قطيعة أقاربه- لحبِّه للمال، فلا يصلهم، ولا يُحسن إليهم؛ لحبِّه للمال، قد يظلمهم بأخذ بعض أموالهم، أو سرقة أموالهم، أو خيانة أموالهم، أو جحد أموالهم، كل هذا من آثار الشح، نسأل الله العافية.

الحديث السادس: حديث محمود بن لبيد، يقول النبيُّ ﷺ: أخوف ما أخاف عليكم الشركُ الأصغر: الرياء.

هذا فيه الحذر من الرياء، وأنه أخوف ما يخافه النبيُّ ﷺ على أمته، ولا سيما الصَّالحون: كالصحابة؛ لأنه قد يأتي الشيطانُ الصالح والعابد فيُزين له أن يُرائي بأعماله، فيجب الحذر ولو كان صالحًا، قد يُبتلى بالشيطان فيقول له: لعلك تقرأ ليسمع فلان، لعلك تُصلي ليراك فلان، لعلك تأمر بالمعروف ليراك فلان فيمدحك، أو تنهى عن منكرٍ فيمدحك، أو ما أشبه ذلك.

هذا هو الرياء الذي خافه النبيُّ ﷺ، وهو من الشرك، لكنه من الشرك الأصغر، وقد يكون أكبر إذا جرَّ صاحبه إلى عبادة غير الله كالمنافقين، نسأل الله العافية.

يقول الله جلَّ وعلا كما في الحديث -في نفس الحديث- في آخره يقول للمُرائين: اذهبوا إلى مَن كنتم تُراؤون في الدنيا، فانظروا هل تجدون عندهم من جزاءٍ؟.

وفي الحديث الصحيح يقول ﷺ: مَن يُسمِّع يُسمِّع الله به، ومَن يُرائي يُرائي الله به.

فيجب الحذر من الرياء، والتَّسميع يكون في الأقوال، والرياء يكون في الأفعال: في الصلاة، والتَّسميع يكون في الأقوال: كالقراءة، والتَّسبيح، والتَّهليل، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، ونحو ذلك، فيجب الحذر من هذا كله.

والحديث السابع حديث أبي هريرة: يقول ﷺ: آية المنافق ثلاث: إذا حدَّث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتُمن خان، هذه خصال أهل النِّفاق.

وفي حديث عبدالله بن عمرو في "الصحيحين": أربعٌ مَن كن فيه كان منافقًا خالصًا، وإن كان فيه خصلةٌ منهن كان فيه خصلةٌ من النِّفاق حتى يدعها: إذا حدَّث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا خاصم فجر، وإذا عاهد غدر.

فيجب الحذر من صفاتهم وأخلاقهم الذَّميمة، وقد قال الله تعالى: إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا ۝ مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لَا إِلَى هَؤُلَاءِ وَلَا إِلَى هَؤُلَاءِ [النساء:142- 143]، وقال تعالى: الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ [التوبة:67]، وقد ذمَّهم الله وعابهم في مواضع في سورة البقرة، وفي سورة براءة، وغيرها.

فيجب الحذر من أخلاقهم الذَّميمة، وصفاتهم المنكرة، وأن يكون المؤمنُ في غاية العناية بالإخلاص لله، والثبات على الحقِّ والقول به، يرجو ثواب ربه، ويخشى عقابه، لا رياء الناس، ولا حمد الناس، ولا ثناء الناس.

رزق اللهُ الجميع التَّوفيق والهداية.

س: ...............؟

ج: النِّفاق الأكبر هذا إلى القلب، النِّفاق الأكبر هذا مُكذب للرسول ﷺ، ويُظهر الإسلام، هذا في الدَّرك الأسفل من النار، هذا النفاق الأكبر، وأما هذا من النِّفاق الأصغر: الكذب في الحديث، والإخلاف في الوعد هذا من النِّفاق الأصغر، ما يخرج به من الإسلام، لكن يكون مذمومًا.

س: ...............؟

ج: لا، ولو ما اعتقد، ما دام راءى الناس يدخل في النِّفاق، إذا كذب في حديثه، أو فجر في خصومته، أو شهد بالزور، كل هذا من أعمال المنافقين، ولو ما نواه، ولو فعله لحظِّ الدنيا.

س: فإنَّ الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النارُ الحطب، المعنى؟

ج: على ظاهره، يعني: من أسباب ذهابها، إذا وازن بين السيئات والحسنات أكل الحسنات؛ لأنَّ الحسنات والسَّيئات تُوزن يوم القيامة، كل حسنةٍ تسقط بسيئةٍ.

س: ..............؟

ج: الشَّحيح يحرص ويمنع جميعًا، كل شحيحٍ بخيل، وليس كل بخيلٍ شحيحًا، قد يكون بخيلًا، ولكن ما هو بحريص على جمع المال، ما له ..... في جمعه.

س: ................؟

ج: إيه؛ لأنه من حرصه يبخل، إذا أمسك المالَ صعب عليه إخراجه.

س: وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا [الأحزاب:58] يعني: شارب الدخان إذا آذى برائحته يدخل في هذا؟

ج: يُخشى أنه يدخل في هذا، إذا قرب منهم ودنا منهم ما في شكٍّ، أو تعمَّد.

 

1501- وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: سِبَابُ الْمُسْلِمِ فُسُوقٌ، وَقِتَالُهُ كُفْرٌ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

1502- وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: إِيَّاكُمْ وَالظَّنَّ؛ فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

1503- وَعَنْ مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: مَا مِنْ عَبْدٍ يَسْتَرْعِيهِ اللَّهُ رَعِيَّةً، يَمُوتُ يَوْمَ يَمُوتُ وَهُوَ غَاشٌّ لِرَعِيَّتِهِ، إِلَّا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

1504- وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: اللَّهُمَّ مَنْ وَلِيَ مِنْ أَمْرِ أُمَّتِي شَيْئًا فَشَقَّ عَلَيْهِ فَاشْقُقْ عَلَيْهِ. أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ.

1505- وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: إِذَا قَاتَلَ أَحَدُكُمْ فَلْيَتَجَنَّبِ الْوَجْهَ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

1506- وَعَنْهُ أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَوْصِنِي. فَقَالَ: لَا تَغْضَبْ، فَرَدَّدَ مِرَارًا، قَالَ: لَا تَغْضَبْ. أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ.

1507- وَعَنْ خَوْلَةَ الْأَنْصَارِيَّة رضي الله عنها قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: إِنَّ رِجَالًا يتخَوَّضُون فِي مَالِ اللَّهِ بِغَيْرِ حَقٍّ، فَلَهُم النَّارُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ.

الشيخ: هذه الأحاديث كلها فيها الترهيب من مساوئ الأخلاق.

الحديث الأول حديث ابن مسعودٍ : يقول النبيُّ ﷺ: سباب المسلم فسوق، وقتاله كفر.

هذا يُبين تعظيم حُرمة السَّبِّ والشتم واللَّعن، وأن الواجب على المؤمن أن يحذر ذلك، وأنَّ هذا من الفسوق، أي: من المعاصي المحرمة، فهو فسوق وخروج عن الطاعة، فالواجب على المؤمن أن يحذر ذلك، وأن يصون لسانَه، ولا يكون سبَّابًا ولا لعَّانًا؛ ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: ليس المؤمنُ بالطعان، ولا اللعان، ولا الفاحش، ولا البذيء، وقال ﷺ: لعن المؤمن كقتله، فعظم الأمر حتى جعله كالقتل.

وقال عليه الصلاة والسلام: إنَّ اللَّعانين لا يكونون شُهداء ولا شُفعاء يوم القيامة، وفي هذا التَّحذير من القتال بغير حقٍّ، وأنه من شُعب الكفر؛ ولهذا في الحديث الآخر: لا ترجعوا بعدي كفَّارًا يضرب بعضُكم رقابَ بعضٍ.

فقتل المؤمن بغير حقٍّ من أعظم الكبائر، ومن شُعب الكفر التي حرَّمها الله ، وإن كان كفرًا دون كفرٍ، وظلمًا دون ظلمٍ، لكنه إذا كان من شُعب الكفر كان أشدَّ في التَّحريم، وأشد في وصف الكبيرة.

وهكذا الحديث الثاني: إياكم والظن؛ فإن الظن أكذب الحديث .. ينبغي للمؤمن أن يتحرى الصدق في أموره، ويبتعد عن الظن وتهم الناس، بل يحمل الناس على المحامل الحسنة مهما كان ذلك، إلا أن تقوم البينةُ والقرائنُ على ما يُوجب ظنَّ السوء، وإلا فالأصل البراءة والحذر من سُوء الظن بغير حقٍّ: إياكم والظنَّ؛ فإنَّ الظن أكذب الحديث، ويقول جلَّ وعلا: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ [الحجرات:12].

فالقرآن جعل بعض الظنِّ إثم، وفي الحديث: إياكم والظنَّ؛ فإنَّ الظنَّ أكذب الحديث، فالذي في الحديث المراد به الظنّ الذي لا أساسَ له، ولا بينةَ عليه، فهو أكذب الحديث، والذي في الآية: إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ، هو الظنّ الذي ليس عليه دليل، بخلاف الظنِّ الذي عليه دليل كالبينة؛ فإن مَن قامت عليه البينة العادلة ظنّ به السُّوء، إذا قامت به البينةُ العادلةُ: أنه زنا، أنه شرب المسكر، أنه عقَّ والديه، فهو محل ظنِّ السوء، وقد تقوى البينةُ حتى يكون الأمرُ يقينًا.

وكذلك مَن جالس أهل السوء ووقف مواقف التُّهم يُظنُّ به السوء؛ لأنه فعل ما يُوجب ذلك، فالآية لا تُخالف الحديث، بل الحديث في معنى، والآية في معنى، والواجب البُعد عن ظنِّ السوء ما لم تكن هناك بينة أو قرينة تدل على ذلك، وفيه الحذر من مواقف التُّهم وصحبة الأشرار، فإنَّ مواقف التهم وصُحبة الأشرار تُوجب ظنَّ السوء.

والحديث الثالث حديث معقل بن يسار، عن النبي ﷺ أنه قال: ما من عبدٍ يسترعيه الله رعيةً، يموت يوم يموت وهو غاشٌّ لرعيته؛ إلا حرَّم الله عليه الجنة.

هذا فيه الحذر من غشِّ الرعية، وأن الواجب على الملوك والأمراء وغيرهم ممن يتولى شؤون الناس: كشيخ القبيلة وشبههم ممن له ولاية، الواجب عليه أن ينصح ويُؤدي الأمانة، ويحذر الغشّ، وكانت إمارته صغيرةً على قريةٍ صغيرةٍ، ولو على ثلاثةٍ، ولو على أيتامٍ، يجب عليه أن ينصح ويُؤدي الأمانة، وإلا فهو متوعد بدخول النار وحرمان الجنة.

وفي اللفظ الآخر: ما من أميرٍ يسترعيه الله رعيةً ثم ..... وينصح إلا لم يدخل معهم الجنة، فهذا يدل على وجوب النَّصيحة وأداء الأمانة، وأن الواجب على الأمير وإن كانت إمارته صغيرةً -على قريةٍ أو غيرها- أن ينصح، وأن يتحرى الحقَّ، ويؤدي الأمانة، ويحذر غشّ رعيته وعدم النُّصح لهم، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

هكذا حديث عائشة رضي الله عنها: يقول النبي ﷺ: مَن ولي من أمر أمتي شيئًا فشقَّ عليهم فاشقق عليه، هذا وعيد عظيم، فإنَّ مَن شقَّ على الأمة متوعد بأنَّ الله يشقّ عليه، فالجزاء من جنس العمل، ومَن أحسن أُحسن إليه، ومَن شقَّ على الناس وظلمهم استحقَّ أن يشقّ عليه؛ عقوبةً له: هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ [الرحمن:60]، وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا [الشورى:40]، ومَن أحسن أحسن اللهُ إليه، ومَن آذى الناس وشقَّ عليهم فهو على خطرٍ من عقاب الله العاجل والآجل.

وفي رواية عائشة زيادة عند مسلم: اللهم مَن ولي أمر أمتي فرفق بهم فارفق به فهذا يُقابل المشقة: مَن شقَّ شقَّ عليه، ومَن رفق رفق به.

فالواجب على الأمير وعلى مَن يتولى شيئًا من شؤون الرعية: كالوزير والقاضي وولي الأيتام ونحوهم ممن له ولاية على شيءٍ؛ الواجب عليه أن يرفق، وأن يتحرى الرحمة والإحسان وبذل المعروف، وأن يبتعد عن المشقة والأذى والظلم والعدوان والخيانة.

الحديث الخامس حديث أبي هريرة: إذا قاتل أحدُكم فليجتنب الوجه، يجب على مَن أقام الحدود أو التَّعزيرات، أو ضرب ولده، أو زوجته، أو دابته، يجتنب الوجه، لا يجوز ضرب الوجه: لا من الدابة، ولا من الإنسان، لا في الحدود، ولا في التعزيرات.

وفي اللفظ الآخر: فإنَّ الله خلق آدم على صورته يعني فينبغي احترام الوجه، فالوجه له شأن، وهو يتأثر بكل شيءٍ؛ لأنَّ مادته رقيقة، فأقلّ شيءٍ يُؤثر على الوجه، وهو في مقابل الناس، فينبغي اجتنابه والحذر من إيقاع الأذى به، حتى ولو في الحدود يكون في محلها اللائق بها، ولا يكون الوجه محلَّ الضرب.

وليس معنى "الخلق على صورته" التَّشبيه والتَّمثيل، فإنَّ الله سبحانه ليس له شبيه ولا نظير، ولكن معنى "على صورته" أنه سميع بصير يتكلم، وله وجه، كما أن المخلوق له وجه، ويسمع ويتكلم ويُبصر، فالله جلَّ وعلا كذلك سميع بصير يتكلم إذا شاء ، وله وجه، وله يد، وله قدم، وله أصبع، لكن ليس هذا كهذا؛ ولهذا قال : لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ ۝ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ [الإخلاص:3- 4]، فَلَا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثَالَ [النحل:74]، لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ [الشورى:11].

كذلك حديث أبي هريرة : يقول ﷺ لما سأله سائلٌ: أوصني، قال: لا تغضب، فردد مرارًا، قال: لا تغضب، يُفيد الحذر من الغضب.

فينبغي للمؤمن أن يتباعد عن أسبابه، وأن يحرص على إزالته إذا وقع: بالتعوذ بالله من الشيطان، وبالوضوء الشرعي، وبغير هذا من الأسباب التي يراها تُعينه على ترك الغضب؛ لأنه متى اشتدَّ غضبه قد يقع في معاقد ومخاطر كثيرة، قد وقع هذا من كثيرٍ من الناس، فكم من قتيلٍ وقع بسبب الغضب، وكم من مظلومٍ بغير حقٍّ وقع بسبب الغضب، وكم من طلاقٍ وقع بسبب الغضب، إلى غير هذا.

فينبغي للمؤمن أن يتحرى أسباب العافية منه، والبعد عن أسبابه، فإذا وقع فيه فليُبادر بالأسباب التي تُطفئه من التَّعوذ بالله من الشيطان الرجيم، والوضوء الشرعي، ومن الهدوء بالخروج إلى المكان، أو السكوت، أو الجلوس، أو الاضطجاع، أو غير هذا من الأسباب التي يراها مُعينةً له على تركه.

وهكذا الحديث السابع حديث خولة رضي الله عنها: أنَّ النبي ﷺ قال: إنَّ رجالًا يتخوضون في مال الله بغير حقٍّ فلهم النار يوم القيامة.

هذا فيه الحذر من أخذ الأموال بغير حقٍّ، فالمال من نعم الله، فالواجب أن يُصرف في وجهه، وأن يُؤخذ من وجهه، ومَن تصرف فيه بغير حقٍّ: في المعاصي والخمور والفساد وظلم العباد، فله النار يوم القيامة، نسأل الله العافية.

فالواجب أن تُصرف الأموال في جهتها التي يرضاها الله: من الصَّدقة على الفقراء، ومن الإنفاق على الأولاد والزوجات كما شرع الله، ومن إقامة المشاريع الخيرية: من الجهاد في سبيل الله، إلى غير هذا من وجوه الخير، أما إضاعتها في الباطل، أو الاستعانة بها على المعاصي، فهذا مما حرَّمه الله، وفيه خطر عظيم على صاحب المال، نسأل الله العافية والسَّلامة.

.............

س: النَّهي عن ضرب الوجه هل هو للتَّحريم؟

ج: نعم مُحرَّم.

س: بعض الناس إذا غضب على زوجته يلطمها بالوجه؟

ج: يُعلَّم، الجهل يا ولدي كثير: وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا [الأحزاب:72]، ما يُستنكر الجهل، يُستنكر العلم.

.........

س: حكم تقديم الطعام للمُعزين؟

ج: ما أعرف فيه شيئًا، إذا كان حاضرًا ما تكلَّف لهم .....، لكن لا يصنعونه، لا يُقيمون الولائم .....، لكن إذا أهديت إلى جارك طعامًا لأنه مات له ميت فقدَّمه للحاضرين فما فيه بأس.

س: ...............؟

ج: لا، ما يصلح، هذا من النِّياحة، ليس له أن يعدّ الطعام للناس، ولا يجمع الناس، ولا يُقيم مأتمًا، ولكن السنة أن يُهدَى إليه طعامٌ، يُهدى إليه من جيرانه وأقاربه، كما أمر النبيُّ أن يُهدوا لآل جعفر طعامًا لما جاء نعيُه، هذا هو السنة، فإن قدَّموه لمن حضر وأكلوا فلا بأس.

.............

1508- وَعَنْ أَبِي ذَرٍّ ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ -فِيمَا يَرْوِي عَنْ رَبِّهِ- قَالَ: يَا عِبَادِي، إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي، وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا، فَلَا تَظَّالَمُوا. أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ.

1509- وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: أَتَدْرُونَ مَا الْغِيبَةُ؟ قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ: ذِكْرُكَ أَخَاكَ بِمَا يَكْرَهُ. قِيلَ: أَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ فِي أَخِي مَا أَقُولُ؟ قَالَ: إِنْ كَانَ فِيهِ مَا تَقُولُ فَقَدِ اغْتَبْتَهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَقَدْ بَهَتَّهُ. أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ.

1510- وَعَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: لَا تَحَاسَدُوا، وَلَا تَنَاجَشُوا، وَلَا تَبَاغَضُوا، وَلَا تَدَابَرُوا، وَلَا يَبِعْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ، وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا، الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ، لَا يَظْلِمُهُ، وَلَا يَخْذُلُهُ، وَلَا يَحْقِرُهُ، التَّقْوَى هَاهُنَا وَيُشِيرُ إِلَى صَدْرِهِ ثَلَاثَ مِرَارٍ بِحَسْبِ امْرِئٍ مِنَ الشَّرِّ أَنْ يَحْقِرَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ، كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ: دَمُهُ، وَمَالُهُ، وَعِرْضُهُ. أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ.

1511- وَعَنْ قُطْبَةَ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: اللَّهُمَّ جَنِّبْنِي مُنْكَرَاتِ الْأَخْلَاقِ، وَالْأَعْمَالِ، وَالْأَهْوَاءِ، وَالْأَدْوَاءِ. أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ وَاللَّفْظ لَهُ.

1512- وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: لَا تُمَارِ أَخَاكَ، وَلَا تُمَازِحْهُ، وَلَا تَعِدْهُ مَوْعِدًا فَتُخْلِفَهُ. أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ بِسَنَدٍ فِيهِ ضَعْفٌ.

1513- وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: خَصْلَتَانِ لَا يَجْتَمِعَانِ فِي مُؤْمِنٍ: الْبُخْلُ، وَسُوءُ الْخُلُقِ. أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَفِي سَنَدِهِ ضَعْفٌ.

1514- وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: الْمُسْتَبَّانِ مَا قَالَا فَعَلَى الْبَادِئِ، مَا لَمْ يَعْتَدِ الْمَظْلُومُ. أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ.

الشيخ: هذه الأحاديث كلها تتعلق بالترهيب من مساوئ الأخلاق، وتقدم لنا أنَّ الله جلَّ وعلا بعث نبيَّه ﷺ بالدَّعوة إلى مكارم الأخلاق ومحاسن الأعمال، وبالنهي عن سفاسف الأخلاق وسيئ الأعمال، وأن الواجب على المؤمن أن يجتهد في التَّحلي بما أمر الله به من مكارم الأخلاق، وأن يحذر ما نهاه الله عنه من سيئ الأخلاق، وأنَّ المقصود من الأوامر والنَّواهي الامتثال، وأولى الناس بذلك هم أهل الإيمان والتقوى، أهل التصديق الذين يقولون ويعملون، بخلاف مَن يقول ولا يعمل، ويتشبَّه بأعداء الله المنافقين، فالله لام مَن فعل هذا فقال: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ ۝ كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ [الصف:2- 3]، وقال سبحانه: أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ [البقرة:44]، وقال عن نبيه شعيب عليه الصلاة والسلام: وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ [هود:88].

فالمؤمن مأمور بالعناية بمكارم الأخلاق ومحاسن الأعمال، والبُعد عن مساوئ الأخلاق؛ ولهذا وضع المؤلفُ هاتين الترجمتين: ترجمة الترهيب من مساوئ الأخلاق، والترجمة الآتية في الترغيب في مكارم الأخلاق.

ومن ذلك ما رواه أبو ذرٍّ الغفاري ، عن النبي ﷺ أنه قال: يقول الله : يا عبادي، إني حرمتُ الظلمَ على نفسي، وجعلتُه بينكم مُحرَّمًا، فلا تظالموا.

اقتصر المؤلفُ على هذه الجملة؛ لأنَّ المقصود التَّحذير من الظلم؛ لأنه من أقبح مساوئ الأخلاق، ومن أخبث مساوئ الأخلاق؛ لما فيه من التَّعدي على الناس: إما بالقول، وإما بالفعل، وإما بهما جميعًا، الله حرَّم على نفسه الظلم، وهو قادر عليه، الصواب عند أهل السنة أنه قادر، ولكنه لا يفعله.

والظلم: وضع الأمور في غير مواضعها، وهو سبحانه قادر أن يُدخل المؤمن النار، والكفار الجنة، لكنه لا يفعل هذا ؛ لأنه وضع الأمور في غير مواضعها؛ ولهذا وعد الله المؤمنين الجنة، ووعد الكافرين النار؛ لأنَّ هذا هو المناسب لعدله وحكمته ؛ ولهذا قال: إني حرمتُ الظلم على نفسي، وجعلتُه بينكم مُحرَّمًا، فلا تظالموا، وقال تعالى: إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ [النساء:40]، وقال سبحانه: وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ [فصلت:46]، وهو جلَّ وعلا مُنَزَّه عن ظلم عباده، وإنما يضع الأمور في مواضعها: فيُثيب مَن يستحق الثواب، ويُعاقب مَن يستحق العقاب، وقد يعفو كرمًا وفضلًا، أما أن ..... العفو عنه، فلا يليق بالمؤمن أن يكو ظلومًا، بل يجب الحذر من صفة الظلم، ولا سيما مع القُدرة يجب الحذر، وأن يُعود نفسه العفو والصَّفح والإحسان والجود والكرم.

والحديث الثاني: يقول ﷺ: أتدرون ما الغيبة؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: ذكرك أخاك بما يكره، هذه هي الأخلاق السَّيئة، يجب الحذر من ذلك، فإنَّ ذكر الغيبة قد يفتح أبوابًا كثيرةً من الشر، ويُسبب فتنًا كثيرةً، وعداوات، وبغضاء، وتُفضي إلى قتالٍ، فإن ذكر الخصال السَّيئة ونشرها بين الناس يُسبب بغضاء لصاحبها، ويُسبب فتنًا بين المغتاب ومَن اغتيب، ولا سيما إذا علم ذلك، فقد يُفضي به ذلك إلى المقاتلة والمضاربة إلى مَن اغتابه، يقول: إنه زنَّاء، إنه عاقّ، إنه قاطع، إنه كذا وكذا، حتى ولو كان صادقًا قد يُفضي إلى فتنةٍ بينه وبين هذا الشخص، فلا تجوز الغيبة.

وهي ذكرك أخاك بما يكره، إلا إذا كان فيه خيرٌ تنصحه: تأمره بمعروفٍ، تنهاه عن منكرٍ، إلى غير ذلك، أما ذكر خصاله الذَّميمة بين الناس للتَّشفي، أو لشيءٍ في نفسك عليه، أو لأسبابٍ أخرى، فهذا هو الذي نهي عنه، قال الله تعالى: وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا [الحجرات:12].

قال النبيُّ ﷺ: الغيبة ذكرك أخاه بما يكره، قال أهلُ العلم: هذا فيمَن يستر أعماله، ولا يتجاهر بها، أما مَن أظهر فجوره ومعاصيه فهذا لا غيبةَ له، إنما الغيبة في حقِّ مَن تستر ولم يُبْدِ أعماله السَّيئة.

وفي نفس الحديث يقول: يا رسول الله، إن كان في أخي ما أقول؟ قال: إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه فقد بهته، فالمغتاب إن كان مُصيبًا فقد اغتاب أخاه، وإن كان كاذبًا فقد بهت أخاه وجمع بين الشَّرين، فالواجب الحذر من ذلك، وأن يعتاد المؤمنُ النَّصيحة والتَّوجيه بالأساليب الحسنة، ويحذر الغيبة.

قال ﷺ: لا تحاسدوا، ولا تناجشوا، ولا تباغضوا، ولا تدابروا، ولا يبع بعضُكم على بيع بعضٍ، وكونوا عباد الله إخوانًا، المسلم أخو المسلم، لا يظلمه، ولا يحقره، ولا يكذبه، ولا يخذله، التقوى هاهنا وأشار إلى صدره، يعني: إلى القلب، التقوى في القلب، بحسب امرئٍ من الشَّر أن يحقر أخاه المسلم، كل المسلم على المسلم حرام: دمه، وماله، وعرضه.

النبي حذَّر من هذه الأخلاق الذَّميمة، ونهى عنها عليه الصلاة والسلام: لا تحاسدوا، ولا تناجشوا، والحسد معروف؛ وهو محبَّة زوال النِّعمة عن أخيك، فإذا حسدك لا تحسده أنت .....

ولا تناجشوا وهو الزيادة في السلع في الثَّمن وأنت لا تُريد الشراء، ولكن للعبث، أو لمحبَّة صاحب السلعة؛ لعلها تزيد، أو أنك تعلم أنك راغبٌ فيها وتريد أن تشقَّ عليه، إلى غير ذلك.

ولا تباغضوا المراد النهي عن أسباب التباغض: من المسابّة، أو الكذب، أو الدَّعاوى الباطلة، أو غير ذلك.

ولا تدابروا وهو شدة البغضاء، إذا رآه أدبر عنه.

ولا يبع بعضُكم على بيع بعضٍ؛ لأنه يُفضي إلى الشَّحناء أيضًا، بيعه على بيع أخيه، وشراؤه على شراء أخيه يُفضي إلى البغضاء والشَّحناء، فهو من أسبابها، ومعنى ذلك: إذا رأيته باع على زيدٍ سلعةً ذهبت إلى المشتري وقلت: أنا أبيعك خيرًا منها بمثل هذا الثمن، أو مثلها بأقلّ من هذا الثمن، لا تعرض هذا، دعه: دعوا الناسَ يرزق الله بعضَهم ببعضٍ.

والشراء على الشراء كذلك: سمعت أنه اشترى سلعةً بكذا وكذا، فتذهب إلى البائع وتقول: أنا أشتريها منك بأكثر مما اشتراها فلان، تريد أنه يهون ويبيع عليك.

كل هذا يُسبب البغضاء والعداوة بين الناس، فلا تبع على بيعه، ولا تشتِر على شرائه، ولا تسم على سومه أيضًا: إذا رأيت أنَّ البائع قد مال إلى البيع فلا تسم على سومه، أما إن كان في السوق مَن يزيد تزيد، أما إن سام بسومٍ ورأيت صاحب السلعة قد مال إليه، أو قال: نصيبك، أو ما أشبه ذلك، فلا تسم عليه؛ لأنه قد مضى الأمر.

وكونوا عباد الله إخوانًا يعني: مُتحابين، مُتعاونين على البرِّ والتَّقوى، مُتناصحين، لا مُتنازعين، ولا مُتباغضين، ولا مُتدابرين، ولا مُتحاسدين، إلى غير ذلك من أسباب الشَّر.

ثم أيَّد هذا بقوله: المسلم أخو المسلم تأكيد للمقام، لا يظلمه، ولا يكذبه، ولا يخذله، ولا يحقره، بل يحترمه، ويعرف له حقَّه، ولا يكذب عليه، ولا يخذله في موضعٍ يحتاج إلى نُصرته، إذا رأى مَن يظلمه ينصره ويُعينه بالدِّفاع عنه بالحقِّ.

ثم قال: التقوى هاهنا يعني: المصيبة إذا وقع في القلب نشأ عنه هذا الشَّر الكثير، إذا صار القلبُ ضعيفَ الإيمان، أو مُنحرفًا عن الطريق؛ وقعت من الإنسان هذه الشُّرور، وإذا قوي الإيمانُ في القلب، واستقام القلبُ على طاعة الله؛ انبعثت الجوارح للخير والهدى والصلاح.

وقد يُسيئ بعضُ الناس الفهمَ؛ فإذا نُصح في الله وأُمر بالمعروف ونُهي عن المنكر قال: الإيمان في القلب. يعني: ما عليك مني. هذا غلط عظيم، الإيمان في القلب هو الذي يبعث على الخير، لو كان إيمانُك في قلبك صحيحًا لانبعثت الجوارح بالخير، فإذا قيل له: لا تحلق لحيتك، أو لا تتكاسل عن الصلاة، صلِّ مع الجماعة، أو لا تُسبل ثيابك، قال: الإيمان في القلب. يرد الحقَّ بهذا الكلام الباطل، لو كان إيمانُك في قلبك صحيحًا أو كاملًا لمنعك من هذا العمل السيئ، لمنعك من الإسبال، لمنعك من النَّميمة، لمنعك من الغيبة، لمنعك من التساهل بأداء الجماعة، لمنعك من حلق لحيتك، لمنعك من سائر المعاصي.

فهذا حُجَّة عليك: الإيمان في القلب حُجَّة عليك، ما هو لك، الإيمان في القلب هو الذي يبعث على الخير؛ ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: ألا إنَّ في الجسد مُضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، فلو كان إيمانك صحيحًا في قلبك لصلح أمرك، ولاستقامت أحوالك، ولانبعثت جوارحك بالخيرات، ولكن ميل القلب وانحراف القلب هو الذي سبب هذه المفاسد وهذه الشرور وهذه المعاصي.

وهكذا في الحديث الآخر يقول ﷺ: إنَّ الله لا ينظر إلى صوركم، ولا إلى أموالكم، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم.

فقول بعض العُصاة: الإيمان في القلب، يرد به على مَن أنكر عليه المنكر، قول فاسد، وقول باطل، ومعارض للحقِّ برأيه الكاسد، وكلامه الباطل، نسأل الله العافية.

كل المسلم على المسلم حرام: دمه، وماله، وعرضه، بحسب امرئٍ أن يحقر أخاه المسلم يعني: يكفيه في الشَّر أن يحقر أخاه ويرى أنه أفضل منه، وأنَّ هذا مسكين وكذا وكذا، وما يدري: قد يكون عند الله أفضل منك وأنت لا تدري، فعليك أن تتَّقي الله، وألا تحقر أخاك، بل تعرف له قدره، وتنصره، وتُعطيه حقَّه، ولا تغتبه، ولا تحقره، ولا تكذبه، إلى غير هذا من الخصال الذَّميمة.

كل المسلم على المسلم حرام: دمه، وماله، وعرضه هذا كلام عظيم من جوامع الكلم: كل المسلم على المسلم حرام: دمه فلا يقتله، ولا يجرح بشرته، وكذلك ماله محترم: لا يسرقه، ولا يغصبه، ولا يخونه، إلى غير ذلك، وعرضه كذلك لا يغتابه، بل يجب عليه أن يحترم نفسه وبشرته وماله وعرضه.

وهكذا قوله ﷺ في الحديث الآخر: لا تمارِ أخاك، ولا تمازحه، ولا تعده وعدًا وتخلفه، وإن كان فيه ضعف، لكن الشَّواهد من الأدلة الأخرى تدل على ذلك، وأنه لا ينبغي المماراة والتَّوسع فيه والممازحة، أما المزح القليل والمماراة القليلة التي ليس فيها إسرافٌ فلا بأس، والمجادلة والمماراة القليلة التي لا تُفضي إلى الشَّحناء والعداوة، بل تُجادله قليلًا بالتي هي أحسن، وتُماريه بالتي هي أحسن؛ لإظهار الحقِّ، وطلب الحقِّ لا بأس، أما إذا أفضى إلى الغضب، وإلى المخاصمة بسوء الكلام فليدع، ولينصرف، وليدع هذه المجادلة.

كذلك الممازحة تكون بالحقِّ والكلام الطيب والأسلوب الحسن، أما إذا زادت وصار فيها مبالغة فينبغي تركها؛ لأنها قد تُفضي إلى الشَّحناء والعداوة والبغضاء.

وهكذا الموعد لا يخلفه، إذا وعده موعدًا فليجتهد في صدقه والوفاء به، وألا يتشبه بأعداء الله المنافقين الذين إذا وعدوا أخلفوا، من صفاتهم: أنهم إذا وعدوا أخلفوا، وإذا ائتُمنوا خانوا، وإذا حدَّثوا كذبوا.

فينبغي للمؤمن أن يتباعد عن صفاتهم، الرسول ﷺ مزح لكن بالحقِّ، والقليل عليه الصلاة والسلام، فالجدال كذلك، فالله قال: وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ [النحل:125]، فإذا كان بالتي هي أحسن وليس فيه ظلمٌ فلا بأس، وإذا زاد وتعدَّى مُنع؛ ولهذا قال تعالى: وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ [العنكبوت:46] حتى أهل الكتاب، حتى اليهود والنصارى.

كذلك خصلتان لا تجتمع في مؤمنٍ: البخل، وسُوء الخُلُق، وإن كان في سنده ضعف، لكن هاتان خصلتان ذميمتان قد دلَّت الأدلةُ الشرعيةُ على ذمِّهما: البخل وسُوء الخلق.

فالواجب على المؤمن ألا يبخل، الله حذَّره من البخل، وحذَّر رسوله من البخل عليه الصلاة والسلام، والبخل: منع الواجب، فعليك أن تُؤدي الواجب، وإذا زاد على ذلك فجاد وتفضَّل وأحسن بالتَّطوع صار أكمل.

وسُوء الخلق: التَّعبس وسُوء الكلام، يُخاطب الناس بسوء الكلام، وبالاكفهرار، وسوء المقابلة.

فالواجب على المؤمن أن يحذر ذلك، يقول ﷺ: لا تحقرنَّ من المعروف شيئًا، ولو أن تلقى أخاك بوجهٍ طلقٍ، وفي اللفظ الآخر: طليق.

هكذا المؤمن يُقابل المقابلة الحسنة: بالمباشرة الحسنة، بالكلام الطيب، لا يكون سيئ الخلق؛ يغضب عند أقل شيءٍ، يُعنف بالكلام، يكفهر في وجه أخيه بغير حقٍّ، كل هذا ليس من صفات المؤمنين، المؤمن بشوش، طليق الوجه، طيب الكلام، طيب الأسلوب، فلا ينبغي له أن يُخالف هذه الأخلاق الطيبة، ويسلك المسالك الأخرى الرَّديئة التي تُسبب نفرةَ أخيه منه، وبُعد أخيه منه، وبُغضه له، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

وحديث قطبة بن مالك: كان النبيُّ يدعو: اللهم جنبني منكرات الأخلاق والأعمال والأهواء والأدواء، كذلك هذا من الدُّعاء الحسن.

وفي روايةٍ: اللهم إني أعوذ بك من منكرات الأخلاق والأعمال والأهواء والأدواء هذه كلمات جامعة، يُستحب الدُّعاء بهذا الدعاء العظيم؛ لما فيه من الخير العظيم والكلمات الجامعة.

س: هل المسلم ..... عن عِرض أخيه المسلم الفاسق؟

ج: إذا كان أعلن لا يردّ عنه، إنما يردّ عن أخيه المستور: مَن ردَّ عن عِرض أخيه ردَّ الله عن وجهه النار يوم القيامة، أما مَن أظهر الفسوق ما له غيبة، مَن أظهر الفجور: يشرب الخمر في الأسواق، ويلعن الناس في الأسواق، وأشباه ذلك، هذا إذا قيل عنه ما أظهره ليس بغيبةٍ.

س: وإن كان مُتسترًا؟

ج: لا، هذا هو الغيبة، يردّ عنه.

س: هل يُعتبر من الإرجاء أن يقول: التَّقوى في القلب؟

ج: لا، المقصود يُعتبر ظالمًا لنفسه، ومُسيئًا للإجابة، كان ينبغي أن يشكره: جزاك الله خيرًا، أسأل الله أن يهديني، الله يُعينني من الشيطان، ادعُ الله لي يا أخي. هكذا ينبغي له الكلام، ما يقول: التقوى هاهنا. لو قال: اللهم اهدني، أو ادع الله لي بالهداية، أو سل الله لي التوفيق، أو ما أشبه ذلك، هذا هو الجواب الصحيح، ولو كان إيمانه في القلب لاستقام.

س: أيش معنى "التَّقوى هاهنا"؟

ج: يعني: الصدر محلّ القلب.

1514- وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: الْمُسْتَبَّانِ مَا قَالَا فَعَلَى الْبَادِئِ، مَا لَمْ يَعْتَدِ الْمَظْلُومُ. أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ.

1515- وَعَنْ أَبِي صِرْمَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: مَنْ ضَارَّ مُسْلِمًا ضَارَّهُ اللَّهُ، وَمَنْ شَاقَّ مُسْلِمًا شَقَّ اللَّهُ عَلَيْهِ. أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ.

1516- وَعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: إِنَّ اللَّهَ يُبْغِضُ الْفَاحِشَ الْبَذِيءَ. أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَصَحَّحَهُ.

1517- وَلَهُ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَفَعَهُ: لَيْسَ الْمُؤْمِنُ بِالطَّعَّانِ، وَلَا اللَّعَّانِ، وَلَا الْفَاحِشِ، وَلَا الْبَذِيءِ. وَحَسَّنَهُ، وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ، وَرَجَّحَ الدَّارَقُطْنِيُّ وَقْفَهُ.

1518- وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: لَا تَسُبُّوا الْأَمْوَاتَ؛ فَإِنَّهُمْ قَدْ أَفْضَوْا إِلَى مَا قَدَّمُوا. أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ.

1519- وَعَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ قَتَّاتٌ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

الشيخ: هذه الأحاديث أيضًا الستة كلها مما يتعلق بالتَّحذير من مساوئ الأخلاق، والترهيب مما حرَّم الله ورسوله مما يتعلق بالأخلاق الذَّميمة التي تُسبب الشَّحناء والعداوة، وتُبغض لله ، منها السَّب والشتم، تقدم من حديث ابن مسعودٍ ، حيث قال: سباب المسلم فسوق، وقتاله كفر، وتقدم حديث: لعن المؤمن كقتله.

فالسَّب والشَّتم من أعظم الأسباب في حصول البغضاء والفتن، ويجوز للمسبوب أن يقتص من غير زيادةٍ؛ ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: المستبَّان ما قالا فعلى البادئ، ما لم يعتدِ المظلوم هذا يُبين لنا أن السَّبَّاب يتحمل إثمه وإثم أخيه، كل ما جرى بسبب سبِّه فهو عليه، وهو الآثم، ما لم يعتدِ عليه المظلوم، فإن سبَّه وقال مثلًا: أخزاك الله، أو قاتلك الله، فقال له مثل ذلك: بل أنت قاتلك الله، وبل أنت أخزاك الله، فهذا لا شيء عليه؛ لأنه اقتصَّ، أو قال: لعنك الله، وقال: أنت لعنك الله، اقتصَّ، هذا لا شيء عليه، والإثم على الأول، على البادئ، لكن إن اعتدى المظلومُ فزاد فعليه إثم زيادته، فإذا قال ذلك: لعنك الله، فقال: بل أنت لعنك الله، مرتين، أو ثلاثًا، فعليه إثم الزيادة، وهكذا لو قال: أخزاك الله، فقال: بل أنت أخزاك الله ولعنك، فعليه إثم الزيادة، وهكذا ما أشبه ذلك؛ ولهذا قال: المستبَّان ما قالا فعلى البادئ، ما لم يعتدِ المظلوم، فالمظلوم إذا اعتدى عليه إثم اعتدائه، وأما الشيء الذي قاله مقابلةً من دون زيادةٍ فإثمه على الأول.

حديث أبي صرمة: يقول ﷺ: مَن ضارَّ مسلمًا ضاره الله، ومَن شاقَّ مسلمًا شقَّ الله عليه، هذا فيه تحذير من إيذاء المسلمين ومضرتهم والمشقة عليهم، سواء كان من أميرٍ، أو من شيخ قبيلةٍ، أو من أخيه، أو من زوجةٍ، أو من ولدٍ، أو من غير ذلك، الواجب الحذر، الواجب على المؤمن ألا يُؤذي إخوانه: لا بكلامٍ، ولا بفعالٍ، ولا في خصومةٍ، بل يتحرى العدل في كل الأمور؛ ولهذا يقول سبحانه: وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا يعني: بغير جرمٍ فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا [الأحزاب:58].

فهذا يدل على عظم الخطر، وأنه يحتمل بهتانًا وإثمًا مبينًا بسبب إيذائهم بغير جريمةٍ من المؤذى؛ ولهذا قال: بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا.

وفي هذا الحديث أنَّ الله يضرهم ويشقّ عليهم كما شقُّوا على إخوانهم وآذوا إخوانهم.

وفي الباب أحاديث كثيرة تدل على أنَّ المؤذي والشَّاق والمضار متعرض لعقوبة الله، ومتعرض لغضب الله ، حتى أخبر النبيُّ ﷺ أنَّ لعن المؤمن كقتله، فهذا يدل على عظم الجريمة، وأخبر النبيُّ أنه فسوق: سباب المسلم فسوق، وقال: إنَّ الله يبغض الفاحشَ البذيء، وقال: ليس المؤمنُ بالطعان، ولا اللعان، ولا الفاحش، ولا البذيء.

كل هذا يُبين أنه ينبغي للمؤمن أن تكون أخلاقه كريمةً، وأن تكون كلماته طيبةً، وأن يبتعد عن الفحش والبذاء والطعن والسَّب؛ لأنَّ هذا يُسبب أولًا غضب الله، ويُسبب ثانيًا الإثم، ويُسبب ثالثًا الشَّحناء والعداوة والبغضاء، وقد يجر ذلك إلى مقاتلةٍ، وإلى مضاربةٍ، وإلى ما هو أكبر من ذلك.

فوجب على المؤمن أن يحفظ لسانه، وأن يصونه إلا من الخير؛ ولهذا يقول ﷺ: مَن كان يُؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا أو ليصمت، هكذا يكون المؤمنُ: إما خيرًا يتكلم به، وإما خيرًا يفعله، وإما الإمساك وعدم التكلم فيما يضره ويُغضب الله عليه.

كذلك حديث عائشة رضي الله عنها: يقول ﷺ: لا تسبوا الأموات؛ فإنهم قد أفضوا إلى ما قدَّموا.

فالواجب على المؤمن أن يحذر ذلك، فقد أفضى إلى ما قدَّم، والله جلَّ وعلا هو أحكم الحاكمين، وهو الحكم العدل، فلا حاجةَ إلى سبِّ الأموات.

وفي لفظٍ آخر: فتُؤذوا الأحياء؛ لأنه إذا سبَّه وله أولاد أو إخوة قد يتأذُّون بذلك، وقد يقع في نفوسهم شيء من ذلك.

ويُروى عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال للصحابة: لا تُؤذوا عكرمة في أبيه، عكرمة بن أبي جهل لما أسلم.

المقصود أنَّ سبَّ الأموات قد يُؤثر على الأحياء، كما أنه أيضًا لا وجهَ له، ولا مُوجب له، فقد أفضوا إلى ما قدموا، لكن قد يُحتج بما ورد في بعض الأحاديث من سبِّ بعض الأعيان، إذا كان ذلك مما يُعين على ترك الفتنة التي أتى بها، والبدعة التي دعا إليها، ونحو ذلك، فإنَّ بعض أهل العلم استثنى ذلك إذا كان الميتُ له أتباع، وهو صاحب فتنةٍ، صاحب بدعةٍ، فيُسبُّ لأجل ما أحدثه من البدعة وأظهره من البدعة، بمعنى أنه يُذمُّ ويُعاب على بدعته؛ حتى يحذر الناسُ اتِّباعه والاقتداء به: كسبِّ الجهمية؛ الجهم بن صفوان، وكالجعد بن درهم، وأعيان المعتزلة، وأعيان الخوارج إذا سمّوا، من باب التَّحذير من بدعهم وأعمالهم الخبيثة وما جرُّوا على المسلمين من الشُّرور العظيمة.

فهذا هو وجه مَن استثنى هؤلاء؛ لخبثهم وضلالهم، بخلاف عامَّة الأولاد الذين لا يترتب على سبِّهم فائدة، وقد يحتج بعضُ الناس على ما وقع في القرآن من سبِّ فرعون وسبِّ غيره من صناديد الكفرة، وما جاء في السنة من سبِّ بعض الكفرة، وهم قد ماتوا، كما في حديث عبدالله بن عمرو في قوله ﷺ: مَن ترك الصلاةَ ولم يُحافظ عليها حُشر يوم القيامة مع فرعون وقارون وهامان وأُبي بن خلف، إنَّ هذا معناه الذَّم لهم، والعيب لهم، ليس معنى السَّب أن يقول: لعنهم الله، كلُّ ما كان فيه ذمُّهم فهو سبٌّ: باللعن، أو بالصفة الذَّميمة، أو بأشباه ذلك؛ ولهذا يقول جلَّ وعلا في شجرة الزقوم: وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ [الإسراء:60]، سمَّاها: ملعونةً، والذي في القرآن هو ذمُّها وعيبها، وقال تعالى: إِنَّ شَجَرَتَ الزَّقُّومِ ۝ طَعَامُ الْأَثِيمِ ۝ كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ ۝ كَغَلْيِ الْحَمِيمِ [الدخان:43- 46]، فسمَّى ذمَّها لعنًا لها.

فاللَّعن هو ذمُّ الشيء وسبُّه وبيان خبثه.

المقصود أنَّ الأصل هو عدم السَّب للأموات إلا إذا ترتب على السَّب مصلحةٌ للمسلمين وتحذيرٌ لهم من فتنة المسبوب وما دعا إليه من البدع والشُّرور التي اشتهر بها، نسأل الله العافية.

وكذلك يقول ﷺ: لا يدخل الجنةَ نمَّام، هذا فيه التَّحذير من النّمامة.

والنّمامة: نقل الكلام السيئ من قومٍ إلى قومٍ، أو من قبيلةٍ إلى قبيلةٍ، أو من أهل بلدٍ إلى أهل بلدٍ، أو من شخصٍ إلى شخصٍ؛ لأنها تُثير الشَّر، وتُثير الفتن، وربما حصل بها ما لا تُحمد عقباه من القتال والشُّرور الكثيرة، فالنمامة منكرة؛ ولهذا قال ﷺ: لا يدخل الجنةَ نمام، وفي اللفظ الآخر: قتَّات، والقتات هو النَّمام.

فينبغي الحذر من ذلك، ونصيحة مَن وقع في شيءٍ من ذلك، والإنكار عليه؛ لنهي النبيِّ عن هذا عليه الصلاة والسلام؛ ولأنه يترتب على ذلك من الشُّرور والعواقب الوخيمة ما لا يخفى على مَن عرف أحوال الناس، نسأل الله السلامة.

س: ................؟

ج: يُروى أنَّ النبي ﷺ قال للصحابة لما أسلم عكرمة: لا تُسمعوه في أبيه شيئًا، أو قال: لا تُؤذوه في أبيه، ونحو هذا شاهد لقوله: فتُؤذوا الأحياء، لا تسبُّوا الأموات فتُؤذوا الأحياء.

س: حاله؟

ج: لا أعرف حاله، لكن مرَّ لي في السيرة، ولا أذكر حاله.

س: إذا لعن الإنسان وسبَّه وصبر عليه، ما ردَّ عليه، ما هو أحسن؟

ج: من باب العفو، هذا من باب العفو، فمَن عفا وأصلح فأجره على الله.

الطالب: فقد روى أحمد في "مسنده"، وأبو داود في "سننه" من حديث مطر بن عبد الرحمن الأعنق، قال: حدَّثتني أم أبان بنت الوازع بن زارع في عامر العبدي، عن أبيها: أنَّ جدَّها الزارع انطلق إلى رسول الله ﷺ، فانطلق معه بابنٍ له مجنون -أو ابن أختٍ له- قال جدي: فلما قدمنا على رسول الله ﷺ قلت: إنَّ معي ابنًا لي -أو ابن أختٍ لي- مجنون، أتيتُك به تدعو الله له. قال: ائتني به، قال: فانطلقتُ به إليه وهو في الركاب، فأطلقت عنه، وألقيت عنه ثياب السفر، وألبسته ثوبين حسنين، وأخذت بيده حتى انتهيتُ به إلى رسول الله ﷺ، فقال: أدنه مني، اجعل ظهره مما يليني، قال: بمجامع ثوبه من أعلاه وأسفله، فجعل يضرب ظهره حتى رأيتُ بياض إبطيه، ويقول: اخرج عدو الله، اخرج عدو الله، فأقبل ينظر نظر الصحيح، ليس بنظره الأول، ثم أقعده رسولُ الله ﷺ بين يديه، فدعا له بماءٍ، فمسح وجهه ودعا له، فلم يكن في الوفد أحدٌ بعد دعوة رسول الله ﷺ يفضل عليه.

وقال أحمد في "المسند": حدَّثنا عبدالله بن نمير، عن عثمان بن حكيم: أخبرنا عبدالرحمن بن عبدالعزيز، عن يعلى بن مرة قال: لقد رأيتُ من رسول الله ﷺ ثلاثًا ما رآها أحدٌ قبلي، ولا يراها أحدٌ بعدي؛ لقد خرجتُ معه في سفرٍ، حتى إذا كنا ببعض الطريق مررنا بامرأةٍ جالسةٍ معها صبيٌّ لها، فقالت: يا رسول الله، هذا صبيٌّ أصابه بلاء، وأصابنا منه بلاء، يُؤخذ في اليوم ما أدري كم مرة. قال: ناولينيه، فرفعته إليه، فجعله بينه وبين واسطة الرحل، ثم فغر فاه فنفث فيه ثلاثًا وقال: بسم الله، أنا عبدالله، اخسأ عدو الله، ثم ناولها إياه، فقال: ألقينا في الرجعة في هذا المكان فأخبرينا ما فعل، قال: فذهبنا ورجعنا فوجدناها في ذلك المكان معها شياه ثلاث، فقال: ما فعل صبيُّك؟ فقالت: والذي بعثك بالحقِّ، ما حسسنا منه شيئًا حتى السَّاعة، فاجترر هذه الغنم، قال: انزل، خذ منها واحدةً وردّ البقية. وذكر الحديث بتمامه.

..............

الشيخ: هذا معلوم، تلبس الجن بالإنس هذا معلوم، قد تواترت فيه الأخبار، ولا أعلم فيه خلافًا بين أهل العلم، بل هو محل إجماعٍ: أنَّ الجنَّ تلتبس بالإنس لأسبابٍ كثيرةٍ: تارة بسبب العدوان عليه .....، أو ضربه، أو مال، وتارة بالعشق، وتارة بأسبابٍ أخرى، الواقع تواترت فيه الأخبار عن الأولين والآخرين، ولا يُنكر هذا إلا مُكابر وجاهل، والعلاج له أثر في .....، والضرب لا يتأذَّى به المصاب، يتأثر به الجنّ، ضربه في ظهره أو فخذه أو في يده أو وعيده هذا يتأثر به الجنّ دون المصاب، وبإذن الله في الغالب يُؤثر.

وقد يكون في الجنِّ مَن هو عنيد وخبيث وكافر فلا يستجيب، وقد لا يخرج، قد يؤذي المجنون، قد يقتله، مثل: فُسَّاق الإنس، كفَّار الإنس وفُسَّاق الإنس قد ..... بغير مبالاةٍ، فهكذا الجنّ فيهم، كما قال الله تعالى: وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ [الجن:11]، وقال تعالى: وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ [الجن:14]، القاسطون: الكافرون، نسأل الله العافية.

لكن في الغالب أنَّ الرقية من الرجل القوي -قوي الإيمان، قوي النفس- الغالب أنها تنفع.

ثم الجنّ أقسام: منهم الضعيف الذي يخاف بسرعةٍ، ومنهم المرأة التي تخاف بسرعةٍ، ومنهم الوسط، ومنهم العفريت الشَّديد العنيد، قد لا ينقادون كثيرًا، قد يقتل المصاب.

ثم الأسباب تختلف: إذا كانت أسبابًا في الإصابة أذله كثيرًا، قد يتمنعون من الخروج حتى يقتلوه أو يُؤذوه، فهم أقسام، نسأل الله السلامة والعافية.

...............

الشيخ: أيش قال على عبدالرحمن بن عبدالعزيز؟

الطالب: عبدالرحمن بن عبدالعزيز بن عبدالله بن عثمان بن حميد الأنصاري الأوسي، أبو محمد، الأمام بالضم، صدوق يُخطئ، من الثامنة، مات سنة 62 وهو ابن بضع وسبعين.

الشيخ: يُراجع ..... في غيره.

الطالب: ما في غيره.

الشيخ: مما يُحتج به على تلبس الجنّ قوله ﷺ: إنَّ الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم في قصة صفية في "الصحيحين".

1520- وَعَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: مَنْ كَفَّ غَضَبَهُ كَفَّ اللَّهُ عَنْهُ عَذَابَهُ. أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي "الْأَوْسَطِ".

1521- وَلَهُ شَاهِدٌ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ عِنْدَ ابْنِ أَبِي الدُّنْيَا.

1522- وَعَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ خِبٌّ، وَلَا بَخِيلٌ، وَلَا سَيِّئُ الْمَلَكَةِ. أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَفَرَّقَهُ حَدِيثَيْنِ، وَفِي إِسْنَادِهِ ضَعْفٌ.

1523- وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: مَنْ تَسَمَّعَ حَدِيثَ قَوْمٍ وَهُمْ لَهُ كَارِهُونَ، صُبَّ فِي أُذُنَيْهِ الْآنُكُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَعْنِي: الرَّصَاصَ. أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ.

1524- وَعَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: طُوبَى لِمَنْ شَغَلَهُ عَيْبُهُ عَنْ عُيُوبِ النَّاسِ. أَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ.

1525- وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: مَنْ تَعَاظَمَ فِي نَفْسِهِ، وَاخْتَالَ فِي مِشْيَتِهِ، لَقِيَ اللَّهَ وَهُوَ عَلَيْهِ غَضْبَانُ. أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ، وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ.

1526- وَعَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: الْعَجَلَةُ مِنَ الشَّيْطَانِ. أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: حَسَنٌ.

الشيخ: هذه الأحاديث الستة أيضًا -بل السبعة- فيها وصية وحثٌّ على ما يُوافق الأخلاق الكريمة، وترهيب مما يُخالف ذلك، يعني: ترهيب من مساوئ الأخلاق، وفي ضمن ذلك حثٌّ على مكارم الأخلاق.

يقول ﷺ: مَن كفَّ غضبه كفَّ الله عنه عذابه، هذا من مكارم الأخلاق: كفّ الغضب، ولكن ضده -وهو عدم كفِّ الغضب- من مساوئ الأخلاق، فمَن يُطيع غضبه وينفذ غضبه هذا من مساوئ الأخلاق، وله شاهد من حديث ابن عمر.

هذا يدل على أنَّ من مكارم الأخلاق، ومن محاسن الأعمال: أن تكفَّ غضبك، وأن تجاهد نفسك في ذلك؛ لأنَّ الغضب نار في الجوف تحمل على ما لا ينبغي، فالمجاهدة في كفِّ الغضب والعناية بهذا الأمر مما يحول بينك وبين كثير.

وتقدم قوله ﷺ: ليس الشديد بالصرعة، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب، والحديث الآخر: أن رجلًا قال: أوصني، قال: لا تغضب، فردد مرارًا، قال: لا تغضب رواه البخاري.

فكل مَن جرَّب الغضب عرف شرَّه وسُوء عاقبته لمن لم يُجاهد نفسه، فكم من فتنةٍ قامت بسبب الغضب، وكم من قتلٍ وضربٍ وإتلاف أموالٍ وطلاقٍ وغير ذلك كله بأسباب الغضب، الله يقول جلَّ وعلا في كتابه العظيم يُوصي أهل الإيمان: وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ [الشورى:37]، يُجاهدون هذه النفوس حتى يكفُّوا غضبها، يقول جلَّ وعلا في وصف المتَّقين: وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ [آل عمران:134]، فينبغي للمؤمن أن يُجاهد هذه النفس حتى يكظم غيظه، وحتى لا ينفذ غضبه.

والحديث الثاني: يقول ﷺ: لا يدخل الجنةَ خِبٌّ، ولا بخيلٌ، ولا سيئ الملكة.

هذا فيه الحذر من هذه الخصال الذَّميمة، وهذا ترهيب من مساوئ الأخلاق.

والخِبُّ: هو الخدَّاع المكَّار الذي يخدع الناس بأقواله وحيله حتى يأخذ أموالهم بغير حقٍّ، أو يُطيعهم في باطلٍ.

والبخيل معروف: الذي يمنع الحقَّ لشُحِّه.

ولا سيئ الملكة الذي يُسيئ إلى المماليك، "مَلَكَة" بالفتحات كما في "القاموس" يعني: يُسيئ إلى مَن يملك من عُقلاء وبهائم، فهذا أيضًا متوعد، والواجب على المؤمن أن يتَّقي الله فيمَن يملك، وسبق في حديث عبدالله بن عمرو: يقول النبيُّ ﷺ: كفى بالمرء إثمًا أن يُضيع مَن يقوت، تقدم في النَّفقات، وفي اللفظ الآخر: أن يحبس عمَّن يقوت قوته رواه مسلم.

وهو يدل على تحريم الإساءة إلى المماليك: لا بحبس النفقة، ولا بغير هذا مما يُسيئ: كالضرب بغير حقٍّ، أو القتل، أو ما أشبه ذلك، وتجويع المماليك من الأرقاء، أو البهائم تجويعها، أو ضربها من غير مُوجبٍ، أو ما أشبه ذلك من الأذى، أمر ممنوع، وهو من سُوء الملكة.

وهذا من باب الوعيد، ما جاء في النصوص: "لا يدخل الجنة مَن فعل كذا"، "حرَّم الله الجنةَ على مَن فعل كذا" فهو من باب الوعيد، وقد تقرر أنَّ كل ما دون الشِّرك فهو تحت مشيئة الله ، كل ما دون الشِّرك من المعاصي فهو تحت مشيئة الله: إن شاء غفر سبحانه، وإن شاء عذَّب، ومآل المؤمن إلى الجنة، مآل الموحِّد إلى الجنة؛ ولهذا قال بعضُهم: "لا يدخل الجنة" يعني: من أول وهلةٍ.

ولكن لا حاجةَ إلى هذا، هو من باب الوعيد للتَّحذير من هذه الأخلاق، والترهيب منها، ثم صاحبها تحت مشيئة الله ما لم يخرج عن الإسلام بشيءٍ من الشرك والردة؛ ولهذا يقول سبحانه: إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ [النساء:48]، فهو مع كونه مُستحقًّا للوعيد: كالزاني والسَّارق والعاقّ والقاطع والمرابي وغيرهم، هم مُستحقون للوعيد بدخول النار، لكن قد يُعفا عن بعضهم بأعمالٍ صالحةٍ قدَّمها: لجهادٍ فعله في سبيل الله، لأشياء أخرى من أنواع الخير، وقد يُعفا عنه برحمة الله وفضله جلَّ وعلا، وقد يُعذَّب على قدر هذه المعاصي التي مات عليها ولم يتب.

وهم في العذاب مُتفاوتون، ليسوا على حدٍّ سواء: لا في المدة، ولا في المقدار؛ منهم مَن تطول مدته في النار، ومنهم مَن لا تطول، ومنهم مَن يكون عذابه أشدَّ من الآخر، فهي متفاوتة؛ فالعقوق للوالدين فوق قطيعة الأخ والعمّ ونحو ذلك، وهكذا المرابي فوق ذنوبٍ كثيرةٍ، وهكذا الذي يقتل النفس بغير حقٍّ، أو يزني بزوجة الجار فوق مَن يكون ذنبه دون القتل ودون الزنا وهكذا، فهم مُتفاوتون في عقابهم وفي مدة بقائهم في النار، نسأل الله السلامة.

وقد ثبت في الأحاديث المتواترة عن النبي ﷺ أنه يشفع فيمَن دخل النار من أمته أهل التوحيد، وتشفع الملائكة، ويشفع المؤمنون، ويشفع الأفراط، وأن شفاعته تتكرر أربع مرات يشفع، ثم يحدّ له حدًّا ثم يشفع، ثم يحدّ له حدًّا ثم يشفع، ويحدّ له حدًّا ثم يشفع، ويحدّ له حدًّا عليه الصلاة والسلام للعُصاة، ويبقى من العُصاة قومٌ في النار، لم تشملهم الشَّفاعة، فيُخرجهم الله جلَّ وعلا؛ فضلًا منه ، يقول: شفعت الأنبياءُ، وشفعت الملائكةُ، وشفع المؤمنون، ولم يبقَ إلا رحمة أرحم الراحمين، فيُخرجهم سبحانه من النار قد امتُحِشُوا: قد احترقوا بذنوبهم وسيئاتهم، إلا أنهم كانوا مُوحدين، كانوا ماتوا على الإسلام، والله المستعان.

كذلك حديث ابن عباسٍ: مَن تسمَّع حديثَ قومٍ وهم له كارهون صُبَّ في أُذنيه الآنك.

هذا يُفيد الحذر من استماع أحاديث الناس التي يكرهون استماعها، كونه يتسمع على مَن يتكلم، يتناجى مع صاحبه، أو يتسمع في الهاتف كلام الناس، أو ما أشبه ذلك، هذا يُفيد الحذر، وأن الأشياء التي يظهر من حالها أنهم يكرهون المشاركة فيها وسماعها لا يجوز للمسلم أن يتسمَّع لهم فيها، والعلامة المسارّة، العلامة المناجاة والمسارّة، فلا ينبغي ولا يجوز له أن يتسمع لحديثهم؛ لأنه قد يضرهم ذلك، وقد يُفشي عليهم أسرارهم، فلا يجوز ذلك.

والآنك هو الرصاص، نسأل الله العافية؛ ولهذا جاء في الحديث الصحيح: لا يتناجى اثنان دون الثالث، إن كانوا ثلاثةً فلا يتناجى اثنان دون الثالث؛ لأنَّ ذلك يُحزنه.

فالتناجي قد يكون في شيءٍ يسوء الثالث فيحزن بذلك، فلا يجوز التَّسمع لهم، وإن لم يتسمع لهما أحزنه ذلك فشقَّ عليه؛ لأنه قد يظنّ أنهما يتكلمان فيه، وهكذا لو كانوا أربعةً فتناجى ثلاثة وبقي واحدٌ لا يجوز؛ لأنَّ هذا يُحزنه، وليس له أن يتسمع لهم؛ لأنه يحزن بذلك.

والحديث الرابع: يقول ﷺ: طوبى لمن شغله عيبُه عن عيوب الناس.

هذا معناه الحثُّ على الاشتغال بنفسك، وأن تُصلح عيوبك بدلًا من أن تشتغل بالناس: فلان فعل كذا، وفلان فعل كذا، تغتابهم وتنمّ عليهم وتُؤذيهم، اشتغل بعيبك، وإذا كان فيك خيرٌ مُرْ بالمعروف، وانهَ عن المنكر، وانصح، ولا تشتغل بعيوب الناس: طوبى لمن شغله عيبُه عن عيوب الناس يعني: شغله إصلاح نفسه وجهاد نفسه حتى تستقيم على طاعة الله ورسوله.

هكذا الحديث الخامس: يقول ﷺ: مَن تعاظم في نفسه، واختال في مشيته، لقي الله وهو عليه غضبان خرجه البزار، ورجاله ثقات.

هذا الحديث يدل على وجوب التَّواضع، والحذر من التعاظم والتكبر، وأنه ينبغي للمؤمن أن يتواضع، وأن يعرف قدر نفسه، وينظر في عيوبه؛ حتى يعرف قدر نفسه، حتى يحقرها، حتى لا يتكبر.

مَن تعاظم في نفسه، وفي رواية البخاري في "الأدب المفرد" بإسنادٍ صحيحٍ: مَن تعظم يعني: رأى نفسه عظيمًا كبيرًا، وأن الناس دونه، فهذا من ظلم النفس، ومن كبرها، ومن غرورها.

وقد ثبت عنه ﷺ أنه قال عليه الصلاة والسلام: لا يدخل الجنةَ مَن كان في قلبه مثقال حبَّةِ خردلٍ من كبرٍ، وفي اللفظ الآخر: مثقال ذرةٍ من كبرٍ، فقيل: يا رسول الله، الرجل يُحبّ أن يكون ثوبه حسنًا، ونعله حسنةً؟ قال: إنَّ الله جميلٌ يُحب الجمال، الكبر: بطر الحقّ وغمط الناس.

فالكبر كونه يرد الحقَّ إذا خالف هواه، ويغمط الناس: يحتقرهم، يراهم دونه، فهذا هو الكبر، نعوذ بالله من ذلك.

فينبغي الحذر من هذه الأمور التي هي من مساوئ الأخلاق، ومن قبيح الأخلاق، وينبغي للمؤمن أن يتحلَّى بضدِّها، ويتخلق بضدها من مكارم الأخلاق والتواضع وعدم التَّكبر وعدم الخُيلاء.

والحديث السادس: العجلة من الشيطان ينبغي على المؤمن أن تكون عنده أناة، وعنده صبر، تقدم في حديث أشجّ عبد القيس: يقول ﷺ: إنَّ فيك خصلتين يُحبهما الله: الحلم والأناة.

هذا يدل على أنَّ الأناة: التَّثبت في الأمور، والرفق في الأمور أمر مطلوب، وأنَّ العجلة من الشيطان، قد تُوقع في معاطب.

فينبغي للمؤمن التَّثبت في الأمور وعدم العجلة، إلا إذا كانت في أمرٍ معلومٍ فضله، ومعلوم حبّ العجلة فيه، هذا مُستثنًى، كما قال موسى عليه الصلاة والسلام: وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى [طه:84]، وقال: وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ [آل عمران:133]، سَابِقُوا [الحديد:21].

فالأشياء الواضحة التي ليس في العجلة فيها إلا الخير، فهذا أمر مطلوب: كالمسابقة إلى الطاعات، والمسارعة إلى الخيرات، وعدم تأجيل الخير، فيعجله، هذا مطلوب، لكن الأمور التي قد يخفى شأنها، أو قد تُوقع العجلةُ في خطرٍ، أو تُخالف الخشوع، وتُزيل الخشوع، ينبغي تركها؛ ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: إذا أتيتم الصلاة فأتوها وأنتم تمشون، ولا تأتوها وأنتم تسعون، وأتوها وعليكم السَّكينة، وفي اللفظ الآخر: والوقار، فما أدركتم فصلوا، وما فاتكم فأتموا، وقال: قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ ۝ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ [المؤمنون:1- 2]، فالأمور التي قد تُفضي فيها العجلةُ إلى ما لا تُحمد عقباه من عدم الإتقان أو عدم الخشوع تُترك، أما الأمور التي يخشى فوتها من الخير فإنها تُشرع فيها المسابقة والمسارعة حتى لا تفوت.

وفَّق الله الجميع.

س: ...............؟

ج: حقّ الله وحقّ الناس، كله.

س: تارك الصلاة؟

ج: الصحيح أنه كافر كفرًا أكبر، ما يدخل في الشَّفاعة.

س: ...............؟

ج: قد يكون عنده من الطاعات ما ليس عندك وأنت لا تدري.

س: ...............؟

ج: ما في بأس، إذا استأذناه الحقّ له.

س: ...............؟

ج: ما ظهر لي وجه التَّفريق، يحتاج إلى مُراجعته في "جامع الترمذي"، الحديث إسناده ضعيف، لكن المعنى صحيح، شواهده كثيرة في الأحاديث الصَّحيحة.

..............

1527- وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: الشُّؤْمُ: سُوءُ الْخُلُقِ. أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ، وَفِي إِسْنَادِهِ ضَعْفٌ.

1528- وَعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: إِنَّ اللَّعَّانِينَ لَا يَكُونُونَ شُفَعَاءَ وَلَا شُهَدَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ.

1529- وَعَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: مَنْ عَيَّرَ أَخَاهُ بِذَنْبٍ لَمْ يَمُتْ حَتَّى يَعْمَلَهُ. أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ، وَسَنَدُهُ مُنْقَطِعٌ.

1530- وَعَنْ بَهْزِ بْنِ حَكِيمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: وَيْلٌ لِلَّذِي يُحَدِّثُ فَيَكْذِبُ لِيَضْحَكَ بِهِ الْقَوْمُ، وَيْلٌ لَهُ، ثُمَّ وَيْلٌ لَهُ. أَخْرَجَهُ الثَّلَاثَةُ، وَإِسْنَادُهُ قَوِيٌّ.

1531- وَعَنْ أَنَسٍ ، عَن النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: كَفَّارَةُ مَنِ اغْتَبْتَهُ أَنْ تَسْتَغْفِرَ لَهُ. رَوَاهُ الْحَارِثُ بْنُ أَبِي أُسَامَةَ بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ.

1532- وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: أَبْغَضُ الرِّجَالِ إِلَى اللَّهِ الْأَلَدُّ الْخَصِمُ. أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ.

الشيخ: هذه الأحاديث كالتي قبلها في التَّحذير من مساوئ الأخلاق، والحثّ على مكارم الأخلاق، فإنَّ النهي عن الشيء أمر بضده، فالنَّهي عن هذه الأخلاق الذَّميمة أمرٌ بما يُخالفها وبما يضادها من مكارم الأخلاق.

حديث عائشة: الشؤم سُوء الخلق، والحديث وإن كان ضعيف الإسناد، لكن معناه أنَّ من الشؤم سُوء الخلق، مثل: الحج عرفة، الدِّين النَّصيحة.

المقصود أنَّ مَن ابتُلي بسوء الخلق فهذا من أقبح الشؤم الذي يُؤذي الناس، ويظهرهم بسوء خلقه، فيغضب عند أقلّ شيءٍ، ويتكلم بالعبارات السَّخيفة والعنف وغير هذا من سُوء الخلق؛ فيضرّ نفسه ويضرّ الناس، هذا من شؤمه، ومما بُلي به من البلاء الذي يضرّه ويضرّ غيره، هذا معناه الحثّ على حُسن الخلق وطيب الكلام.

تقدمت الأحاديثُ في هذا الباب الدالة على حُسن الخلق، وتقدم قوله ﷺ: البرُّ حُسن الخلق، وقوله في حديث عبدالله بن عمرو: إنَّ خياركم أحسنكم أخلاقًا، وفي اللفظ الآخر: إنَّ من خيركم أحسنكم أخلاقًا، وفي الحديث: ما وُضِعَ في الميزان أثقل من حُسن الخلق، وفي الحديث الآخر: كاد حُسن الخلق أن يذهب بخيري الدنيا والآخرة.

فحُسن الخلق له شأن عظيم، والحديث الآخر الصحيح: إنَّ أحبَّكم إليَّ وأقربكم مني مجلسًا يوم القيامة: أحاسنكم أخلاقًا.

فسوء الخلق من أقبح الخصال، فينبغي الحذر منه، وتقدم قول النبي ﷺ في حديث أبي ذرٍّ: لا تحقرنَّ من المعروف شيئًا، ولو أن تلقى أخاك بوجهٍ طلقٍ.

فينبغي للمؤمن أن يجاهد نفسه، وأن يُحسن خلقه، وأن يبتعد عمَّا يُؤذي غيره ويضرّ غيره من سُوء الخلق.

الثاني حديث أبي الدَّرداء : يقول ﷺ: إنَّ اللعانين لا يكونون شُهداء ولا شُفعاء يوم القيامة.

هذا فيه الحذر من اللَّعن، وقد جاءت نصوصٌ كثيرةٌ تُحذر من اللَّعن والسَّب، ومن هذا ما تقدم من قوله ﷺ: سباب المسلم فسوق، وقتاله كفر، ويقول ﷺ: لعن المؤمن كقتله، هذا وعيد عظيم يدل على وجوب تطهير اللِّسان من هذا الشيء، والحذر من الكلمات التي تُعدّ سبًّا وشتمًا لأخيك: إنَّ اللَّعانين لا يكونون شهداء ولا شفعاء يوم القيامة.

وفي الحديث الآخر: ليس المؤمنُ بالطعان، ولا اللعان، ولا الفاحش، ولا البذيء، ولا يخفى على كل أحدٍ ما في اللعن والسَّب وسُوء الكلام من الفساد والشَّر وتفريق الجماعة وإحداث الفتن والشَّحناء، وربما أفضى إلى المقاتلة والمضاربة، فينبغي الحذر من ذلك.

فهكذا ما يُروى عنه ﷺ أنه قال: مَن عيَّر أخاه بذنبٍ لم يمت حتى يعمله، من حديث معاذٍ، هذا وإن كان ضعيفًا، لكن معناه التَّحذير من تعيير الناس بذنوبهم، إن كان تائبًا فلا يجوز تعييره بذنبه السَّابق؛ فإن مَن تاب تاب الله عليه، ومحي عنه الذنب، وإن كان لم يتب فالواجب أن يُنصح ويُوجه إلى الخير بالعبارات الحسنة، لا بالتعيير، ولكن بالعبارات الحسنة؛ لأنَّ التعيير يُثير الشَّحناء والفساد، ولكن بالأسلوب الحسن: اتَّقِ الله يا فلان، خف الله، راقب الله، هذا ما يليق بك، وهذا مما حرم الله عليك. أما أن يُعيره: يا زناء، يا كذا، يا كذا، فهذا مما يُثير الشَّحناء والفتن، ولكن يُعالج الأمور بالحكمة والكلام الطيب؛ حتى يتيسر من هذا المذنب قبول الحقِّ.

كذلك بهز بن حكيم، عن أبيه، عن جده ، وهو معاوية بن حيدة، بهز بن حكيم بن معاوية بن حيدة القُشيري، عن أبيه حكيم، عن جده معاوية. وهو سند لا بأس به عند أهل العلم، سند حسن عن النبي ﷺ، أنه قال: ويلٌ للذي يُحدِّث فيكذب ليضحك به القوم، ويلٌ له، ثم ويلٌ له، هذا يُفيد الحذر من الكذب من أجل إضحاك الناس، من أجل المزح، فلا ينبغي للمؤمن أن يُعود نفسه الكذب، ولا أن يفعل ذلك ولو مزحًا، بل يُطهر لسانه من الكذب مطلقًا، هذا هو الواجب على المؤمن؛ لأنَّ مَن اعتاده مزحًا يقع فيه جدًّا، ولا حول ولا قوة إلا بالله، فالواجب الحذر من تعاطي الكذب، ولو على سبيل إضحاك القوم والمزح معهم: جاء فلان، وقدم فلان، وفعل فلان كذا وكذا، وهو لا حقيقةَ له؛ ليُضحكهم بذلك، هذا منكر من القول ينبغي الحذر منه.

كذلك حديث كفَّارة مَن اغتبته أن تستغفر له، وهو من حديث أبي أسامة في جزئه بإسنادٍ لا يسقط، لا يصح عن النبي ﷺ، ولكن معناه صحيح عند الحاجة إلى ذلك، فإنَّ الظلم يكون بالمال، ويكون بالعرض، ويكون بالبدن، والواجب استحلال مَن فعلت معه ذلك، أو ردّ حقّه إليه إن كان مالًا، أو في النفس، أو في البشرة، أما العِرض ففيه تفصيل، فإن تيسر استحلاله فهذا هو المقصود، أن يقول: يا أخي أنا أخطأتُ وقلتُ في حقِّك ما لا ينبغي من الغيبة، سامحني، ولا حاجةَ إلى أن يقول: قلتُ كذا وكذا، يطلب منه الحلم، فإن أباحه فالحمد لله، وإلا استرضاه بما يستطيع.

لكن ذكر العلماءُ أنَّ بعض الناس قد يضرّه ذلك، لو قاله قد يضرّه هذا المغتاب: قد يكون أقوى منه، قد يُصيبه ببلاءٍ، قد تكون شحناء بينه وبينه وفساد، فإذا كان يخشى من ذلك ولا يستطيع إخباره بالغيبة ولا استسماحه فإنه يستغفر له بظهر الغيب، ويدعو له، ويذكره بأحسن ما يعلم من حاله في المجالس والمجتمعات التي اغتابه فيها، لا يكذب، ولكن يذكره بخير ما يعلم منه، أو بأحسن ما يعلم من خصاله، بدلًا من غيبته في تلك المجالس؛ حتى تكون هذه بهذه، عند العجز عن استحلاله، أو الخوف من الفتنة من استحلاله.

وهذا الذي قاله أهلُ العلم معناه صحيح، وقاعدة الشرع تدعو إلى ذلك؛ لأنَّ القاعدة الشرعية: ارتكاب أدنى المفسدتين بتفويت كُبراهما، وتحصيل أعلى المصلحتين أو المصالح بتفويت إحداهما. وهذا أمر معروف من قواعد الإسلام، ومن أحاديث الرسول ﷺوأعماله، فتحصيل أعلى المصلحتين وتفويت كُبرى المفسدتين أمر مطلوب في هذا الباب وفي غيره.

كذلك حديث عائشة رضي الله عنها: أبغض الرجال إلى الله الألد الخصم هذا أمر معلوم بالنص وبالواقع، فالألد: كثير الخصومات، الذي كلما خرج من حجةٍ دخل في أخرى ..... بجانبيه، يعني: أنه ذو تنطع وتكلُّف في الخصومات، لا يكاد يسلم منه أحد، ولا يكاد يخلص في خصومته؛ لدادته، وعدم سماحته، فهو كثير اللّدد، كثير الكلام، كثير التَّشعير بالخصومة، فيضرّ نفسه، ويضرّ الناس، ويتأذى به الناس، ومعنى الخصم يعني: كثير الخصومة.

فينبغي للمؤمن أن يكون بخلاف ذلك: أن يكون سمحًا، طيب الكلام، قريبًا من إخوانه، بعيدًا من الشَّر، وألا يكون ذا لدادةٍ في خصومته، وتكلف في خصومته فيبغضه الناس، ويبغضه الله .

فالواجب في مثل هذا العناية في أسباب إنهاء الخصومة، وسلامته من عواقبها الوخيمة، ولو تسامح عن شيءٍ يسيرٍ لا يضرّه، فينبغي له أن يكون بعيدًا عن اللدد وكثرة الخصومات والتَّوسع فيها وتشقيقها والتَّكلف فيها، فإن عاقبةَ ذلك وخيمة، ولا حول ولا قوة إلا بالله، والله أعلم.

س: ..............؟

ج: هذا في الحديث الصحيح، لما لعن بعضُ الناس ناقته قال: لا تصحبنا ناقةٌ ملعونة، قال العلماء: من باب التَّنفير من اللَّعن، والتَّحذير منه، وليس معناه أنها تخرج على ملكه، فهي على ملكه يتصرف فيها بعد ذلك، لكن الرسول أمر بذلك من أجل التَّنفير من اللَّعن، لكنه لا يخرج عن ملكه عند أهل العلم، إنما يتصرف فيه بعد ذلك.

س: مَن أراد أن يقتصَّ ممن لعنه؟

ج: لا بأس، لا يزد عليه، تقدم لكم حديث: المستبَّان ما قالا فعلى البادئ، ما لم يعتدِ المظلوم، فإذا قال: لعنك الله، فقال: بل أنت لعنك الله، ما في شيء، قصاص، أو قال: أخزاك الله، فقال: بل أنت أخزاك الله، أو قال: قاتلك الله، فقال: بل أنت قاتلك الله، هذا قصاص، لكن لو سمح يكون أفضل، لو عفا يكون أفضل.

...............