باب مسح الرأس كله وصفته وما جاء في مسح بعضه

المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على قائد الغُرِّ المحجَّلين نبينا محمدٍ، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أيها الإخوة الأحباب، أيها الإخوة المستمعون الكرام، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وحيَّاكم الله إلى درسٍ طيبٍ مباركٍ من دروس "المنتقى".

ضيف اللقاء هو سماحة العلامة الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن باز، المفتي العام للمملكة العربية السعودية، ورئيس هيئة كبار العلماء.

مع مطلع هذا اللقاء نُرحب بسماحة الشيخ، فأهلًا ومرحبًا يا سماحة الشيخ.

الشيخ: حيَّاكم الله وبارك فيكم.

بَابُ مَسْحِ الرَّأْسِ كُلِّهِ وَصِفَتِهِ وَمَا جَاءَ فِي مَسْحِ بَعْضِهِ

- عَنْ عبدالله بْنِ زَيْدٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ مَسَحَ رَأْسَهُ بِيَدَيْهِ، فَأَقْبَلَ بِهِمَا وَأَدْبَرَ، بِمُقَدَّمِ رَأْسِهِ، ثُمَّ ذَهَبَ بِهِمَا إلَى قَفَاهُ، ثُمَّ رَدَّهُمَا إلَى الْمَكَانِ الَّذِي بَدَأَ مِنْهُ. رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ.

- وَعَنِ الرُّبَيِّعِ بِنْتِ مُعَوِّذٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ تَوَضَّأَ عِنْدَهَا وَمَسَحَ بِرَأْسِهِ، فَمَسَحَ الرَّأْسَ كُلَّهُ مِنْ فَوْقِ الشَّعْرِ كُلَّ نَاحِيَةٍ لِمُنْصَبِّ الشَّعْرِ، لَا يُحَرِّكُ الشَّعْرَ عَنْ هَيْئَتِهِ. رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُد.

وَفِي لَفْظٍ: مَسَحَ بِرَأْسِهِ مَرَّتَيْنِ، بَدَأَ بِمُؤَخَّرِهِ، ثُمَّ بِمُقَدَّمِهِ، وَبِأُذُنَيْهِ كِلْتَيْهِمَا، ظُهُورِهِمَا وَبُطُونِهِمَا. رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ.

- وَعَنْ أَنَسٍ قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَتَوَضَّأُ وَعَلَيْهِ عِمَامَةٌ قِطْرِيَّةٌ، فَأَدْخَلَ يَدَهُ تَحْتَ الْعِمَامَةِ فَمَسَحَ مُقَدَّمَ رَأْسِهِ، وَلَمْ يَنْقُضِ الْعِمَامَةَ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.

الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومَن اهتدى بهداه.

أما بعد: فهذه الأحاديث في المسح على الرأس، والمسح على الرأس فرضٌ من فروض الوضوء، وهو الفرض الثالث، الفرض الأول: الوجه، والفرض الثاني: اليدان، والفرض الثالث: مسح الرأس والأذنين، يقول الله جلَّ وعلا: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ [المائدة:6]، كان النبيُّ ﷺ إذا توضأ غسل وجهه، ثم يديه مع المرفقين، ثم يمسح رأسه مع أذنيه، ثم يغسل رجليه، وهذا فرضٌ عند الجميع، والواجب مسح الأذنين مع الرأس كما كان النبيُّ يفعل ذلك عليه الصلاة والسلام، فإنه كان يمسح أذنيه مع رأسه مسحةً واحدةً، كما في حديث عبدالله بن زيد: أنه بدأ بمقدم رأسه حتى ذهب بهما إلى قفاه، يعني: يديه، ثم ردَّهما إلى المكان الذي بدأ منه.

وجاء في حديث عثمان وغيره، وابن عباس والربيع وغيرهما: المسح على الأذنين، والسنة بل الواجب على المتوضئ أن يمسح رأسه مع أذنيه بعد غسل وجهه ويديه، أما حديث الربيع وأنه يمسح من منصب الشعر، وأنه يمسح المقدمة نازلًا، والمؤخرة نازلًا، فحديث الربيع فيه كلام وضعف.

والصواب ما جاء في حديث عبدالله بن زيد في "الصحيحين": أنه بدأ بمقدم رأسه حتى ذهب بهما إلى قفاه، ثم ردَّهما إلى المكان الذي بدأ منه، هذا هو المشروع، هذا هو الأفضل، وإن مسح المقدم من منصب الرأس، والمؤخر كذلك، أو على أي كيفيةٍ أجزأ، المقصود مسح الرأس على أي كيفيةٍ فعل أجزأه، لكن كونه يمسحه كما في حديث عبدالله بن زيد هو الأفضل، يبدأ بمقدمه مارًّا بيديه إلى مُؤخره، ثم يردّهما إلى المكان الذي بدأ منه، هذا هو الأفضل.

س: ما كيفية الإقبال والإدبار في المسح؟

الشيخ: يبدأ بمقدمه مارًّا بيديه إلى قفاه، هذا الإدبار، والإقبال أن يردَّهما إلى المكان الذي بدأ منه، أدبر بهما إذا بدأ بالمقدم، ثم ذهب بهما إلى قفاه، ثم ردَّهما، هذا مقبل بهما، والواجب مسحة واحدة فقط، على أي كيفيةٍ صارت، سواء بدأ بالمقدم، أو بالمؤخر، أو بالوسط، المقصود أن يمسحه؛ لقوله تعالى: وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ، لكن كونه يبدأ بالمقدم إلى قفاه ثم يردهما إلى المكان الذي بدأ منه هذا هو الأفضل؛ لما ثبت في حديث عبدالله بن زيد وغيره في "الصحيحين".

س: وبالسنة للحناء التي تضعها على رأسها؟

الشيخ: تمسح عليها، تقول عائشةُ: كنا نمسح على الضمادات. ما كان على رأسها من حناءٍ أو غيره تمسح عليه ولا يضرّ.

س: يختلف الحكم في شعر الرأس بين الغسل من الحدث الأكبر والوضوء؟

الشيخ: لا يختلف، إذا عمَّه بالماء كفى، لكن نقضه أفضل في الحيض خاصةً، وإلا في الجنابة يكفي كونه يمر الماء على رأسه مثلما كان النبيُّ ﷺ يفيض الماء على رأسه، وسألته أمُّ سلمة قالت: إني أشدّ شعر رأسي في الغسل، أفأنقضه لغسل الجنابة؟ قال: إنما يكفيكِ أن تحثي عليه ثلاث حثيات ثم تطهرين، فالجنابة أسهل، وأما الحيض فالنَّقض أفضل، وإن لم تنقض أجزأ، وهكذا النِّفاس.

س: ما الحكم لو مسح بيدٍ واحدةٍ؟ هل يُجزئ؟

الشيخ: يُجزئ نعم، ولو بيدٍ واحدةٍ، لكن الأفضل باليدين.

س: وحدود الرأس ما هي؟

الشيخ: من مقدم الرأس إلى منابت الشعر، حدرًا من أسفله، أما الرقبة لا تمسح، يمسح منابت الشعر فقط، ما على منابت الشعر من الرأس: من مقدمه إلى مُؤخره، ومن مُؤخره إلى مُقدمه.

س: المشهور عند الفقهاء أنَّ شعر الرأس لا يمسح إلا مرة واحدة، خلافًا لباقي الأعضاء، لكن حديث الربيع دلَّ على أنه مسح مرتين، هل هناك ضعف؟

الشيخ: هذا ما هو مسحتين، بل أراد مرتين، يعني: من جهة المقدم والمؤخر؛ مرة ذهب بيديه إلى قفاه، ومرة ذهب بهما إلى وجهه، يعني: إلى منصب الشعر، ولكن حديث الربيع ضعيف، الصواب حديث عبدالله بن زيد.

 

بَابُ هَلْ يُسَنُّ تَكْرَارُ مَسْحِ الرَّأْسِ أَمْ لَا

- عَنْ أَبِي حَبَّةَ قَالَ: رَأَيْتُ عَلِيًّا تَوَضَّأَ فَغَسَلَ كَفَّيْهِ حَتَّى أَنْقَاهُمَا، ثُمَّ مَضْمَضَ ثَلَاثًا، وَاسْتَنْشَقَ ثَلَاثًا، وَغَسَلَ وَجْهَهُ ثَلَاثًا، وَذِرَاعَيْهِ ثَلَاثًا، وَمَسَحَ بِرَأْسِهِ مَرَّةً، ثُمَّ غَسَلَ قَدَمَيْهِ إلَى الْكَعْبَيْنِ، ثُمَّ قَالَ: أَحْبَبْتُ أَنْ أُرِيَكُمْ كَيْفَ كَانَ طُهُورُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ. رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ.

- وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ : أَنَّهُ رَأَى رَسُولَ اللَّه ﷺ يَتَوَضَّأُ، فَذَكَر الْحَدِيثَ كُلَّهُ ثَلَاثًا، ثَلَاثًا، وَمَسَحَ بِرَأْسِهِ وَأُذُنَيْهِ مَسْحَةً وَاحِدَةً. رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُد.

- وَلِأَبِي دَاوُد عَنْ عُثْمَانَ : أَنَّهُ تَوَضَّأَ مِثْلَ ذَلِكَ، قَالَ: هَكَذَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَتَوَضَّأُ.

الشيخ: وهذا هو السنة: مسحة واحدة، الأعضاء كلها ثلاثًا ثلاثًا، هذا هو الأفضل، وإن غسل كل عضوٍ مرةً أو مرتين أجزأ، أو بعضها مرتين، وبعضها ثلاثًا، أو بعضها مرتين، وبعضها واحدةً أجزأ، لكن الأفضل ثلاثًا ثلاثًا، إلا الرأس فإنه يمسحه مسحةً واحدةً، أما ما جاء في بعض الروايات أنه مسح رأسه ثلاثًا، فهو حديث ضعيف، الصواب أنه مسح الرأس والأذنين مرة واحدة، أما الوجه واليدان والقدمان فالأفضل فيها ثلاثًا ثلاثًا.

س: مَن ترك مسحهما بحجة أنَّ الله لم يذكر الأذنين في سورة المائدة؟

الشيخ: لا، يجب مسحهما؛ لأنهما من الرأس، الأذنان من الرأس، مسح النبيُّ ما عليهما مع الرأس، وهما من الرأس، فلا بدَّ من مسحهما.

س: وبالنسبة للوضوء: مَن ترك المسح على الأذنين ما حكم وضوئه؟

الشيخ: غير صحيح.

س: نود أن نتعرف على الصفة الصَّحيحة لمسح الأذنين؟

الشيخ: يمر بيديه على رأسه، بادئًا بمقدمه إلى قفاه، ثم يردّهما إلى ما بدأ منه، هذا هو الأفضل، وإن بدأ من وسط الرأس مُؤخرًا ثم مُقدمًا فلا بأس، وإن بدأ بمُؤخره ثم ذهب بيديه إلى المقدمة فلا بأس، الأمر واسع، لكن السنة والأفضل أن يبدأ بالمقدم، ثم يمر بيديه على الرأس كله إلى مُؤخره، ثم يردّهما إلى المكان الذي بدأ منه، هذا هو الثابت في "الصحيحين" من حديث عبدالله بن زيد بن عاصم الأنصاري.

س: استحبَّ بعضُ العلماء أن يأخذ المتوضِّئ ماءً جديدًا للأذنين، هل له دليل سماحة الشيخ؟

الشيخ: الصواب لا يمسحهما مع الرأس، لا يأخذ له ماءً جديدًا، الصواب أنهما يُمسحان مع الرأس كما فعل النبي ﷺ.

س: ما معنى قول الشارح: رجاله رجال الصَّحيح؟

الشيخ: يعني: مُخرج لهم في الصحيح: إما البخاري، وإما مسلم، إذا قال: رجاله رجال الصحيح، يعني أنَّ البخاري أو مسلمًا قد خرج لهؤلاء الرجال.

س: ما يقول عند بعض المؤلفين إذا أورد حديثًا قال: على شرط الشيخين. يعني: البخاري ومسلم، هل يقطع بصحة الحديث؟

الشيخ: نعم، على شرطهما يعني: أنه متصل، ليس فيه علة: لا تدليس، ولا غيره، هذا هو شرط الشيخين، يعني: متَّصل بالثِّقات بدون علةٍ.

س: أخيرًا ما رأيكم في كتاب "المستدرك على الصحيحين"؟

الشيخ: "المستدرك" فيه أغلاط، وفيه أوهام للمؤلف رحمه الله، فيه أوهام كثيرة.

بَابٌ في أَنَّ الْأُذُنَيْنِ مِنَ الرَّأْسِ، وَأَنَّهُمَا يُمْسَحَانِ بِمَائِهِ

- قَدْ سَبَقَ فِي ذَلِكَ حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ ، وَلِابْنِ مَاجَهْ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: الْأُذُنَانِ مِنَ الرَّأْسِ.

- وَعَنِ الصُّنَابِحِيِّ: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: إذَا تَوَضَّأَ الْعَبْدُ الْمُؤْمِنُ فَتَمَضْمَضَ خَرَجَتِ الْخَطَايَا مِنْ فِيهِ، وَذَكَرَ الْحَدِيثَ، وَفِيهِ: فَإِذَا مَسَحَ بِرَأْسِهِ خَرَجَتِ الْخَطَايَا مِنْ رَأْسِهِ، حَتَّى تَخْرُجَ مِنْ أُذُنَيْهِ. رَوَاهُ مَالِكٌ، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ.

وقوله: تخرج من أذنيه إذا مسح رأسه دليل على أنَّ الأذنين داخلتان في مسماه ومن جُملته.

الشيخ: الأذنان من الرأس فإذا مسح رأسه خرجت خطاياه مع الماء من عند أذنيه، وهكذا غسل وجهه، وهكذا إلى آخره.

المقصود أنَّ الوضوء كفَّارة للسيئات كما في حديث عثمان: إذا توضأ كما أمره الله غفر له. وفي اللفظ الآخر: ثم صلَّى ركعتين لا يُحدِّث فيهما نفسه غفر الله له.

فالوضوء من أسباب المغفرة والسلامة من الخطايا، سواء كانت خطايا وجه، أو يد، أو رأس، أو فم، أو رجل، وهذا وعدٌ بالمغفرة يُرجا للمؤمن حصوله إن لم يمنعه مانعٌ، وهو فعل الكبائر، الكبائر تمنع حصول هذه الفضائل، قال تعالى: إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ [النساء:31]، فشرط سبحانه اجتناب الكبائر في تكفير السيئات الصَّغائر.

وقال عليه الصلاة والسلام: الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان كفَّارات لما بينهنَّ إذا اجتنب الكبائر.

فالواجب على المؤمن وعلى المؤمنة الحذر من السيئات، فإن فعل السيئات من أسباب حرمان المغفرة، ولا سيما كبائر الذنوب، وهي المعاصي العظيمة التي جاء فيها الوعيد بالنار، أو بالغضب، أو ما أشبه ذلك، وهكذا ما جاء من الوعيد في نفي الإيمان عن صاحبه، أو أنه "ليس منا"، أو أنَّ الرسول بريء منه، كل هذا تُعتبر من الكبائر، ولا حول ولا قوة إلا بالله، مثل قوله ﷺ: ليس منا مَن ضرب الخدود، أو شقَّ الجيوب، أو دعا بدعوى الجاهلية يعني: عند المصيبة، ومثل قوله ﷺ: أنا بريء من الصَّالقة والحالقة والشَّاقة يعني: عند المصيبة.

فالواجب على المؤمن والمؤمنة الحذر من جميع السيئات، والوضوء من أسباب المغفرة، الوضوء من أسباب المغفرة، ولا سيما إذا صلَّى بعده ركعتين فإنه من أسباب المغفرة، إذا اجتنب الكبائر.

فالواجب على المؤمن أن يحذر الكبائر، وأن يبتعد عنها، وأن يتوب إلى الله منها؛ حتى تكون أعماله الصَّالحة من صلاةٍ وصومٍ وحجٍّ وجهادٍ ووضوءٍ من أسباب التَّكفير لصغائر ذنوبه.

بَابُ مَسْحِ ظَاهِرِ الْأُذُنَيْنِ وَبَاطِنِهِمَا

- عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ مَسَحَ بِرَأْسِهِ وَأُذُنَيْهِ ظَاهِرِهِمَا وَبَاطِنِهِمَا بإبهاميه. رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ.

وَلِلنَّسَائِيِّ: مَسَحَ بِرَأْسِهِ وَأُذُنَيْهِ، بَاطِنهمَا بِالسباحتين، وَظَاهِرهمَا بِإِبْهَامَيْهِ.

الشيخ: كل هذا يدل على أنَّ السنة مسح الرأس والأذنين، وهذا فرضٌ كما تقدم، أحد الفروض الأربعة، وهو الفرض الثالث من فروض الوضوء، يمسح برأسه وأذنيه، ويُدخل أصبعيه السباحتين في أذنيه، ويمسح بإبهاميه ظاهر أذنيه، هذا هو الكمال والأفضل، وكيفما مسح أجزأ، على أي جهةٍ مسح، وعلى أي كيفيةٍ أجزأ، سواء مسح بيدٍ واحدةٍ، أو باليدين، بدأ بالمقدم أو بالمؤخر، مسح بإصبعيه السباحتين، أو بالوسطى، أو بالخنصر، أو بالإبهام، المقصود المسح، لكن كونه يتحرى فعل النبي ﷺ هذا هو الأفضل، يتحرى فيمسح بكفيه على رأسه كله، ويمسح بأصبعيه باطن أذنيه وظاهر أذنيه، هذا هو الأفضل.

س: الصفة المذكورة في حديث ابن عباسٍ هل هي واجبة؟

الشيخ: تقدم، واجبة، لا بدّ منها، مسح الرأس لا بد، لكن الكيفية ما هو بلازم كونه يمسح رأسه وأذنيه، هذا الواجب، فرض، لكن كونه يمسح بأذنيه بالإبهام ظاهرهما، وبالسباحتين باطنهما، هذا هو الأفضل، لو مسح بغير السباحتين، أو مسح بغير الإبهامين أجزأ.

 

بَابُ مَسْحِ الصُّدْغَيْنِ وَأَنَّهُمَا مِنَ الرَّأْسِ

- عَنِ الرُّبَيِّعِ بِنْتِ مُعَوِّذٍ قَالَتْ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ تَوَضَّأَ فَمَسَحَ بِرَأْسِهِ، وَمَسَحَ مَا أَقْبَلَ مِنْهُ وَمَا أَدْبَرَ، وَصُدْغَيْهِ وَأُذُنَيْهِ مَرَّةً وَاحِدَةً. رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَال: حَدِيثٌ حَسَنٌ.

 

الشيخ: وهذا هو الثابت في "الصحيحين" وفي غيرهما: مسح الرأس والأذنين، وفي هذا أنه مسح برأسه وأذنيه وصُدغيه، الصُّدغين: ما فوق العظم الذي في الخدين، هذان الصدغان من الرأس، يمسح بإبهامه مع الرأس .....، يمسح رأسه وصدغيه كما يمسح أذنيه ظاهرهما وباطنهما.

س: كم عدد مرات المسح؟

الشيخ: مرة واحدة، كله واحدة، مرة واحدة.

س: صحة الحديث؟

الشيخ: لا بأس به.

بَابُ مَسْحِ الْعُنُقِ

- عَنْ لَيْثٍ، عَنْ طَلْحَةَ بْنِ مُصَرِّفٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ: أَنَّهُ رَأَى رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَمْسَحُ رَأْسَهُ حَتَّى بَلَغَ الْقَذَالَ وَمَا يَلِيهِ مِنْ مُقَدَّمِ الْعُنُقِ. رَوَاهُ أَحْمَدُ.

الشيخ: الحديث ضعيف، طلحة بن مصرف ضعيف، وليث بن أبي سليمان ضعيف، والسنة عدم مسح العنق، ينتهي عند منابت الشعر فقط، أما كونه يمسح العنق فهذا ليس بصحيحٍ، ولم يثبت عن النبي ﷺ، وهذا السند الذي ذكره المؤلفُ ضعيف، وإنما السنة أن يمسح منابت الشعر من مقدمه إلى نهاية منابت العشر، أما العنق لا.

س: إذا حكمنا بضعف الحديث فهل يبطل العمل بما فيه؟

الشيخ: نعم، ما يشرع، يكون العمل غير مشروع.

س: هل نقول أن مَن مسح العنق فهو مُبتدع؟

الشيخ: يعلم أنه مكروه وغير مشروع، وإذا تعبد به يكون بدعةً، كل عبادةٍ ليس لها دليل تكون بدعةً، البدع تكون في العبادات.

س: إذا حكم المحدِّثون على حديثٍ بأن في إسناده مَن هو متهم بالكذب أو بالوضع، فهل يُحكم على هذا الحديث بالوضع؟

الشيخ: إذا كان في سنده مَن هو متهم بالوضع أو كذَّاب يُحكم عليه بأنه غير صحيحٍ، موضوع.

س: ما الفرق بين قول المحدثين: صحيح الإسناد، وحديث صحيح؟

الشيخ: المعنى واحد.

بَابُ جَوَازِ الْمَسْحِ عَلَى الْعِمَامَةِ

- عَنْ عَمْرِو بْنِ أُمَيَّةَ الضَّمْرِيِّ قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَمْسَحُ عَلَى عِمَامَتِهِ وَخُفَّيْهِ. رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَالْبُخَارِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ.

- وَعَنْ بِلَالٍ قَالَ: مَسَحَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَلَى الْخُفَّيْنِ وَالْخِمَارِ. رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا الْبُخَارِيَّ وَأَبَا دَاوُد.

وَفِي رِوَايَةٍ لِأَحْمَدَ: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: امْسَحُوا عَلَى الْخُفَّيْنِ وَالْخِمَارِ.

- وَعَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ قَالَ: تَوَضَّأَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وَمَسَحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ وَالْعِمَامَةِ. رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ.

- وَعَنْ سَلْمَانَ: أَنَّهُ رَأَى رَجُلًا قَدْ أَحْدَثَ وَهُوَ يُرِيدُ أَنْ يَخْلَعَ خُفَّيْهِ، فَأَمَرَهُ سَلْمَانُ أَنْ يَمْسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ وَعَلَى عِمَامَتِهِ، وَقَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَمْسَحُ عَلَى خُفَّيْهِ وَعَلَى خِمَارِهِ.

- وَعَنْ ثَوْبَانَ قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ تَوَضَّأَ وَمَسَحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ وَالْخِمَارِ. رَوَاهُمَا أَحْمَدُ.

- وَعَنْ ثَوْبَانَ قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ سَرِيَّةً، فَأَصَابَهُم الْبَرْدُ، فَلَمَّا قَدِمُوا عَلَى النَّبِيِّ ﷺ شَكَوْا إلَيْهِ مَا أَصَابَهُمْ مِنَ الْبَرْدِ، فَأَمَرَهُمْ أَنْ يَمْسَحُوا عَلَى الْعَصَائِبِ وَالتَّسَاخِينِ. رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُد.

الشيخ: هذه الأحاديث كلها تدل على شرعية المسح على العمامة مع الخفَّين، وتسمى العمامة: خمارًا أيضًا؛ لأنها تخمر الرأس، تستر الرأس، تُسمى خمارًا، وتُسمى ..... المرأة خمارًا، ما تضع على رأسها يُسمى: خمارًا أيضًا، فدلت السنةُ على أنه لا بأس بمسح العمامة، كما يمسح الخفين.

وفي حديث المغيرة أنه مسح على العمامة وما ظهر من رأسه في غزوة تبوك، مسح على العمامة وناصيته، فإذا كانت العمامةُ قد غطت شيئًا من الرأس يمسح ما بدا من الرأس مع العمامة، كما فعله النبيُّ ﷺ، ويمسح على خُفَّيه السَّاترين قدميه يومًا وليلةً إذا كان مُقيمًا، في الخفَّين والعمامة جميعًا، وإن كان مُسافرًا مسح ثلاثة أيام بلياليها، الرجل والمرأة، إذا كان على المرأة خُفَّان كذلك، أو عليها خمار قد حوته على رأسها، ويشقّ نزعه تمسح عليه إذا لبسته على طهارةٍ، فالرجل يمسح على العمامة التي لبسها على طهارةٍ مُحنكة، والمرأة تمسح على الخمار الذي لبسته مضبوطًا على رأسها مُحنَّكًا؛ لأنَّ في نزعه مشقةً إذا كانت لبسته على طهارةٍ كالخفَّين.

س: هل لمسح العمامة وقتٌ كالخفَّين؟

الشيخ: كالخفَّين، سواء في الإقامة يوم وليلة، وفي السفر ثلاثة أيام بلياليها.

س: في قوله تعالى: وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ [المائدة:6] قراءتان: بكسر اللام، والفتح، ما توجيه القراءتين؟

الشيخ: النَّصب عطفًا على وجوه: فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ يعني: الغسل، والجرّ قيل: للمُجاورة، لما جاورت الرؤوس جُرَّت: {وأرجلِكم}، وقيل: معناه عطفت على الرؤوس؛ لأنَّ الغسل يكون خفيفًا، لا ينبغي التَّكلف فيه؛ لأنها رجل ما ينبغي التَّكلف.

والصواب أنها تُغسل، لا بدَّ من غسلهما، والصواب قراءتها بالفتح عطفًا على الوجوه؛ لأنَّ الرسول ﷺ كان يغسل قدميه، ولم يُحفظ ولا مرة واحدة أنه مسح، والرسول ﷺ فعله يُفسر لنا القرآن، الرسول هو المفسر، قال الله تعالى: وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ [النحل:44]، فالرسول ﷺ هو الذي يُفسر القرآن للمسلمين، وقد فسَّره بغسل قدميه، ولم يمسحهما، فدلَّ على أنهما لا تُمسحان إلا إذا كان بالخفَّين أو الجوربين، أما إذا كانتا مكشوفتين فإنَّ الواجب غسلهما كالوجه واليدين.

س: المسح على الطربوش ما حكمه؟

الشيخ: لا يمسح عليه إلا إذا كانت عمامةً مُحنَّكةً، أما القبع لا، القبع والطاقية لا يمسح عليهما.

 

بَابُ مَا يَظْهَرُ مِنَ الرَّأْسِ غَالِبًا مع الْعِمَامَةِ

- عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ تَوَضَّأَ فَمَسَحَ بِنَاصِيَتِهِ، وَعَلَى الْعِمَامَةِ وَالْخُفَّيْنِ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

 

الشيخ: إذا ظهر من الرأس شيءٌ يمسح على الناصية والعمامة جميعًا، كما في حديث المغيرة، الرسول مسح على العمامة والناصية، فإذا كانت العمامةُ قد أبدت مقدمَ الرأس فإنه يمسح عليها وعلى مقدم الرأس، وهكذا الخفَّان يمسح عليهما جميعًا.

المقدم: شكر الله لكم يا سماحة الشيخ، وبارك الله فيكم وفي علمكم، ونفع بكم الإسلام والمسلمين.