تفسير قوله تعالى: {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا..}

وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا [النساء:36].

يَأْمُرُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى بِعِبَادَتِهِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، فَإِنَّهُ هُوَ الْخَالِقُ الرَّازِقُ الْمُنْعِمُ الْمُتَفَضِّلُ عَلَى خَلْقِهِ فِي جَمِيعِ الْآنَاتِ وَالْحَالَاتِ، فَهُوَ الْمُسْتَحِقُّ مِنْهُمْ أَنْ يُوَحِّدُوهُ وَلَا يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا مِنْ مَخْلُوقَاتِهِ، كَمَا قَالَ النَّبِيُّ ﷺ لِمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ: أَتَدْرِي مَا حَقُّ اللَّهِ على العبادِ؟ قال: الله ورسوله أَعْلَمُ. قَالَ: أَنْ يَعْبُدُوهُ وَلَا يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا. ثُمَّ قَالَ: أَتَدْرِي مَا حَقُّ الْعِبَادِ عَلَى اللَّهِ إِذَا فَعَلُوا ذلك؟ ألَّا يُعَذِّبَهُمْ.

الشيخ: وهذا الحقُّ هو أعظم الحقوق وأوجبها، وهو توحيد الله، وإخلاص العبادة له في ربوبيته، وإلهيته، وأسمائه، وصفاته؛ لأنَّه سبحانه الخلَّاق، الرَّزاق، المالك لكل شيءٍ، والقادر على كل شيءٍ، فوجب أن يُعبد وحده دون كلِّ ما سواه بالخضوع والذلِّ والخوف والرَّجاء، وصرف جميع العبادة له وحده ، مع الإيمان بأنَّه الخلَّاق، الرَّزاق، الكامل في أسمائه وصفاته، لا شبيهَ له، ولا كفؤ له، ولا ندَّ له، كما قال جلَّ وعلا: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [الذاريات:56]، خُلِقُوا لهذا الأمر العظيم، خُلِقُوا ليعبدوا الله، وذلك هو توحيده، والإخلاص له، وطاعة أوامره، وترك نواهيه، والوقوف عند حدوده، هذه هي العبادة التي خُلِقَ الناسُ لها: أن يخصُّوه بالعبادة في صلاتهم، وصومهم، وذبحهم، ونذرهم، ودُعائهم، واستغاثتهم، وغير ذلك، وخوفهم، ورجائهم، فهو المعبود بالحقِّ ، قال تعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ [البقرة:21]، وقال هنا في سورة النِّساء: وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا.

وهذه الآية يُقال لها: آية الحقوق العشرة، اشتملت على عشرة حقوق، وأهمها وأولها توحيد الله، والإخلاص له، تخصيصه بالعبادة، وترك الإشراك به.

فالواجب على أهل العلم -خلفاء الرسل- أن يُعنوا بهذا الواجب، وأن يُوضِّحوه للناس، وأن يجتهدوا في نشره بين الناس، وتعليم الصِّغار والكبار، والذكور والإناث؛ لأنَّه أهم الأمور، وأعظم الحقوق؛ ولهذا لما سُئل النبيُّ ﷺ، سأله ابنُ مسعودٍ قال: يا رسول الله، أيُّ الذَّنب أعظم؟ قال: أن تجعل لله ندًّا وهو خلقك يعني: شريكًا في العبادة، وقال ﷺ: ألا أُنبئكم بأكبر الكبائر؟ ألا أُنبئكم بأكبر الكبائر؟ ألا أُنبئكم بأكبر الكبائر؟ قلنا: بلى يا رسول الله. قال: الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، وقول الزور، وشهادة الزور، هكذا جاء في "الصحيحين" من حديث أبي بكرة .

وقد عمَّ الشِّركُ وانتشر، ولم يسلم منه إلَّا مَن رحم الله، كما قال تعالى: وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ [سبأ:20].

فالواجب مُضاعفة الجهود في بيان هذا الحقّ العظيم، مع بيان ما نهى اللهُ عنه من سائر المعاصي، ومع بيان ما أوجب اللهُ من سائر الطَّاعات.

ثُمَّ أَوْصَى بِالْإِحْسَانِ إِلَى الْوَالِدَيْنِ، فَإِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ جَعَلَهُمَا سَبَبًا لِخُرُوجِكَ مِنَ الْعَدَمِ إِلَى الْوُجُودِ، وَكَثِيرًا مَا يَقْرِنُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ بَيْنَ عِبَادَتِهِ وَالْإِحْسَانِ إِلَى الْوَالِدَيْنِ، كَقَوْلِهِ: أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ [لقمان:14]، وَكَقَوْلِهِ: وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا [الإسراء:23].

ثم عطف على الإحسان إليهما الْإِحْسَانَ إِلَى الْقَرَابَاتِ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ، كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ: الصَّدَقَةُ عَلَى الْمِسْكِينِ صَدَقَةٌ، وَعَلَى ذِي الرَّحِمِ صَدَقَةٌ وَصِلَةٌ.

ثُمَّ قَالَ تعالى: وَالْيَتَامَى وذلك لأنَّهم فَقَدُوا مَنْ يَقُومُ بِمَصَالِحِهِمْ، وَمَنْ يُنْفِقُ عَلَيْهِمْ، فَأَمَرَ اللَّهُ بِالْإِحْسَانِ إِلَيْهِمْ، وَالْحُنُوِّ عَلَيْهِمْ.

ثُمَّ قَالَ: وَالْمَسَاكِينِ وَهُمُ الْمَحَاوِيجُ مِنْ ذَوِي الْحَاجَاتِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يَقُومُ بِكِفَايَتِهِمْ، فَأَمَرَ الله سبحانه بِمُسَاعَدَتِهِمْ بِمَا تَتِمُّ بِهِ كِفَايَتُهُمْ، وَتَزُولُ بِهِ ضَرُورَتُهُمْ، وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى الْفَقِيرِ وَالْمِسْكِينِ فِي سُورَةِ بَرَاءَةَ.

وَقَوْلُهُ: وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ.

قَالَ عَلِيُّ ابْنُ أَبِي طَلْحَةَ: عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى يَعْنِي: الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ قَرَابَةٌ، وَالْجَارِ الْجُنُبِ الَّذِي لَيْسَ بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ قَرَابَةٌ.

وَكَذَا رُوِيَ عَنْ عِكْرِمَةَ وَمُجَاهِدٍ وَمَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ وَالضَّحَّاكِ وَزَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ وَمُقَاتِلِ بْنِ حَيَّانَ وَقَتَادَةَ.

وَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ: عَنْ نَوْفٍ البكالِيِّ فِي قَوْلِهِ: وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى يعني: الجار الْمُسْلِمَ، وَالْجَارِ الْجُنُبِ يَعْنِي: الْيَهُودِيَّ وَالنَّصْرَانِيَّ. رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ.

وَقَالَ جَابِرٌ الجعفي: عن الشَّعبي، عن عليٍّ وابن مسعودٍ: وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى يَعْنِي: الْمَرْأَةَ.

الشيخ: وهذا ليس بجيدٍ؛ فرواية جابر الجعفيّ ليست بشيءٍ، والصواب أنَّ الجارَ ذي القربى: الجار القريب، كالعمِّ وابن العمِّ والأخ ونحو ذلك، يكون له حقَّان: حقّ الإسلام، وحقّ القرابة. والجار الجنب: غير القريب، يكون له حقُّ الجوار، حقّ الإسلام، وأمَّا الجار القريب فله حقوق: حقّ الجوار، وحقّ القرابة، وحقّ الإسلام. ثلاثة حقوق، أما الجار الكافر فله حقٌّ واحدٌ، وهو حقّ الجوار.

س: مَن يُقصد بالمرأة؟

ج: الزوجة، لكن الزوجة تأتي في الصَّاحب بالجنب، الصَّاحب بالجنب: الزوجة، وقيل: هو الرَّفيق في السَّفر.

وَقَالَ مُجَاهِدٌ أَيْضًا فِي قَوْلِهِ: وَالْجَارِ الْجُنُبِ يَعْنِي: الرَّفِيقَ فِي السَّفَرِ. وَقَدْ وَرَدَتِ الْأَحَادِيثُ بِالْوَصَايَا بِالْجَارِ، فلنذكر منها ما تيسر، والله الْمُسْتَعَانُ.

الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ: قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عُمَرَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ زَيْدٍ: أَنَّهُ سَمِعَ أَبَاهُ مُحَمَّدًا يُحَدِّثُ عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ عُمَرَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: مَا زَالَ جِبْرِيلُ يُوصِينِي بِالْجَارِ حَتَّى ظننتُ أنه سيُورثه. أخرجاه في "الصحيحين" مِنْ حَدِيثِ عُمَرَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَبْدِاللَّهِ بْنِ عُمَرَ بِهِ.

الْحَدِيثُ الثَّانِي: قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ شَابُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ عمرٍو قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: مَا زَالَ جِبْرِيلُ يُوصِينِي بِالْجَارِ حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّهُ سَيُوَرِّثُهُ.

............

مُداخلة: في نسخة الشّعب: عن عبدالله بن عمرو؟

الشيخ: ما هو ببعيدٍ؛ لأنَّ حديثَ ابن عمر تقدّم في "الصَّحيحين"، كأنَّ هذا شاهدٌ له من حديث عبدالله بن عمرو، يُراجع "المسند" عن عبدالله بن عمرو.

مُداخلة: .........

الشيخ: طيب، عبدالله بن عمرو هو أقرب، حديث ابن عمر تقدّم.

الطالب: داود بن شابور -بالمعجمة والموحدة- أبو سليمان، المكي، وقيل: إنَّ اسم أبيه عبدالرحمن، وشابور جدّه، ثقة، من السادسة. (بخ، ت، س).

وَرَوَى أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ نَحْوَهُ مِنْ حَدِيثِ سُفْيَانَ بن عيينة، عن بشير أبي إسماعيل. زَادَ التِّرْمِذِيُّ: وَدَاوُدَ بْنِ شَابُورٍ. كِلَاهُمَا عَنْ مُجَاهِدٍ بِهِ. ثُمَّ قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَسَنٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ مُجَاهِدٍ، عن عَائِشَةَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ.

والحديث الثالث: قَالَ أَحْمَدُ أَيْضًا: حَدَّثَنَا عَبْدُاللَّهِ بْنُ يَزِيدَ: أَخْبَرَنَا حَيْوَةُ: أَخْبَرَنَا شُرَحْبِيلُ بْنُ شَرِيكٍ: أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا عَبْدِالرَّحْمَنِ الْحُبُلِيَّ يُحَدِّثُ عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ قَالَ: خَيْرُ الْأَصْحَابِ عِنْدَ اللَّهِ خَيْرُهُمْ لِصَاحِبِهِ، وَخَيْرُ الْجِيرَانِ عِنْدَ اللَّهِ خَيْرُهُمْ لِجَارِهِ.

وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ، عَنْ حَيْوَةَ بْنِ شُرَيْحٍ به، وقال: حَسَنٌ غَرِيبٌ.

الشيخ: انظر شرحبيل بن شريك، نعم.

الْحَدِيثُ الرَّابِعُ: قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَبْدُالرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبَايَةَ بْنِ رِفَاعَةَ، عَنْ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: لَا يَشْبَعُ الرَّجُلُ دُونَ جَارِهِ، تَفَرَّدَ بِهِ أَحْمَدُ.

الشيخ: انظر عباية بن رفاعة.

الطالب: شرحبيل بن شريك صوابه: شريك بن حنبل.

قال: شريك بن حنبل، العبسي، الكوفي، وقيل: ابن شرحبيل، ثقة، من الثانية، ولم يثبت أنَّ له صُحبةً. (د، ت).

الثاني: شرحبيل بن شريك، المعافري، أبو محمد، المصري، ويقال: شرحبيل بن عمرو بن شريك، صدوق، من السادسة. (بخ، م، د، ت، س).

الشيخ: هذا هو، نعم، انظر عباية بن رفاعة، أخشى أنَّه ما سمع من عمر.

س: ............؟

ج: الأخير، الثاني: عبدالله بن عمرو، والأول: عبدالله بن عمر.

س: ............؟

ج: طيب، مثلما في نسخة الشعب؛ ولهذا يُستحسن لما ذكر عبدالله بن عمرو أن يزيد: ابن العاص؛ لأنَّ الواو قد يحذفها بعضُ الناس، وقد تشتبه، إذا زاد: ابن العاص اتَّضح الأمر، والأمر لا يضرّ، كلاهما صحابي ثقة .

س: صحّة حديث شرحبيل بن شريك؟

ج: طيب، جيد، صحيح: خير الجيران خيرُهم لجاره، وخيرُ الأصحاب خيرُهم لصاحبه، نعم.

الطالب: عباية -بفتح أوله والموحدة الخفيفة، وبعد الألف تحتانية خفيفة- ابن رفاعة بن رافع بن خديج، الأنصاري، الزُّرقي، أبو رفاعة، المدني، ثقة، من الثالثة. (ع).

الشيخ: من الثالثة، يمكن سمع من عمر.

الْحَدِيثُ الْخَامِسُ: قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِاللَّهِ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلِ بْنِ غَزْوَانَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ الْأَنْصَارِيُّ: سَمِعْتُ أَبَا ظَبْيَةَ الْكَلَاعِيَّ: سَمِعْتُ الْمِقْدَادَ بْنَ الْأَسْوَدِ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ لِأَصْحَابِهِ: مَا تَقُولُونَ فِي الزِّنَا؟ قَالُوا: حَرَامٌ، حَرَّمَهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ، فَهُوَ حَرَامٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: لَأَنْ يَزْنِيَ الرَّجُلُ بِعَشْرِ نِسْوَةٍ أَيْسَرُ عَلَيْهِ مِنْ أَنْ يَزْنِيَ بِامْرَأَةِ جَارِهِ، قَالَ: مَا تَقُولُونَ فِي السَّرِقَةِ؟ قَالُوا: حَرَّمَهَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ، فَهِيَ حَرَامٌ. قَالَ: لَأَنْ يَسْرِقَ الرَّجُلُ مِنْ عَشْرَةِ أَبْيَاتٍ أَيْسَرُ عَلَيْهِ مِنْ أَنْ يَسْرِقَ مِنْ جَارِهِ. تَفَرَّدَ بِهِ أَحْمَدُ، وَلَهُ شَاهِدٌ فِي "الصَّحِيحَيْنِ" مِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيُّ الذَّنْبِ أَعْظَمُ؟ قَالَ: أَنْ تَجْعَلَ لِلَّهِ نِدًّا وَهُوَ خَلَقَكَ، قُلْتُ: ثُمَّ أَيُّ؟ قَالَ: أَنْ تَقْتُلَ وَلَدَكَ خَشْيَةَ أَنْ يَطْعَمَ مَعَكَ، قُلْتُ: ثُمَّ أَيُّ؟ قَالَ: أَنْ تُزَانِيَ حَلِيلَةَ جَارِكَ.

الشيخ: لا شكَّ أنَّ الزنا من أعظم الكبائر، لكن مع زوجة الجار يزداد الإثم؛ لأنَّه مع الزنا خان جاره الذي يُطلب منه أن يُحسن إليه، وأن يُكرمه، وأن يأمنه، وهو خان الأمانة، وأساء الجوار، مع فعل الفاحشة؛ فلهذا صارت المعصيةُ في زوجة الجار بالزنا أشدّ وأقبح وأعظم إثمًا من الزنا بالبعيدة، نسأل الله السَّلامة.

س: سند أحمد؟

ج: أعد سند أحمد.

قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِاللَّهِ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلِ بْنِ غَزْوَانَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ الْأَنْصَارِيُّ: سَمِعْتُ أَبَا ظَبْيَةَ الْكَلَاعِيَّ: سَمِعْتُ الْمِقْدَادَ بْنَ الْأَسْوَدِ.

الشيخ: انظر محمد بن سعد الأنصاري، وأبا ظبية الكلاعي، نعم.

الْحَدِيثُ السَّادِسُ: قَالَ الْإِمَامُ أحمدُ: حدَّثنا يزيدُ: حدَّثنا هِشَامٌ، عَنْ حَفْصَةَ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ، عَنْ رَجُلٍ مِنَ الْأَنْصَارِ قَالَ: خَرَجْتُ مِنْ أَهْلِي أُرِيدُ النَّبِيَّ ﷺ، فَإِذَا بِهِ قَائِمٌ وَرَجُلٌ مَعَهُ مُقْبِلٌ عَلَيْهِ، فَظَنَنْتُ أَنَّ لَهُمَا حَاجَةً. قَالَ الْأَنْصَارِيُّ: لَقَدْ قَامَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ حتى جَعَلْتُ أَرْثِي لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ مِنْ طُولِ الْقِيَامِ، فَلَمَّا انْصَرَفَ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَقَدْ قَامَ بِكَ هَذَا الرَّجُلُ حَتَّى جَعَلْتُ أَرْثِي لَكَ مِنْ طُولِ الْقِيَامِ. قَالَ: وَلَقَدْ رَأَيْتَهُ؟ قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: أَتَدْرِي مَنْ هُوَ؟ قُلْتُ: لَا. قَالَ: ذَاكَ جِبْرِيلُ، مَا زَالَ يُوصِينِي بِالْجَارِ حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّهُ سَيُوَرِّثُهُ. ثُمَّ قَالَ: أَمَا إِنَّكَ لَوْ سلَّمْتَ عليه لردَّ عليك السَّلام.

الشيخ: عندك شيء في نسخة الشعب على حفصة؟

الطالب: .........

الشيخ: يحتمل أنها حفصة بنت سيرين، أخت محمد بن سيرين، وهشام لعله الدّستوائي.

الطالب: محمد بن سعد الأنصاري، الشَّامي، صدوق، من السادسة. (بخ، ت، فق).

محمد بن سعد الأنصاري، الأشهلي، أبو سعد المدني، نزيل بغداد، صدوق، من التاسعة، مات على رأس المئتين. (س).

الشيخ: وأبو ظبية؟

الطالب: أبو ظبية -بفتح أوله وسكون الموحدة بعدها تحتانية، ويُقال بمهملة وتقديم التَّحتانية، والأول أصحّ- السُّلفي -بضم المهملة- الكلاعي -بفتح الكاف- نزل حمص، مقبول، من الثانية. (بخ، د، س، ق).

الشيخ: هذا مُقاربٌ، له شواهد، المقبول ..... أبي ظبية مقبول، لكن حديث ..... تُزاني حليلة جارك شاهدٌ لهذا القبح؛ لقبح الإساءة لزوجة الجار، نسأل الله العافية، أشدّ من الزنا بغيرها.

الطالب: أبو ظبية في "الخلاصة" وثَّقه ابنُ معين، وقال الدَّارقطني: ليس به بأسٌ.

الشيخ: ..............

الحديث جيد بهذا، وشاهده حديث ابن مسعودٍ في "الصحيحين"، قلتُ: ثم أيّ؟ قال: أن تُزاني حليلةَ جارك، نسأل الله العافية.

الْحَدِيثُ السَّابِعُ: قَالَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ فِي "مُسْنَدِهِ": حَدَّثَنَا يَعْلَى بْنُ عُبَيْدٍ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ -يَعْنِي الْمَدَنِيَّ- عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِاللَّهِ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ مِنَ الْعَوَالِي، وَرَسُولُ اللَّهِ ﷺ وَجِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ يُصَلِّيَانِ حَيْثُ يُصَلَّى عَلَى الْجَنَائِزِ، فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ الرَّجُلُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَنْ هَذَا الرَّجُلُ الَّذِي رَأَيْتُ مَعَكَ؟ قَالَ: وَقَدْ رَأَيْتَهُ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: لَقَدْ رَأَيْتَ خَيْرًا كَثِيرًا، هَذَا جِبْرِيلُ مَا زَالَ يُوصِينِي بِالْجَارِ حتَّى رأيتُ أَنَّهُ سَيُوَرِّثُهُ. تَفَرَّدَ بِهِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، وَهُوَ شَاهِدٌ لِلَّذِي قَبْلَهُ.

..............

الْحَدِيثُ الثَّامِنُ: قَالَ أَبُو بَكْرٍ الْبَزَّارُ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُاللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ أَبُو الرَّبِيعِ الْمُحاربي: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ ابْنِ أَبِي فُدَيْكٍ: أَخْبَرَنِي عَبْدُالرَّحْمَنِ بْنُ الْفَضْلِ، عَنْ عَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِاللَّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: الْجِيرَانُ ثَلَاثَةٌ: جَارٌ لَهُ حَقٌّ وَاحِدٌ، وَهُوَ أَدْنَى الْجِيرَانِ حَقًّا، وَجَارٌ لَهُ حَقَّانِ، وَجَارٌ لَهُ ثَلَاثَةُ حُقُوقٍ، وَهُوَ أَفْضَلُ الْجِيرَانِ حَقًّا، فَأَمَّا الَّذِي لَهُ حَقٌّ وَاحِدٌ فَجَارٌ مُشْرِكٌ لَا رَحِمَ لَهُ، لَهُ حَقُّ الْجِوَارِ، وَأَمَّا الجار الَّذِي لَهُ حَقَّانِ فَجَارٌ مُسْلِمٌ، لَهُ حَقُّ الْإِسْلَامِ وَحَقُّ الْجِوَارِ، وَأَمَّا الَّذِي لَهُ ثَلَاثَةُ حُقُوقٍ فَجَارٌ مُسْلِمٌ ذُو رَحِمٍ، لَهُ حَقُّ الْجِوَارِ وَحَقُّ الْإِسْلَامِ وَحَقُّ الرَّحِمِ.

قَالَ الْبَزَّارُ: لَا نَعْلَمُ أَحَدًا رَوَى عَنْ عَبْدِالرَّحْمَنِ بْنِ الفضل إِلَّا ابْنَ أَبِي فُدَيْكٍ.

الشيخ: والمعنى صحيحٌ وإن لم يصحّ الخبر؛ لأنَّ الجيرانَ هكذا: جارٌ مسلمٌ له حقَّان، وهكذا جارٌ قريبٌ له حقَّان: حقّ الجوار، وحقّ القرابة. وجار ٌكافرٌ لا قرابةَ له، له حقٌّ واحدٌ، وهو حقّ الجوار. وجارٌ مسلمٌ قريبٌ له ثلاثة: حقّ الجوار، وحقّ الإسلام، وحقّ القرابة.

الطالب: أبو بكر ابن سليمان ابن أبي حثمة عبدالله بن حُذيفة، وقد يُنْسَب لجدِّه، العدوي، المدني، ثقة، عارف بالنَّسَب، من الثالثة. (خ، م، د، ت، س).

أبو بكر ابن عثمان بن سهل بن حنيف، الأنصاري، الأوسي، المدني، مقبول، من السادسة. (خ، م، س).

س: حديث جابر ضعيف؟

ج: يحتاج إلى تأمُّلٍ، سنده طويلٌ يحتاج إلى تأمُّلٍ، لكنَّ معناه صحيحٌ.