باب كراهية النوم قبلها والسمر بعدها إلا في مصلحة

المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على قائد الغر المحجلين نبينا محمدٍ، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أيها الإخوة والأخوات، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وحياكم الله إلى درسٍ جديدٍ من دروس "المنتقى".

ضيف اللقاء هو سماحة العلامة الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن باز، المفتي العام للمملكة العربية السعودية، ورئيس هيئة كبار العلماء.

مع مطلع هذا اللقاء نُرحب بسماحة الشيخ، فأهلًا ومرحبًا يا سماحة الشيخ.

الشيخ: حياكم الله وبارك فيكم.

المقدم: في الدرس السابق حفظكم الله، وفي باب كراهية النوم قبلها والسّمر بعدها إلا في مصلحةٍ، هناك سؤال حقيقة، وأستأذنكم في طرحه، وهو: لا يخفى على سامحتكم واقع كثيرٍ من الناس اليوم من السَّهر الطويل والسّمر الكثير حتى يذهب معظمُ الليل؛ ولهذا آثاره السَّيئة والأضرار الدينية والصحية والاجتماعية، لعلكم تلقون الضوء على ذلك مأجورين.

الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومَن اهتدى بهداه.

أما بعد: فلا شك أنَّ السمر مكروه في الليل، كما قال ﷺ؛ لأنه قد يُفضي إلى النوم عن صلاة الفجر، وقد يُفضي إلى ترك التهجد بالليل؛ ولهذا كان ﷺ ينهى عن النوم قبلها، والسمر بعدها، والسمر بعدها هو الجلوس للتَّحدث والقيل والقال ونحو ذلك، أما كونه يسمر مع أهله -يتحدث مع أهله- فهذا لا بأس به، أو في مصالح المسلمين، أو في مصلحة العلم؛ لحاجته إلى ذلك، لا بأس، لكن يكون سمرًا لا يشقّ عليه، ولا يُسبب نومه عن صلاة الفجر، أو نومه عن تهجده من الليل، كما يفعله كثيرٌ من الناس من السمر في القيل والقال ونحو ذلك، فهذا أقلّ أحواله الكراهة؛ لأنَّ الرسول زجر عنه، وكره السمر بعد صلاة العشاء.

فينبغي لأهل الإسلام الحرص على هذا، وأن يكون سمرهم في مصالح المسلمين، وإلا فليسمر مع أهله، يتحدث مع أهله، ثم ينام؛ حتى يقوم لتهجده من الليل، وحتى يقوم لصلاة الفجر بنشاطٍ، هذا هو الذي ينبغي للمؤمن، وهذا هو الذي أراده النبيُّ ﷺ وأرشد إليه من النَّهي عن السمر بعد العشاء؛ لئلا تقع المصيبة العظيمة، وهي نومه عن صلاة الفجر، أو يُشغل عن تهجده بالليل.

أسأل الله أن يُوفق المسلمين لما فيه رضاه، وأن يُعيذنا وإياهم من كل سوءٍ.

بَابُ تَسْمِيَتِهَا بِالْعِشَاءِ عَلَى الْعَتَمَةِ

- عَنْ مَالِكٍ، عَنْ سَمِيٍّ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: لَوْ يَعْلَمُ النَّاسُ مَا فِي النِّدَاءِ وَالصَّفِّ الْأَوَّلِ ثُمَّ لَمْ يَجِدُوا إلَّا أَنْ يَسْتَهِمُوا عَلَيْهِ لَاسْتَهَمُوا عَلَيْهِ، وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي التَّهْجِيرِ لَاسْتَبَقُوا إلَيْهِ، وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي الْعَتَمَةِ وَالصُّبْحِ لَأَتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْوًا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

زَادَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَتِهِ عَنْ عَبْدِالرَّزَّاقِ: فَقُلْتُ لِمَالِكٍ: أَمَا تَكْرَهُ أَنْ تَقُولَ: الْعَتَمَةَ، قَالَ: هَكَذَا قَالَ الَّذِي حَدَّثَنِي.

الشيخ: يقول ﷺ: لو يعلم الناسُ ما في النِّداء والصفِّ الأول لاستهموا لاستبقوا إليه، كذلك لو يعلمون ما في التَّهجير لاستبقوا إليه، ولو يعلمون ما في العتمة والصبح لأتوهما ولو حبوًا.

هذا يدل على أنَّ السنة الاستباق والمسارعة إلى الصلاة؛ لإدراك الصفِّ الأول، والعناية بالنِّداء، وأنه يُستحب للمؤمن أن يحرص على النِّداء؛ لما فيه من الدَّعوة إلى الله، وإعلان ذكر الله جلَّ وعلا: فلو يعلم الناسُ ما في النِّداء والصفِّ الأول لاستبقوا إليه، فالأذان له شأن عظيم في الدَّعوة إلى الله، وإظهار توحيده ، والدعوة إلى أعظم الواجب بعد الشَّهادتين، والصف الأول له مزية عظيمة، وكذلك التَّهجير والتَّبكير للصلاة، ينبغي الاستباق إليه.

التَّهجير: التبكير.

ولو يعلم الناسُ ما في العتمة والصبح لأتوهما ولو حبوًا، المقصود أنه ينبغي للمؤمن أن يجتهد في المسارعة إلى الصَّلوات، والمبادرة إليها، وأن يحرص على النِّداء إذا يسر الله له أن يكون مُؤذِّنًا؛ لما فيه من الخير العظيم، فإن المنادي -وهو المؤذن- لا يسمع صوتَه أحدٌ إلا شهد له يوم القيامة: من جنٍّ، ولا إنسٍ، ولا حجرٍ، إلا شهد له يوم القيامة.

والصف الأول له منزلته العظيمة، والاستباق إليه، والتهجير إلى الصلوات كلها أمر مطلوب، وكذلك العتمة؛ وهي صلاة العشاء، والأعراب يُسمونها: العتمة؛ لأنهم يعتمون بالإبل، والأفضل أن تُسمَّى: بالعشاء، كما قال ﷺ: لا تغلبنَّكم الأعرابُ على تسميتها بالعتمة، فالسنة أن تُسمى بالعشاء، هذا هو السنة، وهذا هو الأفضل، وإن سُميت بالعتمة فلا حرج، لكن يكون الغالبُ تسميتها العشاء، كما سمَّاها النبي ﷺ، وكما سمَّاها الله جلَّ وعلا.

س: مَن أذَّن بمرتبٍ أو أخذ مرتبًا، هل يزول عنه أجر الأذان؟

الشيخ: لا حرج إذا دعت الحاجةُ إلى هذا، إذا أُعطي ما يُساعده لا يزول عنه فضل الأذان إن شاء الله، يُعطى من بيت المال، أو من الأوقاف، أو من المحسنين ما يُعينه على المواظبة والمحافظة على أداء هذا المشروع.

- وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: لَا تَغْلِبَنَّكُمُ الْأَعْرَابُ عَلَى اسْمِ صَلَاتِكُمْ، أَلَا إنَّهَا الْعِشَاءُ، وَهُمْ يُعْتِمُونَ بِالْإِبِلِ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ.

الشيخ: كما تقدم، نعم، السنة تسميتها بالعشاء، هذا هو الأفضل.

وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ: لَا تَغْلِبَنَّكُمُ الْأَعْرَابُ عَلَى اسْمِ صَلَاتِكُم الْعِشَاءِ، فَإِنَّهَا فِي كِتَابِ اللَّهِ الْعِشَاءُ، وَإِنَّهَا تُعْتِمُ بِحِلَابِ الْإِبِلِ.

الشيخ: البادية يعني.

 

بَابُ وَقْتِ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَمَا جَاءَ فِي التَّغْلِيسِ بِهَا وَالْإِسْفَارِ

قَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُ وَقْتِهَا فِي غَيْرِ حَدِيثٍ.

- وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كُنَّ نِسَاءَ الْمُؤْمِنَاتِ يَشْهَدْنَ مَعَ النَّبِيِّ ﷺ صَلَاةَ الْفَجْرِ، مُتَلَفِّعَاتٍ بِمُرُوطِهِنَّ، ثُمَّ يَنْقَلِبْنَ إلَى بُيُوتِهِنَّ حِينَ يَقْضِينَ الصَّلَاةَ لَا يَعْرِفُهُنَّ أَحَدٌ مِنَ الْغَلَسِ» رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ.

الشيخ: هذا هو السنة في الفجر: التغليس بها، وتقدم ما في ذلك من الفضل، فالسنة التَّغليس بها، لكن بعد تحقق الفجر، بعد وضوح الفجر؛ لقوله ﷺ: أصبحوا بالصبح، أسفروا بالفجر، وكان النبي ﷺ ينفتل منها حين يعرف الرجلُ جليسَه، فالسنة التَّغليس بها، لكن بعد التَّحقق من طلوع الفجر واتِّضاحه، وكان يحضر ذلك نساء من المؤمنات، مُتلفعات بمروطهن، لا يُعرفن من الغلس، كما في رواية عائشة رضي الله عنها، فالسنة في الفجر التَّغليس، لكن بعد التَّحقق من طلوع الفجر ووضوحه.

وَلِلْبُخَارِيِّ: وَلَا يَعْرِفُ بَعْضُهُنَّ بَعْضًا.

- وَعَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيِّ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ صَلَّى صَلَاةَ الصُّبْحِ مَرَّةً بِغَلَسٍ، ثُمَّ صَلَّى مَرَّةً أُخْرَى فَأَسْفَرَ بِهَا، ثُمَّ كَانَتْ صَلَاتُهُ بَعْدَ ذَلِكَ التَّغْلِيسَ حَتَّى مَاتَ، لَمْ يَعُدْ إلَى أَنْ يُسْفِرَ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.

- وَعَنْ أَنَسٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ: تَسَحَّرْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ ثُمَّ قُمْنَا إلَى الصَّلَاةِ. قُلْتُ: كَمْ كَانَ مِقْدَارُ مَا بَيْنَهُمَا؟ قَالَ: قَدْرُ خَمْسِينَ آيَةً. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

الشيخ: وهذا كما تقدم يدل على أنه استمر على التَّغليس، وأسفر بها بعض الأحيان للإيضاح، ثم استمر على التغليس عليه الصلاة والسلام، وهو اختلاط ضوء الصبح بظلمة الليل، هذا هو التغليس.

وفي روايةٍ أنهم تسحروا مع النبي ﷺ ثم قاموا إلى الصلاة، فقال له بعض السائلين: يا زيد، كم كان بينهما؟ قال: قدر خمسين آية.

وفي اللفظ الآخر: بين الأذان والسحور قدر خمسين آية.

فالسنة التَّغليس، هذا هو الذي استقر عليه أمرُ النبي ﷺ، لكن بعد التَّحقق من طلوع الفجر؛ لأنه ﷺ أمر بالتَّحقق من طلوع الفجر، وألا تُصلى بخطرٍ، بل لا بدّ من تحقق الفجر؛ ولهذا قال ﷺ: أصبحوا بالصبح ..... أسفروا بالفجر.

- وَعَنْ أَنَسٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ: تَسَحَّرْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، ثُمَّ قُمْنَا إلَى الصَّلَاةِ. قُلْتُ: كَمْ كَانَ مِقْدَارُ مَا بَيْنَهُمَا؟ قَالَ: قَدْرُ خَمْسِينَ آيَةً. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

- وعَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: أَسْفِرُوا بِالْفَجْرِ؛ فَإِنَّهُ أَعْظَمُ لِلْأَجْرِ رَوَاهُ الْخَمْسَةُ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.

الشيخ: في روايةٍ كما تقدم قال: قدر خمسين آية بين الأذان والسحور. وفي رواية: بين السحور والصلاة. وقدر خمسين آية بالترتيل لها وقت، تحتاج إلى وقتٍ: ربع ساعة أو تزيد، فالمقصود أن الآيات تختلف في الطول والقصر والترتيل، والمقصود من هذا كله العناية بعدم التأخير، وأن تكون الصلاةُ في أول وقتها، لكن بعد التأكد من طلوع الفجر ووضوحه كما قال: أسفروا بالفجر، أصبحوا بالصبح، ويقول أبو برزة في "الصحيحين": كان الرسول ينفتل من الفجر حين يعرف الرجلُ جليسه، والمساجد ليس فيها مصابيح، ليس فيها سرج، فحين يعرف الرجلُ جليسه تحت السقف يدل على اتضاح الصبح وانتشاره.

- وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ صَلَّى صَلَاةً لِغَيْرِ مِيقَاتِهَا إلَّا صَلَاتَيْنِ: جَمَعَ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ بِجَمْعٍ، وَصَلَّى الْفَجْرَ يَوْمئِذٍ قَبْلَ مِيقَاتِهَا. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

وَلِمُسْلِمٍ: قَبْلَ وَقْتِهَا بِغَلَسٍ.

وَلِأَحْمَدَ وَالْبُخَارِيِّ عَنْ عَبْدِالرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ قَالَ: خَرَجْتُ مَعَ عَبْدِاللَّهِ، فَقَدِمْنَا جَمْعًا، فَصَلَّى الصَّلَاتَيْنِ، كُلَّ صَلَاةٍ وَحْدَهَا بِأَذَانٍ وَإِقَامَةٍ، وَتَعَشَّى بَيْنَهُمَا، ثُمَّ صَلَّى حِينَ طَلَعَ الْفَجْرُ، قَائِلٌ يَقُولُ: طَلَعَ الْفَجْرُ، وَقَائِلٌ: لَمْ يَطْلُعْ، ثُمَّ قَالَ: إنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: إنَّ هَاتَيْنِ الصَّلَاتَيْنِ حُوِّلَتَا عَنْ وَقْتِهِمَا فِي هَذَا الْمَكَانِ: الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ، وَلَا يَقْدَمُ النَّاسُ جَمْعًا حَتَّى يُعْتِمُوا، وَصَلَاةُ الْفَجْرِ هَذِهِ السَّاعَةَ.

- وَعَنْ أَبِي الرَّبِيعِ قَالَ: كُنْتُ مَعَ ابْنِ عُمَرَ، فَقُلْتُ لَهُ: إنِّي أُصَلِّي مَعَك ثُمَّ أَلْتَفِتُ فَلَا أَرَى وَجْهَ جَلِيسِي، ثُمَّ أَحْيَانًا تُسْفِرُ، قَالَ: كَذَلِكَ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يُصَلِّي، فَأَحْبَبْتُ أَنْ أُصَلِّيَهَا كَمَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يُصَلِّيهَا. رَوَاهُ أَحْمَدُ.

- وَعَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ قَالَ: بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إلَى الْيَمَنِ، فَقَالَ: يَا مُعَاذُ، إذَا كَانَ فِي الشِّتَاءِ فَغَلِّسْ بِالْفَجْرِ، وَأَطِل الْقِرَاءَةَ قَدْرَ مَا يُطِيقُ النَّاسُ، وَلَا تَمَلَّهُمْ، وَإِذَا كَانَ الصَّيْفُ فَأَسْفِرْ بِالْفَجْرِ؛ فَإِنَّ اللَّيْلَ قَصِيرٌ، وَالنَّاسُ يَنَامُونَ، فَأَمْهِلْهُمْ حَتَّى يُدْرِكُوا رَوَاهُ الْحُسَيْنُ بْنُ مَسْعُودٍ الْبَغَوِيُّ فِي "شَرْحِ السُّنَّةِ"، وَأَخْرَجَهُ بَقِيُّ بْنُ مَخْلَدٍ فِي مُسْنَدِهِ الْمُصَنَّفِ.

الشيخ: هذه الصَّلوات السنة فيها مراعاة أوقاتها، كما قال النبيُّ ﷺ: الفجر في عرفة، والمغرب والعشاء، النبي ﷺ صلَّى المغرب والعشاء جمعًا لما وصل إلى مُزدلفة، ولم يُصلِّ بينهما شيئًا.

وابن مسعودٍ لما حجَّ في بعض حجَّاته وقدم جمعًا متأخرًا صلَّى المغرب ثم تعشى بعدها وصلَّى العشاء؛ لأنها في وقت العشاء، ولكن الأفضل خلاف ذلك؛ الأفضل ما فعله النبيُّ ﷺ، وهو أنه صلاهما جميعًا ولم يُصلِّ بينهما شيئًا، ولم يتعشَّ بينهما، هذا هو الأفضل: إذا وصل إلى مُزدلفة فالسنة أن يُبادر بصلاة المغرب والعشاء جمعًا وقصرًا، المغرب ثلاث، والعشاء ثنتان.

أما الفجر فإنه يُبكر بها في الجمع أكثر من تبكيره بها في بقية الصَّلوات؛ لأنه ﷺ لما اتَّضح الفجرُ صلَّى الفجر في مُزدلفة، فدلَّ على أنه في المدينة يتأخَّر بعض الشيء حتى يتَّضح الفجر، وحتى يتلاحق الناس، لكن في مُزدلفة بكَّر بها بعد طلوع الفجر قبل ميقاتها، يعني: قبل الميقات المعتاد في المدينة، فدلَّ على أن السنة للحجاج أن يُبكروا بالفجر في مُزدلفة حتى يتَّسع لهم وقت الذكر بعد صلاة الفجر في المشعر الحرام، ثم ينصرفون إلى منى قبل طلوع الشمس، خلافًا للجاهلية: كان أهلُ الجاهلية لا ينصرفون حتى تطلع الشمس، فخالفهم النبيُّ ﷺ وأفاض من مزدلفة بعدما اتَّضح النهار، وبعدما أسفروا، قبل طلوع الشمس، وصلى الفجر مُبكرًا بها بعدما طلع الفجرُ عليه الصلاة والسلام.

س: إذًا الإسفار متى يحصل؟

الشيخ: الإسفار بعدما ينشق الفجر ويتضح في البلد، وإذا كان هناك غيم أو ما يتضح في المسجد يعتني بالساعة ولا يعجل، مثلما هنا الآن في الفجر: خمسة وعشرون دقيقة تقريبًا، فيه سعة حتى يتَّضح الفجر، المقصود لا يعجل بعد أذان الفجر حتى ينشقَّ الصبح ويطرح، كما قال الصحابةُ: كان ينفذ من الفجر في المدينة حين يعرف الرجلُ جليسه. والأوقاف هنا رتَّبوا خمسة وعشرين دقيقة للفجر حتى يتَّضح الفجر.

س: إذًا في صلاة الصبح ما مقدار القراءة؟

الشيخ: يتوسط، مثل قراءة: ق، والطور، والذَّاريات، ونحوها، لا يشقّ على الناس، من طوال المفصل.

س: هل ورد قراءة سورة الروم؟

الشيخ: ما أذكر، وورد أنه صلَّى مرةً بـ"المؤمنون".

س: يعتقد بعضُ العامَّة أن المطلوب هو قراءة سجدة في فجر الجمعة من أي سورةٍ؟

الشيخ: لا، السنة الم ۝ تَنْزِيلُ [السجدة]، لا في أي سجدةٍ، السنة قراءة ألم لما فيها من العظة والذِّكْرَى.

س: لا يخفى على سماحتكم قصر الليل في الصيف، فهل ترون للأئمة أن يُؤخِّروا إقامة الصلاة ويقصروا القراءة؟

الشيخ: السنة في هذا ألا يعجلوا، لكن لا يُؤخر تأخيرًا يضرّ الناس ويشقّ على الناس ويحبسهم في المسجد، مثلما قال ﷺ، إذا اتَّضح الصبحُ صلَّى الناس، كان ﷺ لا يشقّ على الناس، ويقول: إنَّ منكم مُنَفِّرين، فأيكم أمَّ الناس فليُخفف، فيُصلي بهم مثل صلاة النبي ﷺ: التَّخفيف، فسَّرها النبيُّ بفعله عليه الصلاة والسلام، أفعال النبي التَّخفيف عليه الصلاة والسلام، والتأسي بالنبي ﷺ والصلاة كما صلَّى هذا هو التَّخفيف.

س: بعض المساجد يُؤخِّرون صلاة الفجر كثيرًا، فيأتيه الناسُ من كل مكانٍ وقد استحسنوا هذا التأخير، لعل لكم توجيهًا؟

الشيخ: خير الأمور أوساطها، التأخير الزائد لا، لكن تأخير يُناسب ما يفعله النبيُّ ﷺ بعد اتِّضاح الصبح؛ حتى يتَّضح الصبحُ ويتلاحق الناسُ، لا تأخير يملّ المبكرين ويُؤذيهم، يكون جمعًا بين المصلحتين، لا يملّ الحاضرين من المبكرين، ولا يعجل وتفوت الناس الصلاة، ولكن يتأنى بعد الأذان خمسًا وعشرين دقيقةً إلى نصف الساعة، هذا لا بأس به.

س: تخلف كثيرٌ من الناس عن صلاة الفجر، ما العلاج؟

الشيخ: هذا تشبه بالمنافقين، وأسبابه في الغالب -أسبابه- السَّهر والسمر بعد العشاء، والتأخر في النوم، هذا هو الغالب على الأسباب: ينام عن الفجر، يتأخر، وإذا جاء الفجرُ فإذا هو ميت، نسأل الله السَّلامة.

 

بَابُ بَيَانِ أَنَّ مَنْ أَدْرَكَ بعضَ الصَّلَاةَ فِي الْوَقْتِ فَإِنَّهُ يُتِمُّهَا

وَوُجُوبُ الْمُحَافَظَةِ عَلَى الْوَقْتِ

- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: مَنْ أَدْرَكَ مِنَ الصُّبْحِ رَكْعَةً قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ فَقَدْ أَدْرَكَ الصُّبْحَ، وَمَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنَ الْعَصْرِ قَبْلَ أَنْ تَغْرُبَ الشَّمْسُ فَقَدْ أَدْرَكَ الْعَصْرَ رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ.

وَلِلْبُخَارِيِّ: إذَا أَدْرَكَ أَحَدُكُمْ سَجْدَةً مِنْ صَلَاةِ الْعَصْرِ قَبْلَ أَنْ تَغْرُبَ الشَّمْسُ فَلْيُتِمَّ صَلَاتَهُ، وَإِذَا أَدْرَكَ سَجْدَةً مِنْ صَلَاةِ الصُّبْحِ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ فَلْيُتِمَّ صَلَاتَهُ.

- وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَت: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: مَنْ أَدْرَكَ مِنَ الْعَصْرِ سَجْدَةً قَبْلَ أَنْ تَغْرُبَ الشَّمْسُ أَوْ مِنَ الصُّبْحِ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ فَقَدْ أَدْرَكَهَا رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ.

وَالسَّجْدَةُ هُنَا الرَّكْعَةُ.

- وَعَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: كَيْفَ أَنْتَ إذَا كَانَتْ عَلَيْكَ أُمَرَاءُ يُمِيتُونَ الصَّلَاةَ، أَوْ يُؤَخِّرُونَ الصَّلَاةَ عَنْ وَقْتِهَا؟ قُلْت: فَمَاذا تَأْمُرنِي؟ قَالَ: صَلِّ الصَّلَاةَ لِوَقْتِهَا، فَإِنْ أَدْرَكْتَهَا مَعَهُمْ فَصَلِّ، فَإِنَّهَا لَك نَافِلَةٌ.

وَفِي رِوَايَةٍ: فَإِنْ أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ وَأَنْتَ فِي الْمَسْجِدِ فَصَلِّ.

وَفِي أُخْرَى: فَإِنْ أَدْرَكَتْكَ -يَعْنِي الصَّلَاةَ- مَعَهُمْ فَصَلِّ، وَلَا تَقُلْ: إنِّي قَدْ صَلَّيْتُ فَلَا أُصَلِّي رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ.

- وَعَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ، عَن النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: سَتَكُونُ عَلَيْكُمْ بَعْدِي أُمَرَاءُ تَشْغَلُهُمْ أَشْيَاءُ عَنِ الصَّلَاةِ لِوَقْتِهَا، فَصَلُّوا الصَّلَاةَ لِوَقْتِهَا، فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أُصَلِّي مَعَهُمْ؟ فَقَالَ: نَعَمْ إنْ شِئْتَ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَأَحْمَدُ بِنَحْوِهِ.

وَفِي لَفْظٍ: وَاجْعَلُوا صَلَاتَكُمْ مَعَهُمْ تَطَوُّعًا.

الشيخ: هذه الأحاديث كلها تدل على أنَّ المؤمن يُراعي الوقت، ويحرص على الوقت، ولا يتساهل، فلو أدرك قدر ركعةٍ صلَّى، لا يقول: أمهل حتى تغيب الشمس! فلو شُغل عن الصلاة بنومٍ أو غيره، ثم أدرك آخر الوقت، صلَّى الركعة، ولو عند غروب الشمس، الفريضة، ويكون أدركها، فيتم الصلاة، وإذا كان شغله عنها نومٌ أو نسيان فلا حرج عليه؛ لقوله ﷺ: مَن نام عن الصلاة أو نسيها فليُصلها إذا ذكرها، لا كفَّارةَ لها إلا ذلك، أما إذا كان عامدًا فعليه التَّوبة إلى الله ، ويكون مُدركًا لها، إذا أدرك الركعةَ يكون مدركًا للوقت، وإن فات الوقتُ قضاها بعد الوقت.

فالحاصل أنَّ الواجب على المسلم أن يعتني بالوقت، ويحرص على الوقت، فإذا أدرك جزءًا منه فقد أدرك ركعةً من الوقت: كالعصر والصبح، وليس له التَّساهل.

س: إذا قام الإنسانُ ولم يبقَ على خروج الشمس إلا قليل، فهل يبدأ بالفريضة أم يبدأ بالراتبة؟

الشيخ: معلوم، يُصلي النافلة، مثلما صلَّى النافلة، لما نام عن الصلاة صلَّى الراتبة ثم صلَّى الفريضة عليه الصلاة والسلام؛ لأنه معذور بالنوم أو النِّسيان.

س: ما معنى: فقد أدرك الصلاة؟

الشيخ: أدركها في الوقت يعني.

س: المتنفِّل قبل إقامة الصلاة هل يقطعها إذا أُقيمت الصَّلاة؟

الشيخ: إذا أُقيمت يقطعها؛ لقوله ﷺ: إذا أُقيمت الصلاةُ فلا صلاةَ إلا المكتوبة، إذا كبَّر ثم أُقيمت الصلاةُ يقطعها، أو صلَّى ركعةً يقطعها، أما إذا كان في آخرها قد صلَّى في الركوع الثاني، ركع الركوع الثاني يُكمله، ما بقي شيء إلا يسير.

س: للعصر وقتان: وقت جواز، ووقت ضرورة، وضِّحوا لنا ذلك؟

الشيخ: الضَّرورة إذا اصفرت الشمسُ، وما قبله هو وقت الاختيار: عند ارتفاع الشمس، فإذا اصفرت فهذا وقت الضَّرورة الذي لا يجوز التَّأخير إليه.

س: إذا صلَّى الرجلُ خلف إمامٍ، ووجده في التَّشهد، فسمع إقامةً لأحد المساجد، فهل يقلبها نفلًا ويأتي بركعتين ثم يركض إلى المسجد الآخر؟

الشيخ: لا، يُتمُّها في محله الذي صلَّى فيه والحمد لله.

س: ومتى يسوغ قلبُ الفريضة نافلةً؟

الشيخ: لو كان شرع في الصلاة ثم جاءت جماعةٌ شُرع له أن يقطعها، أو يجعلها نافلةً ركعتين، ثم يُصلي مع الجماعة، إذا كان مسبوقًا، فاتته الصلاةُ، ثم كبَّر وحده، ثم جاءت جماعةٌ شُرع له أن يجعلها نافلةً ويقطعها، ويُصلي مع الناس.

المقدم: شكر الله لكم يا سماحة الشيخ، وبارك الله فيكم وفي علمكم، ونفع بكم الإسلام والمسلمين.