باب ما يقول عند سماع الأذان والإقامة وبعد الأذان

المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على قائد الغُرِّ المحجلين نبينا محمدٍ، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أيها الإخوة والأخوات، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأهلًا ومرحبًا بحضراتكم إلى درسٍ جديدٍ من دروس "المنتقى".

ضيف اللِّقاء هو سماحة الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن باز، المفتي العام للمملكة العربية السعودية، ورئيس هيئة كبار العلماء.

مع مطلع هذا اللِّقاء نُرحب بسماحة الشيخ، فأهلًا ومرحبًا يا سماحة الشيخ.

الشيخ: حياكم الله وبارك فيكم.

المقدم: وقف بنا الحديثُ عند:

بَابُ مَا يَقُولُ عِنْدَ سَمَاعِ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ وَبَعْدَ الْأَذَانِ

- عَنْ أَبِي سَعِيدٍ: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: إذَا سَمِعْتُمُ النِّدَاءَ فَقُولُوا مِثْلَمَا يَقُولُ الْمُؤَذِّنُ رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ.

- وَعَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: إذَا قَالَ الْمُؤَذِّنُ: اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، قَالَ أَحَدُكُمْ: اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، ثُمَّ قَالَ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، قَالَ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، ثُمَّ قَالَ: أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، قَالَ: أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، ثُمَّ قَالَ: حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ، قَالَ: لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاللَّهِ، ثُمَّ قَالَ: حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ، قَالَ: لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاللَّهِ، ثُمَّ قَالَ: اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، قَالَ: اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، ثُمَّ قَالَ: لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، قَالَ: لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، مِنْ قَلْبِهِ دَخَلَ الْجَنَّةَ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد.

- وَعَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، أَوْ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِ النَّبِيِّ ﷺ: أَنَّ بِلَالًا أَخَذَ فِي الْإِقَامَةِ، فَلَمَّا أَنْ قَالَ: قَدْ قَامَتِ الصَّلَاةُ، قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: أَقَامَهَا اللَّهُ وَأَدَامَهَا، وَقَالَ فِي سَائِرِ الْإِقَامَةِ بِنَحْوِ حَدِيثِ عُمَرَ فِي سَائِرِ الْأَذَانِ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.

- وَعَنْ جَابِرٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: مَنْ قَالَ حِينَ يَسْمَعُ النِّدَاءَ: اللَّهُمَّ رَبَّ هَذِهِ الدَّعْوَةِ التَّامَّةِ، وَالصَّلَاةِ الْقَائِمَةِ، آتِ مُحَمَّدًا الْوَسِيلَةَ وَالْفَضِيلَةَ، وَابْعَثْهُ مَقَامًا مَحْمُودًا الَّذِي وَعَدْتَه، حَلَّتْ لَهُ شَفَاعَتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا مُسْلِمًا.

- وَعَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ عَمْرٍو: أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ ﷺ يَقُولُ: إذَا سَمِعْتُمُ الْمُؤَذِّنَ فَقُولُوا مِثْلَمَا يَقُولُ، ثُمَّ صَلُّوا عَلَيَّ، فَإِنَّهُ مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً صَلَّى اللَّهُ بِهَا عَلَيْهِ عَشْرًا، ثُمَّ سَلُوا اللَّهَ لِي الْوَسِيلَةَ، فَإِنَّهَا مَنْزِلَةٌ فِي الْجَنَّةِ لَا تَنْبَغِي إلَّا لِعَبْدٍ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ، وَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَنَا هُوَ، فَمَنْ سَأَلَ اللَّهَ لِي الْوَسِيلَةَ حَلَّتْ عَلَيْهِ شفاعتي رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا الْبُخَارِيَّ وَابْنَ مَاجَهْ.

- وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: الدُّعَاءُ لَا يُرَدُّ بَيْنَ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ.

الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومَن اهتدى بهداه.

أما بعد: فهذه الأحاديث كلها تدل على شرعية إجابة المؤذن، وأن السنة لمن سمع النِّداء أن يُجيب المؤذن، وذلك بأن يقول مثلما يقول المؤذنُ، كما قال ﷺ في حديث أبي سعيدٍ: إذا سمعتُم المؤذن فقولوا مثلما يقول، وفي حديث عمر مثل ذلك، إلا أنه يقول عند الحيعلة -يعني عند: حي على الصلاة، حي على الفلاح- يقول: لا حول ولا قوة إلا بالله، لا حول ولا قوة إلا بالله.

ويدل حديث عمر على أنه إذا قالها من قلبه صادقًا مُخلصًا دخل الجنة، وأن العبد إذا أجاب المؤذن صدقًا من قلبه صار هذا من أسباب دخوله الجنة؛ لكونه قالها عن توحيدٍ وإخلاصٍ وإيمانٍ.

وفي حديث عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما الدلالة على أنَّ السنة أن يُجيب المؤذن، ثم يقول بعد الفراغ بعدما يقول: لا إله إلا الله، يُصلي على النبي ﷺ يقول: اللهم صلِّ على محمدٍ، وعلى آل محمدٍ، كما صليتَ على آل إبراهيم، وبارك على محمدٍ، وعلى آل محمدٍ، كما باركت على آل إبراهيم، في العالمين، إنَّك حميد مجيد. ثم يقول: اللهم ربَّ هذه الدَّعوة التامة، والصلاة القائمة، آتِ محمدًا الوسيلة والفضيلة، وابعثه مقامًا محمودًا الذي وعدته؛ حلَّت له شفاعة النبي يوم القيامة. كما في حديث جابرٍ. وفي حديث أبي ذرٍّ: حلَّت له الشَّفاعة، إذا قال هذا بعدما صلَّى على النبيِّ ﷺ حلَّت له الشَّفاعة.

فالسنة للمؤمن أن يُجيب المؤذن؛ يقول مثل قوله: الله أكبر الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أنَّ محمدًا رسول الله، أشهد أنَّ محمدًا رسول الله، مثله، إلا حيَّ على الصلاة، حيَّ على الفلاح، يقول: لا حول ولا قوة إلا بالله، وعليه أن يتحرى الإخلاصَ والصدق، وأن يقول ذلك عن صدقٍ من قلبه، هذا فيه الخير العظيم والفضل الكبير.

أما حديث بلالٍ الذي رواه عنه شهر بن حوشب: أنه يقول عند الإقامة: "أقامها الله وأدامها"، فهو حديث ضعيف، والصواب أنه يقول مثلما يقول المؤذن: قد قامت الصلاة، قد قامت الصلاة؛ لأنَّ الرسول قال: إذا سمعتُم المؤذن فقولوا مثلما يقول، من ذلك قوله: قد قامت الصلاة، يقول مثله المجيب: قد قامت الصلاة، قد قامت الصلاة، وهكذا في صلاة الصبح، في أذان الصبح إذا قال المؤذن: الصلاة خير من النوم، يقول مثله: الصلاة خير من النوم، هذا هو الأفضل.

أما رواية بلال هذه فهي ضعيفة، كونه يقول: "أقامها الله وأدامها"، بل يقول: قد قامت الصلاة، قد قامت الصلاة، كما قال المؤذن.

س: إذا فات المستمع بعض جمل الأذان فكيف يُتابع المؤذن؟

الشيخ: يأتي بما فاته ويُتابع المؤذن.

س: إذا أقام المؤذنُ هل يُتابع؟

الشيخ: نعم مثل الأذان؛ لأنَّ الرسول قال: بين كل أذانين صلاة، بين كل أذانين صلاة، سمَّاها: أذانًا، سمى الإقامة: أذانًا.

س: مما يُؤسف له أنَّ الإنسان يستمع لمنادي الصلاة والناس مستمرون في أحاديثهم وأشغالهم، هل من توجيه؟

الشيخ: نعم، السنة لمن سمع النِّداء أن يُنصت ويُجيب المؤذن، وإذا كان في شغلٍ ترك الشغل، إذا كان يقرأ أمسك عن القراءة حتى يُجيب المؤذن، وإذا كانوا يتحدثون أمسكوا عن ذلك حتى يُجيبوا المؤذن، فرصة عظيمة، وخير عظيم، والرسول يقول: إذا سمعتم المؤذن فقولوا هذا أمر، والأمر أقلّ أحواله التَّأكد، والأصل فيه الوجوب، لكن أقلَّ أحواله التأكد، وهو عند أهل العلم سنة؛ لأنَّ الرسول ﷺ سمع بعض المؤذنين ولم يُجب؛ لبيان الجواز، لبيان أنه لا تجب الإجابة، لكن سنة مؤكدة، كونه يُجيب المؤذن هذه سنة مُؤكدة.

س: هل نقول بأنَّ من السَّاعات التي تُرجا فيها الإجابة هو ما بين الأذان والإقامة؟

الشيخ: كذلك مثلما في حديث أنسٍ: الدعاء بين الأذان والإقامة لا يُردّ، فالدعاء بين الأذان والإقامة تُرجا إجابته، فيُستحب للمؤمن أن يدعو بين الأذان والإقامة رجاء هذا الخير العظيم، رجاء أن تُجاب دعوته؛ لهذا الحديث الصَّحيح.

س: هل يُشترط للإجابة أن يكون الإنسانُ في مسجدٍ؟

الشيخ: لا، ما هو بشرطٍ، في أي مكانٍ أجاب المؤذن متى سمعه، ولو في الصَّحراء، والمرأة في بيتها، والرجل المريض في بيته يُجيب المؤذن، ليس من شرط ذلك أن يكون في المسجد، متى سمع النِّداء في الطريق، أو في الصحراء، أو في السيارة، أو في الطائرة، أو في البحر، أو في البرِّ، متى سمع النِّداء يُجيب المؤذن، هذه السنة.

س: أفضلية الدُّعاء، ما الأوقات التي تُرجا فيها الإجابة؟

الشيخ: الأوقات عديدة: منها بين الأذان والإقامة، من أوقات الإجابة ما بين الأذان والإقامة، الدعاء بين الأذان والإقامة لا يُردّ، كما قاله النبيُّ ﷺ، من ذلك آخر النهار يوم الجمعة بعد صلاة العصر، ومن ذلك إذا جلس الإمامُ على المنبر يوم الجمعة إلى أن تُقضى الصلاة من أوقات الإجابة، ومن ذلك الدُّعاء في السجود من أسباب الإجابة؛ لقوله ﷺ: أقرب ما يكون العبدُ من ربه وهو ساجد، فأكثروا الدُّعاء، وفي اللفظ الآخر: أما الركوع فعظِّموا فيه الرب، وأما السجود فاجتهدوا في الدُّعاء، فقمنٌ أن يُستجاب لكم.

ومن ذلك: آخر الليل، يقول النبيُّ ﷺ: ينزل ربنا إلى السَّماء الدنيا كل ليلةٍ حين يبقى ثلثُ الليل الآخر فيقول: مَن يدعوني فأستجيب له؟ مَن يسألني فأُعطيه؟ مَن يستغفرني فأغفر له؟ إلى أن ينفجر الفجر، هذا وقت عظيم فيه التَّنزل الإلهي، نزول يليق بالله، لا يُشابه خلقه سبحانه، هذا نزول يليق بالله، لا يعلم كيفيته إلا هو .

نقول: ينزل كما يشاء، وكما يليق بجلاله، لا نعلم كيفية ذلك، بل نؤمن بذلك، ونقول: إنه لا يعلم كيفيته إلا هو ، وهكذا جوف الليل الآخر، ونصف الليل محلّ إجابة الدُّعاء، وهكذا آخر الصلاة قبل أن يُسلم بعد قراءة التَّحيات، وبعد قراءة التَّعوذ بالله من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر، إلى آخره، بعد التَّشهد يدعو قبل أن يُسلم، محل دعاءٍ.

س: نود أن نتعرف ونقول: ما موانع قبول الدُّعاء؟

الشيخ: من أعظم الموانع: أكل الحرام، تعاطي الحرام، يقول النبيُّ ﷺ: إنَّ الله تعالى طيب لا يقبل إلا طيبًا، وإنَّ الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين، فقال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّه [البقرة:172]، وقال تعالى: يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا [المؤمنون:51]ثم ذكر الرجل يُطيل السفر: أشعث أغبر، يمدّ يديه إلى السَّماء يقول: يا رب، يا رب، ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغُذي بالحرام، فأنَّى يُستجاب لذلك؟! يعني: بعيد أن يُستجاب له، فأكل الحرام من أسباب منع الإجابة، وهكذا الغفلة؛ كونه يدعو بقلبٍ غافلٍ ساهٍ، ما عنده عناية بالدُّعاء، ولا إقبال عليه، هذا من أسباب عدم الإجابة.

بَابُ الْفَصْلِ بَيْنَ النِّدَاءَيْنِ بِجِلْسَةٍ

- عَنْ عَبْدِالرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى قَالَ: حَدَّثَنَا أَصْحَابُنَا: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: لَقَدْ أَعْجَبَنِي أَنْ تَكُونَ صَلَاةُ الْمُسْلِمِينَ أَوِ الْمُؤْمِنِينَ وَاحِدَةً، وَذَكَرَ الْحَدِيثَ، وَفِيهِ: فَجَاءَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنِّي لَمَّا رَجَعْتُ لِمَا رَأَيْتُ مِن اهْتِمَامِك، رَأَيْتُ رَجُلًا كَأَنَّ عَلَيْهِ ثَوْبَيْنِ أَخْضَرَيْنِ، فَقَامَ عَلَى الْمَسْجِدِ فَأَذَّنَ، ثُمَّ قَعَدَ قَعْدَةً، ثُمَّ قَامَ فَقَالَ مِثْلَهَا، إلَّا أَنَّهُ يَقُولُ: قَدْ قَامَتِ الصَّلَاةُ. وَذَكَرَ الْحَدِيثَ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.

الشيخ: السنة ألا يعجل الإمامُ، بل إذا أذَّن يبقى وقتًا حتى يتلاحق الناسُ ويجتمع الناس، النبي ﷺ ما كان يُقيم في الحال، بل كان يتأنَّى حتى يتلاحق الناس ويحضروا في المسجد، فالسنة للإمام ألا يعجل، بل يتأخر ربع ساعة، ثلث ساعة؛ حتى يتلاحق الناس ويحضروا الجماعة، هذا هو السنة.

س: إذًا مقدار الجلسة بين النِّداءين؟

الشيخ: ما في شيء واضح، لكن يتحرى الإمامُ، النبي ما وقَّت شيئًا صريحًا، لكن الإمام يتحرى ولا بأس، وخصوصًا العشاء إذا رآهم تأخَّروا تأخَّر، النبي كان إذا رآهم تأخروا تأخر في العشاء، فإذا تجمعوا أقام، وإذا تأخروا في العشاء لا يعجل، فالعشاء وقتها أطول؛ لأنَّ الناس قد تحصل لهم موانع لضيق وقت المغرب، ما بين المغرب والعشاء وقت ضيق، فإذا تأخَّر الإنسانُ بعض الشيء حتى يتلاحقوا، فهذا هو السنة، وهكذا في شدة الحرِّ في الظهر، إذا كان في شدة الحرِّ لا يعجل حتى يتلاحق الناس، ولو أخَّر الأذان كذلك لشدة الحرِّ.

 

بَابُ النَّهْيِ عَنْ أَخْذِ الْأُجْرَةِ عَلَى الْأَذَانِ

- عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ قَالَ: آخِرُ مَا عَهِدَ إلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: أَنْ أَتَّخِذَ مُؤَذِّنًا لَا يَأْخُذُ عَلَى أَذَانِهِ أَجْرًا. رَوَاهُ الْخَمْسَةُ.

 

الشيخ: هذا هو الأفضل، إذا تيسر ألا يأخذ أجرًا، إذا تيسر مؤذن لا يأخذ أجرًا هذا هو الأفضل؛ لأنَّ الأذان قربة عظيمة، فالأفضل أن يفعله لله، ولا يأخذ عليه أجرةً، كما في حديث عثمان قال: اجعلني إمام قومي، قال: أنت إمامهم، واقتَدِ بأضعفهم، واتَّخذ مُؤذنًا لا يأخذ على أذانه أجرًا، هذا هو الأفضل إذا تيسر، أما إذا ما تيسر فلا حرج: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ [التغابن:16]، إذا ما تيسر فلا بأس أن يستأجر مَن يُؤذن، أو يُعطى من بيت المال أو من الأوقاف ما يُعينه على الأذان.

س: هل ينطبق على مَن أذَّن ليأخذ الأجر قول الله تعالى: مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا [هود:15]؟

الشيخ: لا، إذا كان ما أراد ذلك، إنما يستعين به على طاعة الله؛ لأنه فقير، يستعين بالأجرة -بالراتب- لا حرج عليه، ولا يكون ممن قصدته الآية، الآية فيمَن قال الحقَّ وعمل بالحقِّ للدنيا، لا لله، وإلا المؤذن يتقرب إلى الله، ولكن يأخذ ما يُساعده، كما يأخذ الإمامُ ما يُساعده، والمدرس ما يُساعده.

س: مَن أحبَّ أن يتورع من أخذ هذا الأجر، هل نقول: خذ هذا وتصدق به؟

الشيخ: هذا أفضل له، إذا أذَّن بدون شيءٍ فهذا أفضل له؛ لقوله ﷺ: اتخذ مُؤذنًا لا يأخذ على أذانه أجرًا، فإذا تيسر هذا فهو الأفضل والأحسن كما قاله المصطفى عليه الصلاة والسلام.

س: بعض المحسنين جزاهم الله خيرًا قد يبني مسجدًا ويصرف الراتب من ماله الخاصّ؟

الشيخ: لا حرج، إذا ساعده من دون طلبٍ، من دون اشتراطٍ فهذا خير عظيم، ولكن إذا دعت الحاجةُ إلى أنه يطلب راتبًا ليستعين به على المواظبة، وعلى التَّفرغ للأذان فلا حرج فيه؛ لأنَّ الله يقول: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ [التغابن:16].

 

بَابٌ فِيمَنْ عَلَيْهِ فَوَائِتُ أَنْ يُؤَذِّنَ وَيُقِيمَ لِلْأُولَى وَيُقِيمَ لِكُلِّ صَلَاةٍ بَعْدَهَا

- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: عَرَّسْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَلَمْ نَسْتَيْقِظْ حَتَّى طَلَعَتِ الشَّمْسُ، فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: لِيَأْخُذْ كُلُّ رَجُلٍ بِرَأْسِ رَاحِلَتِهِ، فَإِنَّ هَذَا مَنْزِلٌ حَضَرَنَا فِيهِ الشَّيْطَانُ، قَالَ: فَفَعَلْنَا، ثُمَّ دَعَا بِالْمَاءِ فَتَوَضَّأَ، ثُمَّ صَلَّى سَجْدَتَيْنِ، ثُمَّ أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ، فَصَلَّى الْغَدَاةَ. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ.

وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ سَجْدَتَيِ الْفَجْرِ، وَقَالَ فِيهِ: فَأَمَرَ بِلَالًا فَأَذَّنَ وَأَقَامَ وَصَلَّى.

- وَعَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ ابْنِ عَبْدِاللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، عَنْ أَبِيهِ: أَنَّ الْمُشْرِكِينَ شَغَلُوا النَّبِيَّ ﷺ يَوْمَ الْخَنْدَقِ عَنْ أَرْبَعِ صَلَوَاتٍ حَتَّى ذَهَبَ مِنَ اللَّيْلِ مَا شَاءَ اللَّهُ، فَأَمَرَ بِلَالًا فَأَذَّنَ ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى الظُّهْرَ، ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى الْعَصْرَ، ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى الْمَغْرِبَ، ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى الْعِشَاءَ. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: لَيْسَ بِإِسْنَادِهِ بَأْسٌ إلَّا أَنَّ أَبَا عُبَيْدَةَ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ عَبْدِاللَّهِ.

الشيخ: هذا يدل على أنه إذا كان على المؤمن فوائت فإنه يُؤذن للأولى ويُقيم لكل صلاةٍ، كما فعله النبيُّ ﷺ لما شُغل عن الصلاة في يوم الأحزاب، وكما في أسفاره لما نام في بعض الأسفار ولم يستيقظ إلا في حرِّ الشمس: أذَّن وأقام، هذا هو السنة: إذا فاتته فرائض يُؤذن للأولى، ثم يُقيم لكل واحدةٍ، وهكذا فعل يوم عرفة: أذَّن للأولى، ثم أقام للظهر، ثم أقام للعصر، وهكذا في مُزدلفة أذَّن للأولى، ثم أقام للمغرب، ثم أقام للعشاء، ولم يعد الأذان.

هذا هو السنة في الجمع بين الصلاتين: أذَّن أذانًا واحدًا، وأقام لكل صلاةٍ، وإذا كانت عليه فوائت أربع أو أكثر أذَّن للأولى، ثم أقام لكل فريضةٍ.

ولما شُغل عليه الصلاة والسلام يوم الأحزاب عن الصلاة، في الحديث الصحيح أنه شُغل عن العصر فلم يُصلها إلا بعد المغرب، فأمر بالأذان، ثم أقام للعصر، ثم أقام للمغرب، ثم أقام للعشاء.

وفي هذا الحديث -حديث أبي عبيدة ابن مسعود- أنه شُغل عن أربعٍ: الظهر والعصر والمغرب والعشاء، وهذا هو الحكم الشرعي، لكن رواية أبي عبيدة عن أبيه مُنقطعة؛ لأنه لم يسمع منه، لكن الأحاديث الصحيحة تدل على هذا المعنى من غير رواية أبي عبيدة، كلها دالة على أنَّ مَن كانت عليه فوائت فإنه يُؤذِّن للأولى، ويُقيم لكل فريضةٍ.

وهكذا لو كانت غير فائتةٍ، بل جمع، جمع بين الصلاتين، يُؤذن أذانًا واحدًا كما فعل النبيُّ ﷺ يوم عرفة وفي مُزدلفة، يُؤذن أذانًا واحدًا، ويُقيم لكل واحدةٍ من الصلاتين.

س: هناك مَن يُؤذن قبل دخول الوقت احتياطًا، وخاصةً في فجر رمضان؟

الشيخ: الواجب ألا يُؤذن إلا بعد دخول الوقت، إلا إذا كان هناك مُؤذن أول، فإذا أذَّن واحد قبل الوقت كما هو الحال الآن، وآخر بعد الوقت، فلا بأس، واحد يُؤذن في آخر الليل حتى ينتبه الناس: الذي يريد أن يُصلي، الذي يريد أن يُوتر، الذي يريد أن يستعدّ، ثم يُؤذن آخر بعد طلوع الفجر، كما كان بلال يُؤذن بليلٍ، ثم يُؤذن ابن أم مكتوم بعد طلوع الفجر، هذا لا بأس.

أما أنه يقدم الأذانين قبل الفجر لا، السنة أن يكون الأذانُ، والواجب أن يكون بعد الوقت، بعد دخول الوقت، إلا الفجر خاصةً؛ لا بأس أن يُؤذن لها أذانًا أولًا قبل الوقت؛ لتنبيه الناس: حتى يرجع قائمهم، ويوقظ نائمهم، ثم بعد طلوع الفجر يُؤذن الأذان الشَّرعي الذي يُنبه على دخول وقت الصلاة، هذا فعله ابن أم مكتوم في عهد النبي ﷺ، وفعله بلال قبل الفجر، كما قال ﷺ: إن بلالًا يُؤذن بليلٍ، فكلوا واشربوا حتى يُنادي ابنُ أم مكتوم، فإنه لا يُنادي حتى يقال له: أصبحتَ، أصبحتَ، فدلَّ ذلك على أنه لا بأس أن يكون في الفجر أذانان: أذن قبل الفجر للتَّنبيه؛ حتى يرجع القائم، ويوقظ النائم. وأذان يكون بعد طلوع الفجر، خاصة بالفجر.

س: مَن نسي الأذان والإقامة هل يُعيد الصلاة؟

الشيخ: لا، لا يُعيد، لو نسي الأذان والإقامة أو تعمَّد تركهما لا يُعيد، لكن إذا تعمَّد وهو يعلم الحكم يكون آثمًا، أما إذا ما تعمَّد -جاهل أو ناسٍ- فالصلاة صحيحة، ولا إثم عليه.

س: سماحة الشيخ، من العوام مَن يمد: آلله أكبر، ومنهم مَن يقول: آلله أكبار؟

الشيخ: هذه أغلاط تقع لبعض الناس، الواجب أن يقول: الله أكبر، لا يمد: الله أكبر، يمد اللام، وأكبر لا يمد الباء، يقول: أكبر، يعني: أعظم، أما إذا قال: أكبار، هذا جمع: كبر، طبل، لا، يقول: أكبر، لا يمدّها، فالواجب على المؤذن والمقيم أن يقول: الله أكبر، لا يمد الهمزة في: الله، ولا الباء في: أكبر، الله أكبر، الله أكبر، يعني: الله أعظم وأجلّ .

س: بعضهم يعني قد يمطّ الأذان ويمده مدًّا عجيبًا، نصيحتكم لهؤلاء؟

الشيخ: نصيحتي ألا يمطّ الأذان، ولا يمدّ، لا في الحيعلة، ولا في الشَّهادة، بعض الناس يمدّ الشهادة: أشهد أن لا إله إلا اللااااه، هذا ما ينبغي، مكروه، لا يمدّ: أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أنَّ محمدًا رسول الله، حي على الصلاة، حي على الفلاح، يمدّ، يكفي مدًّا خفيفًا.

س: أيضًا الإسراع في الأذان وعدم ترتيله، هل هو مخالف للسنة؟

الشيخ: لا، السنة الترتيل وعدم العجلة في الأذان، أما الإقامة يحدرها، أما الأذان يقف على رؤوس الجمل، لا يعجل، يقف على رؤوس الجمل، كل جملةٍ يقف على رأسها من دون مدٍّ، من دون تطويلٍ: الله أكبر، الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أنَّ محمدًا رسول الله، أشهد أنَّ محمدًا رسول الله، حيَّ على الصلاة، حيَّ على الصلاة، حيَّ على الفلاح، حيَّ على الفلاح، بهذا أو نحوه من دون تطويلٍ.

س: جزاكم الله خيرًا يا سماحة العلامة، مَن الذي يملك حقَّ الإقامة يا سماحة الشيخ: الإمام أم المؤذن؟

الشيخ: الإمام هو الذي يملك حق الإقامة، لا يُقيم حتى يأمره الإمامُ، أو تكون عادة بينهما: إذا خرج أقام، إذا رآه أقبل أقام، مثلما كان بلالٌ يرى النبيَّ أقبل أقام، إذا كان عادةً بينهما أنه إذا خرج، إذا أقبل إلى جهة محل الصلاة أقام، هذا إذن في المعنى.

س: في المدارس في الحقيقة يستفسر: كثيرٌ من الإخوة هناك يُقيمون ولا يُؤذنون اكتفاءً بأذان المساجد القريبة، ما رأيكم؟

الشيخ: إذا كان الأذانُ يُسمع يكفي، إذا كان الأذانُ حولهم يسمع لا بأس، ولو أذَّنوا لكان أحوط، لو أذَّنوا يكون أفضل وأحسن، ولكن ليس لهم أن يُصلوا في محلاتهم، بل يجب عليهم أن يُصلوا في المساجد التي حولهم، إذا كانت حولهم قريبة منهم.

س: الإمام والمؤذن اللَّذان يتخلَّفان كثيرًا، ما حكم ما يأخذونه من أجرٍ؟

الشيخ: فيه شبهة، ينبغي لهم أن يُحافظوا ويُواظبوا، إذا ما حافظوا ولا واظبوا يكون في أخذهم الأجرة شبهة، نسأل الله للجميع الهداية.

المقدم: اللهم آمين، شكر الله لكم سماحة الشيخ.

س: المسافر لوحده يا شيخ هل يُؤذن ويُقيم؟

الشيخ: السنة أن يُؤذن ويُقيم مثلما قال أبو سعيدٍ، يقول لبعض الأعراب: إذا كنتَ في غنمك وباديتك فارفع صوتك بالنِّداء؛ فإنه لا يسمع صوتَ المؤذن جنٌّ ولا إنسٌ ولا شجرٌ ولا حجرٌ إلا شهد له يوم القيامة. ولو كان وحده يرفع صوته بالأذان والإقامة.

أَبْوَابُ سَتْرِ الْعَوْرَةِ

بَابُ وُجُوبِ سَتْرِهَا

- عَنْ بَهْزِ بْنِ حَكِيمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، عَوْرَاتُنَا مَا نَأْتِي مِنْهَا وَمَا نَذَرُ؟ قَالَ: احْفَظْ عَوْرَتَك إلَّا مِنْ زَوْجَتِك أَوْ مَا مَلَكَتْ يَمِينُك، قُلْتُ: فَإِذَا كَانَ الْقَوْمُ بَعْضُهُمْ فِي بَعْضٍ؟ قَالَ: إنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ لَا يَرَاهَا أَحَدٌ فَلَا يَرَيَنَّهَا، قُلْتُ: فَإِذَا كَانَ أَحَدُنَا خَالِيًا؟ قَالَ: فَاللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَحَقُّ أَنْ يُسْتَحْيَا مِنْهُ رَوَاهُ الْخَمْسُ إلَّا النَّسَائِيَّ.

الشيخ: هذا يدل على أنَّ الواجب ستر العورات، وأن المؤمن لا يتساهل في عورته، بل يحفظها إلا من زوجته أو سريته -ما ملكت يمينه- لأنَّ له جماعها، فلها أن تنظر إلى عورته، وللسرية أن تنظر إلى عورته، وإلا فالواجب سترها، وإذا كان في جماعةٍ كذلك يسترها عنهم، وهكذا لو كان خاليًا الله أحقّ أن يُستحيا منه، يستر عورته ولا يبقى في المحلِّ مكشوفًا، ولو ما عنده أحد، يلبس إزارًا أو سراويل أو قميصًا، ولا يُبدي عورته إلا لحاجةٍ، مثل: قضاء الحاجة -البول أو الغائط- أو مع زوجته، أو مع سريته، هذا لا بأس، الله أحقّ أن يُستحيا منه؛ ولهذا قال ﷺ: احفظ عورتك إلا من زوجتك أو ما ملكت يمينك.

المقدم: شكر الله لكم سماحة الشيخ، وبارك الله فيكم وفي علمكم، ونفع بكم الإسلام والمسلمين.