باب استحباب الصلاة في ثوبين وجوازها في ثوب واحد

المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمدٍ، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أيها الإخوة والأخوات، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأهلًا ومرحبًا بحضراتكم إلى درسٍ جديدٍ من دروس "المنتقى".

ضيف اللِّقاء هو سماحة العلامة الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن باز، المفتي العام للمملكة العربية السعودية، ورئيس هيئة كبار العلماء.

مع مطلع هذا اللِّقاء نُرحب بسماحة الشيخ، فأهلًا ومرحبًا يا سماحة الشيخ.

الشيخ: حياكم الله وبارك فيكم.

المقدم:

بَابُ لُبْسِ الْحَرِيرِ لِلْمَرضى

- عَنْ أَنَسٍ: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ رَخَّصَ لِعَبْدِالرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ وَالزُّبَيْرِ فِي لُبْسِ الْحَرِيرِ لِحَكَّةٍ كَانَتْ بِهِمَا. رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ، إلَّا أَنَّ لَفْظَ التِّرْمِذِيِّ: أَنَّ عَبْدَالرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ وَالزُّبَيْرَ شَكَوا إلَى النَّبِيِّ ﷺ الْقَمْلَ في غزوةٍ لهما، فَرَخَّصَ لَهُمَا فِي قُمُصِ الْحَرِيرِ. قال: ورأيتُه عليهما.

الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومَن اهتدى بهداه.

أما بعد: فقد سبق أنَّ لبس الحرير لا يجوز للرجال، وأنه مباح للنساء فقط، إلا موضع أصبعين أو ثلاثة أو أربعة من الحرير إذا دعت الحاجةُ إليه: كالرقعة ونحو ذلك، لكن إذا لبس للتَّداوي من أجل الحكّة فلا بأس، كما رخَّص النبي للزبير وطلحة في لبس الحرير من أجل الحكّة التي أصابتهما، هذا من باب التَّداوي، فلا حرج في ذلك.

س: اليسير من الحرير يا سماحة الشيخ؟

الشيخ: أربعة أصابع فأقلّ، مثل: رقعة، مثل: زر، وما أشبه ذلك.

س: وبالنسبة للذكور الصِّغار؟

الشيخ: الذكور مطلقًا -صغار أو كبار- ما يجوز لهم لبس الحرير، يُمنعون من ذلك.

س: الثوب المشوب بالحرير؟

الشيخ: الذي يزيد على أربعة أصابع لا يجوز، النبي ﷺ رخَّص بموضع أصبعين أو ثلاثة أو أربعة.

بَابُ مَا جَاءَ فِي لبْسِ الْخَزِّ وَمَا نُسِجَ مِنْ حَرِيرٍ وَغَيْرِهِ

- عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ سَعْدٍ قَالَ: رَأَيْتُ رَجُلًا بِبُخَارَى عَلَى بَغْلَةٍ بَيْضَاءَ، عَلَيْهِ عِمَامَةُ خَزٍّ سَوْدَاءُ، فَقَالَ: كَسَانِيهَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَالْبُخَارِيُّ فِي "تَارِيخِهِ".

- وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: إنَّمَا نَهَى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَنِ الثَّوْبِ الْمُصْمَتِ مِنْ قَزٍّ.

قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَمَّا السَّدَى وَالْعَلَمُ فَلَا نَرَى بِهِ بَأْسًا. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد.

- وَعَنْ عَلِيٍّ : أُهْدِيَ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ حُلَّةٌ مَكْفُوفَةٌ بِحَرِيرٍ: إمَّا سَدَاهَا، وَإِمَّا لَحْمَتُهَا، فَأَرْسَلَ بِهَا إلَيَّ فَأَتَيْتُهُ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا أَصْنَعُ بِهَا؟ أَلْبَسُهَا؟ قَالَ: لَا، وَلَكِن اجْعَلْهَا خُمُرًا بَيْنَ الْفَوَاطِمِ رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ.

- وَعَنْ مُعَاوِيَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: لَا تَرْكَبُوا الْخَزَّ وَلَا النِّمَارَ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.

- وَعَنْ عَبْدِالرَّحْمَنِ بْنِ غُنْمٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو عَامِرٍ -أَوْ أَبُو مَالِكٍ الْأَشْجَعِيُّ- أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ ﷺ يَقُولُ: لَيَكُونَنَّ مِنْ أُمَّتِي أَقْوَامٌ يَسْتَحِلُّونَ الْخَزَّ وَالْحَرِيرَ، وَذَكَرَ كَلَامًا قَالَ: يَمْسَخُ مِنْهُمْ آخَرِينَ قِرَدَةً وَخَنَازِيرَ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَالْبُخَارِيُّ تَعْلِيقًا، وَقَالَ فِيهِ: يَسْتَحِلُّونَ الْخَزَّ وَالْحَرِيرَ وَالْخَمْرَ وَالْمَعَازِفَ.

الشيخ: هذه الأحاديث كلها تدل على أنه يحرم الحرير إلا ما كان أربعة أصابع فأقلّ، مثل: أن يُخاط به، أو يكفّ به القميص، أو يُرقع به القميص، أو ما أشبه ذلك، أما العمامة التي من الخزِّ، فالخزّ يكون من حريرٍ، ويكون من غير الحرير، فلعلها كانت من غير الحرير؛ لأنَّ الأحاديث صحيحة صريحة في تحريم لبس الحرير على الرجال، وما ورد خلاف ذلك فهو مُؤول على أنه من غير الحرير، كالعمامة التي ذكرها.

فالمقصود أنه إذا كانت من الحرير البحت لا تجوز إلا موضع أصبعين أو ثلاثة أو أربعة، كما في الأحاديث الصحيحة، والعلم لا بأس به، علم الحرير لا بأس به، زر الحرير لا بأس به؛ لأنه شيء قليل.

س: الأقوال التي تُورد وهي مخالفة لصريح الكتاب وصحيح السنة، ما موقفنا منها ومن أهلها؟

الشيخ: الواجب على المؤمن أن يتمسك بما جاء في الكتاب والسنة، والأقوال المخالفة لما جاء في الأحاديث الصحيحة يجب رفضها؛ لأنَّ السنة هي الحاكمة مع الكتاب العزيز: فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ [النساء:59].

س: بعض صغار الطلبة يُعنف على مَن اجتهد وخالف النص، ويترك أقواله؟

الشيخ: الواجب هو التَّمسك بالكتاب والسنة، والرجوع إليهما في كل شيءٍ، على الشاب والشيخ، وعلى الرجل والمرأة، هذا هو واجب المؤمنين، يقول الله سبحانه: تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ [النساء:13]، وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ [النساء:14].

أما السدى فهو محل نظرٍ، إذا كان سدى ما يُروى عن ابن عباسٍ، إذا كان لحمةً ما هي بحرير، والسدى حرير، هذا محل نظرٍ؛ لأنه غير مباشر للحرير، ولكن محل نظر، والأحوط للمؤمن ترك ذلك، الأحوط ترك ذلك؛ لأنَّ السدى معتمد على الحرير، وظاهر النصوص تحريم الحرير على الرجال، سواء كان سدى أو غير سدى، فكون المؤمن يتباعد عن المشتبه هذا هو الذي ينبغي للمؤمن: دع ما يريبك إلى ما لا يريبك.

س: ما صحة قاعدة: الضَّرورات تُبيح المحظورات؟ مع التَّمثيل بالأمثلة.

الشيخ: هذا صحيح مثلما قال الله جلَّ وعلا: وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ [الأنعام:119]، لكن بعض الناس ما يعرف الضَّرورات، يُفسر الضَّرورة بغير الضَّرورة، مثلما رخَّص النبيُّ ﷺ للزبير وطلحة في قميص الحرير لأجل الحكّة، هذا عذر يلحق بالضَّرورة، ومثل: إنسان ما يُحصل شيئًا، ما عنده شيء يستر عورته، ما استطاع شيئًا إلا ثوب الحرير يستر به عورته لأجل الضَّرورة، والله يقول: وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ.

بَابُ نَهْيِ الرِّجَالِ عَنِ الْمُعَصْفَرِ وَمَا جَاءَ فِي الْأَحْمَرِ

- عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ عَمْرو بن العاص قَالَ: رَأَى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَلَيَّ ثَوْبَيْنِ مُعَصْفَرَيْنِ، فَقَالَ: إنَّ هَذِهِ مِنْ ثِيَابِ الْكُفَّارِ فَلَا تَلْبَسْهَا رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ.

- وَعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ قَالَ: أَقْبَلْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ مِنْ ثَنِيَّةٍ، فَالْتَفَتَ إلَيَّ وَعَلَيَّ رَيْطَةٌ مُضَرَّجَةٌ بِالْعُصْفُرِ، فَقَالَ: مَا هَذِهِ؟ فَعَرَفْتُ مَا كَرِهَ، فَأَتَيْتُ أَهْلِي وَهُمْ يَسْجُرُونَ تَنُّورَهُمْ فَقَذَفْتُهَا فِيهِ، ثُمَّ أَتَيْتُهُ مِنَ الْغَدِ، فَقَالَ: يَا عَبْدَاللَّهِ، مَا فَعَلَتِ الرَّيْطَةُ؟ فَأَخْبَرْته، فَقَالَ: أَلَا كَسَوْتَهَا بَعْضَ أَهْلِكَ؟ رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَكَذَلِكَ أَبُو دَاوُد، وَابْنُ مَاجَهْ وَزَادَ: فَإِنَّهُ لَا بَأْسَ بِذَلِكَ لِلنِّسَاءِ.

- وَعَنْ عَلِيٍّ قَالَ: نَهَانِي رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَنِ التَّخَتُّمِ بِالذَّهَبِ، وَعَنْ لِبَاسِ الْقَسِّيِّ، وَعَنِ الْقِرَاءَةِ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ، وَعَنْ لِبَاسِ الْمُعَصْفَرِ. رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا الْبُخَارِيَّ وَابْنَ مَاجَهْ.

- وَعَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ مَرْبُوعًا، بَعِيدَ مَا بَيْنَ الْمَنْكِبَيْنِ، لَهُ شَعْرٌ يَبْلُغُ شَحْمَةَ أُذُنَيْهِ، رَأَيْتُهُ فِي حُلَّةٍ حَمْرَاءَ، لَمْ أَرَ شَيْئًا قَطُّ أَحْسَنَ مِنْهُ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

- وَعَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: مَرَّ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ رَجُلٌ عَلَيْهِ ثَوْبَانِ أَحْمَرَانِ، فَسَلَّمَ، فَلَمْ يَرُدَّ النَّبِيُّ ﷺ عَلَيْهِ. رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَأَبُو دَاوُد، وَقَالَ: مَعْنَاهُ عِنْدَ أَهْلِ الْحَدِيثِ أَنَّهُ كَرِهَ الْمُعَصْفَرَ، وَقَالَ: وَرَأَوْا أَنَّ مَا صُبِغَ بِالْحُمْرَةِ مِنْ مَدَرٍ أَوْ غَيْرِهِ فَلَا بَأْسَ بِهِ إذَا لَمْ يَكُنْ مُعَصْفَرًا.

الشيخ: هذه الأحاديث كلها تدل على أنَّ المعصفر من لبس النساء، ومن لبس الكفَّار، لا يلبسه المؤمن، بل هو من لبس النساء والكفار؛ ولهذا أنكر النبي على عبدالله بن عمرو لبس المعصفر، فلا يجوز لبس المعصفر إلا للنساء خاصة، أما الأحمر بغير العصفر فلا بأس، النبي صلَّى في حُلَّةٍ حمراء، وجلس في قبَّةٍ حمراء، ولم يزل يلبس الحلة الحمراء حتى في حجة الوداع، فالأمر فيها واسع: الحمرة بغير العصفر.

وقوله في حديث سهل: يستحلون الحر والحرير الحر: الفرج الحرام، الزنا. والحرير والخمر والمعازف يعني: في آخر الزمان يُبتلى الناس بهذا الخمر والحرير والمعازف؛ لقلة الدين، وضعف الدين.

فالواجب الحذر من ذلك؛ لا يجوز استعمال المعازف ذات الملاهي، ولا لبس الحرير للرجال، ولا تعاطي الزنا، فكل هذا محرم معروف، والشاهد من الباب قوله: يستحلون الحر والحرير .. لأنه ممنوع ومحرم على الرجال، لكن في آخر الزمان يأتي ناسٌ يستحلونه؛ لعدم مُبالاتهم بالسنة والشرع، كما يستحلون الخمر والمعازف والزنا لعدم الدِّين.

س: الحقيقة أود أن أسأل عن المسخ قردةً وخنازير، هل هو حسي أم معنوي؟

الشيخ: لا، حسي، حقيقي، لكن لا يعيشون، ثبت عن النبي ﷺ أنَّ المسخ لا يعيش أكثر من ثلاثة أيام -الممسوخ- والقردة والخنازير أمتان من الحيوانات موجودتان، لكن من مُسخ عليهما لا يعيش، المسخ لا يعيش أكثر من ثلاثة أيام.

س: يقال بأنَّ الخنازير الموجودة أصلها من نسل الأمم التي مُسخت، ما صحَّة ذلك؟

الشيخ: مثلما تقدم، يقول النبي ﷺ: المسخ لا يعيش أكثر من ثلاثة أيام، هذه أمة، مثل: الكلاب والحمير وغيرها، نعم، القردة والخنازير أمتان، مثل: أمة الكلاب، والسنور، والوبر، والكلب، والحمار أمة من الأمم.

س: أود أن أسأل عن صحة حديث: ما من أمةٍ مُسخت إلا لم يبقَ لها نسل؟

الشيخ: ما أعرفه، لا أعرفه، لكن المسخ لا يعيش، ثبت عن النبي ﷺ في "صحيح مسلم" أنه لا يعيش أكثر من ثلاثة أيام.

س: وحديث: أما يخشى الذي يرفع رأسه قبل إمامه أن يُحول الله صورته صورة حمار؟ ما معنى الحديث هذا؟

الشيخ: هذا تحريم المسابقة، لا يجوز للمأموم أن يُسابق الإمام، يقول ﷺ: أما يخشى الذي يرفع رأسه قبل الإمام أن يُحول الله رأسه رأس حمارٍ، أو يجعل صورته صورة حمارٍ؟ هذا وعيد، يجب على المأموم ألا يرفع حتى يرفع إمامه، لا يُسابق الإمام في الصلاة يعني.

س: هل استحلال المحرمات تُوجب الكفر؟

الشيخ: إذا كان مُحرَّمًا معلومًا بالنص يكون كافرًا مَن استحلَّه، كمَن استحلَّ الزنا أو الخمر، يُبين له الأدلة، فإذا أصرَّ كفر بذلك، أما إذا كان الشيء فيه خلاف لا ما يكفر، أما إذا كان الأمر واضحًا مُجمعًا عليه معروفًا مقطوعًا من الدِّين، مثل: تحريم الزنا، وتحريم الخمر، فالذي يستحله يكون كافرًا بعدما تُبين له الأدلة، وتُقام عليه الحجَّة.

س: قصة أصحاب السبت، لعلكم تُشيرون إلى شيءٍ منها، وما العبرة منها؟

الشيخ: استحلوا الصيد في الوقت الذي حرَّمه الله عليهم: يوم السبت، تحيلوا، فمسخهم الله لأجل الحيلة؛ لأنَّ الله حرَّم عليهم الصيد يوم السبت، فنصبوا الشِّباك يوم السبت، وصادوه يوم الأحد؛ حيلةً منهم، نسأل الله العافية.

س: بالنسبة لباب النَّهي؛ نهي الرجال عن المعصفر، وما جاء في الأحمر، بالنسبة للثياب الملونة بالنسبة للرجال؟

الشيخ: لا حرج فيها إلا المعصفر، الأحمر لبسه النبيُّ ﷺ.

س: وما الفرق بين فعل الرسول وقوله؟

الشيخ: قوله مختصٌّ بالمعصفر.

بَابُ مَا جَاءَ فِي لُبْسِ الْأَبْيَضِ وَالْأَسْوَدِ وَالْأَخْضَرِ وَالْمُزَعْفَرِ وَالْمُلَوَّنَاتِ

- عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: الْبَسُوا ثِيَابَ الْبَيَاضِ؛ فَإِنَّهَا أَطْهَرُ وَأَطْيَبُ، وَكَفِّنُوا فِيهَا مَوْتَاكُمْ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ.

- وَعَنْ أَنَسٍ قَالَ: كَانَ أَحَبُّ الثِّيَابِ إلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ أَنْ يَلْبَسَهَا الْحِبَرَةَ» رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا ابْنَ مَاجَهْ.

- وَعَنْ أَبِي رِمْثَةَ قَالَ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ ﷺ وَعَلَيْهِ بُرْدَانِ أَخْضَرَانِ. رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إلَّا ابْنَ مَاجَهْ.

- وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: خَرَجَ النَّبِيُّ ﷺ ذَاتَ غَدَاةٍ وَعَلَيْهِ مِرْطٌ مُرَحَّلٌ مِنْ شَعْرٍ أَسْوَدَ. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ.

- وَعَنْ أُمِّ خَالِدٍ قَالَتْ: أُتِيَ النَّبِيُّ ﷺ بِثِيَابٍ فِيهَا خَمِيصَةٌ سَوْدَاءُ، فَقَالَ: مَنْ تَرَوْنَ نَكْسُو هَذِهِ الْخَمِيصَةَ؟ فَأُسْكِتَ الْقَوْمُ، فَقَالَ: ائْتُونِي بِأُمِّ خَالِدٍ، فَأُتِيَ بِي إلَى النَّبِيِّ ﷺ، فَأَلْبَسَنِيهَا بِيَدِهِ، وَقَالَ: أَبْلِي وَأَخْلِقِي مَرَّتَيْنِ، وَجَعَلَ يَنْظُرُ إلَى عَلَمِ الْخَمِيصَةِ، وَيُشِيرُ بِيَدِهِ إلَيَّ، وَيَقُولُ: يَا أُمَّ خَالِدٍ، هَذَا سَنَا، هَذَا سَنَا، وَالسَّنَا بِلِسَانِ الْحَبَشَةِ: الْحسنُ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

- وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّهُ كَانَ يَصْبُغُ ثِيَابَهُ وَيَدَّهِنُ بِالزَّعْفَرَانِ، فَقِيلَ لَهُ: لِمَ تَصْبُغُ ثِيَابَك وَتَدَّهِنُ بِالزَّعْفَرَانِ؟ فَقَالَ: إنِّي رَأَيْتُه أَحَبَّ الْأَصْبَاغِ إلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ؛ يَدَّهِنُ بِهِ، وَيَصْبُغُ بِهِ ثِيَابَهُ. رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَكَذَلِكَ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ بِنَحْوِهِ، وَفِي لَفْظِهِمَا: وَلَقَدْ كَانَ يَصْبُغُ ثِيَابَهُ كُلَّهَا حَتَّى عِمَامَتَهُ.

الشيخ: هذه الأحاديث كلها تدل على جواز الألوان السَّوداء والحمراء والخضراء ونحو ذلك، كلها لا بأس بها، النبي ﷺ لبس الأسود والأحمر والأخضر، كل ذلك لا بأس به، لكن البياض أفضل، أفضلها البياض، فالمستحب للمؤمن أن يختار البياض، وإن لبس أسود أو أحمر أو أخضر أو أصفر فلا بأس، قد لبس النبيُّ حُلَّةً حمراء، ولبس سوداء، ولبس بُرْدًا أخضر، ودخل عام الفتح وعليه عمامة سوداء، كل هذا لا بأس به، لكن البياض أفضلها.

وقوله لأم خالد: "سنا، سنا" يعني: حسن، حسن، فالسواد والخضرة والحمرة هذه الملابس يستوي فيها الرجال والنساء، لكن ليس للرجل أن يلبس زيّ المرأة، وليس للمرأة أن تلبس زيّ الرجل، بل يكون لهذا زيّ، ولهذا زيّ، للمرأة زيّ، وللرجل زيّ، ولا بأس أن بلبس هذا أسود، وهذا أسود، لكن يكون زيُّها غير زيِّ الرجل، هذا هو المشروع؛ لأنَّ الرسول ﷺ لعن المتشبِّهات من الرجال بالنساء، والمتشبهين من الرجال بالنساء، وقال عليه الصلاة والسلام: لعن اللهُ الرجلَ يلبس لبسة المرأة، ولعن اللهُ المرأةَ تلبس لبسة الرجل، أما الألوان فلا بأس، لكن تكون اللبسة غير اللبسة: لبسة الرجل غير لبسة المرأة، والبياض هو أفضلها في حقِّ الرجال.

س: المشروع في الكفن؟

الشيخ: الكفن أبيض هو أفضل، الأفضل أن يكفن في الأبيض، وأن يلبس الأبيض، هذا هو الأفضل، ولو كُفن في غير الأبيض فلا بأس، لكن الأفضل هو الكفن الأبيض.

س: وما مقدار ما يكفن به الرجل والمرأة؟

الشيخ: الأفضل ثلاثة للرجل، وللمرأة خمسة: قميص وإزار وخمار ولفافتان. والواحد يكفي، إذا لفّ الرجل في لفافة واحدة والمرأة أجزأ، لكن الأفضل للرجل ثلاث لفائف، والمرأة خمس: قميص وإزار وخمار ولفافتان.

س: معنى "الحبرة"، وما معنى "بردان أخضران"؟

الشيخ: يعني: صورتها خضراء، من مادة خضراء، والحبرة: لباس يكون مُعلَّمًا، فيه أعلام، تأتي من اليمن.

بَابُ حُكْمِ مَا فِيهِ صُورَةٌ مِنَ الثِّيَابِ وَالْبُسُطِ وَالسُّتُورِ وَالنَّهْيِ عَنِ التَّصْوِيرِ

- عَنْ عَائِشَةَ: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ لَمْ يَكُنْ يَتْرُك فِي بَيْتِهِ شَيْئًا فِيهِ تَصَالِيبُ إلَّا نَقَضَهُ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَأَبُو دَاوُد، وَأَحْمَدُ وَلَفْظُهُ: لَمْ يَكُنْ يَدَعُ فِي بَيْتِهِ ثَوْبًا فِيهِ تَصْلِيبٌ إلَّا نَقَضَهُ.

- وَعَنْ عَائِشَةَ: أَنَّهَا نَصَبَتْ سِتْرًا وَفِيهِ تَصَاوِيرُ، فَدَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فَنَزَعَهُ، قَالَتْ: فَقَطَعْتُه وِسَادَتَيْنِ، فَكَانَ يَرْتَفِقُ عَلَيْهِمَا. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

وَفِي لَفْظِ أَحْمَدَ: فَقَطَعْتُهُ مِرْفَقَتَيْنِ، فَلَقَدْ رَأَيْتُهُ مُتَّكِئًا عَلَى إحْدَاهُمَا وَفِيهَا صُورَةٌ.

- وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: أَتَانِي جِبْرِيلُ فَقَالَ: إنِّي كُنْتُ أَتَيْتُك اللَّيْلَةَ فَلَمْ يَمْنَعنِي أَنْ أَدْخُلَ الْبَيْتَ الَّذِي أَنْتَ فِيهِ إلَّا أَنَّهُ كَانَ فِيهِ تِمْثَالُ رَجُلٍ، وَكَانَ فِي الْبَيْتِ قِرَامُ سِتْرٍ فِيهِ تَمَاثِيلُ، وَكَانَ فِي الْبَيْتِ كَلْبٌ، فَمُرْ بِرَأْسِ التِّمْثَالِ الَّذِي فِي بَابِ الْبَيْتِ يُقْطَعْ، يُصَيَّرُ كَهَيْئَةِ الشَّجَرَةِ، وَأْمُرْ بِالسِّتْرِ يُقْطَعْ فَيُجْعَل وِسَادَتَيْنِ مُنْتَبَذَتَيْنِ تُوطَآنِ، وَأْمُرْ بِالْكَلْبِ يُخْرَجْ. فَفَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، وَإِذَا الْكَلْبُ جَرْوٌ، وَكَانَ لِلْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ تَحْتَ نَضيدٍ لَهُمْ. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ.

- وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: الَّذِينَ يَصْنَعُونَ هَذِهِ الصُّوَرَ يُعَذَّبُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، يُقَالُ لَهُمْ: أَحْيُوا مَا خَلَقْتُمْ.

- وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَجَاءَهُ رَجُلٌ فَقَالَ: إنِّي أُصَوِّرُ هَذِهِ التَّصَاوِيرَ، فَأَفْتِنِي فِيهَا. فَقَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: كُلُّ مُصَوِّرٍ فِي النَّارِ، يُجْعَلُ لَهُ بِكُلِّ صُورَةٍ صَوَّرَهَا نَفْسًا تُعَذِّبُهُ فِي جَهَنَّمَ، فَإِنْ كُنْتَ لَا بُدَّ فَاعِلًا فَاجْعَل الشَّجَرَ وَمَا لَا نَفْسَ لَهُ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِمَا.

الشيخ: وهذه الأحاديث كلها تدل على تحريم استعمال الصور، وأنه لا يجوز التَّصوير لذوات الأرواح، ولا جعل الصور في البيت في الجدران، أو في الستور، بل يجب إزالة ذلك، وإذا كان في سترٍ يجب أن يُقطع حتى يكون وسائد أو فراش، ولا يكون سترًا منصوبًا.

وهكذا الصَّليب يجب نقضه، ما كان النبيُّ يدع شيئًا فيه تصليب إلا نقضه وأزاله، فلا تكون في البيت تصاليب، بل تُزال، ولا يكون فيه تصاوير في الجدران، أو في الستور، أما كون الصورة في وسادةٍ أو فراشٍ فلا حرج؛ لأنها تُمتهن، فإذا كانت في شيءٍ يُوطأ فلا بأس، كما في حديث جبرائيل، وحديث عائشة في الوسادة، فإذا كانت الصورةُ في بساطٍ يُوطأ، أو كرسي، أو وسادة، فلا حرج، أما أن تكون في سترٍ يُنصب على الجدار، أو على الباب، أو في السَّقف، فهذا لا يجوز، بل يجب إزالته؛ لهذه الأحاديث الصَّحيحة عن رسول الله عليه الصلاة والسلام.

وكان جبرائيلُ أتى النبيَّ ﷺ يزوره، فلم يدخل، وأخبر النبيَّ بأسباب عدم دخوله: أنه يُوجد سترٌ فيه تصاوير، وقرام فيه تصاوير، وكلب، فأمره جبرائيلُ أن يأمر برأس التِّمثال فيُقطع، وبالستر تُتَّخذ منه وسادتان تُوطآن، وبالكلب أن يُخرج، وكان الكلبُ جروًا، يعني: كلب صغير للحسن أو الحسين، تحت نضدٍ لهم.

فهذا يدل على أنه إذا قطع الرأس زال الحكم، إذا كانت موجودة صورة في جدارٍ، أو في ثوبٍ، أو في أي شيءٍ وقُطع رأسه زال الحكم، وهكذا إذا جعل الثوب الذي فيه الصورة في بساطٍ يُوطأ أو وسادةٍ فلا حرج.

س: كيف تكون بيوتنا ومنازلنا معمورةً بالخير؟

الشيخ: إذا خلت مما حرَّم الله، وتعمر بالخير: بقراءة القرآن، والذكر، ويُزال منها ما حرَّم الله: من نصب الصور هذه على الجدران، أو التَّصاليب يجب أن تُزال كما أمر النبُّي ﷺ، فإذا سلمت من هذا الذي نهى عنه الرسول فلا بأس، إذا سلمت وعمرت بالقرآن وذكر الله جلَّ وعلا فالحمد لله.

 

بَابُ مَا جَاءَ فِي لُبْسِ الْقَمِيصِ وَالْعِمَامَةِ وَالسَّرَاوِيلِ

- عَنْ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ: قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ يَتَسَرْوَلُونَ وَلَا يَأْتَزِرُونَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: تَسَرْوَلُوا وَائْتَزِرُوا وَخَالِفُوا أَهْلَ الْكِتَابِ رَوَاهُ أَحْمَدُ.

- وَعَنْ مَالِكِ بْنِ عُمَيْرٍ قَالَ: بِعْتُ من رَسُولِ اللَّهِ ﷺ رِجْلَ سَرَاوِيلَ قَبْلَ الْهِجْرَةِ، فَوَزَنَ لِي، فَأَرْجَحَ لِي. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ.

- وَعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ: كَانَ أَحَبَّ الثِّيَابِ إلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ القَمِيصُ. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ.

- وَعَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ يَزِيدَ قَالتْ: كَانَتْ يَدُ كُمِّ قَمِيصِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ إلَى الرُّسْغِ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ.

- وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَلْبَسُ قَمِيصًا قَصِيرَ الْيَدَيْنِ وَالطُّولِ. رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ.

- وَعَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إذَا اعْتَمَّ سَدَلَ عِمَامَتَهُ بَيْنَ كَتِفَيْهِ. قَالَ نَافِعٌ: وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يسْدِلُ عِمَامَتَهُ بَيْنَ كَتِفِهِ. رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ.

الشيخ: كل هذه الأحاديث تدل على جواز لبس السَّراويل والإزار والقميص، وأنه لا حرج في هذا؛ يلبس السَّراويل، أو الإزار، أو القميص، كله لا حرج فيه؛ لأنَّ الرسول ﷺ فعل ذلك.

فالسنة للمؤمن أن يفعل ما يسَّر الله له من قميصٍ أو سراويل أو إزار، والقميص أفضل؛ لأنه أكمل في الستر، القميص أكمل، وإذا لبس إزارًا ورداءً فلا بأس، وإذا لبس إزارًا مع القميص، أو سراويل مع القميص فلا بأس، كل ذلك والحمد لله حسن.

المقدم: شكر الله لكم يا سماحة الشيخ، وبارك الله فيكم وفي علمكم، ونفع بكم الإسلام والمسلمين.