باب هيئات الركوع

المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على قائد الغُر المحجلين نبينا محمدٍ، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أيها الإخوة والأخوات، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، ومرحبًا بحضراتكم إلى درسٍ مباركٍ من دروس "المنتقى".

ضيف هذا الدرس هو سماحة العلامة الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن باز، المفتي العام للمملكة العربية السعودية، ورئيس هيئة كبار العلماء.

مع مطلع هذا اللِّقاء نُرحب بسماحة الشيخ، فأهلًا ومرحبًا يا سماحة الشيخ.

الشيخ: حياكم الله وبارك فيكم.

المقدم: وقف بنا الحديثُ في درس "المنتقى" عند باب هيئات الركوع.

- عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ عُقْبَةَ بْنِ عَمْرٍو: أَنَّهُ رَكَعَ فَجَافَى يَدَيْهِ، وَوَضَعَ يَدَيْهِ عَلَى رُكْبَتَيْهِ، وَفَرَّجَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ مِنْ وَرَاءِ رُكْبَتَيْهِ، وَقَالَ: هَكَذَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يُصَلِّي. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ.

- وَفِي حَدِيثِ رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعٍ، عَن النَّبِيِّ ﷺ: وَإِذَا رَكَعْتَ فَضَعْ رَاحَتَيْكَ عَلَى رُكْبَتَيْكَ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.

- وَعَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: صَلَّيْتُ إلَى جَنْبِ أَبِي، فَطَبَقْتُ بَيْنَ كَفَّيَّ، ثُمَّ وَضَعْتُهُمَا بَيْنَ فَخِذَيَّ، فَنَهَانِي عَنْ ذَلِكَ وَقَالَ: كُنَّا نَفْعَلُ هَذَا، وَأُمِرْنَا أَنْ نَضَعَ أَيْدِيَنَا عَلَى الرُّكَبِ. رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ.

الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومَن اهتدى بهداه.

أما بعد: فهذه الأحاديث تدل على شرعية وضع الأيدي حال الركوع على الركب، هذا هو السنة، مع مجافاة العضدين عن الجنبين، فيضع يديه على ركبتيه مُفرجتي الأصابع، وكانوا في أول الأمر -أول الإسلام- يضعون اليدين مُطبقتين بين الفخذين، ثم نُسخ ذلك كما في حديث سعدٍ، وأُمر المسلمون أن يضعوا أيديهم على الركبتين حال الركوع، مع مجافاة العضدين عن الجنبين، مع تسوية الظهر، وجعل الرأس حياله في حال الركوع، هذا هو السنة التي بيَّن الرسولُ ﷺ للناس.

س: ما نصيحتكم لمن لا يحني ظهره في الركوع؟

الشيخ: يكون خالف السنة، والركوع صحيح، لكن خالف السنة، لا بدَّ أن يحني ظهره حتى يستوي مع رأسه، يكون رأسه حيال ظهره، يحني ظهره حنوًّا كاملًا كما كان النبيُّ يفعل ﷺ.

س: وضع اليدين بين الرُّكبتين ما حكمه؟

الشيخ: كله سنة.

س: متى يجوز الإيماءُ في الركوع؟

الشيخ: إذا عجز عن الركوع لمرضٍ في ظهره مثلًا يكفيه النية، يركع بالنية، يقول: الله أكبر، وينوي الركوع بالنية، كالذي يُصلي على جنبه لمرضٍ، أو واقف ولكن ما يستطيع الركوع، أو جالس ولا يستطيع الركوع لمرضٍ؛ يُكبر وينوي الركوع، ويُكبر وينوي السجود إذا عجز عن السُّجود.

س: سماحة الشيخ، مسابقة الإمام ومُوافقته في الركوع والسجود هل تُبطل الصلاة؟

الشيخ: لا تجوز مُسابقته: لا في الركوع، ولا في السجود، بل يحرم على المصلي ذلك، وتعمد ذلك يُبطل الصلاة، إذا تعمد ذلك، لكن إذا وقع عن سهوٍ لا يضرّ، يرجع ويركع بعده، ويسجد بعده.

 

بَابُ الذِّكْرِ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ

- عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ: صَلَّيْتُ مَعَ النَّبِيِّ ﷺ، فَكَانَ يَقُولُ فِي رُكُوعِهِ: سُبْحَانَ رَبِّي الْعَظِيمِ، وَفِي سُجُودِهِ: سُبْحَانَ رَبِّي الْأَعْلَى، وَمَا مَرَّتْ بِهِ آيَةُ رَحْمَةٍ إلَّا وَقَفَ عِنْدَهَا يَسْأَلُ، وَلَا آيَةُ عَذَابٍ إلَّا تَعَوَّذَ مِنْهَا. رَوَاهُ الْخَمْسَةُ، وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ.

- وَعَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ [الواقعة:74] قَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: اجْعَلُوهَا فِي رُكُوعِكُمْ، فَلَمَّا نَزَلَتْ سَبِّحْ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى [الأعلى:1] قَالَ: اجْعَلُوهَا فِي سُجُودِكُمْ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ.

- وَعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ كَانَ يَقُولُ فِي رُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ: سُبُّوحٌ قُدُّوسٌ رَبُّ الْمَلَائِكَةِ وَالرُّوحِ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ.

- وَعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يُكْثِرُ أَنْ يَقُولَ فِي رُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ: سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا وَبِحَمْدِكَ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي يَتَأَوَّلُ الْقُرْآنَ. رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا التِّرْمِذِيَّ.

- وَعَنْ عَوْنِ بنِ عَبْدِاللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: إذَا رَكَعَ أَحَدُكُمْ فَقَالَ فِي رُكُوعِهِ: سُبْحَانَ رَبِّي الْعَظِيمِ، ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، فَقَدْ تَمَّ رُكُوعُهُ، وَذَلِكَ أَدْنَاهُ، وَإِذَا سَجَدَ فَقَالَ فِي سُجُودِهِ: سُبْحَانَ رَبِّي الْأَعْلَى، ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، فَقَدْ تَمَّ سُجُودُهُ، وَذَلِكَ أَدْنَاهُ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَأَبُو دَاوُد، وَابْنُ مَاجَهْ، وَهُوَ مُرْسَلٌ؛ عَوْنٌ لَمْ يَلْقَ ابْنَ مَسْعُودٍ.

- وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: مَا صَلَّيْتُ وَرَاءَ أَحَدٍ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ أَشْبَهَ صَلَاةً بِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ مِنْ هَذَا الْفَتَى. يَعْنِي: عُمَرَ بْنَ عَبْدِالْعَزِيزِ. قَالَ: فَحَزَرْنَا فِي رُكُوعِهِ عَشْرَ تَسْبِيحَاتٍ، وَفِي سُجُودِهِ عَشْرَ تَسْبِيحَاتٍ. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ.

الشيخ: هذه الأحاديث تدل على شرعية هذا الذِّكر، وأنَّ المؤمن في صلاته إذا ركع يقول: سبحان ربي العظيم، سبحان ربي العظيم. الرجل والمرأة في الركوع يقولان: سبحان ربي العظيم، سبحان ربي العظيم. وفي السجود يقول: سبحان ربي الأعلى.

وفي الحديث الآخر: أن الرسول أمر بذلك لما نزلت: فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ [الواقعة:74]، قال: اجعلوها في ركوعكم، ولما نزلت: سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى [الأعلى:1] قال: اجعلوها في سجودكم.

ويقول ﷺ: صلوا كما رأيتُموني أُصلي، وكان يقول في سجوده: سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، اللهم اغفر لي، كما ذكرت عائشةُ رضي الله عنها، ويقول: سبوح قدوس ربّ الملائكة والروح.

وفي حديث عوف بن مالك عند أحمد وغيره يقول: سبحان ذي الجبروت والملكوت والكبرياء والعظمة في ركوعه وسجوده، سبحان ذي الجبروت والملكوت والكبرياء والعظمة، هذا هو السنة في الركوع والسجود: أن يفعل المؤمنُ ما فعله الرسولُ ﷺ.

وكان في صلاة الليل إذا مرت به آيةُ رحمةٍ سأل، وإذا مرت به آيةُ وعيدٍ تعوذ، وإذا مرت به آيةُ تسبيحٍ سبَّح، كان هذا في صلاة الليل، كما في حديث حذيفة.

فينبغي للمؤمن أن يتحرى صلاةَ النبي ﷺ، والأفضل أن يكون سجوده وركوعه بطُمأنينة قدر عشر تسبيحات، كما ذكر أنس عن عمر بن عبدالعزيز، وأنه أشبه الناس صلاةً بالنبي ﷺ، فإذا كرر التَّسبيح في الركوع والسجود عشر تسبيحات أو خمس أو سبع، كل هذا حسن، والواجب مرة، والزائد كله سنة، فإذا كرر ثلاثًا أو خمسًا أو سبعًا أو عشرًا كله سنة.

ويقول أنسٌ : أنه ما رأى أحدًا أشبه صلاة برسول الله ﷺ من عمر بن عبدالعزيز.

قال الراوي: حزرنا ما يقول في الركوع والسجود "سبحان ربي العظيم" عشر مرات. فهذا يدل على الطمأنينة وكمال الخشوع في الركوع والسجود، والإتيان بهذا الذكر العظيم؛ لأنَّ هذا أكمل في الخضوع، وأكمل في الطمأنينة.

س: الحدّ الأدنى لقول: "سبحان ربي العظيم"؟

الشيخ: مرة واحدة، هذا الواجب، وأنَّ الكمال ثلاث، كما في حديث عون بن عبدالله المرسل، عون بن عبدالله بن عتبة.

س: لو قال: "سبحان ربي الأعلى" في الركوع، و"سبحان ربي العظيم" في السجود، هل يُجزئ ذلك؟

الشيخ: إذا كان ناسيًا يسجد للسَّهو، ما يُجزئ، الواجب أن يقول في الركوع: "سبحان ربي العظيم"، وفي السجود: "سبحان ربي الأعلى"، والمناسبة أنَّ الركوع حال خضوعٍ، فيقول: العظيم؛ تنزيهًا لله عن الذل، فهو العظيم ، والسجود حال تسفل ولصوق بالأرض، فناسب فيها أن يقول: "سبحان ربي الأعلى"؛ لأنه فوق العرش جلَّ وعلا، هو العالي فوق خلقه، فناسب في الركوع: العظيم؛ تعظيمًا لله، وناسب في السجود: الأعلى؛ لعلو الله، وأنه لا شبيهَ له، وليس كالمخلوق الذي هو لاصق بالأرض.

س: حكم قول: اللهم لك ركعتُ، وبك آمنتُ، ولك أسلمتُ؟

الشيخ: مُستحبة: "اللهم لك ركعتُ، وبك آمنتُ، ولك أسلمتُ، خشع لك سمعي وبصري ومخي وعظمي وعصبي"، وقوله في السجود: "اللهم لك سجدتُ، وبك آمنتُ، ولك أسلمتُ، سجد وجهي للذي خلقه وصوَّره وشقَّ سمعه وبصره بحوله وقوته"، كل هذا مستحبّ في سجود الصلاة، وسجود التلاوة، وفي سجود السَّهو، كلها.

س: ما معنى: "سبّوح قدوس"؟

الشيخ: يعني: أنت سبوح، يعني: مُسبح مُقدس، سبوح قدوس يعني: أنت المنزه والمقدس، الرب جلَّ وعلا.

س: بالنسبة للوقوف عند آية الرحمة وآية العذاب، هل هو خاصّ بصلاة النَّافلة؟

الشيخ: الأفضل في النَّافلة في الليل، في التهجد بالليل؛ لأنَّ الرسول ما كان يفعله في الفريضة، ولو فعله لا بأس، كما قال جماعةٌ من أهل العلم، لو فعله في الفريضة لا حرج، لكن تركه أولى؛ لأنَّ المحفوظ إنما فعله النبيُّ ﷺ في صلاة الليل، كان إذا مرت به آيةُ رحمةٍ سأل، إذا مرَّ بذكر الجنة أو الرحمة سأل ربَّه، وإذا مرَّ بذكر النار تعوَّذ من النار، وإذا مرَّ بذكر الرحمن وأسمائه وصفاته سبَّح الله سبحانه، هذا في صلاة الليل، كما صلَّى مع حُذيفة .

س: حفظكم الله، "سبوح قدوس ربّ الملائكة والروح" الروح هو جبريل عليه السلام؟

الشيخ: هذا المشهور، نعم.

س: لم خصّ بالذكر؟

الشيخ: لأنه ملك عظيم: يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلَائِكَةُ صَفًّا لَا يَتَكَلَّمُونَ [النبأ:38]، هذا من أسمائه العظيمة؛ لأنَّ الله أنزل على يديه روح الأمة، وهو القرآن، أنزل عليه الوحي بواسطة جبرائيل عليه الصلاة والسلام.

س: ما الانحناء المجزئ في الركوع؟

الشيخ: حتى تمسّ يداه ركبتيه، ينحني حتى يستطيع مسّ ركبتيه.

بَابُ النَّهْيِ عَنِ الْقِرَاءَةِ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ

- عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَشَفَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ السِّتَارَةَ وَالنَّاسُ صُفُوفٌ خَلْفَ أَبِي بَكْرٍ، فَقَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إنَّهُ لَمْ يَبْقَ مِنْ مُبَشِّرَاتِ النُّبُوَّةِ إلَّا الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ، يَرَاهَا الْمُسْلِمُ أَوْ تُرَى لَهُ، أَلَا وَإِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَقْرَأَ الْقُرْآنَ رَاكِعًا أَوْ سَاجِدًا، أَمَّا الرُّكُوعُ فَعَظِّمُوا فِيهِ الرَّبَّ، وَأَمَّا السُّجُودُ فَاجْتَهِدُوا فِي الدُّعَاءِ، فَقَمِنٌ أَنْ يُسْتَجَابَ لَكُمْ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ وَأَبُو دَاوُد.

الشيخ: هذا هو السنة: في الركوع تعظيم الرب، وفي السجود الدعاء، مع "سبحان ربي الأعلى"؛ ولهذا قال ﷺ: أما الركوع فعظِّموا فيه الربّ، لا يقرأ فيه القرآن، ولا في السجود، فالقراءة محل الوقوف، القراءة فيما يُصلي قائمًا، في محل الوقوف، ومَن يُصلي قاعدًا في حال القعود، أما الركوع والسجود فلا يقرأ فيه القرآن، ولكن في الركوع التعظيم: "سبحان ربي العظيم، سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، اللهم اغفر لي، سبوح قدوس ربّ الملائكة والروح، اللهم لك ركعتُ، وبك آمنتُ، ولك أسلمتُ .." إلى آخره، هذا كله تعظيم لله، وفي السُّجود يقول: "سبحان ربي الأعلى، سبحان ربي الأعلى، سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، اللهم اغفر لي"، ويجتهد في الدُّعاء مع ذلك، وفي حديث أبي هريرة يقول ﷺ: أقرب ما يكون العبدُ من ربه وهو ساجد، فأكثروا الدُّعاء.

وفي حديث عليٍّ: أما الركوع فعظِّموا فيه الربّ، وأما السجود فاجتهدوا في الدُّعاء، فقمنٌ يعني: حريٌّ أن يُستجاب لكم.

س: في هذا الحديث ما معنى: "مُبشرات النبوة"؟

الشيخ: الرؤيا الصالحة كانت مبشرات، ثم ختم الله النبوة ببعث محمدٍ ﷺ، كانت الرؤيا الصَّالحة من المبشرات التي يراها المسلمُ أو تُرى له.

س: ماذا يفعل مَن رأى الرؤيا الطيبة؟

الشيخ: يحمد الله ويُحدِّث بها مَن يُحب، وإذا رأى رؤيا يكرهها فلا يُحدث بها أحدًا، ويستعيذ بالله من شرِّها، إذا رأى ما يكره يتفل عن يساره ثلاث مرات ويقول: "أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ومن شرِّ ما رأيتُ"، ثلاث مرات، وينقلب على جنبه الآخر؛ فإنها لا تضرّه، ولا يُخبر بها أحدًا، أما الرؤيا الصَّالحة فيحمد الله عليها، ويُخبر بها مَن يُحبّ.

س: القراءة حال السجود هل هي محرَّمة؟

الشيخ: نعم، ما تجوز القراءة، ولا حال الركوع، لا يجوز أن يقرأ راكعًا ولا ساجدًا، ولكن في الركوع يُعظم الرب: "سبحان ربي العظيم، سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، اللهم اغفر لي، سبوح قدوس، ربّ الملائكة والروح، اللهم لك ركعتُ، وبك آمنتُ، ولك أسلمتُ، خشع لك سمعي وبصري، ومخي وعظمي وعصبي"، وفي السجود كذلك: "سبحان ربي الأعلى"، لكن يزيد الدُّعاء.

س: ما المواضع التي يظنّ فيها إجابة الدُّعاء؟

الشيخ: أحراها السجود، وآخر الصلاة قبل أن يُسلم في الصلاة، في السجود وفي آخر الصلاة قبل أن يُسلم، بعد الصلاة على النبيِّ ﷺ.

س: هل يجوز أن يدعو المسلمُ في أمور الدنيا حال السُّجود؟

الشيخ: لا حرج؛ لعموم الأحاديث: "اللهم ارزقني رزقًا حلالًا، اللهم ارزقني زوجةً صالحةً، اللهم ارزقني سكنًا مريحًا، اللهم ارزقني رفقةً صالحةً"، وما أشبه ذلك لا حرج؛ لعموم قوله عليه الصلاة والسلام: وأما السجود فاجتهدوا في الدُّعاء، ما خصَّ شيئًا، وقوله ﷺ: أقرب ما يكون العبدُ من ربِّه وهو ساجد، فأكثروا الدُّعاء، ما خصَّ شيئًا عليه الصلاة والسلام، هذا يعمّ أنواع الدُّعاء، سواء كان فيما يتعلق بالدِّين أو الدنيا.

بَابُ مَا يَقُولُ فِي رَفْعِهِ مِنَ الرُّكُوعِ وَبَعْدَ انْتِصَابِهِ

- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إذَا قَامَ إلَى الصَّلَاةِ يُكَبِّرُ حِينَ يَقُومُ، ثُمَّ يُكَبِّرُ حِينَ يَرْكَعُ، ثُمَّ يَقُولُ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ حِينَ يَرْفَعُ صُلْبَهُ مِنَ الرَّكْعَةِ، ثُمَّ يَقُولُ وَهُوَ قَائِمٌ: رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ، ثُمَّ يُكَبِّرُ حِينَ يَهْوِي سَاجِدًا، ثُمَّ يُكَبِّرُ حِينَ يَرْفَعُ رَأْسَهُ، ثُمَّ يُكَبِّرُ حِينَ يَهْوِي سَاجِدًا، ثُمَّ يُكَبِّرُ حِينَ يَرْفَعُ رَأْسَهُ، ثُمَّ يَفْعَلُ ذَلِكَ فِي الصَّلَاةِ كُلِّهَا، وَيُكَبِّرُ حِينَ يَقُومُ مِنَ الثِّنْتَيْنِ بَعْدَ الْجُلُوسِ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَفِي رِوَايَةٍ لَهُما: رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ.

- وَعَنْ أَنَسٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: إذَا قَالَ الْإِمَامُ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، فَقُولُوا: رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

- وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ كَانَ إذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ قَالَ: اللَّهُمَّ رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ مِلْءَ السَّمَاوَاتِ، وَمِلْءَ الْأَرْضِ، وَمِلْءَ مَا بَيْنَهُمَا، وَمِلْءَ مَا شِئْتَ مِنْ شَيْءٍ بَعْدُ، أَهْلَ الثَّنَاءِ وَالْمَجْدِ، لَا مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْتَ، وَلَا مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْتَ، وَلَا يَنْفَعُ ذَا الْجَدِّ مِنْكَ الْجَدُّ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ.

الشيخ: هذه الأحاديث تُبين صفة صلاة النبي ﷺ، وأنه كان يبدأها بالتَّكبير، تكبيرة الإحرام: الله أكبر، ثم يستفتح ويقول: اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدتَ بين المشرق والمغرب، اللهم نقِّني من خطاياي كما يُنقَّى الثوبُ الأبيضُ من الدَّنس، اللهم اغسلني من خطاياي بالثَّلج والماء والبرد.

وفي بعض الأحيان يستفتح بدعاءٍ آخر: سبحانك اللهم وبحمدك، وتبارك اسمك، وتعالى جدُّك، ولا إله غيرك، ثم يتعوذ بالله من الشيطان، يقول: "أعوذ بالله من الشيطان الرجيم"، ثم يُسمِّي: "بسم الله الرحمن الرحيم"، ثم يقرأ الحمد -الفاتحة- ثم يقرأ بعدها ما تيسر من القراءة، ثم يركع، يقول: "الله أكبر" راكعًا، ويرفع يديه إلى حيال منكبيه، أو حيال أذنيه، تارةً حيال منكبيه، وتارةً حيال أذنيه قائلًا: "الله أكبر"، ثم يقول: "سبحان ربي العظيم، سبحان ربي العظيم، سبحان ربي العظيم، سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، اللهم اغفر لي، سبُّوح قدوس ربّ الملائكة والروح .."، كل هذا جاء عنه عليه الصلاة والسلام.

فالمشروع للمسلمين أن يتأسَّوا به، الرجال والنساء، في ركوعه وغيره عليه الصلاة والسلام، ثم يقول: "سمع الله لمن حمده"، وهذا هو المشروع للإمام: أن يقول: "سمع الله لمن حمده" عند رفعه من الركوع، وهكذا المنفرد الذي يُصلي وحده إذا رفع من الركوع يقول: "سمع الله لمن حمده"، ثم يقول الإمامُ والمنفردُ: "ربنا ولك الحمد"، بعد أن ينتصب قائمًا: "ربنا ولك الحمد"، أو "اللهم ربنا لك الحمد"، جاء هذا وهذا عن النبيِّ ﷺ، أو "ربنا لك الحمد" بدون واوٍ، جاء هذا وهذا وهذا عنه عليه الصلاة والسلام، يقوله بعدما ينتصب قائمًا، عند الرفع يقول: "سمع الله لمن حمده"، الإمام والمنفرد، وإذا انتصب قائمًا بعد هذا قال: "ربنا ولك الحمد"، أو "اللهم ربنا ولك الحمد"، أو "اللهم ربنا لك الحمد"، بواو وعدمها، كله جاء عن النبيِّ ﷺ.

هذا هو الواجب، وإذا زاد وقال: "حمدًا كثيرًا ملء السَّماوات، وملء الأرض، وملء ما بينهما، وملء ما شئتَ من شيءٍ بعد" هذا أكمل، وإذا زاد: "أهل الثناء والمجد، أحقّ ما قال العبدُ، وكلنا لك عبد، اللهم لا مانعَ لما أعطيتَ، ولا مُعطي لما منعتَ، ولا ينفع ذا الجدّ، منك الجد"، فهذا أيضًا مستحب، ومن الكمال في حال انتصابه بعد الركوع، والواجب: "ربنا ولك الحمد" بعد قوله: "سمع الله لمن حمده".

أما المأموم عند الرفع يقول: "ربنا ولك الحمد" من الركوع، "سمع الله لمن حمده" خاصّ بالإمام والمنفرد، أما المأموم فيقول: "ربنا ولك الحمد" عند الرفع من الركوع، والأفضل أن يُكمل: "حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه، ملء السَّماوات، وملء الأرض، وملء ما بينهما، وملء ما شئتَ من شيءٍ بعد"، هذا أفضل: التكميل.

وإن زادوا جميعًا -الإمام والمنفرد والمأموم- بعد هذا: "أهل الثناء والمجد" يعني: أخصّ أهل الثناء والمجد، "أحقّ ما قال العبدُ" يعني: هذا أحقّ ما قال العبدُ، "وكلنا لك عبد" يعني: كل الناس عبيد لله، "اللهم لا مانعَ لما أعطيتَ، ولا مُعطي لما منعتَ، ولا ينفع ذا الجدّ، منك الجدّ"، كل هذا مستحبّ بعد الركوع.

وكان يُكبر عند سجوده: "الله أكبر"، وعند الرفع من السجود: السجدة الأولى، والسجدة الثانية، كما ذكر أبو هريرة وغيره، هذا هو الواجب، مثلما فعل النبيُّ ﷺ، وكذلك يُكبر إذا قام من التَّشهد الأول للثالثة، يقول: "الله أكبر" في الظهر والعصر والمغرب والعشاء.

س: يرى بعضُ العلماء أنَّ التكبير يجب أن يكون مُقارنًا للرفع، لكن بعض الأئمة إذا اعتدل قائمًا قال: سمع الله لمن حمده، وكذلك باقي الأركان؟

الشيخ: المشروع عند النُّهوض، المشروع للمؤمن عند نهوضه من الركوع يقول: "سمع الله لمن حمده" قبل أن يستتمَّ، وعند النهوض من السجود يقول: "الله أكبر" قبل أن يستتمَّ، وإذا تأخَّر قوله فأرجو أن لا حرج، لكنه خالف السنة، السنة أن يُلاحظ أن يقول: "سمع الله لمن حمده" عند الرفع، ثم بعد الانتصاب يقول: "ربنا ولك الحمد" أو "اللهم ربنا لك الحمد".

س: بالنسبة للإمام هل يجب أن يقول: "ربنا ولك الحمد" حال الرفع، أم يقول ذلك بعد اعتداله من الركوع؟

الشيخ: بعد اعتداله، وبعد التَّسميع، كالمنفرد.

س: ما الحكم لو أتى بصيغةٍ غير هذه الصيغة، كأن يقول: "سمع الله لمن شكره"؟

الشيخ: ليس له إلا أن يأتي بما شرع الله، لا يبتدع: صلّوا كما رأيتُموني أُصلي، يقوله ﷺ، ليس لأحدٍ أن يبتدع في الدّين.

س: بعض الناس يقول: "ربنا ولك الحمد، ولك الشكر"؟

الشيخ: تركها أفضل: "ربنا ولك الحمد" يكفي.

 

بَابٌ فِي الِانْتِصَابِ بَعْدَ الرُّكُوعِ فَرْضٌ

- وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: لَا يَنْظُرُ اللَّهُ إلَى صَلَاةِ رَجُلٍ لَا يُقِيمُ صُلْبَهُ بَيْنَ رُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ رَوَاهُ أَحْمَدُ.

- وَعَنْ عَلِيِّ بْنِ شَيْبَانَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يُقِمْ صُلْبَهُ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ.

- وَعَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: لَا تُجْزِئُ صَلَاةٌ لَا يُقِيمُ فِيهَا الرَّجُلُ صُلْبَهُ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ رَوَاهُ الْخَمْسَةُ، وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ.

الشيخ: كل هذا يدل على وجوب الاعتدال في الركوع والسجود، وأنَّ الواجب على مَن يقدر أن يستقيم في الركوع والسجود، ينحني انحناءً كاملًا؛ حتى يضع يديه على ركبتيه، هذا هو السنة، ويسجد حتى يضع جبهته على الأرض، يجب عليه أن يُلاحظ هذا، كما فعله النبيُّ ﷺ، وكما أمر به عليه الصلاة والسلام: صلُّوا كما رأيتُموني أُصلي، فالواجب على المؤمن والمؤمنة أن يُلاحظ ذلك، وأن يُقيم صلبه في الركوع: يركع ركوعًا تامًّا، حتى يديه على ركبته، يعتمد عليهما، ويسجد سجودًا تامًّا حتى يضع يديه في الأرض.

س: متى نحكم على الشَّخص بأنه أقام صلبه؟

الشيخ: إذا مسّت يداه ركبتيه في الركوع، وإذا وضع يديه في الأرض ساجدًا، وجبهته، وأنفه.

س: الفقهاء رحمهم الله يقولون: هذا ركنٌ، وهذا شرط، وهذا سنة، الحكم من الكتاب والسنة في ذلك؟

الشيخ: هذا بتتبع الأدلة، أخذوه من الأدلة، من قوة الأدلة، وتتبع الأدلة، فالشرط ما لا تصحّ إلا به، لا بدَّ منه، مثل: الطهارة، واستقبال القبلة، بفقده تبطل الصلاة، إلا من عذرٍ شرعي، والواجب ما دلَّت الأدلةُ على فرضيته، لكنها ليست في القوة كأدلة الركن، فالركوع ركن، والسجود ركن، وقول: "سبحان ربي العظيم" في الركوع واجب، "سبحان ربي الأعلى" في السجود، واجب؛ لأنَّ الأدلة على وجوب الركوع والسجود أقوى؛ فلهذا قالوا: إنها ركن، يعني: جزء الصلاة، لا تتم إلا بها، لا تسقط عمدًا ولا سهوًا، وهذا من قوة الأدلة وتفاصيلها.

س: هل هناك فرقٌ بين الفرض والرُّكن؟

الشيخ: الفرض والركن معناهما واحد، لكن قد يُطلق الفرض على الواجب، أما الركن فهو أوضح في الفرائض، وقد يُسمَّى الواجب: فرضًا، لكن الغالب على كثيرٍ من الفقهاء أنهم يُطلقون الفرض على الأركان.

س: يقول الأصوليون أنَّ كلمة "من السنة" تختلف في العهد النبوي عن المعنى الاصطلاحي عند الفقهاء وعلماء الأصول؟

الشيخ: تُطلق السنة على طريقة النبيِّ ﷺ، وعلى الواجب والمستحبّ، أما الفقهاء فيُطلقون السنة على النَّافلة، يُسمونها: سنة.

المقدم: شكر الله لكم سماحة الشيخ، وبارك الله فيكم وفي علمكم، ونفع بكم الإسلام والمسلمين.