30 من قوله: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ..)

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ ۝ وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلَالًا طَيِّبًا وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ [المائدة:87، 88].
قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: نزلت هذه الآية في رهط من أصحاب النبي ﷺ، قالوا: نقطع مذاكيرنا، ونترك شهوات الدنيا، ونسيح في الأرض كما يفعل الرهبان، فبلغ ذلك النبي ﷺ، فأرسل إليهم فذكر لهم ذلك، فقالوا: نعم، فقال النبي ﷺ: لكني أصوم وأفطر، وأصلي، وأنام، وأنكح النساء، فمن أخذ بسنتي فهو مني، ومن لم يأخذ بسنتي فليس مني رواه ابن أبي حاتم. 
الشيخ: والواجب التوسط وعدم الغلو، فالمؤمن يتقي الله، ويعمل بشرع الله، ويأكل من الطيبات، ويستمتع بالطيبات من غير إسراف ولا مخيلة ولا تقصير، أما التشديد والغلو والإفراط فهذا ليس من شرع محمد -عليه الصلاة والسلام-، ولكنه من شرع الرهابين المبتدعين الذين ابتدعوا في الدين ما لم يأذن به الله، وحرموا الطيبات، وما أحل الله لهم وشقوا على أنفسهم، وكلفوها ما لا تطيق، وما لم يشرع الله لها ، ولهذا أنكر النبي هذا على من أراده من الصحابة، وأرادوا أن ينخلعوا للعبادة، وأن يتبتلوا بالعبادة، وأن يدعوا الطيبات .. ..........حتى همَّ بعضهم بالاختصاء، فأنكر عليهم -عليه الصلاة والسلام- .............. ولكن بين ذلك الوسط،.. قال: لكني أصلي وأنام، وأصوم وأفطر، وأتزوج النساء، وآكل اللحم وفي لفظ آخر: وأنام على فراش، فمن رغب عن سنتي فليس مني فالسنة هكذا، أداء ما أوجب الله وترك ما حرم الله................... وعدم الإفراط، وعدم التفريط، عدم الغلو، وعدم الجفاء، ولكن بين ذلك.
س: من ترك النكاح لغير رغبة؟
الشيخ: لا ينبغي، ينبغي له أن يتزوج ................. إلا إذا كان ما عنده شهوة هذا شيء آخر.. فالنبي والصحابة هم أفضل الناس .. الزواج.
س: ....................
الشيخ: التوسط في الأمور، لا ينبغي أن يكثرها إكثارًا يشغله عما هو أهم، خير الأمور أوساطها.
س.....................
وروى ابن مردويه من طريق العوفي عن ابن عباس نحو ذلك، وفي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها أن ناسًا من أصحاب رسول الله ﷺ سألوا أزواج النبي ﷺ عن عمله في السر، فقال بعضهم: لا آكل اللحم، وقال بعضهم: لا أتزوج النساء، وقال بعضهم: لا أنام على الفراش، فبلغ ذلك النبي ﷺ فقال: ما بال أقوام يقول أحدهم كذا وكذا، لكني أصوم وأفطر، وأنام وأقوم، وآكل اللحم،، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني.الطالب: قال في الحاشية: في الصحيحين عن عائشة قال كذا، والحديث في الصحيحين عن أنس بن مالك -رضي الله تعالى عنه-، ينظر صحيح البخاري وصحيح مسلم.
الشيخ: يراجع.
وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أحمد بن عصام الأنصاري، حدثنا أبو عاصم الضحاك بن مخلد، عن عثمان يعني ابن سعيد، أخبرني عكرمة عن ابن عباس أن رجلًا أتى النبي ﷺ فقال: يا رسول الله، إني إذا أكلت من هذا اللحم انتشرت للنساء، وإني حرمت علي اللحم، فنزلت يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ [المائدة:87]. وكذا رواه الترمذي وابن جرير جميعًا عن عمرو بن علي الفلاس عن أبي عاصم النبيل به. وقال: حسن غريب. وقد روي من وجه آخر مرسلًا، وروي موقوفا على ابن عباس، فالله أعلم.الطالب: عثمان بن سعيد مصحف هنا، صوابه عثمان بن سعد، هكذا رواه ابن جرير والترمذي جميعًا عن عمرو بن علي الفلاس كما ذكر الحافظ، وهو عثمان بن سعد الكاتب، أبو بكر البصري، ضعيف، من الخامسة، أخرج له أبو داود والترمذي، وهو الذي يروي عن عكرمة وعنه أبو عاصم (الضحاك بن مخلد).
الشيخ: راجعته من التقريب أيضًا؟
الطالب: نعم، وكذلك هذا كلام التقريب.
الشيخ: سعد نعم.
وقال سفيان الثوري ووكيع عن إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس بن أبي حازم، عن عبد الله بن مسعود، قال: كنا نغزو مع النبي ﷺ وليس معنا نساء، فقلنا: ألا نستخصي؟ فنهانا رسول الله ﷺ عن ذلك، ورخص لنا أن ننكح المرأة بالثوب إلى أجل، ثم قرأ عبد الله يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ الآية، أخرجاه من حديث إسماعيل، وهذا كان قبل تحريم نكاح المتعة، والله أعلم.الشيخ: كانوا في أول الأمر مباح للرجل أن يتزوج المرأة على الثوب والنعل والدرهم ونحوها إلى أجل، شهر شهرين ثم يفارقها، ثم حرم الله ذلك ونسخ، هذا الذي يسمى نكاح المتعة، أن ينكحها لمدة معينة ثم يفارقها.
س..........................
وقال الأعمش، عن إبراهيم، عن همام بن الحارث، عن عمرو بن شرحبيل، قال: جاء معقل بن مقرن إلى عبد الله بن مسعود فقال: إني حرمت فراشي، فتلا هذه الآية يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ. وقال الثوري، عن منصور، عن أبي الضحى، عن مسروق، قال: كنا عند عبد الله بن مسعود، فجيء بضرع فتنحى رجل، فقال له عبد الله: ادن، فقال: إني حرمت أن آكله، فقال عبد الله: ادن فاطعم وكفر عن يمينك، وتلا هذه الآية يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ الآية: رواهن ابن أبي حاتم.الشيخ: وهذا هو الصواب، إذا حرم ما أحل الله له حكمه حكم اليمين، إذا قال: والله لا آكل هذا الشيء أو هذا الطعام عليّ حرام ................ فحكمه حكم اليمين، يكفر عن يمينه، كما قال تعالى: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ۝ قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ  [التحريم:1-2]، المشهور أنه نزلت لما حرم العسل على نفسه، فهكذا إذا حرم السفر إلى كذا أو الزواج بفلانة أو ما أشبه فكفارته كفارة يمين، وأما .. كفارة الظهار إذا حرم الزوجة، هذا في كفارة الظهار خاصة.
وروى الحاكم هذا الأثر الأخير في مستدركه من طريق إسحاق بن راهويه، عن جرير، عن منصور به ثم قال: على شرط الشيخين، ولم يخرجاه، ثم قال ابن أبي حاتم: حدثنا يونس بن عبد الأعلى، حدثنا ابن وهب، أخبرني هشام بن سعد أن زيد بن أسلم حدثه أن عبد الله بن رواحة أضافه ضيف من أهله، وهو عند النبي ﷺ، ثم رجع إلى أهله فوجدهم لم يطعموا ضيفهم انتظارا له، فقال لامرأته: حبست ضيفي من أجلي هو علي حرام، فقالت امرأته: هو علي حرام. وقال الضيف: هو علي حرام، فلما رأى ذلك وضع يده وقال: كلوا باسم الله، ثم ذهب إلى النبي ﷺ فذكر الذي كان منهم، ثم أنزل الله يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وهذا أثر منقطع.الشيخ: لأن زيد بن أسلم ما أدرك ابن رواحة، ابن رواحة قتل في مؤتة سنة ثمان، وقد وقع مثل هذه القصة في أبي بكر الصديق أيضًا، وهذا وما أشبهه فيه كفارة يمين.
الطالب:....................
وفي صحيح البخاري في قصة الصديق مع أضيافه شبيه بهذا، وفيه وفي هذه القصة دلالة لمن ذهب من العلماء كالشافعي وغيره إلى أن من حرم مأكلًا أو ملبسًا أو شيئًا ما عدا النساء أنه لا يحرم عليه، ولا كفارة عليه أيضًا.الشيخ: هذا ضعيف، والصواب أنه لا يحرم عليه ولكن فيه كفارة، وإنما تكون كفارة الظهار في تحريم النساء خاصة.
الطالب:..................
 ولقوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ ولأن الذي حرم اللحم على نفسه كما في الحديث المتقدم لم يأمره النبي ﷺ بكفارة.الشيخ: ولكن جاءت الكفارة في غير ذلك، والنصوص يضم بعضها إلى بعض.
وذهب آخرون منهم الإمام أحمد بن حنبل إلى أن من حرم مأكلًا أو مشربًا أو ملبسًا أو شيئًا من الأشياء، فإنه يجب عليه بذلك كفارة يمين، كما إذا التزم تركه باليمين، فكذلك يؤاخذ بمجرد تحريمه على نفسه إلزامًا له بما التزمه، كما أفتى بذلك ابن عباس، وكما في قوله تعالى: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ [التحريم: 1] ، ثم قال: قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ [التحريم: 2]، وكذلك هاهنا لما ذكر هذا الحكم، عقبه بالآية المبينة لتكفير اليمين، فدل على أن هذا منزل منزلة اليمين في اقتضاء التكفير، والله أعلم........................
س: من قال بأن من حرم امرأته عليه كفارة؟
الشيخ: لا، الصواب أنه ظهار، إلا إذا كان التحريم معلقًا إن فعلت كذا فأنت علي حرام، وهو قصده منعها ما قصده تحريمها فهذا حكمه حكم اليمين، إذا علق علي شيء يقصد منعها منه أو حثها عليه، أما إذا قال: أنتِ علي حرام أو فلانة عليّ حرام مثل قوله: أنتِ علي كظهر أمي، هذا الصواب.
....................
وقال ابن جرير: حدثنا القاسم، حدثنا الحسين، حدثنا حجاج عن ابن جريج، عن مجاهد قال:
أراد رجال منهم عثمان بن مظعون وعبد الله بن عمرو أن يتبتلوا، ويخصوا أنفسهم، ويلبسوا المسوح، فنزلت هذه الآية إلى قوله: وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ [المائدة: 88]. قال ابن جريج، عن عكرمة: أن عثمان بن مظعون وعلي بن أبي طالب وابن مسعود والمقداد بن الأسود وسالما مولى أبي حذيفة في أصحابه تبتلوا، فجلسوا في البيوت، واعتزلوا النساء، ولبسوا المسوح، وحرموا طيبات الطعام واللباس، إلا ما يؤكل ويلبس أهل السياحة من بني إسرائيل، وهموا بالاختصاء، وأجمعوا لقيام الليل، وصيام النهار، فنزلت هذه الآية يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ يقول: لا تسيروا بغير سنة المسلمين، يريد ما حرموا من النساء والطعام واللباس، وما أجمعوا له من قيام الليل وصيام النهار، وما هموا به من الاخصاء، فلما نزلت فيهم بعث إليهم رسول الله ﷺ فقال: إن لأنفسكم حقًا، وإن لأعينكم حقًا، صوموا وأفطروا، وصلوا وناموا، فليس منا من ترك سنتنا فقالوا: اللهم سلمنا واتبعنا ما أنزلت.
وقد ذكر هذه القصة غير واحد من التابعين مرسلة، ولها شاهد في الصحيحين من رواية عائشة أم المؤمنين كما تقدم ذلك، ولله الحمد والمنة.
الشيخ: والمقصود من هذا أنه ليس للناس أن يشرعوا لأنفسهم ما لم يأذن به الله من تعبدات أو تحليل أو تحريم، بل لا بدّ من الإذن الشرعي؛ لأن العبيد مأمورون منهيون ليس لهم التشريع، إنما التشريع من الله --، وذم الله قومًا فعلوا ذلك فقال سبحانه: أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ [الشورى:21]، فليس لأحد أن يشرع ما لم يأذن به الله، قال تعالى: ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ [الجاثية:18]، وقال سبحانه: مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلَا سَائِبَةٍ وَلَا وَصِيلَةٍ وَلَا حَامٍ [المائدة:103]، هذه أشياء شرعها الكفار وحرموها من تلقاء أنفسهم فأبطلها الله، وفي الصحيحين من حديث عائشة رضي الله عنها أن جماعة من الصحابة سألوا أزواج النبي ﷺ عن عمله في السر فأخبروا أنه كان يصوم ويفطر وينام ويقوم ويأتي النساء، فقالوا: أين نحن من رسول الله ﷺ؟! فكأنهم تقالوا هذا العمل، تقالوا عمله، وقالوا: أين نحن من رسول الله ﷺ وقد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر؟! يعني أما نحن فنحن على خطر فلا بدّ أن نزيد على عمله، ولا بدّ أن نجاهد أنفسنا في أعمال نشرعها لأنفسنا، فقال بعضهم: أما أنا فأصلي ولا أنام، وقال الآخر: وأما أنا فأصوم ولا أفطر، وقال الآخر: أما أنا فلا أتزوج النساء، وقال الآخر: أما أنا فلا آكل اللحم، فلما بلغ ذلك النبي -عليه الصلاة والسلام- خطب الناس وحمد الله وأثنى عليه، وقال: ما بال أقوام قالوا كذا وكذا، أما إني والله لأخشاكم لله وأتقاكم له، ولكني أصلي وأنام وأصوم وأفطر، وأتزوج النساء، وفي رواية: وآكل اللحم، فمن رغب عن سنتي فليس مني.
ولما أراد عثمان بن مظعون أن يتبتل نهاه النبي عن هذا -عليه الصلاة والسلام-، وقال سعد بن أبي وقاص : لو أذن له لاختصينا، لو أذن له بالتبتل يعني ترك النساء وترك اللحوم وترك الزينة لاختصينا، فالرسول نهاهم عن هذا -عليه الصلاة والسلام-، وأخبرهم أن لهم في أنفسهم عليهم حقًا، وأن لأعينهم عليهم حقًا، وأن لأهليهم عليهم حقًا، وأن للزوجة على زوجها حقًا، وأن لزورك -يعني الضيف- عليك حقًا، فأعط كل ذي حق حقه، وهكذا قال لعبد الله بن عمرو لما أراد أن يتبتل قال: «إن لنفسك عليك حقًا، ولزوجك عليك حقًا، ولعينيك عليك حقًا، ولضيفك عليك حقًا، فأعط كل ذي حق حقه».
المقصود من هذا أن الواجب التقيد بالشريعة، فلا حرام إلا ما حرم الله ورسوله، ولا مشروع إلا ما شرعه الله ورسوله، ولا حلال إلا ما أحله الله ورسوله، فليس للناس أن يشرعوا، ولهذا قال -جل وعلا-: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ [المائدة:87]، وقال سبحانه: يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا [المؤمنون:51] وقال: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ [البقرة:172] فيأكل من الطيبات: من اللحوم، من أنواع الطيور، أنواع الحبوب، أنواع الفواكه، لا يترك ما أباح الله له، مع التقيد بالشريعة في عدم الإسراف وعدم التبذير وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا[الأعراف:31]، وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا[الإسراء:26].
....................
وقال أسباط عن السدي في قوله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ [المائدة: 87]، وذلك أن رسول الله ﷺ جلس يومًا فذكر الناس، ثم قام ولم يزدهم على التخويف، فقال ناس من أصحاب النبي ﷺ، كانوا عشرة منهم علي بن أبي طالب وعثمان بن مظعون: ما حقنا إن لم نحدث عملًا، فإن النصارى قد حرموا على أنفسهم فنحن نحرم، فحرم بعضهم أن يأكل اللحم والودك، وأن يأكل بالنهار، وحرم بعضهم النوم، وحرم بعضهم النساء، فكان عثمان بن مظعون ممن حرم النساء، فكان لا يدنو من أهله ولا يدنون منه، فأتت امرأته عائشة رضي الله عنها وكان يقال لها: الحولاء، فقالت لها عائشة ومن عندها من أزواج النبي ﷺ: ما بالك يا حولاء متغيرة اللون، لا تمتشطين ولا تتطيبين؟الطالب: عندنا ما خفنا بدل ما حقنا؟
الشيخ: ما خفنا أحسن لأن ................ خوفهم، خفنا يعني ما نكون خائفين على الحقيقة إلا إذا حرمنا أشياء كما حرمت النصارى، وهو يناسب السياق؛ لأن السياق في تخويفهم خوفهم من عذاب الله، فالذي عنده خفنا أنسب.
الطالب: هو أصله في ابن جرير هكذا قال الشيخ محمود شاكر رحمه الله في المطبوعة: ما حقنا وفي المخطوطة ما حفنا بالحاء وصواب قرأته ما أثبت هو أثبتها ما خفنا. وذلك أن رسول الله ﷺ خوفهم عقاب الله، فقالوا: لم نبلغ من الخوف مبلغًا يرضاه ربنا.
الشيخ: هذا هو المناسب ما خفنا.
ما خفنا إن لم نحدث عملًا، فإن النصارى قد حرموا على أنفسهم فنحن نحرم، فحرم بعضهم أن يأكل اللحم والودك، وأن يأكل بالنهار، وحرم بعضهم النوم، وحرم بعضهم النساء، فكان عثمان بن مظعون ممن حرم النساء، فكان لا يدنو من أهله، ولا يدنون منه، فأتت امرأته عائشة رضي الله عنها وكان يقال لها: الحولاء، فقالت لها عائشة ومن عندها من أزواج النبي ﷺ: ما بالك يا حولاء متغيرة اللون، لا تمتشطين ولا تتطيبين؟ فقالت: وكيف أمتشط وأتطيب وما وقع علي زوجي، وما رفع عني ثوبًا منذ كذا وكذا. قال: فجعلن يضحكن من كلامها، فدخل رسول الله ﷺ وهن يضحكن، فقال: ما يضحككن؟ قالت: يا رسول الله إن الحولاء سألتها عن أمرها. فقالت: ما رفع عني زوجي ثوبًا منذ كذا وكذا، فأرسل إليه فدعاه فقال: ما لك يا عثمان؟ قال: إني تركته لله لكي أتخلى للعبادة، وقص عليه أمره، وكان عثمان قد أراد أن يجب نفسه، فقال رسول الله ﷺ: أقسمت عليك إلا رجعت فواقعت أهلك. فقال: يا رسول الله إني صائم. فقال أفطر فأفطر وأتى أهله، فرجعت الحولاء إلى عائشة وقد امتشطت واكتحلت وتطيبت، فضحكت عائشة وقالت: ما لك يا حولاء؟ فقالت: إنه أتاها أمس. فقال رسول الله ﷺ: ما بال أقوام حرموا النساء والطعام والنوم، ألا إني أنام وأقوم وأفطر وأصوم وأنكح النساء، فمن رغب عني فليس مني فنزلت يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا يقول لعثمان: لا تجب نفسك، فإن هذا هو الاعتداء، أمرهم أن يكفروا عن أيمانهم فقال: لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ [المائدة:89] رواه ابن جرير.
وقوله تعالى: وَلَا تَعْتَدُوا يحتمل أن يكون المراد منه ولا تبالغوا في التضييق على أنفسكم بتحريم المباحات عليكم، كما قاله من قاله من السلف، ويحتمل أن يكون المراد كما لا تحرموا الحلال فلا تعتدوا في تناول الحلال، بل خذوا منه بقدر كفايتكم وحاجتكم ولا تجاوزوا الحد فيه: كما قال تعالى: وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا [الأعراف: 31] الآية، وقال: وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا [الفرقان: 67]، فشرع الله عدل بين الغالي فيه والجافي عنه، لا إفراط ولا تفريط.
الشيخ: قوله: وَلَا تَعْتَدُوا يعني لا تتعدوا ما حدد الله لكم، لا تحرموا الطيبات، ولا تعتدوا على المحارم التي حرم الله عليكم، بل لا هذا ولا هذا، لا تحريم الطيبات ولا الاعتداء في أكل المحارم وتجاوز الحدود التي حدها الله، تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا[البقرة:229] تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا [البقرة:187]فتجاوز الحدود التي فرضها الله اعتداء، وركوب المحارم اعتداء، فهم منهيون عن ارتكاب المحارم وعن الاعتداء على الفرائض التي فرضها الله، بل يجب الوقوف عندها وعدم الزيادة، كما يجب الكف عن محارم الله وعدم إتيانها، ولا مانع مما ذكره المؤلف من أن الاعتداء في الحلال أيضًا لكن ذاك أهم.
ولهذا قال تعالى: لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ [المائدة: 87]، ثم قال وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلَالًا طَيِّبًا [المائدة: 88] أي في حال كونه حلالًا طيبًا وَاتَّقُوا اللَّهَ أي في جميع أموركم، واتبعوا طاعته ورضوانه، واتركوا مخالفته وعصيانه وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ ۝ لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ [المائدة:88، 89].
وقد تقدم الكلام على اللغو في اليمين في سورة البقرة بما أغنى عن إعادته هاهنا، ولله الحمد والمنة، وإنه قول الرجل في الكلام من غير قصد: لا والله وبلى والله. وهذا مذهب الشافعي.
وقيل: هو في الهزل، وقيل: في المعصية، وقيل: على غلبة الظن، وهو قول أبي حنيفة وأحمد، وقيل: اليمين في الغضب، وقيل: في النسيان، وقيل: هو الحلف على ترك المأكل والمشرب والملبس ونحو ذلك، واستدلوا بقوله: لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ والصحيح أنه اليمين من غير قصد بدليل قوله: وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ أي بما صممتم عليه منها وقصدتموها، فكفارته إطعام عشرة مساكين.
الشيخ: وهذا هو المعتمد المراد باليمين المقصودة، ولهذا قال: وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ وفي آية البقرة: وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ [البقرة: 225]، فالمقصود أن اليمين التي فيها كفارة: والله لا أزور فلانًا عن قصد، والله لا أكلم فلانًا، والله لا أفعل كذا قاصدًا، أما ما يقع من الإنسان من غير قصد في عرض الكلام، فهذا يعتبر من لغو اليمين كما قالت عائشة رضي الله عنها هو قول الرجل: "لا  والله، وبلى الله" في عرض الحديث، يعني من غير قصد اليمين، ويدخل في ذلك ما ظن صدقه، فهو من لغو  اليمين، أيضًا ليس فيه شيء، لأنه في حكم الصادق، مثل: والله لقد وصل فلان، والله لقد مات فلان، والله لقد فعل كذا وهو يعتقد أنه صادق في هذا، ولكن تبين له بعد ذلك أنه لم يصب، ما مات فلان ولا هو فلان الذي رآه، شبه له أو ما أشبه ذلك، يعني يعتقد أنه صادق ولكن تبين بعد ذلك أنه لم يصادف الصواب، ولم يتعمد الكذب ولكن شبه عليه، سمع أن فلانًا مات واشتبه عليه الأمر وظن أنه الذي حلف عليه، أو رأى فلانًا يشبهه فظن أنه هو فقال: لقد رأيت فلانًا أو لقد قدم فلان وإنما رأى شبيهًا، ما رآه ما صار مصيب، وما أشبه ذلك مما يصدر عن ................. وعن اعتقاد صدق.
وأما الناسي فلا عليه شيء، الناسي ولو كان عامدًا إذا فعل .............. ناسيًا فلا شيء عليه، إذا قال: والله لا أزور فلانًا ونسي وزاره، والله لا آكل كذا وكذا ناسيًا فلا شيء عليه، رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا [البقرة: 286]، ليس عليه كفارة، حتى في الطلاق على الصحيح حتى في الطلاق والعتاق، والتحريم عام، جعلها كظهر أمه إن أكل كذا، أو إن ما أكل وفعل ناسيًا ما يلزم منه الظهار، إذا قال: إن فعلت كذا أو إن فعلت كذا هي وفعلته ناسية  أو فعله ناسيًا فالصحيح ما يقع حتى في الطلاق والعتاق، وقال بعض أهل العلم أنه يفرق بين.............. الطلاق والعتاق، فيقع في الطلاق والعتاق والتحريم، ولا يقع في اليمين، والصواب أنه عام متى فعله ناسيًا أو معتقدًا صواب نفسه فإنه لا يحنث، لا في اليمين ولا في العتق ولا في الطلاق ولا في الظهار، في جميع الأشياء رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا [البقرة: 286]، قال الله: قد فعلت .
س: ما حكم من يحلف في كلام وهو لم يطلب منه الحلف؟
الشيخ: الله يقول: وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ [المائدة: 89] فلا يحلف إلا لحاجة، لكن إن كان صادقًا ما عليه شيء، والله أني فعلت كذا، والله ما زرت فلانًا إن كان صادقًا ما يضر، لكن إن كان ما في حاجة لليمين ما يلزم اليمين، الله يقول: وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ، وكان النبي يحلف إذا أراد تأكيد الأشياء، مثل ما قال لعلي: والله لأن يهدي الله بك رجلاً واحدًا خير لك من حمر النعم لتأكيد المقام ............. يحلف في المقامات التي فيها تأكيد المقام، تأكيد الأمر العظيم.
.............................
وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ أي بما صممتم عليه منها وقصدتموها،  فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ يعني محاويج من الفقراء ومن لا يجد ما يكفيه.
وقوله: مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ قال ابن عباس وسعيد بن جبير وعكرمة: أي من أعدل ما تطعمون أهليكم.