09 باب المحافظة على الأعمال

15- باب المحافظة عَلَى الأعمال

قَالَ الله تَعَالَى: أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ [الحديد:16]، وَقالَ تَعَالَى: وَقَفَّيْنَا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَآتَيْنَاهُ الْإنْجِيلَ وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا [الحديد:27]، وَقالَ تَعَالَى: وَلا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثًا [النحل:92]، وَقالَ تَعَالَى: وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ [الحجر:99].

وَأَمَّا الأَحاديث؛ فمنها حديث عائشة: "وَكَانَ أَحَبُّ الدِّين إِلَيْهِ مَا دَاوَمَ صَاحِبُهُ عَلَيهِ". وَقَدْ سَبَقَ في البَاب قَبْلَهُ.

1/153- وعن عمرَ بن الخطاب قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّه ﷺ: منْ نَامَ عَنْ حِزْبِهِ مِنَ اللَّيْل، أَو عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ فَقَرأَه مَا بينَ صلاةِ الْفَجِر وَصلاةِ الظهرِ، كُتب لَهُ كأَنما قرأَهُ مِن اللَّيْلِ رواه مسلم.

2/154- وعن عبداللَّه بنِ عمرو بنِ العاص رضي اللَّه عنهما قَالَ: قَالَ لي رسولُ اللَّه ﷺ: يَا عبْدَ اللَّه لاَ تَكُنْ مِثلْ فُلانٍ، كَانَ يقُومُ اللَّيْلَ فَتَركَ قِيامَ اللَّيْل متفقٌ عَلَيهِ

3/155- وعن عائشةَ رضي اللَّه عنها قَالَتْ: "كَانَ رسولُ اللَّه ﷺ إذَا فَاتَتْهُ الصَّلاةُ مِنْ اللَّيْلِ مِنْ وجعٍ أَوْ غيْرِهِ، صلَّى مِنَ النَّهَارِ ثنْتَي عشْرَةَ رَكْعَةً" رواه مسلم.

الشيخ: الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه.

أما بعد: فهذه الآيات الكريمات والأحاديث النبوية كلها تتعلق بالحث على المداومة على العمل، والمحافظة عليه، والاستمرار في طاعة الله جل وعلا، وعدم الكسل والضعف والتأخر، المؤمن مأمور بالمداومة على العمل والاستقامة على العمل، وعدم الترك أو الضعف أو التفريط لأن هذه الدار هي دار العمل، وأحب العمل إلى الله ما دام عليه صاحبه وإن قل، والله يقول جل وعلا: إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ الآية [فصلت:30]، ويقول سبحانه: فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ [هود:112]، ويقول جل وعلا: فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ [الشورى:15]، ويقول جل وعلا: إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ [الأحقاف:13]، ويقول جل وعلا: أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ [الحديد:16] لما طال الأمد قست قلوبهم وأعرضوا وغفلوا، ويقول جل وعلا: وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ [الحجر:99]، ويقول جل وعلا: وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ [المؤمنون:9]، وفي الآية الأخرى عَلَى صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ [المعارج:34]، ويقول ﷺ: أحب الأعمال إلى الله ما دام عليه صاحبه وإن قل.

كونه يوتر كل ليلة بثلاث أو خمس أفضل من كونه ليلة يوتر وليلة ما يوتر، كونه يداوم ولو على ثلاث أو واحدة كل ليلة أفضل من كونه ليلة يوتر وليلة يهمل، ويقول ﷺ: من فاته حزبه من الليل فقرأه من النهار قبل صلاة الظهر فكأنما قرأه بالليل.

وتقول عائشة رضي الله عنها: "كان النبي ﷺ إذا فاته ورده من الليل لمرض أو نوم صلى من النهار ثنتي عشرة ركعة" كان وتره في الغالب إحدى عشرة ركعة، فإذا شغله شاغل من نوم أو مرض صلى من النهار ثنتي عشرة ركعة، يعني ست تسليمات، كل هذا محافظة على العمل الصالح حرصا عليه، فالمشروع للمؤمن أن يعتني بأعماله الطيبة، وأن يحافظ عليها، وأن يسابق إليها، ويتحرى المداومة عليها وعدم التفريط، يرجو ما عند الله، يرجو ثواب الله وإن كانت نوافل، لكن كونه يداوم عليها هذا فيه الخير العظيم، يبقى له العمل الصالح، وفق الله الجميع.

16- باب الأمر بالمحافظة عَلَى السُّنَّة وآدابِها

قَالَ الله تَعَالَى: وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا [الحشر:7]، وَقالَ تَعَالَى: وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى ۝ إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى [النجم:3-4]، وَقالَ تَعَالَى: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ [آل عمران:31]، وَقالَ تَعَالَى: لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ [الأحزاب:21]، وَقالَ تَعَالَى: فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [النساء:65]، وقال الله تَعَالَى: فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ [النساء:59]. قَالَ العلماء: معناه إِلَى الكتاب والسُنّة.

وَقالَ تَعَالَى: مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ [النساء:80]، وَقالَ تَعَالَى: وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ [الشورى:52]، وَقالَ تَعَالَى: فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ [النور: 63]، وَقالَ تَعَالَى: وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ [الأحزاب:34]، والآيات في الباب كثيرة.

وَأَما الأحاديث:

1/156- فالأَوَّلُ: عنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عن النبيِّ ﷺ قَالَ: دَعُونِي مَا تَرَكتُكُمْ: إِنَّما أَهْلَكَ مَنْ كَانَ قبْلكُم كَثْرةُ سُؤَالِهمْ، وَاخْتِلافُهُمْ عَلَى أَنْبيائِهمْ، فَإِذا نَهَيْتُكُمْ عنْ شَيْءٍ فاجْتَنِبُوهُ، وَإِذا أَمَرْتُكُمْ بأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ متفقٌ عَلَيهِ.

2/157- الثَّاني: عَنْ أَبِي نَجِيحٍ الْعِرْباضِ بْنِ سَارِيَة قَالَ: وَعَظَنَا رسولُ اللَّه ﷺ مَوْعِظَةً بَليغَةً وَجِلَتْ مِنْهَا الْقُلُوبُ وَذَرَفَتْ مِنْهَا الْعُيُون، فقُلْنَا: يَا رَسولَ اللَّه، كَأَنَهَا موْعِظَةُ مُوَدِّعٍ فَأَوْصِنَا. قَالَ: أُوصِيكُمْ بِتَقْوى اللَّه، وَالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ وإِنْ تَأَمَّر عَلَيْكُمْ عَبْدٌ حبشيٌ، وَأَنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ فَسَيرى اخْتِلافًا كثِيرا، فَعَلَيْكُمْ بسُنَّتي وَسُنَّةِ الْخُلُفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ، عضُّوا عَلَيْهَا بالنَّواجِذِ، وإِيَّاكُمْ ومُحْدثَاتِ الأُمُورِ فَإِنَّ كُلَّ بِدْعَةٍ ضلالَةٌ رواه أَبُو داود، والترمذِي، وَقالَ حديث حسن صحيح.

"النَّواجِذُ" بالذال المعجمةِ: الأَنْيَابُ، وقيلَ: الأَضْرَاسُ.

3/158- الثَّالِثُ: عَنْ أَبِي هريرةَ أَن رَسُولَ اللَّه ﷺ قالَ: كُلُّ أُمَّتِي يدْخُلُونَ الْجنَّةَ إِلاَّ مَنْ أَبِي. قِيلَ وَمَنْ يَأَبى يَا رَسُول اللَّه؟ قالَ: منْ أَطَاعَنِي دَخَلَ الجنَّةَ، ومنْ عصَانِي فَقَدْ أَبِي رواه البخاري.

الشيخ: هذه الآيات الكريمات والأحاديث النبوية كلها تدل على وجوب طاعة الرسول ﷺ، واتباعه والتسليم لما جاء به، والأخذ بسنته والسير على منهاجه عليه الصلاة والسلام؛ لأن الله بعثه دالا على الحق ومرشدا إليه ومفسرا لكتاب الله ومعلما للناس ما أنزل إليهم، فالواجب اتباعه والسير على منهاجه عليه الصلاة والسلام كما قال الله جل وعلا: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ [آل عمران:31]، من كان يحب الله صادقا فعليه باتباع الرسول ﷺ، فإن اتباعه سبب للنجاة في الدنيا والآخرة، ومن دلائل حب الله للعبد وحب العبد لله .

قال تعالى: وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى ۝ مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى ۝ وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى ۝ إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى [النجم:1-4] هو يعلم ويرشد بما يوحي الله إليه يعلمه الله ويبلغنا كما قال تعالى: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا ۝ وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا [الأحزاب:45-46] فهو داع وسراج منير للأمة، قال تعالى مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ [النساء:80]، وقال جل وعلا: فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ [النور:63] يعني أمر الرسول ﷺ: أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ [النور:63] الفتنة الشرك والبلاء نسأل السلامة.

وقال سبحانه: فَلَا وَرَبِّكَ [النساء:65] يحلف بنفسه فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ [النساء:65] يعني الناس حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ [النساء:65] يعني حتى يحكموا النبي ﷺ فيما شجر بينهم، لا بد من هذا الأمر أن يحكموا الرسول ﷺ فيما شجر بينهم وينقادوا لذلك ويسلموا لذلك، وقال جل وعلا: وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ [الشورى:52] يخاطب النبي ﷺ وَإِنَّكَ يعني يا محمد لَتَهْدِي تدل الناس إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ [الشورى:52] ترشدهم إلى صراط مستقيم، وهو الإسلام.

الهداية هدايتان: هداية التوفيق وقذف النور في القلب، هذا إلى الله يقول سبحانه: إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ [القصص:56]، لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ [البقرة:272] الهداية التي معناها التوفيق لقبول الحق وإيثاره والرضا به هذه بيد الله.

أما الهداية الثانية: وهي البلاغ والبيان والإرشاد والدعوة، هذه بيد الرسل وأتباعهم، ولهذا قال: وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ [الشورى:52]، وقال تعالى: وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى [فصلت:17] هديناهم أي دللناهم وبلغناهم وأرشدناهم ولكنهم أبوا.

فالواجب على جميع الأمة اتباع ما جاء به عليه الصلاة والسلام، وما تنازعوا فيه يرد إلى الله والرسول كما قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ [النساء:59] أولو الأمر هم: الأئمة، الأمراء والعلماء هم أولو الأمر، فالواجب طاعتهم في طاعة الله، فإن جاء التنازع يرد الأمر إلى كتاب الله وإلى سنة رسوله عليه الصلاة والسلام، يقول النبي ﷺ: ذروني ما تركتكم، فإنما أهلك من كان قبلكم كثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم هلك الناس سابقا باختلافهم على الأنبياء وتعنتهم، ولهذا قال: ما أمرتكم به فأتوا منه ما استطعتم، وما نهيتكم عنه فاجتنبوه يعني هذا الواجب على الأمة ما أمر به ﷺ وجب الأخذ به حسب الطاقة، وما نهى عنه وجب اجتنابه، من ذلك أمرنا أن نصلي قائمين فمنع عجز صلى قاعدا، ومن عجز عن القعود صلى على جنبه فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ [التغابن:16]، كذلك أمرنا بالحج كما أمر الله من استطاع الحج ومن لم يستطع فلا شيء عليه، أما النهي فالواجب اجتنابه، ما نهى الله عنه ورسوله الواجب اجتنابه، نهانا سبحانه عن الشرك، عن العقوق، عن الزنا، عن شرب المسكر، عن الربا، عن الغيبة، عن النميمة، عن غير هذا مما نهى الله عنه يجب اجتناب ذلك، ما نهى الله عنه يجب اجتنابه والحذر منه.

وفي حديث العرباض بن سارية قال: خطبنا رسول الله خطبة بليغة، فقلنا: يا رسول الله، كأنها موعظة مودع؛ لأن المودع ينصح في الموعظة يكرر ويؤكد، يا رسول الله، كأنها موعظة مودع فأوصنا، قال: أوصيكم بتقوى الله تقوى الله هي جماع الدين، تقوى الله طاعة الله ورسوله، تقوى الله المعنى أوصيكم بطاعة الله ورسوله والاستقامة على دين الله، والسمع والطاعة من تقوى الله، السمع والطاعة لولاة الأمور وعدم الخلاف والنزاع لأن النزاع لولاة الأمور سبب للفرقة، وسبب لاختلال الأمن، وسبب للفتنة وأكل الناس بعضهم بعضا، وقتل الناس بعضهم بعضا.

 فالواجب السمع والطاعة لولاة الأمور في المعروف، وإن تأمر على الناس عبد حبشي فالواجب السمع والطاعة حتى تستقر الأمور، حتى يستتب الأمن، حتى يردع الظالم، حتى ينصف المظلوم، حتى يحكم الشرع فلا يجوز الخروج على الأئمة السلاطين، قال الرسول: إلا أن تروا كفرا بواحا عندكم من الله فيه برهان، ومع هذا يكون عندهم قدرة على إزالة هذا الشيء، وإلا فالواجب السمع والطاعة وعدم الخروج.

السمع والطاعة في المعروف يعني ما هو في المنكر، السمع والطاعة في المعروف: فإنه من يعش منكم» يعني من يبقى منكم من تطول حياته فسيرى اختلافا كثيرا، وهذا وقع بعده ﷺ بعشرين سنة تقريبا، بخمس وعشرين سنة وقع الاختلاف في مقتل عثمان وما جرى بعده وقعت الفتن فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ عند الاختلاف يجب التمسك بالسنة، وما سار عليه الصحابة وأرضاهم دائما، دائما يجب على الناس أن يتمسكوا بالقرآن والسنة وما سار عليه أصحاب النبي ﷺ ودرجوا عليه، يجب على المكلفين أن يعملوا بالقرآن والسنة ويتمسكوا بهما، وعند النزاع يرد الأمر إليهما، إلى الكتاب والسنة بهما طريق النجاة مع وجوب الحذر من مقالات الناس وآراء الناس المخالفة لشرع الله ، هذا هو الواجب على المسلمين.

كذلك حديث أبي هريرة، يقول ﷺ: كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى قيل: يا رسول الله، ومن يأبى؟! كل الناس ودهم بالجنة، قال: من أطاعني دخل الجنة، ومن عصاني فقد أبى من أطاع الله ورسوله هذا هو الصادق في إرادة الجنة، ومن عصى الله ورسوله ما هو بصادق، لو أراد الجنة ما عصى الله ورسوله، من عصى الله فقد أبى، معناه يعني أبى دخول الجنة وأعرض، فطريق الجنة بطاعة الله ورسوله، وطريق النار بمعصية الله ورسوله، فالواجب على جميع المكلفين طاعة الله ورسوله، والاستقامة على دين الله، والتمسك بالقرآن العظيم والسنة الصحيحة المطهرة عن رسول الله ﷺ، هذا طريق النجاة، هذا سبيل النجاة، ومن حاد عنهما فإلى النار، نسأل الله العافية، وفق الله الجميع.

س: .....؟

ج: المقصود اتباع الكتاب والسنة، على الملوك وعلى الأمراء اتباع ما درج عليه رسول الله وأصحابه، وتنفيذ كتاب الله وتنفيذ السنة.

س: ما المقصود بكثرة السؤال؟

ج: كثرة السؤال التعنت، يعني الأسئلة للتعنت والتعجيز.

4/159- الرَّابعُ: عن أَبِي مسلمٍ، وقيلَ: أَبِي إِيَاسٍ سلَمةَ بْنِ عَمْرو بنِ الأَكْوَعِ ، أَنَّ رَجُلًا أَكَلَ عِنْدَ رسولِ اللَّه ﷺ بِشِمَالِهِ فقالَ: كُلْ بِيمِينكَ قَالَ: لا أَسْتَطِيعُ قالَ: لا استطعَت مَا منعَهُ إِلاَّ الْكِبْرُ، فَمَا رَفعَها إِلَى فِيهِ، رواه مسلم.

5/160-الْخامِسُ: عنْ أَبِي عبداللَّه النُّعْمَانِ بْنِ بَشيِرٍ رَضيَ اللَّه عنهما، قالَ: سمِعْتُ رسولَ اللَّه ﷺ يقولُ: لَتُسَوُّنَّ صُفُوفَكُمْ أَوْ لَيُخَالِفَنَّ اللَّه بَيْنَ وُجُوهِكمْ" متفقٌ عَلَيهِ.

وفي روايةٍ لِمْسلمٍ: كَانَ رسولُ اللُّه ﷺ يُسَوِّي صُفُوفَنَا حَتَّى كأَنَّمَا يُسَوي بِهَا الْقِداحَ حَتَّى إِذَا رأَى أَنَّا قَدْ عَقَلْنَا عَنْهُ ثُمَّ خَرَجَ يَومًا، فقامَ حتَّى كَادَ أَنْ يكبِّرَ، فَرأَى رجُلا بادِيًا صدْرُهُ فقالَ: عِبادَ اللَّه لَتُسوُّنَّ صُفوفَكُمْ أَوْ لَيُخَالِفَنَّ اللَّه بيْن وُجُوهِكُمْ.

6/161-السَّادِسُ: عن أَبِي موسى قَالَ: احْتَرق بيْتٌ بالْمدِينَةِ عَلَى أَهلِهِ مِنَ اللَّيْل فَلَمَّا حُدِّث رسولُ اللَّه ﷺ بِشَأْنِهمْ قَالَ: إِنَّ هَذِهِ النَّار عَدُوٌّ لكُمْ، فَإِذَا نِمْتُمْ فَأَطْفِئُوهَا عَنْكُمْ متَّفقٌ عَلَيهِ.

الشيخ: هذه الأحاديث الثلاثة كلها تتعلق بالحث على اتباع السنة والمحافظة على الأوامر والتمسك بها والحذر من مخالفتها، فإن ارتكاب المعاصي وترك الأوامر من أسباب قسوة القلوب واختلاف الكلمة وكثرة النزاع وقلة البركة واختلاف القلوب، فالواجب الحذر، الواجب المحافظة على السنة والعناية بها والحذر مما يخالفها في جميع الأحوال، من هذا قوله ﷺ للرجل الذي أكل بشماله كل بيمينك.

فالسنة الأكل باليمين كما قال النبي ﷺ: إذا أكل أحدكم فليأكل بيمينه، وإذا شرب فليشرب بيمينه، فإن الشيطان يأكل بشماله ويشرب بشماله فالمؤمن يشرع له أن يأكل باليمين ويشرب باليمين، هذا هو الواجب، فلما رأى النبي ﷺ رجلا يأكل بيساره قال: كل بيمينك قال: لا أستطيع، فقال له النبي ﷺ: لا استطعت، فما رفعها إلى فيه بعد ذلك يعني عوقب في الحال، قبل الله الكلمة فعوقب في الحال حتى ما رفع يده بعد ذلك اليمنى لأنه منعه الكبر قال: لا استطعت، قال النبي ﷺ: ما منعه إلا الكبر يعني ما استطاع أن يأكل بيمينه تكبرا وتعاظما أن يساوي الناس، وأن يأكل مثل الناس، فعوقب في الحال بأن شلت يده، أصابها الشلل يعني تعطلت نسأل الله العافية.

وهكذا في حديث النعمان بن بشير يقول ﷺ للمصلين: لتسون صفوفكم أو ليخالفن الله بين وجوهكم، ولما رأى رجلا باديا صدره قال: عباد الله لتسون صفوفكم أو ليخالفن الله بين وجوهكم، وفي اللفظ الآخر: لا تختلفوا فتختلف قلوبكم هذا يدل على أن الاختلاف في الصلاة وفي أمور الدين من أسباب اختلاف القلوب والوجوه وكثرة البدع والخلاف والنزاع حتى يكون لكل واحد وجه يخالف صاحبه.

فالتمسك بالحق والتعاون على البر والتقوى من أسباب جمع الكلمة ومن أسباب صلاح القلوب واتحادها، ومخالفة الشرع وركوب المعاصي من أسباب اختلاف القلوب واختلاف الكلمة وحصول النزاع والفرقة، فالواجب على المؤمن أن يتحرى الحق ويتحرى الاستقامة على الحق، ويحذر أسباب الفرقة والاختلاف لعله ينجو، لعله يسلم، ولا يقول: هذا كذا أو هذا كذا ويتأول، بل عليه أن يجتهد في لزوم السنة والاستقامة عليها، والحذر مما يخالفها رجاء فضل الله وثوابه وحذر عقابه .

كذلك الحديث الثالث فيه أن بيتا احترق على أهله في المدينة في عهد النبي ﷺ فقال ﷺ: إن هذه النار عدو لكم فإن نمتم فأطفئوها هذا يدل على أن المشروع للناس عند النوم إطفاء النار حذرا من شرها، ومن ذلك إطفاء الكهرباء، فهذه من أسباب السلامة إطفاء السراج، إطفاء الكهرباء عند النوم من أسباب السلامة.

وفق الله الجميع.

7/162- السَّابِعُ: عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُول اللَّه ﷺ: إِنَّ مَثَل مَا بعَثني اللَّه بِهِ منَ الْهُدَى والْعلْمِ كَمَثَلَ غَيْثٍ أَصَاب أَرْضًا فكَانَتْ طَائِفَةٌ طَيبَةٌ قبِلَتِ الْمَاءَ فأَنْبَتتِ الْكلأَ والْعُشْبَ الْكَثِيرَ، وَكَانَ مِنْهَا أَجَادِبُ أَمسكَتِ الماءَ، فَنَفَعَ اللَّه بِهَا النَّاس فَشَربُوا مِنْهَا وسَقَوْا وَزَرَعَوا، وأَصَابَ طَائِفَةٌ مِنْهَا أُخْرَى، إِنَّمَا هِيَ قِيعانٌ لا تُمْسِكُ مَاءً وَلا تُنْبِتُ كَلأ، فَذَلِكَ مَثَلُ مَنْ فَقُهَ فِي دِينَ اللَّه وَنَفَعَه بمَا بعَثَنِي اللَّه بِهِ، فَعَلِمَ وعَلَّمَ، وَمثلُ مَنْ لَمْ يَرْفَعْ بِذلِكَ رَأْسًا وِلَمْ يَقْبَلْ هُدَى اللَّهِ الَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ متفقٌ عَلَيهِ.

"فقُهَ" بِضم الْقَافِ عَلَى الْمَشْهُورِ، وقيلَ: بكَسْرِهَا، أَيْ: صارَ فَقِيهًا.

8/163-الثَّامِنُ: عن جابرٍ قَالَ: قالَ رسول اللَّه ﷺ: مثَلِي ومثَلُكُمْ كَمَثَل رجُلٍ أَوْقَدَ نَارًا فَجَعَلَ الْجَنَادِبُ وَالْفَراشُ يَقَعْنَ فيهَا وهُوَ يذُبُّهُنَّ عَنهَا وأَنَا آخذٌ بحُجَزِكُمْ عَنِ النارِ، وأَنْتُمْ تَفَلَّتُونَ منْ يَدِي رواه مسلمٌ.

"الْجَنَادبُ": نَحْوُ الجَراد والْفرَاشِ، هَذَا هُوَ المَعْرُوفُ الَّذِي يَقعُ في النَّار. "والْحُجَزُ": جَمْعُ حُجْزَةٍ، وهِي معْقِدُ الإِزَار والسَّراويلِ.

9/164- التَّاسعُ: عَنْهُ أَنْ رسولَ اللَّه ﷺ أَمَر بِلَعْقِ الأَصابِعِ وَالصحْفةِ وَقَالَ: إِنَّكُم لا تَدْرُونَ في أَيِّهَا الْبَرَكَةَ رواه مسلم.

وفي رواية لَهُ: إِذَا وَقَعتْ لُقْمةُ أَحدِكُمْ. فَلْيَأْخُذْهَا فَلْيُمِطْ مَا كَانَ بِهَا مِنْ أَذًى، وَلْيَأْكُلْهَا، وَلا يَدَعْهَا لَلشَّيْطانِ، وَلا يَمْسَحْ يَدَهُ بِالْمَندِيلِ حَتَّى يَلْعَقَ أَصَابِعهُ، فَإِنَّهُ لاَ يدْرِي في أَيِّ طَعَامِهِ الْبَركَةَ.

وفي رواية لَهُ: إِنَّ الشَّيْطَانَ يَحْضُرُ أَحَدكُمْ عِنْدَ كُلِّ شَيءٍ مِنْ شَأْنِهِ حَتَّى يَحْضُرَهُ عِنْدَ طَعَامِهِ، فَإِذَا سَقَطَتْ مِنْ أَحَدِكُمْ اللُّقْمَةُ فَلْيُمِطْ مَا كَان بِهَا منْ أَذًى، فَلْيأْكُلْها، وَلا يَدَعْهَا لِلشَّيْطَانِ.

الشيخ: هذه الأحاديث كلها تتعلق بالعناية بالسنة والشرع والحرص على المحافظة عليها، وأن الله جل وعلا بعث نبيه ﷺ بالهدى ودين الحق، فالواجب على الأمة من الجن والإنس أن يتمسكوا بذلك، وأن يستقيموا عليه، وأن يحذروا مخالفته، فإن الله بعث رسوله ﷺ هاديا ومبشرا ونذيرا، وداعيا إلى الحق بإذن الله.

فالواجب اتباعه والسير على منهاجه عليه الصلاة والسلام، والحذر من مخالفة شرعه، فإن السعادة كل السعادة في اتباع شريعته وتعظيم أمره ونهيه، والسير على منهاجه، والهلاك كل الهلاك في مخالفة ما جاء به واتباع الهوى، قال جل وعلا: فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ [القصص:50] كل إنسان لا يستجيب للرسول ولا ينقاد لشرعه فهو متبع لهواه، هذا حكم الله عليه فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ يعني يا محمد فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ [القصص:50] فالواجب على كل مؤمن أن يتبع الحق وأن يحذر اتباع الهوى، فالمشركون شأنهم اتباع الهوى إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ [النجم:23]، ويقول الله لداود يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ [ص:26].

يقول عليه الصلاة والسلام: مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم كمثل غيث أصاب أرضا فكانت منها طائفة طيبة قبلت الماء فأنبتت الكلأ والعشب الكثير، وكانت منها أجادب يعني أرضا لينة مطمئنة منخفضة أمسكت الماء فنفع الله به الناس فشربوا وسقوا وزرعوا، وأصاب طائفة أخرى إنما هي قيعان لا تمسك ماء ولا تنبت كلأ هذه حال الناس مع الوحي، ولهذا قال: فذلك مثل من فقه في دين الله ونفعه ما بعثني الله به فعلم وعمل، ومثل من لا يرفع بذلك رأسًا ولم يقبل هدى الله الذي أرسلت به» هذا مثل الناس مع شرع الله، بين النبي صلى الله عليه وسلم أنهم مثل ثلاث أرضين.

الناس قلوب الناس وعقولهم مع الوحي ثلاثة أقسام: مثل الأراضي التي ينزل عليها المطر أرض طيبة تقبل الماء تقبل المطر تنبت العشب الكثير والأشياء الطيبة فهذه الأرض مثل قلوب المتقين المؤمنين الذين قبلوا الوحي وانتفعوا بالعلم وعملوا وعلموا، وطائفة ثانية: منخفضة ما تنبت لكنها منخفضة تمسك الماء، يبقى فيها غدران تنفع الناس يشربون منها يسقون منها دوابهم.

والطائفة الثالثة: قيعان ... ما يبقى فيها ماء ولا تنبت، فهذه أمثال قلوب الناس، قلوب طيبة تقبل العلم والفقه في الدين وتعمل به وتعلمه الناس، وقلوب تقبل الحق وتحمل الحق ولكن ما عندها فقه فيه وبصيرة حتى تفرع وتبين وترشد الناس، تحمل العلم وتبلغه ولكن ليس عندها من البصيرة والتفصيل والتفسير والبيان مثل ما عند الطائفة الأولى فهي مثل الأجادب.

وقسم ثالث: من الناس وهم الأكثرون مثل القيعان لا يقبلون علما ولا فائدة ولا خيرا، قال تعالى: وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ [يوسف:103]، وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ [الأنعام:116]، ويقول سبحانه: وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ [سبأ:20] هذه حال الأكثرين، الأكثر من الناس من الجن والإنس مثل القيعان، عقولهم وقلوبهم مثل القيعان لا تمسك ماء ولا تنبت كلأ والعياذ بالله.

والحديث الثاني فيما ضربه النبي من الأمثال، يقول ﷺ إن الله بعثه إلى الناس مثله كمثل الذي يأخذ بالحجز للناس حتى لا يقعوا في النار يقول: مثلي ومثلكم كمثل إنسان أوقد نارا فجعل هذه الجنادب والطيور التي تقع في النار تقع فيها جنادب تشبه الجراد إذا شافت النور راحت جنبه، فالنبي ﷺ يأخذ بحجزهم يدعوهم اتقوا الله، راقبوا الله، وهو يتقحمون في النار مثل الجنادب والطيرات التي تقع في النار، إذا شبت النار جاؤوا في البر تسقط فيها وعند السراج تهوى عليها وعند اللمبة، ما عندها عقل تحرق نفسها، فهذا أكثر الناس يحرقون أنفسهم بالنار بأعمالهم الخبيثة، والرسول ﷺ مثل الذي يأخذ بالحجز يمسكهم محل النسع، محل مجتمع معقد السراويل معقد الإزار، يمسكهم يقول لهم: هلموا إلي، هلموا إلي يا ناس، هلموا إلى النجاة وهم يأبون ويتقحمون في النار بأعمالهم الخبيثة، بأعمالهم السيئة.

فينبغي للمؤمن أن ينتبه وأن يعالج نفسه وأن يحرص على التمسك بالحق وإن تركه الناس، عليك بالحق وإن كنت وحدك، جاء عمرو بن ميمون إلى ابن مسعود وقال: يا أبا عبدالرحمن، تأمرنا بالجماعة ثم تقول الزم الحق وإن كنت وحدك، ما صحة هذا الكلام، تقول: الزموا الجماعة، الزموا الجماعة، وتقول: الزم الحق ولو كنت وحدك؟ قال: يا عمرو، الجماعة من وافق الحق، الجماعة ما وافق الحق وإن كنت وحدك، هذه الجماعة، لو صرت في بلدك قرية فيها مائة أو ألف على غير الحق وأنت على الحق وحدك أنت الجماعة، أنت الذي أصبت الجماعة ولو كانوا مائة أو ألف أو ألفين هم جماعة لأنهم خالفوا الحق، هكذا الآن أكثر الدول وأكثر الناس قد خالفوا الحق، هذا يهودي، هذا نصراني، هذا شيوعي، هذا علماني، هذا وثني أكثر الخلق على خلاف ما جاء به الرسول ﷺ، فالجماعة هم الذين وافقوا الحق الذي جاء به محمد ﷺ، هم الجماعة ولو كانوا قليل في أي مكان هم الجماعة.

فالواجب عليك يا عبدالله أن تلزم الحق، لا تستوحش ولو كنت وحدك، الزم الحق ولو كنت في آلاف من الناس أو مئات الآلاف وهم قد خالفوا الطريق لا تقتد بهم ولا تسر معهم، خذ بالطريق السوي الذي يوصل إلى الجنة وإن كنت وحدك، لو كنت في طريق إلى مكة أو إلى المدينة وحاد الناس عن الطريق راحوا يمين وشمال وأنت تعرف أن هذا هو الطريق تروح معهم وإلا تمشي مع الطريق؟ امش مع الطريق ولو كنت وحدك، مادام عرفت الطريق أن هذا يوصل المدينة، يوصل مكة، والباقون حادوا عنه ما عندهم علم لا تتبعهم، اتبع الطريق الواضح، هكذا دين الله.

اتبع القرآن والسنة تمسك بالحق ولو كنت واحدا ولو خالفك الناس، فملايين وملايين وملايين خالفوك ما عليك منهم اتبع الحق والزم الحق الذي قال الله فيه: وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ [الأنعام:153] هذا الحق، وأنت تقرأ في الفاتحة اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ [الفاتحة:6] هذا الصراط المستقيم هو الحق الزمه، إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ [الإسراء:9] فالطريق الذي يوصل إلى الله هو الصراط المستقيم، هو الذي جاء به القرآن والسنة وما عدا ذلك هو طريق المغضوب عليهم والضالين.

 ويقول ﷺ في الإناء إذا أكل منه إنسان يقول: العق أصابعك وامسح القصعة فإنك لا تدري في أي طعامك البركة فيه أنه إذا رفعت يدك لا تغسلها وهي فيها الطعام، ولا تمسحها بالمنديل وفيها الطعام، كل الذي في يدك، العقه ثم امسحها أو اغسلها، وهكذا القصعة امسح الطريق الذي فيه آثار الطعام، امسحه كله لا تخله مبعثر جنب طريقك امسح طريقك وكل ما فيه ويدك، ثم اغسلها أو امسحها، يقول: فإنك لا تدري في أي طعامك البركة، ويقول ﷺ: إذا أكل أحدكم طعاما فلا يمسح يده حتى يَلعقها أو يُلعِقها يعني لا يمسحها بالمنديل بالفوطة، ولا يغسلها حتى يلعقها، حتى يأخذ ما فيها من آثار الطعام أو اللحم أو الفاكهة قبل أن يمسحها، وقبل أن يغسلها اتباع للسنة، تعظيما للسنة، وأخذًا بإرشاد النبي عليه الصلاة والسلام. وفق الله الجميع.

س: .....؟

ج: بعد الفراغ من الطعام يلعق أصابعه.

10/165-الْعَاشِرُ: عن ابن عباس، رضيَ اللَّه عنهما، قَالَ: قَامَ فينَا رسولُ اللَّه ﷺ بمَوْعِظَةٍ فقال: أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّكُمْ محشورونَ إِلَى اللَّه تَعَالَى حُفَاةَ عُرَاةً غُرْلًا كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ [الأنبياء:104] أَلا وَإِنَّ أَوَّلَ الْخَلائِقِ يُكْسى يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِبراهيم ﷺ، أَلا وإِنَّهُ سَيُجَاء بِرِجَالٍ مِنْ أُمَّتِى، فَيُؤْخَذُ بِهِمْ ذَاتَ الشِّمال فأَقُولُ: يا رَبِّ أَصْحَابِي، فيُقَالُ: إِنَّكَ لاَ تَدْرِي مَا أَحْدَثُوا بَعْدَكَ، فَأَقُول كَما قَالَ الْعَبْدُ الصَّالِحُ: وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ إِلَى قولِهِ: الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ [المائدة:117-118] فَيُقَالُ لِي: إِنَّهُمْ لَمْ يَزَالُوا مرْتَدِّينَ عَلَى أَعقَابِهِمْ مُنذُ فارَقْتَهُمْ متفقٌ عليه.

"غُرْلًا" أَيْ: غَيْرَ مَخْتُونِينَ.

11/166- الْحَادِي عَشَرَ: عَنْ أَبِي سعيدٍ عبداللَّهِ بنِ مُغَفَّلٍ، ، قَالَ: نَهَى رسولُ اللَّه ﷺ عَن الخَذْفِ وقالَ: إِنَّهُ لاَ يقْتُلُ الصَّيْدَ، وَلاَ يَنْكَأُ الْعَدُوَّ، وَإِنَّهُ يَفْقَأُ الْعَيْنَ، ويَكْسِرُ السِّنَّ متفقٌ عَلَيهِ.

وفي رواية: أَنَّ قَريبًا لابْنِ مُغَفَّلٍ خَذَفَ، فَنَهَاهُ وَقالَ: إِنَّ رسولَ اللَّه ﷺ نَهَى عَن الخَذْفِ وقَالَ: إِنَّهَا لاَ تَصِيدُ صَيْدًا ثُمَّ عادَ فقالَ: أُحَدِّثُكَ أَن رسولَ اللَّه ﷺ، نَهَى عَنْهُ، ثُمَّ عُدْتَ تَخْذِفُ؟ لا أُكَلِّمُكَ أَبدًا.

12/167- وعنْ عابسِ بن ربيعةَ قَالَ: رَأَيْتُ عُمَرَ بنَ الخطاب، ، يُقَبِّلُ الْحَجَرَ يَعْنِي الأَسْوَدَ ويَقُولُ: إِني أَعْلَمُ أَنَّكَ حَجَرٌ مَا تَنْفَعُ وَلاَ تَضُرُّ، ولَوْلا أنِّي رأَيْتُ رسولَ اللَّه ﷺ، يُقَبِّلُكَ مَا قَبَّلْتُكَ. متفقٌ عليه.

الشيخ: هذه الأحاديث الثلاثة كالتي قبلها في الحث على التمسك بالسنة، والاستقامة على أوامر الله، والحذر من الانحراف والزيغ، هذه الدار دار الابتلاء والامتحان ودار العمل كما قال جل وعلا: وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ [الأنبياء:35]، وقال جل وعلا: وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ [الأعراف:168]، وقال تعالى: وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ} [محمد:31]، وقال سبحانه: الم ۝ أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ ۝ وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ [العنكبوت:1-3] فهي دار الامتحان قد يفتن الإنسان بماله، قد يفتن بأولاده، قد يفتن بزوجته، قد يفتن بأصحابه وقرنائه، فليحذر ليتق الله لا يسمع من زوجة، ولا من ولد، ولا من صديق ولا من غيره في شيء يخالف أمر الله، بل يجب أن يتمسك بأمر الله، وأن يستقيم على طاعة الله وإن خالف أباه وأمه وزوجته وأولاده وأصدقائه، فالحق أحق بالاتباع، هذا واجب على جميع الأمة.

تقدم قول ابن مسعود لعمرو بن ميمون، عمرو بن ميمون قال: يا أبا عبدالرحمن، يعني عبدالله بن مسعود الصحابي الجليل أحد علماء الصحابة ، يا أبا عبدالرحمن: تأمرنا بالتمسك بالحق وتأمرنا اتباع الجماعة، قال: يا عمرو بن ميمون، الجماعة من وافق الحق وإن كنت وحدك، فالواجب هو اتباع الحق والتزامه.

وفي حديث حذيفة قلت: يا رسول الله، كنا في جاهلية وشر، فجاءنا الله بهذا الخير، يعني على يديك عليه الصلاة والسلام، فهل بعد هذا الخير من شر؟ قال: نعم، قلت: وهل بعد هذا الشر من خير؟ قال: نعم، وفيه دخن، قلت: وما دخنه؟ قال: قوم يهدون بغير هدي ويستنون بغير سنتي، تعرف منهم وتنكر تعرف شيئا وتنكر شيئا، قلت: يا رسول الله، وهل بعد ذلك الخير -يعني الذي فيه دخن- هل بعد ذلك الخير من شر؟ قال الرسول ﷺ: نعم، دعاة على أبواب جهنم من أجابهم إليها قذفوه فيها، قلت: يا رسول الله، صفهم لنا؟ قال: هم من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا يعني من العرب، هم من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا، قلت: فما تأمرني يا رسول الله إن أدركني ذلك؟ قال: تلزم جماعة المسلمين وإمامهم، قلت: فإن لم يكن لهم جماعة ولا إمام؟ قال: فاعتزل تلك الفرق كلها، ولو أن تعض على أصل شجرة حتى يدركك الموت وأنت على ذلك يعني على الحق ولو كنت وحدك.

وفي هذا يقول ابن عباس رضي الله عنهما أن الرسول ﷺ خطبهم وقال: أيها الناس إنكم محشورون إلى الله يعني يوم القيامة بعد البعث والنشور وخروج الناس من قبورهم يحشرون إلى الله يأتون زمرا زمرا، أفواجا أفواجا، حفاة عراة غرلا حفاة ما عليهم نعال، عراة ما عليهم ملابس يخرجون من قبورهم بعدما يتم الله خلقهم في القبور يخرجون حفاة عراة لا لباس ولا نعال، غرلا يعني غير مختونين، القلفة التي قطعت تعود، كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُه [الأنبياء:104] القلفة التي قطعت من الذكر تعود على الذكر غرلا. وإن أول من يكسى إبراهيم عليه الصلاة والسلام إبراهيم الخليل هو أول من يكسى، أفضل الأنبياء بعد محمد عليه الصلاة والسلام.

وإنه يذاد أناس عن حوضي» حوض النبي ﷺ عظيم طوله شهر وعرضه شهر، يوم القيامة في الأرض يصب فيه ميزابان من الجنة -من الكوثر- ترده أمته يشربون منه، من حوض النبي عليه الصلاة والسلام يوم القيامة، ويذاد أناس عن الحوض ناس ارتدوا يذادون عن الحوض فيقول النبي ﷺ: يا ربي أصحابي، فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك» إنهم غيروا إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك إنهم لم يزالوا مرتدين على أعقابهم منذ فارقتهم، قال: فأقول كما قال العبد الصالح -عيسى عليه الصلاة والسلام-: مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ۝ إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ[المائدة:117-118]». وفي الرواية الأخرى قال: فأقول سحقا سحقا لمن بدل بعدي يعني بعدا بعدا لمن بدل بعدي، فهذا فيه الحث على السنة والتمسك بدين الله حتى لا تطرد عن الحوض، والذين ارتدوا بعد موت النبي ﷺ هم من هؤلاء يطردون، ارتدوا على أدبارهم بعد موت النبي ﷺ منهم أصحاب مسيلمة الكذاب الذين قاتلهم الصحابة، فالمرتد على عقبه لا يرد الحوض.

وفي الحديث الثاني أن الرسول ﷺ نهى عن الخذف، الخذف بالأصابع حذف الحصى بالأصابع، بعض الناس يخذف بأصابعه، قد يصيب إنسانا، قد يصيب عين إنسان ... النبي ﷺ نهى عن الخذف وقال: إنها لا تصيد صيدا ولا تنكأ عدوا، ولكنها تفقأ العين وتكسر الضرس نهى عن الخذف، لهذا فالواجب التمسك بالسنة وعدم الخذف، والمقصود التحذير من مخالفة سنة النبي ﷺ وطريقته، وأن المؤمن عليه أن يلتزم بأمر النبي ﷺ ويلتزم بالحق ويحذر المخالفة، كل ما قاله النبي ﷺ وأمر به النبي ﷺ علينا أن نلتزم ونحذر ما نهى عنه عليه الصلاة والسلام.

كذلك حديث عمر لما طاف بالبيت في خلافته وقبل الحجر الأسود قال: "إني أعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع ولولا أني رأيت النبي ﷺ يقبلك ما قبلتك" بين أن المقصود في تقبيل الحجر أو استلام الركن اليماني اتباع الرسول ﷺ والسير على سنته، ما قبلنا الحجر نريد أنه ينفعنا ويضرنا، هذا الحجر أو الركن اليماني حجر ما ينفع ولا يضر ولكن لما قبله النبي ﷺ وجعله عبادة نقبله نحن ونستلمه بأيدينا اتباعا للنبي ﷺ لأن الله يقول: لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب:21]، ويقول: وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا [الحشر:7].

فنحن نطوف اتباعا للنبي ﷺ، ونقبل الحجر ونستلمه ونكبر اتباعا للنبي ﷺ، نستلم الركن اليماني اتباعا للنبي ﷺ، نصلي خلف المقام ركعتين اتباعا للنبي ﷺ، نسعى بين الصفا والمروة اتباعا للنبي ﷺ، نصلي اتباعا للنبي ﷺ، نزكي كذلك، نصوم كذلك، نحج كذلك، وهكذا لأن الرسول ﷺ بلغنا عن الله هذا، فالواجب علينا اتباع ما جاء به لأنه المبلغ عن الله، الله قال له: يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ [المائدة:67] فقد بلغنا بقوله وفعله، فنحن نتبعه لأنه مبلغ عن الله، يعلمنا بما قاله الله له، ولهذا قال جل وعلا: يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ [المائدة:67]، وقال جل وعلا: وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى ۝ مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى ۝ وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى ۝ إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى [النجم:1-4]، وقال جل وعلا: وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا [الحشر:7]، وقال: مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ [النساء:80]، وفق الله الجميع.

17- باب في وجوب الانقياد لحكم الله تعالى وما يقوله من دُعي إِلَى ذلِكَ، وأُمِرَ بمعروف أَوْ نُهِيَ عن منكر

قَالَ الله تعالي: فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [النساء:65]، وَقالَ تَعَالَى: إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [النور:51].

وفيه من الأحاديث حديث أَبي هريرة المذكور في أول الباب قبله، وغيره من الأحاديث فيه.

1/168- عن أَبِي هريرةَ ﷺ، قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ عَلَى رسولِ اللَّه ﷺ: لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَو تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ [البقرة:284] اشْتَدَّ ذلكَ عَلَى أَصْحابِ رَسُول اللَّه، فأَتوْا رَسُول اللَّه ﷺ، ثُمَّ برَكُوا عَلَى الرُّكَب فَقالُوا: أَيْ رسولَ اللَّه، كُلِّفَنَا مِنَ الأَعمالِ مَا نُطِيقُ: الصَّلاَةَ وَالْجِهادَ وَالصِّيام وَالصَّدقةَ، وَقَدَ أُنْزلتْ عليْكَ هَذِهِ الآيَةُ وَلا نُطِيقُهَا. قالَ رسولُ اللَّه ﷺ: أَتُريدُونَ أَنْ تَقُولوا كَمَا قَالَ أَهْلُ الْكِتابَين مِنْ قَبْلكُمْ: سَمِعْنَا وَعصينَا؟ بَلْ قُولوا: سمِعْنا وَأَطَعْنَا غُفْرانَك رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمصِيرُ فَلَمَّا اقْتَرَأَهَا الْقَومُ، وَذَلّتْ بِهَا أَلْسِنتهُمْ، أَنَزلَ اللَّه تَعَالَى في إِثْرهَا: آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ [البقرة:285] فَلَمَّا فعَلُوا ذلِكَ نَسَخَهَا اللَّه تَعَالَى، فَأَنْزَلَ اللَّه : لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا [البقرة:286] قَالَ: نَعَمْ رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا [البقرة:286] قَالَ: نعَمْ رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ [البقرة:286] قَالَ: نَعَمْ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ [البقرة:286] قَالَ: نعَمْ. رواه مسلم.

 

الشيخ: هذه الآيات والحديث فيما يتعلق بالسمع والطاعة لأحكام الله والانقياد لها والتمسك بها وعدم الخروج عنها، هذا هو الواجب على جميع المسلمين التمسك بأحكام الله والانقياد لها والحذر من مخالفتها، فإن الله جل وعلا حكيم عليم، يأمر بما يشاء وينهى عما يشاء وله الحكمة البالغة، ولهذا تقدم قوله ﷺ: ذروني ما تركتكم، فإنما أهلك من كان قبلكم بكثرة مسائلهم واختلافهم على أنبيائهم، فما أمرتكم به فأتوا منه ما استطعتم، وما نهيتكم عنه فاجتنبوه، وقال ﷺ: كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى قيل: يا رسول الله من يأبى؟ قال: من أطاعني دخل الجنة، ومن عصاني فقد أبى.

والله يقول سبحانه: فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [النساء:65] لا يؤمنون حتى يحكموا الرسول ﷺ فيما يشجر بينهم، يعني حتى يرضوا بحكمه وينقادوا له، أما الصلح فجائز، لو اصطلحوا الصلح بين المسلمين لا بأس، تضاربوا أو تعدى بعضهم على بعض في مال أو غيره واصطلحوا لا بأس، لكن يتحاكمون إلى غير حكمه لا، لا إلى رؤساء القبائل، ولا إلى السلاطين، ولا إلى غير ذلك، بل يجب التحاكم إلى شرع الله فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ، ويقول سبحانه: أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ [المائدة:50]، ويقول سبحانه: وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ [المائدة:44]، وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ [المائدة:45]، وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ [المائدة:47].

هذا واجب على الأمة كلها أن تنقاد لحكم الله، وأن ترضى بذلك، وأن تسلم لذلك، قال جل وعلا: إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [النور:51]، هذا هو الواجب عليهم عندما يدعون إلى حكم الله سمعنا وأطعنا، والحاكم متى اجتهد وأخلص وصبر فله أجران إن أصاب، وأجر واحد إن أخطأ، هذا حال الحاكم إذا اجتهد واتقى الله وصدق فله أجران إن أصاب، وأجر إن أخطأ.

ولما نزل قوله تعالى: لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [البقرة:284] شق ذلك على الصحابة خافوا وجاءوا إلى النبي ﷺ وجثوا عنده على الركب، وقالوا: يا رسول الله، حملنا من الأعمال ما نطيق من الصوم والصلاة والصدقة، وهذه الآيات لا نطيقها، إذا كنا نحاسب على ما يقع في النفوس، فالنفوس يقع فيها أشياء كثيرة من وسواس الشيطان ونزغاته، أمر لا يطاق، من يسلم من الوسواس والله يقول: وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ [البقرة:284]، فقال لهم ﷺ: أتريدون أن تقولوا كما قال من قبلكم -من اليهود والنصارى أهل الكتابين- سمعنا وعصينا، قولوا: سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير يعني قولوها وسوف يفرج الله الأمور، اسمعوا وأطيعوا وسوف يأتي الفرج، فقالوها سمعنا وأطعنا، "فلما اقترأوها وذلت بها ألسنتهم أنزل الله بعدها: آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ" [البقرة:285] أثنى عليهم بهذا، أثنى عليهم بما وجههم إليه النبي ﷺ واستجابوا، ثم أنزل بعدها قوله سبحانه: لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا [البقرة:286].

وجاء في الحديث الصحيح يقول ﷺ: إن الله تجاوز عن أمتي ما حدثت بها أنفسها مالم تعمل أو تكلم حديث النفس معفو عنه ما لم يحققه الإنسان بالعمل أو بالقول، ولهذا أنزل جل وعلا: رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا قال: نعم رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا قال: نعم رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ قال: نعم وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ [البقرة:286] قال: نعم.

أجابهم أنه لا يؤاخذهم إذا نسوا أو أخطؤوا، وأنه لا يحملهم ما لا طاقة لهم، وأنهم لا يحملهم آصارا، وأنه يعفو ويغفر ، كل هذا وعدهم به جل وعلا يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ [محمد:7]، وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ [الروم:47] وقد وعدهم جل وعلا إذا استغفروه أن يغفر لهم، وأثنى على المستغفرين الصابرين والصادقين والقانتين والمنفقين والمستغفرين بالأسحار، فهذا الواجب على الأمة الصبر والاحتساب وتنفيذ الأوامر والكف عن النواهي، وما عجز عنه الإنسان فهو غير مؤاخذ به، لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا [البقرة:286].

فإذا وقع في الصدور وساوس فليعالجها بقوله: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، ولما شكا الصحابة إلى النبي ﷺ ما يجده بعضهم في صدره من الوسواس ما لئن يخر من السماء أهون عليه من ان ينطق به، فقال ﷺ: تلك الوسوسة، الحمد لله الذي رد كيده إلى الوسوسة هذه وسواس الشيطان، كون الإنسان يستعظمها هذه من قوة الإيمان، فيقول: آمنت بالله ورسله، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، إذا جاءته وساوس في الله أو في الجنة أو في النار أو في الرسول يقول: آمنت بالله ورسله، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، هكذا لما قال له الصحابة، قال: «قولوا آمنت بالله ورسله، ثم ليستعذ بالله ولينته».

فالإنسان يبتلى بالوساوس، من خلق الله، ما هناك جنة، ما هناك نار، ما هناك كذا، وسواس الشيطان، فيقول الإنسان عند ذلك: آمنت بالله ورسله، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، وينتهي الأمر إرغاما للشيطان، وإبطالا لكيده، واعتصاما بالله وإيمانا به. وفق الله الجميع.

18- باب النَّهي عن البِدَع ومُحدثات الأمور

قَالَ الله تَعَالَى: فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلاَّ الضَّلالُ [يونس:32]، وَقالَ تَعَالَى: مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ [الأنعام:38]، وَقالَ تَعَالَى: فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ [النساء:59] أيِ: الكتاب والسنة. وَقالَ تَعَالَى: وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ [الأنعام:153]، وَقالَ تَعَالَى: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ [آل عمران:31] وَالآياتُ في البَابِ كَثيرةٌ مَعلُومَةٌ.

وَأَمَّا اَلأحادِيثُ فَكَثيرَةٌ جدًا وَهيَ مَشْهُورَةٌ فَنَقْتَصِرُ عَلَى طَرَفٍ مِنْهَا:

1/169- عن عائشةَ، رَضِي اللَّه عنها، قَالَتْ: قَالَ رسولُ اللَّه ﷺ: منْ أَحْدثَ في أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ مِنْهُ فهُو رَدٌّ متفقٌ عَلَيهِ.

وفي رواية لمسلمٍ: مَنْ عَمِلَ عمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُو ردٌّ.

2/170- وعن جابرٍ، ، قَالَ: كَانَ رسولُ اللَّه ﷺ، إِذَا خَطَب احْمرَّتْ عيْنَاهُ، وعَلا صوْتُهُ، وَاشْتَدَّ غَضَبهُ، حتَّى كَأَنَّهُ مُنْذِرُ جَيْشٍ يَقُولُ: صَبَّحَكُمْ ومَسَّاكُمْ وَيقُولُ: بُعِثْتُ أَنَا والسَّاعةُ كَهَاتيْن ويَقْرنُ بَيْنَ أُصْبُعَيْهِ، السبَابَةِ وَالْوُسْطَى، وَيَقُولُ: أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّ خَيرَ الْحَديثَ كِتَابُ اللَّه، وخَيْرَ الْهَدْى هدْيُ مُحمِّد صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم، وَشَرَّ الأُمُورِ مُحْدثَاتُهَا وكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلالَةٌ ثُمَّ يقُولُ: أَنَا أَوْلَى بُكُلِّ مُؤْمِن مِنْ نَفْسِهِ، مَنْ تَرَك مَالا فَلأهْلِهِ، وَمَنْ تَرَكَ دَيْنًا أَوْ ضَيَاعًا، فَإِليَّ وعَلَيَّ رواه مسلم.

وعنِ الْعِرْبَاض بن سَارِيَةَ، ، حَدِيثُهُ السَّابِقُ في بابِ الْمُحَافَظةِ عَلَى السُّنَّةِ.

الشيخ: هذه الآيات الكريمات والأحاديث النبوية كلها تتعلق بوجوب اتباع السنة والتمسك بها والحذر من البدع كلها قوليها وفعليها، فالله جل وعلا أكمل لعباده الدين ولم يدعهم يحتاجون إلى أحد كما قال تعالى: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا [المائدة:3] فلا محل للبدع.

البدع معناها أن هناك نقصا في الدين يحتاج إلى تكميل، ولهذا صارت البدع من شر المنكرات لما تتضمنه من التنقص في الدين، وأنه في حاجة إلى أن يكمله هذا المبتدع، قال الله جل وعلا: أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ [الشورى:21] إنكارا عليهم، وقال تعالى: فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ [يونس:32]، وقال تعالى: مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ [الأنعام:38]، وقال سبحانه: وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ [النحل:89]، وقال : قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ [آل عمران:31].

وقال جل وعلا: فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا [النساء:59] والمعنى في الرد إلى الله يعني الرد إلى القرآن العظيم، والرد إلى الرسول الرد إلى السنة إليه في حياته وإلى سنته بعد وفاته عليه الصلاة والسلام، هذا هو الواجب على الجميع.

قال تعالى: وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ} [الشورى:10] لا إلى البدع والآراء، فالواجب على المؤمنين التحاكم إلى كتاب الله وسنة رسوله ﷺ والأخذ بهما والسير عليهما والحذر مما خالفهما، وقال عليه الصلاة والسلام: من أحدث في أمرنا يعني في ديننا ما ليس منه فهو رد يعني فهو مردود أخرجه الشيخان في الصحيحين، وأخرج مسلم من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد فالحدث يشمل القول والعمل، وقال في حديث العرباض بن سارية : إياكم ومحدثات الأمور من باب التحذير فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.

وفي صحيح مسلم عن جابر رضي الله تعالى عنه قال: كان النبي ﷺ إذا خطب احمرت عيناه وعلا صوته واشتد غضبه حتى كأنه منذر جيش يقول: صبحكم ومساكم، ثم يقول: أما بعد، فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد ﷺ، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة» هذا فيه الدلالة على أنه ينبغي للخطيب أن يكون قويا في خطبته لا ضعيفا حتى تؤثر خطبته، فإن القوة في الخطبة إذا صدرت عن قوة وعن رغبة بما عند الله وعن عناية بالتوجيه كان أثرها أشد في القلوب بخلاف إذا صدرت عن ضعف، ولهذا كان إذا خطب احمرت عيناه وعلا صوته واشتد غضبه كأنه ينذر جيشا يقول: صبحكم ومساكم، فإن هذه الخطبة مع هذا الشعور يكون أثرها عظيما، فخير الكلام كلام الله هو أفضل الكلام، وخير الهدي والسيرة هدي محمد ﷺ فهو أفضل الهدي وأفضل السيرة، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة يبين ﷺ أن شر الأمور المحدث المخالف لشرع الله، ولهذا سماه ضلالة، فالواجب على أهل الإسلام أن يتمسكوا بدين الله، وأن يستقيموا على شرع الله، وأن يحذروا ما أحدثه الناس من البدع.

وفق الله الجميع.