أهمية الشباب في نهوض الأمة

الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن سلك سبيله واهتدى بهداه إلى يوم الدين.

أما بعد:

لقد سمعنا جميعًا هذه الندوة المباركة، التي اشترك فيها أصحاب الفضيلة: الشيخ عبدالرحمن بن عبدالله الفريان، والشيخ محمد الراوي، والشيخ عبدالله بن إبراهيم بن الونتوه، فيما يتعلق بإعداد الشباب لتحمل المسؤولية، والنهوض بالأمة، والقيام بنصر دين الله ، ولقد أجاد المشايخ فيما وضحوا، وبينوا من أمر الأمة، ما يجب لها من إعداد وعناية، وما يتعلق بالشباب في هذا المضمار، ولقد أحسنوا، وأفادوا، وأوضحوا ما ينبغي إيضاحه، فجزاهم الله خيرًا، وضاعف مثوبتهم، ونفعنا جميعا بما سمعنا، ورزقنا جميعًا المزيد من العلم النافع، والتوفيق لما يرضيه، كما نسأله سبحانه أن يصلح ولاة أمر المسلمين، وسائر أفراد المسلمين، نسأل الله أن يصلح الجميع، وأن يرزقهم البصيرة، نسأل الله أن يرزقنا وإياهم البصيرة، والفقه في الدين، والقيام بحق الله على الوجه الذي يرضيه سبحانه وتعالى.

والتعليق على هذه الندوة المباركة مهم، والخلاصة أن نهوض الأمة واستجابتها لأمر الله وقيامها بحقها يجب أن يكون على الجميع، على الشباب، وعلى القادة الكبار؛ من: الأمراء، والعلماء، والملوك، والرؤساء، وبذلك تنهض الأمة في واجبها، وتقيم أمر الله بينها، وتحكم شريعة الله في شؤونها، فالشباب وحده عليه واجب عظيم، وهو أمل الأمة بعد الله ؛ إذا استقام على دين الله، وجاهد في سبيله، وبدأ بنفسه فأصلح شأنه، واستقام على أمر ربه، وتطلع لإصلاح الأمة، ولكنه وحده لا يكفي، بل يجب على القادة أن يقوموا بواجبهم أيضًا، من التشجيع، والعناية، والاهتمام بأمر المسلمين، وإيضاح ما قد يخفى على الشباب، وكذلك جبر ما قد يضعف عنه الشباب، ولا يستطيعه الشباب، والله يقول جل وعلا  مخاطبًا الأمة: وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ [الأنفال:60]، ويقول جل وعلا: يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ [النساء:71]، يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ [الأنفال:29]، والفرقان هو النور والهدى والبصيرة، ويقول جل وعلا: يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ [محمد:7]، ويقول: وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ ۝ الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ [الحج:40-41].

هؤلاء ولو كانوا شيبًا ولو كانوا كهولًا أو شيبًا إذا مكنوا في الأرض ونصروا الله بنصر دينه والقيام بأوامره نصرهم الله جل وعلا، وإن كانوا كهولًا، وإن كانوا فوق الكهول، المهم الصفات، المهم صفاتهم، وقيامهم بأمر الله، ونصرهم دين الله .

وقال : وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ [الروم:47]، وقال : وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سواء كانوا كهولًا، أو شبابًا، أو شيبًا وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا [النور:55]، ومعلوم أن الشباب في عهده ﷺ كانوا كثيرين، وكان الشيب والكهول هم القادة، كان نبينا عليه الصلاة والسلام وأبو بكر وعمر وكبار المسلمين هم القادة في جميع المعارك، وجميع الأحوال، والشباب يتبعونهم في الخير، ويساعدونهم على الخير، ويؤيدونهم في الخير، ويباشرون تنفيذ الأوامر، وترك النواهي، وجهاد أعداء الله بالحق، قال الله جل وعلا: إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ ۝ وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ [الأنفال:9-10]، فالنصر من عنده جل وعلا، هو الناصر لعباده، إذا استقام عباده على دينه ونصروه وثبتوا عليه وحاسبوا أنفسهم وجاهدوها لله .

وقد أوضح المشايخ هذه الأمور، فلا بد من الجهاد من الجميع، ولا بد من التعاون من الجميع؛ من: الرجال، والنساء، والكبار، والصغار، والملوك، والرؤساء، والشباب، الواجب على الجميع أن يحاسب كل واحد نفسه، وأن يتقي الله جل وعلا في نفسه، فيبدأ بنفسه، يعني بإصلاحها، وتوجيهها إلى الخير، وثباتها على الحق، وتنفيذها لأمرها الله في نفسه، فيجب على كل فرد من شيب وشباب من رجال ونساء أن يبدأ بنفسه، وأن يحاسبها، وأن يجاهدها لله ، فيؤدي فرائض الله، وينتهي عن محارم الله، ويقف عند حدود الله، ويقوم بالواجب من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والدعوة إلى الله حسب إمكانه وطاقته، وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا [فصلت:33]، وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ [التوبة:71]، فكل واحد عليه مسؤولية، كل واحد عليه مسؤولية ليس له أن يتخلى عنها، فالشباب عليه مسؤولية عظيمة، والقادة عليهم مسؤولية أعظم من: العلماء، والأمراء، والرؤساء، مسؤولية أكبر في تنفيذ أمر الله، وتنفيذ حدود الله، والجهاد في سبيل الله، والاستعانة بالله في ذلك، ثم بالشباب على هذا الواجب العظيم.