نكاح الشغار

النكاح الثالث الفاسد أيضا نكاح يسمى: نكاح الشغار، ويسمى عند بعض الناس نكاح البدل، وهو نكاح يشترط فيه كل واحد من الوليين نكاح الأخرى، فيقول أحدهما للآخر: زوجني وأزوجك، زوجني بنتك وأزوجك بنتي، أو زوجني أختك وأزوجك أختي، أو زوج ابني وأنا أزوج ابنك، أو زوجني وأنا أزوج ابنك، أو زوج ابني وأنا أزوجك أو أزوج أخاك أو ما أشبه ذلك، هذا هو الشغار، قالوا: سمي شغارًا من الخلو؛ لأنه في الغالب لا يهمهم المهر، وإنما يهمهم الاتفاق على هذا العمل، يقال: بلاد شاغرة يعني خلت من أهلها، ويقال: مكان شاغر خال، ويقال: شغر الكلب برجله إذا رفعها ليبول فأخلى مكانها، وقيل: سمي شغارًا من شغور الكلب رجله، المعنى كأنه يقول: لا تمسها ولا تمس رجلها حتى أمس، حتى أباشر رجل أختك أو بنتك أو عمتك أو ما أشبه ذلك.

وبكل حال فهو منكر وفاسد، وإن لم يخل من المهر، وإن سمي فيه مهر لما ثبت عنه ﷺ أنه نهى عن الشغار من حديث ابن عمر، ومن حديث جابر رضي الله تعالى عنه، ومن حديث معاوية، ومن أحاديث أخرى فيها النهي عن الشغار، وفي حديث أبي هريرة قال: والشغار أن يقول الرجل زوجني ابنتك وأزوجك ابنتي أو زوجني أختك وأزوجك أختي هذا هو الشغار.

أما ما جاء في حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما من قوله: أن الشغار هو أن يزوج هذا هذا وهذا هذا ليس بينهما صداق، فهذا من كلام نافع مولى ابن عمر، وليس من كلام النبي ﷺ، وقال جماعة هو من كلام مالك بن أنس الراوي عن نافع، وبكل حال فهو ليس من كلام النبي ﷺ، وإنما هو من كلام من دون النبي وهو نافع مولى ابن عمر أو مالك، قال الحافظ رحمه الله في البلوغ: واتفق من وجه آخر على أن تفسير الشغار من كلام نافع، فليس من كلام النبي عليه الصلاة والسلام، قد اتفق الشيخان على أنه من تفسير نافع، وليس من كلام النبي عليه الصلاة والسلام.

 وبعض الفقهاء رحمة الله عليهم أخذ بما قال نافع، وقالوا: إنه لا يكون شغارًا إلا إذا خلى من المهر، أما إذا كان فيه المهر كاملًا ليس فيه حيلة بل المهر كامل لهذه ولهذه فإنه لا يكون شاغرًا، وهذا قول ضعيف ومرجوح، والصواب أنه يكون شغارًا مطلقًا إذا كان فيه الشرط، يعني لظاهر الأحاديث عن النبي عليه الصلاة والسلام؛ لأن في حديث أبي هريرة قال: والشغار أن يقول الرجل زوجني أختك وأزوجك أختي، أو زوجني بنتك وأزوجك بنتي، ولم يقل وليس بينهما صداق، بل أطلق، ولما ثبت في المسند وسنن أبي داود بإسناد صحيح عن معاوية أنه رفع إليه -رفع إليه أمير المدينة- أن شخصين تزوجا شغارًا وقد سميا مهرًا فكتب معاوية إلى أمير المدينة أن يفرق بينهما، وقال: هذا هو الشغار الذي نهى عنه النبي عليه الصلاة والسلام، مع أنهما قد سميا مهرًا. فدل ذلك على أن الشغار هو ما فيه المشارطة سواء سمي فيه مهر أم لم يسم فيه مهر.

 والحكمة من ذلك والله أعلم أنه وسيلة إلى ظلم النساء وإجبارهن على الأزواج الذين لا تراضهم النساء، وسبب أيضًا لعدم مبالاة بمهورهن، وسبب أيضا للنزاع المتواصل والخصومات الكثيرة، فمن رحمة الله أن حرم الله ذلك حتى لا يجبر النساء بغير حق، حتى لا يظلمن، وحتى يسد باب النزاع والخصومات، فإن الذين فعلوا هذا قد جربوا ما فيه من الشر، فإنه تكثر بينهم النزاعات والخصومات كثيرًا، وإذا جرى بين هذا وهذا بين الزوج وزوجته شيء فخرجت لعلة خرجت الأخرى أو طلب وليها بإخراجها حتى تعود هذه، وهكذا في نزاع، متى ساءت الحال بين هذا وزوجته لحقتها الأخرى؛ لأن المشروط على هذا هذا مشروط عليه، أن ينكح هذا هذه وهذا هذه، فكلما جرى نزاع ساءت الحال بين الجميع، ثم وليها لا يبالي، بل يحبسها ويؤذيها حتى يجد امرأة أخرى يشرطها لنفسه أو لولده أو لابن أخيه أو لأخيه، فيكون النساء حبيسات مظلومات لحاجات الأولياء، ولمصالح الأولياء ولظلم الأولياء من أجل هذا حرم الله هذا الشغار، ونهى عنه نبيه عليه الصلاة والسلام حتى لا يظلم الناس، وحتى لا يتخذ تزويجهن للهوى والظلم وإرضاء الأولياء، وتحصيل مقاصدهم وأهوائهم لا، بل يطلب لها الزوج المناسب الزوج الشرعي، ولا يعلق ذلك بأن يزوج ابن هذا أو أخو هذا أو عم هذا أو ما أشبه ذلك، فهذا هو نكاح الشغار، وهو مسمى نكاح البدل، والصواب أنه لا يجوز مطلقًا سواء كان فيه مهر، أم لم يكن فيه مهر، هذا هو أرجح قولي العلماء في هذه المسألة، وهو موافق للأحاديث الصحيحة، وهو موافق للمعنى الذي من أجله حرم الله الشغار الذي هو البدل، ونهى عنه نبيه عليه الصلاة والسلام لما يترتب عليه من المفاسد العظيمة، وإن سمي فيه مهر، والله المستعان ولا حول ولا قوة إلا بالله.

نسأل الله أن يمن على المسلمين بالعافية من كل ما يغضبه، والواجب على من يستمع لمثل هذه الفائدة أن يبلغها غيره؛ لأن هذا كثير، مسألة الشغار هذا موجود كثيرًا في الحاضرة والبادية، ولعله في البادية أكثر وفي القرى، فينبغي تبليغ ذلك لمن يستطيعه الإنسان، ولاسيما في هذا الوقت، عند غلاء المهور صار كل واحد يحبس ابنته ويقول: لعلي أحصل لي من يزوجني بأخته أو بنته فتبقى عنده بنته إلى أن تبلغ الأربعين سنة والثلاثين سنة يرجو وجود من يزوجه أو يزوج ولده، وهذا من الظلم الظاهر والمعصية الظاهرة، فيجب على الإخوان أن يبلغوا من علموا ذلك منه، وأن يخوفوه من الله، وأن يحذروه نقمة الله، فإن هذا ظلم للنساء لا يجوز وهذا النكاح بهذه الصفة أمر لا يجوز أيضًا، فنسأل الله للجميع الهداية والعافية.