حكم القنوت في الفجر وعدد المذاهب المعتبرة

السؤال:

هذه رسالة من المستمع: محجوب علي حسن من الرياض، يقول: نحن جماعة من رعايا الدول العربية نعمل بالمملكة، ولنا مسجد بمحل عملنا، نؤدي به جميع الصلوات، ولكن إمامنا له عادة بعد الركعة الثانية من صلاة الفجر دائمًا، يرفع يديه بالدعاء لمدة طويلة، ويرفع المأمومون أيديهم أيضًا خلفه، وبعد الدعاء يسجد ليكمل الصلاة، ولما كان أكثر المصلين يتجادلون في هذا الموضوع، وأكثرهم يعتبره غير صحيح ولا يجوز؛ لأنهم لم يفعلوا ذلك في الحرمين، وهما مقياس وقدوة، وعندما أخبرنا الإمام بذلك أخبرنا بأن ذلك لا يعتبر دليلًا، فنرجو توضيح الحقيقة، ولا زالت الشكوك بين المصلين حول هذا الموضوع، وإمامنا يقول لنا حينما قلنا له ذلك قال: إن المذاهب متعددة، فهي تصل إلى ألف وستمائة مذهب في الإسلام، فما رأيكم في هذا الموضوع؟

أثابكم الله.

الجواب:

لا ريب أن ما فعله الإمام قد قال به بعض أهل العلم، ويسمى القنوت، وهو الدعاء الذي يؤتى به بعد الركوع في الركعة الثانية من الفجر، هذا ذهب إليه بعض أهل العلم، كـالشافعية -رحمة الله عليهم-، وهو قول معروف في الإسلام، ويحتجون ببعض الأحاديث الواردة في ذلك عن النبي ﷺ: "أنه كان يقنت حتى فارق الدنيا في الصبح".

ولكن الصواب من الأقوال في هذا: أنه لا يشرع إلا للنوازل، إذا نزل بالمسلمين نازلة من عدو نزل بهم، فإنه لا بأس أن يقنتوا، بل يشرع لهم القنوت، مدة معينة، ثم يتركون القنوت؛ لأنه ﷺ كان يقنت في النوازل وقتًا معينًا، ثم يترك ذلك -عليه الصلاة والسلام-، قال أنس : "كان النبي ﷺ لا يقنت إلا إذا دعا لقوم أو على قوم"، "وقنت شهرًا ﷺ يدعو على أحياء من العرب، ثم ترك ذلك -عليه الصلاة والسلام-".

أما الحديث: "أنه كان يقنت في الصبح حتى فارق الدنيا" فهو ضعيف كما بيَّن أهل العلم.

وقد ثبت في الحديث الآخر من حديث سعد بن طارق بن أشيم الأشجعي أنه قال لأبيه: «يا أبت، إنك صليت خلف رسول الله ﷺ وخلف أبي بكر وعمر وعثمان وعلي؛ أفكانوا يقنتون في الفجر؟ فقال له أبوه: أي بني محدث».
فبين طارق -رحمه الله- وهو صحابي جليل أن قنوت الفجر محدث، وأنه لا ينبغي فعله، وهذا هو الأرجح، أرجح القولين، فينبغي للمؤمن أن يتحرى في صلواته، وفي سائر أعماله، ما يوافق السنة والكتاب العزيز، وأقوال أهل العلم المعتبرين، وهذا القول هو الأرجح أنه لا ينبغي القنوت.

إلا إذا دعا لقوم أو على قوم في النوازل، مثل إذا قنت يدعو للمجاهدين في الأفغان، وعلى أعدائهم بعض الوقت ثم يترك.

أما يستمر في القنوت بعد الركوع في الركعة الثانية من الفجر دائمًا هذا الصواب أنه غير مشروع، وإن قال به من قال به من الشافعية وغيرهم، فالصواب: أنه غير مشروع، وقد قال الله : فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا[النساء:59] وإذا رددنا هذا الأمر إلى السنة وجدنا فيها الدلالة على أن هذا غير مشروع.

فينبغي للإمام ترك ذلك، وعدم فعله عملًا بالسنة الصحيحة، واتباعًا لبقية أهل العلم في هذا الباب، ولا سيما في هذه البلاد، فإن هذه البلاد أئمتها لا يقنتون في الفجر أخذًا بالسنة الصحيحة التي بينا لك أيها السائل.

وأما قول الإمام أن في الإسلام ألف وستمائة مذهب هذا كلام فيه مجازفة، وكلام لا ينبغي، فإن ليس كل مذهب يوجد يعتبر في الإسلام، هناك مذاهب باطلة، وهذه مبالغة قبيحة، لا ينبغي للإمام أن يقول مثل هذا، فليس كل مذهب يدعي صاحبه أنه مذهب إسلامي يقبل، المذاهب التي لا توافق الكتاب والسنة لا تعتبر.

والمذاهب المشهورة أربعة: الشافعية، والحنفية، والمالكية، والحنبلية، وهم أئمة وعلماء كبار، اشتهرت مذاهبهم وانتسب إليهم علماء، فاشتهروا بذلك، ويلحق بهم أيضًا مذهب الظاهرية معروف، هذه مذاهب معروفة، وما اختلفوا فيه من المسائل يعرض على الكتاب والسنة، كل واحد قد يخطي، قد يغلط في بعض المسائل، فما اختلفوا فيه -رحمة الله عليهم- يعرض على الكتاب والسنة، فما وافق القرآن أو السنة الصحيحة وجب الأخذ به، وترك ما خالفه، سواء كان وافق مذهب مالك، أو مذهب أبي حنيفة أو الشافعي أو أحمد أو الظاهرية، هذا هو الصواب.

أما المذاهب الأخرى التي يشير إليها هذا الإمام، هذه لا يعول عليها، ولا يلتفت إليها، بل ينبغي للمؤمن ألا يلتفت إلى غير هذه المذاهب، وهذه المذاهب هي المذاهب المعروفة عند أهل السنة، والمعروفة بالاستقامة، وتحري الحق، وعدم الزيغ والبدعة، أما المذاهب الأخرى فعند أهلها من البدع وعندهم من الانحراف ما يوجب التوقف عن الأخذ بمذاهبهم، وعدم النظر فيها؛ خوفًا من شرها وبدعتها، ولكن هذه المذاهب الخمسة المعروفة الظاهرية والمذاهب الأربعة هذه تعتني بالسنة والكتاب، وتعتني بأقوال الصحابة وأرضاهم، وليس عندهم البدع التي عند غيرهم، فلهذا اقتنع بها أهل العلم، ورأوها مذاهب إسلامية معتبرة، ولكن ما اختلفوا فيه من ذلك يرجع فيه إلى الكتاب والسنة، ويعرض على كلام الله، وكلام رسوله ﷺ، فما وافقهما أو أحدهما وجب الأخذ به، وترك ما خالفه.

وإذا عرضنا القنوت في الفجر دائمًا على الكتاب والسنة، لم نجد فيهما ما يدل على شرعيته، بل ما يدل  فيهما هو ما جاء في حديث طارق بن أشيم، ما يدل على أنه لا يشرع هذا القنوت بصفة دائمة، وإنما يشرع عند النوازل في الدعاء على أعداء الله، وفي الدعاء للمجاهدين في سبيل الله بالنصر في وقت معين، وقت الحاجة، ثم يوقف ويمسك، ولا يستمر، رزق الله الجميع التوفيق والهداية، نعم.

المقدم: آمين، يا رب العالمين، جزاكم الله خير الجزاء.

فتاوى ذات صلة