معنى قول عمر بن الخطاب: «نعمت هذه البدعة»

السؤال:

يقولون في البدع حسنة، وسيئة، يستدلون بقول عمر عند التراويح: "نعمت البدعة هذه" فما رأيكم في هذا التقسيم؟

الجواب:

ذهب بعض أهل العلم إلى أن البدع تنقسم إلى أقسام خمسة، وأنها تدخلها الأحكام الخمسة: التحريم، والوجوب، والكراهة، والاستحباب، والإباحة، ذهب إلى هذا جماعة، وأنكر هذا آخرون من أهل العلم، وقالوا: ليس في البدعة تقسيم، بل كلها ضلالة، وهكذا قال قائد المسلمين، وإمامهم كل بدعة ضلالة.

وليس لأحد أن يخالفه فيقول: لا، ما هي بكلها ضلالة، هذا جرأة على الرسول ﷺ لا يجوز فعلها، والنبي -عليه الصلاة والسلام- قال: كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة هكذا قال -عليه الصلاة والسلام- وبين، فلا يجوز لنا، ولا لغيرنا أن نقول: إن البدعة فيها ضلالة، وفيها غير ضلالة، بل كلها ضلالة، وهي ما أحدثه الناس في الدين، كله ضلالة، وما يحتجون به على التقسيم لا حجة لهم فيه. 

فالأشياء التي احتجوا بها على البدعة الواجبة من نقط المصاحف، وتشكيل المصاحف، ومن بناء المساجد كل هذا ليس من البدع، بل هذا أمر الله به، ورسوله، أمر الله ببناء المساجد، وأمر بالعناية بالقرآن، وحفظ القرآن، وتلاوته، فما أعان على هذا؛ فهو داخل في الأمر بالحفظ، والعناية.

والمقصود: أن ما ذكروه ليس من باب البدع، بل هو من باب الدين، ومن باب حفظ الدين، ومن باب التعاون على البر، والتقوى.

وأما قول عمر لما رأى الناس اجتمعوا على صلاة التراويح بأمره، كان الناس في عهد النبي ﷺ يصلون فرادى، وجماعات، فصلى بهم النبي ﷺ ليال، وجمعهم، صلى بهم قيامًا -عليه الصلاة والسلام- ثلاث ليال، ثم ترك ذلك، وقال: إني أخشى أن تفرض عليكم صلاة الليل وكان شفيقًا على أمته، عليه الصلاة والسلام. 

فلما توفي ﷺ شغل الصديق -رضي الله عنه وأرضاه- أهل الردة، وشغل بهم الصحابة -رضي الله عنهم وأرضاهم- فلما جاءت خلافة عمر؛ صار أفرغ لذلك، ومدته طويلة، فنظر في جمع الناس على إمام واحد، بدل ما كانوا يصلون أوزاعًا في المسجد، فجمعهم على إمام واحد، وأمر أُبيًّا أن يصلي بهم، فلما خرج ذات ليلة، ونظر إليهم، قال: "نعمت هذه البدعة"سماها بدعة من جهة اللغة، لا من جهة الدين؛ لأن البدعة في اللغة ما كان على غير مثال سابق.

فالمعنى: أنهم كانوا في السابق يصلون أوزاعًا، ولم يجتمعوا على إمام واحد، فلما جمعهم؛ قال: "نعمت البدعة" التي فعلها هو لهم؛ ليجتمعوا، ويتعاونوا على البر، والتقوى، ولأن الرسول ما استمر عليها، إنما فعلها ثلاث، ثم ترك، فلهذا قال عمر هذه المقالة، فهي مقالة له من جهة اللغة، مقصوده من جهة اللغة، لا من جهة الأمر الشرعي، فليست بدعة من جهة الأمر الشرعي، بل هي سنة، وقربة، فعلها الرسول ﷺ وفعلها الخلفاء الراشدون، عمر، ومن بعده، وفعلها أصحاب النبي ﷺ وفعلها المسلمون، وحث عليها النبي ﷺ قال: من قام رمضان إيمانًا، واحتسابًا؛ غفر له ما تقدم من ذنبه وقال: من قام مع الإمام يعني في رمضان حتى ينصرف؛ كتب له قيام ليلة فدل على شرعية القيام، وأنه يكون له إمام، وجماعة، فليس من البدعة في شيء.

فتاوى ذات صلة