كيف يكون الإنسان مُخَيَّرًا مع علم الله السابق؟

السؤال: 

يقول السائل: إنَّ بعض العوام يتساءلون عن بعض الأشياء، منها يقولون: كيف أن علم الله سبق بما هو كائنٌ إلى يوم القيامة؟ وكيف أن الإنسان بعد ذلك مُخيَّر في هذه الدنيا إلى سبيل الإيمان أو سبيل الكفر؟ ولم يستطع هؤلاء التوفيق بين هذين الأمرين، نرجو من سماحتكم أن تكشفوا هذه الغُمَّة؟

الجواب:

علم الله سابقٌ، قد قدَّر المقادير كلها سبحانه وتعالى، وعلم أهل الجنة وأهل النار، في الحديث الصحيح من حديث عبدالله بن عمرو عند مسلم: إنَّ الله قدَّر مقادير الخلائق قبل أن يخلق السَّماوات والأرض بخمسين ألف سنة، وعرشه على الماء، ثم كتب في الذكر كلَّ شيءٍ، وفي الأحاديث الصحيحة أنه قال للصحابة: ما منكم من أحدٍ إلا وقد علم مقعدَه من الجنة، ومقعده من النار، فقيل: يا رسول الله، ففيم العمل؟ قال: اعملوا، فكلٌّ مُيَسَّرٌ لما خُلِقَ له، أما أهل السعادة فيُيسرون لعمل أهل السعادة، وأما أهل الشَّقاوة فيُيسرون لعمل أهل الشقاوة، ثم تلا قوله : فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى ۝ وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى ۝ فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى ۝ وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى ۝ وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى ۝ فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى [الليل:5- 10]، وهذا في "الصحيحين" من حديث عليٍّ .
فالمقصود أن مقادير الخلائق معلومة، قد سبق في علم الله ما يقع من المخلوقين، ولكنه سبحانه لا يُعذِّبهم بعلمه فيهم، بل أعطاهم العقول، وأعطاهم الإمكانات: السمع والبصر واليد والرِّجْل، وأرسل الرسل، وأنزل الكتب، وأمرهم ونهاهم، كما قال تعالى: وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ [النحل:78]، وقال: آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنْفِقُوا [الحديد:7]، وقال: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ [النساء:1]، فهم مأمورون منهيُّون، ولهم عقول يعرفون الشرَّ من الخير، لو أردتَ أن تأخذ منه ريالًا ما أعطاك إلا بهواه، كذلك لو أردتَ أن تمنعه من حاجةٍ ما أطاع إلا بهواه، وإلا قاتلك، وإلا ضاربك، وإلا صار بينك وبينه مشكل، ما يحتجّ بالقدر، لو قلتَ له: أعطنا هذه العباءة التي عليها البشت هو مقدَّرٌ لي، ما أطاع، لا يُعطيك العباءة، ولا يُعطيك غيرها ولو احتججتَ بالقدر، فكيف يحتج بالقدر وهو لا يعمل بالقدر؟!
القدر علمه عند الله جلَّ وعلا، فلا يجوز للإنسان أن يحتجَّ بالقدر إلا في المصائب، إذا نزلت المصيبة يقول: إنا لله وإنا إليه راجعون، عند المصيبة يحتجُّ بالقدر: قدر الله وما شاء فعل، وأما عند أعماله ومعاصيه وأعمال الناس لا، لا يحتج بالقدر، عليه أن يعمل ويكدح ويتَّقي الله، لو أنَّ إنسانًا ضربه أو أخذ ماله وقال: هذا مُقدَّر، ما أطاع، طالبه بحقِّه في ضربه، وحقِّه في أخذ ماله، ما أطاع في الاحتجاج بالقدر، ومعلومٌ أنه ما ضربك ولا أخذ مالك إلا بقدرٍ، وأنت ما ترضى بهذا، تطلب حقَّك، فإذا كنتَ لا ترضى بهذا في حقِّك وتُطالب، فهكذا مسألة المعصية، إذا عصيتَ: من شرب الخمر، وترك الصلاة، وفي الزنا، فأنت محجوجٌ؛ لأنَّك قد علمتَ، وجُعل لك اختيارٌ، وجُعلت لك بصيرةٌ؛ فعليك أن تمتنع عن الباطل، وعليك أن تقدم على الحقِّ.
فتاوى ذات صلة