الجمع بين: {لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ} و«الطاعة في المنشط والمكره»

السؤال:

يقول الله تعالى: لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ [البقرة:256] إلى آخر الآية، وقال الأنصار: بايعنا الرسول ﷺ على السمع والطاعة في المنشط والمكره، كيف نوفق بين الإكراه في الحالتين؟ 

الجواب:

ما بينهما اختلاف، بايع الرسول ﷺ على السمع والطاعة في كل أمورهم، في منشطهم ومكرههم وعسرهم ويسرهم أن يسمعوا ويطيعوا، ما هو معناه في الإكراه، معناه: أنهم يسمعون ويطيعون، ولو كان هذا الشيء يكرهونه، ويشق عليهم لأجل فقرهم، أو لأجل أسباب أخرى، متى أمر الرسول ﷺ أطاعوه وإن كان شيئًا قد يضرهم، ما عندهم مال ينفقون، ما عندهم مطايا، ما عندهم كذا، يكرهون من جهة الكراهة الطبيعية، من جهة المشقة الطبيعية، لا من جهة الإكراه.

الإكراه شيء آخر، الإكراه كونه يضرب على هذا، أو يهدد بهذا الشيء أنه يفعله، وهو غير مشروع، هذا هو الإكراه، أما كونه يطيع ولي الأمر في منشطه وفي مكره، وفي عسره ويسره، طاعة لله، ومحبة لشرع الله، هو مشكور، ولو أطاعه وهو يمشي على رجليه في الجهاد مشكور بهذا؛ لأنه يريد فضل الله وثوابه .

ومعنى لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ [البقرة:256] تفسر بمعنيين:

أحدهما: أن هذا كان قبل الجهاد، كان الناس لا يكرهون من دخل في الإسلام قبل، ومن أبى لا يقاتل، هذا أول الأمر، ثم شرع الله الجهاد للمسلمين، فمن دخل في الإسلام وإلا جوهد وقوتل؛ حتى يدخل في الإسلام أو يؤدي الجزية إن كان من أهلها، هذا قول.

والقول الثاني: معناه لا إكراه في الدين بالنسبة إلى أهل الجزية من اليهود والنصارى والمجوس، لا إكراه عليهم، بل يلزمون بالإسلام، أو بالجزية، فهي آية مطلقة، مخصوصة بآية الجزية، وأدلة الجزية، فمعنى لا إكراه في الدين لأهل الكتاب والمجوس إذا أدوا الجزية؛ فلا يكرهون، بل تقبل منهم الجزية، ويقرون على دينهم حتى يهديهم الله  فالمعنيان معروفان عند أهل العلم. 

المعنى الأول: أن هذا كان قبل شرع الجهاد، يعني لا إكراه، إذا اعتزلونا ولم يقاتلونا؛ اعتزلناهم ولم نقاتلهم، هذا في أول الأمر في مكة، وفي أول الهجرة، من قاتل قتلناه، ودافعنا، ومن لم يقاتل لم ندفعه، ولم نكرهه، هذا في أول الأمر. 

ثم شرع الله الجهاد، وأمر رسوله بالجهاد وقال الله في ذلك فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ [التوبة:5] هذا آخر الأمر، أمرنا بالجهاد، وألا نتركهم حتى يدخلوا في دين الله إلا من يؤدي الجزية، فإذا بذل الجزية، وأعطى الجزية عن يد؛ قبلناها منه. 

فتاوى ذات صلة