الثلاثاء ١٨ / ربيع الأوّل / ١٤٤٥
السؤال: وأولى رسائل هذه الحلقة جاءتنا من المستمع محمد إبراهيم عبد العليم الشهير بـالطيب ، مصري الجنسية، ويعمل في الخرج في منطقة أصحنة بالدلم كما يقول، سؤاله عن الاحتفال بمولد الرسول ﷺ في شهر ربيع الأول من كل عام، حيث يقول: أنا أعرف أنه بدعة، ولكنني سمعت من يقول بأن هناك بدعة حسنة أو بدعة مستحبة، وهناك من يعملون الحفلات في كل عام هجري في شهر ربيع الأول، فأرجو الإيضاح بارك الله فيكم؟
الجواب: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، والصلاة والسلام على عبده ورسوله وخيرته من خلقه، وأمينه على وحيه نبينا وإمامنا وسيدنا محمد بن عبد الله، وعلى آله وأصحابه ومن سلك سبيله واهتدى بهداه إلى يوم الدين. أما بعد: فإن الاحتفال بالمولد النبوي على صاحبه أفضل الصلاة والسلام أمر قد كثر فيه الكلام، وقد كتبنا فيه كتابات متعددة، ونشرت في الصحف مرات كثيرة، ووزعت مرات كثيرة، وكتب فيه غيري من أهل العلم كشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في كتابه: اقتضاء الصراط المستقيم، وبين أولئك العلماء أنه بدعة، وأن وجوده من بعض الناس لا يبرر كونه سنة ولا يدل على جوازه وشرعيته. وقد نص على ذلك أيضاً الشاطبي رحمه الله في كتابه الاعتصام، وكتب في هذا أيضاً شيخنا العلامة الكبير محمد بن إبراهيم رحمه الله كتابة وافية، وليس في هذا بحمد الله شك عند من عرف الأصول وعرف القاعدة الشرعية في كمال الشريعة والتحذير من البدع، وإنما يشكل هذا على بعض الناس الذين لم يحققوا الأصول، ولم يدرسوا طريقة السلف الصالح دراسة وافية كافية، بل اغتروا بمن فعل المولد من بعض الناس وقلدوه، أو اغتروا بمن قال: إن في الإسلام بدعة حسنة، والصواب في هذا المقام: أن الاحتفال بالموالد كلها بدعة، بمولده عليه الصلاة والسلام وبمولد غيره، كمولد البدوي ، أو الشيخ عبد القادر الجيلاني ، أو غيرهما، لم يفعلها السلف الصالح، ولم يفعل النبي ﷺ احتفالاً بمولده وهو المعلم المرشد عليه الصلاة والسلام، وقد بلغ البلاغ المبين ونصح الأمة، وما ترك سبيلاً يقرب من الله ويدني من رحمته إلا بينه للأمة وأرشدهم إليه، وما ترك سبيلاً يباعد من رحمة الله ويدني من النار إلا بينه للأمة وحذرهم منه، وقد قال الله سبحانه: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا [المائدة:3] مضى لسبيله عليه الصلاة والسلام في مكة ثلاثة عشر سنة، في المدينة عشر سنين ولم يحتفل بهذا المولد، ولم يقل للأمة: افعلوا ذلك، ثم صحابته وأرضاهم لم يفعلوا ذلك لا الخلفاء الراشدون ولا غيرهم من الصحابة، ثم التابعون لهم بإحسان من التابعين وأتباع التابعين من القرون المفضلة، كلهم على هذا السبيل لم يفعلوا شيئاً من هذا لا قولاً ولا عملاً، ثم أتى بعض الناس في القرن الرابع ممن ينسب إلى البدعة من الشيعة الفاطميين المعروفين حكام مصر والمغرب فأحدثوا هذه البدعة، ثم تابعهم غيرهم من بعض أهل السنة جهلاً بالحق، وتقليداً لمن سار في هذا الطريق، أو أخذاً بشبهات لا توصل إلى الحق. فالواجب على المؤمن أن يأخذ الحق بدليله، وأن يتحرى ما جاءت به السنة والكتاب حتى يكون حكمه على بينة وعلى بصيرة، وحتى يكون سيره على منهج قويم، والله يقول سبحانه: وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ [الشورى:10]، ويقول : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا [النساء:59]. وإذا نظرنا فيما يفعله الناس من الاحتفالات ورددناه إلى القرآن العظيم لم نجد فيه ما يدل عليها، وإذا رددنا ذلك إلى السنة لم نجد فيها ما يدل على ذلك لا فعلاً ولا قولاً ولا تقريراً، فعلم بذلك أن الاحتفال بالمولد النبوي بدعة بلا شك يجب تركها ولا يجوز فعلها، ومن فعل ذلك من الناس فهو بين أمرين: إما جاهل لم يعرف الحق فيعلم ويرشد، وإما متعصب لهوى وغرض فيدعى إلى الصواب ويدعى له بالهداية والتوفيق، وليس واحد منهما حجة لا الجاهل ولا المتعصب، ليس كل منهما حجة، وإنما الحجة فيما قاله الله ورسوله لا في قول غيرهما. ثم القول بأن البدع تنقسم إلى حسنة وسيئة وإلى محرمة وواجبة قول بلا دليل، وقد رد ذلك أهل العلم واليقين وبينوا خطأ هذا التقسيم، واحتجوا على هذا بقول النبي ﷺ في الحديث الصحيح: من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد يعني: فهو مردود، متفق على صحته، وروى مسلم في صحيحه رحمه الله عن عائشة رضي الله عنها عن النبي ﷺ أنه قال: من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد يعني: فهو مردود، وفي الصحيح عن جابر رضي الله تعالى عنه عن النبي ﷺ أنه كان يخطب يوم الجمعة فيقول: أما بعد: فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد ﷺ، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة ولم يقل البدعة فيها كذا وفيها كذا، بل قال: كل بدعة ضلالة، وقال في حديث العرباض بن سارية: إياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة. والبدع في أمور الدين في أمور التقرب لا في أمور الدنيا، أما أمور الدنيا في المآكل والمشارب فللناس أن يحدثوا في مآكلهم وطعامهم وشرابهم صناعات خاصة، يصنعون الخبز على طريقة، والرز على طريقة، والأنواع الأخرى على طريقة، لهم أن يتنوعوا في طعامهم ليس في هذا حرج، وإنما الكلام في القربات والعبادات التي يتقرب بها إلى الله، هذا هو محل التبديع، وكذلك الصناعات وآلات الحرب، للناس أن يحدثوا أشياء يستعينوا بها في الحرب من قنابل.. من مدافع.. من غير ذلك، يحدثون مراكب من طائرات.. من سفن فضائية.. من قطارات، ليس في هذا شيء، إنما الكلام فيما يتقرب به إلى الله ويعده الناس قربة وطاعة يرجون ثوابها عند الله هذا هو محل النظر، فما لم يفعله الرسول ﷺ ولا أصحابه، ولم يدل عليه صلى الله عليه وسلم ولم يرشد إليه بل أحدثه الناس وأدخلوه في دين الله فهو بدعة، شاء فلان أو غضب فلان، والحق أحق بالاتباع، ومن هذا الباب ما أحدثه الناس من بناء المساجد على القبور، واتخاذ القباب عليها، هذا من البدع التي وقع بسببها شر كثير، حتى وقع الشرك الأكبر وعبدت القبور من دون الله بأسباب هذه البدع. فيجب على المؤمن أن ينتبه لما شرعه الله فيأخذ به، وعليه أن ينتبه لما ابتدعه الناس فيحذره وإن عظمه من يشار إليهم من أهل الجهل أو التقليد الأعمى أو التعصب، فلا عبرة عند الله بأهل التقليد الأعمى ولا بأهل التعصب ولا بأهل الجهل، وإنما الميزان عند الله لمن أخذ بالدليل واحتج بالدليل وأراد الحق بدليله هذا هو الذي يعتبر في الميزان ويرجع إلى قوله، ونسأل الله للجميع الهداية والتوفيق. نعم. الله المستعان. المقدم: جزاكم الله خير.
- وعن عوف بن مالك قال: صلَّى رسولُ الله ﷺ على جنازةٍ، فحفظتُ من دعائه: اللهم اغفر له, وارحمه، وعافه, واعفُ عنه, وأكرم نُزُلَه, ووسِّع مُدْخَلَه, واغسله بالماء والثَّلج والبَرَد, ونَقِّه من الخطايا كما يُنَقَّى الثوبُ الأبيضُ من الدَّنَس, وأبدله دارًا خيرًا من داره, وأهلًا خيرًا من أهله, وأدخله الجنة, وقِهِ فتنةَ القبر وعذابَ النار. رواه مسلم. - وعن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: كان رسولُ الله ﷺ إذا صلَّى على جنازةٍ يقول: اللهم اغفر لحيِّنا, وميِّتنا, وشاهدنا, وغائِبنا, وصغيرنا, وكبيرنا, وذكرنا, وأُنثانا, اللهم مَن أحييتَه منا فأَحْيِهِ على الإسلام, ومَن توفيتَه منا فتوفَّه على الإيمان, اللهم لا تحرمنا أجرَه, ولا تُضلنا بعده. رواه مسلمٌ والأربعة. - وعنه : أن النبي ﷺ قال: إذا صليتُم على الميت فأخلصوا له الدُّعاء. رواه أبو داود, وصحَّحه ابن حبان. الشيخ: الحمد لله، وصلَّى الله وسلَّم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه. أما بعد: فهذه الأحاديث كلها تتعلق بالدعاء للميت عند الصلاة عليه، والصلاة على الميت من الفرائض، فهي واجبةٌ على المسلمين؛ أن يُصلُّوا على أمواتهم، فرض كفايةٍ، إذا قام بها مَن يكفي ولو واحدًا مُكلَّفًا كفى. وفيها فضلٌ عظيمٌ، حتى قال عليه الصلاة والسلام: مَن تبع الجنازة حتى يُصلَّى عليها فله قيراطٌ، ومَن شهدها حتى تُدفن فله قيراطان، فقيل للرسول عليه الصلاة والسلام: ما القيراطان؟ قال: مثل الجبلين العظيمين، فالصلاة عليها فيها خيرٌ عظيمٌ، وفيها نفعٌ للميت كما تقدم: ما من ميتٍ مسلمٍ يقوم على جنازته أربعون رجلًا لا يُشركون بالله شيئًا إلَّا شفَّعهم الله فيه، فالصلاة على الجنائز فيها منفعةٌ للمُصلين، ومنفعةٌ لأموات المسلمين. وفي حديث عوف بن مالك بيانٌ للدعاء الذي كان يدعو به النبيُّ ﷺ للميت بعد التَّكبيرة الثالثة: اللهم اغفر له، وارحمه، وعافه، واعف عنه، وأكرم نزله، ووسع مدخله، واغسله بالماء والثلج والبرد، ونقه من الخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، وفيه: اللهم أبدله دارًا خيرًا من داره، وأهلًا خيرًا من أهله، اللهم لا تحرمنا أجره، ولا تفتنا بعده، كل هذا مما يُشرع، وجاء في الحديث: قال عوف: "حتى تمنيتُ أن أكون أنا ذلك الميت" لما سمع هذا الدّعاء. فيُستحبّ للمؤمن أن يدعو لأخيه بهذا الدعاء، وإذا قال: "اللهم اغفر له، اللهم ارحمه" كفى، فأقل دعاء يكفي، لكن كونه يتحرى الدَّعوات الواردة عن النبي ﷺ ويدعو بها هذا أكمل وأفضل، مثل هذا الدّعاء: اللهم اغفر له، وارحمه، وعافه, واعف عنه, وأكرم نزله, ووسع مدخله, واغسله بالماء والثلج والبرد, ونقه من الخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس, اللهم أبدله دارًا خيرًا من داره, وأهلًا خيرًا من أهله، وفي روايةٍ: وزوجًا خيرًا من زوجه إذا كان له زوجٌ، اللهم لا تحرمنا أجره، ولا تفتنا بعده، وفي بعضها: واغفر لنا وله. فالمقصود أنَّ هذا هو المشروع، وهذا من كمال الدّعاء، وبعضه يكفي، لكن هذا من كمال الدعاء، وأقل الدعاء يكفي، لكن إذا تحرى الأدعية الواردة يكون أكمل وأفضل. ومن ذلك حديث أبي هريرة: اللهم اغفر لحينا, وميتنا, وشاهدنا, وغائبنا, وصغيرنا, وكبيرنا, وذكرنا, وأنثانا, اللهم مَن أحييتَه منا فأحيه على الإسلام, ومَن توفيتَه منا فتوفه على الإيمان، الإسلام يعني: الأعمال الظاهرة، والإسلام لا يكون إلا مع إيمانٍ، ومَن توفيتَه منا فتوفَّه على الإيمان يعني: على الصدق والإيمان الصَّادق. هذا الحديث أيضًا فيه الدُّعاء العام للمسلمين جميعًا: اللهم اغفر لحينا, وميتنا, وشاهدنا, وغائبنا, وصغيرنا, وكبيرنا, وذكرنا, وأنثانا .. يعني: من المسلمين، اللهم مَن أحييتَه منا فأحيه على الإسلام, ومَن توفيتَه منا فتوفه على الإيمان ...... وله شواهد، وهو حديثٌ صحيحٌ، لكن ليس في مسلمٍ، ويُستحب لمن يُصلِّي على الجنازة أن يأتي بهذا الدعاء، كما أرشد إليه النبيُّ عليه الصلاة والسلام، ويقول: اللهم لا تحرمنا أجره، ولا تفتنَّا بعده، واغفر لنا وله. والحديث الثالث: يقول ﷺ: إذا صليتُم على الميت فأخلصوا له الدّعاء، الظاهر -والله أعلم- أن المراد: خصُّوه بالدعاء، يعني: اجعلوا الدّعاء خاصًّا له، ويحتمل أن المراد بـأخلصوا له الدعاء يعني: أن يكون عن نيةٍ صادقةٍ وإخلاصٍ صادقٍ، لكن هذا أمرٌ معلومٌ، فالإخلاص في الدعاء معلومٌ، فالله هو الذي يُدْعَى سبحانه، لا يُدْعَى غيره، لكن الظاهر -والله أعلم- أن المراد: خُصُّوه بالدعاء، والدّعاء له لا لغيره، أخلصوا له الدّعاء يعني: خصُّوه بالدّعاء، كما جاء في أدعية النبي ﷺ: اللهم اغفر لحينا وميتنا، وهو داخلٌ في ذلك. وفَّق الله الجميع. الأسئلة: س: هل هناك دُعاء خاصٌّ للصغير؟ ج: ورد فيه: اللهم اجعله ذخرًا لوالديه، وفرطًا، وشفيعًا مجابًا، اللهم أعظم به أجورهما، وثقِّل به موازينهما، وألحقه بصالح سلف المؤمنين، واجعله في كفالة إبراهيم عليه السلام، وقهما برحمتك عذاب الجحيم ..، فالطفل الذي ما بلغ حتى ولو كان عمره خمسًا أو ستًّا أو سبعًا، يُدْعَى في الصلاة عليه بهذا. س: في حديث أبي هريرة: وصغيرنا، وكبيرنا، الصَّغير من المُكلَّفين؟ ج: هذا مُراده؛ لقرينة اللهم اغفر؛ لأنَّ المغفرة تكون للذنوب، والصغار ما عليهم ذنوب. س: قوله: وأبدله أهلًا خيرًا من أهله هل يُقال هذا للمرأة؟ ج: الحديث عام، والحكم واحد. س: كيف يُدْعَى للمرأة بهذا الدُّعاء؟ ج: الظاهر -والله أعلم- مَن يُؤهّلونه ويُحسنون إليه ويخدمونه، ما هو بلازمٍ أن تكون له زوجة، أو لها زوج، فالأهل قد يكونون غير الزوج والزوجة، وفي بعض الروايات: اللَّهم أبدله زوجًا خيرًا من زوجه، والمعروف من بعض الرِّوايات بالنسبة للمرأة أنها تُخيَّر، لكن على كل حال إذا قال: "أهلًا خيرًا من أهلها" ما فيه شيء؛ لأنَّ المقصود مَن يُواسيها وينفعها، وأهل الجنة كلهم مخدومون، كلهم في خيرٍ عظيمٍ، لكن علينا اتِّباع السنة. س: تُخيَّر يوم القيامة بين زوجها والحور العين؟ ج: إذا كان لها أزواج تختار أحدهما، هذا المقصود. س: تبديل الأهل بخيرٍ منهم تبديل أعيانٍ أو تبديل أوصافٍ؟ ج: الله أعلم، عليك الدعاء. س: يعني: هل يأتي أهل ......... أو مثلًا العجوز تنقلب إلى شابّة؟ ج: هذا نصّ القرآن، يُبدلهما الله كلهم عربًا أترابًا. س: هل ورد دعاء آخر غير هذا الدّعاء؟ ج: ورد في بعض الرِّوايات في دعاءٍ آخر: اللهم أنت ربها، وأنت خلقتها، وأنت هديتها للإسلام، وأنت قبضتها إليك، وأنت أعلم بسرِّها وعلانيتها، وقد جئناك شُفعاء، فاغفر لها .........، ولا بأس به. س: قوله: اللهم لا تحرمنا أجره هل المقصود أجر التَّشييع والصبر على المُصيبة وتجهيز الجنازة؟ ج: الظاهر أنه عامٌّ، فأجر مفرد مضاف: الأجر الذي يحصل للميت، والأجر الذي يحصل للمُشيعين، والخادم، إذا كان هناك حفرٌ وغيره، فالأجر يعمّ، وهو مُترتب على هذا. س: تقول المرأة: امرأة صامت بعد رمضان قضاءً، وفي أثناء ذلك نزل عليها سائلٌ بني اللون، هل يصح صيامُها أم عليها إعادته؟ ج: إذا كان في غير العادة أو في وقت العادة. س: تقول: في نهايته، علمًا بأنه أثناء ذلك اليوم لم يكن موعد الدورة الشَّهرية؟ ج: صومها صحيح إذا لم يكن وقت العادة، وليس دمًا، بل صُفرة أو كُدرة، وهو بني، شيء متغير، يعني: ليس بدمِ عادةٍ، بل صُفرة أو كُدرة، أمَّا إن كان دمًا صريحًا فقد تعجل العادة وقد تتأخَّر، فينبغي لها أن تقضي، فلا تُصلي ولا تصوم إن كان دمًا صريحًا؛ لأنَّ العادة قد تتأخَّر وقد تتقدم. س: ما حكم ما ينزل على المرأة قبل وبعد الدورة؟ وما الحكم في الصلاة والصيام؟ ج: إذا كان متصلًا بالدورة فمن الدورة، قبلها أو بعدها، فالدم المتصل بها يبدأ معها، وينتهي معها، فهو تبعها، صفرة أو كُدرة أو دم، أمَّا الكُدرة والصُّفرة قبلها أو بعدها منفصلة ما تُحسب، وتُصلي وتصوم، فالصُّفرة المنفصلة والكُدرة المنفصلة قبلها والتي بعدها -بعد الطهر- عليها أن تُصلي فيها وتصوم، ولا تُسمَّى حيضًا، أمَّا الصُّفرة المتصلة بالحيض -ما جاءت الطهارة- والصفرة المتصلة قبل الحيض -تبدأ صفرة ثم يأتي الدم متصلًا- فهذه كلها تُحسب من الحيض. س: قال الشارح: ..............؟ ج: موجودة، راجع الحاشية. س: حاشية ماذا؟ ج: الحاشية على "البلوغ"، محل الزيادة هذه في "سنن النسائي" بإسنادٍ صحيحٍ، تُراجع في المكتبة في البيت. - وعن أبي هريرة ، عن النبي ﷺ قال: أسرعوا بالجنازة, فإن تَكُ صالحةً فخيرٌ تُقدِّمونها إليه, وإن تَكُ سوى ذلك فشَرٌّ تضعونه عن رقابكم متَّفق عليه. - وعنه قال: قال رسولُ الله ﷺ: مَن شهد الجنازة حتى يُصلَّى عليها فله قيراطٌ, ومَن شهدها حتى تُدفن فله قيراطان، قيل: وما القيراطان؟ قال: مثل الجبلين العظيمين. متفقٌ عليه. ولمسلمٍ: حتى تُوضَع في اللَّحد. وللبخاري أيضًا من حديث أبي هريرة : مَن تبع جنازةَ مسلمٍ إيمانًا واحتسابًا, وكان معها حتى يُصلَّى عليها ويُفرغ من دفنها؛ فإنه يرجع بقيراطين, كل قيراطٍ مثل جبل أحدٍ. - وعن سالم، عن أبيه رضي الله عنهما: أنه رأى النبيَّ ﷺ وأبا بكر وعمر وهم يمشون أمام الجنازة. رواه الخمسة، وصحَّحه ابنُ حبان, وأعلَّه النَّسائي وطائفة بالإرسال. الشيخ: الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومَن اهتدى بهداه. أما بعد: فهذه الأحاديث الثلاثة تتعلق بالإسراع بالجنازة، والصلاة عليها، ودفنها، والمشي معها: يقول ﷺ: أسرعوا بالجنازة، الجنازة بالكسر والفتح، يُقال بالكسر: جِنازة، وجَنازة، فإن تَكُ صالحةً يعني: الجنَازة، يعني: الميت، فخيرٌ تُقدِّمونها إليه، وإن تَكُ سوى ذلك فشرٌّ تضعونه عن رقابكم، والمعنى أن الإسراع بها مصلحة؛ إمَّا لها، وإمَّا لكم، لها إن كانت طيبةً راجيةً للخير والرحمة والرضا والمنزل الطيب إلى يوم القيامة، وإن كانت غير صالحةٍ تستريحون أنتم من حملها بسرعةٍ، هذه هي السنة: الإسراع بها، لكن من غير مشقَّةٍ، إسراعٌ لا يضرُّ أحدًا، لكن لا يكون مشي العادة، بل يكون فيه إسراعٌ؛ للعلَّة التي ذكرها عليه الصلاة والسلام. وفي الحديث الثاني: يقول ﷺ: مَن شهد الجنازة حتى يُصلَّى عليها فله قيراط، ومَن شهدها حتى تُدفن فله قيراطان، قيل: يا رسول الله، ما القيراطان؟ قال: مثل الجبلين العظيمين، وفي روايةٍ: أصغرهما مثل جبل أُحُدٍ. وفي روايةٍ للبخاري: مَن تبع الجنازة حتى يُصلَّى عليها ويُفرغ من دفنها رجع بقيراطين، كل قيراطٍ مثل أحد. هذا فيه فضل اتِّباع الجنائز، وأن السنة على أهل الإيمان اتِّباع الجنائز، والحرص على هذا الخير، يتبعها إلى المُصَلَّى حتى يُصلَّى عليها، والأفضل أن يتبعها حتى تُدفن؛ حتى يحصل له القيراطان، لكن بشرط أن يكون إيمانًا واحتسابًا، لا رياء، ولا مجاملةً لأهلها، ولكنه تبعها عن إيمانٍ ورغبةٍ فيما عند الله، وتصديقًا بشرع الله، واحتساب الأجر عنده، كسائر الأعمال في الدِّين: الإيمان والاحتساب، أمَّا العمل رياءً أو سمعةً أو لمقاصد أخرى فهذا لا ينفعه، بل يضرُّه. وفيه الدلالة على أنَّ السنة أن يبقى معها حتى يُفرغ من دفنها، فإن رجع لم يحصل له القيراطان، فعليه أن ينتظر حتى يُفرغ من دفنها، والسنة المشاركة في دفنها، وحثو التراب عليها، والدعاء لها بعد الدفن، وهذه الأمور مثلما تقدم فضائل الأعمال، فيها الأجر العظيم، بشرط اجتناب الكبائر، فالإنسان يحصل له الأجر لكن مع مراعاة ما حرَّم الله عليه، فلا يعتمد على مجرد الفضائل ويتساهل، بل عليه مع هذا أن يُؤدِّي ما أوجب الله، ويحذر ما حرَّم الله، حتى يكون له الكمال والتَّمام. والحديث الثالث حديث ابن عمر: أنه رأى النبيَّ ﷺ وأبا بكر وعمر وهم يمشون أمام الجنازة، وهذا يدل على أن الأفضل المشي أمامها للمُشاة، وإن مشى عن يمينها أو شمالها أو خلفها فلا بأس. وفي حديثٍ آخر: الراكب خلف الجنازة، والماشي حيث شاء، فالركبان يكونون خلف الجنازة؛ حتى لا يُشوشوا على الناس، ولا يعوقوهم، وأما المشاة فالأفضل أن يكونوا أمامها، وإن مشوا عن يمين أو شمال أو خلف فلا بأس. وتعليل النسائي لهذا الحديث بالإرسال ليس بجيدٍ، والصواب أنه متَّصل، والقاعدة أنَّ الثقة إذا وصل يُقدَّم على مَن أرسل، والحديث وصله الأئمَّةُ من طريق ابن عُيينة رحمة الله عليه، عن الزهري، عن سالم، عن أبيه متَّصلًا، فالصواب أنه متَّصل، وأنَّ العلة في الإرسال غير قادحةٍ، بل الحديث متَّصلٌ، ويدل على فضل اتباع الجنائز، وأن يكون الماشي أمامها، هذا هو الأفضل، إذا تيسر له ذلك. وفَّق الله الجميع. الأسئلة: س: الثِّقة إذا وصل؟ ج: مقدَّم، وزيادة الثقة مقبولة. س: تكون قاعدةً؟ ج: هذه قاعدة. س: يقول الشارحُ: "والرِّوايات إذا رُدَّ بعضُها إلى بعضٍ تقضي بأنه لا يستحقّ الأجرَ المذكور إلَّا مَن صلَّى عليها ثم تبعها"؟ ج: لا، له أجران: للصلاة وحدها قيراطٌ واحدٌ. ........... مثلما يُصلِّي على النبي في الصلاة في التَّشهد الأخير: "اللهم صلِّ على محمدٍ، وعلى آل محمد .." إلى آخره، ثم يُكبِّر الثالثة ويدعو للميت ويقول: "اللهم اغفر لحينا، وميتنا، وشاهدنا، وغائبنا، وصغيرنا، وكبيرنا، وذكرنا وأنثانا، اللهم مَن أحييتَه منا فأحيه على الإسلام، ومَن توفيتَه منا فتوفه على الإيمان"، ثم يقول: "اللهم اغفر له، وارحمه" يعني: هذا الشخص، أو: "اللهم اغفر لها، وارحمها" إذا كانت امرأةً، وإن كانوا جماعةً: "اللهم اغفر لهم، وارحمهم، وعافهم، واعفُ عنهم، وأكرم نزلهم، ووسِّع مُدخلهم، واغسلهم بالماء والثلج والبرد، ونقهم من الخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، اللهم أبدلهم دورًا خيرًا من دُورهم، وأهلًا خيرًا من أهلهم" إن كانوا جماعةً، وإن كان واحدًا: "اللهم أبدله دارًا خيرًا من داره، وأهلًا خيرًا من أهله، اللهم أدخله الجنة، وأَعِذْهُ من عذاب القبر، ومن عذاب النار، وافسح له في قبره، ونوّر له فيه، اللهم لا تحرمنا أجره، ولا تفتنا بعده –أو: لا تُضلنا بعده- واغفر لنا وله". هذه هي السنة، وإذا دعا ولو بقليلٍ من هذا كفى، ثم يُكبر الرابعة ويسكت قليلًا ثم يُسلم عن يمينه تسليمةً واحدةً، هذه هي صلاة الجنازة. وإن استفتح فلا بأس، ومَن تركه فلا بأس؛ لأنها مبنيةٌ على الإسراع، فلهذا قال بعضُ أهل العلم بعدم الاستفتاح؛ لأنَّ الصلاة مبنيةٌ على الإسراع والتَّخفيف. س: بعض الناس يأتي إلى المقبرة لحضور الجنازة، فيُصلي عليها في المقبرة، وقد صُلِّي عليها، فينتظر حتى تُوضع في اللَّحد، فهل يكون له القيراطان جميعًا؟ ج: الذي ما صلَّى عليها وصلَّى عليها في المقبرة ما يُخالف. س: يكون له قيراطان؟ ج: إن شاء الله يحصل له المراد، إذا جاء وتبعها إلى الدفن وهو ما صلَّى عليها، وصلَّى عليها في القبر؛ ما يُخالف، نرجو له ذلك. س: ........... وانفرد أحدُهم، وكان أقلَّهم مُلازمةً للوصل؟ ج: ما دام ثقةً يُقدَّم وصله ورفعه؛ لأنها زيادةٌ حفظها، ولم يحفظوها هم. س: عرَّفوا الشَّاذ بأنه ما خالف الثِّقة مَن هو أوثق منه، فيكون شاذًّا، أليست على إطلاقها أو تخصّ؟ ج: نعم، فإن خُولِف بالأرجح، فالراجح المحفوظ، والمقابل هو الشَّاذ، ولهذا قال: زيادة الراوي مقبولة ما لم ......... هذه الحال، والمخالفة كونه يروي شيئًا ......... يُخالفه، هذا يقول أمرًا، وهذا يقول نهيًا، فالمرجوح يصير شاذًّا، والراجح يصير هو المحفوظ، مثل: روى جماعةٌ عن ابن عمر أنَّ الرسول أمر بكذا، والآخر يقول أنَّ الرسول نهى عن كذا، ضدّ ما قالوا، فالعمدة على الأوثق أو العدد؛ لأنَّهم باجتماعهم يكونون أوثقَ من الواحد. س: هناك رواية تقول: ومَن توفيتَه منا فتوفّه على الإسلام؟ ج: في الحديث الصَّحيح: اللهم مَن أحييتَه منا فأحيه على الإسلام، ومَن توفيتَه منا فتوفه على الإيمان. س: ما قال: الإسلام؟ ج: لا، أحينا على الإسلام، وتوفنا على الإيمان. س: على الكتاب والسنة؟ ج: هذا من كلام بعض الفقهاء. س: بالنسبة لحديث: إذا شهد أحدُكم جنازةً فليحمل جوانبَ السَّرير الأربع؛ فإنَّه من السُّنة، ثم ليتطوع بعد؟ ج: ما أتذكر هذا. س: الدَّارقطني أعلَّه؛ لأنَّ أبا عبيدة لم يسمع من عبدالله؟ ج: إن كان من طريق أبي عبيدة فهو ضعيفٌ؛ لأنَّ أبا عبيدة لم يسمع من أبيه. س: الإسراع بالجنازة يكون بالصلاة أو بالغُسل؟ ج: المشي، ولكن ذاك ضمنًا، فتغسيلها وتكفينها يعمّه العموم، لكن ظاهر كلامه فخيرٌ تُقدِّموها إليه ..، وشرٌّ تضعونه عن رقابكم ظاهره في السَّير بها، لكن من حيث المعنى فكذلك يُسرع بتجهيزها وتغسيلها، فهو داخلٌ في المعنى. س: إذا كان له تأثيرٌ في الإسلام، وما يُؤخذ من جواز تأخيره يومًا؟ ج: إذا كان لمصلحةٍ، مثلما أُخِّر النبيُّ ﷺ، فقد مات يوم الاثنين، وما قُبر إلا ليلة الأربعاء عليه الصلاة والسلام، فإذا كان لمصلحةٍ -كأن ينتظروا قدوم أقاربه، أو مصلحة أخرى- فلا بأس. س: وتكثير الناس عليه؟ ج: إذا كان لمصلحةٍ شرعيةٍ، لكن تكثير الناس ما هو بلازمٍ. س: ......... الصلاة على الجنازة عدَّة مرات؟ ج: إذا كان لأسبابٍ لا بأس، كأن يحضر أناسٌ ما صلوا عليه فيُصلوا عليه، لا بأس. س: نفرٌ واحدٌ يُعدِّدها؟ ج: يعني: حضر مع الناس؟ س: صلَّى في المصلَّى، ثم صلَّى مع الناس في المقبرة؟ ج: لا بأس، لا يضرّ زيادة خيرٍ والحمد لله. س: أئمَّة الجرح والتَّعديل يختلفون في تصحيح رواية أحد الرواة أو وصله أو سماعه من أبيه، فما العمدة؟ ج: طالب العلم يعتني بالقواعد حتى يمشي عليها، فإذا حفظ القواعد اتَّضح له الأمر.