تفسير قوله تعالى: {وإن يكذبوك فقد كذبت رسل من قبلك}

السؤال:

من ليبيا المستمع إسماعيل الأمين عيسى رسالة يسأل فيها عن تفسير بعض الآيات، يقول الحق -تبارك وتعالى-: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الأُمُورُ [فاطر:4]؟ 

الجواب:

الرب -جل وعلا- يسلي نبيه ﷺ، ويصبره حتى لا يجزع من تكذيب قومه له، فقد كذبت أقوام كثيرة لرسلها -عليهم الصلاة والسلام- فيقول له: وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ [فاطر:40] يعني: لك فيهم أسوة، فلا تجزع، وعليك بالصبر، ولهذا قال في الآية الأخرى: فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ [الأحقاف:35]، وقال: وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا [الطور:48] فالله يأمر نبيه بالصبر، والتأسي بالرسل الماضين، فقد كذبوا، وأوذوا، فصبروا، فهو كذلك عليه أن يصبر كما صبروا، وأن يتحمل كما تحملوا، وله عند الله الأجر العظيم، والخير الكثير، والله سبحانه هو الذي يهدي من يشاء، قال تعالى: لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ [البقرة:272] وقال سبحانه: إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ [القصص:56] فلا بد من التحمل والصبر.

والله -جل وعلا- هو الحكيم العليم فيما يأمر به، وفيما ينهى عنه، وفي توفيق هذا للإسلام، والطاعة، وخذلان الآخر حتى لا يسلم، ولا يقبل الحق، هو الحكيم العليم -جل وعلا- فعلى العبد أن يسأل الله التوفيق، وأن يستعين به على الخير، وأن يحذر الشر، وأسبابه، وأن يصبر كما صبر غيره، وهكذا الرسل -عليهم الصلاة والسلام- عليهم أن يصبروا، وعلى نبينا ﷺ أن يصبر كما صبر من قبله.

وأما الآية الأخرى ففيها التحذير من الاغترار بالدنيا، والاغترار بالشيطان وهو الغرور، يعني: يجب على المؤمن أن يحذر الدنيا وشهواتها الفاتنة ولهذا قال -جل وعلا-: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ [فاطر:5] وعده لكم بالحساب، والجزاء، والجنة، والنار، وقيام الساعة كله حق، لابد من قيام القيامة، ولابد من الجزاء على الأعمال، ولابد من الجنة لأهل الإيمان، والتقوى والنار لأهل الكفر، والنفاق كله حق.

ولهذا قال: فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا [فاطر:5]، يعني: بزينتها، وأموالها، وشهواتها، ومآكلها، ومشاربها، وغير ذلك مما فيها، فهي دار الزوال، دار الفناء، كما قال تعالى: كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ [الرحمن:26] وقال سبحانه: وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ [آل عمران:185].

فلا يليق بالعاقل المؤمن.. لا يليق به أن يغتر بها، وزينتها، وأهلها، وما أعطوا من الدنيا، بل يحذر، ويستعد للآخرة، ويستعين بنعم الله على طاعة الله، ولا يغتر بالشيطان، وهو الغرور، فإنه يزين للناس الباطل، ويغرهم، ويدعوهم إلى الركون للدنيا، ويدعوهم إلى التكذيب بالآخرة، ويزين لهم هذه العاجلة، وربما زين لهم الإصرار على المعاصي، وقال: التوبة بعد ذلك، إذا لم يجد حيلة في تكذيبهم، وإنكارهم للآخرة، زين لهم أنهم يتساهلون بالمعاصي، وقال: في إمكانكم التوبة بعد ذلك، والله غفور رحيم، ونحو هذا مما يغرهم به.

فالواجب الحذر من طاعة الغرور الشيطان، والحذر من المعاصي كلها، والبدار بالتوبة عند وجود المعصية؛ ولهذا قال بعدها: إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا [فاطر:6] يعني: عاملوه معاملة الأعداء، فهو عدو مبين، ثم قال سبحانه: إِنَّمَا يَدْعُوا حِزْبَهُ يعني: أتباعه لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ [فاطر:6] هذه مهمته، وهذه دعوته، وهذا سبيله، الدعوة إلى النار.

فالواجب على العاقل أن يحذر هذا العدو المبين، وألا يطيعه فيما يدعو إليه من الباطل، وأن يحذر وساوسه، وما يزينه من المعاصي؛ لعله ينجو.

المقدم: جزاكم الله خيرًا. 

فتاوى ذات صلة