ما معنى: {اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا}؟

السؤال:
هنا رسالة وصلت إلى البرنامج من أحد الإخوة المستمعين ضمنها جمعًا من الأسئلة من بينها سؤال عن تفسير قول الحق تبارك وتعالى: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ ۝ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ ۝ وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ [البقرة:278-280] صدق الله العظيم، فسروا لنا هذه الآيات لو سمحتم وما هو رأس المال المذكور في هذه الآية؟ 

الجواب:
كان أهل الجاهلية قبل البعثة بعثة النبي ﷺ يرابون، يبيعون المتاع من أرض أو إبل أو غير ذلك بالثمن إلى أجل فإذا حل الأجل وصار المدين معسرًا قالوا له: إما أن تعطينا حقنا وإما أن تربي، إما أن تقضي وإما أن تربي، المعنى: إما أن تعطينا حقنا الآن أو نزيد عليك في المال ونؤخر الأجل نفسح لك في الأجل، فإن كان عنده مال سلم لهم وإلا رضي بهذا.
فإذا كانت القيمة مثلًا مائة ريال قالوا: نؤجلك أيضًا ستة أشهر أو عشرة أشهر تكون المائة مائة وعشرين مائة وثلاثين هذه الزيادة في مقابل الأجل الجديد، وهذا معنى: إما أن تربي وإما أن تقضي، تربي يعني: تقبل الزيادة تعطيه الزيادة وهي الربا، وإما أن تقضينا حقنا الآن، فلما جاء الله بالإسلام نهاهم عن هذا وخطبهم النبي في حجة الوداع عليه الصلاة والسلام وأخبرهم أن الربا موضوع، وأن لكل واحد رأس ماله فقط، وأنزل الله جل وعلا هذه الآيات، يقول سبحانه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ ۝ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ [البقرة: 278-279].
فأمرهم سبحانه أن يذروا يعني: يتركوا ما بقي من الربا لهم في ذمم الناس، ويأخذوا رأس المال فإذا كانت السلعة بمائة وأمهلوه وزادوا عليه عشرين يتركون العشرين أو ثلاثين يتركون الثلاثين يأخذوا رأس المال فقط والزيادة يتركونها، هذا معنى: وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا [البقرة:278]، وإذا كانوا قد قبضوا رأس المال وبقي الربا يتركونه ما يأخذون الربا يكفيهم رأس المال، ثم قال: فَإِنْ لَمْْ تَفْعَلُوا [البقرة:279] يعني: فإن لم تدعوا الربا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ [البقرة:279] يعني: فاعلموا بحرب يعني: اعلموا أنكم محاربون لله ورسوله وهذا وعيد عظيم لم يأت مثله في شيء من المعاصي، وهو يدل على عظم جريمة الربا وأنها جريمة عظيمة وكبيرة عظيمة.
ولهذا ثبت عنه ﷺ: أنه لعن آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه وقال: هم سواء، فالربا من أقبح الكبائر، وفي الحديث الصحيح يقول ﷺ: اجتنبوا السبع الموبقات قالوا: وما هن يا رسول الله؟! قال: الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا فجعله الرابع وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف يعني: يوم الحرب وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات فجعل الربا من السبع الموبقات يعني: المهلكات.
ثم قال سبحانه: وَإِنْ تُبْتُمْ [البقرة:279] يعني: من الربا فَلَكُمْ رُءُوسُُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ [البقرة:279]، يعني: لهم رأس المال فقط وهو المبلغ الذي بيعت به السلعة إلى أجل، الزيادة تبطل فإذا كان باع المطية أو السيارة إلى رمضان مثلًا من عام ألف وأربعمائة وإحدى عشر بألف ريال بعشرة آلاف بخمسين ألف ريال ثم حل الثمن فإنه يأخذ رأس المال فقط ولا يطلب زيادة وإن أعسر ننظره؛ ولهذا قال: وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ[البقرة:280]، إذا جاء رمضان قال: أنا ما عندي أنا: معسر وثبت إعساره فإنه يمهل بدون زيادة ولا يأخذ ربا، هذا هو معنى قوله جل وعلا: وَإِنْ تُبْتُم فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ [البقرة:279] يعني: إذا تبتم من الربا فلكم رءوس أموالكم التي عند الناس ما بعد قبضتموها لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ [البقرة:279] يقبض رأس المال ويترك الربا الزيادة وإن كان قد قبض رأس المال وبقيت الزيادة يترك الزيادة لا يأخذها لا تَظْلِمُونَ بأخذ الزيادة وَلا تُظْلَمُونَ بمنعكم من رأس المال لكم رأس المال، فأنت لا تظلم بمنعك من رأس مالك لا، تعطى رأس مالك، وليس لك أن تظلم أخاك بأخذ الربا بل لك رأس المال فقط.
فإن كان المدين معسرًا عاجزًا بالبينة الشرعية فإنه يمهل ولا يطالب بالزيادة لقوله سبحانه: وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ [البقرة:280]، إن تصدق عليه وأبرأه فجزاه الله خيرًا هذا طيب، وإلا فالواجب الإنظار إلى ميسرة، يقول أنا أنظرك إلى ميسرة، والواجب على المدين تقوى الله إن كان صادقًا في الإعسار فعليه أن يتقي الله ويتسبب حتى يحضر المال، وإن كان كاذبًا فقد ظلم أخاه فليتق الله وليؤد حقه إذا ادعى الإعسار وهو يكذب.
المقصود: أن المدين عليه أن يتقي الله فإن كان صادقًا في الإعسار وجب إمهاله وإن ثبت أنه مليء وجب أخذ الحق منه والحاكم ينظر في ذلك ويعتني، وإذا كان صاحب الدين يعلم أنه معسر فلا حاجة إلى المحكمة يمهله وينظره حتى يحصل له اليسر وإن تصدق عليه وسامحه فقد فعل خيرًا كثيرًا، يقول النبي ﷺ: من سره أن ينفس الله عنه كربات يوم القيامة فلينفس عن معسر أو يضع عنه، من سره أن ينفس الله عنه كرب يوم القيامة فلينفس عن معسر أو يضع عنه، ينفس أي: بإنظاره أو يضع عنه يعني: بالصدقة عليه، وفي الحديث الآخر: من أنظر معسرًا أو وضع له أظله الله يوم القيامة يوم لا ظل إلا ظله، وهذا فضل عظيم.
فينبغي للمؤمن إذا عرف أن أخاه معسر -المدين- أن ينظره أو يسامحه الدين كله أو بعضه يرجو ما عند الله من المثوبة. نعم.
المقدم: جزاكم الله خيرًا. 
فتاوى ذات صلة