ما معنى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَندَادًا}؟

السؤال:
أيضًا نعود في هذه الحلقة إلى رسالة المستمع: بشير محمد حسين من ليبيا، عرضنا جزءًا من أسئلته في حلقات مضت، وفي هذه الحلقة بقي له عدد آخر، يسأل أولًا عن تفسير قول الحق تبارك وتعالى: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَندَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ[البقرة:165]؟

الجواب:
هذه الآية الكريمة فيها الذم والعيب لمن اتخذ الأنداد من دون الله، يقول سبحانه: وَمِنَ النَّاسِ[البقرة:165] يعني: بعض الناس، وهذا على سبيل الذم والعيب والتنفير.
مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَندَادًا[البقرة:165] والأنداد: هم الأمثال والنظراء يعني في دعائهم إياهم، واستغاثتهم بهم، وذبحهم لهم، ونذرهم لهم، اتخاذهم أنداد في هذا المعنى، وإلا فهم يعلمون أنهم لا يخلقون، ولا يرزقون، ولا ينفعون، ولا يضرون، فلم يتخذوهم أندادًا لله في النفع، والضر، والعطاء والمنع، والخلق والرزق، لا، هم يعلمون أن هذا لله وحده.
لكن اتخذوهم أندادًا في العبادات في دعائهم إياهم، ذبحهم لهم، نذرهم لهم، طلبهم الشفاعة، طلبهم النصر إلى غير هذا كما قال سبحانه في الآية الأخرى عن المشركين أنهم قالوا: مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى[الزمر:3] وقال عنهم أيضًا في سورة يونس أنهم قالوا: هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ[يونس:18] قال: وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ[يونس:18] هذا وجه اتخاذهم أنداد، يطلبوا منهم الشفاعة والقربة إلى الله بدعائهم إياهم، وذبحهم لهم، ونذرهم لهم، ونحو ذلك.
والمحبة، قالوا: يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ[البقرة:165] يحبون أندادهم حبًا يجعلهم يعبدونهم مع الله، حب عبادة لجهلهم، وضلالهم، ثم قال: وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ[البقرة:165] يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ[البقرة:165] يعني كما يحب المؤمنون الله، أو كما يحبون الله أي: ساووهم في ذلك.
ثم قال سبحانه: وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ[البقرة:165] يعني: أشد حبًا لله من هؤلاء لأندادهم؛ لأن حبهم لله خالص، وحب هؤلاء مشترك.
فالمؤمن أشد حبًا لله من هؤلاء المشركين في حبهم لأندادهم، وأشد حبًا منهم لله أيضًا؛ لأن محبة المشركين لله مشتركة مبعضة، ومحبة المسلمين لله وحده كاملة ليس فيها نقص، ولا شركة.
فالحاصل أن المشركين وإن أحبوا الله لكن محبتهم ناقصة، محبتهم ضعيفة؛ لأنهم شركوا فيها حب الأنداد التي عبدوها من دون الله.
أما المؤمنون فهم أحب لله، وأكمل حباً لله من أولئك لأندادهم، ومن أولئك لحبهم لله، فهم يحبون الله حباً أكمل من حب المشركين لله، وأكمل من حب المشركين لأندادهم أيضًا.
وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا[البقرة:165] الذين ظلموا يعني: أشركوا، الظلم هنا الشرك وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا[البقرة:165] يعني: يوم القيامة، يعني: إذا لقوا الله جل وعلا، ووقفوا بين يديه لعلموا أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا[البقرة:165] حين يرون العذاب يعلمون حينئذ أن القوة لله جميعًا، وأنهم قد ضلوا عن سواء السبيل، وقد أخطئوا في اتخاذهم الأنداد، وذلك حين يرون العذاب يوم القيامة، حين يقدموا للعذاب يوم القيامة؛ بسبب كفرهم وشركهم، لعلموا أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا[البقرة:165] وعرفوا أنهم في باطل في الدنيا، وفي غفلة، وفي جهل عظيم وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ[البقرة:165] يعني وعرفوا ذلك أيضًا.
فالحاصل أن المشركين في غفلة، وضلال، وجهل، ولهذا أشركوا بالله، واتخذوا الأنداد مع الله، أما المؤمنون فلبصيرتهم، وعلمهم بالله؛ أخلصوا العبادة لله وحده، وصارت محبتهم لله أكمل محبة، وأتم محبة، ليس فيها شركة، ولا نقص، والله المستعان. نعم.
المقدم: الله المستعان، جزاكم الله خيرًا، وأحسن إليكم.
فتاوى ذات صلة