حكم قبول أعمال العاق لوالديه والحلف على المصحف

السؤال:

رسالة من أحد الإخوة المستمعين آثر عدم ذكر اسمه يسأل في سؤاله الأول ويقول: الذي يكون عاقًا لوالديه، هل تقبل منه صلاته وصومه وصدقته؟ وبماذا تنصحون الناس؟ جزاكم الله خيرًا.

الجواب:

عقوق الوالدين من كبائر الذنوب، ومن المحرمات العظيمة، فالواجب الحذر منه، وقد ثبت عن رسول الله -عليه الصلاة والسلام- أنه قال: إن الله حرم عليكم عقوق الأمهات وقال -عليه الصلاة والسلام-: ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ قلنا: بلى يا رسول الله! قال: الإشراك بالله، وعقوق الوالدين وكان متكئًا فجلس فقال: ألا وقول الزور، ألا وشهادة الزور متفق على صحته. 

والله يقول في كتابه الكريم : وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ [الإسراء:23] يعني: أمر أن لا تعبدوا إلا إياه وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا ۝ وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا [الإسراء:23، 24] ويقول سبحانه في سورة لقمان: أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ [لقمان:14].

فالواجب على الولد أن يشكر لوالديه، وأن يحسن إليهما، وأن يبرهما، وأن يطيعهما في المعروف، ويحرم عليه عقوقهما لا بالكلام، ولا بالفعل، فليس له أن يرفع صوته عليهما، وليس له ضربهما، وليس له عدم النفقة عليهما مع الحاجة إلى ذلك، وليس له عصيانهما في المعروف، بل يجب عليه طاعتهما في المعروف، وبرهما، وخفض الصوت إذا خاطبهما، والتأدب معهما في كل شيء.

لكن لا يطيعهما في المعصية، يقول النبي ﷺ: إنما الطاعة في المعروف لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق فلو أمراه أن يزني، أو يشرب الخمر، أو لا يصلي في الجماعة؛ لا يطيعهما، لكن يطيعهما في المعروف، يبرهما في المعروف، يحسن إليهما، يخاطبهما بالتي هي أحسن، ينفق عليهما إذا احتاجا إلى ذلك، هكذا المؤمن مع والديه، فحقهما عظيم، وبرهما من أهم الواجبات،. لكن ليس عقوقهما مبطلًا للصلاة، ولا للصوم، ولا للأعمال الصالحات، ولكن صاحبه على خطر من هذه الكبيرة العظيمة.

وإنما تبطل الأعمال بالشرك، قال تعالى: وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [الأنعام:88] أما بالعقوق، أو قطيعة الرحم، أو المعاصي الأخرى فإنها لا تبطل الأعمال، وإنما يبطلها الشرك الأكبر.

وكذلك رفع الصوت على رسول الله ﷺ يخشى منه بطلان العمل في حياته ﷺ كما قال الله : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ [الحجرات:2] يعني: لئلا تحبط أعمالكم، فهذا يفيد أنه يخشى على من رفع صوته على النبي ﷺ وجهر له بالقول أن يحبط عمله، وهذا وعيد عظيم، ولهذا كان الصحابة يتأدبون مع الرسول ﷺ ويتكلمون معه كلامًا خفيفًا لينًا مخفوضًا تأدبًا معه، عليه الصلاة والسلام.

فالمقصود: أن الواجب على المؤمن أن يبر والديه، وأن لا يعقهما، وأن يحسن إليهما في حياتهما، وبعد وفاتهما، ويحرم عليه العقوق لهما بالكلام السيء، أو السب، أو الضرب، أو أي إساءة لهما، أو رفع الصوت عليهما، أو عدم طاعتهما في المعروف، كل هذا من العقوق.

المقدم: جزاكم الله خيرًا. 

الشيخ: نسأل الله العافية.

المقدم: اللهم آمين.

المقدم: يسأل أيضًا أخونا ويقول: إذا حلف إنسان على القرآن وهو يحلف في نفسه، هل يجوز هذا، أم لا؟

الشيخ: كيف؟

المقدم: يقول: إذا حلف إنسان على القرآن، وهو يحلف في نفسه -لعله يقصد سرًا- هل يجوز، أم لا؟ جزاكم الله خيرًا.

الشيخ: هذا السؤال ليس بواضح، إذا حلف على القرآن؛ صار أشد في اليمين، وليس هناك حاجة إلى الحلف بالقرآن، يحلف ولا حاجة إلى أن يحضر القرآن، يتقي الله وهو يحلف، ويتحرى الصدق، ولا يلزم إحضار القرآن، كثير من الناس يطلب إحضار القرآن، هذا لا أصل له، ولا حاجة إليه.

الواجب على المؤمن أن يصدق أينما كان، ولا يجوز الكذب لا مع قرآن، ولا مع غير القرآن، يجب أن يصدق في الخصومات وفي غيرها، وليس له الكذب إلا إذا كان مظلومًا، إذا كان مظلومًا؛ فله الكذب، ويتأول إذا كان مظلومًا.

وأما إذا كان غير مظلوم؛ فليس له أن يكذب، وليس له أن يحلف في أي شيء كاذبًا، كأن يدعى عليه أنه أخذ مال فلان، أو ضرب فلانًا، أو قتل فلانًا، ليس له أن يحلف، ينكر ذلك، بل عليه أن يقر بالحق، يعطيهم مالهم، يلزمه القصاص إذا توفرت شروطه، لا يكذب.

أما إذا كان مظلومًا هذا شيء آخر، له أن يتأول إذا كان مظلومًا، أن يقال له: احلف أنك ما فعلت كذا وكذا، وهو لم يفعله، ولم يقع منه، فيحلف بالله أنه لم يقع منه، وليس في هذا شيء عليه؛ لأنه صادق.

المقصود: أنه ليس له أن يكذب لا بإحضار القرآن، ولا في غير القرآن، بل عليه أن يتحرى الصدق إلا في المسائل التي أباح فيها النبي ﷺ الكذب، كالإصلاح بين الناس، والحرب، وحديث الرجل امرأته، فإذا كان ألزم باليمين في هذا، أو رأى المصلحة في هذا؛ فلا بأس أن يقول: والله ما كان كذا في الحرب، أو والله ما فعلت كذا في الحرب، إذا رأى فيه المصلحة للمسلمين.

أو والله ما -يقول لامرأته-: والله ما فعلت هذا ليرضيها، ولا يضر غيره، ولا غيرها، أو في الإصلاح بين الناس، يجي قبيلة ويقول: والله ما قال هذا فلان ... يصلح بينهم، أو والله ما قالت القبيلة، أو والله إنها تحبكم، أو والله إنها تود الصلح معكم؛ ليصلح بينهم على وجه لا يضر أحدًا، هذا كله لا بأس به.

المقدم: جزاكم الله خيرًا، إذًا نفهم من سماحتكم أن الحلف على المصحف أمر غير مشروع.

الشيخ: ليس له أصل، نعم.

المقدم: جزاكم الله خيرًا. 

فتاوى ذات صلة