أسباب قسوة القلوب وتأخر الغيث وغيرها من المصائب

من الأمور العظيمة التي يجب التنبه لها أن الله سبحانه أخبرنا في كتابه العظيم في مواضع كثيرة، أن ما أصاب العباد من المصائب المتنوعة: كقسوة القلوب، وجدب الأرض وتأخر الغيث، ونقص الأنفس والأموال والثمار، وتسليط الأعداء وغير ذلك من المصائب، كل ذلك بأسباب ما كسبه العباد من المعاصي والمخالفات، كما قال عز وجل:  وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ  وقال تعالى:  مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ  وقال تعالى:  ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ  وقال تعالى:  وَلَقَدْ أَخَذْنَا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ  
ولما أخبر عز وجل عن بعض الأمم الطاغية، وما أحل بهم من العقوبات قال بعد ذلك:  فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ  وقال عن قوم نوح لما عصوا رسولهم نوحا عليه الصلاة والسلام:  مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا نَارًا فَلَمْ يَجِدُوا لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْصَارًا  والمعنى من أجل خطيئاتهم عذبوا في الدنيا بالغرق، وفي الآخرة بإدخالهم النار، نعوذ بالله من حالهم. 
وفي هذه الآيات الكريمات، وما جاء في معناها من الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم والآيات الكريمات غيرها، الدلالة الظاهرة والبرهان القاطع على أن ما أصاب العباد من المصائب والسيئات التي لا يحصيها إلا الله، كل ذلك بكسبهم وذنوبهم، وما قدموا من الأعمال المخالفة للحق، لعلهم يتذكرون ويتعظون، فيتوبوا إليه سبحانه، ويرجعوا إلى طاعته، ويحذروا ما نهاهم عنه، ولهذا قال عز وجل في الآية السابقة:  لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ  والمعنى أنه سبحانه قد يذيق العباد عقوبة بعض ما عملوا من السيئات لعلهم يرجعون إلى طاعته، والإنابة إليه، والتوبة النصوح من سالف ذنوبهم، ولو يؤاخذهم بجميع ذنوبهم لهلكوا جميعا، كما قال سبحانه:  وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ  الآية، وقال في الآية الأخرى:  وَلَقَدْ أَخَذْنَا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ.
(مجموع الفتاوى للشويعر 3/ 150)