رسالة أخوة ومحبة إلى الشيخ أبي الأعلى المودودي

بسم الله الرحمن الرحيم[1] [2]
من عبدالعزيز بن عبدالله بن باز إلى حضرة الأخ المكرم صاحب الفضيلة الشيخ أبي الأعلى المودودي، وفقه الله وأسبغ عليه لباس العافية في الدين والبدن، آمين.
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أما بعد: فقد وصل إليّ كتابكم الكريم رقم1526 وتاريخ 2/ 4/ 1393هـ وصلكم الله بهداه وعلمت جميع ما شرحتم فيه من حالكم وحال الأستاذ طفيل محمد الذي خلف فضيلتكم في إمرة الجماعة وما شرحتم من حال الجماعة، ولقد سرني كثيرا ما أوضحتموه من حال الأستاذ طفيل قبل انضمامه إلى الجماعة وبعد ذلك، وما أجرى الله على يديه من الخير وما حصل للجماعة بعد إمرته من مضاعفة الجهود، وتجديد النشاط، والسير قدما بالدعوة الإسلامية، والتوجيه الإسلامي فالحمد لله على جميع ذلك.
أما ما ذكرتم مما يتصل بما بيننا من الأخوة الإسلامية وأواصر المودة من حين حصل التعارف بيننا - فذلك أمر معلوم، ونحمد الله عليه ونسأل الله سبحانه أن يزيد ذلك قوة ومتانة وثباتا، وأن يجعلنا جميعا من الهداة المهتدين حتى نلقاه سبحانه.
وهكذا ما ذكره فضيلتكم من عدم الكلام من فضيلتكم في علماء باكستان المعروفين بالدعوة إلى الإسلام، وأنه ليس من عادتكم التعرض للدعاة بما ينقص شأنهم، ويسبب احتقارهم، أقول هذا هو ما علمته من فضيلتكم، ولا أذكر أنكم تعرضتم لأحد من العلماء المعروفين بالخير بما يسوء مع أن النقد من أهل العلم وتجريح من يجب تجريحه من باب النصح للأمة، والتحذير من بدعته أو انحرافه أمر متعين كما فعل علماء الإسلام سابقا ولاحقا.
ولكني لا أذكر أنكم تعرضتم أحدا من أهل العلم المعروفين بالخير والاستقامة بحضرتي بما يسوء، فلله الحمد على توفيقه إياكم، وصيانته لكم عما لا ينبغي من أهل العلم أمثالكم.
أما ما ذكرتم من أنه ورد إليكم عدة رسائل من بعض الناس المقيمين في السعودية يذكرون فيها أن بعض الحجاج والزوار من الباكستانيين، وبعض المقيمين في المملكة منهم أبلغوني عن فضيلتكم وعن الجماعة الإسلامية أمورا غير صحيحة، وتقولوا عليكم بعض الأقاويل المتضمنة الطعن في شخصكم وفي الجماعة الإسلامية كما بلغكم أن هناك محاولات مبذولة للنيل من الأستاذ طفيل والطعن فيه الخ.
فالجواب عن ذلك: أن أقول أن جميع ما ذكرتم لا صحة له - ولم يبلغني بحمد الله - عنكم ولا عن الجماعة ولا عن الأستاذ طفيل إلا الخير والنشاط المستمر غير أن شخصين أو ثلاثة لا أذكر أسماءهم تكلموا عندي بعد الحج فيما يتعلق بالأستاذ طفيل من جهة نقص المعلومات الإسلامية، فقلت لهم ما دام الجماعة والأستاذ المودودي اختاروه ففيه البركة والكفاية إن شاء الله؛ لأنهم أعلم به منا أو ما هذا معناه ولم أرفع بكلامهم رأسا، ولم أُنْلِهُ أيَّ عناية، ولم أكتب في الموضوع شيئا لا قليلا ولا كثيرا ولم أصدر فيه أي حكم لأني لم ألتفت إليه، لكن قال لي بعض الإخوان المقيمين في البلاد من أهل مليبار عن فضيلتكم أنكم ترون أن العبادة تفسر بالطاعة، وأن كل من أطاع أحدا فقد عبده كما تفسر بالرق والتأله، وكتب إليَّ الشيخ عمر بن أحمد المليباري - أي صاحب مجلة السلسبيل - في هذا الموضوع جازما بما ذكر عن فضيلتكم وعن الجماعة وأرسل إلي نسخة من استفتاء تعميمي في هذه المسألة أرسل إليكم نسخة منه، وقد استغربت هذا الأمر، وعزمت على الكتابة إليكم فيه من قبل مجيء كتابكم المجاب للاستفسار منكم عن صحة ما نسب إليكم.
وبهذه المناسبة فإني أرجو من فضيلتكم الإفادة عما لديكم في هذا الموضوع، والذي يظهر لأخيكم أن الطاعة أوسع من العبادة فكل عبادة لله موافقة لشريعته تسمى طاعة وليس كل طاعة بالنسبة إلى غير الله تسمى عبادة، بل في ذلك تفصيل، أما بالنسبة إلى الله سبحانه فهي عبادة له لمن أراد بها وجهه لكن قد تكون صحيحة، وقد تكون فاسدة على حسب اشتمالها على الشروط المرعية في العبادة، وتخلَّف بعض الشروط عنها.
فأرجو من فضيلتكم الإفادة المفصلة عما ترونه في هذه المسألة، ومما يزيد الأمر وضوحا أن من أطاع الله في بعض الأمور وهو متلبس بالشرك يستحق أن تنفي عنه العبادة. كما قال الله سبحانه في حق المشركين: وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ [الكافرون:3] فنفي عنهم العبادة من أجل شركهم ومعلوم أنهم يعبدون الله في الشدائد، وبالحج، والعمرة، وبالصدقات في بعض الأحيان، ونحو ذلك.
ولكن لما كانت هذه العبادة مشوبةً بالشرك في الرخاء، وعدم الإيمان بالآخرة إلى غير ذلك من أنواع الكفر - جاز أن تنفي عن أصحابها.
ومما يزيد الأمر بيانا أيضا أن من أطاع الأمراء وغيرهم في معاصي الله لا يسمى عابدا لهم إذا لم يعتقد جواز طاعتهم فيما يخالف شرع الله، وإنما أطاعهم لحظٍّ عاجل، واتباعا للهوى، وهو يعلم أنه عاصٍ لله في ذلك؛ فإن مثل هذا يعتبر عاصيا بهذه الطاعة، ولا يعتبر مشركا إذا كانت الطاعة في غير الأمور الشركية كما لو أطاعهم في ضرب أحد بغير حق، أو قتل أحد بغير حق، أو أخذ مال بغير حق، ونحو ذلك.
والأمثلة في هذا الباب كثيرة وما أظن هذا الأمر يخفي على من دونكم من أهل العلم.
لكن لما كان هذا الأمر قد أشاعه عنكم من أشاعه وجب عليّ أن أسألكم عنه، وأطلب من فضيلتكم تفصيل القول فيه حتى ننفي عنكم ما يجب نفيه، وندافع عنكم على بصيرة، ونوضح الحق لطالبه فيما يتعلق بالجماعة الإسلامية.
وإن كان ما نسب عنكم هو كما نسب تذاكرنا فيه وبحثناه من جميع وجوهه، وناقشنا مواضيع الإشكال بالأدلة، والحق هو ضالة الجميع؛ فنسأل الله - عز وجل - أن يوفقنا وإياكم لما يرضيه، وأن يمنحنا جميعا الفقه في دينه والثبات عليه، وأن يصلح قلوبنا وأعمالنا وأن يجعل الحق ضالتنا أينما كنا إنه جواد كريم.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
 
رئيس الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة
 

  1. الرسائل المتبادلة بين الشيخ ابن باز والعلماء (ص295)
  2. هذه الرسالة تحتاج إلى تأمل؛ فهي نموذجٌ عالٍ لحسن الظن بأهل العلم، وحسن التأتي، ولطف المدخل، وحسن العرض للنصيحة.(م)