الجواب:
الدعاء لا يغير، القدر نافذ، قدر الله نافذ لا يرد قدره شيئًا، يقول الله -جل وعلا- في كتابه العظيم: مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ [الحديد:22]، ويقول سبحانه: إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ [القمر:49]، ويقول النبي ﷺ: إن الله قدر مقادير الخلائق قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة، وعرشه على الماء، ومن أصول الإيمان: أن تؤمن بالقدر خيره وشره.
فالقدر ماض ولا يغيره شيء، لكنه قد يكون قدرًا محتومًا غير معلق على سبب يفعله العبد، أو يتركه العبد، وقد يكون معلقًا على أسباب، فالمعلق على الأسباب يزول عند عدم وجود السبب الذي علقه الله عليه، قد يكون معلقًا أنه مثلاً: يشفى إذا دعا له فلان، أو عالجه الطبيب فلان، فيتسبب يعالج يدعو له إخوانه، قد يكون شفاؤه بهذا الدعاء، أو في هذا العلاج؛ لأن الله علق شفاءه عليه سبحانه فيما سبق في علمه -جل وعلا- ولهذا أنت مأمور بالأسباب، مأمور بالدعاء؛ لأن الله قد يكون علق شفاءك على دعائك، أو دعاء فلان لك، أو علاج في المستشفى الفلاني، أو عند الطبيب الفلاني.
وهكذا طلب الرزق بالتجارة والبيع والشراء، شرع الله لك ذلك؛ لأنه سبحانه قد علق رزقك وحاجاتك بهذه الأسباب التي أمرك بها، وشرعها لك ، فأنت مأمور بالأسباب، والله مقدر الأمور -جل وعلا- فإذا فعلت السبب الذي علق الله عليه رزقك، أو شفاؤك حصل المطلوب، فأنت بهذا العمل لم تخالف القدر، بل صادفت القدر، ووافقت القدر، قد سبق في علم الله أنك إذا ركبت هذه السيارة أنها تنقلب، أو تصدم وتموت، فأنت إذا ركبت السيارة وافقت قدر الله، وإذا جرى ما جرى عليك كذلك.
وهكذا في الطائرات، وهكذا في الإبل، وهكذا في غير ذلك، وهكذا قد يكون ربك سبحانه قد قدر أنك إذا دعوته بهذه الدعوات آخر الليل، أو في صلاتك أنك تشفى من مرضك، أن يحصل لك زوجة صالحة، أن يحصل لك ذرية طيبة، فتدعو بالدعوات التي شرع الله، وترجو فضله وإحسانه، وأنت لا تدري فالله -جل وعلا- هو الذي يعلم الغيب فأنت عليك الأسباب، والله -جل وعلا- مقدر الأمور، وأنت في أسبابك لا تخرج عن قدر الله، كله مقدر، قال بعض الناس: يا رسول الله! إن لنا رقى نسترقي بها، ودواء نتداوى به، فهل هذا من قدر الله؟ قال: هي من قدر الله.
ولما رجع عمر من الشام لما سمع به الطاعون، لما استقر أمر الصحابة وأرضاهم بعد المشاورة على أنه يرجع، ثم حدثه عبدالرحمن بن عوف أن الرسول ﷺ قال في الطاعون: إذا سمعتم به في بلد فلا تقدموا عليه، وإذا وقع وأنتم بها فلا تخرجوا فرارًا منه عزم على الرجوع، ولم يقدم عليه في دمشق، عزم على الرجوع إلى المدينة، فقال له بعض الناس: أفرارًا من قدر الله؟ قال: نفر من قدر الله إلى قدر الله يعني: الطاعون قدر من قدر الله، ورجوعنا من قدر الله، أسباب، نحن إذا باشرنا الرجوع هو من قدر الله، وإذا عالج الإنسان بشرب الدواء من قدر الله، وإذا اكتوى من قدر الله، وإذا فصد من قدر الله، وإذا احتجم من قدر الله، وإذا سافر للعلاج في بلد كذا من قدر الله، وإذا ركب السيارة وأرادها الله.. شيئًا فيها، أو الطائرة فهو من قدر الله، وهكذا، الأمور كلها بقدر الله، وأنت تباشر الأسباب، وتجتهد، تريد الخير، والله مسبب الأسباب نعم.
المقدم: جزاكم الله خيرًا.