ج: السنة للمسافر أن يقصر الصلاة في السفر تأسيًا بالنبي ﷺ، وعملًا بسنته إذا كانت المسافة ثمانين كيلو تقريبًا أو أكثر، فإذا سافر مثلا من السعودية إلى أمريكا قصر ما دام في الطريق، أو سافر من مكة إلى مصر أو من مصر إلى مكة قصر ما دام في الطريق، وهكذا إذا نزل في بلد فإنه يقصر ما دام في البلد إذا كانت الإقامة أربعة أيام فأقل فإنه يقصر كما فعل النبي ﷺ لما نزل مكة في حجة الوداع، فإنه نزل بمكة صبيحة رابعة في ذي الحجة ولم يزل يقصر حتى خرج إلى منى في ثامن ذي الحجة. وكذلك إذا كان عازمًا على الإقامة مدة لا يعرف نهايتها هل هي أربعة أيام أو أكثر فإنه يقصر حتى تنتهي حاجته، أو يعزم على الإقامة مدة تزيد عن أربعة أيام عند أكثر أهل العلم، كأن يقيم لالتماس شخص له عليه دين أو له خصومة لا يدري متى تنتهي، أو ما أشبه ذلك، فإنه يقصر ما دام مقيمًا؛ لأن إقامته غير محدودة، فهو لا يدري متى تنتهي الإقامة، فله القصر ويعتبر مسافرًا، يقصر ويفطر في رمضان ولو مضى على هذا سنوات.
أما من أقام إقامة طويلة للدراسة، أو لغيرها من الشؤون، أو يعزم على الإقامة مدة طويلة فهذا الواجب عليه الإتمام، وهذا هو الصواب، وهو الذي عليه جمهور أهل العلم من الأئمة الأربعة وغيرهم؛ لأن الأصل في حق المقيم الإتمام، فإذا عزم على الإقامة أكثر من أربعة أيام وجب عليه الإتمام للدراسة أو غيرها.
وذهب ابن عباس رضي الله عنهما إلى أن المسافر إذا أقام تسعة عشر يومًا أو أقل فإنه يقصر، وإذا نوى الإقامة أكثر من ذلك وجب عليه الإتمام محتجًا بإقامة النبي ﷺ يوم فتح مكة تسعة عشر يومًا يقصر الصلاة فيها، ولكن المعتمد في هذا كله هو أن الإقامة التي لا تمنع قصر الصلاة إنما تكون أربعة أيام فأقل، هذا الذي عليه الأكثرون، وفيه احتياط للدين، وبعد عن الخطر بهذه العبادة العظيمة التي هي عمود الإسلام.
والجواب عما احتج به ابن عباس رضي الله عنهما: أنه لم يثبت عنه ﷺ أنه عزم على الإقامة هذه المدة، وإنما أقام لتأسيس قواعد الإسلام في مكة، وإزالة آثار الشرك من غير أن ينوي مدة معلومة، والمسافر إذا لم ينو مدة معلومة له القصر ولو طالت المدة كما تقدم.
فنصيحتي لإخواني المسافرين للدراسة أو غيرها أن يتموا الصلاة، وألا يقصروا، وأن يصوموا رمضان ولا يفطروا إلا إذا كانت الإقامة قصيرة أربعة أيام فأقل، أو كانت الإقامة غير محددة لا يدري متى تنتهي لأن له حاجة يطلبها لا يدري متى تنتهي كما تقدم، فإن هذا في حكم المسافر، هذا هو أحسن ما قيل في هذا المقام، وهو الذي عليه أكثر أهل العلم، وهو الذي ينبغي لما فيه من الاحتياط للدين لقول النبي ﷺ: دع ما يريبك إلى ما لا يريبك[1] وقوله ﷺ: فمن اتقى الشبهات استبرأ لدينه وعرضه[2].
وإقامته ﷺ في مكة تسعة عشر يومًا يوم الفتح محمولة على أنه لم يجمع عليها، وإنما أقام لإصلاح أمور الدين، وتأسيس توحيد الله في مكة وتوجيه المسلمين إلى ما يجب عليهم كما تقدم، فلا يلزم من ذلك أن يكون عزم على هذه الإقامة، بل يحتمل أنه أقامها إقامة لم يعزم عليها، وإنما مضت به الأيام في النظر في شؤون المسلمين وإصلاح ما يحتاج إلى إصلاح وإقامة شعائر الدين في مكة المكرمة، وليس هناك ما يدل على أنه عزم عليها حتى يحتج بذلك على أن مدة الإقامة المجيزة للقصر تحد بتسعة عشر يومًا كما جاء ذلك عن ابن عباس رضي الله عنهما.
وهكذا إقامته ﷺ في تبوك عشرين يومًا ليس هناك ما يدل على أنه عازم عليها عليه الصلاة والسلام، بل الظاهر أنه أقام يتحرى ما يتعلق بحرب، وينظر في الأمر وليس عنده إقامة جازمة في ذلك، لأن الأصل عدم الجزم بالإقامة إلا بدليل، وهو مسافر للجهاد والحرب مع الروم، وتريث في تبوك هذه المدة للنظر في أمر الجهاد، وهل يستمر في السفر ويتقدم إلى جهة الروم أو يرجع؟ ثم اختار الله له سبحانه أن يرجع إلى المدينة فرجع.
والمقصود أنه ليس هناك ما يدل على أنه نوى الإقامة تسعة عشر يومًا في مكة، ولا أنه نوى الإقامة جازمة في تبوك عشرين يومًا حتى يقال إن هذه أقل مدة للقصر، أو أن هذه أقصى مدة للإقامة بل ذلك محتمل كما قاله الجمهور، وتحديد الإقامة بأربعة أيام فأقل إذا نوى أكثر منها أتم، مأخوذ من إقامته ﷺ في حجة الوداع في مكة قبل الحج، فإنه أقام أربعة أيام لا شك في ذلك عازمًا على الإقامة بها من أجل الحج من اليوم الرابع إلى أن خرج إلى منى، وقال جماعة من أهل العلم تحدد الإقامة بعشرة أيام لأنه ﷺ أقام عشرة أيام في مكة في حجة الوداع وأدخلوا في ذلك إقامته في منى وفي عرفة وقالوا عنها إنها إقامة قد عزم عليها، فتكون المدة التي يجوز فيها القصر عشرة أيام فأقل؛ لأنه قد عزم عليها. وهذا قول له قوته وله وجاهته، لكن الجمهور جعلوا توجهه من مكة إلى منى شروعًا في السفر؛ لأنه توجه إلى منى ليؤدي مناسك الحج ثم يسافر إلى المدينة.
وبكل حال فالمقام مقام خلاف بين أهل العلم وفيه عدة أقوال لأهل العلم، لكن أحسن ما قيل في هذا وأحوط ما قيل في هذا المقام، هو ما تقدم من قول الجمهور، وهو: أنه إذا نوى المسافر الإقامة في البلد أو في أي مكان أكثر من أربعة أيام أتم، وإن نوى إقامة أقل قصر، وإذا كانت ليس له نية محددة يقول أسافر غدًا أو أسافر بعد غد، يعني له حاجة يطلبها لا يدري متى تنتهي، فإن هذا في حكم السفر وإن طالت المدة. والله ولي التوفيق[3].
أما من أقام إقامة طويلة للدراسة، أو لغيرها من الشؤون، أو يعزم على الإقامة مدة طويلة فهذا الواجب عليه الإتمام، وهذا هو الصواب، وهو الذي عليه جمهور أهل العلم من الأئمة الأربعة وغيرهم؛ لأن الأصل في حق المقيم الإتمام، فإذا عزم على الإقامة أكثر من أربعة أيام وجب عليه الإتمام للدراسة أو غيرها.
وذهب ابن عباس رضي الله عنهما إلى أن المسافر إذا أقام تسعة عشر يومًا أو أقل فإنه يقصر، وإذا نوى الإقامة أكثر من ذلك وجب عليه الإتمام محتجًا بإقامة النبي ﷺ يوم فتح مكة تسعة عشر يومًا يقصر الصلاة فيها، ولكن المعتمد في هذا كله هو أن الإقامة التي لا تمنع قصر الصلاة إنما تكون أربعة أيام فأقل، هذا الذي عليه الأكثرون، وفيه احتياط للدين، وبعد عن الخطر بهذه العبادة العظيمة التي هي عمود الإسلام.
والجواب عما احتج به ابن عباس رضي الله عنهما: أنه لم يثبت عنه ﷺ أنه عزم على الإقامة هذه المدة، وإنما أقام لتأسيس قواعد الإسلام في مكة، وإزالة آثار الشرك من غير أن ينوي مدة معلومة، والمسافر إذا لم ينو مدة معلومة له القصر ولو طالت المدة كما تقدم.
فنصيحتي لإخواني المسافرين للدراسة أو غيرها أن يتموا الصلاة، وألا يقصروا، وأن يصوموا رمضان ولا يفطروا إلا إذا كانت الإقامة قصيرة أربعة أيام فأقل، أو كانت الإقامة غير محددة لا يدري متى تنتهي لأن له حاجة يطلبها لا يدري متى تنتهي كما تقدم، فإن هذا في حكم المسافر، هذا هو أحسن ما قيل في هذا المقام، وهو الذي عليه أكثر أهل العلم، وهو الذي ينبغي لما فيه من الاحتياط للدين لقول النبي ﷺ: دع ما يريبك إلى ما لا يريبك[1] وقوله ﷺ: فمن اتقى الشبهات استبرأ لدينه وعرضه[2].
وإقامته ﷺ في مكة تسعة عشر يومًا يوم الفتح محمولة على أنه لم يجمع عليها، وإنما أقام لإصلاح أمور الدين، وتأسيس توحيد الله في مكة وتوجيه المسلمين إلى ما يجب عليهم كما تقدم، فلا يلزم من ذلك أن يكون عزم على هذه الإقامة، بل يحتمل أنه أقامها إقامة لم يعزم عليها، وإنما مضت به الأيام في النظر في شؤون المسلمين وإصلاح ما يحتاج إلى إصلاح وإقامة شعائر الدين في مكة المكرمة، وليس هناك ما يدل على أنه عزم عليها حتى يحتج بذلك على أن مدة الإقامة المجيزة للقصر تحد بتسعة عشر يومًا كما جاء ذلك عن ابن عباس رضي الله عنهما.
وهكذا إقامته ﷺ في تبوك عشرين يومًا ليس هناك ما يدل على أنه عازم عليها عليه الصلاة والسلام، بل الظاهر أنه أقام يتحرى ما يتعلق بحرب، وينظر في الأمر وليس عنده إقامة جازمة في ذلك، لأن الأصل عدم الجزم بالإقامة إلا بدليل، وهو مسافر للجهاد والحرب مع الروم، وتريث في تبوك هذه المدة للنظر في أمر الجهاد، وهل يستمر في السفر ويتقدم إلى جهة الروم أو يرجع؟ ثم اختار الله له سبحانه أن يرجع إلى المدينة فرجع.
والمقصود أنه ليس هناك ما يدل على أنه نوى الإقامة تسعة عشر يومًا في مكة، ولا أنه نوى الإقامة جازمة في تبوك عشرين يومًا حتى يقال إن هذه أقل مدة للقصر، أو أن هذه أقصى مدة للإقامة بل ذلك محتمل كما قاله الجمهور، وتحديد الإقامة بأربعة أيام فأقل إذا نوى أكثر منها أتم، مأخوذ من إقامته ﷺ في حجة الوداع في مكة قبل الحج، فإنه أقام أربعة أيام لا شك في ذلك عازمًا على الإقامة بها من أجل الحج من اليوم الرابع إلى أن خرج إلى منى، وقال جماعة من أهل العلم تحدد الإقامة بعشرة أيام لأنه ﷺ أقام عشرة أيام في مكة في حجة الوداع وأدخلوا في ذلك إقامته في منى وفي عرفة وقالوا عنها إنها إقامة قد عزم عليها، فتكون المدة التي يجوز فيها القصر عشرة أيام فأقل؛ لأنه قد عزم عليها. وهذا قول له قوته وله وجاهته، لكن الجمهور جعلوا توجهه من مكة إلى منى شروعًا في السفر؛ لأنه توجه إلى منى ليؤدي مناسك الحج ثم يسافر إلى المدينة.
وبكل حال فالمقام مقام خلاف بين أهل العلم وفيه عدة أقوال لأهل العلم، لكن أحسن ما قيل في هذا وأحوط ما قيل في هذا المقام، هو ما تقدم من قول الجمهور، وهو: أنه إذا نوى المسافر الإقامة في البلد أو في أي مكان أكثر من أربعة أيام أتم، وإن نوى إقامة أقل قصر، وإذا كانت ليس له نية محددة يقول أسافر غدًا أو أسافر بعد غد، يعني له حاجة يطلبها لا يدري متى تنتهي، فإن هذا في حكم السفر وإن طالت المدة. والله ولي التوفيق[3].
- رواه الترمذي في (صفة القيامة) برقم (2442)، والنسائي في (الأشربة) برقم (5615).
- رواه البخاري في (الإيمان) برقم (50)، ومسلم في (المساقاة) برقم (2996).
- من برنامج (نور على الدرب)، الشريط الثامن عشر. (مجموع فتاوى ومقالات الشيخ ابن باز 12/274).