بيان الحكم الشرعي في المعاملات الربوية في البنوك

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين؛ نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:
فقد اطلعت على ما ورد في صحيفة (الشرق الأوسط) الصادرة في يوم الأربعاء 2/ 1/ 1416هـ، من تصريح مفتي الديار المصرية د/ محمد سيد طنطاوي، بتحليل الفوائد الربوية التي تتعامل بها البنوك، فرأيت: أن الواجب على مثلي التنبيه على ما يقتضيه الشرع المطهر في ذلك؛ نصحًا لله ولعباده، وأداء لواجب البلاغ الذي أوجبه الله على أهل العلم في قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلعَنُهُمُ اللّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ ۝ إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ وَأَصْلَحُواْ وَبَيَّنُواْ الآيات [البقرة:159، 160]، وقوله سبحانه: وَإِذَ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلاَ تَكْتُمُونَهُ الآية [آل عمران:187].
والمقصود: تحذير هذه الأمة من عمل أهل الكتاب، ولاشك أن هذا أمر خطير، وفيه معصية لله تعالى ولرسوله ﷺ ومخالفة لأمر الله تعالى حيث قال : فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ [النور:63].
ولا ريب، أن القول بحل ما تتعامل به البنوك من أنواع الربا، فيه تحليل لما حرمه الله تعالى؛ لأن الربا كما هو معلوم كبيرة من كبائر الذنوب، التي جاء تحريمها مغلظًا في كتاب الله تعالى وسنة رسول الله ﷺ بجميع أشكاله وأنواعه ومسمياته، قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ الرِّبَا أَضْعَافًا مُّضَاعَفَةً وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ۝ وَاتَّقُواْ النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ ۝ وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ [آل عمران:130-132]، وقال تعالى: وَمَا آتَيْتُم مِّن رِّبًا لِّيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلَا يَرْبُو عِندَ اللَّهِ [الروم:39]، وقال تعالى: الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لاَ يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُواْ إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَن جَاءهُ مَوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّهِ فَانتَهَىَ فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ۝ يَمْحَقُ اللّهُ الْرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ [البقرة:275، 276]، وقال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ ۝ فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَإِن تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لاَ تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُونَ [البقرة:278، 279].
فما أعظم جريمة من حارب الله ورسوله، نسأل الله العافية من ذلك.
وقال عليه الصلاة والسلام: اجتنبوا السبع الموبقات قالوا: وما هن يا رسول الله؟ قال: الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات[1] متفق على صحته.
وفي صحيح مسلم عن جابر قال: لعن رسول الله ﷺ آكل الربا، وموكله، وكاتبه، وشاهديه، وقال: هم سواء[2].
فهذه بعض الأدلة من كتاب الله وسنة رسوله محمد ﷺ التي تبين تحريم الربا وخطره على الفرد والأمة، وأن من تعامل به وتعاطاه، فقد ارتكب كبيرة من كبائر الذنوب، وقد أصبح محاربًا لله ولرسوله.
وقال الموفق ابن قدامة رحمه الله تعالى في كتابه المغني: (أجمعت الأمة على أن الربا محرم) وقال ابن المنذر في كتاب (الإجماع): (أجمعوا على أن المسلف إذا شرط على المقترض زيادة أو هدية، فأسلف على ذلك، أن أخذ الزيادة على ذلك ربًا سواء كانت الزيادة في القدر أو الصفة) ومن المعلوم، أن الاشتراك في البنوك الربوية، أو الإيداع فيها، أو الاقتراض منها بفوائد، كل ذلك من المعاملات الربوية التي نهى الله سبحانه ورسوله ﷺ عنها؛ فيجب الابتعاد عنها.
نسأل الله الهداية والعافية من مضلات الفتن، والتوفيق للعمل بكتاب الله تعالى وسنة رسوله ﷺ وتحكيم شرع الله في جميع شئوننا الخاصة والعامة، وأن يأخذ بنواصينا وجميع المسلمين إلى ما فيه صلاح ديننا ودنيانا، وأن يجنبنا جميعًا طريق المغضوب عليهم والضالين؛ إنه ولي ذلك والقادر عليه.
ونصيحتي لفضيلة المفتي محمد سيد طنطاوي أن يتقي الله، وأن يعيد النظر فيما كتب، وأن يتوب إلى الله سبحانه مما طغى به اللسان، وزل به القلم، ولا ريب أن الرجوع إلى الحق واجب وفضيلة، وشرف لصاحبه، وخير من التمادي في الخطأ، والله المسئول أن يوفقه للرجوع إلى الحق، وأن يجعلنا وإياه وسائر إخواننا من الهداة المهتدين، إنه سميع قريب.
وصلى الله وسلم على خير خلقه نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين[3].
 
المفتي العام للمملكة العربية السعودية
ورئيس هيئة كبار العلماء
وإدارة البحوث العلمية والإفتاء
عبدالعزيز بن عبدالله بن باز

 
  1. رواه البخاري في (الوصايا) باب قول الله: " إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلمًا " برقم 2767، وفي (الحدود) باب رمي المحصنات برقم 6857، ومسلم في (الإيمان) باب بيان الكبائر وأكبرها برقم 89
  2. رواه مسلم في (المساقاة) باب لعن آكل الربا وموكله برقم 1598
  3. رد من سماحته على مفتي الديار المصرية/ محمد سيد طنطاوي، الذي نشر في صحيفة (الشرق الأوسط) بتاريخ 2/1/1416هـ. (مجموع فتاوى ومقالات الشيخ ابن باز 19/ 240).