الأربعاء ١٩ / رجب / ١٤٤٢
السؤال: بالنسبة لليلة السابع والعشرين من رجب من كل عام وليلة النصف من شعبان، تعود المسلمون الاحتفال بهما وعمل الأكلات الدسمة وما أشبه ذلك؛ فما رأيكم في هذا؟
الجواب: هاتان بدعتان، الاحتفال بالنصف من شعبان والاحتفال بليلة السابع والعشرين من رجب، كلتاهما بدعة، ليس عليهما دليل، ولم يثبت عنه ﷺ أن ليلة السابع والعشرين من رجب هي ليلة الإسراء والمعراج، وما جاء فيها من بعض الأحاديث فهو غير صحيح عند أهل العلم، ولو ثبت أنها ليلة المعراج لم يجز الاحتفال بها حتى لو ثبتت؛ لأن الرسول ﷺ لم يحتفل بها ولا أصحابه وهم القدوة، والله يقول: لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ [الأحزاب:21] يعني: في الفعل وفي الترك، فلما ترك نترك، وإذا فعل فعلنا عليه الصلاة السلام، فالاحتفال بليلة النصف من شعبان أو بليلة سبعة وعشرين من رجب لأنها ليلة الإسراء والمعراج، أو بالمولد النبوي في اثنا عشر ربيع الأول، أو بالموالد الأخرى للبدوي أو للحسين أو لـعبد القادر الجيلاني أو لفلان أو فلان كله لا يجوز، وكونه تشبه بـالنصارى واليهود في أعيادهم، وقد نهى الرسول ﷺ عن التشبه بهم، وقال: من تشبه بقوم فهو منهم، فلا يليق بالمسلمين أن يتشبهوا بأعداء الله في هذه الأمور ولا في غيرها. ولو كان الاحتفال بليلة النصف من شعبان أمرًا مشروعًا؛ لبادر إليه سيد ولد آدم ، وأفضل خلق الله، وخاتم رسل الله عليه الصلاة والسلام، ولشرعه لأمته وعلمهم إياه؛ لأنه أنصح الناس، وهو الناصح الأمين عليه الصلاة والسلام، ما ترك من خير إلا دل عليه، وما ترك من شر إلا نبه عليه وحذر منه كما ثبت في الصحيح عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما عن النبي ﷺ أنه قال: ما بعث الله من نبي إلا كان حقًا عليه أن يدل أمته على خير ما يعلمه لهم، وينذرهم شر ما يعلمه لهم ونبينا أكملهم وأفضلهم وخاتمهم ليس بعده نبي، فهو أولى بهذا الوصف، فما ترك من خير إلا دلنا عليه، وما ترك من شر إلا حذرنا منه. فلو كان الاحتفال بليلة النصف من شعبان أو بالمولد النبوي أو بليلة سبعة وعشرين من رجب أمرًا مشروعًا لبادر إليه عليه الصلاة والسلام قولًا وفعلًا، ولعلمه أمته عليه الصلاة والسلام، ولو فعل لنقله الصحابة فإنهم الأمناء، وهم خير الناس بعد الأنبياء وأفضل الناس بعد الأنبياء، وهم الذين نقلوا لنا القرآن، ونقلوا لنا السنة الصحيحة عنه عليه الصلاة والسلام، فهم الأئمة والقدوة بعد رسول الله عليه الصلاة والسلام، فلا يجوز أن نخالفهم ونحدث شيئًا لم يفعلوه من القربات والطاعات. ثم التابعون لهم بإحسان لم يفعلوا ذلك، لو كان الصحابة فعلوه لفعله التابعون، ثم أتباع التابعين، فلما لم يفعلوا ذلك، ومضت القرون الثلاثة المفضلة لم يقع فيها احتفال بمولد، ولا بليلة النصف من شعبان، ولا بليلة السابع والعشرين من رجب علم أن ذلك من البدع التي أحدثها الناس، ثم لو أحدث بعض الناس شيئًا من البدع في القرن الثاني أو الثالث لم يكن حجة؛ لأن الحجة فيما فعله الرسول ﷺ، لكن هذه البدعة -بدعة المولد- لم تفعل لا في عهد النبي ﷺ، ولا في عهد القرن الأول، ولا في عهد القرن الثاني ولا الثالث، إنما جاءت في القرن الرابع. وهكذا القول في جميع البدع، الواجب تركها والحذر منها ومن جملتها ما تقدم بدعة ليلة المعراج ليلة سبع وعشرين ... بدعة الاحتفال بها، كذلك بدعة الاحتفال بليلة النصف من شعبان، كذلك بدعة يقول لها: بدعة صلاة الرغائب يسمونها صلاة الرغائب، يفعلوها بعض الناس في أول جمعة من رجب أول ليلة جمعة من رجب، وهي بدعة أيضًا، والبدع كثيرة عند الناس، نسأل الله أن يعافي المسلمين منها، وأن يمنحهم الفقه في الدين، وأن يوفقهم للتمسك بالسنة والاكتفاء بها والحذر من البدعة. المقدم: جزاكم الله خيرا.
وأجمع العلماء على وجوب الهجرة من بلاد الشرك إلى بلاد الإسلام، إلا من يستطيع إظهار دينه لعلمه وبصيرته واتزانه وثباته، فلا بأس أن يقيم للدعوة إلى الله، وتبصير الناس في الإسلام، وإخراجهم من الظلمات إلى النور، وهذا الحق متى وجد ذلك وكذلك يجب على ولاة الأمور أن يوجدوا في بلادهم ما يغني عن السفر، فإن منع شيئًا يجب عليه أن يوجد بديلًا حتى لا يكون هناك شبهة ولا حجة للمبطل، فيجب على ولاة الأمور أن يوجدوا البديل، كل دراسة مطلوبة وكل فن مطلوب وكل أمر مطلوب للمسلمين يحتاجون فيه السفر يجب أن ينقل إلى بلادهم، وأن يؤتى بمن يعلمه ممن يؤمن شره، حتى لا يحتاج الطلبة إلى السفر من أجل تلك المادة المعينة، فإن البديل إذا وجد انقطعت الحجة وانقطعت الشبهة وانقطعت المعاذير، ومعلوم حال الناس اليوم واختلاطهم وامتزاجهم في أي مكان، فإن الناس غلب عليهم اليوم الامتزاج بالكفرة، حتى في بلادنا جاءوا إلينا عمال وغير عمال وصار امتزاج الكثير والشر الكثير، فيجب الحذر من هذا البلاء في بلادنا، فكيف إذا كانوا في بلاد الغرب ليس عندهم من يراقبهم ولا يلاحظهم، وربما نزلوا بين الكفرة في بيوتهم ويتمتعون بنسائهم إلى غير ذلك مما يقع من الشر العظيم، وإنه متى نزل عندهم في البيت ليتعلم اللغة شاركهم إلا ما شاء الله في الفساد الكثير، وفي شرب الخمور، وفي الزنا، وفي غير هذا من البلاء، إلا من عصم ربك. فالحاصل أن هذا المقام اليوم مقام جهاد من ولاة الأمور، ومن أولياء أمور الأولاد، ومن العقلاء والعلماء، ومن كل مسلم يستطيع الجهاد في هذا حتى يقلل هذا الشر، وحتى يقضي على أسبابه مهما قدر، ولاسيما أغنياؤنا وأمراؤنا وعلماؤنا في كل مكان، فإن الواجب على العلماء أن ينشروا العلم، وأن يعلموا الناس ما يجب عليهم، وما يحرم عليهم، وعلى أعياننا وتجارنا وأمرائنا أن يساعدوا وأن يبذلوا ما يستطيعون في القضاء على الفساد وأسبابه؛ حتى يبقى المسلمون على دينهم، وعلى أخلاقهم، وعلى غيرتهم لله، وعلى مباعدة بلاد الكفر بالله، وعلى مقاطعة أعداء الله، وبغضهم في الله عز وجل، وعلى حفظ أولادهم وتنشئتهم نشأة إسلامية في البيوت الإسلامية، أما ما يتعلق بالهجرة فقد تقدم بعض الكلام في ذلك، فالهجرة واجبة ومتعينة من بلاد الكفر إلى بلاد الإسلام كما هاجر النبي ﷺ من مكة إلى المدينة، ولما فتحت مكة انتقل الأمر إلى غيرها، فكل بلاد شرك لا يظهر فيها دينه ولا يستطيع أن يظهر دينه يجب عليه أن ينتقل منها إلى بلاد الإسلام إلى بلاد يظهر فيها دينه ويستطيع فيها أداء حق ربه ، أما الهجرة من بلاد فيها البدع وفيها سب الصحابة فهذا شيء تفصيل بعض أهل العلم رأى وجوب الهجرة منها، وبعض أهل العلم قال: لا تجب الهجرة من بلاد يسب فيها السلف ويظهر فيها البدع، ولكن يجب الجهاد يجب الإنكار على من فعل ذلك، وعقوبته، حتى لا تخلو بلاد المسلمين من قائم لله، ومن ناصح لله، وقد قال النبي ﷺ: من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده، ما قال: فليهاجر، قال: فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان، فإذا ظهرت البدع في بلاد المسلمين أو المنكرات وجب على أعيانهم وعلمائهم وأمرائهم وكل قادر أن ينكر هذه الشرور من البدع والمعاصي بيده إن قدر، ثم لسانه، ثم قلبه، وفي الحديث الآخر يقول عليه الصلاة والسلام: ما بعث الله من نبي في أمة قبلي إلا كان له من أمته حواريون وأصحاب يأخذون بسنته ويقتدون بأمره، ثم إنها تخلف من بعدهم خلوف يقولون ما لا يفعلون، ويفعلون ما لا يؤمرون، فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن، ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن، ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن، وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل، ولم يقل فمن هاجر منهم من هاجر عنهم فلا بد من البقاء والجهاد؛ لأننا إذا هاجرنا عن كل بلد يظهر فيها معصية أو بدعة معنى ذلك جرأنا أهل البدع وجرأنا أهل المعاصي على شرورهم، وأخلينا لهم الجو حتى ينتشروا فيها، وحتى ينشروا ما عندهم من باطل، ولكن يجب الجهاد، ويجب القضاء على أسباب الفساد بكل قوة من بدع وغيرها، وإنما تجب الهجرة من بلاد الشرك..، وإذا كان في بلاد الشرك إذا استطاع إظهار دينه واستطاع الدعوة إلى الله لا تجب عليه الهجرة من بلاد الشرك، من باب أولى من بلاد أهل البدع والمعاصي من باب أولى ألا تجب عليه الهجرة إذا استطاع أن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، أما إذا خاف على دينه ولم يستطع إنكار البدعة ولا إنكار المنكر بقوة أهل الفساد وقمعهم له فهذا محل انتقاله وهجرته إلى بلاد يسلم فيها دينه كما ينتقل من بلاد الشرك. وأما ما ذكره عنه السائل فيما يتعلق بالشيعة في المنطقة الشرقية فهؤلاء لم نسمع عنهم ولم يبلغني عنهم أنهم يتظاهرون بسب الصحابة، بل يخفون ما عندهم، ولا يظهرون لذلك، ولو أظهروه لما مكنوا من ذلك ولم أقرتهم الدولة على هذا، فإن إظهار سب الصحابة منكر عظيم وشر كبير لا يمكن إقرارهم عليهم، ولم يبلغني ذلك إلى يومي هذا أنهم يتظاهرون بذلك في المنطقة الشرقية لا في الأحساء ولا في غير الأحساء، وإنما هم يسرون ذلك بينهم ولا يظهرونه بين المسلمين، ومتى أظهروا لا قدر الله ذلك فلا بد أن يقمعوا عن ذلك، ولا بد أن يمنعوا من ذلك، ويعين الله عليهم، ونسأل الله لنا ولهم الهداية حتى يدعوا هذا المنكر العظيم، فإن الصحابة جديرون بالحب جديرون بالموالاة جديرون بالترضي عنهم، وهم الذين نقلوا لنا ديننا، نقلوا لنا القرآن، نقلوا السنة، نقلوا أفعال النبي وأقواله عليه الصلاة والسلام، وهم جديرون بالترضي والمحبة والسير على منهجاهم لا بسبهم، ونقول: قبح الله من فعل ذلك، ونسأل الله للشيعة وغير الشيعة الهداية، والرجوع إلى الحق، والأخذ بالصواب، وترك ما هم عليه، وغيرهم من الباطل إنه على كل شيء قدير.