حكم الإحداد على الملوك والزعماء

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه، أما بعد:

فقد جرت عادة الكثير من الدول الإسلامية في هذا العصر، بالأمر بالإحداد على من يموت من الملوك والزعماء لمدة ثلاثة أيام أو أقل أو أكثر، مع تعطيل الدوائر الحكومية وتنكيس الأعلام.

ولا شك أن هذا العمل مخالف للشريعة المحمدية، وفيه تشبه بأعداء الإسلام، وقد جاءت الأحاديث الصحيحة عن رسول الله ﷺ تنهى عن الإحداد، وتحذر منه، إلا في حق الزوجة، فإنها تحد على زوجها أربعة أشهر وعشرًا، كما جاءت الرخصة عنه ﷺ للمرأة خاصة، أن تحد على قريبها ثلاثة أيام فأقل، أما ما سوى ذلك من الإحداد فهو

ممنوع شرعًا، وليس في الشريعة الكاملة ما يجيزه على ملك أو زعيم أو غيرهما.

وقد مات في حياة النبي ﷺ ابنه إبراهيم وبناته الثلاث وأعيان آخرون، فلم يحد عليهم عليه الصلاة والسلام. وقتل في زمانه أمراء جيش مؤتة: زيد بن حارثة، وجعفر بن أبي طالب، وعبدالله بن رواحة فلم يحد عليهم.
ثم توفي النبي ﷺ وهو أشرف الخلق وأفضل الأنبياء وسيد ولد آدم، والمصيبة بموته أعظم المصائب، ولم يحد عليه الصحابة .

ثم مات أبو بكر الصديق وهو أفضل الصحابة، وأشرف الخلق بعد الأنبياء فلم يحدوا عليه، ثم قتل عمر وعثمان وعلي وهم أفضل الخلق بعد الأنبياء وبعد أبي بكر الصديق، فلم يحدوا عليهم، وهكذا مات الصحابة جميعًا فلم يحد عليهم التابعون.

وهكذا مات أئمة الإسلام وأئمة الهدى من علماء التابعين ومن بعدهم؛ كسعيد بن المسيب، وعلي بن الحسين زين العابدين، وابنه محمد بن علي، وعمر بن عبدالعزيز، والزهري، والإمام أبي حنيفة وصاحبيه، والإمام مالك بن أنس، والأوزاعي، والثوري، والإمام الشافعي، والإمام أحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه، وغيرهم من أئمة العلم والهدى، فلم يحد عليهم المسلمون.

ولو كان خيرًا لكان السلف الصالح إليه أسبق، والخير كله في اتباعهم، والشر كله في مخالفتهم. وقد دلت سنة رسول الله ﷺ التي أسلفنا ذكرها؛ على أن ما فعله سلفنا الصالح من ترك الإحداد على غير الأزواج هو الحق والصواب، وأن ما يفعله الناس اليوم من الإحداد على الملوك والزعماء أمر مخالف للسنة المطهرة، مع ما يترتب عليه من الأضرار الكثيرة، وتعطيل المصالح، والتشبه بأعداء الإسلام.

وبذلك يعلم: أن الواجب على قادة المسلمين وأعيانهم ترك هذا الإحداد، والسير على نهج سلفنا الصالح من الصحابة ومن سلك سبيلهم.

والواجب على أهل العلم تنبيه الناس على ذلك، وإعلامهم به؛ أداءً لواجب النصيحة، وتعاونًا على البر والتقوى، ولما أوجب الله من النصيحة لله ولكتابه ولرسوله، ولأئمة المسلمين وعامتهم، رأيت تحرير هذه الكلمة الموجزة.
وأسأل الله أن يوفق قادة المسلمين وعامتهم لكل ما فيه رضاه، والتمسك بشريعته، والحذر مما خالفها، وأن يصلح قلوبنا وأعمالنا جميعًا؛ إنه سميع الدعاء، قريب الإجابة.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وآله وأصحابه[1].

  1. نشر في (مجلة البحوث الإسلامية)، العدد التاسع 1404هـ، وفي هذا المجموع، الجزء الأول ص 411، (مجموع فتاوى ومقالات الشيخ ابن باز 22/ 229).