نصيحة هامة ونداء عاجل إلى زعماء وعقلاء اليمن والمتقاتلين

من عبدالعزيز بن عبدالله بن باز، إلى زعماء بلاد اليمن وقادتها، وإلى جميع عقلائهم والمقاتلين من شطري اليمن.
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فأذكركم الله سبحانه وتعالى في شعب اليمن كافة، وأذكركم الله في الضعفاء الذين لا يستطيعون أن يدفعوا عن أنفسهم، أو يدافعوا عنها من النساء والصبيان والشيوخ والمرضى والجرحى.
أذكركم الله في الحرث والنسل أن تكونوا سبب هلاكه ودماره، وسبب سفك مزيد من الدماء بلا هوادة، وتدمير البيوت وإلقاء قذائف الدمار التي لا تبقي ولا تذر، فأين حلومكم؟! وأين حكمتكم؟! وأين الرحمة بالأطفال الرضع، والشيوخ الركع، والنساء والعجزة؟! لا تشمتوا بأنفسكم أعداء الإسلام، ولا تدمروا بلادكم ومقدراتها بأيديكم، ولا تملؤوا البيوت والقلوب بالأحقاد.
احقنوا الدماء، وأبقوا على بقية الأواصر والأرحام، وأخوة الإسلام، ولا تطيعوا أمر المسرفين.
عودوا إلى كتاب الله، وسنة نبيه محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، وارجعوا فيما شجر بينكم إلى كتاب ربكم تفلحوا، فقد قال الله في محكم كتابه: فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا [النساء:59]، وقال سبحانه: وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِن شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ [الشورى:10].
أيها الزعماء: إنني أذكركم الله في عباده، فلا تقودوهم إلى عداوات قاتلة، وقطيعة رحم فاجعة، وجراح عميقة.
أعيذكم بالله أن تتمادوا في هذه الحرب الطاحنة؛ فيصدق عليكم قول الله تعالى: فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ [محمد:22]، أو يكون أحد فيكم ممن قال الله فيهم: وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيِهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الفَسَادَ [البقرة:205].
اتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام، وكفوا عن الأعمال العشوائية، التي أنتم أول من فجع ويفجع بها؛ فهي فساد عظيم، وقد نهى الله عن تطلب الفساد فقال: وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ [القصص:77]، وقال جل من قائل: إِنَّ اللّهَ لاَ يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ [يونس:81]، فاذكروا نعمة الله عليكم، وانتفعوا بقوله تبارك وتعالى: فَاذْكُرُواْ آلاء اللّهِ وَلاَ تَعْثَوْا فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ [الأعراف:74].
أيها القادة: تذكروا ما أوقع الخلاف والتخريب والقتال في بعض البلاد الإسلامية التي تعرفونها قريبًا منكم، كم حصل فيها من دمار شامل، وعداوات مستحكمة، وخراب عام؟! ولا يزالون في اضطراب، نسأل الله أن يهديهم.
فعليكم أن تدفعوا أخطار هذه الحرب رحمة بأمتكم، وحفاظًا على مصالحها، ولن يتم ذلك إلا بالرجوع إلى الحق والهدى، وهو في كتاب الله.
أين الرحمة والعقل؟! أَلا تنزلون مشاكلكم على شريعة الله؟! ألا تعودون إلى البحث والتفاهم، والإبقاء على البقية من الأمة ومصالحها؟! إني أعيذكم بالله من التمادي في ركوب هذه الطريق الوعرة.
إنها الحرب التي نارها لا تبقي ولا تذر، فلا تستمروا في تهييجها؛ فإن وقودها الرجال والنساء والأطفال والحرث، وسائر مقدرات الأمة، كما رأيتم ذلك بأنفسكم.
إن هذه الكلمة نصيحة مشفق عليكم، يحزنه استمرار القتال بينكم، ويقلقه هدم المنازل على من فيها، فإن هذا أمر منكر مستنكر لو كان من أعدائكم في الدين، فكيف إذا كان ذلك بين من قبلتهم واحدة، وكتابهم واحد، ونبيهم ﷺ واحد؟!
ألا تأخذون بالرفق؛ فإن الله يعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف، وإن الله يحب أهل الرحمة ويرحمهم، كما قال النبي الكريم ﷺ: الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء[1]. وقال عليه السلام: من لا يَرْحَم لا يُرْحَم[2]. والله سبحانه قد حث على الصلح ومدحه، فقال سبحانه: وَالصُّلْحُ خَيْرٌ [النساء:128]، وقال جل وعلا: لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أو مَعْرُوفٍ أو إِصْلاَحٍ بَيْنَ النَّاسِ [النساء:114]، وقال جل من قائل: فَاتَّقُواْ اللّهَ وَأَصْلِحُواْ ذَاتَ بِيْنِكُمْ وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ [الأنفال:1].
هذه نصيحة مشفق، يؤلمه ما يقع بين المسلمين من محنة وفتن، ويسوؤه ما حل بينهم من عداوات وحروب.
وأسأل الله أن ينفعكم بها، وأن يوفقكم لتلافي أخطار هذه الحروب وإيقافها؛ إنه سبحانه قريب مجيب.
وصلى الله على نبينا محمد، وآله وصحبه وسلم[3].
مفتي عام المملكة العربية السعودية
ورئيس هيئة كبار العلماء وإدارة البحوث العلمية والإفتاء
ورئيس المجلس التأسيسي لرابطة العالم الإسلامي بمكة المكرمة
 
  1. أخرجه أبو داود برقم: 4290، كتاب (الأدب)، والترمذي برقم: 1847، كتاب (البر والصلة).
  2. أخرجه البخاري برقم: 6829، كتاب (التوحيد)، ومسلم برقم: 1531، كتاب (الجنائز).
  3. نشرت في مجلة (الصحوة)، في العدد: 1447، بتاريخ 21/1/1415هـ، كما نشرت في جريدة (عكاظ)، في العدد: 10181، بتاريخ 14/1/1415هـ، وفي مجلة (الدعوة) بتاريخ 21/1/1415هـ، وفي ج8 من هذا المجموع ص251-254، (مجموع فتاوى ومقالات الشيخ ابن باز 22/ 384).