الحمد لله، والصلاة والسلام على سيد الأولين والآخرين نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.
فقد اطلعت على ما كتبه الشيخ صالح محمد جمال بجريدة الندوة في عدد الاثنين 2/4/1405هـ تحت عنوان (خطب الجمعة وحوادث الساعة).
وقد ساءني ما تضمنه من اعتراض الكاتب على خطيب المسجد الحرام، وما قاله الكاتب عن المولد النبوي، وما قاله في المآدب التي يقيمها أهل الميت في اليوم الثالث من الوفاة.
فالكاتب هداه الله إلى الصواب خاض في هذه الأمور بغير علم، واعترض على الخطيب واعتبر حديثه كلاما مملا وهذا اعتراض بالباطل. لأن ما قاله الخطيب حق وفي محله، وليس كلاما مملا بل هو من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي أمر الله به ورسوله ﷺ. وقد لعن بني إسرائيل لتخاذلهم في الأمر بالمعروف وتركهم المنكر يظهر بين قومهم فلا يغيرونه، فقال عز وجل: لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ [المائدة:78-79] ولا يرضى مسلم صحيح العقيدة سليم الإيمان بربه أن يتصف بعمل كفار بني إسرائيل في عدم إنكار المنكر والتساهل به وعدم التحذير منه، وقد صح عن رسول الله ﷺ أنه قال: إن الناس إذا رأوا المنكر فلم يغيروه أوشكك أن يعمهم الله بعقابه[1].
أما ما يتعلق بالاحتفال بالمولد النبوي فقد قامت الأدلة الشرعية على أنه لا يجوز الاحتفال بمولد رسول الله ﷺ ولا غيره، لأن ذلك من البدع المحدثة، لكون رسول الله ﷺ لم يفعله ولا أحد من خلفائه الراشدين أو أصحابه رضوان الله عليهم أجمعين ولم يفعله أيضا التابعون لهم بإحسان في القرون المفضلة وهم أعلم الناس بالسنة، وأكمل حبا لرسول الله ﷺ، وأحرص على متابعة شرعه ممن بعدهم. وقد ثبت عن النبي ﷺ أنه قال: من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد[2] أي: مردود عليه.
وقال في حديث أخر: عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة[3].
ففي هذين الحديثين تحذير شديد من إحداث البدع والعمل بها، وقد قال سبحانه في كتابه المبين: وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا [الحشر:7] وقال عز وجل: فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ [النور:63] وقال تعالى: وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِيي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ [التوبة:100] وذم سبحانه من شرع في دين الله ما لم يأذن به فقال: أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ [الشورى:21]
والآيات في هذا المعنى كثيرة، وإحداث مثل هذه الموالد يفهم منه أن الله سبحانه لم يكمل الدين لهذه الأمة وأن الرسول ﷺ لم يبلغ الأمة ما ينبغي أن تعمل به حتى جاء هؤلاء المتأخرون فأحدثوا في شرع الله ما لم يأذن به زاعمين أن ذلك مما يقربهم إلى الله، وهذا بلا شك فيه خطر عظيم واعتراض على الله سبحانه، وعلى رسوله ﷺ، لأن الله سبحانه قد أكمل لعباده الدين وأتم عليهم النعمة، ورسوله ﷺ قد بلغ البلاغ المبين.
فلو كان الاحتفال بالموالد من الدين الذي يرضاه الله سبحانه لبينه الرسول ﷺ للأمة أو فعله في حياته أو فعله أصحابه رضي الله عنهم، فلما لم يقع شيء من ذلك علم أنه ليس من الإسلام في شيء. بل هو من المحدثات التي حذر منها رسول الله ﷺ أمته كما تقدم ذلك في الحديثين السابقين، وقد جاء في معناهما أحاديث أخرى مثل قوله ﷺ في خطبة الجمعة: أما بعد فإن خير الحديث كتاب اللهه وخير الهدي هدي محمد ﷺ وشر الأمور محدثاتها وكل بدعة ضلالة رواه الإمام مسلم في صحيحه.
وقد صرح جماعة من العلماء بإنكار الموالد والتحذير منها كشيخ الإسلام ابن تيمية، والشاطبي، وآخرين عملا بالأدلة المذكورة وغيرها، وخالف بعض المتأخرين فأجازها إذا لم تشتمل على شيء من المنكرات كالغلو في رسول الله ﷺ، وكاختلاط النساء بالرجال واستعمال آلات الملاهي وغير ذلك مما ينكره الشرع المطهر، وظنوا أنها من البدع الحسنة، والقاعدة الشرعية رد ما تنازع فيه الناس إلى كتاب الله وسنة رسوله محمد ﷺ، وقد رددنا هذه المسألة -وهي الاحتفال بالمولد- إلى كتاب الله سبحانه فوجدناه يأمرنا باتباع الرسول ﷺ فيما جاء به ويحذرنا أن نشرع في دينه ما لم يأذن به، ويخبرنا بأن الله سبحانه قد أكمل لهذه الأمة دينها، وليس هذا الاحتفال مما جاء به الرسول فيكون ليس من الدين الذي أكمله الله لنا وأمرنا باتباع الرسول فيه.
وقد رددنا ذلك أيضا إلى سنة رسول الله ﷺ، فلم نجد فيها أنه فعله ولا أمر به ولا فعله أصحابه رضي الله عنهم، فعلمنا بذلك أنه ليس من الدين بل هو من البدع المحدثة، ومن التشبه باليهود والنصارى في أعيادهم، وبذلك يتضح لكل من له أدنى بصيرة ورغبة في الحق وإنصاف في طلبه أن الاحتفال بالموالد ليس من دين الإسلام، بل هو من البدع المحدثات التي أمرنا الله ورسوله بتركها والحذر منها.
ولا ينبغي لعاقل أن يغتر بكثرة من يفعله من الناس في سائر الأقطار فإن الحق لا يعرف بكثرة الفاعلين، وإنما يعرف بالأدلة الشرعية. قال الله تعالى: وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ [الأنعام:116] والخطيب في المسجد الحرام وفقه الله قد أحسن في إنكاره بدعة المولد ونصح لله ولعباده بأسلوب حسن وأدلة واضحة على أعظم منبر إسلامي حتى تعم الفائدة وتقوم الحجة على من لم تبلغه. فالاعتراض عليه غلط محض واعتراض في غير محله وجرأة على الله وعلى دينه بغير علم ولا هدى، ومخالفة لما تقدم من الأدلة الشرعية، وليس في البدع شيء حسن بل كلها ضلالة كما قال ذلك النبي ﷺ.
أما الولائم التي تقام للعزاء بعد الموت فلاشك أنها من أمر الجاهلية، ومن النياحة التي حذر منها رسول الله ﷺ وإن جهل الكاتب هداه الله ذلك، وإنما السنة عند الموت أن يصنع طعام لأهل الميت يبعث به إليهم إعانة لهم وجبرا لقلوبهم، فإنهم ربما اشتغلوا بمصيبتهم وبمن يأتي إليهم عن إصلاح طعام لأنفسهم، لما روى الإمام أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجة بسند صحيح عن عبدالله بن جعفر بن أبي طالب رضي الله عنهما قال: لما جاء نعي جعفر قال رسول الله ﷺ لأهله: اصنعوا لآل جعفر طعاما فإنه قد أتاهم ما يشغلهم فهذا هو السنة.
وأما صنع الطعام من أهل الميت للناس سواء كان ذلك من مال الورثة أو من ثلث الميت أو من شخص آخر فهذا لا يجوز. لأنه خلاف السنة ومن عمل الجاهلية كما تقدم، ولأن في ذلك زيادة تعب لهم على مصيبتهم وشغلا إلى شغلهم. وقد روى أحمد وابن ماجة بإسناد جيد عن جرير بن عبدالله البجلي رضي الله عنه أنه قال: كنا نعد الاجتماع إلى أهل الميت وصنعة الطعام بعد الدفن من النياحة.
ولم يثبت عن رسول الله ﷺ ولا عن أحد من أصحابه رضي الله عنهم ولا عن السلف الصالح إقامة حفل للميت مطلقا لا عند وفاته ولا بعد أسبوع ولا بعد أربعين يوما ولا بعد سنة من وفاته، بل ذلك بدعة يجب تركها وإنكارها والتوبة إلى الله منها لما فيها من الابتداع في الدين ومشابهة أهل الجاهلية.
وقد قال الإمام العلامة أبو محمد عبدالله بن أحمد بن قدامة المقدسي رحمه الله في كتابه المغني ما نصه: (مسألة: قال ولا بأس أن يصلح لأهل الميت طعاما يبعث به إليهم ولا يصلحون هم طعاما يطعمون الناس. وجملة ذلك أنه يستحب إصلاح طعام لأهل الميت يبعث به إليهم إعانة لهم وجبرا لقلوبهم فإنهم ربما اشتغلوا بمصيبتهم وبمن يأتي إليهم عن إصلاح طعام لأنفسهم.
وقد روى أبو داود في سننه بإسناده عن عبدالله بن جعفر قال: لما جاء نعي جعفر قال رسول الله ﷺ: اصنعوا لآل جعفر طعاما فإنه قد أتاهم أمر شغلهم.
وروي عن عبدالله بن أبي بكر أنه قال: (فما زالت السنة فينا حتى تركها من تركها فأما صنع أهل الميت طعاما للناس فمكروه؛ لأن فيه زيادة على مصيبتهم وشغلا لهم إلى شغلهم وتشبها بصنع أهل الجاهلية). ويروى أن جريرا وفد على عمر فقال: (هل يناح على ميتكم؟ قال: لا، قال: وهل يجتمعون عند أهل الميت ويجعلون الطعام؟ قال: نعم قال ذاك النوح) انتهى المقصود.
وقوله لأبي ذر لما عير رجلا بأمه: إنك امرؤ فيك جاهلية والأحاديث في هذا المعنى كثيرة، وقد قال الله سبحانه في كتابه المبين لنساء النبي ﷺ وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى [الأحزاب:33] الآية.
أما الأمور الأخرى التي لا تعلق لها بالعبادات ولا بأمر الجاهلية فالأصل فيها الحل إلا ما حرمه الشرع كأنواع المآكل والمشارب والصناعات ونحو ذلك؛ لأن الناس أعلم بأمور دنياهم. ويستثنى من ذلك ما حرمه الله ورسوله كلبس الذهب والحرير للذكور، وكتشبه الرجال بالنساء ونحو ذلك مما نص الشرع على النهي عنه فهو مستثنى من هذه القاعدة.
ولما أوجب الله من النصح له سبحانه ولعباده، ولما يجب من التنبيه على الأخطاء التي وقع فيها الكاتب وأعلنها، رأيت التنبيه على ذلك.
وأسأل الله أن يوفقنا والكاتب وسائر المسلمين لما يرضيه من القول والعمل، وأن يمن على الجميع بالتوبة النصوح، وأن يرزقنا جميعا التمسك بكتابه وسنة نبيه محمد ﷺ والحذر مما يخالفهما إنه ولي ذلك والقادر عليه.
وصلى الله وسلم على نبينا وإمامنا محمد وآله وصحبه ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين[4].
اطلعت على ما كتبه الشيخ صالح محمد جمال بجريدة الندوة في عدد الاثنين 2/4/1405هـ تحت عنوان (خطب الجمعة وحوادث الساعة). وقد ساءني ما تضمنه من اعتراض الكاتب على خطيب المسجد الحرام، وما قاله الكاتب عن المولد النبوي
أما بعد:فقد اطلعت على ما كتبه الشيخ صالح محمد جمال بجريدة الندوة في عدد الاثنين 2/4/1405هـ تحت عنوان (خطب الجمعة وحوادث الساعة).
وقد ساءني ما تضمنه من اعتراض الكاتب على خطيب المسجد الحرام، وما قاله الكاتب عن المولد النبوي، وما قاله في المآدب التي يقيمها أهل الميت في اليوم الثالث من الوفاة.
فالكاتب هداه الله إلى الصواب خاض في هذه الأمور بغير علم، واعترض على الخطيب واعتبر حديثه كلاما مملا وهذا اعتراض بالباطل. لأن ما قاله الخطيب حق وفي محله، وليس كلاما مملا بل هو من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي أمر الله به ورسوله ﷺ. وقد لعن بني إسرائيل لتخاذلهم في الأمر بالمعروف وتركهم المنكر يظهر بين قومهم فلا يغيرونه، فقال عز وجل: لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ [المائدة:78-79] ولا يرضى مسلم صحيح العقيدة سليم الإيمان بربه أن يتصف بعمل كفار بني إسرائيل في عدم إنكار المنكر والتساهل به وعدم التحذير منه، وقد صح عن رسول الله ﷺ أنه قال: إن الناس إذا رأوا المنكر فلم يغيروه أوشكك أن يعمهم الله بعقابه[1].
ما يتعلق بالاحتفال بالمولد النبوي فقد قامت الأدلة الشرعية على أنه لا يجوز الاحتفال بمولد رسول الله ﷺ ولا غيره، لأن ذلك من البدع المحدثة
أما ما يتعلق بالاحتفال بالمولد النبوي فقد قامت الأدلة الشرعية على أنه لا يجوز الاحتفال بمولد رسول الله ﷺ ولا غيره، لأن ذلك من البدع المحدثة، لكون رسول الله ﷺ لم يفعله ولا أحد من خلفائه الراشدين أو أصحابه رضوان الله عليهم أجمعين ولم يفعله أيضا التابعون لهم بإحسان في القرون المفضلة وهم أعلم الناس بالسنة، وأكمل حبا لرسول الله ﷺ، وأحرص على متابعة شرعه ممن بعدهم. وقد ثبت عن النبي ﷺ أنه قال: من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد[2] أي: مردود عليه.
وقال في حديث أخر: عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة[3].
ففي هذين الحديثين تحذير شديد من إحداث البدع والعمل بها، وقد قال سبحانه في كتابه المبين: وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا [الحشر:7] وقال عز وجل: فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ [النور:63] وقال تعالى: وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِيي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ [التوبة:100] وذم سبحانه من شرع في دين الله ما لم يأذن به فقال: أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ [الشورى:21]
والآيات في هذا المعنى كثيرة، وإحداث مثل هذه الموالد يفهم منه أن الله سبحانه لم يكمل الدين لهذه الأمة وأن الرسول ﷺ لم يبلغ الأمة ما ينبغي أن تعمل به حتى جاء هؤلاء المتأخرون فأحدثوا في شرع الله ما لم يأذن به زاعمين أن ذلك مما يقربهم إلى الله، وهذا بلا شك فيه خطر عظيم واعتراض على الله سبحانه، وعلى رسوله ﷺ، لأن الله سبحانه قد أكمل لعباده الدين وأتم عليهم النعمة، ورسوله ﷺ قد بلغ البلاغ المبين.
فلو كان الاحتفال بالموالد من الدين الذي يرضاه الله سبحانه لبينه الرسول ﷺ للأمة أو فعله في حياته أو فعله أصحابه رضي الله عنهم، فلما لم يقع شيء من ذلك علم أنه ليس من الإسلام في شيء. بل هو من المحدثات التي حذر منها رسول الله ﷺ أمته كما تقدم ذلك في الحديثين السابقين، وقد جاء في معناهما أحاديث أخرى مثل قوله ﷺ في خطبة الجمعة: أما بعد فإن خير الحديث كتاب اللهه وخير الهدي هدي محمد ﷺ وشر الأمور محدثاتها وكل بدعة ضلالة رواه الإمام مسلم في صحيحه.
وقد صرح جماعة من العلماء بإنكار الموالد والتحذير منها كشيخ الإسلام ابن تيمية، والشاطبي، وآخرين عملا بالأدلة المذكورة وغيرها، وخالف بعض المتأخرين فأجازها إذا لم تشتمل على شيء من المنكرات كالغلو في رسول الله ﷺ، وكاختلاط النساء بالرجال واستعمال آلات الملاهي وغير ذلك مما ينكره الشرع المطهر، وظنوا أنها من البدع الحسنة، والقاعدة الشرعية رد ما تنازع فيه الناس إلى كتاب الله وسنة رسوله محمد ﷺ، وقد رددنا هذه المسألة -وهي الاحتفال بالمولد- إلى كتاب الله سبحانه فوجدناه يأمرنا باتباع الرسول ﷺ فيما جاء به ويحذرنا أن نشرع في دينه ما لم يأذن به، ويخبرنا بأن الله سبحانه قد أكمل لهذه الأمة دينها، وليس هذا الاحتفال مما جاء به الرسول فيكون ليس من الدين الذي أكمله الله لنا وأمرنا باتباع الرسول فيه.
وقد رددنا ذلك أيضا إلى سنة رسول الله ﷺ، فلم نجد فيها أنه فعله ولا أمر به ولا فعله أصحابه رضي الله عنهم، فعلمنا بذلك أنه ليس من الدين بل هو من البدع المحدثة، ومن التشبه باليهود والنصارى في أعيادهم، وبذلك يتضح لكل من له أدنى بصيرة ورغبة في الحق وإنصاف في طلبه أن الاحتفال بالموالد ليس من دين الإسلام، بل هو من البدع المحدثات التي أمرنا الله ورسوله بتركها والحذر منها.
ولا ينبغي لعاقل أن يغتر بكثرة من يفعله من الناس في سائر الأقطار فإن الحق لا يعرف بكثرة الفاعلين، وإنما يعرف بالأدلة الشرعية. قال الله تعالى: وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ [الأنعام:116] والخطيب في المسجد الحرام وفقه الله قد أحسن في إنكاره بدعة المولد ونصح لله ولعباده بأسلوب حسن وأدلة واضحة على أعظم منبر إسلامي حتى تعم الفائدة وتقوم الحجة على من لم تبلغه. فالاعتراض عليه غلط محض واعتراض في غير محله وجرأة على الله وعلى دينه بغير علم ولا هدى، ومخالفة لما تقدم من الأدلة الشرعية، وليس في البدع شيء حسن بل كلها ضلالة كما قال ذلك النبي ﷺ.
أما الولائم التي تقام للعزاء بعد الموت فلاشك أنها من أمر الجاهلية، ومن النياحة التي حذر منها رسول الله ﷺ وإن جهل الكاتب هداه الله ذلك، وإنما السنة عند الموت أن يصنع طعام لأهل الميت يبعث به إليهم إعانة لهم وجبرا لقلوبهم، فإنهم ربما اشتغلوا بمصيبتهم وبمن يأتي إليهم عن إصلاح طعام لأنفسهم، لما روى الإمام أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجة بسند صحيح عن عبدالله بن جعفر بن أبي طالب رضي الله عنهما قال: لما جاء نعي جعفر قال رسول الله ﷺ لأهله: اصنعوا لآل جعفر طعاما فإنه قد أتاهم ما يشغلهم فهذا هو السنة.
وأما صنع الطعام من أهل الميت للناس سواء كان ذلك من مال الورثة أو من ثلث الميت أو من شخص آخر فهذا لا يجوز. لأنه خلاف السنة ومن عمل الجاهلية كما تقدم، ولأن في ذلك زيادة تعب لهم على مصيبتهم وشغلا إلى شغلهم. وقد روى أحمد وابن ماجة بإسناد جيد عن جرير بن عبدالله البجلي رضي الله عنه أنه قال: كنا نعد الاجتماع إلى أهل الميت وصنعة الطعام بعد الدفن من النياحة.
ولم يثبت عن رسول الله ﷺ ولا عن أحد من أصحابه رضي الله عنهم ولا عن السلف الصالح إقامة حفل للميت مطلقا لا عند وفاته ولا بعد أسبوع ولا بعد أربعين يوما ولا بعد سنة من وفاته، بل ذلك بدعة يجب تركها وإنكارها والتوبة إلى الله منها لما فيها من الابتداع في الدين ومشابهة أهل الجاهلية.
وقد قال الإمام العلامة أبو محمد عبدالله بن أحمد بن قدامة المقدسي رحمه الله في كتابه المغني ما نصه: (مسألة: قال ولا بأس أن يصلح لأهل الميت طعاما يبعث به إليهم ولا يصلحون هم طعاما يطعمون الناس. وجملة ذلك أنه يستحب إصلاح طعام لأهل الميت يبعث به إليهم إعانة لهم وجبرا لقلوبهم فإنهم ربما اشتغلوا بمصيبتهم وبمن يأتي إليهم عن إصلاح طعام لأنفسهم.
وقد روى أبو داود في سننه بإسناده عن عبدالله بن جعفر قال: لما جاء نعي جعفر قال رسول الله ﷺ: اصنعوا لآل جعفر طعاما فإنه قد أتاهم أمر شغلهم.
وروي عن عبدالله بن أبي بكر أنه قال: (فما زالت السنة فينا حتى تركها من تركها فأما صنع أهل الميت طعاما للناس فمكروه؛ لأن فيه زيادة على مصيبتهم وشغلا لهم إلى شغلهم وتشبها بصنع أهل الجاهلية). ويروى أن جريرا وفد على عمر فقال: (هل يناح على ميتكم؟ قال: لا، قال: وهل يجتمعون عند أهل الميت ويجعلون الطعام؟ قال: نعم قال ذاك النوح) انتهى المقصود.
قول الكاتب هداه الله وهل كل ما لم يفعله الرسول وأصحابه حرام أم العكس هو الصحيح، أي: أن الأصل في كل الأعمال هو الحل إلا ما ورد نص بالتحريم. فهذا الكلام فيه إجمال وإفراط وليس على إطلاقه، والصواب أن يقال: إنما تركه الرسول ﷺ فيما يتعلق بالعبادات لا يجوز لأحد إحداثه ولا تشريعه للناس؛ لأن العبادات توقيفية لا يشرع منها إلا ما شرعه الله ورسوله، فمن أحدث شيئا من العبادات فقد شرع في الدين ما لم يأذن به الله، ويعتبر بذلك مبتدعا مخالفا للشرع المطهر
وأما قول الكاتب هداه الله وهل كل ما لم يفعله الرسول وأصحابه حرام أم العكس هو الصحيح، أي: أن الأصل في كل الأعمال هو الحل إلا ما ورد نص بالتحريم. فهذا الكلام فيه إجمال وإفراط وليس على إطلاقه، والصواب أن يقال: إنما تركه الرسول ﷺ فيما يتعلق بالعبادات لا يجوز لأحد إحداثه ولا تشريعه للناس؛ لأن العبادات توقيفية لا يشرع منها إلا ما شرعه الله ورسوله، فمن أحدث شيئا من العبادات فقد شرع في الدين ما لم يأذن به الله، ويعتبر بذلك مبتدعا مخالفا للشرع المطهر يجب رد بدعته عليه للأدلة السابقة، ومن ذلك الاحتفال بالموالد كما تقدم، وهكذا ما كان من أمر الجاهلية لا يجوز لأحد إحداثه ولا إقراره كإقامة المآتم بعد الموت، لأن أمر الجاهلية كله مرفوض ومنهي عنه إلا ما أقره الشرع المطهر، لقول النبي ﷺ في حجة الوداع: إن أمر الجاهلية كلهه موضوع.وقوله لأبي ذر لما عير رجلا بأمه: إنك امرؤ فيك جاهلية والأحاديث في هذا المعنى كثيرة، وقد قال الله سبحانه في كتابه المبين لنساء النبي ﷺ وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى [الأحزاب:33] الآية.
أما الأمور الأخرى التي لا تعلق لها بالعبادات ولا بأمر الجاهلية فالأصل فيها الحل إلا ما حرمه الشرع كأنواع المآكل والمشارب والصناعات ونحو ذلك؛ لأن الناس أعلم بأمور دنياهم. ويستثنى من ذلك ما حرمه الله ورسوله كلبس الذهب والحرير للذكور، وكتشبه الرجال بالنساء ونحو ذلك مما نص الشرع على النهي عنه فهو مستثنى من هذه القاعدة.
ولما أوجب الله من النصح له سبحانه ولعباده، ولما يجب من التنبيه على الأخطاء التي وقع فيها الكاتب وأعلنها، رأيت التنبيه على ذلك.
وأسأل الله أن يوفقنا والكاتب وسائر المسلمين لما يرضيه من القول والعمل، وأن يمن على الجميع بالتوبة النصوح، وأن يرزقنا جميعا التمسك بكتابه وسنة نبيه محمد ﷺ والحذر مما يخالفهما إنه ولي ذلك والقادر عليه.
وصلى الله وسلم على نبينا وإمامنا محمد وآله وصحبه ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين[4].
- رواه ابن ماجة في الفتن بهذا المعنى.
- رواه البخاري في كتاب الصلح (5) ومسلم في كتاب الأقضية (17).
- رواه الترمذي في كتاب العلم وابن ماجه في المقدمة وأبو داود في السنة.
- نشرت في مجلة البحوث الإسلامية، العدد 12 من ص 369 – 374، (مجموع فتاوى ومقالات الشيخ ابن باز 2/ 352).