أما الإسلام الذي يتعلق به الثواب والعقاب والطاعة والاختيار والترك فهذا هو الإسلام الذي بعث الله به الرسل عليهم الصلاة والسلام جميعا إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ [آل عمران:19]، هو الطاعة لله، والاستقامة على أوامره، وترك مناهيه، هذا للعقلاء للجن والإنس، كلف به العقلاء الذين يعقلون ما يضرهم وما ينفعهم، يعقلون الخير والشر، والهدى والضلال، فهم يؤخذون بما يفعلون من الشر ويثابون على ما يفعلون من الخير؛ لأن لهم إرادة، ولهم مشيئة، ولهم اختيار، ولهم عقول يفهمون بها ما يضر وما ينفع، فهم المكلفون، وهم الثقلان الجن والإنس وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [الذاريات:56]، فهم مكلفون بالأوامر والنواهي، فدين الإسلام هو الذي جاء به الرسل، وهو يتضمن انقيادهم لله طاعة له، وتعظيمًا له سبحانه وتعالى، فالاختيار هذا هو الذي به ثوابهم وبه جزاؤهم عن اختيار ورغبة فيما عند الله عز وجل، فإذا حادوا عن ذلك جوزوا بما يستحقون من العقاب؛ لأنهم حادوا عن اختيار وعن مشيئة وعن إرادة، فلهم اختيار، ولهم إرادة، ولهم مشيئة يكرهون ويرضون، يحبون ويكرهون، يريدون ولا يريدون، يعملون ولا يعلمون، لهم عقول يستطيعون بها اختيار الخير وترك الشر كما قال : لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ [التكوير:28-29]، فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا [المزمل:19]، إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ [النور:30]، خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ [آل عمران:153]، تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ [الأنفال:67]، فلهم أعمال ولهم مشيئة ولهم إرادة فهم مؤاخذون بذلك مكلفون، فإذا امتثلوا أوامر الله التي جاءت بها الرسل فلهم الثواب والعاقبة الحميدة والجنة يوم القيامة، وإذا خالفوا ذلك وعصوا وتابعوا الأهواء والشيطان فهم مكلفون بهذا ولهم عقاب على هذا؛ لأنهم حادوا عن الحق الذي عرفوه وجاءت به الرسل عليهم الصلاة والسلام، فالثقلان مكلفون بالإسلام الذي جاءت به الرسل من عهد آدم إلى أن جاء نبينا محمد عليه الصلاة والسلام.
ثم بعث الله نبينا محمد ﷺ بالإسلام الذي بعث به الرسل وأعطاه شريعة كاملة، الرسل الماضون كل واحد له شريعة كما قال سبحانه: لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا [المائدة:48]، قد يكون عند بعض الرسل الصلوات مثلًا أكثر من خمس، قد يكون عندهم صوم خاص غير صوم رمضان، قد يكون عندهم زكوات غير زكاتنا تزيد عليها أو تنقص عنها، قد يكون عندهم غير ذلك من التكاليف من الأعمال من الأقوال لا ندري أن شرائعهم مطابقة لما عندهم بل عندهم زيادات وعندهم أشياء ناقصة هم لهم شرائع تليق بهم.