.. يقول الله : وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ [النور:32] كثير من الناس يرزق بالخاطب الصالح الطيب، ولكن يمتنع يقول: إنه فقير ما عنده دخل كافي، فيمتنع من التزويج، وإن كانت البنت قد رضيت وتحب ذلك ولكنه يحمله جهله أو سوء ظنه بالله أو سوء ظن أمها أو أختها فيمتنع من التزويج؛ لأنه ليس له رصيد، ليس له وظيفة كذا وكذا، والمهر متيسر لكن يقول المستقبل، وهذا غلط فالله يقول: إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ [النور:32]، وروي عن عمر وابن مسعود وابن عباس أنهم قالوا: "التمسوا الغنى في الزواج"، فإذا تزوج الإنسان يسر الله أمره، ويحسن ظنه بربه وليتزوج ما دام المهر متيسرًا، والله جل وعلا يعينه بعد ذلك يرزقه أسبابًا يرزقه وظيفة يرزقه أسبابًا أخرى يقوم بها ويحصل بها الرزق، في الحديث يقول النبي ﷺ: ثلاث حق على الله عونهم منهم الناكح يريد العفاف، والمكاتب الذي يكاتب سيده في شراء نفسه للعتق والثالث «الغازي في سبيل الله»، فالناكح المتزوج الذي يريد العفاف يرزقه الله ويعينه، فينبغي ونصيحتي للأولياء ألا يتاخروا عن الزواج إذا خطب الكفء، وإن كانت ليست له ثروة، وإن كان غير معروف بوظيفة كبيرة، فسوف يغنيه الله، ويسهل أمره، فلا ينبغي أن يكون قلة المال مانع من التزويج ما دام تقدم وخطب وهو لا يتقدم إلا وعنده المهر المعتاد الكافي، ثم بعد هذا يسهل الله جل وعلا، أما العاجز الذي ما عنده مهر مثل ما قال سبحانه: وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ [النور:33]، الذي ما عنده شيء يستعفف حتى يغنيه الله، لكن من تقدم وخطب ويقدم المهر ولكنه يخشى أن يكون ما عنده في المستقبل ما يكفي للنفقة فهذا لا ينبغي أن يكون مانعًا، بل سوف يغنيه الله، وينبغي في هذا التعاون بعد ذلك فإنه بين أصهاره وغيرهم حتى يسهل الله من الأسباب ما يحصل به الكفاية، فلا ينبغي أن يرد عن النكاح عدم وجود الأسباب التي يرجى منها أن تكون كافية متى تقدم وقدم المهر المناسب وهو ممن يرتضى في دينه، فهذه نعمة عظيمة، ويروى عنه أنه قال: إذا خطب إليكم من ترضون دينه وخلقه وفي لفظ: وأمانته، فزوجوه، إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير وفي لفظ: وفساد عريض، فإذا تقدم الذي يرضى دينه وخلقه فالذي ينبغي أن يوافق وأن يقبل، وأما الرزق بعد ذلك فإلى الله، سوف يسهل الله الأمور، سوف يأتي الله بالأرزاق، فلا ينبغي سوء الظن بالله، بل ينبغي حسن الظن بالله، وأن يعان الزوج بعد ذلك على الأسباب التي تعينه على ما يقوم بالحال ويسد الحاجة بينه وبين زوجته، وقد تكون الزوجة عندها أسباب تكون مدرسة قد تكون طالبة لها معاش جيد فيتعاونا جميعًا على أمور الحياة، وما المانع أن تعينه ويعينها إذا صلحت الحال بينهما، فلا مانع أن تنفق عليه، ولا مانع أن يكون عليها نصف النفقة إذا رضيت بذلك، ولا مانع أن تقدم له راتبها في وظيفتها في تدريسها في طلبها، فالحاصل أن النفقة بعد الزواج أمرها إلى الله وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا [الطلاق:2] وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا [الطلاق:4].
وسمعتم ما ذكر عن قصة سعيد بن المسيب رحمة الله عليه وهو من التابعين من الكبار ومن الفقهاء العظام وهي قصة مشهورة عند أهل العلم ذكروها في ترجمته حيث قدم الشاب الفقير وأعطاه ابنته على مهر قليل على درهم مع أن ولي العهد ولي عهد أمير المؤمنين قد خطبها، فأبى عليها ذلك؛ لأنه خاف عليها من شر الدنيا وفتنتها، وأحب لها الرجل الصالح وطالب العلم؛ لأن هذا آمن عليها، وأقرب إلى سلامتها، وهي راضية بذلك لفقهها وعلمها، فهذا من باب التحري من باب النظر من الولي لابنته وأخته، وإن كان ذلك من نقص دنيوي عن أرباب الدنيا لكنه أمر عظيم عند أهل البصائر، شيء عظيم عند أهل البصيرة أن يؤثر الآخرة وأن يؤثر الرجل الصالح وطالب العلم الذي ترضى به المرأة، وإن فوت ذلك على كبير وعلى عظيم من الرؤساء والأمراء، والله المستعان.